منار
السبيل في شرح الدليل كتاب الطهارة
مدخل
مدخل
...
كتاب الطهارة
[وهي رفع الحدث] أي زوال الوصف القائم بالبدن،
المانع من الصلاة ونحوها.
[وزوال الخبث] أي النجاسة، أو زوال حكمها
بالاستجمار أو التيمم [وأقسام الماء ثلاثة،
أحدها طهور وهو الباقي على خلقته] التي خلق
عليها سواء نبع من نبع من الأرض، أو نزل من
السماء، على أي لون كان.
[يرفع الحدث ويزيل الخبث] لقوله تعالى:
{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [ الأنفال: 11]
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم طهرني
بالماء والثلج والبرد" متفق عليه، وقوله في
البحر "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" رواه
الخمسة، وصححه الترمذي.
وهو أربعة أنواع:
1 -[ ماء يحرم استعماله ولا يرفع الحدث ويزيل
الخبث وهو ما ليس مباحاً] كمغصوب ونحوه، لقوله
صلى الله عليه وسلم، في خطبته يوم النحر بمنى
"إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم
هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" رواه مسلم من
حديث جابر.
2- [و ماء يرفع حدث الأنثى لا الرجل البالغ
والخنثى، وهو ما خلت به المرأة المكلفة لطهارة
كاملة عن حدث] لحديث الحكم بن عمرو الغفاري
(1/8)
رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى أن
يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة" رواه الخمسة.
وقال أحمد: جماعة كرهوه. وخصصناه بالخلوة،
لقول عبد الله بن سرجس: توضأ أنت ها هنا وهي
ها هنا، فأما إذا خلت به، فلا تقربنه.
3 - [وماء يكره استعماله مع عدم الاحتياج إليه
وهو ماء بئر بمقبرة] قال في الفروع في
الأطعمة: وكره أحمد ماء بئر بين القبور،
وشوكها وبقلها. قال ابن عقيل: كما سمد بنجس
والجلالة، انتهى.
[وماء اشتد حره أو برده] لأنه يؤذي ويمنع كمال
الطهارة.
[أو سخن بنجاسة أو بمغصوب] لأنه لا يسلم
غالباً من صعود أجزاء لطيفة إليه، وفي الحديث
"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" رواه النسائي
والترمذي وصححه.
[أو استعمل في طهارة لم تجب] لتجديد وغسل
جمعة.
[أو في غسل كافر] خروجاً من خلاف من قال:
يسلبه الطهورية.
[أو تغير بملح مائي] كالملح البحري لأنه منعقد
من الماء.
[أو بما لا يمازجه، كتغيره بالعود القماري،
وقطع الكافور والدهن] على اختلاف أنواعه لأنه
تغير عن مجاوره لأنه لا يمازج الماء وكراهته
خروجاً من الخلاف، قال في الشرح: وفي معناه ما
تغير بالقطران والزفت والشمع لأن فيه دهنية
يتغير بها الماء.
[ولا يكره ماء زمزم إلا في إزالة الخبث]
تعظيماً له ولا يكره الوضوء والغسل منه، لحديث
أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "دعا
بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ" رواه أحمد
عن علي،
(1/9)
وعنه يكره
الغسل لقول العباس "لا أحلها لمغتسل". وخص
الشيخ تقي الدين الكراهة بغسل الجنابة.
[وماء لا يكره إستعماله كماء البحر] لما تقدم.
[والآبار والعيون والأنهار] لحديث أبي سعيد
قال: قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة -
وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن
- فقال صلى الله عليه وسلم: "الماء طهور لا
ينجسه شئ" . رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وحديث "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل
منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شئ ؟.."
.
[والحمام] لأن الصحابة دخلوا الحمام ورخصوا
فيه، ومن نقل عنه الكراهة علل بخوف مشاهدة
العورة أو قصد التنعم به، ذكره في المبدع.
وروى الدارقطني بإسناد صحيح عن عمر أنه كان
يسخن له ماء في قمقم فيغتسل به. وروى ابن أبي
شيبة عن ابن عمر أنه كان يغتسل بالحميم.
[ولا يكره المسخن بالشمس] وقال الشافعي: تكره
الطهارة بما قصد تشميسه لحديث "لا تفعلي فإنه
يورث البرص" رواه الدارقطني وقال: يرويه خالد
بن إسماعيل، وهو متروك، و عمرو الأعسم، وهو
منكر الحديث، ولأنه لو كره لأجل الضرر لما
اختلف بقصد تشميسه وعدمه.
[والمتغير بطول المكث] وهو الآجن قال ابن
المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن الوضوء بالماء
الآجن جائز سوى ابن سيرين. وكذلك ما تغير في
آنية الأدم والنحاس، لأن الصحابة كانوا
يسافرون
(1/10)
وغالب أسقيتهم
الأدم وهي تغير أوصاف الماء عادة، ولم يكونوا
يتيممون معها، قاله في الشرح.
[أو بالريح من نحو ميتة] قال في الشرح: لا
نعلم في ذلك خلافاً.
[أو بما يشق صون الماء عنه كطحلب، وورق شجر ما
لم يوضعا] وكذلك ما تغير بممره على كبريت وقار
وغيرهما، وورق شجر على السواقي والبرك، وما
تلقيه الريح والسيول في الماء، من الحشيش
والتبن ونحوهما، لأنه لا يمكن صون الماء عنه،
قاله في الكافي.
[الثاني طاهر يجوز استعماله في غير رفع الحدث
وزوال الخبث، وهو ما تغير كثير من لونه أو
طعمه أو ريحه، بشئ طاهر] غير اسمه حتى صار
صبغاً، أو خلاً، أو طبخ فيه فصار مرقاً،
فيسلبه الطهورية، قال في الكافي: بغير خلاف
لأنه أزال عنه اسم الماء فأشبه الخل.
[فإن زال تغيره بنفسه: عاد إلى طهوريته، ومن
الطاهر ما كان قليلاً واستعمل في رفع حدث] لأن
النبي صلى الله عليه وسلم "صب عليه جابر من
وضوئه" رواه البخاري. وفي حديث صلح الحديبية:
"وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه" ويعفى عن
يسيره. وهو ظاهر حال النبي، صلى الله عليه
وسلم وأصحابه، لأنهم يتوضؤن من الأقداح.
[أو انغمست فيه كل يد المسلم المكلف، النائم
ليلاً نوماً ينقض الوضوء قبل غسلها ثلاثاً
بنية وتسمية وذلك واجب] لقوله صلى الله عليه
وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه،
قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً، فإن أحدكم
لا يدري أين باتت يده" رواه مسلم. ويفتقر
(1/11)
للنيًة لحديث
عمر "إنما الأعمال بالنيات" وللتسمية قياساً
على الوضوء قاله: أبو الخطاب.
[الثالث نجس يحرم استعماله إلا للضرورة، ولا
يرفع الحدث، ولا يزيل الخبث، وهو ما وقعت فيه
نجاسة وهو قليل] لحديث ابن عمر قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه سلم وهو يسأل عن الماء
يكون في الفلاة من الأرض، وما ينو به من
السباع والدواب فقال: "إذا كان الماء قلتين لم
يحمل الخبث" رواه الخمسة وفي لفظ ابن ماجه
وأحمد لم ينجسه شئ يدل على أن ما لم يبلغهما
ينجس. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا
ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات"
متفق عليه يدل على نجاسة من غير تغير، ولأن
الماء اليسير يمكن حفظه في الأوعية، فلم يعف
عنه. قاله في الكافي. وحمل حديث بئر بضاعة على
الكثير جمعاً بين الكل. قاله في المنتقى.
[أو كان كثيراً وتغير بها أحد أوصافه] قال في
الكافي: بغيرخلاف. وقال في الشرح: حكاه ابن
المنذر إجماعاً.
[فإن زال تغيره بنفسه أو بإضافة طهور إليه أو
بنزح منه ويبقى بعده كثير طهر] أي عاد إلى
طهوريته.
[والكثير قلتان [من قلال هجر]1 تقريباً،
واليسير ما دونهما] وإنما خصت القلتان بقلال
هجر، لوروده في بعض ألفاظ الحديث، ولأنها كانت
مشهورة الصفة، معلومة المقدار. قال ابن جريج:
رأيت قلال هجر، فرأيت القلة تسع قربتين
وشيئاً، والاحتياط أن يجعل الشئ نصفاً، فكانت
ـــــــ
1 ما بين القوسين أدخل تصحيحا على متن الشارح
وليس في الأصول المخطوطة.
(1/12)
القلتان خمس
قرب تقريباً، والقربة مائة رطل بالعراقي،
والرطل العراقي تسعون مثقالاً.
[وهما خمسمائة رطل بالعراقي، وثمانون رطلاً
وسبعان ونصف سبع بالقدسي، ومساحتهما] [أي
القلتان]
[ذراع وربع طولاً وعرضاً وعمقاً. فإذا كان
الماء الطهور كثيراً ولم يتغير بالنجاسة فهو
طهور، ولو مع بقائها فيه] .
لحديث بئر بضاعة السابق، رواه أحمد وغيره.
[وإن شك في كثرته فهو نجس]
[وإن اشتبه ما تجوز به الطهارة، بما لا تجوز
به الطهارة لم يتحر ويتيمم بلا إراقة] لأنه
اشتبه المباح بالمحظور، فيما لا تبيحه
الضرورة، فلم يجز التحري، كما لو كان النجس
بولاً أو كثر عدد النجس، أو اشتبهت أخته
بأجنبيات، قاله في الكافي.
[ويلزم من علم بنجاسة شئ إعلام من أراد أن
يستعمله] لحديث "الدين النصيحة" .
(1/13)
باب الانية
مدخل
...
باب الآنية
[يباح اتخاذ كل إناء طاهر واستعماله ولو
ثميناً] في قول عامة أهل العلم، قاله في الشرح
لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من جفنة و
توضأ من تور من صفر و تور من حجارة، و من
قربةً و إداوة.
[إلا آنية الذهب والفضة والمموه بهما] لما روى
حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا
تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في
صحافها فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة"
وقال "الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما
يجرجر في بطنه نار جهنم" متفق عليهما. وما حرم
استعماله حرم اتخاذه على هيئة الاستعمال
كالطنبور، ويستوي في ذلك الرجال والنساء،
لعموم الخبر.
[وتصح الطهارة بهما وبالإناء المغصوب] هذا قول
الخرقي. لأن الوضوء جريان الماء على العضو،
فليس بمعصية. إنما المعصية استعمال الإناء.
[ويباح إناء ضبب بضبة يسيرة من الفضة لغير
زينة] لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة
من فضة. رواه البخاري.
[وآنية الكفار وثيابهم طاهرة] لأن النبي صلى
الله عليه وسلم أضافه يهودي بخبز وإهالة سنخة
رواه أحمد و توضأ من مزادة
(1/14)
مشركة وتوضأ
عمر رضي الله عنه من جرة نصرانية. ومن يستحل
الميتات والنجاسات منهم فما استعملوه من
آنيتهم فهو نجس لما روى أبو ثعلبة الخشني قال:
قلت يارسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل
في آنيتهم قال: "لا تاكلوا فيها إلا أن لا
تجدوا غيرها فاغسلوها ثم كلوا فيها" متفق
عليه. وما نسجوه، أو صبغوه، أو علا من ثيابهم،
فهو طاهر، وما لاقى عوراتهم، فقال أحمد: أحب
إلي أن يعيد إذا صلى فيها.
[ولا ينجس شئ بالشك ما لم تعلم نجاسته] لأن
الأصل الطهارة.
[وعظم الميتة وقرنها وظفرها وحافرها وعصبها
وجلدها نجس. ولا يطهر بالدباغ] في ظاهر المذهب
لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ
الْمَيْتَةُ} 1 والجلد جزء منها. وروى أحمد عن
يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن ابن أبي
ليلى عن عبد الله بن عكيم قال: قرئ علينا كتاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض جهينة
وأنا غلام شاب أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب
ولا عصب قال أحمد: ما أصلح إسناده.
[والشعر والصوف والريش طاهر] لقوله تعالى:
{وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا} 2
والريش مقيس عليه، ونقل الميموني عن أحمد: صوف
الميتة لا أعلم أحداً كرهه.
[إذا كان من ميتة طاهرة في الحياة ولو غير
مأكولة كالهر والفأر. ويسن تغطية الآنية
وإيكاء الأسقية] لحديث جابر أن النبي صلى الله
عليه وسلم
ـــــــ
"1" المائدة – 3.
"2" النحل – 80.
(1/15)
قال: "أوك
سقاءك، واذكر اسم الله وخمر إناءك، واذكر اسم
الله، ولو أن تعرض عليه عوداً" متفق عليه.
(1/16)
باب الاستنجاء
وآداب التخلي
مدخل
...
باب الاستنجاء
وآداب التخلي
[الاستنجاء هو ازالة ما خرج من السبيلين بماء
طهور أو حجر طاهر مباح منق] قال في الشرح:
والاستجمار بالخشب والخرق وما في معناهما مما
ينقي جائز في قول الأكثر، وفي حديث سلمان عند
مسلم: نهانا أن نستنجي برجيع أو عظم وتخصيصها
بالنهي يدل على أنه أراد الحجارة وما قام
مقامها.
[فالإنقاء بالحجر ونحوه أن يبقى أثر لا يزيله
إلا الماء] بأن تزول النجاسة وبلتها، فيخرح
آخرها نقياً لا أثر به.
[ولا يجزئ أقل من ثلاث مسحات تعم كل مسحة
المحل] لقول سلمان نهانا - يعني النبي صلى
الله عليه وسلم - أن نستنجي باليمين، وأن
نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، وأن نستنجي برجيع
أو عظم رواه مسلم.
[والإنقاء بالماء عود خشونة المحل كما كان،
وظنه كاف] دفعاً للحرج.
[ويسن الاستنجاء بالحجر ونحوه، ثم بالماء]
لقول عائشة رضي الله عنها مرن أزواجكن أن
يتبعوا الحجارة بالماء من أثر الغائط والبول،
فإني أستحييهم، وإن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يفعله صححه الترمذي.
(1/16)
[فإن عكس كره]
نص عليه لأن الحجر بعد الماء يقذر المحل.
[ويجزئ أحدهما] أي الحجر أو الماء لحديث أنس
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء
فأحمل أنا وغلام نحوي إداوةً من ماء وعنزةً
فيستنجي بالماء متفق عليه. وحديث عائشة
مرفوعاً "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب
بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه" رواه أحمد وأبو
داود.
[والماء أفضل] لأنه أبلغ في التنظيف ويطهر
المحل. وروى أبو داود من حديث أبي هريرة
مرفوعاً "نزلت هذه الآية في أهل قباء {فِيهِ
فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا}
1 قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه
الآية" .
[ويكره استقبال القبلة، واستدبارها في
الاستنجاء] تعظيماً لها.
[ويحرم بروث وعظم] لحديث سلمان المتقدم.
[وطعام ولو لبهيمة] لحديث ابن مسعود أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "لا تستنجوا بالروث
ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن" رواه
مسلم. علل النهي بكونه زاداً للجن، فزادنا
وزاد دوابنا أولى لأنه أعظم حرمة.
[فإن فعل لم يجزه بعد ذلك إلا الماء] لأن
الاستجمار رخصة، فلا تستباح بالمحرم، كسائر
الرخص. قاله في الكافي.
[كما لو تعدى الخارج موضع العادة] فلا يجزئ
إلا الماء لأن
ـــــــ
1 التوبة – 107.
(1/17)
الاستجمار في
المعتاد رخصة للمشقة في غسله لتكرار النجاسة
فيه، بخلاف غيره.
[ويجب الاستنجاء لكل خارج] وهو قول أكثر أهل
العلم، قاله في الشرح، لقوله صلى الله عليه
وسلم في المذي: "يغسل ذكره ويتوضأ" وقال: "إذا
ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار
فإنها تجزئ عنه" .
[إلا الطاهر] كالمني، وكالريح، لأنها ليست
نجسة، ولا تصحبها نجاسة، قاله في الشرح و
الكافي لحديث: "من استنجى من الريح فليس منا"
. رواه الطبراني في المعجم الصغير. قال أحمد:
ليس في الريح استنجاء في كتاب الله ولا في سنة
رسوله.
[والنجس الذي لم يلوث المحل] لأن الاستنجاء
إنما شرع لإزالة النجاسة ولا نجاسة هنا.
(1/18)
فصل مايسن
لداخل الخلاء
[يسن لداخل الخلاء تقديم اليسرى] لأنها لما
خبث.
[وقول بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث]
لحديث علي مرفوعاً "ستر ما بين الجن وعورات
بني آدم إذا دخل الخلاء أن يقول: بسم الله "
رواه ابن ماجه. وعن أنس كان النبي صلى الله
عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: "اللهمً إني
أعوذ بك من الخبث والخبائث" رواه الجماعة.
[وإذا خرج قدم اليمنى] لأنها تقدم إلى الأماكن
الطيبة.
[وقال غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى
وعافاني] لحديث عائشة كان صلى الله عليه وسلم
إذا خرح من الخلاء قال: "غفرانك" .
(1/18)
حسنه الترمذي.
وعن أنس: كان صلى الله عليه وسلم إذا خرح من
الخلاء يقول: "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى
وعافاني" رواه ابن ماجه.
[ويكره في حال التخلي استقبال الشمس والقمر]
تكريماً لهما.
[ومهب الريح] لئلا ترد البول عليه.
[والكلام] نص عليه لقول ابن عمر مر رجل بالنبي
صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، وهو يبول، فلم
يرد عليه رواه مسلم.
[والكلام والبول في إناء] بلا حاجة نص عليه.
فإن كانت لم يكره لحديث أميمة بنت رقية. رواه
أبو داود.
[وشق] لأنها مساكن الجن، لحديث قتادة عن عبد
الله بن سرجس نهى رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يبال في الجحر قالوا لقتادة: ما يكره
من البول في الجحر قال يقال إنها مساكن الجن
رواه أحمد، وأبو داود. وروي أن سعد بن عبادة
بال في جحر بالشام، ثم استلقى ميتاً.
[ونار] لأنه يورث السقم، وذكر في الرعاية:
ورماد.
[ولا يكره البول قائماً] لقول حذيفة انتهى
النبي صلى الله عليه وسلم إلى سباطة قوم فبال
قائماً رواه الجماعة. وروى الخطابي عن أبي
هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً
من جرح كان بمأبضه. قال الترمذي: وقد رخص قوم
من أهل العلم في البول قائماً، وحملوا النهي
على التأديب، لا على التحريم. قال ابن مسعود:
"إن من الجفاء أن تبول وأنت قائم".
[ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء
بلا حائل] لقول
(1/19)
أبي أيوب قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيتم
الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها
ولكن شرقوا أو غربوا" . قال أبو أيوب: فقدمنا
الشام، فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة،
فننحرف عنها، ونستغفر الله متفق عليه.
[ويكفي إرخاء ذيله] لقول مروان الأصغر أناخ
ابن عمر بعيره مستقبل القبلة، ثم جلس يبول
إليه فقلت أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا
؟ قال: بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء، أما
إذا كان بينك وبين القبلة شئ يسترك فلا بأس
رواه أبو داود.
[وأن يبول، أو يتغوط، بطريق مسلوك، وظل نافع]
أو مورد ماء، لما روى معاذ قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الملاعن الثلاث
البراز في الموارد وقارعة الطريق، والظل" رواه
أبو داود.
[وتحت شجرة عليها ثمر يقصد] لما تقدم. ولئلا
ينجس ما سقط منها.
[وبين قبور المسلمين] لحديث عقبة بن عامر
مرفوعاً - وفيه - "ولا أبالي أوسط القبور قضيت
حاجتي أو وسط السوق" رواه ابن ماجه.
[وأن يلبث فوق قدر حاجته] قال في الكافي:
وتكره الإطالة أكثر من الحاجة لأنه يقال: إن
ذلك يدمي الكبد ويتولد منه الباسور، وهو كشف
للعورة بلا حاجة، وروى الترمذي عن ابن عمر
مرفوعاً "إياكم والتعري فإن معكم من لا
يفارقكم، إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلى
أهله فاستحيوهم وأكرموهم" .
(1/20)
باب السواك
مدخل
...
باب السواك
[يسن بعود رطب لا يتفتت] ولا يجرح الفم وكان
النبي صلى الله عليه وسلم يستاك بعود أراك
قاله في الكافي.
[وهو مسنون مطلقاً ] لقوله صلى الله عليه
وسلم: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب" رواه
أحمد قال في الشرح ولا نعلم في استحبابه
خلافاً، ولا نعلم أحداً قال بوجوبه إلا إسحاق
و داود.
[إلا بعد الزوال للصائم فيكره] لحديث علي
مرفوعاً: "إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا
تستاكوا بالعشي" أخرجه البيهقي. ولأنه يزيل
خلوف فم الصائم، وخلوف فم الصائم أطيب عند
الله من ريح المسك، لأنه أثر عبادة مستطاب فلم
تستحب إزالته كدم الشهداء.
[ويسن له قبله بعود يابس ويباح برطب] لقول
عامر بن ربيعة رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم حسنه الترمذي.
[ولم يصب السنة من استاك بغير عود] وقيل بلى
بقدر ما يحصل من الإنقاء. قال في الشرح: وهو
الصحيح لحديث أنس مرفوعاً: "يجزئ من السواك
الأصابع" رواه البيهقي، قال محمد بن عبد
الواحد الحافظ: هذا إسناد لا أرى به بأساً.
[ويتأكد عند وضوء وصلاة] لقوله صلى الله عليه
وسلم: "لولا أن
(1/21)
أشق على أمتي
لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" متفق عليه، وفي
رواية لأحمد "لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء"
وللبخاري تعليقاً "عند كل وضوء".
[وانتباه من نوم وعند تغير رائحة فم] لأن
السواك شرع لإزالة الرائحة وقراءة تطييباً
للفم لئلا يتأذى الملك عند تلقي القراءة منه،
وعن حذيفة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك متفق عليه.
[وكذا عند دخول مسجد ومنزل] لما روى شريح بن
هانئ قال: سألت عائشة بأي شئ كان يبدأ النبي
صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته ؟ قالت
بالسواك رواه مسلم. والمسجد أولى من البيت.
[وإطالة سكوت وصفرة أسنان] لأن ذلك مظنة تغير
الفم.
[ولا بأس أن يتسوك بالعود الواحد اثنان
فصاعداً] لأن عائشة رضي الله عنها لينت السواك
للنبي صلى الله عليه وسلم فاستاك به.
(1/22)
فصل في سنن
الفطرة
[يسن حلق العانة ونتف الإبط وتقليم الاظافر]
لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "الفطرة خمس:
الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم
الأظافر، ونتف الابط" متفق عليه.
[والنظر في المرآة] وقول "اللهم كما حسنت خلقي
فحسن خلقي" رواه البيهقي عن عائًشة، ورواه ابن
مردويه وزاد "وحرم وجهي على النار" .
[والتطيب بالطيب] لحديث أبي أيوب مرفوعاً
"أربع من سنن المرسلين، الحياء، والتعطر،
والسواك، والنكاح" رواه أحمد.
(1/22)
[والاكتحال كل
ليلة في كل عين ثلاثاً] لحديث ابن عباس كان
النبي صلى الله عليه وسلم يكتحل بالإثمد كل
ليلة قبل أن ينام، وكان يكتحل في كل عين ثلاثة
أميال رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
[وحف الشارب وإعفاء اللحية] لحديث ابن عمر
مرفوعاً "خالفوا المشركين أحفوا الشوارب،
وأوفوا اللحى" متفق عليه.
[وحرم حلقها] ذكره الشيخ تقي الدين، قاله في
الفروع.
[ولا بأس بأخذ ما زاد على القبضة منها] لأن
ابن عمر كان يفعله إذا حج أواعتمر، رواه
البخاري.
[والختان واجب على الذكر والأنثى] لأنه من ملة
إبراهيم عليه السلام، وفي الحديث "اختتن
إبراهيم بعد ما أتت عليه ثمانون سنة" متفق
عليه وقد قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ
حَنِيفاً} 1 وقال صلى الله عليه وسلم لرجل
أسلم: "ألق عنك شعر الكفر واختتن" رواه أبو
داود. وفي قوله صلى الله عليه وسلم "إذا التقى
الختانان وجب الغسل" دليل على أن النساء كن
يختتن. وقال أحمد: كان ابن عباس يشدد في أمره
حتى قد روي عنه أنه لا حج له ولا صلاة.
[عند البلوغ وقبله أفضل] لأنه أقرب إلى البرء،
ولأنه قبل ذلك ليس مكلفاً. ونقل في الفروع عن
الشيخ تقي الدين أنه قال: يجب إذا وجبت
الطهارة والصلاة.
ـــــــ
"1" النحل/ 122.
(1/23)
باب الوضوء
مدخل
...
باب الوضوء
[تجب فيه التسمية] لحديث أبي هريرة مرفوعاً:
"لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم
يذكر اسم الله عليه" رواه أحمد وأبو داود وابن
ماجه.
[وتسقط سهوا] نص عليه لحديث "عفي لأمتى عن
الخطأ والنسيان" .
[وإن ذكرها في أثنائه ابتداء] صححه في الانصاف
وقيل: يأتي بها حيث ذكرها ويبني على وضوئه،
قطع به في الإقناع، وحكاه في حاشية التنقيح عن
أكثر الأصحاب.
[وفروضه ستة: غسل الوجه] لقوله تعالى: {إِذَا
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ} 1
[ومنه المضمضة والاستنشاق] لحديث عثمان رضي
الله عنه في صفة وضوئه صلى الله عليه وسلم
وفيه: فمضمض واستنثر متفق عليه.
[وغسل اليدين مع المرفقين] لقوله تعالى:
{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} 1
[ومسح الرأس كله] لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا
بِرُؤُوسِكُمْ} 1
[ومنه الأذنان] لقوله صلى الله عليه وسلم:
"الأذنان من الرأس" . رواه ابن ماجه.
[وغسل الرجلين مع الكعبين] لقوله تعالى:
{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} 1
ـــــــ
1 المائدة/ 5.
(1/24)
[والترتيب] لأن
الله تعالى ذكره مرتباً. وتوضأ رسول الله صلى
الله عليه وسلم مرتباً وقال "هذا وضوء لا يقبل
الله الصلاة إلا به" أي بمثله.
[والموالاة] لحديث خالد بن معدان أن النبي صلى
الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدميه
لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد
الوضوء رواه أحمد وأبو داود وزاد والصلاة ولو
لم تجب الموالاة لأمره بغسل اللمعة فقط.
[وشروطه ثمانية: انقطاع ما يوجبه] قبل ابتدائه
ليصح.
[والنية] لحديث "إنما الأعمال بالنيات" .
[والإسلام والعقل والتمييز] وهذه شروط في كل
عبادة إلا التمييز في الحج.
[والماء الطهور المباح] لما تقدم في المياه
فلا يصح بنحو مغصوب لحديث "من عمل عملاً ليس
عليه أمرنا فهو رد" .
[وإزالة ما يمنع وصوله] إلى البشرة ليحصل
الإسباغ المأمور به.
[والاستجمار] وتقدم.
(1/25)
فصل في النية
[فالنية هنا قصد رفع الحدث أو قصد ما تجب له
الطهارة كصلاة وطواف ومس مصحف أو قصد ما تسن
له كقراءة وذكر وأذان ونوم ورفع شك وغضب وكلام
محرم وجلوس بمسجد وتدريس علم وأكل فمتى نوى
شيئاً من ذلك ارتفع حدثه ولا يضر سبق لسانه
بغير مانوى] لأن محل النية القلب.
[ولا شكه فى النية. أو في فرض بعد فراغ كل
عبادة وإن شك فيها
(1/25)
في الأثناء
استأنف] ليأتي بالعبادة بيقين ما لم يكثر الشك
فيصير كالوسواس فيطرحه.
(1/26)
فصل في صفة
الوضوء
[في صفة الوضوء وهى أن ينوي ثم يسمي] لما
تقدم.
[يغسل كفيه ثم يتمضمض ويستنشق ثم يغسل وجهه من
منابت شعر الرأس المعتاد] إلى الذقن. لما روى
عن عثمان رضي الله عنه أنه دعا بإناء فأفرغ
على كفيه ثلاث مرات فغسلهما، ثم أدخل يمينه في
الإناء فمضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً،
ويديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثم مسح برأسه،
ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين، ثم قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو
وضوئي هذا الحديث متفق عليه.
[ولا يجزئ غسل ظاهر شعر اللحية] وكذا الشارب
والعنفقة والحاجبان ونحوها إذا كانت تصف
البشرة فيغسلها وما تحتها.
[إلا أن لا يصف البشرة] فيجزئ غسل ظاهره.
[ثم يغسل يديه مع مرفقيه] لحديث عثمان
المتقدم.
[ولا يضر وسخ يسير تحت ظفر ونحوه] لأنه يسير
عادة فلو كان واجباً لبينه صلى الله عليه
وسلم، قال في الإنصاف: وهو الصحيح، واختاره
الشيخ تقي الدين، وألحق به كل يسير منع حيث
كان من البدن كدم وعجين ونحوهما.
[ثم يمسح جميع ظاهر رأسه من حد الوجه إلى ما
يسمى قفاً والبياض فوق الأذنين منه] لقوله
تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} 1 والباء
ـــــــ
1 المائدة/ 7.
(1/26)
للإلصاق فكأنه
قال وامسحوا رؤوسكم، ولأن الذين وصفوا وضوءه
صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه مسح برأسه كله،
ولا يجب مسح ما استرسل من شعره، قال في الكافي
والشرح: وظاهر قول أحمد أن المرأة يجزئها مسح
مقدم رأسها، لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها.
[ويدخل سبابتيه في صماخي1 أذنيه ويمسح
بإبهاميه ظاهرهما] لحديث ابن عباس أن النبي
صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما
وباطنهما صححه الترمذي وللنسائي باطنهما
بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه.
[ثم يغسل رجليه مع كعبيه وهما العظمان
الناتئان] في أسفل الساق لحديث عثمان.
ـــــــ
1 لم تكن الجملة واضحة في الأصل، وفي بعض نسخ
المتن صماخ بالافراد.
(1/27)
فصل في سننه
[وسننه ثمانية عشر: استقبال القبلة] قال في
الفروع: وهو متجه في كل طاعة إلا لدليل.
[والسواك] لما تقدم.
[وغسل الكفين ثلاثاً] لحديث عثمان.
[والبداءة قبل غسل الوجه بالمضمضة والاستنشاق]
لحديث عثمان المتقدم.
[والمبالغة فيهما لغير الصائم] لقوله صلى الله
عليه وسلم للقيط بن صبرة: "اسبغ الوضوء وخلل
بين الاصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون
صائماً" رواه الخمسة، وصححه الترمذي.
ـــــــ
1 لم تكن الجملة واضحة في الأصل، وفي بعض نسخ
المتن صماخ بالافراد.
(1/27)
[والمبالغة في
سائر الأعضاء مطلقاً] لقوله أسبغ الوضوء قال
ابن عمر الإسباغ الإنقاء.
[والزيادة في ماء الوجه] لأن فيه غضوناً
وشعوراً، ولقول علي لابن عباس ألا أتوضأ لك
وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: بلى. فداك
أبي وأمي. قال: فوضع إناء، فغسل يديه، ثم مضمض
واستنشق واستنثر، ثم أخذ بيديه فصك بهما وجهه،
وألقم ابهاميه ما أقبل من أذنيه. قال: ثم عاد
في مثل ذلك ثلاثاً، ثم أخذ كفاً من ماء بيده
اليمنى فأفرغها على ناصيته، ثم أرسلها تسيل
على وجهه، وذكر بقية الوضوء رواه أحمد وأبو
داود.
[وتخليل اللحية الكثيفة] لحديث أنس أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفاً من
ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال هكذا
أمرني ربي عز وجل رواه أبو داود.
[وتخليل الأصابع] لحديث لقيط المتقدم.
[وأخذ ماء جديد للأذنين] كالعضو المنفرد،
وإنما هما من الرأس على وجه التبع.
[وتقديم اليمنى على اليسرى] لأنه صلى الله
عليه وسلم كان يعجبه التيمن في ترجله وتنعله
وطهوره وفى شأنه كله متفق عليه.
[ومجاوزة محل الفرض] لأن أبا هريرة توضأ فغسل
يده حتى أشرع في العضد، ورجله حتى أشرع في
الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول صلى الله عليه
وسلم يتوضأ وقال: قال رسول الله صلى
(1/28)
الله عليه
وسلم: "أنتم الغر المحجلون يوم القيامة، من
إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته
وتحجيله" متفق عليه.
[والغسلة الثانية والثالثة] لأن النبي صلى لله
عليه وسلم توضأ مرة مرة وقال: "هذا وضوء من لم
يتوضأه لم يقبل الله له صلاةً. ثم توضأ مرتين،
ثم قال: هذا وضوئي، ووضوء المرسلين قبلي"
أخرجه ابن ماجه.
[واستصحاب ذكر النية إلى آخر الوضوء] لتكون
أفعاله مقرونةً بالنية.
[والإتيان بها عند غسل الكفين] لأنه أول
مسنونات الطهارة.
[والنطق بها سرا] كذا قال تبعاً للمنقح وغيره،
ورده عليه الحجاوي بأنه لم يرد فيه حديث، فكيف
يدعى سنيته ؟ ! بل هو بدعة، وكذا قال الشيخ
تقي الدين في الفتاوى المصرية: التلفظ بالنية
بدعة.
[وقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله مع رفع بصره
إلى السماء: بعد فراغه] لحديث عمر مرفوعاً "ما
منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريكً له وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة
الثمانية يدخل من أيها شاء" رواه أحمد ومسلم
وأبو داود. ولأحمد وأبي داود في رواية "من
توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع نظره إلى السماء
فقال:...." وساق الحديث.
[وأن يتولى وضوءه بنفسه من غير معاون] روي عن
أحمد أنه قال: ما أحب أن يعينني على وضوئي أحد
لأن عمر قال ذلك ولا بأس بها لحديث المغيرة
أنه أفرغ على النبي صلى الله عليه وسلم في
وضوئه رواه مسلم. وقول عائشة كنا نعد له طهوره
وسواكه.
(1/29)
باب المسح على
الخفين
مدخل
...
باب المسح على
الخفين
قال ابن المبارك: ليس في المسح على الخفين
اختلاف. وقال أحمد: ليس في قلبي من المسح على
الخفين شئ. فيه أربعون حديثاً عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وقال: هو أفضل من الغسل
لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما طلبوا
الأفضل. وعن جرير قال: رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه قال
إبراهيم: كان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام
جرير بعد نزول المائدة: متفق عليه.
[يجوز بشروط سبعة لبسهما بعد كمال الطهارة
بالماء] لما روى المغيرة قال: كنت مع النبي
صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه،
فقال: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح
عليهما" متفق عليه.
[وسترهما لمحل الفرض ولو بربطهما] فإن ظهر منه
شئ لم يجز المسح، لأن حكم ما استتر المسح،
وحكم ما ظهر الغسل، ولا سبيل إلى الجمع، فغلب
الغسل. قاله في الكافي.
[وإمكان المشي بهما عرفاً] لأنه الذي تدعو
الحاجة إليه.
[وثبوتهما بنفسهما] فإن لم يثبتا إلا بنعلين
كالجوربين ونحوهما مسح عليهما وعلى سيور
النعلين. لما روى المغيرة أن النبي صلى الله
عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين رواه أبو
داود والترمذي.
[وإباحتهما] فلا يجوز المسح على المغصوب
ونحوه. ولا الحرير لرجل لأن لبسه معصية، فلا
تستباح به الرخصة.
(1/30)
[وطهارة
عينهما، وعدم وصفهما البشرة] فإن وصفها لم يجز
المسح عليه، لأنه غير ساتر لمحل الفرض أشبه
النعل.
[فيمسح للمقيم، والعاصى بسفره] - لأن سفر
المعصية لا تستباح به الرخص.
[من الحدث بعد اللبس يوماً وليلة، والمسافر
ثلاثة أيام بلياليهن] لا نعلم فيه خلافاً في
المذهب. قاله في الشرح، لحديث علي. رواه مسلم.
وعن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم
أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة
أيام ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم
رواه أحمد وقال: هذا أجود حديث في المسح على
الخفين. لأنه في غزوة تبوك آخر غزوة غزاها
النبي صلى الله عليه وسلم.
[فلو مسح في السفر ثم أقام، أو في الحضر ثم
سافر، أو شك في ابتداء المسح، لم يزد على مسح
المقيم] لأنه اليقين وما زاد لم يتحقق شرطه.
[ويجب مسح أكثر أعلى الخف] فيضع يده على
مقدمه، ثم يمسح إلى ساقه، لحديث المغيرة بن
شعبة، رواه الخلال.
[ولا يجزئ مسح أسفله، وعقبه، ولا يسن] لقول
علي رضي الله عنه: لو كان الدين بالرأي لكان
أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه
رواه أبو داود.
[ومتى حصل ما يوجب الغسل] بطل الوضوء لحديث
صفوان بن عسال قال: كان النبي صلى الله عليه
وسلم يأمرنا إذا كنا سفراً أن
(1/31)
لا ننزع خفافنا
ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة رواه أحمد
والنسائي والترمذي وصححه.
[أو ظهر بعض محل الفرض] بطل الوضوء ونزع أحد
الخفين كنزعهما في قول أكثر أهل العلم، قاله
في الشرح.
[أو انقضت المدة بطل الوضوء] لمفهوم أحاديث
التوقيت.
(1/32)
فصل في المسح
على الجبيرة
[وصاحب الجبيرة إن وضعها على طهارة لم تتجاوز
محل الحاجة] وهو الجرح أو الكسر وماحوله مما
يحتاج إلى شده.
[غسل الصحيح ومسح عليهما بالماء وأجزأ] لحديث
صاحب الشجة "إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعضد أو
يعصب على جرحه خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر
جسده" رواه أبو داود.
[وإلا وجب مع الغسل أن يتيمم لها] إذا كان
يتضرر بنزعها.
[ولا مسح ما لم توضع على طهارة وتجاوز المحل
فيغسل] الصحيح
[ويمسح، ويتيمم] خروجاً من الخلاف. وعن أحمد
لا يشترط تقدم الطهارة لها لحديث صاحب الشجة
لأنه لم يذكر الطهارة، ويحتمل أن يشترط التيمم
عند العجز عن الطهارة لأن فيه إنما يكفيه أن
يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليها ومثلها
دواء ألصق على الجرح ونحوه فخاف من نزعه نص
عليه، وقد روى الأثرم عن ابن عمر أنه خرج
بإبهامه قرحة فألقمها مرارة فكان يتوضأ عليها
وقال مالك في الظفر يسقط: يكسوه مصطكى ويمسح
عليه. وتفارق الجبيرة الخف في ثلاثة أشياء:
وجوب مسح جميعها، وكون مسحها لا يوقت، وجوازه
في الطهارة الكبرى، قاله في الكافي.
(1/32)
باب نواقض
الوضوء
مدخل
...
باب نواقض الوضوء
[وهي ثمانية أحدها: الخارج من السبيلين قليلاً
كان أو كثيراً طاهراً كان أو نجساً] لقوله
تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغَائِطِ} [المائدة: 6] ولقوله صلى الله
عليه وسلم: "ولكن من غائط وبول ونوم" رواه
أحمد والنسائي، والترمذي وصححه. وقوله: "فلا
ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" وقوله في
المذي: "يغسل ذكره ويتوضأ" متفق عليهما. وقوله
للمستحاضة: "توضئي لكل صلاة" رواه أبو داود.
[الثاني: خروج النجاسة من بقية البدن فإن كان
بولاً أو غائطاً نقض مطلقاً] لدخوله في النصوص
السابقة.
[وإن كان غيرهما كالدم والقئ نقض إن فحش في
نفس كل أحد بحسبه] لقوله صلى الله عليه وسلم
لفاطمة بنت أبي حبيش: "إنه دم عرق فتوضئي لكل
صلاة" رواه الترمذي. وروى معدان بن طلحة عن
أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء
فتوضأ فلقيت ثوبان في مسجد دمشق، فذكرت له ذلك
فقال: صدق، أنا صببت له وضوءه رواه أحمد
والترمذي وقال: هذا أصح شئ في هذا الباب. ولا
ينقض اليسير لقول ابن عباس في الدم: إذا كان
فاحشاً فعليه الإعادة قال أحمد: عدة من
الصحابة تكلموا فيه ابن عمر عصر بثرة فخرج دم
وصلى ولم يتوضأ و ابن أبي أوفى عصر دملاً وذكر
غيرهم ولم
(1/33)
يعرف لهم مخالف
في عصرهم، فكان إجماعاً قال في الكافي: والقيح
والصديد كالدم فيما ذكرنا، قال أحمد: هما أخف
علي حكماً من الدم.
[الثالث: زوال العقل أو تغطيته بإغماء أو نوم]
لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن من غائط وبول
ونوم" وقوله "العين وكاء السه فمن نام
فليتوضأ" رواه أبو داود. وأما الجنون والإغماء
والسكر ونحوه فينقض إجماعاً. قاله في الشرح.
[ما لم يكن النوم يسيراً عرفاً من جالس وقائم]
لما روى أنس أن أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم كانوا ينتظرون العشاء فينامون ثم يصلون
ولا يتوضؤون رواه مسلم بمعناه.
وفي حديث ابن عباس فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة
أذني رواه مسلم.
[الرابع مسه بيده - لا ظفره - فرج الآدمي
المتصل بلا حائل أو حلقة دبره] لحديث بسرة بنت
صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من
مس ذكره فليتوضأ" قال أحمد: هو حديث صحيح. وفي
حديث أبي أيوب و أم حبيبة "من مس فرجه
فليتوضأ" قال أحمد: حديث أم حبيبة صحيح وهذا
عام ونصه على نقض الوضوء بمس فرج نفسه ولم
يهتك به حرمة، تنبيه على نقضه بمسه من غيره.
[لا مس الخصيتين ولا مس محل الفرج البائن] لأن
تخصيص الفرج به دليل على عدمه فيما سواه.
[الخامس لمس بشرة الذكر لأنثى اًو الأنثى
الذكر، لشهوة من غير حائل، ولو كان الملموس
ميتاً أو عجوزاً أو محرماً] لقوله تعالى:
{أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} 1، وقرئ
{أولمستم} قال ابن مسعود: القبلة من اللمس
ـــــــ
1 النساء/ 42.
(1/34)
وفيها الوضوء
رواه أبو داود، فإن لمسها من وراء حائل، لم
ينقض في قول أكثر أهل العلم، وسئل أحمد عن
المرأة إذا لمست زوجها قال: ما سمعت فيه
شيئاً، ولكن هي شقيقة الرجال، أحب إلي أن
تتوضأ، قاله في الشرح.
[لا لمس من دون سبع] وقال في الكافي لا فرق
بين الصغيرة والكبيرة وذوات المحارم وغيرهن
لعموم الأدلة.
[ولا لمس سن وظفر وشعر ولا اللمس بذلك] لأنه
لا يقع عليه اسم امرأة.
[ولا ينتقض وضوء الممسوس فرجه ولا الملموس
بدنه، ولو وجد شهوة] لعدم تناول النص له.
[السادس: غسل الميت أو بعضه] لأن ابن عمر وابن
عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء قال أبو
هريرة: أقل ما فيه الوضوء ولا نعلم لهم
مخالفاً في الصحابة، وقيل لا ينقض. وهو قول
أكثر العلماء، قال الموفق: وهو الصحيح، لأنه
لم يرد فيه نص ولا هو في معنى المنصوص عليه
وكلام أحمد يدل على أنه مستحب فإنه قال: أحب
إلي أن يتوضأ. وعلل نفي الوجوب، بكون الخبر
موقوفاً على أبي هريرة، قاله في الشرح.
[والغاسل، هو من يقلب الميت ويباشره، لا من
يصب الماء] ونحوه.
[السابع: أكل لحم الإبل ولو نيئاً] لحديث جابر
بن سمرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه
وسلم: أنتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال: "إن شئت
توضأ، وإن شئت لا تتوضا" . قال: أنتوضأ من
لحوم الإبل ؟ قال: "نعم توضأ من لحوم الإ بل"
رواه مسلم.
[فلا نقض ببقية أجزائها ككبد وقلب وطحال وكرش
وشحم وكلية
(1/35)
ولسان ورأس
وسنام وكوارع ومصران ومرق لحم، ولا يحنث بذلك
من حلف لا يأكل لحماً] لأنه ليس بلحم، وعنه
ينقض، لأن اللحم يعبر عن جملة الحيوان، كلحم
الخنزير قاله فى الشرح.
[الثامن: الردة] عن الإسلام لقوله تعالى:
{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ
عَمَلُهُ} 1 وقوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 2 [وكل ما أوجب الغسل
أوجب الوضوء غير الموت] .
ـــــــ
1 المائدة/ 5.
2 الزمر/ 65.
(1/36)
فصل من تيقن
الطهارة وشك في الحدث
[ومن تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو تيقن
الحدث وشك في الطهارة عمل بما تيقن]
وبهذا قال عامة أهل العلم، قاله في الشرح
لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا وجد أحدكم في
بطنه شيئاً، فأشكل عليه هل خرج منه شئ أم لا،
فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد
ريحاً" رواه مسلم والترمذي.
[ويحرم على المحدث الصلاة] لحديث ابن عمر
مرفوعاً "لا يقبل الله صلاةً بغير طهور، ولا
صدقة من غلول" رواه الجماعة إلا البخاري.
[والطواف] فرضاً كان أو نفلاً لقوله صلى الله
عليه وسلم "الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله
أباح فيه الكلام" رواه الشافعي.
[ومس المصحف ببشرته بلا حائل] فإن كان بحائل
لم يحرم، لأن المس إذاً للحائل والأصل في ذلك
قوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا
الْمُطَهَّرُونَ} 3.
ـــــــ
3 الواقعة/ 79.
(1/36)
وفي حديث أبي
بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن
النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن
كتاباً وفيه لا يمس القرآن إلا طاهر. رواه
الأثرم والدارقطني متصلاً، واحتج به أحمد وهو
لمالك في الموطأ مرسلاً.
[ويزيد من عليه غسل بقراءة القرآن] لحديث علي
رضي الله عنه، كان النبي صلى الله عليه وسلم
لا يحجبه وربما قال: لا يحجزه عن القرآن شئ
ليس الجنابة1 رواه ابن خزيمة و الحاكم
والدارقطني وصححاه.
[واللبث في المسجد بلا وضوء] لقوله تعالى:
{وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ}
[النساء: 43] وهو الطريق، ولقوله صلى الله
عليه وسلم: "لا أحل المسجد لحائض ولا جنب"
رواه أبو داود، فإن توضأ الجنب جاز له اللبث
فيه، لما روى سعيد بن منصور و الأثرم عن عطاء
بن يسار قال: رأيت رجالاً من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، يجلسون في المسجد وهم
مجنبون، إذا توضؤوا وضوء الصلاة.
ـــــــ
1 قلت: لكن خالفهما الاكثرون فضعفوا هذا
الحديث كما قال النووي: ذكر الخطابي أن الإمام
أحمد كان يوهن حديث على هذا.
على أن الحديث لو صح لم يكن دليلا على تحريم
قراءة القرآن في حالة الجنب، لأنه ليس فيه إلا
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقرأ
القرآن في حالة الجنابة، فقد يكون ترك القراءة
في هذه الحالة لا لأنها محرمة بل يجوز لأنها
مكروهة أو خلاف الأولى فقد صح أنه صلى الله
عليه وسلم كان يذكر الله في كل أحواله.
ناصر الدين.
(1/37)
باب مايوجب الغسل
مدخل
...
باب ما يوجب الغسل
[وهو سبعة، أحدها انتقال المني، فلو أحس
بانتقاله فحبسه فلم يخرج وجب الغسل] لوجود
الشهوة بانتقاله أشبه ما لو ظهر.
[فلو اغتسل له ثم خرج بلا لذة لم يعد الغسل]
لأنها جنابة واحدة فلا توجب غسلين.
[الثاني خروجه من مخرجه ولو دماً ويشترط أن
يكون بلذة] هذا قول عامة الفقهاء حكاه
الترمذي، قال في الشرح: ولا نعلم فيه خلافاً
لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي: "إذا فضخت
الماء فاغتسل" رواه أبو داود، والفضخ خروجه
على وجه الشدة. وقال: إبراهيم الحربي بالعجلة.
[ما لم يكن نائماً ونحوه] فلا يشترط ذلك لقوله
صلى الله عليه وسلم لما سئل: هل على المرأة
غسل إذا احتلمت؟ قال: "نعم إذا رأت الماء"
رواه النسائي بمعناه.
[الثالث تغييب الحشفة كلها أو قدرها] من
مقطوعها.
[بلا حائل في فرج] لقوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان
وجب الغسل" رواه مسلم فإذا غيب الحشفة تحاذى
الختانان.
(1/38)
[ولو دبرا]
لأنه فرج أصلي.
[لميت أو بهيمة أو طير] لعموم الخبر.
[لكن لا يجب الغسل إلا على ابن عشر وبنت تسع]
ومعنى الوجوب في حق من لم يبلغ، أن الغسل شرط
لصحة صلاته وطوافه وقراءته.
[الرابع إسلام الكافر ولو مرتداً] لأن النبي
صلى الله عليه وسلم أمر قيس بن عاصم أن يغتسل
حين أسلم رواه أبو داود والنسائي والترمذي
وحسنه.
[الخامس خروج دم الحيض]
[السادس خروج دم النفاس] قال في المغني: لا
خلاف في وجوب الغسل بهما.
[السابع الموت] لقوله صلى الله عليه وسلم:
"إغسلنها" وقال في المحرم: "اغسلوه بماء وسدر"
وغيرهما.
[تعبداً] لأنه لو كان عن حدث لم يرتفع مع بقاء
سببه، ولو كان عن نجاسة لم يطهر مع بقاء سببه.
(1/39)
فصل: في شروط الغسل
...
فصل: شروط الغسل
[وشروط الغسل سبعة:]
[1- انقطاع ما يوجبه 2 - النية 3 - الإسلام 4-
العقل 5- التمييز 6 -الماء الطهور المباح 7 -
إزالة ما يمنع وصوله]
[وواجبه التسمية وتسقط سهواً] وتقدم نحوه في
الوضوء.
[وفرضه أن يعم بالماء جميع بدنه وداخل فمه
وأنفه] لحديث ميمونة وضع رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وضوء الجنابة فأفرغ على يديه،
فغسلهما مرتين أو ثلاثاً، ثم تمضمض واستنشق
وغسل
(1/39)
وجهه وذراعيه،
ثم أفاض الماء على رأسه، ثم غسل جسده، فأتيته
بالمنديل فلم يردها، وجعل ينفض الماء بيديه
متفق عليه.
[حتى ما يظهر من فرج المرأة عند القعود
لحاجتها] لأنه في حكم الظاهر ولا مشقة في
غسله.
[وحتى باطن شعرها] لأنه جزء من البدن، وفي
حديث عائشة: ثم يخلًل شعره بيده حتى إذا ظن
أنه قد روى بشرته، أفاض عليه الماء ثلاث مرات،
ثم غسل سائر جسده متفق عليه. وعن علي مرفوعاً
"من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء،
فعل الله به كذا وكذا من النار" قال علي فمن
ثم عاديت شعري رواه أحمد وأبو داود.
[ويجب نقضه في الحيض والنفاس] لقوله صلى الله
عليه وسلم لعائشة: "انقضي شعرك واغتسلي" رواه
ابن ماجه: بإسناد صحيح. وأكثر العلماء على
الاستحباب، لأن في بعض ألفاظ حديث أم سلمة
أفأنقضه للحيضة ؟ قال "لا" رواه مسلم. وحديث
عائشة ليس فيه حجة للوجوب، لأنه ليس في غسل
الحيض إنما هو في حال الحيض للإحرام، ولو ثبت
الأمر بنقضه لحمل على الاستحباب، جمعاً بين
الحديثين، قاله في الشرح.
[لا الجنابة] لقول أم سلمة: قلت: يارسول الله
إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل
الجنابة؟ فقال "لا، إنما يكفيك أن تحثي على
رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء
فتطهرين" رواه مسلم.
[ويكفي الظن فى الإسباغ] لقول عائشة "حتى إذا
ظن أن أروى بشرته، أفاض عليه الماء" متفق
عليه.
(1/40)
[وسننه: الوضوء
قبله. وازالة ما لوثه من أذى. وإفراغه الماء
على رأسه ثلاثاً، وعلى بقية جسده ثلاثاً،
والتيامن، والموالاة، وإمرار اليد على الجسد،
وإعادة غسل رجليه بمكان أخر] لحديث عائشة و
ميمونة في صفة غسله صلى الله عليه وسلم متفق
عليهما، وفي حديث ميمونة "ثم تنحى فغسل قدميه"
رواه البخاري.
[ومن نوى غسلاً مسنوناً، أو واجباً، أجزأ
أحدهما عن الآخر، وإن نوى رفع الحدثين أو
الحدث وأطلق، أو أمراً لا يباح إلا بوضوء
وغسل، أجزأ عنهما] قال ابن عبد البر: المغتسل
إذا عمً بدنه، ولم يتوضأ فقد أدى ما عليه، لأن
الله تعالى إنما افترض عليه الغسل، وهذا إجماع
لا خلاف فيه، إلا أنهم أجمعوا على استحباب
الوضوء قبله، تأسياً به، صلى الله عليه وسلم.
[ويسن الوضوء بمد وهو رطل وثلث بالعراقي،
وأوقيتان وأربعة أسباع بالقدسي والاغتسال بصاع
وهو خمسة أرطال وثلث بالعراقي وعشر أواق
وسبعان بالقدسي] لحديث أنس رضي الله عنه قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع
إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد متفق عليه.
[ويكره الإسراف] لما روى ابن ماجه أن النبي
صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال
"ما هذا السرف" ؟ فقال: أفي الوضوء إسراف ؟
قال "نعم، وإن كنت على نهر جار" .
[لا الإسباغ بدون ما ذكر] أي المد والصاع.
وهذا مذهب أكثر أهل العلم. قاله في الشرح لأن
عائشة كانت تغتسل هي والنبي صلى الله
(1/41)
عليه وسلم من
إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريباً من ذلك
رواه مسلم. وروى أبو داود والنسائي عن أم
عمارة بنت كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم
توضأ فأتي بماء في إناء قدر ثلثي المد.
[ويباح الغسل] والوضوء.
[في المسجد ما لم يؤذ به] أحداً، أو يؤذ
المسجد. قال ابن المنذر: أباح ذلك من نحفظ عنه
من علماء الأمصار، وروي عن أحمد أنه كرهه
صيانة للمسجد عن البصاق، وما يخرج من فضلات
الوضوء. ذكره في الشرح.
[وفي الحمام إن أمن الوقوع في المحرم] نص عليه
لما روي عن ابن عباس أنه دخل حماماً كان
بالجحفة وعن أبي ذر نعم البيت الحمام يذهب
الدرن، ويذكر بالنار.
[فإن خيف كره] خشية المحظور. وروى ابن أبي
شيبة في مصنفه عن علي وابن عمر رضي الله عنهما
بئس البيت الحمام يبدي العورة، ويذهب الحياء.
[وإن علم حرم] لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.
(1/42)
فصل في الأغسال
المستحبة
[في الأغسال المستحبة وهي ستة عشر: آكدها
لصلاة جمعة في يومها لذكر حضرها] لحديث أبي
سعيد مرفوعاً: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم"
وقال صلى الله عليه وسلم: "من جاء منكم الجمعة
فليغتسل" متفق عليهما. وليس بواجب حكاه ابن
المنذر إجماعاً.
[ثم لغسل ميت] لحديث أبي هريرة مرفوعاً "من
غسل ميتاً
(1/42)
فليغتسل ومن
حمله فليتوضأ" رواه أحمد وأبو داود والترمذي
وحسنه. وروي ذلك عن ابن عباس، والشافعي، و
إسحاق، و ابن المنذر، قاله في الشرح.
[ثم لعيد في يومه] لحديث ابن عباس، و الفاكه
بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل
يوم الفطر والأضحى رواه ابن ماجه.
[ولكسوف واستسقاء] قياساً على الجمعة والعيد،
لأنهما يجتمع لهما.
[وجنون وإغماء] لأنه صلى الله عليه وسلم اغتسل
من الإغماء متفق عليه. ولا يجب، حكاه ابن
المنذر إجماعاً، قاله في الشرح.
[ولاستحاضة لكل صلاة] لقوله صلى الله عليه
وسلم لزينب بنت جحش لما استحيضت: "اغتسلي لكل
صلاة" رواه أبو داود.
[ولإحرام] بحج أو عمرة، لحديث زيد بن ثابت أنه
رأى النبى صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله
واغتسل رواه الترمذي وحسنه.
[ولدخول مكة وحرمها] لأن ابن عمر كان لا يقدم
مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ويدخل
نهاراً ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
فعله. رواه مسلم.
[ووقوف بعرفة] لما روى مالك عن نافع أن ابن
عمر كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم. ولدخوله
مكة. ولوقوفه عشية عرفة ولأنه يروى عن علي
وابن مسعود.
(1/43)
[وطواف زيارة،
وطواف وداع، ومبيت بمزدلفة، ورمي جمار] لأن
هذه كلها أنساك يجتمع لها، فاستحب لها الغسل
قياساً على الإحرام ودخول مكة.
[ويتيمم للكل للحاجة1، ولما يسن له الوضوء إن
تعذر] نقله صالح2 في الإحرام ولأن النبي صلى
الله عليه وسلم تيمم لرد السلام.
ـــــــ
1 كانت في الأصل ويتيمم الكل الحاجة وما
ذكرناه من الأصول المخطوطة.
2 هو أبو الفضل صالح ابن الإمام أحمد بن حنبل
ولد سنة 203 وتوفي سنة 266.
(1/44)
باب التيمم
مدخل
...
باب التيمم
[ويصح بشروط ثمانية: 1-النية، 2 - والإسلام، 3
- والعقل، 4 - والتمييز، 5- والاستنجاء أو
الاستجمار] لما تقدم.
6- [دخول وقت الصلاة. فلا يصح التيمم لصلاة
قبل وقتها، ولا لنافلة وقت نهي] لحديث أبي
أمامة مرفوعاً: "جعلت الأرض كلها لي ولأمتي
مسجداً وطهوراً فأينما أدركت رجلاً من أمتي
الصلاة فعنده مسجده، وعنده طهوره" رواه أحمد.
[7- تعذر استعمال الماء إما لعدمه] لقوله
تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا
صَعِيداً طَيِّباً} الآية1 وقوله صلي الله
عليه وسلم: "إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن
لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه
بشرته فإن ذلك خير" صححه الترمذي.
[أو لخوفه باستعماله الضرر] لقوله تعالى: {
وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} الآية1. ولحديث صاحب
الشجة. وعن عمرو بن العاص أنه لما بعث في غزوة
ذات السلاسل قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة
البرد
ـــــــ
1 النساء/ 43. ونص الآية: {وَإِنْ كُنْتُمْ
مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ
مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ
النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا
بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً} .
(1/45)
فأشفقت إن
اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة
الصبح" الحديث. رواه أحمد وأبو داود،
والدارقطني.
[ويجب بذله لعطشان من آدمي أو بهيمة محترمين]
لأن الله تعالى غفر لبغي بسقي كلب، فالآدمي
أولى. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه
من أهل العلم على أن المسافر إذا كان معه ماء
فخشي العطش أنه يبقي ماءه للشرب ويتيمم.
[ومن وجد ماء لا يكفي لطهارته استعمله فيما
يكفي وجوباً ثم تيمم] لقوله صلى الله عليه
وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم"
رواه البخاري.
[وإن وصل، المسافر إلى الماء، وقد ضاق الوقت
أو علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعد خروجه،
عدل إلى التيمم] محافظة على الوقت، قاله
الأوزاعي والثوري، وقيل لا يتيمم لأنه واجد
للماء. وهذا قول أكثر أهل العلم. قال معناه في
الشرح.
[وغيره لا. ولو فاته الوقت، ومن في الوقت أراق
الماء أو مر به وأمكنه الوضوء، ويعلم أنه لا
يجد غيره حرم] لتفريطه.
[ثم إن تيمم وصلى لم يعد] في أحد الوجهين،
والثاني يعيد لأنه مفرط. قاله في الشرح. ومن
خرج من المصر إلى أرض من أعماله، كالحطاب ممن
لا يمكنه حمل الماء معه لوضوئه، ولا يمكنه
الرجوع ليتوضأ إلا بتفويت حاجته، صلى بالتيمم
ولا إعادة. قاله في الشرح.
[وإن وجد محدث ببدنه وثوبه نجاسة ومعه ماء لا
يكفي، وجب غسل ثوبه، ثم إن فضل شئ غسل بدنه.
ثم إن فضل شئ تطهر وإلا تيمم]
(1/46)
نص أحمد على
تقديم غسل النجاسة. قال في الشرح: ولا نعلم
فيه خلافاً.
[ويصح التيمم لكل حدث] لعموم الآية، وحديث
عمار، وقوله في حديث عمران بن حصين: "عليك
بالصعيد فإنه يكفيك". متفق عليه.
[وللنجاسة على البدن بعد تخفيفها ما أمكن]
لأنها طهارة على البدن مشترطة للصلاة، فناب
فيها التيمم، كطهارة الحدث. قاله في الكافي.
قال أحمد: هو بمنزلة الجنب.
[فإن تيمم لها قبل تخفيفها لم يصح] كتيمم قبل
استجمار.
[ 8- أن يكون بتراب طهور مباح غير محترق، له
غبار يعلق باليد] للآية. قال ابن عباس الصعيد
تراب الحرث، والطيب الطاهر وقال تعالى:
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} 1
وما لا غبار له لا يمسح بشئ منه. وقال
الأوزاعي: الرمل من الصعيد. وإن ضرب يده على
لبد أو شعر، ونحوه. فعلق به غبار جاز، نص عليه
لأنه صلى الله عليه وسلم ضرب بيده الحائط ومسح
وجهه ويديه.
[فإن لم يجد ذلك صلى الفرض فقط، على حسب حاله.
ولا يزيد في صلاته على ما يجزئ. ولا إعادة]
لأنه أتى بما أمر به.
[وواجب التيمم التسمية، وتسقط سهواً] قياساً
على الوضوء.
[وفروضه خمسة: 1- مسح الوجه، 2- ومسح اليدين
إلى الكوعين] للآية. واليد عند الإطلاق في
الشرع تتناول اليد إلى الكوع، بدليل
ـــــــ
1 النساء/ 43.
(1/47)
قطع يد السارق.
وفي حديث عمار:" إنما كان يكفيك أن تقول بيديك
هكذا، ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة، ثم مسح
الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه". متفق
عليه.
[3- الترتيب في الطهارة الصغرى. فيلزم من جرحه
ببعض أعضاء وضوئه، إذا توضأ أن يتيمم له عند
غسله، لو كان صحيحاً، 4 - الموالاة فيلزمه أن
يعيد غسل الصحيح عند كل تيمم] قال في الإ
نصاف: وقال الشيخ تقي الدين: لا يلزمه مراعاة
الترتيب. وهو الصحيح من مذهب أحمد وغيره.
وقال: الفصل بين أعضاء الوضوء بتيمم بدعة.
فإذا خرج الوقت الذي تيمم فيه لبعض أعضاء
وضوئه أعاد التيمم فقط.
[5- تعيين النية لما تيمم له من حدث أو نجاسة،
فلا تكفي نية أحدهما عن الآخر، وإن نواهما
أجزأ] لحديث "إنما الأعمال بالنيات" .
[ومبطلاته خمسة: ما أبطل الوضوء. ووجود الماء]
لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا وجد الماء
فليمسه بشرته فإن ذلك خير له" رواه أحمد،
والترمذي، وصححه. هذا إذا كان تيممه لعدم
الماء. وإن تيمم لمرض ونحوه لم يبطل بوجوده.
[وخروج الوقت] روي ذلك عن علي، وابن عمر.
[وزوال المبيح له، وخلع ما مسح عليه] والصحيح
لا يبطل. وهو قول سائر الفقهاء. قاله في
الشرح.
[وإن وجد الماء، وهو في الصلاة، بطلت] لعموم
قوله "فإذا وجد الماء فليمسه بشرته" .
[وإذا انقضت لم تجب الإعادة] لأنه أدى فريضة
بطهارة صحيحة.
(1/48)
[وصفته أن
ينوي، ثم يسمي ويضرب التراب بيديه مفرجتي
الأصابع ضربة واحدة] لحديث عمار وفيه: "التيمم
ضربة للوجه والكفين" رواه أحمد وأبو داود.
[والأحوط اثنتان لعد نزع خاتم ونحوه] ليصل إلى
ما تحته.
[فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه] إن
اكتفى بضربة واحدة، وإن كان بضربتين مسح
بأولاهما وجهه، وبالثانية يديه.
[وسن لمن يرجو وجود الماء تأخير التيمم إلى
آخر الوقت المختار] لقول علي رضي الله عنه في
الجنب يتلوًم ما بينه وبين آخر الوقت.
[وله أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من الفرض
والنفل، لكن لو تيمم للنفل لم يستبح الفرض]
لقوله صلى الله عليه وسلم "وإنما لكل امرئ ما
نوى" .
(1/49)
باب إزالة
النجاسة
مدخل
...
باب إزالة النجاسة
[يشرط لكل متنجس سبع غسلات] لقول ابن عمر
أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً. وعنه: ثلاث غسلات
لأمره - صلى الله عليه وسلم – "القائم من نوم
الليل أن يغسل يديه ثلاثاً فانه لا يدري أين
باتت يده". علل بوهم النجاسة. وعنه يكاثر
بالماء من غير عدد قياساً على النجاسة على
الأرض، ولقوله صلى الله عليه وسلم لأسماء في
دم الحيض يصيب الثوب "حتيه ثم اقرصيه ثم
اغسليه بالماء" . ولم يذكر عدداً. وفي حديث
علي مرفوعاً: "بول الغلام ينضح وبول الجًارية
يغسل" . ولم يذكر عدداً.
[وأن يكون إحداها بتراب طهور. أو صابون ونحوه،
في متنجس بكلب أو خنزير] لحديث أبي هريرة
مرفوعاً "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسلة
سبعاً أولاه بالتراب" رواه مسلم. وقيس عليه
الخنزير.
[ويضر بقاء طعم النجاسة لا لونها، أو ريحها،
اًو هما عجزاً] لما روي أن خولة بنت يسار
قالت: يارسول الله أرأيت لو بقي أثره؟ تعني
الدم. " فقال يكفيك الماء ولا يضرك أثره" .
رواه أبو داود بمعناه.
[ويجزئ في بول غلام لم يأكل طعاماً لشهوة نضحه
وهو غمره بالماء] لحديث أم قيس بنت محصن أنها
أتت بابن لها صغير، لم يأكل الطعام إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجره، فبال
(1/50)
على ثوبه، فدعا
بماء فنضحه ولم يغسله متفق عليه. وعن علي
مرفوعاً: "بول الغلام ينضح، وبول الجارية
يغسل" . رواه أحمد.
[ويجزئ في تطهير صخر وأحواض وأرض تنجست بمائع
ولو مر كلب أو خنزير مكاثرتهما بالماء، بحيث
يذهب لون النجاسة وريحها] لقوله صلى الله عليه
وسلم في بول الأعرابي " أريقوا عليه ذنوباً من
ماء" متفق عليه.
[ولا تطهر الأرض بالشمس والريح والجفاف، ولا
النجاسة بالنار] روي عن الشافعي و ابن
المنذر،لأمره صلى الله عليه وسلم أن يصب على
بول الأعرابي ذنوب من ماء. والأمر يقتضي
الوجوب.
[وتطهر الخمرة بإنائها إذا انقلبت خلاً
بنفسها] وتحل بالإجماع. قال في الكافي: كالماء
الذي تنجس بالتغير، إذا زال تغيره.
[وإذا خفي موضع النجاسة غسل حتى يتيقن غسلها]
ليخرج من العهدة بيقين. هذا قول مالك والشافعي
وابن المنذر. قاله في الشرح.
(1/51)
فصل في
النجاسات
[المسكر المائع وكذا الحشيشة] نجس، لقوله
تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ
عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} 1.
[وما لا يؤكل من الطير والبهائم مما فوق الهر
خلقة نجس] لحديث ابن عمر أنه سمع النبي صلى
الله عليه وسلم وهو يسأل عن الماء يكون في
الفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب
فقال: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث"
وفي رواية: لم ينجسه شئ.
ـــــــ
1 المائدة/ 90.
(1/51)
[وما دونهما في
الخلقة، كالحية والفار والمسكر غير المائع
فطاهر] وسؤر الهر، وما دونه في الخلقة طاهر في
قول أكثر أهل العلم من الصحابة، والتابعين،
ومن بعدهم، لحديث أبي قتادة مرفوعاً وفيه:
فجاءت هرًة، فأصغى لها الإناء حتى شربت وقال:
"إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم
والطوافات" . فدل بلفظه على نفي الكراهة عن
سؤر الهر، وبتعليله على نفي الكراهة مما دونها
عما يطوف علينا. قاله في الشرح.
[وكل ميتة نجسة] لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ
يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ
لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ...} 1 [غير
ميتة الآدمي] لحديث "المومن لا ينجس" . متفق
عليه.
[والسمك والجراد] لأنها لو كانت نجسة لم يحل
أكلها.
[وما لا نفس له سائلة كالعقرب والخنفساء والبق
والقمل والبراغيث] لحديث "إذا وقع الذباب إناء
أحدكم فليمقله" وفي لفظ "فليغمسه فإن في أحد
جناحيه داءً وفي الآخر شفاءً" رواه البخاري.
وهذا عام في كل حار وبارد، ودهن مما يموت
الذباب بغمسه فيه، فلو كان ينجسه كان أمراً
بإفساده، فلا ينجس بالموت، ولا ينجس الماء إذا
مات فيه. قال ابن المنذر: لا أعلم في ذلك
خلافاً، إلا ما كان من الشافعي في أحد قوليه.
قاله في الشرح.
[وما أكل لحمه، ولم يكن أكثر علفه النجاسة،
فبوله وروثه وقيئه ومذيه ومنيه ولبنه طاهر]
لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا في
ـــــــ
1 الأنعام من الآية/ 145.
(1/52)
مرابض الغنم" .
رواه مسلم. وقال للعرنيين "انطلقوا إلى إبل
الصدقة فاشربوا من أبوالها" متفق عليه.
[وما لا يؤكل فنجس] لقوله صلى الله عليه وسلم
في الذي يعذب في قبره: "إنه كان لا يتنزه من
بوله" . متفق عليه. والغائط مثله. وقوله لعلي
في المذي "اغسل ذكرك" . قال في الكافي: والقيء
نجس لأنه طعام استحال في الجوف إلى الفساد
أشبه الغائط.
[إلا مني الآدمي ولبنه فطاهر] لقول عائشة كنت
أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ثم يذهب فيصلي به متفق عليه. لكن يستحب
غسل رطبه، وفرك يابسه. وكذا عرق الآدمي وريقه
طاهر كلبنه، لأنه من جسم طاهر.
[والقيح والدم والصديد نجس] لقوله صلى الله
عليه وسلم لأسماء في الدم: "اغسليه بالماء"
متفق عليه. والقيح والصديد مثله. إلا أن أحمد
قال: هو أسهل.
[لكن يعفى في الصلاة عن يسير منه لم ينقض
الوضوء، إذا كان من حيوان طاهر في الحياة ولو
من دم حائض] في قول أكثر أهل العلم. روي عن
ابن عباس، وأبي هريرة وغيرهما، ولم يعرف لهم
مخالف، ولقول عائشة: يكون لأحدانا الدرع فيه
تحيض ثم ترى فيه قطرة من الدم فتقصعه بريقها.
- وفي رواية - تبله بريقها ثم تقصعه بظفرها.
رواه أبو داود وهذا يدل على العفو لأن الريق
لا يطهره، ويتنجس به ظفرها، هو إخبار عن دوام
الفعل، ومثل هذا لا يخفى عليه صلى الله
(1/53)
عليه وسلم، قال
في الشرح: وما بقي في اللحم من الدم معفو عنه،
لأنه إنما حرم الدم المسفوح، ولمشقة التحرز
منه.
[ويضم يسير متفرق بثوب لا أكثر] فإن صار بالضم
كثيراً لم تصح الصلاة فيه، والا عفي عنه.
[وطين شارع ظنت نجاسته] طاهر. عملاً بالأصل،
ولأن الصحابة، والتابعين يخوضون المطر في
الطرقات، ولا يغسلون أرجلهم. روي عن عمر وعلي،
وقال ابن مسعود: كنا لا نتوضأ من موطئ ونحوه
عن ابن عباس، وهذا قول عوام أهل العلم. قاله
في الشرح.
[وعرق وريق من طاهر طاهر] لما روى مسلم عن أبي
هريرة مرفوعاً وفيه: "فإذا انتخع أحدكم
فلينتخع عن يساره، أو تحت قدمه، فإن لم يجد
فليقل هكذا، فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه في
بعض" ولو كانت نجسة لما اًمر بمسحها في ثوبه
وهو في الصلاة، ولا تحت قدمه، ولنجست الفم.
[ولو أكل هر ونحوه، أو طفل نجاسة ثم شرب من
مائع لم يضر] لعموم البلوى. ومشقة التحرز.
[ولا يكره سؤر حيوان طاهر، وهو فضلة طعامه
وشرابه] .
(1/54)
باب الحيض
مدخل
...
باب الحيض
[لا حيض قبل تمام تسع سنين] لأنه لم يثبت في
الوجود لامرأة حيض قبل ذلك. وقد روي عن عائشة
أنها قالت: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي
امرأة. وقال الشافعي: رأيت جدة لها إحدى
وعشرون سنة.
[ولا بعد خمسين سنة] لقول عائشة: إذا بلغت
المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض ذكره أحمد،
وعنه إن تكرر بها الدم فهو حيض إلى ستين، وهذا
أصح لأنه قد وجد. قاله في الكافي.
[ولا مع حمل] فإن رأت الحامل دماً فهو دم
فساد، لقوله صلى الله عليه وسلم في سبايا
أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى
تستبرئ بحيضة" يعني تستعلم براءتها من الحمل
بالحيضة فدل على أنها لا تجتمع معه.
[وأقل الحيض يوم وليلة] لأن الشرع علق على
الحيض أحكاماً، ولم يبين قدره، فعلم أنه رده
إلى العادة كالقبض، والحرز. وقد وجد حيض معتاد
يوماً، ولم يوجد أقل منه. قال عطاء: رأيت من
تحيض يوماً، وتحيض خمسة عشر. وقال أبو عبد
الله الزبيري. كان في نسائنا من تحيض يوماً،
وتحيض خمسة عشر يوماً.
[وأكثره خمسة عشر يوماً] لما ذكرنا.
(1/55)
[وغالبه ست أو
سبع] لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش:
"تحيضي في علم الله ستة أيام، أو سبعةً أيام
ثم اغتسلي وصلي اًربعةً وعشرين يوماً، اًو
ثلاثةً وعشرين يوما كما يحيض النساء ويطهرن
لميقات حيضهن وطهرهن" صححه الترمذي.
[وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً]
احتج أحمد بما روى عن علي: أن امرأة جاءت وقد
طلقها زوجها، فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث
حيض. فقال علي لشريح: قل فيها، فقال شريح: إن
جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرضى دينه،
وأمانته فشهدت بذلك، وإلا فهي كاذبة. فقال
علي: قالون أي جيد بالرومية. وهذا اتفاق منهما
على إمكان ثلاث حيضات في شهر ولا يمكن إلا بما
ذكر.
[وغالبه بقية الشهر] لأن الغالب أن المرأة
تحيض في كل شهر حيضة.
[ولا حد لأكثره] لأنه لم يرد تحديده في الشرع.
ومن النساء من لا تحيض.
[ويحرم بالحيض أشياء: منها الوطء في الفرج]
لقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي
الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى
يَطْهُرْنَ} 1.
[والطلاق] لقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ} 2.
[والصلاة] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا
أقبلت الحيضة فدعي الصلاة" .
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 222.
2 الطلاق من الآية/ 1.
(1/56)
[والصوم] لقوله
صلى الله عليه وسلم: "أليس إحداكن إذا حاضت لم
تصم ولم تصل؟" قلن بلى رواه البخاري.
[والطواف] لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة
لما حاضت: "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا
تطوفي بالبيت حتى تطهري" . متفق عليه.
[وقراءة القرآن] لقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن"
رواه أبو داود الترمذي.
[ومس المصحف] لقوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ
إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} 1.
[واللبث في المسجد] لقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا أحل المسجد لجنب، ولا حائض" رواه أبو
داود.
[وكذا المرور فيه إن خافت تلويثه] فإن أمنت
تلويثه لم يحرم، لقوله صلى الله عليه وسلم
لعائشة: "ناوليني الخمرة من المسجد" فقالت:
إني حائض فقال: "إن حيضتك ليست في يدك" رواه
الجماعة، إلا البخاري.
[ويوجب الغسل] لقوله صلى الله عليه وسلم: "دعي
الصًلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم
اغتسلي وصلي" متفق عليه.
[والبلوغ] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل
الله صلاة حائض إلا بخمار" أوجب عليهما السترة
بوجود الحيض فدل على أن التكليف حصل به، وإنما
يحصل ذلك بالبلوغ.
[والكفارة بالوطء فيه، ولو مكرهاً، أو ناسياً،
أو جاهلاً للحيض والتحريم، وهي دينار اًو نصفه
على التخيير] لما روى ابن عباس عن
ـــــــ
1 الواقعة/ 79.
(1/57)
النبي صلى الله
عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض:
"يتصدق بدينار أو نصف دينار" قال أبو داود:
هكذا الرواية الصحيحة.
[وكذا هي إن طاوعت] قياساً على الرجل.
[ولا يباح بعد انقطاعه، وقبل غسلها، أو
تيممها، غير الصوم] فإنه يباح كما يباح للجنب
قبل اغتساله.
[والطلاق] لأنه إنما حرم طلاق الحائض لتطويل
العدة، وقد زال هذا المعنى، قاله في الكافي.
[واللبث بوضوء في المسجد] قياساً على الجنب.
[وانقطاع الدم: بأن لا تتغير قطنة احتشت بها
في زمن الحيض طهر] والصفرة والكدرة في زمن
الحيض حيض، لما روى مالك عن علقمة عن أمه أن
النساء كن يرسلن بالدرجة فيها الشئ من الصفرة
إلى عائشة فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة
البيضاء قال مالك وأحمد: هو ماء أبيض يتبع
الحيضة. وفي زمن الطهر طهر لا تعتد به، نص
عليه لقول أم عطية: كنا لا نعد الصفرة والكدرة
بعد الطهر شيئاً رواه أبو داود.
[وتقضي الحائض والنفساء الصوم لا الصلاة]
لحديث معاذة أنها سألت عائشة رضي الله عنها:
ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة ؟
فقالت: كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء
الصلاة رواه الجماعة. وقالت أم سلمة: كانت
المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد
في
(1/58)
النفاس أربعين
ليلة لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم
بقضاء صلاة النفاس رواه أبو داود.
(1/59)
فصل في
المستحاضة ودائم الحدث
[ومن جاوز دمها خمسة عشر يوما فهي مستحاضة]
لأنه لا يصلح أن يكون حيضا فإن كان لها عادة
قبل الإستحاضة جلستها ولو كان لها تمييز صالح
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة :
"امكثي قدر ما كانت تحسبك حيضتك ثم اغتسلي
وصلي" رواه مسلم فإن لم يكن لها عادة أو
نسيتها فإن كان دمها متميزا بعضه أسود ثخين
منتن وبعضه رقيق أحمر وكان الأسود لا يزيد على
أكثر الحيض ولا ينقص عن أقله فهي مميزة حيضها
زمن الأسود فتجلسه ثم تغتسل وتصلي لما روي أن
فاطمة بنت أبي حبيش قالت : يارسول الله : إني
أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة ؟ فقال : "لا إن
ذلك عروق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة
فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي"
متفق عليه وفي لفظ: "إذا كان دم الحيض فإنه
أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر
فتوضئي إنما هو عرق" رواه النسائي وقال ابن
عباس ما رأت الدم البخر أي فإنها تدع الصلاة
إنها والله إن ترى الدم بعد أيام محيضها إلا
كغسالة ماء اللحم وإن لم يكن لها عادة ولا
تمييز فهي متحيرة.
[فتجلس من كل شهر ستا أو سبعا بتحر حيث لا
تمييز ثم تغتسل وتصوم وتصلي بعد غسل المحل
وتعصيبه] لحديث حمنة بنت
(1/59)
جحش قالت : قلت
يارسول الله إني أستحاض حيضة شديدة فما ترى
فيها ؟ قال "أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم"
قالت : هو أكثر من ذلك قال : "فاتخذي ثوبا"
قالت : هو أكثر من ذلك قال : "فتلجمي" قالت :
إنما أثج ثجا فقال لها : "سآمرك بأمرين أيهما
فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر فإن قويت عليهما
فأنت أعلم" فقال لها : "إنما هذه ركضة من
ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام
في علم الله ئم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد
طهرت واستنقأت فصلي أربعا وعشرين أو ثلاثا
وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزئك
وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما
يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن" الحديث رواه أحمد
وأبو داود والترمذي وصححه.
[وتتوضأ في وقت كل صلاة] لقوله صلى الله عليه
وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش : "وتوضئي لكل صلاة
حتى يجئ ذلك الوقت" وقال في المستحاضة :
"وتتوضأ عند كل صلاة" رواهما أبو داود
والترمذي.
[وتنوي بوضوئها الاستباحة] لأن الحدث دائم.
[وكذا يفعل كل من حدثه دائم] لحديث : "صلي وإن
قطر على الحصير" رواه البخاري و صلى عمر وجرحه
يثعب دما.
[ويحرم وطئ المستحاضة] لأنه أذى في الفرج أشبه
دم الحيض.
[ولا كفارة] لعدم ثبوت أحكام الحيض فيه. وعنه
يباح. وهو قول أكثر أهل العلم لحديث حمنة وأم
حبيبة. قاله في الشرح.
[والنفاس لا حد لأقله] لأنه لم يرد تحديده
فرجع فيه إلى الوجود
(1/60)
وقد وجد قليلا
وكثيرا وروي أن امرأة ولدت على عهده صلى الله
عليه وسلم فلم تر دما فسميت ذات الجفوف.
[وأكثره أربعون يوما] قال الترمذي : أجمع أهل
العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن
بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما
إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فتغتسل وتصلي قال
أبو عبيد : وعلى هذا جماعة الناس وعن أم سلمة
كانت النفساء على عهد النبي صلى الله عليه
وسلم تجلس أربعين يوما رواه الخمسة إلا
النسائي.
[ويثبت حكمه بوضع ما يتبين فيه خلق إنسان] ولو
خفيا وأقل ما يتبين فيه إحدى وثمانون يوما.
وغالبه ثلاثة أشهر قاله المجد وابن تميم وابن
حمدان وغيرهم.
[فإن تخلل الأربعين نقاء فهو طهر] لما تقدم.
[لكن يكره وطؤها فيه] قال أحمد : ما يعجبني أن
يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبي العاص
أنها أتته قبل الأربعين فقال : لا تقربيني.
[ومن وضعت ولدين فأكثر فأول مدة النفاس من
الأول] كما لو كان منفردا.
[فلو كان بينهما أربعون يوما فلا نفاس للثاني]
لأنه تبع للأول فلم يعتبر في آخر النفاس كما
لا يعتبر في أوله لأنه نفاس واحد من حمل واحد
فلم يزد على الأربعين قاله في الكافي.
[وفي وطء النفساء ما في وطء الحائض] من
الكفارة قياسا عليه نص عليه.
(1/61)
[ويجوز للرجل
شرب دواء مباح يمنع الجماع] لأنه حق له.
[وللأنثى شربه لحصول الحيض ولقطعه] لأنه الأصل
الحل حتى يرد التحريم ولم يرد.
(1/62)
باب الأذان والاقامة
مدخل
...
باب الأذان والإقامة
[وهما فرض كفاية] لحديث: "إذا حضرت الصلاة
فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم" والأ مر
يقتضي الوجوب، ولأنهما من شعائر الإسلام
الظاهرة كالجهاد.
[في الحضر] في القرى والأمصار. قال مالك رحمه
الله: إنما يجب النداء في مساجد الجماعة.
[على الرجال] فأما النساء فليس عليهن أذان،
ولا إقامة. قاله ابن عمر وأنس وغيرهما. ولا
نعلم من غيرهم خلافهم. قاله في الشرح.
[الأحرار] لا الأرقاء لاشتغالهم بخدمة ملاكهم
في الجملة.
[ويسنان للمنفرد] لحديث عقبة بن عامر مرفوعاً:
"يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية جبل يؤذن
بالصلاة، ويصلي، فيقول الله عز وجل انظروا إلى
عبدي هذا يؤذن، ويقيم الصلاة، يخاف مني، قد
غقرت لعبدي، وأدخلته الجنة" رواه النسائي.
[وفي السفر] لقوله صلى الله عليه وسلم لمالك
بن الحويرث، ولابن عم له: "إذا سافرتما فأذنا
وأقيما وليؤمكما أكبركما" متفق عليه.
(1/62)
[ويكرهان
للنساء، ولو بلا رفع صوت] لأنهما وظيفة
الرجال، ففيه نوع تشبه بهم.
[ولا يصحان إلا مرتين متواليين عرفاً] لأنه
شرع كذلك، فلم يجز الإخلال به. قال في الكافي:
لأنه لا يعلم أنه أذان بدونهما، فإن سكت
سكوتاً طويلاً، أو تكلم بكلام طويل، بطل
للإخلال بالموالاة. فإن كان يسيراً جاز. قال
البخاري في صحيحه: وتكلم سليمان بن صرد في
أذانه. وقال الحسن: لا بأس أن يضحك وهو يؤذن
أو يقيم.
[وأن يكونا من واحد] فلا يصح أن يبني على أذان
غيره، ولا على إقامته لأنه عبادة بدنية، فلم
يبن فعله على فعل غيره كالصلاة. قاله في
الكافي، وفي الإنصاف: لو أذن واحد بعضه، وكله
آخر لم يصح بلا خلاف أعلمه.
[بنية منه] لحديث "إنما الأعمال بالنيات" .
[وشرط كونه مسلماً] فلا يعتد بأذان كافر لأنه
من غير أهل العبادات.
[ذكراً] فلا يعتد بأذان أنثى. لأنه يشرع فيه
رفع الصوت، وليست من أهل ذلك. قاله في الكافي.
[عاقلاً مميزاً] فلا يصح من مجنون، وطفل.
لأنهما من غير أهل العبادات.
[ناطقاً] لينطق به.
[عدلاً ولو ظاهراً] فلا يصح أذان فاسق لأنه
صلى الله عليه وسلم:
(1/63)
وصف المؤذنين
بالأمانة والفاسق غير أمين. وأما مستور الحال
فيصح أذانه. قال في الشرح: بغير خلاف علمناه.
[ولا يصحان قبل الوقت] قال في الشرح: أما غير
الفجر فلا يجزئ الأذان إلا بعد دخول الوقت.
بغير خلاف نعلمه. انتهى. لحديث: "إذا حضرت
الصلاة فليؤذن لكًم أحد كم" .
[إلا أذان الفجر، فيصح بعد نصف الليل] لحديث:
"إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن
ابن أم مكتوم" متفق عليه.
[ورفع الصوت ركن] ليحصل السماع المقصود
بالإعلام.
[مالم يؤذن لحاضر] فبقدر ما يسمعه. وإن رفع
صوته فهو أفضل.
[وسن كونه صيتاً] أي رفيع الصوت: لقوله صلى
الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد: "ألقه على
بلال فإنه أندى صوتاً منك" ولأنه أبلغ في
الإعلام.
[أميناً] لأنه مؤتمن على الأوقات، والحديث:
"أمناء الناس على صلاتهم وسحورهم المؤذنون"
رواه البيهقي من طريق يحيى بن عبد الحميد وفيه
كلام.
[عالماً بالوقت] ليتمكن من الأذان في أوله
ويؤمن خطؤه.
[متطهراً] لحديث أبي هريرة: "لا يؤذن إلا
متوضئ" رواه الترمذي، والبيهقي مرفوعاً. وروي
موقوفاً، وهو أصح.
[فيهما] أي الأذان، والإقامة، لقوله صلى الله
عليه وسلم لبلال: "قم فأذن" ، وكان مؤذنو رسول
الله صلى الله عليه وسلم، يؤذنون قياماً وقال
ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن من السنة
أن يوذن
(1/64)
قائماً. فإن
أذن قاعداً لعذر فلا بأس. قال الحسن العبدي.
رأيت أبا زيد صاحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم يؤذن قاعداً، وكانت رجله أصيبت في سبيل
الله رواه الأثرم. ويجوز على الراحلة. قال ابن
المنذر: ثبت أن ابن عمر كان يؤذن على البعير
فينزل فيقيم ذكره في الشرح.
[لكن لا يكره أذان المحدث] نص عليه لأنه لا
يزيد على القراءة.
[بل إقامته] للفصل بينها وبين الصلاة بالوضوء.
قال مالك: يؤذن على غير وضوء، ولا يقيم إلا
على وضوء.
[ويسن الأذان أول الوقت] لما روي أن بلالاً
كان يؤذن في أول الوقت لا يخرم، وربما أخر
الإقامة شيئاً رواه ابن ماجه.
[والترسل فيه] لقوله صلى الله عليه وسلم
لبلال: "إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر"
رواه أبو داود.
[وأن يكون على علو] قال في الشرح: لا نعلم
خلافاً في استحبابه لأنه أبلغ في الإعلام.
وروي أن بلالاً كان يؤذن على سطح امرأة من بني
النجار بيتها من أطول بيت حول المسجد رواه أبو
داود.
[رافعاً وجهه جاعلاً سبابتيه في أذنيه] لقول
أبي جحيفة إن بلالاً وضع أصبعيه في أذنيه رواه
أحمد، والترمذي وصححه، وقال: العمل عليه عند
أهل العلم. وعن سعد القرظ أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يجعل أصبعيه في
أذنيه وقال: "إنه أرفع لصوتك" رواه ابن ماجه.
(1/65)
[مستقبلاً
القبلة] لفعل موذنيه صلى الله عليه وسلم. وقال
ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من السنة
أن يستقبل القبله في الأذان.
[ويلتفت يميناً لحي على الصلاة، وشمالاً لحي
على الفلاح] لقول أبي جحيفة لقد رأيت بلالاً
يؤذن فجعلت أتتبع فاه ها هنا، وها هنا، يقول
يميناً وشمالاً حي على الصلاة حي على الفلاح
متفق عليه.
[ولا يزيل قدميه] للخبر، وسواء كان بمنارة أو
غيرها، وقال القاضي والمجد:
[ما لم يكن بمنارة] فإنه يدور.
[وأن يقول بعد حيعلة أذان الفجر: الصلاة خير
من النوم مرتين ويسمى التثويب] لقول بلال:
أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أثوب
في الفجر، ونهاني أن أثوب في العشاء رواه ابن
ماجه. ودخل ابن عمر مسجداً يصلى فيه، فسمع
رجلاً يثوب في أذان الظهر، فخرج وقال: أخرجتني
البدعة. ويكره الأذان والإقامة. والنداء
بالصلاة بعد الأذان، ونداء الأمراء. وهو قول:
الصلاة يا أمير المؤمنين، ونحوه. ووصل الأذان
بعده بذكر لأنه بدعة ذكره في شرح العمدة.
[ويسن أن يتولى الأذان، والإقامة واحد ما لم
يشق] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أخا صداء
قد أذن، ومن أذن فهو يقيم" .
[ومن جمع أو قضى فوائت، اًذن للأولى، وأقام
للكل] لقول جابر: صلى النبي صلى الله عليه
وسلم الظهر والعصر بعرفة بأذان وإقامتين رواه
مسلم. ولحديث ابن مسعود في قصة الخندق أن
المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أربع صلوات، حتى ذهب
(1/66)
من الليل ما
شاء الله، ثم أمر بلالاً فأذن ثم أقام فصلى
الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى
المغرب، ثم أقام فصلى العشاء رواه الأ ثرم.
[وسن لمن سمع المؤذن أو المقيم أن يقول مثله.
إلا في الحيعلة، فيقول: لا حول ولا قوة إلا
بالله] لحديث عمر مرفوعاً "إذا قال المؤذن:
الله اًكبر، الله أكبر، فقال أحدكم: الله
أكبر، الله أكبر. ثم قال أشهد أن لا إله إلا
الله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. ثم قال
أشهد أن محمداً رسول الله، فقال: أشهد أن
محمداً رسول اللًه. ثم قال: حي على الصلاة،
فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: حي
على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، فقال: الله
أكبر، الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله.
فقال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه، دخل
الجنة" رواه مسلم.
[وفي التثويب: صدقت وبررت] قال في الفروع:
وقيل يجمع يعني، يقول ذلك، ويقول: الصلاة خير
من النوم.
[وفي لفظ الإقامة: أقامها الله، وأدامها] لما
روى أبو داود عن بعض أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم أن بلالاً أخذ في الإقامة، فلما أن
قال قد قامت الصلاة. قال النبي صلى الله عليه
وسلم: "أقامها الله، وأدامها" وقال في سائر
الإقامة كنحو حديث عمر في الأ ذان.
[ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إذا
فرغ ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة
والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة. والفضيلة،
وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته] لحديث عبد
الله بن عمرو مرفوعاً: "إذا
(1/67)
سمعتم المؤذن
فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فإنه من صلى
علي صلاةً صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا
الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا
تنبغي إلا لعبد من عباد الله. وأرجو أن أكون
أنا هو. فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه
الشفاعة" رواه مسلم. وروى البخاري وغيره عن
جابر مرفوعاً "من قال حين يسمع النداء: اللهم
رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت
محمداً الوسيلة، والفضيلة، وابعثه مقاماً
مًحموداً الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم
القيامة" .
[ثم يدعو هنا، وعند الإقامة] لحديث أنس
مرفوعاً "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة"
رواه أحمد والترمذي وصححه. ودعا أحمد عند
الإقامة، ورفع يديه.
[ويحرم بعد الأذان الخروج من المسجد بلا عذر
أو نية رجوع] قال الترمذى: والعمل على هذا عند
أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم، ومن بعدهم أن لا يخرج أحد من المسجد بعد
الأذان إلا من عذر. ثم ذكر حديث أبي هريرة:
أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه
وسلم رواه مسلم.
تتمة في صفة الأذان. قال في الكافي: ويذهب أبو
عبد الله - يعني أحمد - إلى أذان بلال الذي
أريه عبد الله بن زيد. كما روي عنه أنه قال:
لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالناقوس ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي
وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً فقلت: ياعبد الله
أتبيع الناقوس ؟ فقال: وما تصنع به ؟ فقلت:
ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على ما هو
خير من ذلك ؟ فقلت: بلى. فقال:
(1/68)
تقول الله أكبر
الله أكبر الله أكبر الله أكبر. أشهد أن لا
إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد
أن محمداً رسول الله، أشهد اًن محمداً رسول
الله. حي على الصلاة، حي على الصلاة. حي على
الفلاح، حي على الفلاح. الله أكبر الله أكبر
لا إله إلا الله. ثم قال: استأخر عني غير
بعيد، ثم قال: وتقول إذا قمت إلى الصلاة: الله
أكبر، الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله.
أشهد أن محمداً رسول الله. حي على الصلاة. حي
على الفلاح. قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة.
الله أكبر، الله أكبر. لا إله إلا الله. فلما
أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فأخبرته بما رأيت فقال: "إنها لرؤيا حق إن شاء
الله فقم مع بلال، فألق عليه ما رأيت، فليؤذن
به، فإنه أندى صوتاً منك" رواه أبو داود.
فهذه صفة الأذان والإقامة المستحبة، لأن
بلالاً كان يوذن به حضراً، وسفراً مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى أن مات. انتهى.
ـــــــ
انظر كتاب "الكافي" للإمام الموفق ابن قدامة
حيث إن هذا الفصل منقول من الجزء الأول صفحة
128 وقد من الله علينا بطبعه.
(1/69)
باب شروط
الصلاة
مدخل
...
باب شروط الصلاة
[وهي تسعة: الإسلام، والعقل، والتمييز] فلا
تصح من كافر لبطلان عمله. ولا مجنون لعدم
تكليفه. ولا من طفل، لمفهوم الحديث "مروا
أبناءكم بالصلاة لسبع" الحد يث.
[وكذا الطهارة مع القدرة] لقوله صلى الله عليه
وسلم: "لا يقبل الله صلاةً بغيير طهور" رواه
مسلم وغيره.
[الخامس: دخول الوقت] قال تعالى: {أَقِمِ
الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} الآية1 قال
ابن عباس: دلوكها: إذا فاء الفئ. وقال عمر رضي
الله عنه: الصلاة لها وقت شرطه الله، لا تصح
إلا به. وهو: حديث جبريل حين أم النبي صلى
الله عليه وسلم بالصلوات الخمس، ثم قال: "ما
بين هذين وقت" رواه أحمد، والنسائي، والترمذي
بنحوه.
[فوقت الظهر من الزوال إلى أن يصير ظل كل شئ
مثله، سوى ظل الزوال. ثم يليه الوقت المختار
للعصر حتى يصير ظل كل شئ مثليه، سوى ظل
الزوال، ثم هو وقت ضرورة إلى الغروب. ثم يليه
وقت المغرب حتى يغيب الشفق الأحمر. ثم يليه
الوقت المختار للعشاء إلى ثلث الليل الأول. ثم
هو وقت ضرورة إلى طلوع الفجر. ثم يليه وقت
الفجر إلى شروق الشمس] لحديث جابر أن النبي
صلى الله عليه وسلم جاءه
ـــــــ
1 الإسراء/ 78.
(1/70)
جبريل عليه
السلام فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين زالت
الشمس. ثم جاءه العصر فقال: قم فصله، فصلى
العصر حين صار ظل كل شئ مثله. ثم جاءه المغرب
فقال: قم فصله، فصلى المغرب حين وجبت الشمس،
ثم جاءه العشاء فقال: قم فصله، فصلى العشاء
حين غاب الشفق، ثم جاءه الفجر فقال: قم فصله،
فصلى الفجر حين برق الفجر، أو قال سطع الفجر.
ثم جاءه من الغد للظهر فقال: قم فصله، فصلى
الظهر حين صار ظل كل شئ مثله. ثم جاءه العصر
فقال قم فصله، فصلى العصر حين صار ظل كل شئ
مثليه. ثم جاءه المغرب وقتاً واحداً لم يزل
عنه. ثم جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل، أو
قال ثلث الليل فصلى العشاء، ثم جاءه حين أسفر
جداً، فقال له: قم فصله. فصلى الفجر ثم قال:
مابين هذين وقت رواه أحمد والنسائي والترمذي
بنحوه. وقال البخاري: هو أصح شئ في المواقيت.
وعن أبي موسى أن رجلاً سأل النبي صلى الله
عليه وسلم عن مواقيت الصلاة قال في آخره". ثم
أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق - وفي لفظ
- فصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وأخر العشاء
حتى كان ثلث الليل الأول. ثم أصبح فدعا السائل
فقال: "الوقت فيما بين هذين" رواه أحمد ومسلم
وأبو داود والنسائي.
[ويدرك الوقت بتكبيرة الإحرام] لحديث عائشة
مرفوعاً "من أدرك من العصر سجدةً قبل أن تغرب
الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع فقد أداها"
رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. والسجدة
هنا الركعة، قاله في المنتقى. والسجدة جزء من
الصلاة: فدل على إدراكها بإدراك جزء منها.
وهذا قول الشافعي. وعن أحمد: لا تدرك إلا
بركعة
(1/71)
لما في المتفق
عليه: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع
الشمس فقد أدرك الصبح".
[ويحرم تأخير الصلاه عن وقت الجواز] لمفهوم
أخبار المواقيت.
[ويجوز تأخير فعلها فى الوقت مع العزم عليه]
لأن جبريل صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في
اليوم الثانى في آخر الوقت.
[والصلاة أول الوقت أفضل. وتحصل الفضيلة
بالتأهب أول الوقت] لأنه صلى الله عليه وسلم
كان يصلي الظهر بالهاجرة متفق عليه.
وقال: "بكروا بالصلاة فى يوم الغيم فإنة من
فاتته صلاة العصر حبط عمله" رواه أحمد، وابن
ماجه. وقال رافع بن خديج: كنا نصلي المغرب مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا
وإنه ليبصر مواقع نبله متفق عليه. وكان يصلي
الصبح بغلس. قال ابن عبد البر: صح عن النبي
صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان،
أنهم كانوا يغلسون. ومحال أن يتركوا الأفضل،
وهم النهاية في إتيان الفضائل وحديث "أسفروا
بالفجر فإنه أعظم للأجر" رواه أحمد وغيره.
حكى الترمذي عن الشافعي وأحمد و إسحاق أن معنى
الإسفار: أن يضئ الفجر، فلا يشك فيه. انتهى.
وعن ابن عمر مرفوعاً: "الوقت الأول من الصلاة
رضوان الله. والآخر عفو الله" رواه الترمذي،
والدارقطني. وروى الدارقطني من حديث أبي
محذورة نحوه، وفيه: "ووسط الوقت رحمة الله".
[ويجب قضاء الصلاة الفائتة مرتبة] لما روى
أحمد أنه صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلى
المغرب، فلما فرغ قال: "هل علم أحد
(1/72)
منكم أني صليت
العصر" قالوا: يارسول الله ما صليتها. فأمر
المؤذن فأقام الصلاة، فصلى العصر، ثم أعاد
المغرب. وفاته أربع صلوات فقضاهن مرتباً وقد
قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" .
[فوراً] لحديث "من نام عن صلاة، أو نسيها
فليصلها إذا ذكرها" متفق عليه.
[ولا يصح النفل المطلق إذن] أي قبل القضاء
كصوم نفل ممن عليه قضاء رمضان. ولا يصلي
سننها. لأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم
يوم الخندق. فإن كانت صلاة واحدة فلا بأس
بقضاء سنتها لأنه صلى لما فاتته صلاة الفجر
صلى سنتها قبلها رواه أحمد ومسلم.
[ويسقط الترتيب بالنسيان] لحديث "عفي لأمتي عن
الخطأ والنسيان" .
[وبضيق الوقت ولو للاختيار] فيقدم الحاضرة،
لأن فعلها آكد. بدليل أنه يقتل بتركها بخلاف
الفائتة. قاله في الكافي. وإذا نسي صلاة، أو
أكثر ثم ذكرها قضاها فقط، لحديث: "من نام عن
صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها
إلا ذلك" وقال البخاري في صحيحه: قال إبراهيم:
من نسي صلاة واحدة عشرين سنة لم يعد إلا تلك
الصلاة الواحدة.
[السادس: ستر العورة مع القدرة بشئ لا يصف
البشرة] لقوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ
عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} 1 وقوله صلى الله عليه
وسلم:
ـــــــ
1 الأعراف/ 30.
(1/73)
"لا يقبل الله
صلاة حائض إلا بخمار" وحديث سلمة بن الأكوع
قال: قلت يا رسول الله إني أكون في الصيد
وأصلي في القميص الواحد قال: "نعم وازرره ولو
بشوكة" صححهما الترمذي. وحكى ابن عبد البر
الإجماع على فساد صلاة من صلىً عرياناً، وهو
قادر على الاستتار.
[فعورة الرجل البالغ عشراً، أو الحرة المميزة،
والأمة، ولو مبعضة، ما بين السرة والركبة]
لحديث علي مرفوعاً "لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى
فخذ حي ولا ميت" رواه أبو داود. وحديث أبي
أيوب يرفعه: "أسفل السرة وفوق الركبتين من
العورة" . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
مرفوعاً "ما بين السرة والركبة عورة" رواهما
الدارقطني. ودليل الحرة المميزة مفهوم حديث
"لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" .
[وعورة ابن سبع إلى عشر الفرجان] لقصوره عن
ابن العشر، ولأنه لا يمكن بلوغه.
[والحرة البالغة كلها عورة فى الصلاة إلا
وجهها] لما تقدم، ولحديث "المرأة عورة" رواه
الترمذي. و قالت أم سلمة: يارسول الله تصلي
المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟ قال
"نعم إذا كان سابغاً يغطى ظهور قدميها" رواه
أبو داود.
[وشرط فى فرض الرجل البالغ ستر أحد عاتقيه بشئ
من اللباس] لحديث أبى هريرة، أن النبي صلى
الله عليه وسلم: قال "لا يصلى الرجل فى ثوب
واحد ليس على عاتقه منه شئ" متفق عليه.
[ومن صلى في مغصوب أو حرير عالماً ذاكراً لم
تصح] لقوله صلى
(1/74)
الله عليه
وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" .
فإن كان ناسياً، أو جاهلاً صح. ذكره المجد
إجماعاً.
[ويصلى عرياناً مع وجود ثوب غصب] ولا يعيد
لأنه يحرم استعماله.
[وفي حرير لعدم، ولا يعيد] لأنه قد رخص في
لبسه فى بعض الأحوال كالحكة، والضرورة.
[وفي نجس لعدم، ويعيد] في المنصوص لأنه ترك
شرطاً. قال فى الكافي: ويتخرج أن لا يعيد كما
لو عجز عن خلعه، أو صلى فى موضع نجس لا يمكنه
الخروج منه.
[ويحرم على الذكور لا الإناث لبس منسوج ومموه
بذهب أوفضة] لحديث أبى موسى أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: "حرم لباس الحرير والذهب
على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم" صححه الترمذي.
[ولبس ما كله، أو غآلبه حرير] لذلك، ولحديث
عمر مرفوعاً: "لا تلبسوا الحرير، فإنه من لبسه
في الدنيا لم يلبسه فى إلآخرة" متفق عليه.
[ويباح ما سدي بالحرير، وألحم بغيره] لقول ابن
عباس: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن
الثوب المصمت. أما العلم، وسدا الثوب، فليس به
بأس رواه أبو داود.
[أو كان الحرير وغيره في الظهور سيان] قال فى
الكافي: وإن استويا ففيه وجهان أحدهما:
إباحته، للخبر. أي خبر ابن عباس. والثاني
تحريمه، لعموم خبر التحريم.
[السابع: اجتناب النجاسة لبدنه وثوبه وبقعته
مع القدرة] لقوله تعالى:
(1/75)
{وَثِيَابَكَ
فَطَهِّرْ} 1 وقوله صلى الله عليه وسلم:
"تنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه"
وقوله لأسماء في دم الحيض "تحثه، ثم تقرصه
بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه" متفق عليه.
وأمره صلى الله عليه وسلم بصب ذنوب من ماء على
بول الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد وحديث
القبرين وفيه "أما أحدهما، فكان لا يستنزه من
بوله" .
[فإن حبس ببقعة نجسة، وصلى صحت. لكن يومئ
بالنجاسة الرطبة غاية ما يمكنه ويجلس على
قدميه] لأنه صلى على حسب حاله أشبه المربوط
إلى غير القبلة.
[وإن مس ثوبه ثوباً نجساً، أو حائطاً لم يستند
إليه، أو صلى على طاهر، طرفة متنجس، أو سقطت
عليه النجاسة، فزالت، أو أزالها سريعاً صحت]
صلاته لأنه ليس بحامل للنجاسة، ولا مصل عليها،
أشبه ما لو صلى على أرض طاهرة متصلة بأرض
نجسة، ولحديث أبي سعيد رضي الله عنه بينا رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلى بأصحابه إذ خلع
نعليه فوضعهما عن يساره، فخلع الناس نعالهم.
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته
قال: "ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟" قالوا
رأيناك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا. قال: "إن
جبريل أتانى، فأخبرنى أن فيهما قذراً" رواه
أبو داود. ولأن من النجاسة ما لا يعفى عن
يسيرها، فعفي عن يسير زمنها.
[وتبطل إن عجز عن إزالتها فى الحال] لاستصحابه
النجاسة فى الصلاة
ـــــــ
1 المدثر/ 4.
(1/76)
[أو نسيها ثم
علم] لأن اجتناب النجاسة شرط للصلاة كما تقدم
فيعيد. وهو قول الشافعي، وقال مالك: يعيد ما
دام في الوقت. وعنه لا تفسد. وهو قول عمر و
عطاء و ابن المسيب و ابن المنذر. ووجهه حديث
النعلين قاله في الشرح.
[ولا تصح الصلاة في الأرض المغصوبة] لحرمة
لبثه فيها. وعنه: بلى مع التحريم. اختاره
الخلال، والفنون وفاقاً. قاله في الفرع. -
يعنى وفاقاً للأئمة الثلاثة -، لحديث "جعلت لي
الأرض مسجداً، وطهوراً" وقال أحمد: تصلى
الجمعة في موضع الغصب. يعني إذا كان الجامع
مغصوباً، وصلى الإمام فيه، فامتنع الناس
فاتتهم الجمعة.
[وكذا المقبرة] لقوله صلى الله عليه وسلم "لا
تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك" رواه
مسلم.
[والمجزرة، والمزبلة، والحش، وأعطان الإبل،
وقارعة الطريق والحمام] لما روى ابن ماجه،
والترمذي، وعبد بن حميد في مسنده، عن ابن عمر
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في
سبع مواطن: المزبلة والمجزرة، والمقبرة،
وقارعة الطريق، وفي الحمام، وفي معاطن الإبل،
وفوق ظهر بيت الله. وأما الحش، فلاحتمال
النجاسة، ولأنه لما منع الشرع من الكلام، وذكر
الله فيه. كان منع الصلاة أولى. قال:
[وأسطحة هذه مثلها] لأنها تتبعها في البيع
ونحوه. قال في الشرح: والصحيح قصر النهي على
ما تناوله النص.
[ولا يصح الفرض في الكعبة] لأنه يكون مستدبراً
لبعضها، ولأن النهي عن الصلاة على ظهرها ورد
صريحاً في حديث ابن عمرالسابق، وفيه تنبيه على
النهي عن الصلاة فيها. لأنهما سواء في المعنى.
(1/77)
[والحجر منها]
لحديث عائشة.
[ولا على ظهرها] لما تقدم.
[إلا إذا لم يبق وراءه شئ] لأنه غير مستدبر
لشئ منها، كصلاته إلى أحد أركانها.
[ويصح النذر فيها، وعليها، وكذا النفل بل يسن
فيها] لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في
البيت ركعتين متفق عليه، وألحق النذر بالنفل.
[الثامن: استقبال القبلة مع القدرة] لقوله
تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ} 1 الآية. وحديث "إذا قمت إلى
الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة" وحديث
ابن عمر في أهل قباء لما حولت القبلة متفق
عليه.
[فإن لم يجد من يخبره عنها بيقين صلى
بالاجتهاد، فإن أخطأ فلا إعادة عليه] 2 لما
روى عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال:
كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم، في سفر في
ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة، فصلى كل رجل
حياله. فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى
الله عليه وسلم، فنزل: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا
فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 3 رواه ابن ماجه. وإن
أمكنه معاينة الكعبة ففرضه الصلاة إلى عينها،
لا نعلم فيه خلافاً، قال في الشرح، والبعيد
إصابة الجهة. لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما
بين
ـــــــ
1 البقرة/ 144.
2 إن لفظة عليه غير موجودة في المتون
المخطوطة.
3 البقرة/ 116.
(1/78)
المشرق والمغرب
قبلة" رواه ابن ماجه والترمذي وصححه، ويعضده
قوله في حديث أبي أيوب ولكن شرقوا أو غربوا.
[التاسع: النية. ولا تسقط بحال] لحديث عمر.
[ومحلها القلب. وحقيقتها العزم على فعل الشئ.
وشرطها: الإسلام، والعقل، والتمييز] كسائر
العبادة.
[وزمنها أول العبادات، أو قبلها بيسير.
والأفضل قرنها بالتكبير] 1 خروجاً من خلاف من
شرط ذلك.
[وشرط مع نية الصلاة تعيين ما يصليه من ظهر،
أو عصر، اًو جمعة، أو وتر، أو راتبة] لتتميز
عن غيرها.
[وإلا أجزأته نية الصلاة] إذا كانت نافلة
مطلقة.
[ولا يشترط تعيين كون الصلاة حاضرة أو قضاء]
لأنه لا يختلف المذهب فيمن صلى في الغيم، فبان
بعد الوقت أن صلاته صحيحة، وقد نواها أداء.
قاله في الكافي.
[أو فرضاً] لأنه إذا نوى ظهراً ونحوها علم
أنها فرض.
[وتشترط نية الإمامة للإمام والإئتمام
للمأموم] 2 لأن الجماعة يتعلق بها أحكام،
وإنما يتميزان بالنية فكانت شرطاً في الفرض،
وقدم في المقنع، و المحرر: لا تشترط نية
الإمامة في النفل لأنه صلى الله عليه
ـــــــ
1في سائر المخطوطات، قبيلها بيسير.
2 قال العلامة ابن القيم رحمه الله في "زاد
المعاد" ما خلاصته: كان صلى الله عليه وآله
وسلم، إذا قام إلى الصلاة قال: "الله أكبر" ،
ولن يقل شيئا قبلها ولا تلفظ بالنية ألبتة،
ولا قال: أصلي الله صلاة كذا مستقبل القبلة
أربع ركعات إماما أو مأموما... وهذه بدع لم
ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا
مسند ولا مرسل... ولا عن أصحابه، ولا استحسنه
أحد من التابعين ولا الأئمة.
(1/79)
وسلم قام يتهجد
وحده فجاء ابن عباس، فأحرم معه، فصلى به النبي
صلى الله عليه وسلم متفق عليه. وعنه: وكذا في
الفرض. اختاره الموفق، و الشارح، والشيخ تقي
الدين، وفاقاً للأئمة الثلاثة. قال في الشرح.
ومما يقويه حديث جابر وجبار.
[وتصح نية المفارقة لكل منهما لعذر يبيح ترك
الجماعة] لقصة معاذ، وقال الزهري في إمام
ينوبه الدم، أو يرعف: ينصرف، وليقل: أتموا
صلاتكم. واحتج أحمد بأن معاوية لما طعن صلوا
وحداناً.
[ويقرأ مأموم فارق إمامه في قيام أو يكمل وبعد
الفاتحة كلها له الركوع فى الحال] لأن قراءة
الإمام قراءة للمأموم.
[ومن أحرم بفرض ثم قلبه نفلاً صح إن اتسع
الوقت] لكن يكره لغير غرض صحيح مثل أن يحرم
منفرداً فتقام جماعة. نص أحمد فيمن صلى ركعة
من فريضة منفرداً، ثم حضر الإمام، وأقيمت
الصلاة، يقطع صلاته، ويدخل معهم.
[وإلا لم يصح وبطل فرضه] لأنه أفسد نيته.
(1/80)
|