منار
السبيل في شرح الدليل كتاب الصلاة
مدخل
مدخل
...
كتاب الصلاة
الصلوات المكتوبات خمس، لحديث طلحة بن عبيد
الله أن أعرابياً قال: يا رسول الله ماذا فرض
الله علي من الصلاة؟ قال: "خمس صلوات في اليوم
والليلة" . قال: هل علي غيرهن؟ قال: "لا، إلا
أن تطوع شيئاً" متفق عليه.
[تجب على كل مسلم مكلف] لأنه قد أسلم كثير في
عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، ولم
يؤمروا بقضاء، ولحديث "رفع القلم عن ثلاثة"
الخ.
[غير الحائض والنفساء] لما تقدم.
[وتصح من المميز، وهو من بلغ سبعاً والثواب
له] لقوله تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً
فَلِنَفْسِهِ} 1 .
[ويلزم وليه أمره بها لسبع، وضربه على تركها
لعشر] لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مروا
أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم
عليها لعشر، و فرقوا بينهم في المضاجع" رواه
أحمد، واًبو داود.
[ومن تركها جحوداً فقد ارتد، وجرت عليه أحكام
المرتدين] لأنه مكذب لله، ورسوله، ولإجماع
الأمة.
[وأركانها أربعة عشر لا تسقط عمداً، ولا
سهواً، ولا جهلاً: أحدها:
ـــــــ
1 فصلت/ 46.
(1/81)
القيام في
الفرض على القادر منتصباً] لقوله تعالى:
{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} 1 وقال صلى
الله عليه وسلم لعمران بن حصين: "صل قائماً
فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب"
رواه البخاري.
[فإن وقف منحنيآ، أو مائلاً بحيث لا يسمى
قائماً، لغير عذر لم تصح] لأنه لم يأت بالقيام
المفروض.
[ولا يضر خفض رأسه] كهيئة الإطراق.
[وكره قيامه على رجل واحدة لغير عذر] ويجزئ في
ظاهر كلامهم.
[الثاني: تكبيرة الإحرام. وهى الله أكبر. لا
يجزئه غيرها] وعليه عوام أًهل العلم. قاله في
المغني، لقوله في حديث المسئ: "إذا قمت إلى
الصلاة فكبر" وقال: "تحريمها التكبير،
وتحليلها التسليم" رواه أبو داود.
[يقولها قائماً. فإن ابتدأها أو أتمها غير
قائم صحت نفلاً] لما تقدم.
[وتنعقد إن مد اللام لا إن مد همزة الله، أو
همزة أكبر، أو قال أكبار، أو الأكبر] لمخالفته
الأحاديث.
[والجهر بها، وبكل ركن وواجب بقدر ما يسمع
نفسه، فرض] لأنه لا يعد آتياً بذلك بدون صوت.
والصوت ما يسمع، وأقرب السامعين إليه نفسه.
[الثالث: قراءة الفاتحة مرتبة] لقوله صلى الله
عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
الكتاب" متفق عليه.
[وفيها إحدى عشرة تشديدة، فإن ترك واحدة، أو
حرفاً، ولم يأت
ـــــــ
1 البقرة/ 238.
(1/82)
بما ترك تصح]
لأنه لم يقرأها كلها. والشدة أقيمت مقام حرف.
قاله في الكافي.
[فإن لم يعرف إلا آية كررها بقدرها،] لأنها
بدل عنها، فاعتبرت المماثلة، وإن لم يعرف آيةً
عدل إلى التسبيح، والتهليل، لحديث عبد الله بن
أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقال: "إني لا أستطيع أن آخذ شيئاً
من القرآن فعلمني ما يجزئني فقال: "قل سبحان
الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله
أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله" رواه أبو
داود.
[ومن أمتنعت قراءته قائماً صلى قاعداً وقرأ]
لأن القراءة آكد.
[الرابع: الركوع] وهو واجب بالإجماع. قاله في
المغني لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} 1 [الحج: 77]
، ولحديث المسىء وغيره.
[وأقله أن ينحني بحيث يمكنه مس ركبتيه بكفيه
وأكمله أن يمد ظهره مستوياً، ويجعل رأسه
حياله] لحديث أبي حميد أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه،
ثم هصر ظهره وفي لفظ فلم يصوب رأسه، ولم يقنع
حديث صحيح.
[الخامس: الرفع منه، ولا يقصد غيره. فلو رفع
فزعاً من شئ لم يكف]
[السادس: الاعتدال قائماً] لقوله صلى الله
عليه وسلم: للمسئ في صلاته: "ثم ارفع حتى
تعتدل قائماً" .
[ولا تبطل إن طال] لقول أنس: كان النبي صلى
الله عليه وسلم
ـــــــ
1 الحج/ 77.
(1/83)
إذا قال: "سمع
الله لمن حمده قام حتى نقول قد أوهم" الحديث.
رواه مسلم.
[السابع: السجود] لقوله تعالى: {وَاسْجُدُوا}
1 [الحج: 77] وقوله صلى الله عليه وسلم "ثم
اسجد حتى تطمئن ساجداً" .
[وأكمله تمكين جبهته، وأنفه، وكفيه، وركبتيه،
وأطراف أصابع رجليه من محل سجوده] لما في حديث
أبي حميد: كان صلى الله عليه وسلم إذا سجد
أمكن جبهته، وأنفه من الأرض الحديث.
[وأقله وضع جزء من كل عضو] لقوله صلى الله
عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم:
الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه، واليدين،
والركبتين، وأطراف القدمين" متفق عليه.
[ويعتبر المقر لأعضاء السجود، فلو وضع جبهته
على نحو قطن منقوش، ولم ينكبس لم تصح] لعدم
المكان المستقر عليه.
[ويصح سجوده على كمه، وذيله، ويكره بلا عذر]
لقول أنس: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه
وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في
مكان السجود متفق عليه. وقال البخاري في
صحيحه، قال الحسن: كان القوم يسجدون على
العمامة، والقلنسوة، ويداه في كمه. وعن عبد
الله بن عبد الرحمن قال: جاءنا النبي صلى الله
عليه وسلم فصلى بنا في مسجد بني عبد الأشهل.
فرأيته واضعاً يديه في ثوبه إذا سجد رواه
أحمد، وقال إبراهيم: كانوا يصلون في المساتق،
والبرانس، والطيالسة ولا يخرجون أيديهم. رواه
سعيد.
ـــــــ
1 الحج/ 77.
(1/84)
[ومن عجز
بالجبهة لم يلزمه بغيرها] لأنها الأصل فيه،
وغيرها تبع لها، لحديث ابن عمر مرفوعاً: "إن
اليدين يسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم
وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما" رواه
أحمد وأبو داود و النسائى. وليس المراد وضعهما
بعد الوجه، بل إنهما تابعان له في السجود،
وغيرهما أولى، أو مثلهما.
[ويومئ ما يمكنه] لقوله صلى الله عليه وسلم
"إذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" .
[الثامن: الرفع من السجود]
[التاسع: الجلوس بين السجدتين] لقوله صلى الله
عليه وسلم للمسئ: "ثم ارفع حتى تطمئن جالساً"
.
[وكيف جلس كفى، والسنة أن يجلس مفترشاً على
رجله اليسرى، وينصب اليمنى، ويوجهها إلى
القبلة] لقول عائشة: كان النبي صلى الله عليه
وسلم يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى، وينهى
عن عقبة الشيطان رواه مسلم. وقال ابن عمر: من
سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى، واستقباله
بأصابعها القبلة.
[العاشر: الطمأنينة وهي السكون. وإن قل في كل
ركن فعلي] لأمره صلى الله عليه وسلم الأعرابي
بها في جميع الأركان، ولما أخل بها قال له:
"ارجع فصل فإنك لم تصل" .
[الحادي عشر: التشهد الأخير] لقول ابن مسعود:
كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على
الله من عباده. فقال النبي صلى الله
(1/85)
عليه وسلم "لا
تقولوا السلام على الله، ولكن قولوا التحيات
لله" . فدل هذا على أنه فرض.
[وهو: اللهم صل على محمد بعد الإتيان بما يجزئ
من التشهد الأول] لقوله صلى الله عليه وسلم في
حديث كعب بن عجرة لما قالوا قد عرفنا أو علمنا
كيف السلام عليك، فكيف الصلاة عليك ؟ قال:
"قولوا اللهم صل على محمد" الحديث متفق عليه.
[والمجزئ منه. التحيات لله سلام عليك أيها
النبي، ورحمة الله وبركاته، سلام علينا، وعلى
عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله،
وأن محمداً رسول الله. والكامل مشهور] واختار
أحمد تشهد ابن مسعود، فإن تشهد بغيره مما صح
عنه صلى الله عليه وسلم جاز. نص عليه. وتشهد
ابن مسعود هو قوله: علمني رسول الله صلى الله
عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني
السورة من القرآن "التحيات لله، والصلوات،
والطيبات، السلام عليك أيها النبى ورحمة الله
وبركاته، السًلام علينا، وعلى عباد الله
الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله". متفق عليه. قال الترمذي
هو أصح حديث في التشهد. والعمل عليه عند أكثر
أهل العلم من الصحابة والتابعين. ويترجح أيضاً
"بأنه عليه الصلاة والسلام أمره أن يعلمه
الناس" رواه أحمد.
[الثانى عشر الجلوس له، وللتسليمتين. فلو تشهد
غير جالس، أو سلم الأولى جالساً، والثانية غير
جالس لم تصح] لأنه صلى الله عليه وسلم فعله
وداوم عليه وقد قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"
.
[الثالث عشر: التسليمتان] لقوله صلى الله عليه
وسلم "وتحليلها التسليم" رواه أبو داود،
والترمذى.
(1/86)
[وهو أن يقول
مرتين: السلام عليكم، ورحمة الله. والأولى أن
لا يزيد: وبركاته] لحديث ابن مسعود أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه: السلام
عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم
ورحمة الله رواه مسلم.
[ويكفي في النفل تسليمة واحدة] لقول ابن عمر
كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يفصل بين
الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها رواه اًحمد.
[وكذا في الجنازة] السنة فيها تسليمة واحدة عن
يمينه. قال الإمام اًحمد: عن ستة من الصحابة،
وليس فيه اختلاف، إلا عن إبراهيم. قاله في
المغني. وقال ابن: المنذرأجمع كل من نحفظ عنه،
أن صلاة من اقتصرعلى تسليمة واحدة جائزة. قاله
في المغني، و الكافي. وقال في الإنصاف: قلت:
هذامبالغة. قال ابن القيم: وهذه عادته، إذا
رأى أكثر أهل العلم. حكاه إجماعاً.
[الرابع عشر: ترتيب الأركان كما ذكرنا. فلو
سجد مثلاً قبل ركوعه عمداً بطلت، وسهواً لزمه
الرجوع ليركع، ثم يسجد] لأن النبي صلى الله
عليه وسلم صلاها مرتبة. وقال: "صلوا كما
رأيتموني أصلي" وعلمها المسئ في صلاته مرتبة
بثمَّ.
(1/87)
وسلم يكبر في
كل رفع، وخفض، وقيام، وقعود رواه أحمد،
والنسائي، والترمذي وصححه. وأمر به. وأمره
للوجوب.
[لكن تكبيرة المسبوق التي بعد تكبيرة الإحرام
سنة] للركوع، نص عليه. لأنه نقل عن زيد بن
ثابت، وابن عمر، ولم يعرف لهما مخالف. قاله في
المغني.
[وقول: سمع الله لمن حمده للإمام، والمنفرد]
لحديث أبي هريرة كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم، يكبر حين يقوم إلى الصلاة، ثم يكبر حين
يركع، ثم يقول: "سمع الله لمن حمده" ، حين
يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول - وهو قائم –
"ربنا ولك الحمد" الحديث. متفق عليه.
[لا للمأموم] لحديث أبي موسى، وفيه وإذا قال:
"سمع الله لمن حمده"، فقولوا: "اللهم ربنا لك
الحمد" رواه أحمد ومسلم.
[وقول ربنا ولك الحمد للكل] لما تقدم، قال في
المغني: وهو قول أكثر أهل العلم.
[وقول: سبحان ربي العظيم مرة في الركرع،
وسبحان ربى الأعلى مرة فى السجود] لقول حذيفة
في حديثه: فكان - يعني النبي صلى الله عليه
وسلم - يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم".
وفي سجوده: "سبحان ربي الأعلى" رواه الخمسة،
وصححه الترمذي. وعن عقبة بن عامر قال: لما
نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}
1 قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اجعلوها فى ركوعكم" فلما نزلت:
ـــــــ
1 الواقعة/ 74، 96.
(1/88)
{سَبِّحِ اسْمَ
رَبِّكَ الْأَعْلَى} 1 قال: "اجعلوها في
سجودكم" رواه أحمد، وأبو داود. وابن ماجه.
[وربى اغفر لى بين السجدتين] لحديث حذيفة أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين
السجدتين "رب اغفر لي، رب اغفر لي" رواه
النسائي وابن ماجه.
[والتشهد الأول على غير من قام إمامه سهواً]
لوجوب متابعته.
[والجلوس له] لحديث ابن مسعود مرفوعاً: "إذا
قعدتم في كل ركعتين، فقولوا: التحيات لله..."
الحديث رواه أحمد والنسائي. وفي حديث رفاعة بن
رافع: فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن، وافترش
فخذك اليسرى، ثم تشهد رواه أبو داود. ولما
نسيه في صلاة الظهر، سجد سجدتين قبل أن يسلم
مكان ما نسي من الجلوس رواه الجماعة بمعناه.
[وسننها: أقوال، وأفعال. ولا تبطل الصلاة بترك
شئ منها، ولو عمداً. ويباح السجود لسهوه]
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نسي
أحدكم فليسجد سجدتين" .
[فسنن الأقوال أحد عشر: قوله بعد تكبيرة
الإحرام: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك،
وتعالى جدك، ولا إله غيرك] قال أحمد: أما أنا
فأذهب إلى ما روي عن عمر- يعني ما رواه الأسود
- أنه صلى خلف عمر فسمعه كبر، ثم قال: "سبحانك
اللهم وبحمدك وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا
إله غيرك"
رواه مسلم. ولأن عائشة وأبا سعيد قالا: كان
الرسول صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة
قال ذلك.
1 الأعلى/ 1.
(1/89)
[والتعوذ]
للآية. وقال ابن المنذر: جاء عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة:
"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" .
[والبسملة] لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله
عليه وسلم قرأ في الصلاة: "بسم الله الرحمن
الرحيم". وعدها آية ولأن الصحابة أثبتوها في
المصاحف فيما جمعوا من القرآن. قاله في
الكافي.
[وقول: آمين] لحديث "إذا أمن الإمام فأمنوا"
متفق عليه.
[وقراءة السورة بعد الفاتحة] في الأوليين
للأحاديث. قال في المغني: ولا نعلم خلافاً في
اًنه يسن قراءة سورة مع الفاتحة في الأوليين.
[والجهر بالقراءة للإمام] في الصبح، والجمعة
والأوليين من المغرب، والعشاء لأن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
[ويكره للمأموم] لأنه لا يقصد إسماع غيره، وهو
مأمور بالإنصات.
[ويخير المنفرد] قيل لأحمد: رجل فاتته ركعة من
المغرب، أو العشاء مع الإمام أيجهر أم يخافت ؟
فقال: إن شاء جهر وإن شاء خافت. وقال الشافعي
يسن الجهر لأ نه غير مأمور بالإنصات قاله في
المغني.
[وقول غير المأموم بعد التحميد: ملء السماء،
وملء الأرض، وملء ما شئت من شئ بعد] لما روى
أبو سعيد وابن أبي أوفى أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان إذا رفع رأسه قال: "سمع الله
لمن حمده، ربنا لك الحمد ملء السماء وملء
الأرض، وملء ما شئت من شئ بعد" متفق عليه. ولا
يستحب للمأموم الزيادة على "ربنا ولك الحمد"
نص عليه لقوله: وإذا قال: "سمع الله لمن حمده"
فقولوا "ربنا ولك الحمد" .
(1/90)
ولم يأمرهم
بغيره. وعنه ما يدل على استحبابه. وهو اختيار
أبي الخطاب، لأنه ذكر مشروع للإمام فشرع
للمأموم، كالتكبير. قاله في الكافي.
[وما زاد على المرة في تسبيح الركوع والسجود،
ورب اغفر لي] لحديث سعيد بن جبيرعن أنس قال:
ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه
وسلم أشبه صلاة به من هذا الفتى - يعني عمر بن
عبد العزيز - قال: فحزرنا في ركوعه عشر
تسبيحات، وفي سجوده عشر تسبيحات رواه أحمد،
وأبو داود، والنسائي.
[والصلاة في التشهد الأخير على آله عليه
السلام والبركة عليه وعليهم] لحديث كعب بن
عجزة: خرج علينا النبي، صلى الله عليه وسلم،
فقلنا: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك:
فكيف نصلي عليك؟ قال "قولوا اللهم صل على
محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم
إنك حميد مجيد وبارك على محمدً، وعلى آل
محمدً، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد
مجيد" متفق عليه.
[والدعاء بعده] لحديث أبي هريرة مرفوعاً "إذا
فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من
أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة
المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال"
رواه الجماعة إلا البخاري، والترمذي.
[وسنن الأفعال، وتسمى الهيئات: رفع اليدين مع
تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه،
وحطهما عقب ذلك] لأن مالك بن الحويرث إذا صلى
كبر، ورفع يديه. وإذا أراد أن يركع رفع يديه.
(1/91)
وإذا رفع رأسه
رفع يديه. وحدث أن رسول الله، صلى الله عليه
وسلم صنع هكذا متفق عليه.
[ووضع اليمين على الشمال، وجعلهما تحت سرته]
لحديث وائل بن حجر وفيه ثم وضع اليمنى على
اليسرى رواه أحمد، ومسلم. وقال علي رضي الله
عنه: إن من السنة في الصلاة وضع الأكف على
الأكف تحت السرة رواه أحمد.
[ونظره إلى موضع سجوده] لما روى ابن سيرين أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقلب بصره
في السماء فنزلت هذه الآية {الَّذِينَ هُمْ
فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} 1 فطأطأ رأسه رواه
أحمد في الناسخ و المنسوخ، وسعيد بن منصور في
سننه بنحوه، وزاد فيه وكانوا يستحبون للرجل أن
لا يجاوز بصره مصلاه وهو مرسل. قال أحمد:
الخشوع في الصلاة أن ينظر إلى موضع سجوده.
[وتفرقته بين قدميه قائماً] ويراوح بينهما إذا
طال قيامه، لحديث ابن مسعود.
[وقبض ركبتيه بيديه مفرجتي الأصابع في ركوعه،
ومد ظهره فيه، وجعل رأسه حياله] لحديث ابن
مسعود إنه ركع فجافى يديه، ووضع يديه على
ركبتيه، وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه.
وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصلي رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي. ولحديث
أبي حميد المتقدم.
[والبداءة في سجوده بوضع ركبتيه، ثم يديه، ثم
جبهته وأنفه] لحديث وائل بن حجر قال: رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ـــــــ
1 المؤمنون/ 2.
(1/92)
إذا سجد وضع
ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل
ركبتيه" رواه الخمسة، إلا أحمد.
[وتمكين أعضاء السجود من الأرض، ومباشرتها
لمحل السجود سوى الركبتين فيكره] لما تقدم.
[ومجافاة عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه،
وفخذيه عن ساقيه، وتفريقه بين ركبتيه، وإقامة
قدميه، وجعل بطون أصابعهما على الأرض مفرقة،
ووضع يديه حذو منكبيه مبسوطة مضمومة الأصابع]
لحديث أبي حميد في صفة صلاة رسول صلى الله
عليه وسلم قال فيه: وإذا سجد فرج بين فخذيه
غير حامل بطنه على شئ من فخذيه. وفي حديث ابن
بحينة كان صلى الله عليه وسلم إذا سجد يجنح في
سجوده حتى يرى وضح إبطيه متفق عليه. وفي حد يث
أبي حميد: ووضع كفيه حذو منكبيه رواه أبو داود
والترمذي وصححه.
وفي لفظ سجد غير مفترش، ولا قابضهما، واستقبل
بأطراف رجليه القبلة.
[ورفع يديه أولاً في قيامه إلى الركعة] لحديث
وائل بن حجر المتقدم.
[وقيامه على صدور قدميه، وإعتماده على ركبتيه
بيديه] لحديث أبي هريرة كان ينهض على صدور
قدميه وفي حديث وائل بن حجر وإذا نهض نهض على
ركبتيه، واعتمد على فخذيه رواه أبو داود.
[والافتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي
التشهد الأول] لقول أبي حميد: ثم ثنى رجله
اليسرى، وقعد عليها وقال: وإذا جلس في
الركعتين جلس على اليسرى، ونصب الأخرى وفي لفظ
وأقبل بصدر اليمنى على قبلته.
(1/93)
[والتورك في
الثاني] لقول أبي حميد فإذا كانت السجدة التي
فيها التسليم أخرج رجله اليسرى، وجلس متوركاً
على شقه الأيسر، وقعد على مقعدته رواه
البخاري.
[ووضع اليدين على الفخذين مبسوطتين مضمومتي
الأصابع بين السجدتين. وكذا في التشهد، إلا
اًنه يقبض من اليمنى الخنصر والبنصر، ويلحق
إبهامها مع الوسطى. ويشير بسبابتها عند ذكر
الله] لحديث ابن عمر: كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا جلس في الصلاة وضع يديه على
ركبتيه، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام،
فدعا بها رواه أحمد ومسلم. وفي حديث وائل بن
حجر: ثم قبض ثنتين من أصابعه، وحلق حلقة، ثم
رفع إصبعه، فرأيته يحركها، يدعو بها رواه
أحمد، وأبو داود، والنسائي.
[والتفاته يميناً وشمالاً في تسليمه. ونيته به
الخروج من الصلاة وتفضيل الشمال على اليمين في
الالتفات] لحديث عامر بن سعد عن أبيه قال: كنت
أرى النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه، وعن
يساره، حتى يرى بياض خده رواه أحمد ومسلم. فإن
لم ينو به الخروج من الصلاة، لم تبطل. نص
عليه. فإن نوى به الرد على الملكين أو على من
معه، فلا بأس. نص عليه. لحديث جابر: أمرنا
النبي صلى الله عليه وسلم أن نرد على الإمام،
وأن يسلم بعضنا على بعض. رواه أبو داود.
(1/94)
فصل فيما يكره
فى الصلاة
[يكره للمصلي اقتصاره على الفاتحة] لمخالفته
السنة.
[وتكرارها] لأنه لم ينقل، وخروجاً من خلاف من
أبطلها به، لأنها ركن.
[والتفاته بلا حاجة] لقوله في حديث عائشة: "هو
اختلاس يختلسة الشيطان من صلاة العبد" رواه
أحمد والبخاري. ولا يكره مع الحاجة لحديث سهل
بن الحنظلية، قال ثوب بالصلاة فجعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب
رواه أبو داود. قال: وكان أرسل فارساً إلى
الشعب يحرس.
[وتغميض عينيه] نص عليه، واحتج بأنه فعل
اليهود ومظنة النوم.
[وحمل مشغل له] لأنه يذهب الخشوع.
[وافتراش ذراعيه ساجداً] لحديث أنس مرفوعاً:
"اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه
انبساط الكلب" متفق عليه.
[والعبث] لأنه رأى رجلاً يعبث في صلاته، فقال:
"لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه" .
[والتخصر] لحديث أبي هريرة نهى النبي صلى الله
عليه وسلم أن يصلي الرجل متخصراً. متفق عليه.
(1/95)
[والتمطي] لاً
نه يخرجه عن هيئة الخشوع.
[وفتح فمه. ووضعه فيه شيئاً] لأنه يذهب
الخشوع، ويمنع كمال الحروف.
[واستقبال صورة] لما فيه من التشبه بعبادة
الأوثان.
[ووجه آدمي] نص عليه.
[ومتحدث ونائم] لنهيه صلى الله عليه وسلم عن
الصلاة إلى النائم والمتحدث رواه أبو داود.
[ونار] نص عليه. لأنه تشبه بالمجوس.
[وما يلهيه] لحديث عائشة أن النبي صلى الله
عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى
اًعلامها نظرة. فلما انصرف قال "اذهبوا
بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانيته،
فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي" متفق عليه.
[ومس الحصى وتسوية التراب بلا عذر] لحديث أبي
ذر مرفوعاً: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا
يمسح الحصى، فإن الرحمة تواجهه" رواه أبو
داود.
[وتروح بمروحة] لأنه من العبث. قاله في
الكافي.
[وفرقعة أصابعه، وتشبيكها] لحديث علي مرفوعاً:
"لا تقعقع أصابعك، وأنت في الصلاة" رواه ابن
ماجة. و عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم رأى رجلاً قد شبك أصابعه في الصلاة،
ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه
رواه الترمذي وابن ماجة. وقال ابن عمر في الذي
يصلي، وهو مشبك: "تلك صلاة المغضوب عليهم"
رواه ابن ماجة.
(1/96)
[ومس لحيته]
لأنه من العبث.
[وكف ثوبه] لحديث "ولا أكف ثوباً ولا شعراً"
متفق عليه. ونهى أحمد رجلاً كان إذا سجد جمع
ثوبه بيده اليسرى.
[ومتى كثر ذلك عرفاً، بطلت] لأن العمل الكثير
المتوالي يبطلها، - كما يأتي
[وأن يخص جبهته بما يسجد عليه] لأنه من شعار
الرافضة.
[وأن يمسح فيها أثر سجوده] لقول ابن مسعود إن
من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته قبل أن
يفرغ من الصلاة.
[وأن يستند بلا حاجة] لأنه يزيل مشقة القيام،
ويجوز لها، لأنه صلى الله عليه وسلم لما
أسن،وأخذه اللحم اتخذ عموداً في مصلاه يعتمد
عليه رواه أبو داود.
[فإن استند بحيث يقع لو أزيل ما إستند إليه،
بطلت] صلاته لأنه بمنزلة غير القائم.
[وحمده إذا عطس أو وجد مايسره. واسترجاعه إذا
وجد ما يغمه] خروجاً من خلاف من أبطل الصلاة
بذلك. ونص أحمد على عدم البطلان، وذكر حديث
علي حين أجاب الخارجي ويأتي في الحدود.
(1/97)
فصل فيما يبطل
الصلاة
[يبطلها ما أبطل الطهارة] لأنها شرط.
[وكشف العورة عمداً] لما تقدم في الشروط.
[لا إن كشفها نحو ريح، فسترها في الحال] فلا
تبطل لأنه يسير أشبه اليسير من العورة. قاله
في الكافي.
[أولا، وكان المكشوف لا يفحش في النظر] لأنه
يسير، يشق التحرز منه، وقال التميمي: إن بدت
وقتاً، واستترت وقتاً، لم يعد، لحديث عمرو بن
سلمة. فلم يشترط اليسير. قاله في الشرح.
[واستدبار القبلة حيث شرط استقبالها، واتصال
النجاسة به إن لم يزلها فى الحال] لما تقدم في
الشروط.
[والعمل الكثير عادة من غير جنسها لغير ضرورة]
كالمشي، والحك، والتروح فإن كثر متوالياً أبطل
الصلاة إجماعاً. قاله في الكافي. قال: وإن قل
لم يبطلها، لحمله صلى الله عليه وسلم أمامة في
صلاته. إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها متفق
عليه. وفتح الباب لعائشة وهو في الصلاة. وتقدم
وتأخر في صلاة الكسوف.
[والإستناد قويا لغير عذر] لأن القيام ركن،
والمستند قوياً كغير قائم.
(1/98)
[ورجوعه عالماً
ذاكراً للتشهد الأول بعد الشروع في القراءة]
لما روى زياد بن علاقة، قال صلى بنا المغيرة
بن شعبة. فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس. فسبح
به من خلفه، فأشار إليهم، قوموا. فلما فرغ من
صلاته سلم، وسجد سجدتين، وسلم، وقال: هكذا صنع
رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد.
ولقوله صلى الله عليه وسلم :" فإن استتم
قائماً فلا يجلس، وليسجد سجدتين" رواه أبو
داود وابن ماجه.
[وتعمد زيادة ركن فعلي] لأنه، يخل بهيئتها
فتبطل إجماعاً. قاله في الشرح.
[وتعمد تقديم بعض الأركان على بعض] لأن
ترتيبها ركن كما تقدم.
[وتعمد السلام قبل إتمامها] لأنه تكلم فيها.
[وتعمد إحالة المعنى في القراءة] أي قراءة
الفاتحة. لأنها ركن.
[وبوجود سترة بعيده، وهو عريان] لأنه يحتاج
إلى عمل كثير للاستتار بها.
[وبفسخ النية، وبالتردد في الفسخ وبالعزم
عليه] لأن استدامة النية شرط.
[وبشكه: هل نوى فعمل مع الشك عملاً] قال في
الكافي: ومتى شك في الصلاة، هل نوى أم لا،
لزمه استئنافها، لأن الأصل عدمها. فإن ذكر أنه
نوى قبل أن يحدث شيئاً من أفعال الصلاة أجزأه،
وإن فعل شيئاً قبل ذكره بطلت صلاته، لأنه فعله
شاكاً في صلاته.
[وبالدعاء بملاذ الدنيا] وما يشبه كلام
الآدميين، لقوله صلى الله
(1/99)
عليه وسلم: "إن
صلاتنا هذه لا يصح فيها شئ من كلام الناس،
إنما هي التسبيح، والتكبير وقراءة القرآن"
رواه مسلم.
[وبالإتيان بكاف الخطاب لغير الله ورسوله
أحمد] لأنه كلام وقوله صلى الله عليه وسلم لما
عرض له الشيطان في صلاته: "أعوذ بالله منك.
ألعنك بلعنة الله" قبل التحريم، أو مؤول. قاله
في الفروع. وعده في الإقناع في باب النكاح من
خصائصه صلى الله عليه وسلم.
[وبالقهقهة] لحديث جابر مرفوعاً "القهقهة تنقض
الصلاة، ولا تنقض الوضوء" رواه الدارقطني.
وقال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحك يفسد
الصلاة. وأكثر أهل العلم على أن التبسم لا
يفسدها. قاله في المغني.
[وبالكلام ولو سهواً] لما تقدم. وقوله:
"فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" رواه
الجماعة، عن زيد بن أرقم.
[وبتقدم المأموم على إمامه] لقوله صلى الله
عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به" .
[ويبطلان صلاة إمامه] لعذر أو غيره اختاره
الأًكثر وفاقاً لأبي حنيفة. قاله في الفروع.
[وبسلامه عمداً قبل إمامه] لأنه ترك متابعة
إمامه لغير عذر.
[أوسهواً، ولم يعده بعده] فتبطل وفاقاً
للشافعي. قاله في الفروع.
[وبالأًكل والشرب] قال ابن المنذر: أجمع كل من
نحفظ عنه أن من أكل أو شرب في الفرض عامداً أن
عليه الإعادة.
(1/100)
[سوى اليسير
عرفاً لناس وجاهل] ويسجد له، لأنه تبطل الصلاة
بعمده، فعفي عن سهوه، فيسجد له. قاله في
الكافي.
[ولا تبطل إن بلع ما بين أسنانه بلا مضغ] لأنه
لا يمكن التحرز منه.
[وكالكلام إن تنحنح بلا حاجة، أو نفخ فبان
حرفان] لقول ابن عباس: من نفخ في صلاته فقد
تكلم رواه سعيد. وعن أبي هريرة نحوه. وقال ابن
المنذر: لا يثبت عنهما، والمثبت مقدم على
النافي. وعنه أكرهه، ولا أقول: يقطع الصلاة،
لحديث الكسوف، وفيه: "ثم نفخ فقال أف أف" رواه
أبو داود. وقال مهنا: رأيت أبا عبد الله
يتنحنح في صلاته.
[أو انتحب لا خشية لله] فإن كان من خشية الله
تعالى لم يبطلها، لأن عمر كان يسمع نشيجه من
وراء الصفوف.
[لا إن نام فتكلم، أو سبق على لسانه حال
قراءته] أوغلط فيها، فأتى بكلمة من غير
القرآن. وتوقف أحمد في كلام النائم، وينبغي أن
لا تبطل لرفع القلم عنه. قاله في المغني.
[أو غلبه سعال، أو عطاس، أو تثاؤب، أو بكاء1]
نص عليه في البكاء وقال مهنا: صليت إلى جنب
أبي عبد الله، فتثاءب خمس مرات، وسمعت لتثاؤبه
هاه، ولأنه صلى الله عليه وسلم قرأ من
المؤمنين إلى ذكر موسى وهارون، ثم أخذته سعلة
فركع رواه النسائي.
ـــــــ
1 في هامش نسحة الكتبي ما يلي: قوله لا إن نام
فذلك النوم اليسير من قائم أو جالس.
(1/101)
باب سجود السهو
مدخل
...
باب سجود السهو
[يسن إذا أتى بقول مشروع في غير محله سهواً]
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نسي
أحدكم فليسجد سجدتين" رواه مسلم.
[ويباح إذا ترك مسنوناً] ولا يسن لأنه لا يمكن
التحرز منه.
[ويجب إذا زاد ركوعاً، أو سجوداً، أو قياماً.
أو قعوداً، ولو قدر جلسة الاستراحة1] لحديث،
ابن مسعود: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم خمساً، فلما انفتل من الصلاة توشوش القوم
بينهم، فقال: "ما شأنكم؟" فقالوا: يا رسول
الله هل زيد في الصلاة شئ قال: "لا" . قالوا:
فإنك صليت خمساً. "فانفتل فسجد سجدتين" ، ثم
سلم، ثم قال: "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما
تنسون، فإذا نسي اًحدكم فليسجد سجدتين" وفي
لفظ "فإذا زاد الرجل أو نقص، فليسجد سجدتين"
رواه مسلم.
[أو سلم قبل إتمامها] لحديث عمران بن حصين
قال: سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في
ثلاث ركعات من العصر، ثم قام، فدخل الحجرة،
فقام رجل بسيط اليدين فقال: أقصرت الصلاة؟
فخرج
ـــــــ
1 وفي هامش نسخة الكتبي ما يلي: قوله قدر جلسة
الاستراحة فيه تفصيل فإذا كان السهو في جلسة
الاستراحة ففه صورتان: الأولى إذا تعمده فهذا
مكروه في حقه ذلك الفعل ولا يسجد للسهو.
والثانية إذا جلسها ساهيا فحينئذ يسجد للسهو
وجوبا. وإن كان في غيرها وكان قدرها لزمه سجود
السهو.
(1/102)
فصلى الركعة
التي كان ترك ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو، ثم
سلم رواه مسلم.
[أو لحن لحناً يحيل المعنى] لأن عمده يبطل
الصلاة، فوجب السجود لسهوه.
[أو ترك واجباً] لحديث ابن بحينة أنه صلى الله
عليه وسلم قام في الظهر من ركعتين، فلم يجلس،
فقام الناس معه، فلما قضى الصلاة، انتظر الناس
تسليمه، كبر فسجد سجدتين قبل أن يسلم، ثم سلم
متفق عليه. فثبت هذا بالخبر، وقسنا عليه سائر
الواجبات. قاله في الكافي.
[أو شك في زيادة وقت فعلها] لأنه أدى جزءاً من
صلاته متردداً في كونه منها، أو زائداً عليها،
فضعفت النية، واحتاجت للجبر بالسجود لعموم
حديث: "إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب،
فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين" متفق عليه.
فان شك في الزيادة بعد فعلها فلا سجود عليه،
لأن الأصل عدم الزيادة، فلحق بالمعدوم.
[وتبطل الصلاة بتعمد ترك سجود السهو الواجب]
لأنه ترك واجباً من الصلاة عمداً.
[إلا إن ترك ما وجب بسلامه قبل إتمامها] لأنه
محل السجود له بعد السلام ندباً، فلم يؤثر
تركه في إبطالها، لأنه خارج عنها.
[وإن شاء سجد سجدتي السهو قبل السلام، أو
بعده] لأن الأحاديث وردت بكل من الأمرين، فلو
سجد للكل قبل السلام أو بعده جاز. وقال
الزهري: كان آخر الأمرين السجود قبل السلام،
ذكره في المغني.
(1/103)
[لكن إن سجدهما
بعده تشهد وجوباً وسلم] لحديث عمران بن حصين
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم، فسها،
فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم. رواه أبو داود،
والترمذي، وحسنه. ولأن السجود بعد السلام في
حكم المستقل بنفسه من وجه، فاحتاح إلى التشهد،
كما احتاح إلى السلام.
[وان نسي السجود حتى طال الفصل. عرفاً أو
أحدث، أو خرج من المسجد، سقط] نص عليه. لفوات
محله.
[ولا سجود على مأموم دخل أول الصلاة إذا سها
في صلاته] في قول عامة أهل العلم. قاله في
المغني لحديث ابن عمر مرفوعاً: "ليس على من
خلف الإمام سهو، فإن سها إمامه فعليه، وعلى من
خلفه" رواه الدارقطني.
[وإن سها إمامه لزمه متابعته في سجود السهو]
حكاه ابن المنذر إجماعاً، لما تقدم. وقد صح
عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما سجد لترك
التشهد الأول، والسلام من نقصان، سجد الناس
معه ولعموم قوله: "فإذا سجد فاسجدوا" .
[فإن لم يسجد إمامه، وجب عليه هو] وبه قال
مالك. قال في المغني: لأن صلاته نقصت بسهو
إمامه، فلم يجبرها، فلزمه هو جبرها، ولعموم
قوله صلى الله عليه وسلم: "فعليه، وعلى من
خلفه" .
[وإن قام لركعة زائدة جلس متى ذكر] فإن كان قد
تشهد عقب الركعة التي تمت بها صلاته، سجد
للسهو، ثم سلم. وإلا تشهد وسجد، وسلم.
(1/104)
[وإن نهض عن
ترك التشهد الأولى ناسياً، لزمه الرجرع
ليتشهد، وكره إن استتم قائماً] لحديث المغيرة،
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام
أحدكم من الركعتين، فلم يستتم قائماً فليجلس،
فإن استتم قائماً فلا يجلس، وليسجد سجدتين" .
رواه أبو داود وابن ماجه.
[ولزم المأموم متابعته] لحديث: "إنما جعل
الإمام ليؤتم به" ولما قام عليه السلام عن
التشهد قام الناس معه وفعله جماعة من الصحابة.
[ولا يرجع إن شرع فى القراءة] لأن القراءة ركن
مقصود، فإذا شرع فيه لم يرجع إلى واجب، ولحديث
المغيرة.
[ومن شك في ركن، أو عدد ركعات، وهو في الصلاة
بنى على اليقين - وهو الأقل - ويسجد للسهو]
لحديث أبي سعيد مرفوعاً: "إذا شك أحدكم في
صلاته، فلم يدرأصلى ثلاثاً، أو أربعاً فليطرح
الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين
قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له
صلاته، فإن كان صلى أربعاً كانتا ترغيماً
للشيطان" رواه أحمد، ومسلم.
[وبعد فراغه لا أثر للشك] لأن الظاهر الإتيان
بها على الوجه المشروع، ولأن ذلك يكثر فيشق
الرجوع إليه. قاله في الكافي.
(1/105)
باب صلاة
التطوع
مدخل
...
باب صلاة التطوع
[وهي أفضل تطوع البدن] لقوله صلى الله عليه
وسلم "واعلموا أن من خير أعمالكم الصلاة" رواه
ابن ماجه.
[بعد الجهاد] لقوله تعالى :{فَضَّلَ اللَّهُ
الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً}
الآية1. وحديث "وذروة سنامه الجهاد" .
[والعلم] تعلمه، وتعليمه. قال أبو الدرداء:
العالم، والمتعلم في الأجر سواء وسائر الناس
همج لاخير فيهم.
[وأفضلها ما سن جماعة] لأنه أشبه بالفرائض.
[وآكدها الكسوف] لأنه صلى الله عليه وسلم
"فعلها، وأمر بها".
[فالإستسقاء] لأنه صلى الله عليه وسلم كان
يستسقي تارة، ويترك أخرى.
[فالتراويح] لأنها تسن لها الجماعة.
[فالوتر] لحديث بريدة مرفوعاً: "من لم يوتر
فليس منا" رواه أحمد.
[وأقله ركعة] لحديث ابن عمر، وابن عباس
مرفوعاً: "الوتر ركعة من آخر الليل" رواه
مسلم.
[وأكثره إحدى عشرة] لقول عائشة: كان النبي صلى
الله عليه
ـــــــ
1 النساء/94.
(1/106)
وسلم يصلى
بالليل إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة متفق
عليه.
[وأدنى الكمال ثلاث بسلامين] لأن ابن عمر كان
يسلم من ركعتين حتى يأمر ببعض حاجته.
[ويجوز بواحد سرداً] لحديث عائشة كان النبي
صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يفصل فيهن
رواه أحمد، والنسائي.
[ووقته ما بين صلاة العشاء، وطلوع الفجر]
لحديث أبي سعيد مرفوعاً: "أوتروا قبل أن
تصبحوا" رواه مسلم. وحديث "إن الله قد أمدكم
بصلاة هي خير لكم من حمر النعم: وهي الوتر
فصلوها فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر" رواه
أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
[ويقنت فيه بعد الركوع ندباً] لأنه صح عنه صلى
الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة، وأنس،
وابن عباس. وعن عمر، وعلي أنهما كانا يقنتان
بعد الركوع رواه أحمد، والأثرم.
[فلو كبر، ورفع يديه، ثم قنت قبل الركوع جاز]
لحديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يقنت قبل الركوع رواه أبو داود. وروى
الأثرم عن ابن مسعود أنه كان يقنت في الوتر،
وكان إذا فرغ من القراءة كبر، ورفع يديه، ثم
قنت وقال أبو بكر الخطيب: الأحاديث التي فيها
القنوت قبل الركوع كلها معلولة.
[ولا بأس اًن يدعو في قنوته بما شاء] لأن عمر
رضي الله عنه قنت بسورتي أبي قال ابن سيرين:
كتبهما أبي في مصحفه إلى قوله ملحق.
[ومما ورد "اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا
فيمن عافيت، وتولنا
(1/107)
فيمن توليت،
وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شرما قضيت، إنك
تقضى ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا
يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت"] رواه
أحمد ولفظه له، والترمذي وحسنه، من حديث الحسن
ابن علي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه
وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر "اللهم
اهدني، إلى وتعاليت" وليس فيه: "ولا يعز من
عاديت". ورواه البيهقي، وأثبتها فيه.
["اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من
عقوبتك، وبك منك لا نحصي ثناء عليك أنت كما
أثنيت على نفسك"] لحديث علي أنه صلى الله عليه
وسلم كان يقول في آخر وتره: "اللهم إني أعوذ
برضاك من سخطك" إلى آخره رواه الخمسة،
والروايتان بالإفراد وجمعهما المؤلف، ليشارك
الإمام المأموم في الدعاء.
[ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم] لحديث
الحسن بن علي السابق، وفي آخره: وصلى الله على
محمد رواه النسائي. وعن عمر: الدعاء موقوف بين
السماء والأرض، لا يصعد منه شئ حتى تصلي على
نبيك رواه الترمذي.
[ويؤمن المأموم] إن سمعه، لا نعلم خلافاً،
قاله إسحاق، ولحديث ابن عباس.
[ثم يمسح وجهه بيديه هنا وخارج الصلاة] إذا
دعا، لعموم حديث عمر: كان النبي صلى الله عليه
وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لا يحطهما حتى
يمسح بهما وجهه رواه الترمذي. ولقوله صلى الله
عليه وسلم في حديث ابن عباس "فإذا فرغت فامسح
بهما وجهك" رواه أبو داود، وابن ماجه.
(1/108)
[وكره القنوت
فى غير الوتر] حتى في الفجر، لحديث مالك
الأشجعى قال: قلت لأبى: يا أبت إنك صليت خلف
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر،
وعمر، وعثمان، وعلي، ها هنا بالكوفة نحو خمس
سنين، أكانوا يقنتون في الفجر؟ قال: أي بني
محدث رواه أحمد، والترمذي، وصححه. وعن سعيد بن
جبير قال: أشهد أني سمعت ابن عباس يقول: إن
القنوت في صلاة الفجر بدعة رواه الدارقطني.
[وأفضل الرواتب سنة الفجر] لحديث عائشة
مرفوعاً: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما
فيها" رواه أحمد، ومسلم، والترمذي، وصححه. وعن
أبي هريرة مرفوعاً: "لا تدعوا ركعتي الفجر،
ولو طردتكم الخيل" رواه أحمد، وأبو داود.
[ثم المغرب] لحديث عبيد مولى النبي صلى الله
عليه وسلم أنه سئل أكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يأمر بصلاة بعد المكتوبة سوى
المكتوبة ؟ فقال "نعم بين المغرب، والعشاء".
[ثم سواء. والرواتب المؤكدة عشر: ركعتان قبل
الظهر، وركعتان بعدها1، وركعتان بعد المغرب،
وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر] لقول
ابن عمر: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم، ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر،
وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء،
وركعتين قبل الغداة، كانت ساعة لا أدخل على
النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فحدثتني حفصة
أنه كان إذا طلع الفجر، وأذن المؤذن صلى
ركعتين متفق عليه.
ـــــــ
1 إن لفظة المؤكدة من مخطوطات ا لمتن وسقطت من
الأصل.
(1/109)
[ويسن قضاء
الرواتب، والوتر] لأنه صلى الله عليه وسلم قضى
ركعتي الفجر حين نام عنها وقضى الركعتين
اللتين قبل الظهر بعد العصر وقيس الباقي. وعن
أبي سعيد مرفوعاً: "من نام عن وتره أو نسيه
فليصله إذا ذكره" رواه أبو داود.
[إلا ما فات مع فرضه وكثر فالأولى تركه] لحصول
المشقة به، إلا سنة الفجر فيقضيها مطلقاً
لتأكدها.
[وفعل الكل ببيت أفضل] لحديث: "عليكم بالصلاة
في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا
المكتوبة" رواه مسلم. لكن ما شرع له الجماعة
مستثنى أيضاً.
[ويسن الفصل بين الفرض، وسنته بقيام، أو كلام]
لقول معاوية: إن النبي صلى الله عليه وسلم
أمرنا بذلك، أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم،
أو نخرج رواه مسلم.
[والتراويح عشرون ركعة برمضان] جماعة1، لحديث
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان
يصلي في شهر رمضان عشرين ركعة" رواه أبو بكر
عبد العزيز في الشافي بإسناده. وعن يزيد بن
رومان: كان الناس في زمن عمر بن الخطاب يقومون
في رمضان بثلاث وعشرين ركعة رواه مالك. وعن
أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم، جمع أهله
وأصحابه وقال: "إنه من قام مع الإمام، حتى
ينصرف، كتب له قيام ليلة" رواه أحمد،
والترمذي، وصححه.
ـــــــ
1 الثابت عنه صلى الله عليه وآله وسلم، أنه
صلاها أحدى عشرة ركعة مع الوتر، انظر رسالة
"صلاة التراويح" للمحدث الشيخ ناصر الدين
الألباني المطبوعة بدمشق سنة 1377هـ.
(1/110)
[ووقتهما ما
بين العشاء والوتر] لحديث "اجعلوا آخر صلاتكم
بالليل وتراً" متفق عليه.
(1/111)
فصل: في صلاة الليل والضحى
[وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار] لحديث أبي
هريرة مرفوعاً: "أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة
الليل" رواه مسلم.
[والنصف الأخير أفضل من الأول] لقوله صلى الله
عليه وسلم: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة
إلى سماء الدنيا إذا مضى شطر الليل" الحديث
رواه مسلم. وحديث: "أفضل الصلاةً صلاة داود،
كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينامً سدسه" .
[والتهجد ما كان بعد النوم] لقول عائشة رضي
الله عنها: الناشئة القيام بعد النوم وقال
الإمام أحمد: الناشئة لا تكون إلا بعد رقدة،
ومن لم يرقد فلا ناشئة له، وقال: هي أشد وطءاً
أي: تثبتاً تفهم ما تقرأ وتعي أذنك.
[ويسن قيام الليل] لحديث: "عليكم بقيام الليل،
فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم،
ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم" رواه الحاكم
وصححه.
[وافتتاحه بركعتين خفيفتين] لحديث أبي هريرة
مرفوعاً: "إذا قام أحدكم من الليل فليفتح
صلاته بركعتين خفيفتين" رواه أحمد، ومسلم وأبو
داود.
[ونيته عند النوم] لحديث أبي الدرداء عن النبي
صلى الله عليه
(1/111)
وسلم قال: "من
نام، ونيته أن يقوم كتب له ما نوى، وكان نومه
صدقةً عليه" رواه أبو داود، والنسائي.
[ويصح التطوع بركعة] قياساً على الوتر، قال في
الإقناع: مع الكراهة.
[وأجر القاعد غير المعذور نصف أجر القائم]
لحديث: "من صلى قائماً فهوأفضل، ومن صلى
قاعداً فلة نصف أجر القائم" متفق عليه. أما
المعذور فأجره قاعداً كأجره قائماً للعذر.
[وكثرة الركوع، والسجود اًفضل من طول القيام]
غير ما ورد تطويله، كصلاة كسوف، لحديث: "أقرب
ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد" وأمره صلى
الله عليه وسلم بكثرة السجود في غير حديث
رواهن أحمد، ومسلم، واًبو داود. وعنه: طول
القيام أفضل، لحديث جابر مرفوعاً: "أفضل
الصلاة طول القنوت" رواه أحمد، ومسلم،
والترمذي. وعنه التساوي، اختاره الشيخ تقي
الدين، وقال: التحقيق أن ذكر القيام - وهو
القراءة - أفضل من ذكر الركوع، والسجود. ونفس
الركوع، والسجود، أفضل من نفس القيام،
فاعتدلا.
[وتسن صلاة الضحى] لحديث أبي هريرة، وأبي
الدرداء، رواهما مسلم.
[غباً] بأن يصليها في بعض الأيام دون بعض،
لحديث أبي سعيد، كان النبي صلى الله عليه وسلم
يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى
نقول لا يصليها رواه أحمد، والترمذي، وقال:
حسن غريب.
(1/112)
[وأقلها
ركعتان] لحديث: وركعتي الضحى وصلاها صلى الله
عليه وسلم أربعاً كما في حديث عائشة، رواه
أحمد، ومسلم وصلاها ستاً كما في حديث جابر بن
عبد الله رواه البخاري في تاريخه.
[وأكثرها ثمان] لحديث أم هانئ أن النبي صلى
الله عليه وسلم عام الفتح، صلى ثماني ركعات
سبحة الضحى رواه الجماعة.
[ووقتها من خروج وقت النهى إلى قبيل الزوال]
لحديث: "قال الله تعالى: ابن آدم اركع لي أربع
ركعات من أول النهار أكفك آخره" رواه الخمسة،
إلا ابن ماجه.
[وأفضله إذا اشتد الحر] لحديث "صلاة الأوابين
حين ترمض الفصال" رواه مسلم.
[وتسن تحية المسجد] لحديث أبي قتادة أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أحدكم
المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" رواه
الجماعة.
[وسنة الوضوء] لحديث أبي هريرة أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الفجر: "يا
بلال حدًثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني
سمعت دف1 نعليك بين يدي في الجنة" ، قال: ما
عملت عملاً أرجى عندي، أني لم أتطهر طهوراً في
ساعة من ليل، ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور
ما كتب الله لي أن أصلي. متفق عليه.
[وإحياء ما بين العشاءين. وهو من قيام الليل]
قال الإمام أحمد: قيام الليل من المغرب إلى
طلوع الفجر، وعن قتادة عن أنس في قوله تعالى:
{كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا
يَهْجَعُونَ} 2 قال: كانوا يصلون فيما بين
ـــــــ
1 قال الحميدي: الدف الحركة الخفيفة والسير
اللين.
2 الذاريات/17.
(1/113)
المغرب
والعثساء وكذلك {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ
الْمَضَاجِعِ} 1 رواه أبو داود. وعن حذيفة قال
صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب،
فلما قضى صلاته قام، فلم يزل يصلي حتى صلى
العشاء، ثم خرج رواه أحمد، والترمذي.
ـــــــ
1 ألم – السجدة/16.
(1/114)
فصل في سجود
التلاوة والشكر
[ويسن سجود التلاوة مع قصر الفصل للقارئ،
والمستمع] لحديث ابن عمر: كان النبي صلى الله
عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة،
فيسجد، ونسجد معه، حتى ما يجد أحدنا موضعاً
لجبهته. متفق عليه.
[وهو كالنافلة فيما يعتبر لها] من الشروط لأنه
سجود يقصد به التقرب إلى الله تعالى، فكان
صلاة كسجود الصلاة.
[يكبر إذا سجد بعد تكبيرة إحرام] لقول ابن
عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا
القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر، وسجد، وسجدنا
معه رواه أبو داود.
[وإذا رفع] كبر. قال في الفروع: في الأصح
وفاقاً - يعني للأئمة الثلاثة - وفي الكافي:
يكبر للرفع منه، ولأنه رفع من سجود أشبه سجود
الصلاة، وسجود السهو.
[ويجلس ويسلم] إذا رفع تسليمة واحدة، كصلاة
الجنازة، لعموم حديث: وتحليلها التسليم.
[بلا تشهد] لأنه لم ينقل فيه.
[وإن سجد المأموم لقراءة نفسه، أو لقراءة غير
إمامه عمداً بطلت صلاته]
(1/114)
لزيادته فيها
عمداً، ولحديث: "إنما جعل الإمام ليؤتم به،
فلا تختلفوا عليه" .
[ويلزم المأموم متابعة إمامه في صلاة الجهر،
فلو ترك متابعته عمداً بطلت صلاته] للحديث
السابق.
[ويعتبر كون القارئ يصلح إماماً للمستمع، فلا
يسجد إن لم يسجد] القارئ لحديث عطاء أن النبي
صلى الله عليه وسلم، أتى إلى نفر من أصحابه،
فقرأ رجل منهم سجدة، ثم نظر إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إنك كنت إمامنا، ولو سجدت سجدنا" رواه
الشافعي وغيره.
[ولا قدامه، ولا عن يساره مع خلو يمينه] أي
التالي عن ساجد معه، لعدم صحة الائتمام به
إذاً.
[ولا يسجد رجل لتلاوة امرأة وخنثى] لعدم صحة
ائتمامه بها.
[ويسجد لتلاوة أمى، وزمن] لأن قراءة الفاتحة،
والقيام ليسا ركناً في السجود.
[ومميز] لأنه تصح إمامته في النفل.
[ويسن سجود الشكر عند تجدد النعم، واندفاع
النقم] لحديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان إذا أتاه أمر يسر به خر ساجداً رواه
أبو داود، والترمذي، وابن ماجة. وسجد أبو بكر
حين جاءه قتل مسيلمة رواه سعيد. وسجد علي حين
وجد ذا الثدية في الخوارج رواه أحمد. وسجد كعب
بن مالك لما بشر بتوبة الله عليه. وقصته متفق
عليها.
(1/115)
[وإن سجد له
عالماً ذاكراً في صلاته بطلت] لأن سببه لا
يتعلق بالصلاة بخلاف سجود التلاوة.
[وصفته وأحكامه كسجود التلاوة]
(1/116)
فصل في أوقات
النهى
[وهى من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس قيد رمح]
لحديث "إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي
الفجر" احتج به أحمد. وعنه من صلاة الفجر،
لحديث أبي سعيد مرفوعاً: "لا صلاة بعد صلاة
الفجر حتى تطلع الشمس" متفق عليه.
[ومن صلاة العصر الى غروب الشمس] لحديث أبي
سعيد، وغيره وفيه: "ولا صلاة بعد صلاة العصر
حتى تغرب الشمس" متفق عليه.
[وعند قيامها حتى تزول] لحديث عقبة بن عامر
ثلاث ساعات كان النبي صلى الله عليه وسلم
ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا:
حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع. وحين يقوم
قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف
للغروب حتى تغرب رواه مسلم.
[فتحرم صلاة التطوع في هذه الأوقات ولا تنعقد
ولو جاهلاً للوقت والتحريم] لعموم النهي، ولأن
النهي في العبادات يقتضي الفساد.
[سوى سنة فجر قبلها] لما تقدم.
[وركعتي الطواف] لحديث جبير مرفوعاً: "يا بني
عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت،
وصلى أية ساعة من ليل أو نهار" رواه الأثرم،
والترمذي وصححه.
(1/116)
[وسنة الظهر
إذا جمع] لحديث أم سلمة أنه صلى الله عليه
وسلم قضاهما بعد العصر متفق عليه.
[وإعادة جماعة أقيمت، وهو بالمسجد] لحديث أبي
ذر مرفوعاً: "صل الصلاة لوقتها، فإن أقيمت
وأنت في المسجد فصل ولا تقل: إني صليت، فلا
أصلي" رواه أحمد، ومسلم، وتأكدها للخلاف في
وجوبها.
[ويجوز فيها قضاء الفرائض] لعموم حديث: "من
نام عن صلاة، أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"
متفق عليه.
[وفعل المنذورة، ولو نذرها فيها] لأنها واجبة
أشبهت الفرائض.
[والإعتبار في التحريم بعد العصر بفراغ صلاة
نفسه لا بشروعه فيها، فلو أحرم فيها ثم قلبها
نفلاً لم يمنع من التطوع] لما تقدم.
[وتباح قراءة القرآن فى الطريق] قال إبراهيم
التيمي: كنت أقرأ على أبي موسى وهو يمشي في
الطريق، فإذا قرأت سجدة قلت له: أسجد في
الطريق ؟ قال نعم.
[ومع حدث أصغر، ونجاسة ثوب، وبدن، وفم] لقول
علي رضي الله عنه كان صلى الله عليه وسلم يقضي
حاجته، ثم يخرج فيقرأ القرآن، ويأكل معنا
اللحم، ولا يحجبه - وربما قال: لا يحجزه - من
القرآن شئ ليس الجنابة رواه الخمسة.
[وحفظ القرآن فرض كفاية] إجماعاً.
[ويتعين حفظ ما يجب في الصلاة] وهو الفاتحة
فقط على المذهب، لأن ما لا يتم الواجب إلا به
واجب.
(1/117)
باب صلاة
الجماعة
مدخل
...
باب صلاة الجماعة
[تجب علي الرجال الأًحرار القادرين حضراً
وسفراً] لقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ
فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ
طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} 1.
والأمر للوجوب، وإذا كان ذلك مع الخوف، فمع
الأمن أولى، ولحديث أبي هريرة مرفوعاً: "أثقل
الصلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة
الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو
حبواً،ولقد هممت أن آمر بالصلاة، فتقام، ثم
آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال
معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة،
فأحرق عليهم بيوتهم بالنار" متفق عليه. ولما
استأذنه أعمى لا قائد له أن يرخص له أن يصلي
في بيته، قال "هل تسمع النداء؟" فقال: نعم،
قال: "فأجب" رواه مسلم، وعن ابن مسعود قال:
"لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم
النفاق" رواه مسلم، وغيره.
[وأقلها إمام، ومأموم ولو أنثى] لحديث أبي
موسى مرفوعاً: "الإثنان فما فوقهما جماعة"
رواه ابن ماجه. و قال صلى الله عليه وسلم
لمالك بن الحويرث: "وليؤمكما أكبركما" .
[ولا تنعقد بالمميز في الفرض] نص عليه لأن ذلك
يروى عن ابن مسعود وابن عباس.
ـــــــ
1 النساء /101.
(1/118)
[وتسن الجماعة
في المسجد] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا
صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" وقال ابن
مسعود من سره أن يلقى الله غداً مسلماً
فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن.
الحديث رواه مسلم.
[وللنساء منفردات عن الرجال] لفعل عائشة، وأم
سلمة ذكره الدارقطني. وأمر صلى الله عليه وسلم
أم ورقة أن تؤم أهل دارها رواه أبو داود
والدارقطني.
[وحرم أن يؤم بمسجد له إمام راتب فلا تصح إلا
مع إذنه إن كره ذلك، ما لم يضق الوقت] لأنه
بمنزلة صاحب البيت، وهو أحق بالإمامة ممن
سواه، لحديث: "لا يؤمن الرجل في بيته إلا
بإذنه" فإن كان لا يكره ذلك، أو ضاق الوقت صحت
لأن أبا بكر صلى حين غاب النبي صلى الله عليه
وسلم وفعله عبد الرحمن بن عوف فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: "أحسنتم" رواه مسلم.
[ومن كبر قبل تسليمة الإمام الأولى أدرك
الجماعة. ومن أدرك الركوع غير شاكً أدرك
الركعة، واطمأن، ثم تابع] لحديث أبي هريرة
مرفوعاً: "إذا جئتم إلى الصلاة، ونحن سجود
فاسجدوا، ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك ركعةً
فقد أدرك الصلاة" رواه أبو داود. وفي لفظ له:
"من أدرك الركوع أدرك الركعة" .
[وسن دخول المأموم مع إمامه كيف أدركه] لما
تقدم.
[وإن قام المسبوق قبل تسليمة إمامه الثانية،
ولم يرجع انقلبت نفلاً] لتركه العود الواجب
لمتابعة إمامه بلا عذر، فيخرح عن الائتمام
ويبطل فرضه.
[وإذا أقيمت الصلاة التى يريد أن يصلى مع
إمامها لم تنعقد نافلته]
(1/119)
لحديث: "إذا
أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" رواه
الجماعة، إلا البخاري وكان عمر يضرب على
الصلاة بعد الإقامة.
[وإن أقيمت، وهو فيها، اًتمها خفيفة] لقوله
تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}
(محمد: من الآية33) 1 .
[ومن صلى ثم أقيمت الجماعة سن أن يعيد،
والأولى فرضه] لحديث أبي ذر المتقدم.
[ ويتحمل الإمام عن المأموم القراءة] لقوله
تعالى :{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (لأعراف: من
الآية204) 2 قال الإمام أحمد: أجمع الناس على
أن هذه الآية في الصلاة. وفي حديث أبي هريرة:
وإذا قرأ فأنصتوا رواه الخمسة، إلا الترمذي.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام
فقراءته له قراءة" رواه أحمد في مسائل ابنه
عبد الله، ورواه سعيد، والدارقطني مرسلاً.
وحديث عبادة الصحيح محمول على غير المأموم،
وكذلك حديث أبي هريرة، وقد جاء مصرحاً به عن
جابر مرفوعاً: "كل صلاة لم يقرأ فيها بأم
القرآن فهي خداج، إلا وراء الإمام" رواه
الخلال. وقوله "اقرأ بها في نفسك" من قول أبي
هريرة. قال في المغني: وقد خالفه تسعة من
الصحابة، قال ابن مسعود: وددت أن الذي يقرأ
خلف الإمام ملئ فوه تراباً.
[وسجود السهو] إذا دخل مع الإمام من أول
الصلاة وتقدم في بابه.
[وسجود التلاوة] إذا قرأ في صلاته آية سجدة،
ولم يسجد إمامه.
ـــــــ
1 محمد /33.
2 الأعراف/203.
(1/120)
[والسترة] لأن
سترة الإمام سترة لمن خلفه لأن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يصلي بأصحابه إلى سترة، ولم
يأمرهم أن يستتروا بشئ. قاله في الكافي.
[ودعاء القنوت] حيث سمعه، فيؤمن فقط.
[والتشهد الأول إذا سبق بركعة فى رباعية] لئلا
يختلف على إمامه.
[وسن للمأموم أن يستفتح ويتعوذ في الجهرية]
لأن مقصود الإستفتاح، والتعوذ لا يحصل باستماع
قراءة الإمام لعدم جهره بهما بخلاف القراءة.
[ويقرأ الفاتحة، وسورة حيث شرعت] أي السورة.
[في سكتات إمامه وهي قبل الفاتحة] في الركعة
الأولى فقط.
[وبعدها، وبعد فراغ القراءة] ودليل السكتات:
حديث الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم، كان يسكت سكتتين إذا استفتح، وإذا فرغ
من القراءة كلها وفي رواية سكتة إذا كبر،
وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم،
ولا الضالين رواه أبو داود.
[ويقرأ فيما لا يجهر فيه متى شاء] لقول جابر
كنا نقرأ فى الظهر والعصر خلف الإمام في
الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي
الآخرتين بفاتحة الكتاب رواه ابن ماجة. قال في
المغني: والاستحباب أن يقرأ في سكتات الإمام،
وفيما لا يجهر فيه. هذا قول أكثر أهل العلم.
(1/121)
فصل: من احرم قبل إمامه، تخفيف الامام، ذهاب
النساء للمسجد
...
فصل من احرم قبل إمامه
[ومن أحرم مع إمامه، أو قبل إتمامه لتكبيرة
الإحرام لم تنعقد صلاته] أي المأموم لأن شرطه
أن يأتي بها بعد إمامه وقد فاته، ولأنه ائتم
بمن لم تنعقد صلاته.
[والأولى للمأموم أن يشرع فى أفعال الصلاة بعد
إمامه] لحديث "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا
كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع
الله لمن حمده، فقولوا: رًبنا ولكً الحمد،
وإذا سجد فاسجدوا" متفق عليه. والفاء للتعقيب.
وقال في حديث أبي موسى "فإن الإمام يركع
قبلكم، ويرفع قبلكم" رواه مسلم.
[فإن وافقه فيها أوفي السلام كره] لمخالفة
السنة. ولم تفسد صلاته، لأنه اجتمع معه في
الركن. قاله في الكافي.
[وإن سبقه حرم] لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا
تسبقوني بالركوع، ولا بالسجود، ولا بالقيام"
والنهي يقتضي التحريم. وعن أبي هريرة مرفوعاً:
"أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول
الله رأسه رأس حمار" متفق عليه.
[فمن ركع، أو سجد، أو رفع قبل إمامه عمداً،
لزمه أن يرجع ليأتي به مع إمامه] ليكون مؤتماً
به.
[فإن أبى عالماً عمداً بطلت صلاته] لترك
المتابعة الواجبة بلا عذر،
(1/122)
ولحديث أبي
هريرة السابق. قال الإمام أحمد: لو كان له
صلاة لرجي له الثواب، ولم يخش عليه العقاب.
[لا صلاة ناس، وجاهل] لحديث: "عفي لأمتى عن
الخطإ والنسيان" .
[ويسن للامام التخفيف مع الإتمام] لحديث أبي
هريرة مرفوعاً: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف
فإن فيهم السقيم، والضعيف، وذا الحاجة، وإذا
صلى لنفسه فليطول مًا شاء" رواه الجماعة.
[ما لم يؤثر المأموم التطويل] لزوال علة
الكراهة وهي: التنفير. قال الحجاوي: إن كان
الجمع قليلاً فإن كان كثيراً لم يخل ممن له
عذر.
وقال الشيخ تقي الدين: تلزمه مراعاة المأموم،
وإنه ليس له أن يزيد عن القدر المشروع، وإنه
ينبغي أن يفعل غالباً ما كان النبي صلى الله
عليه وسلم يفعله غالباً، ويزيد وينقص للمصلحة
كما كان صلى الله عليه وسلم يزيد وينقص
أحياناً.
[وانتظار داخل إن لم يشق على المأموم] لحديث
ابن أبي أوفى: كان النبي صلى الله عليه وسلم
يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا
يسمع وقع قدم رواه أحمد، وأبو داود. وثبت عنه
صلى الله عليه وسلم الانتظار في صلاة الخوف
لإدراك الجماعة.
[ومن استأذنته امرأته، أو أمته إلى المسجد كره
منعها، وبيتها خير لها] لحديث: "لا تمنعوا
إماء الله مساجد الله وبيوتهنً خير لهن
وليخرجن تفلات" 1 رواه أحمد، وأبو داود.
ـــــــ
1 قال في اللسان وفي الحديث أنه صلى الله عليه
وسلم قال: "لتخرج النساء إلى المساجد تفلات" ،
أي: تاركات للطيب قال أبو عبيد: المتفلة التي
ليست بمتطيبة.
(1/123)
فصل في الامامة
[الأولى بها الأجود قراءة الأفقه] لجمعه بين
المرتبتين.
[ويقدم قارئ لا يعلم فقه صلاته على فقيه أمي]
لحديث: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن
كانوا في القراءة سواءً فأعلمهم بالسنة، فإن
كانوا في السنة سواء فًأقدمهم هجرة" الحديث.
[ثم الأسن] لقوله: "فإن كانوا في الهجرة سواءً
فأقدمهم سناً" رواه مسلم. وقوله: "وليؤمكم
اًكبركم" متفق عليه.
[ثم الأشرف] إلحاقاً للإمامة الصغرى بالكبرى،
ولحديث: "قدموا قريشاً، ولا تقدموها" وحديث:
"الأئمة من قريش" .
[ثم الأتقى، والأورع] لقوله تعالى: {إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 1
[ثم يقرع] مع التشاح قياساً على الأذان.
[وصاحب البيت] الصالح للإمامة أحق بها ممن
حضره في بيته لحديث "لا يؤمن الرجل الرجل في
بيته" رواه مسلم.
[وإمام المسجد، ولو عبداً أحق] بالإمامة فيه
لأن ابن عمر أتى أرضاً له، وعندها مسجد يصلي
فيه مولى له، فصلى ابن عمر معهم، فسألوه أن
يؤمهم فأبى، وقال: صاحب المسجد أحق. رواه
البيهقى بسند جيد. وقال أبو سعيد مولى أبي
أسيد تزوجت وأنا مملوك،
ـــــــ
1 الحجرات/13.
(1/124)
فدعوت ناساً من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهم أبو
ذر، وابن مسعود، وحذيفة، فحضرت الصلاة، فتقدم
أبو ذر فقالوا: وراءك، فالتفت إلى أصحابه
فقال: أكذلك؟ قالوا نعم، فقدموني رواه صالح
بإسناده في مسائله.
[والحر أولى من العبد] لشرف الحر، وكونه من
أهل المناصب.
[والحاضر] أولى من المسافر، لأنه ربما قصر
ففات المأمومين بعض الصلاة جماعة.
[والبصير] أولى من الأعمى، لأنه أقدر على توقي
النجاسة واستقبال القبلة بعلم نفسه.
[والمتوضئ أولى من ضده] وضد المتوضىء المتيمم،
لأن الوضوء يرفع الحدث.
[وتكره إمامة غير الأولى بلا إذنه] للافتئات
عليه.
[ولا تصح إمامة الفاسق إلا في جمعة، وعيد
تعذراً خلف غيره] لقوله تعالى: {أَفَمَنْ
كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا
يَسْتَوُونَ} 1 . وروى ابن ماجه عن جابر
مرفوعاً: "لا تؤمن امرأة رجلاً، ولا أعرابي
مهاجراً، ولا فاجر مؤمناً، إلا أن يقهره
بسلطان يخاف سوطه، وسيفه" وكان ابن عمر يصلي
خلف الحجاح والحسن والحسين يصليان وراء مروان
وقال صلى الله عليه وسلم "الصلاة المكتوبة
واجبة خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل
الكبائر" رواه أبو داود. وقال البخاري في
صحيحه: باب إمامة المفتون والمبتدع. وقال
الحسن: صل وعليه بدعته. ثم روى عن عبيد الله
بن عدي بن خيار أنه دخل على عثمان بن
ـــــــ
1 الم السجدة/18.
(1/125)
عفان، وهو
محصور، فقال: إنك إمام عامة، ونزل بك ما ترى،
ويصلي لنا إمام فتنة، ونتحرج فقال الصلاة أحسن
ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم،
وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم.
[وتصح إمامة الأعمى والأصم] لأن النبي صلى
الله عليه وسلم "كان يستخلف ابن أم مكتوم، يؤم
الناس، وهو أعمى" رواه أبو داود. وقيس عليه
الأ صم.
[والأقلف] لأنه ذكر مسلم عدل قارئ فصحت
إمامته.
[وكثير لحن لم يحل المعنى. والتمتام الذي يكرر
التاء مع الكراهة، فى الكل للخلاف فى صحة
إمامتهم. ولا تصح إمامة العاجز عن شرط أو ركن
إلا بمثله] لإخلاله بفرض الصلاة.
[إلا الإمام الراتب بمسجد المرجو زوال علته،
فيصلى جالساً، ويجلسون خلفه] لأن النبي صلى
الله عليه وسلم صلى بهم جالساً فصلى وراءه قوم
قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا ثم قال "إنما
جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، فإذا
صلى جالساً فصًلوا جلوساً أجمعين" 1 متفق
عليه.
[وتصح قياماً] لأنه الأصل، ولم يأمر صلى الله
عليه وسلم من صلى خلفه قائماً بالإعادة.
[وإن ترك الإمام ركناً، أو شرطاً مختلفاً فيه
مقلداً صحت، ومن صلى خلفه معتقداً بطلان صلاته
أعاد] لأنه ترك ما تتوقف عليه صحة صلاته.
[ولا إنكار في مسائل الاجتهاد] لعدم الدليل،
ولو قلنا المصيب واحد.
[ولا تصح إمامة المرأة بالرجل] لما تقدم.
ـــــــ
1 الذي وقعت عليه من ألفاظ الحديث "فصلو
قعوداً أجمعون" وما ذكره المؤلف له وجه من
العربية.
(1/126)
[ولا إمامة
المميز بالبالغ في الفرض، وتصح إمامته في
النفل، وفي الفرض بمثله] قال ابن مسعود: لا
يؤمن الغلام حتى تجب عليه الحدود وقال ابن
عباس: لا يؤمن الغلام حتى يحتلم رواهما
الأثرم. ولم ينقل عن غيرهما من الصحابة خلافه.
وأما النفل، وفرض مثله فتصح، لأنها نفل في حق
كل منهم.
[ولا تصح إمامة محدث، ولا نجس يعلم ذلك] لما
تقدم.
[فإن جهل هو والمأموم حتى انقضت صحت صلاة
المأموم وحده] لما روي عن عمر اًنه صلى بالناس
الصبح، ثم خرج إلى الجرف، فأهراق الماء، فوجد
في ثوبه احتلاماً، فأعاد الصلاة، ولم يعد
الناس وروى الأثرم نحو هذا عن عثمان، وعلي.
ولا يعرف لهم مخالف. فكان إجماعاً. قاله في
الكافي.
[ولا تصح إمامة الأمى: وهو من لا يحسن الفاتحة
إلا بمثله] لعجزه عن ركن الصلاة. قال الزهري:
مضت السنة أن لا يؤم الناس من ليس معه من
القرآن شئ.
[ويصح النفل خلف الفرض] لقوله صلى الله عليه
وسلم في حديث محجن بن الأدرع: "فإذا جئت فصل
معهم، واجعلها نافلةً" رواه أحمد، وفي حديث
أبي سعيد "من يتصدق على ذا فيصلًي معه؟" رواه
أحمد، وأبو داود.
[ولا عكس] لحديث "إنما جعل الإمام ليؤتم به،
فلا تختلفوا عليه" متفق عليه. وعنه يصح، لحديث
معاذ. متفق عليه.
[وتصح المقضية خلف الحاضرة وعكسه حيث تساوتا
في الاسم] رواية واحدة. ذكره الخلال لأن
الصلاة واحدة، وإنما اختلف الوقت.
(1/127)
فصل في مكان
وقوف الأمام والمأموم
[يصح وقوف الإمام وسط المأمومين] لأن ابن
مسعود صلى بين علقمة، والأسود، وقال: هكذا
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعل رواه
أبو داود.
[والسنة وقوفه متقدماً عليهم] لأنه صلى الله
عليه وسلم، كان إذا قام إلى الصلاة تقدم، وقام
أصحابه خلفه ولمسلم، وأبي داود أن جابراً
وجباراً وقفا أحدهما عن يمينه، وآخرعن يساره،
فأخذ بأيديهما حتى أقامهما خلفه.
[ويقف الرجل الواحد عن يمينه محاذياً له] لأنه
صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس، وجابراً
إلى يمينه، لما وقفا عن يساره رواه مسلم.
[ولا تصح خلفه] لحديث وابصة بن معبد أن النبي
صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف
وحده، فأمره أن يعيد رواه أبو داود.
[ولا عن يساره مع خلو يمينه] لما تقدم.
[وتقف المرأة خلفه] لقول أنس: صففت أنا
واليتيم وراءه، والمرأة خلفنا، فصلى بنا
ركعتين متفق عليه.
[وإن صلى الرجل ركعة خلف الصف منفرداً فصلاته
باطلة] لما تقدم.
(1/128)
[وإن أمكن
المأموم الاقتداء بإمامه، ولو كان بينهما ثلاث
مائة ذراع، صح إن رأى الإمام، أو رأى من
وراءه] وإلا لم يصح، لأن عائشة قالت لنساء كن
يصلين في حجرتها: لا تصلين بصلاة الإمام،
فإنكن دونه في حجاب.
[وإن كان الإمام، والمأموم فى المسجد لم تشترط
الرؤية، وكفى سماع التكبير] لأن المسجد كله
موضع للجماعة. قال أحمد في المنبر إذا قطع
الصف: لم تضر، لأنهم في موضع الجماعة، ويمكنهم
الإقتداء بسماع التكبير أشبه المشاهدة.
[وإن كان بينهما نهر تجري فيه السفن، أو طريق
لم تصح] لما تقدم عن عائشة. إلا لضرورة كجمعة،
وعيد إذا اتصلت الصفوف. روي عن أحمد في رجل
يصلي خارج المسجد يوم الجمعة وأبوابه مغلقة:
أرجو أن لا يكون به بأس.
[وكره علو الامام عن المأموم] لأن عمار بن
ياسر كان بالمدائن، فأقيمت الصلاة، فتقدم
عمار، فقام على دكان، والناس أسفل منه، فتقدم
حذيفة، فأخذ بيده، فاتبعه عمار حتى أنزله
حذيفة، فلما فرغ من صلاته، قال له
حذيفة: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: "إذا أم الرجل القوم، فلا يقومن في مكان
أرفع من مقامهم؟" فقال عمار: فلذلك اتبعتك حين
أخذت على يدي. رواه أبو داود. ولا بأس
باليسير، لأنه صلى الله عليه وسلم صلى على
المنبر، ونزل القهقرى، فسجد في أصل المنبر، ثم
عاد الحديث متفق عليه.
[لا عكسه] لأن أبا هريرة صلى على سطح المسجد
بصلاة الإمام رواه الشافعي، ورواه سعيد عن
أنس.
(1/129)
[وكره، لمن أكل
بصلاً، أو فجلاً ونحوه حضور المسجد] لحديث
جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من
أكل الثوم، والبصل، والكراث، فلا يقربن
مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو
آدم" متفق عليه.
(1/130)
فصل فيمن يعذر
بترك الجمعة والجماعة
[يعذر بترك الجمعة والجماعة المريض] لأنه صلى
الله عليه وسلم لما مرض تخلف عن المسجد. وقال:
مروا أبا بكر فليصل بالناس متفق عليه. وقال
ابن مسعود: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا
منافق معلوم النفاق، أو مريض.
[والخائف حدوث المرض] لأنه في معناه.
[والمدافع أحد الأخبثين] لحديث عائشة مرفوعاً:
"لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافع الأخبثين"
رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
[ومن له ضائع يرجوه، أو يخاف ضياع ماله، أو
فواته، أو ضرراً فيه]
[أو يخاف على مال استؤجر لحفظه كنظارة بستان]
لحديث ابن عباس مرفوعاً: "من سمع النداء فلم
يمنعه من اتباعه عذر" - قالوا: فما العذر يا
رسول الله ؟ قال: "خوف أو مرض - لم يقبل الله
منه الصلاة التي صلى" رواه أبو داود. والخوف
ثلاثة أنواع: على المال من سلطان، أو لص، أو
خبز، أو طبيخ يخاف فساده، ونحوه. وعلى نفسه من
عدو، أو سيل، أو سبع. وعلى أهله، وعياله.
فيعذر في ذلك كله، لعموم الحديث. وكذا إن خاف
موت قريبه. نص عليه
(1/130)
لأن ابن عمر
استصرخ على سعيد بن زيد، وهو يتجمر للجمعة،
فأتاه بالعقيق، وترك الجمعة.
[أو أذى بمطر، ووحل، وثلج، وجليد، وريح باردة
بليلة مظلمة] لحديث ابن عمر عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه كان يأمر المنادي فينادي
بالصلاة صلوا في رحالكم في الليلة الباردة،
وفي الليلة المطيرة في السفر متفق عليه. وروي
في الصحيحين عن ابن عباس في يوم مطير وفي
رواية لمسلم وكان يوم جمعة.
[أو تطويل إمام] لأن رجلاً صلى مع معاذ، ثم
انفرد فصلى وحده لما طول معاذ، فلم ينكر عليه
صلى الله عليه وسلم حين أخبره.
(1/131)
باب صلاة اهل الأعذار
مدخل
...
باب صلاة أهل الأعذار
[يلزم المريض أن يصلى المكتوبة قائماً ولو
مستنداً] لحديث "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما
استطعتم" .
[فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى
جنبه] لقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن
حصين: "صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن
لم تستطع فعلى جنب" رواه الجماعة، إلا مسلماً.
[والأيمن أفضل ويومئ بالركوع، والسجود، ويجعله
أخفض] لحديث علي مرفوعاً وفيه: "فإن لم يستطع
أن يسجد أومأ إيماءً، ويجعل سجوده أخفض من
ركوعه، وإن لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على
جنبه الأيمن مستقبل القبلة. فإن لم يستطع صلى
مستلقياً ورجلاه ممًا يلى القبلة" رواه
الدارقطني.
[فإن عجز أومأ بطرفه، واستحضرالفعل بقلبه.
وكذا القول إن عجز عنه بلسانه] أومأ له،
واستحضره بقلبه لحديث "إذا أمرتكم بأمر فأتوا
منه ما استطعتم" .
[ولا تسقط ما دام عقله ثابتاً] لقدرته على الا
يماء مع النية. ولا ينقص أجر مريض إذا صلى على
ما يطيقه، لحديث أبي موسى مرفوعاً "إذا مرض
العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيماً
صحيحاً" .
(1/132)
[ومن قدر على
القيام] في أثنائها، وقد صلى قاعداً انتقل
إليه.
[والقعود في أثنائها] وقد صلى على جنب.
[انتقل إليه] لتعيينه والحكم يدور مع علته.
[ومن قدر على أن يقوم منفرداً، ويجلس في
الجماعة خير] قال في الشرح: لأ نه يفعل في كل
منهما واجباً، ويترك واجباً.
[وتصح على الراحلة ممن يتاذى بنحو مطر، ووحل]
لحديث يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه
وسلم، انتهى إلى مضيق هو وأصحابه، وهو على
راحلته، والسماء من فوقهم، والبلة من أسفل
منهم. فحضرت الصلاة، فأمر المؤذن فأذن، ثم
تقدم، فصلى بهم - يعني - إيماءً، يجعل السجود
أخفض من الركوع رواه أحمد، والترمذي، وقال:
العمل عليه عند أهل العلم، وفعله أنس رضي الله
عنه. ذكره أحمد.
[أو يخاف على نفسه نزوله] من عدو، أوسبع
ونحوه. اًو يعجز عن الركوب إذا نزل.
[وعليه الاستقبال، وما يقدر عليه ويومئ من
بالماء، والطين] إذا لم يمكنه الخروج منه
بالركوع والسجود لحديث: "إذا أمرتكم بأمر
فأتوا منه ما استطعتم" .
(1/133)
فصل فى صلاة
المسافر
[قصر الصلاة الرباعية أفضل] من إتمامها. نص
عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفاءه
داوموا عليه. وروى أحمد عن ابن عمر مرفوعاً
"إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى
معصيتة" ولا تقصر المغرب، ولا الصبح، إجماعاً.
قاله ابن المنذر.
[لمن نوى سفراً مباحاً] أي ليس حراماً، ولا
مكروهاً، واجباً كان كحج، وجهاد متعينين، أو
مسنوناً كزيارة رحم، أو مستوى الطرفين كتجارة.
[لمحل معين] فلا يقصر هائم لا يدري أين يذهب.
ولا سائح لا يقصد مكاناً معيناً ونحوهما.
[يبلغ ستة عشر فرسخاً] تقريباً، وهي أربعة
برد.
[وهى يومان قاصدان في زمن معتدل بسير الأثقال
ودبيب الأقدام] لحديث ابن عباس مرفوعاً "يا
أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد من مكة
إلى عسفان" رواه الدارقطني. وكان ابن عباس،
وابن عمر لا يقصران في أقل من أربعة برد وقال
البخاري في صحيحه: باب في كم يقصر الصلاة.
وسمى النبي صلى الله عليه وسلم، يوماً وليلة
سفراً. وكان ابن عباس، وابن عمر يقصران
ويفطران في أربعة برد وهي: ستة عشر فرسخاً.
انتهى.
(1/134)
[إذا فارق بيوت
قريته العامرة] لأنه قبل ذلك لا يكون ضارباً
في الأرض، ولا مسافراً. ولأنه صلى الله عليه
وسلم إنما كان يقصر إذا ارتحل.
[ولا يعيد من قصر، ثم رجع قبل استكمال
المسافة] لأن المعتبر نية المسافة لا حقيقتها.
[ويلزمه إتمام الصلاة إن دخل وقتها وهو فى
الحضر] لأنها وجبت تامة ولأن النبي صلى الله
عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعاً، والعصر
بذي الحليفة ركعتين.
[أو صلى خلف من يتم] نص عليه، لأن ابن عباس
سئل: ما بال المسافر يصلي ركعتين حال
الانفراد، وأربعاً إذا ائتم بمقيم؟ فقال تلك
السنة رواه أحمد.
[أو لم ينو القصر عند الإحرام] لأن الأصل
الإتمام، فإطلاق النية ينصرف إليه. قاله في
الكافي.
[أو نوى إقامة مطلقة] لانقطاع السفر المبيح
للقصر.
[أو أكثر من أربعة أيام، أو أقام لحاجة، وظن
أن لا تنقضي، إلا بعد الأربعة] لأن النبي صلى
الله عليه وسلم اًقام بمكة، فصلى بها إحدى
وعشرين صلاة يقصر فيها، وذلك أنه قدم صبح
رابعة، فأقام إلى يوم التروية، فصلى الصبح، ثم
خرج. فمن اًقام مثل إقامته قصر، ومن زاد أتم.
ذكره الإمام أحمد. قال أنس: أقمنا بمكة عشراً
نقصر الصلاة ومعناه ما ذكرنا، لأنه حسب خروجه
إلى منى، وعرفة، وما بعده من العشر.
(1/135)
[أو أخر الصلاة
بلا عذر حتى ضاق وقتها عنها] لأنه صار عاصياً
بتأخيرها عمداً بلا عذر. وقيل يقصر لعدم تحريم
السبب. وفاقاً للأئمة الثلاثة. قاله في
الفروع.
[ويقصر إن أقام لحاجة بلا نية الإقامة فوق
أربعة أيام، ولا يدري متى تنقضي أوحبس ظلماً،
أو بمطر ولو أقام سنين] قال ابن المنذر:
أجمعوا على أن المسافر يقصر مالم يجمع إقامة.
انتهى. وأقام صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين
يوماً يقصر الصلاة رواه أحمد. ولما فتح مكة
اًقام بها تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين رواه
البخاري.
وقال أنس اًقام أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم: برام هرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة رواه
البيهقي بإسناد حسن وأقام ابن عمر بأذربيجان
ستة أشهر يقصر الصلاة، وقد حال الثلج بينه
وبين الدخول رواه الأثرم.
(1/136)
فصل في الجمع
[يباح بسفر القصر الجمع بين الظهر والعصر،
والعشاءين بوقت إحداهما] نص عليه، لحديث معاذ
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة
تبوك، إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى
يجمعها إلى العصر يصليهما جميعاً، وإذا ارتحل
بعد زيغ الشمس صلى الظهر، والعصر جميعاً، ثم
سار. وكان يفعل مثل ذلك في المغرب، والعشاء.
رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن غريب. وعن
أنس: معناه. متفق عليه. وسواء كان سائراً، أو
نازلاً لأنها رخصة من رخص السفر، فلم يعتبر
فيها وجود السير كسائر رخصه. قاله في الكافي.
(1/136)
[ويباح لمقيم
مريض يلحقه بتركه مشقة] لقول ابن عباس جمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر،
والعصر، والمغرب، والعشاء، بالمدينة من غير
خوف، ولا مطر وفي رواية من غير خوف، ولا سفر
رواهما مسلم. وقد أجمعنا على أن الجمع لا يجوز
لغير عذر، فلم يبق إلا المرض، ولأنه صلى الله
عليه وسلم أمر المستحاضة بالجمع بين الصلاتين.
والإستحاضة نوع مرض.
[ولمرضع لمشقة كثرة النجاسة] نص عليه.
[ولعاجز عن الطهارة لكل صلاة] كمن به سلس
البول قياساً على الاستحاضة.
[ولعذر، أو شغل يبيح ترك الجمعة والجماعة]
وتقدم.
[ويختص بجواز جميع العشاءين، ولو صلى ببيته،
ثلج وجليد، ووحل وريح شديدة باردة، ومطر يبل
الثياب، ويوجد معه مشقة] لأنه صلى الله عليه
وسلم جمع بين المغرب، والعشاء في ليلة مطيرة
رواه النجاد بإسناده. وفعله أبو بكر، وعمر،
وعثمان. وروى الأثرم عن أبي سلمة بن عبد
الرحمن أنه قال إن من السنة، إذا كان يوم
مطير، أن يجمع بين المغرب والعشاء ولمالك في
الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان إذا جمع
الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر، جمع
معهم وقال أحمد في الجمع في المطر: يجمع
بينهما إذا اختلط الظلام قبل أن يغيب الشفق.
كذا صنع ابن عمر. ولا يجمع بين الظهر والعصر
للمطر، قال أحمد: ما سمعت بذلك. وهذا اختيار
أبي بكر. والثلج، والبرد في ذلك كالمطر،
والوحل كذلك، والريح الشديدة الباردة تبيح
الجمع،
(1/137)
وهو قول عمر بن
عبد العزيز. ويجوز الجمع للمنفرد، ومن كان
طريقه إلى المسجد في ظلال، ومن مقامه في
المسجد، لأن العذر إذا وجد استوى فيه حال
المشقة، وعدمها كالسفر، و لأنه صلى الله عليه
وسلم جمع في مطر وليس بين حجرته والمسجد شئ.
[والأفضل فعل الأرفق به من تقديم الجمع، أو
تأخيره] لحديث معاذ السابق.
[فإن جمع تقديماً اشترط لصحة الجمع نيته عند
إحرام الأولى] لحديث "إنما الأعمال بالنيات" .
[وأن لا يفرق بينهما بنحو نافلة بل بقدر
إقامة، ووضوء خفيف] لأن معنى الجمع المقارنة،
والمتابعة، ولا يحصل مع تفريق أكثر من ذلك.
[وأن يوجد العذر عند افتتاحهما، وأن يستمر إلى
فراغ الثانية] لأنه سببه.
[وإن جمع تأخيراً اشترط نية الجمع بوقت الأولى
قبل أن يضيق وقتها عنها] لأن تأخيرها حرام
فينافي الرخصة، ولفوات فائدة الجمع: وهي
التخفيف بالمقارنة.
[وبقاء العذر إلى دخول وقت الثانية لا غير]
لأن العذر هو المبيح للجمع، فإن لم يستمر إلى
وقت الثانية زال المقتضي للجمع، فامتنع.
كمسافر قدم، ومريض برئ.
[ولا يشترط للصحة اتحاد الإمام، والمأموم، فلو
صلاهما خلف إمامين، أو بمأموم الأولى، وبآخر
الثانية، أو خلف من لم يجمع، أوإحداهما
منفرداً، أو الأخرى جماعة، أو صلى بمن لم
يجمع، صح] لعدم المانع من ذلك.
(1/138)
فصل فى صلاة
الخوف
[تصح صلاة الخوف إن كان القتال مباحاً حضراً،
وسفراً] لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ
فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} الآية 1 وصلاها
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمع الصحابة
على فعلها وصلاها علي، وأبو موسى، وحذيفة.
[ولا تأثير للخوف فى تغيير عدد ركعات الصلاة]
فيقصر في السفر ويتم في الحضر.
[بل فى صفتها، وبعض شروطها] على نحو ما ورد.
قال أحمد: صحت صلاة الخوف عن النبى صلى الله
عليه وسلم، من ستة أوجه، فأما حديث سهل فأنا
أختاره.
[وإذا اشتد الخوف صلوا رجالاً، وركباناً
للقبلة، وغيرها، ولا يلزم افتتاحها إليها]
للآية. وقال ابن عمر فإن كان الخوف أشد من
ذلك، صلوا رجالاً قياماً على أقدامهم،
وركباناً مستقبلي القبلة، وغير مستقبليها متفق
عليه. زاد البخاري، قال نافع: لا أرى ابن عمر
قال ذلك إلا عن النبى صلى الله عليه وسلم.
[يومون طاقتهم] لأنهم لو أتموا الركوع،
والسجود لكانوا هدفاً لأسلحة العدو معرضين
أنفسهم للهلاك.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/228.
(1/139)
[وكذا في حالة
الهرب من عدو إذا كان الهرب مباحاً، أو سيل،
أو سبع. أو نار أو غريم ظالم، أو خوف فوت وقت
الوقوف بعرفة، أو خاف على نفسه، أوأهله، أو
ماله، أو ذب عن ذلك، وعن نفس غيره] لما في ذلك
كله من الضرر. ونص عليه أحمد في الأسير إذا
هرب. ومثله إن خاف فوت عدو يطلبه، لقول عبد
الله بن أنيس: بعثني رسول الله صلى الله عليه
وسلم، إلى خالد بن سفيان الهذلي، قال: اذهب
فاقتله فرأيته، وقد حضرت صلاة العصر، فقلت:
إني أخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة،
فانطلقت وأنا أصلي: أومئ إيماء نحوه رواه
أحمد، وأبو داود.
[وإن خاف عدواً إن تخلف عن رفقته فصلى صلاة
خائف، ثم بان أمن الطريق لم يعد] لعموم البلوى
بذلك.
[ومن خاف أو أمن في صلاته انتقل وبنى] لأن
الحكم يدور مع علته.
[ولمصل كر وفر، لمصلحة. ولا تبطل بطوله] هذا
قول أكثر أهل العلم. قاله في المغني. و لأنه
صلى الله عليه وسلم أمرهم بالمشي إلى وجاه
العدو، ثم يعودون لما بقي وهذا عمل كثير،
واستدبار للقبلة.
[وجاز لحاجة حمل نجس ولا يعيد] لقوله تعالى:
{وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} وقوله: {وَلا
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً
مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ
تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} 1 ولا يجب حمل
السلاح في قول أكثر أهل العلم، بل يستحب.
ـــــــ
1 النساء من الآية/101.
(1/140)
باب صلاة
الجمعة
مدخل
...
باب صلاة الجمعة
[تجب على كل ذكر، مسلم، مكلف، حر، لا عذر له]
لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}
الآية1 وروى ابن ماجه عن جابر قال: خطبنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال: "واعلموا أن
الله قد افترض عليكم الجمعة في يومي هذا، في
شهري هذا، في عامي هذا، فمن تركها في حياتي،
أو بعدي، وله إمام عادل، أو جائر استخفافاً
بها، أو جحوداً بها، فلا جمع الله له شمله،
ولا بارك الله في أمره" . وعن طارق بن شهاب
مرفوعاً: "الجمعة حق واجب على كل مسلم، إلا
أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أًو
مريض" رواه أبو داود.
[وكذا على كل مسافر لا يباح له القصر] كسفر
معصية. وما دون المسافة فتلزمه بغيره.
[وعلى مقيم خارج البلد، إذا كان بينهما وبين
الجمعة وقت فعلها فرسخ فأقل] لقوله صلى الله
عليه وسلم "الجمعة على من سمع النداء" رواه
أبو داود. ولم يكن اعتبار السماع بنفسه،
فاعتبر بمظنته، والموضع الذي يسمع منه النداء
في الغالب إذا كان المؤذن صيتاً بموضع عال،
ـــــــ
1 الجمعة من الآية/9.
(1/141)
والرياح ساكنة،
والأصوات هادئة، والعوارض منتفية فرسخ.
فاعتبرناه به. قاله في الكافي.
[ولا تجب على من يباح له القصر] لأنه صلى الله
عليه وسلم سافر هو وأصحابه في الحج، وغيره،
فلم يصل أحد منهم الجمعة فيه، مع اجتماع الخلق
الكثير وقال إبراهيم: كانوا يقيمون بالري
السنة وأكثر من ذلك، وبسجستان السنتين لا
يجمعون، ولا يشرقون. رواه سعيد.
[ولا على عبد، ومبعض، وامرأة] لما تقدم.
[ومن حضرها منهم أجزأته] قال ابن المنذر: أجمع
كل من نحفظ عنه أن لا جمعة على النساء.
وأجمعوا على أنهن إذا حضرن، فصلين الجمعة أن
ذلك بجزئ عنهن.
[ولا يحسب هو، ولا من ليس من أهل البلد من الأ
ربعين، ولا تصح إمامتهم فيها] لأنهم من غير
أهل الوجوب، وإنما صحت منهم تبعاً.
[وشرط لصحة الجمعة أربعة شروط: أحدها: الوقت،
وهو من أول وقت العيد إلى خروج وقت الظهر]
لقول عبد الله بن سيدان السلمي شهدت الجمعة مع
أبي بكر، فكانت خطبته، وصلاته قبل نصف النهار
وشهدتها مع عمر، فكانت خطبته وصلاته إلى أن
أقول: انتصف النهار. ثم شهدتها مع عثمان،
فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: زال النهار،
فما رأيت أحداً عاب ذلك، ولا أنكره رواه
الدارقطني، وأحمد واحتج به، قال: وكذلك روي عن
ابن مسعود، وجابر، وسعيد، ومعاوية. أنهم صلوا
قبل الزوال، فلم ينكر وعن جابر كان رسول
(1/142)
الله صلى الله
عليه وسلم، يصلي الجمعة، ثم نذهب إلى جمالنا،
فنريح حين تزول الشمس رواه أحمد، ومسلم.
[وتجب بالزوال، وبعده أفضل] خروجاً من الخلاف،
ولأنه الوقت الذي كان صلى الله عليه وسلم
يصليها فيه فى أكثر أوقاته لقول سلمة بن
الأكوع كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم،
إذا زالت الشمس، ثم نرجع، فنتتبع الفيء
أخرجاه. وما قبل الزوال وقت للجواز لا للوجوب.
[الثانى: أن تكون بقرية، ولو من قصب] فأما أهل
الخيام، وبيوت الشعر فلا جمعة لهم. لأن ذلك لا
ينصب للإستيطان. وكانت قبائل العرب حول
المدينة، فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم
بجمعة.
[يستوطنها أربعون استيطان إقامة لا يظعنون
صيفاً ولا شتاء] وهو قول أكثر أهل العلم، قاله
في المغني.
[وتصح فيما قارب البنيان من الصحراء] لما
يأتي.
[الثالث: حضور أربعين] لقول كعب بن مالك: أول
من جمع بنا أسعد بن زرارة في هزم النبيت في
نقيع يقال له: نقيع الخضمات. قلت كم أنتم
يومئذ ؟ قال: أربعون رجلاً رواه أبو داود. قال
ابن جريج قلت ل عطاء أكان بأمر النبي صلى الله
عليه وسلم ؟. قال: نعم. وقال أحمد: بعث النبي
صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى أهل
المدينة، فلما كان يوم الجمعة جمع بهم، وكانوا
أربعين، وكانت أول جمعة جمعت بالمدينة. وقال
جابر مضت السنة أن في كل أربعين، فما فوق
جمعة، وأضحى، وفطر رواه الدارقطني.
(1/143)
[فإن نقصوا قبل
إتمامها استأنفوا ظهراً] نص عليه. لأن العدد
شرط، فاعتبر في جميعها. وقال في الكافي: وقياس
المذهب أنهم إن انفضوا بعد صلاة ركعة أتمها
جمعة.
[الرابع تقدم خطبتين] لأن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يخطب خطبتين يقعد بينهما متفق عليه.
ومداومته عليهما دليل على وجوبهما.
[من شرط صحتها خمسة أشياء: الوقت] لأنهما بدل
ركعتين. قالت عائشة: إنما أقرت الجمعة ركعتين
من أجل الخطبة.
[والنية] لحديث "إنما الأعمال بالنيات" .
[وقوعهما حضراً. وحضورالأربعين] لما تقدم،
ولأنه ذكر اشترط للصلاة، فاشترط له العدد.
[وأن يكون ممن تصح إمامته فيها] فلا تصح خطبة
من لا تجب عليه الجمعة. كعبد، ومسافر.
[وأركانها ستة: حمد الله] لحديث: "كل كلام لا
يبدأ فيه بالحمد لله، فهو أجذم" رواه أبو
داود. وقال جابر كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يخطب الناس: يحمد الله، ويثني عليه بما
هو أهله الحديث.
[والصلاة على رسول الله] صلى الله عليه وسلم،
لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله افتقرت إلى
ذكر رسوله، كالأذان.
[وقراءة آية من كتاب الله] عز وجل لقول جابر
بن سمرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ
آيات، ويذكر الناس رواه مسلم.
(1/144)
[والوصية بتقوى
الله] لأنها المقصود بالخطبة، فلم يجز الإخلال
بها.
[وموالاتهما مع الصلاة] لأنه لم ينقل عنه صلى
الله عليه وسلم خلافه، وقال: "صلوا كما
رأيتموني أصلي" .
[والجهر بحيث يسمع العدد المعتبر حيث لا مانع]
لهم من سماعه كنوم بعضهم، أو غفلته، أو صممه،
فإن لم يسمعوا لخفض صوته، لم تصح لعدم حصول
المقصود. وعن جابر: كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته
الحديث رواه مسلم.
[وسنتها الطهارة] فلا تشترط نص عليه، وعنه
أنها من شرائطها. قاله في المغنى.
[وستر العورة، وإزالة النجاسة] قياساً، لأن
الخطبتين بدل ركعتين من الجمعة. لقول عمر،
وعائشة: قصرت الصلاة لأجل الخطبة ولم ينقل أنه
صلى الله عليه وسلم تطهر بين الخطبة والصلاة،
فدل على أنه يخطب متطهراً.
[والدعاء للمسلمين] لأنه، صلى الله عليه وسلم،
كان إذا خطب يوم الجمعة دعا، وأشار بأصبعه،
وأمن الناس رواه حرب في مسائله. ولأن الدعاء
لهم مسنون فى غيرالخطبة، ففيها أولى.
[وأن يتولاهما مع الصلاة واحد] قال أحمد في
الإمام يخطب يوم الجمعة، ويصلي الأمير بالناس.
لا بأس إذا حضر الأمير الخطبة، لأنه لا يشترط
اتصالها بها، فلم يشترط أن يتولاهما واحد
كصلاتين.
[ورفع الصوت بهما حسب الطاقًة] لما سبق.
(1/145)
[وأن يخطب
قائماً] لقوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِماً}
1 . وقال جابر بن سمرة كان النبي صلى الله
عليه وسلم، يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم
فيخطب فمن حدثك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب
رواه مسلم.
[على مرتفع] لأنه أبلغ في الإعلام، ولأنه صلى
الله عليه وسلم كان يخطب على منبره.
[معتمداً على سيف، أو عصا] أو قوس لفعله صلى
الله عليه وسلم رواه أبو داود.
[وأن يجلس بينهما قليلاً] لقول ابن عمر: كان
النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو
قائم، يفصل بينهما بجلوس متفق عليه.
[فإن أبى، أو خطب جالساً، فصل بينهما بسكتة]
ليحصل التمييز بينهما. وليست واجبة، لأن جماعة
من الصحابة سردوا الخطبتين من غير جلوس: منهم
المغيرة، وأبي بن كعب. قاله أحمد.
[وسن قصرهما، والثانية أقصر] لحديث عمار
مرفوعاً: "إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته مئنة
من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة"
رواه مسلم.
[ولا بأس أن يخطب من صحيفة] كقراءة في الصلاة
من مصحف.
ـــــــ
1 الجمعة من الآية/11.
(1/146)
فصل يحرم
الكلام والإمام يخطب
[يحرم الكلام والإمام يخطب، وهو منه بحيث
يسمعه] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قلت
لصاحبك والإمام يخطب أنصت فقد لغوت" متفق
عليه.
[ويباح إذا سكت بينهما] لأنه لا خطبة إذاً
ينصت لها.
[أو شرع في دعاء] لأنه غير واجب، فلا يجب
الإنصات له.
[وتحرم إقامة الجمعة، وإقامة العيد في أكثر من
موضع من البلد] لأن النبي، صلى الله عليه وسلم
وخلفاءه لم يقيموا إلا جمعة واحدة.
[إلا لحاجة كضيق، وبعد، وخوف فتنة] لأنها تفعل
في الأمصار العظيمة في جوامع من غير نكير،
فصار إجماعاً، قاله في الكافي، و المغني. وقيل
ل عطاء: إن أهل البصرة لا يسعهم المسجد
الأكبر. قال: لكل قوم مسجد يجمعون فيه.
[فإن تعددت لغير ذلك فالسابقة بالاحرام هي
الصحيحة] لحصول الاستغناء بها، فأنيط الحكم
بها.
ومن أحرم بالجمعة في وقتها، وأدرك مع الإمام
ركعة أتم جمعة رواه البيهقي عن ابن مسعود،
وابن عمر. وعن أبي هريرة مرفوعاً: "من أدرك
ركعةً من الجمعة أدرك الصلاة" رواه الأثرم،
ورواه ابن ماجه، ولفظه "فليضف إليها أخرى" .
وعنه مرفوعاً: "من أدرك ركعةً من الصلاة مع
الإمام فقد أدرك الصلاة" متفق عليه.
(1/147)
[وإن أدرك أقل
نوى ظهراً] وقال أبو إسحاق بن شاقلا: ينوي
جمعة، لئلا تخالف نيته نية إمامه، ثم يبني
عليها ظهراً، لأنهما فرض من وقت واحد. قاله في
الكافي.
[واًقل السنة بعدها ركعتان] لأنه صلى الله
عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين متفق
عليه.
[وأكثرها ست] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا
صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات" .
رواه الجماعة إلا البخاري. فالمجموع ست ركعات:
ركعتان من فعله، وأربع من أمره. قاله في
القواعد.
[ويسن قراءة سورة الكهف في يومها] لحديث أبي
سعيد رواه البيهقي.
[وأن يقرأ في فجرها: آلم السجدة، وفي الثانية
هل أتى] نص عليه، لأنه عليه السلام "كان
يفعله" متفق عليه.
[وتكره مداومتة عليهما] لئلا يظن أنها مفضلة
بسجدة. قاله أحمد وقال جماعة: لئلا يظن
الوجوب.
(1/148)
باب صلاة
العيدين
مدخل
...
باب صلاة العيدين
[وهي فرض كفاية] لأنها من شعائر الإسلام
الظاهرة، ولأنه صلى الله عليه وسلم داوم
عليها.
[وشروطها كالجمعة] لأنها صلاة عيد، فأشبهت
الجمعة، قاله في الكافي.
[ما عدا الخطبتين] فإنها في العيد سنة، لقول
عبد الله بن السائب: شهدت العيد مع النبي صلى
الله عليه وسلم، فلما قضى الصلاة قال: "إنا
نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب
أن يذهب فليذهب" رواه أبو داود. ولو وجبت لوجب
حضورها، واستماعها.
[وتسن في الصحراء] لحديث أبي سعيد كان النبي
صلى الله عليه وسلم، يخرج في الفطر، والأضحى
إلى المصلى. متفق عليه. وكذا الخلفاء بعده.
[ويكره التنفل قبلها، وبعدها قبل مفارقة
المصلى] نص عليه، لحديث ابن عباس أن النبي صلى
الله عليه وسلم، خرج يوم الفطر فصلى ركعتين،
لم يصل قبلهما، ولا بعدهما متفق عليه.
[ووقتها كصلاة الضحى] لأنه صلى الله عليه
وسلم، وخلفاءه، كانوا يصلونها بعد ارتفاع
الشمس. ويسن تعجيل الأضحى، وتأخير
(1/149)
الفطر. لما روى
الشافعي مرسلاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم
كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران، أن عجل
الأضحى، وأخر الفطر، وذكر الناس.
[فإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال، صلوا من
الغد قضاء] لحديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له
من الأنصار قالوا: غم علينا هلال شوال،
فأصبحنا صياماً، فجاء ركب من آخر النهار،
فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم،
أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرالناس أن يفطروا
من يومهم، وأن يخرجوا لعيدهم من الغد رواه
الخمسة، إلا الترمذي، وصححه إسحاق، والخطابي.
ولأن العيد يشرع له الاجتماع العام، وله وظائف
دينية و دنيوية، وآخر النهار مظنة الضيق عن
ذلك غالباً.
[وسن تبكير المأموم] ليحصل له الدنو من
الإمام، وانتظار الصلاة، فيكثر ثوابه.
[وتأخر الإمام إلى وقت الصلاة] لقول أبي سعيد
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم
الفطر، والأضحى إلى المصلى، فأول شئ يبدأ به
الصلاة رواه مسلم. ويخرج ماشياً، وعليه
السكينة والوقار، لقول علي رضي الله عنه: إن
من السنة أن تأتي العيد ماشياً حسنه الترمذي
وقال: العمل على هذا عند أهل العلم.
[وإذا ذهب في طريق يرجع من أخرى] لحديث جابر:
كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا خرج إلى
المصلى خالف الطريق. رواه البخاري، ورواه مسلم
عن أبي هريرة.
(1/150)
[وكذا الجمعة]
قياساً على العيد.
[وصلاة العيد ركعتان] لقول عمر: صلاة الفطر،
والأضحى ركعتان ركعتان، تمام غير قصر على لسان
نبيكم. وقد خاب من افترى رواه أحمد.
[يكبر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام، وقبل
التعوذ ستاً. وفي الثانية قبل القراءة خمساً]
نص عليه، لحديث عائشة مرفوعاً: "التكبير في
الفطر، و الأضحى في الأولى سبع تكبيرات، وفي
الثانية خمس تكبيرات، سوى تكبيرًتي الركوع"
رواه أبو داود. وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده نحوه. رواه أحمد، وابن ماجه. واعتددنا
بتكبيرة الإحرام، لأنها في حال القيام، ولم
نعتد بتكبيرة القيام، لأنها قبله. قاله في
الكافي.
[يرفع يديه مع كل تكبيرة] لأن عمر رضي الله
عنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في الجنازة،
وفي العيد وعن زيد كذلك. رواهما الأثرم. وفي
حديث وائل بن حجر أنه صلى الله عليه وسلم كان
يرفع يديه مع التكبير قال أحمد: فأرى أن يدخل
فيه هذا كله.
[ويقول بينهما: الله أكبر كبيراً، والحمد لله
كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله
على محمد النبي وآله وسلم تسليماً كثيراً]
لقول عقبة بن عامر سألت ابن مسعود عما يقوله
بعد تكبيرات العيد، قال: يحمد الله، ويثني
عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم
رواه الأ ثرم، وحرب. واحتج به أحمد.
[ثم يستعيذ] لأن الاستعاذة للقراءة، فتكون فى
أولها.
(1/151)
[ثم يقرأ
جهراً] بغير خلاف، قاله الموفق، لقول ابن عمر:
كان النبى صلى الله عليه وسلم، يجهر بالقراءة
في العيدين، والاستسقاء رواه الدارقطني.
[الفاتحة، ثم سبح في الأولى، والغاشية فى
الثانية] لقول سمرة كان صلى الله عليه وسلم،
يقرأ فى العيدين {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ
الْأَعْلَى} 1 {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ
الْغَاشِيَةِ} 2 رواه أحمد وابن ماجه عن ابن
عباس، والنعمان بن بشير مرفوعاً مثله. وروي عن
عمر، وأنس.
[فإذا سلم خطب خطبتين] لقول ابن عمر كان النبي
صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان،
يصلون العيدين قبل الخطبة متفق عليه.
[وأحكامهما كخطبتي الجمعة] لما في حديث جابر
ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله،
وحث على طاعته، ووعظ الناس، وذكرهم إلى آخره
رواه مسلم. وعن الحسن وابن سيرين: أنهما كرها
الكلام يوم العيد والإمام يخطب.
[لكن يسن أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات،
والثانية بسبع] لما روى سعيد عن عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة قال: يكبرالإمام يوم العيد
قبل أن يخطب تسع تكبيرات، وفي الثانية سبع
تكبيرات، ويكثر التكبير بين أضعاف الخطبة.
لقول سعد المؤذن: كان النبي صلى الله عليه
وسلم يكبر بين أضعاف الخطبة يكثر التكبير فى
خطبة العيدين رواه ابن ماجه.
ـــــــ
1 الأعلى/1.
2 الغاشية/1.
(1/152)
[وإن صلى العيد
كالنافلة صح، لأن التكبيرات الزوائد، والذكر
بينهما] سنة لا تبطل الصلاة بتركه، قال في
المغني، لا أعلم فيه خلافاً.
[والخطبتين سنة] لما تقدم.
[وسن لمن فاتته قضاؤها، ولو بعد الزوال] لما
روي عن أنس أنه إذا لم يشهدها مع الإمام
بالبصرة جمع أهله، ومواليه، ثم قام عبد الله
بن عتبة مولاه، فصلى بهم ركعتين، يكبر فيهما.
(1/153)
فصل ويسن
التكبير المطلق
[يسن التكبير المطلق] أي الذي لم يقيد بأدبار
الصلوات.
[والجهر به فى ليلتي العيدين إلى فراغ الخطبة]
لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا
هَدَاكُمْ...} 1 وعن على رضى الله عنه أنه كان
يكبر حتى يسمع أهل الطريق وقال الإمام أحمد:
كان ابن عمر يكبر في العيدين جميعاً. وأوجبه
داود في الفطر، لظاهر الآية. وليس فيها أمر،
وإنما أخبر عن إرادته تعالى. قاله في المغني.
وروى الدارقطني أن ابن عمر كان إذا غدا يوم
الفطر، ويوم الأضحى، يجهر بالتكبير حتى يأتي
المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام.
[وفي كل عشر ذي الحجة] ولو لم ير بهيمة
الأنعام. قال البخاري كان ابن عمر، وأبو هريرة
يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر
الناس بتكبيرهما.
ـــــــ
1 البقرة، من الآية/185.
(1/153)
[والتكبير
المقيد في الأضحى عقب كل فريضة صلاها في
جماعة] قيل لأحمد: تذهب إلى فعل ابن عمر: لا
يكبر إذا صلى وحده ؟ قال: نعم. وقال ابن
مسعود: إنما التكبير على من صلى في جماعة رواه
ابن المنذر.
[من صلاة فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام
التشريق] لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه
وسلم، صلى الصبح يوم عرفة، ثم أقبل علينا،
فقال: "الله أكبر" ومد التكبير إلى آخر أيام
التشريق رواه الدارقطني بمعناه. قيل لأحمد بأي
شئ تذهب إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم
عرفة إلى آخر أيام التشريق ؟ قال: بالإجماع عن
عمر، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود رضى الله
عنهم.
[إلا المحرم، فيكبر من صلاة ظهر يوم النحر]
إلى عصر آخر أيام التشريق. نص عليه، لأن
التلبية تنقطع برمى جمرة العقبة. والمسافر
كالمقيم، في التكبير. وكذلك النساء فى
الجماعة. قيل لأحمد: قال سفيان: لا يكبر
النساء أيام التشريق الا في جماعة، قال: حسن.
وقال البخاري: كان النساء يكبرن خلف أبان بن
عثمان، وعمر بن عبد العزيز في المسجد، ويخفضن
أصواتهن حتى لا يسمعهن الرجال. والمسبوق يكبر
إذا فرغ فى قول الأكثر. قاله فى المغنى.
[ويكبر الإمام مستقبل الناس] لحديث جابر
المتقدم.
[وصفته شفعاً: الله أكبر الله أكبر، لا إله
إلا الله، واللًه أكبر الله أكبر، ولله الحمد]
لحديث جابر كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا
صلى الصبح من غداة عرفة أقبل على أصحابه،
فيقول: على مكانكم، ويقول:
(1/154)
"الله أكبر
الله أكبر. لا إله إلا الله والله أكبر الله
أكبر، ولله الحمد" رواه الدارقطني. وقاله علي
رضي الله عنه، وحكاه ابن المنذر عن عمر، وقال
أحمد: أختار تكبير ابن مسعود، وذكر مثله.
[ولا بأس بقوله لغيره: تقبل الله منا، ومنك]
نص عليه، قال: لا بأس به، يرويه أهل الشام عن
أبي أمامة، وواثلة بن الأسقع. وقال الشيخ تقي
الدين في الاقتضاء: فأما قصد الرجل مسجد بلده
يوم عرفة للدعاء والذكر، فهذا هو التعريف في
الأمصار الذي اختلف العلماء فيه، ففعله ابن
عباس، وعمرو بن حريث من الصحابة، وطائفة من
البصريين، والمدنيين، ورخص فيه أحمد، وإن كان
لا يستحبه. وكرهه طائفة من الكوفيين كإبراهيم
النخعى، وأبي حنيفة، ومالك، وغيرهم. ومن كرهه
قال: هو من البدع. ومن رخص فيه قال: فعله ابن
عباس بالبصرة، حين كان خليفة لعلى عليها، ولم
ينكرعليه، وما يفعل في عهد الخلفاء الراشدين
من غير إنكار لا يكون بدعة، لكن ما يزاد على
ذلك من رفع الأصوات فى المساجد، وأنواع الخطب،
والأشعار الباطلة، مكروه في هذا اليوم وغيره.
انتهى. ويسن الاجتهاد في العمل الصالح أيام
العشر.
(1/155)
باب صلاة
الكسوف
مدخل
...
باب صلاة الكسوف
[وهي سنة] مؤكدة لفعله، وأمره صلى الله عليه
وسلم.
[من غير خطبة] لأنه صلى الله عليه وسلم، أمر
بالصلاة دون الخطبة. وقال الشافعي: يخطب لها،
لحديث عائشة.
[ووقتها من ابتداء الكسوف إلى ذهابه] لقوله
صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتم شيئاً من ذلك
فصلوا حتى ينجلي" رواه مسلم.
[ولا تقضى إن فاتت] لما تقدم. ولم ينقل الأمر
بها بعد التجلي لفوات محلها.
[وهى ركعتان يقرأ في الأولى جهراً الفاتحة،
وسورة طويلة، ثم يركع طويلاً، ثم يرفع، فيسمع،
ويحمد، ولا يسجد بل يقرأ الفاتحة، وسورة
طويلة، ثم يركع، ثم يرفع، ثم يسجد سجدتين
طويلتين ثم يصلي الثانية كالأولى، ثم يتشهد
ويسلم]
كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم، في يوم شديد الحر، فصلى بأصحابه، فأطال
القيام حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال، ثم رفع
فأطال، ثم ركع فأطال، ثم سجد سجد تين، ثم قام،
فصنع نحو ذلك. فكانت أربع ركعات، وأربع سجدات
رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود. وعن عائشة قالت:
خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فبعث منادياً فنادى: الصلاة جامعة، وخرج
إلى المسجد
(1/156)
فصف الناس
وراءه، وصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع
سجدات متفق عليه.
[وإن أتى في كل ركعة بثلاثة ركوعات] فلا بأس،
لحديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم، لما
كسفت الشمس، صلى ست ركعات بأربع سجدات. رواه
أحمد، ومسلم، وأبو داود.
[أو أربع] فلا بأس، لحديث ابن عباس أن النبى
صلى الله عليه وسلم، صلى في كسوف ثماني ركعات
في أربع سجدات رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود،
والنسائي.
[أوخمس فلا بأس] لقول أبي بن كعب: كسفت الشمس
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى
بهم، فقرأ بسورة من الطول، وركع خمس ركعات
وسجدتين، ثم قام إلى الثانية، فقرأ بسورة من
الطول، وركع خمس ركعات وسجدتين رواه أبو داود،
وعبد الله بن أحمد في المسند.
[وما بعد الأول سنة لا تدرك به الركعة] لأنه
روي من غير وجه بأسانيد حسان من حديث سمرة،
والنعمان بن بشير، وعبد الله بن عمرو أنه صلى
الله عليه وسلم صلاها ركعتين، كل ركعة ركوع
رواها أحمد، والنسائي.
[ويصح أن يصليها كالنافلة] لما تقدم. ولا تصلى
وقت نهي، لعموم أحاديث النهي. ويؤيده قول
قتادة انكسفت الشمس بعد العصر ونحن بمكة،
فقاموا يدعون قياماً، فسألت عن ذلك عطاء،
فقال: هكذا كانوا يصنعون رواه الأثرم.
(1/157)
باب صلاة الاستسقاء
مدخل
...
باب صلاة الإستسقاء
[وهي سنة] لقول عبد الله بن زيد: خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم، يستسقى، فتوجه إلى
القبلة يدعو، وحول رداءه، وصلى ركعتين جهر
فيهما بالقراءة. متفق عليه.
[ووقتها، وصفتها، وأحكامها كصلاة العيد] لقول
ابن عباس: صلى النبي صلى الله عليه وسلم،
ركعتين كما يصلي في العيدين صححه الترمذي. وعن
جعفر بن محمد عن أبيه أن النبى صلى الله عليه
وسلم، وأبا بكر وعمر، كانوا يصلون صلاة
الإستسقاء، يكبرون فيها سبعاً وخمساً رواه
الشافعي، وعن ابن عباس نحوه، وزاد فيه: وقرأ
فى الأولى بسبح، وفى الثانية بالغاشية وقالت
عائشة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين
بدا حاجب الشمس رواه أبو داود. وذكر ابن عبد
البر: أن الخروج لها عند زوال الشمس عند جماعة
العلماء. وفي المغنى: لا تفعل وقت نهي بلا
خلاف.
[وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس،
وأمرهم بالتوبة، والخروج من المظالم] لأن
المعاصي سبب القحط، والتقوى سبب البركات قال
تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا
وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ
مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} الآية1.
ـــــــ
1 الأعراف من الآية /95.
(1/158)
[ويتنظف لها،
ولا يتطيب] ولا يلبس زينة، لأنه يوم استكانة
وخشوع.
[ويخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً متضرعاً]
لقول ابن عباس: خرج النبي صلى الله عليه وسلم،
للإستسقاء متذللاً متواضعاً متخشعاً متضرعاً.
صححه الترمذي.
[ومعه أهل الدين، والصلاح، والشيوخ] لأنه أسرع
للإجابة.
[ويباح خروج الأطفال، والعجائز، والبهائم] ولا
يستحب لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه
وسلم، روى الطبراني في معجمه بإسناده عن
الزهري أن سليمان عليه السلام، خرج هو وأصحابه
يستسقون، فرأى نملة قائمة رافعة قوائمها
تستسقي، فقال لأصحابه: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة
غيركم. وروى الطحاوي، وأحمد نحوه عن أبي
الصديق الناجي. وعن أبى هريرة مرفوعاً: خرج
نبي من الأنبياء يستسقي... وذكر نحوه. رواه
الدارقطني.
[والتوسل بالصالحين] بتقديمهم: يدعون ويؤمن
الناس على دعائهم، لفعل عمر بالعباس، ومعاوية
بيزيد بن الأسود الجرشي، واستسقى به الضحاك بن
قيس مرة أخرى.
[فيصلى، ثم يخطب خطبة واحدة] لأنه لم ينقل أنه
صلى الله عليه وسلم، خطب بأكثر منها.
[يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد] لقول ابن
عباس: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى
الإستسقاء، كما صنع فى العيد.
[ويكثر فيها الإستغفار، وقراءة آيات فيها
الأمر به] قال الشعبي:
(1/159)
خرج عمر
يستسقي، فلم يزد على الإستغفار. فقالوا: ما
رأيناك استسقيت ! فقال: لقد طلبت الغيث
بمجاديح السماء الذي يستنزل به المطر، ثم قرأ
{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ
غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ
مِدْرَاراً} الآية 1 {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ
ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} الآية2 رواه سعيد فى
سننه.
[ويرفع يديه، وظهورهما نحو السماء] من شدة
الرفع، لقول أنس: كان النبى صلى الله عليه
وسلم، لا يرفع يديه في شئ من دعائه إلا في
الإستسقاء، فإنه كان يرفع حتى يرى بياض إبطيه
متفق عليه. ولمسلم أن النبي، استسقى، فأشار
بظهر كفه إلى السماء.
[ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤمن
المأموم] كالقنوت.
[ثم يستقبل القبلة فى أثناء الخطبة، فيقول
سراً: اللهم إنك أمرتنا بدعائك، ووعدتنا
إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا
كما وعدتنا] لأنه صلى الله عليه وسلم حول إلى
الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثم حول
رداءه. متفق عليه.
[ثم يحول رداءه، فيجعل الأيمن على الأيسر،
والأيسرعلى الأيمن] نص عليه للإمام، والمأموم
في قول أكثر أهل العلم. لقول عبد الله بن زيد:
رأيت النبى صلى الله عليه وسلم، حين استسقى
أطال الدعاء، وأكثر المسألة. قال: ثم تحول إلى
القبلة، وحول رداءه، فقلبه ظهراً لبطن وتحول
الناس معه رواه أحمد.
ـــــــ
1 نوح من الآية/10-11.
2 هود من الآية/52.
(1/160)
[ويتركونه حتى
ينزعونه مع ثيابهم] لأنه لم يقل عنه عليه
السلام، ولا عن أحد من أصحابه أنهم غيروا
أرديتهم حين عادوا.
[فإن سقوا، وإلا عادوا ثانياً، وثالثاً] لحديث
"إن الله يحب الملحين في الدعاء" وقال أصبغ:
استسقي للنيل بمصر خمس وعشرين مرة متوالية،
وحضره ابن وهب، وابن القا سم، وجمع.
[ويسن الوقوف في أول المطر، والوضوء والاغتسال
منه، وإخراج رحله، وثيابه ليصيبها] لحديث أنس:
أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
مطر، فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: لم
صنعت هذا ؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه" رواه
مسلم، وأبو داود. وروي أنه عليه السلام، كان
يقول إذا سال الوادي: "اخرجوا بنا إلى هذا
الذي جعله الله طهوراً، فنتطهر به" .
[وإن كثر المطر حتى خيف منه سن قول "اللهم
حوالينا، ولا علينا اللهم على الآكام والظراب،
وبطون الأودية ومنابت الشجر"] لما في الصحيحين
من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال
ذلك
{رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ
لَنَا بِهِ} الآية1 لأنها تناسب الحال.
[وسن قول: مطرنا بفضل الله ورحمته. ويحرم بنوء
كذا] لما في الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني
قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم،
صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء كانت من
الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: "هل
تدرون ماذا قال ربكم؟
ـــــــ
1 البقرة من الآية/286.
(1/161)
قالوا: الله
ورسوله أعلم. قال: قال: "أصبح من عبادي مؤمن
بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله
ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكًوكب، وأما من
قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلكً كافر بي،
مؤمن بالكًوكب" قال في الفروع: وإضافة المطر
إلى النوء دون الله كفر إجماعاً.
[ويباح في نوء كذا] لأنه لا يقتضي الإضافة
للنوء، فلا يكره. خلافاً للآمدي. قاله في
الفروع.
(1/162)
|