منار السبيل في شرح الدليل

كتاب الجنائز
مدخل
...
كتاب الجنائز
[يسن الاستعداد للموت، والإكثارمن ذكره] لقوله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من ذكر هاذم اللذات" رواه البخاري.
[ويكره الأنين] لما روي عن عطاء أنه كرهه.
[وتمني الموت إلا لخوف فتنة] لحديث "لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه" الحديث متفق عليه. وفي الحديث "وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضني إليك غير مفتونً" .
[وتسن عيادة المريض المسلم] لحديث البراء أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، باتباع الجنائز، وعيادة المرضى. متفق عليه.
[وتلقينه عند موته: لا إله إلا الله، مرة] نص عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" رواه أحمد ومسلم.
[ولم يزد] فيضجره.
[إلا أن يتكلم] فيعيد تلقينه، لتكون آخر كلامه. لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" رواه أبو داود.
[وقراءة الفاتحة، ويس] قال أحمد: ويقرؤون عند الميت إذا حضر ليخفف عنه بالقرآن. وأمر بقراءة الفاتحة. وعن معقل بن يسار مرفوعاً: "اقرؤوا يس على موتاكم" رواه أبو داود.

(1/163)


[وتوجيهه إلى القبلة على جنبه الأيمن] لأن حذيفة قال: وجهوني إلى القبلة واستحبه مالك، وأهل المدينة، والأوزاعي، وأهل الشام. وقال صلى الله عليه وسلم، عن البيت الحرام: "قبلتكم أحياءً، وأمواتاً" رواه أبو داود.
[وقول: بسم الله، وعلى وفاة رسول الله] نص عليه. لما روى البيهقي عن بكر بن عبد الله المزني، ولفظه: "وعلى ملة رسول الله".
[ولا بأس بتقبيله، والنظر إليه ولو بعد تكفينه] لحديث عائشة، وابن عباس أن أبا بكر قبل النبي صلى الله عليه وسلم، بعد موته رواه البخاري والنسائي. وقالت عائشة: قبل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت الدموع تسيل على وجهه رواه أحمد، والترمذي، وصححه.

(1/164)


فصل في غسل الميت
[وغسل الميت فرض كفاية] إجماعاً، لقوله صلى الله عليه وسلم، في الذي وقصته ناقته: "اغسلوه بماء، وسدر، كفنوه في ثوبيه" متفق عليه.
[وشرط فى الماء الطهورية، والإباحة] كباقي الأغسال.
[وفى الغاسل: الإسلام، والعقل والتمييز] لأنها شروط في كل عبادة.
[والأفضل ثقة عارف بأحكام الغسل] ليحتاط فيه، ولقول ابن عمر لا يغسل موتاكم إلا المأمونون.
[والأولى به وصية العدل] لأن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله

(1/164)


امرأته أسماء بنت عميس، فقدمت بذلك وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين، ففعل.
[وإذا شرع في غسله ستر عورته وجوباً] قال في المغني: لا نعلم في ذلك خلافاً، لحديث علي: لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت رواه أبو داود.
[ثم يلف على يده خرقة فينجيه بها] لأن النظر إلى العورة حرام، فلمسها أولى.
[ويجب غسل ما به من نجاسة] لأن المقصود بغسله تطهيره حسب الإمكان.
[ويحرم مس عورة من بلغ سبع سنين] لما تقدم.
[وسن أن لا تمس سائر جسده إلا بخرقة] لما روي أن علياً غسل النبي صلى الله عليه وسلم، وبيده خرقة يمسح بها ما تحت القميص ذكره المروذي عن أحمد.
[وللرجل أن يغسل زوجته وأمته] لقوله صلى الله عليه وسلم، لعائشة: "لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك" رواه ابن ماجه. وغسل علي فاطمة رضي الله عنهما، ولم ينكره منكر فكان إجماعاً. قاله في الكافي.
[وبنتاً دون سبع] قاله القاضي، و أبو الخطاب وكرهه سعيد، و الزهري.
[وللمرأة غسل زوجها، وسيدها، وابن دون سبع] حكاه ابن المنذر إجماعاً، لحديث أبي بكرالسابق، وقالت عائشة: لواستقبلنا

(1/165)


من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا نساؤه رواه أحمد، وأبو داود ولما مات إبراهيم ابن النبى صلى الله عليه وسلم، غسله النساء.
[وحكم غسل الميت فيما يجب، ويسن كغسل الجنابة] لقوله صلى الله عليه وسلم، للنساء اللاتي غسلن ابنته: "ابدأن بميامنها، ومواضع الوضوء منها" رواه الجماعة.
[لكن لا يدخل الماء في فمه، وأنفه] فى قول الأكثر.
[بل يأخذ خرقة مبلولة، فيمسح بها أسنانه، ومنخريه] ليقوم مقام المضمضة، والاستنشاق. لحديث: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه مااستطعتم" .
[ويكره الإقتصار في غسله على مرة] قال أحمد: لا يعجبنى أن يغسل واحدة.
ولقوله صلى الله عليه وسلم، حين توفيت ابنته "اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء، وسدر" .
[إن لم يخرج منه شئ، فإن خرج وجب إعادة الغسل إلى سبع، فإن خرج بعدها حشي بقطن، فإن لم يستمسك فبطين حر، ثم يغسل المحل] قال أحمد: لا يزاد على سبع خرج منه شئ أو لم يخرج، ولكن يغسل النجاسة، ويحشو مخرجها بالقطن.
[ويوضأ وجوباً، ولا غسل] لجنب أحدث بعد غسله، لتكون طهارته كاملة.
[وإن خرج بعد تكفينه لم يعد الوضوء، ولا الغسل] لما فيه من الحرج.

(1/166)


[وشهيد المعركة] لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه. لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم. ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم رواه البخاري.
[والمقتول ظلماً لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه] لحديث سعيد بن زيد مرفوعاً: "من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد" رواه أبو داود، والترمذي، وصححه. وعنه: يغسل ويصلى عليه، لأن ابن الزبير غسل، وصلي عليه. فأما الشهيد بغير قتل كالمطعون، والمبطون، فيغسل. لا نعلم فيه خلافاً. قاله في المغني.
[ويجب بقاء دمه عليه] لأمره صلى الله عليه وسلم، بدفن شهداء أحد بدمائهم.
[ودفنه في ثيابه] لحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد، والجلود، وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم رواه أبو داود، وابن ماجه. فإن سلب ثيابه كفن في غيرها. لأن صفية أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثوبين ليكفن حمزة فيهما، فكفنه في أحدهما، وكفن في الآخر رجلاً آخر قال يعقوب بن شيبة: هو صالح الإسناد.
[وإن حمل فأكل، أو شرب، أو نام أو بال أو تكلم، أو عطس، أو طال بقاؤه عرفاً] فهو كغيره يغسل، ويصلى عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم، غسل سعد بن معاذ، وصلى عليه، وكان شهيداً وصلى المسلمون على عمر، وعلي، وهما شهيدان. قاله في المغني.
[أوقتل وعليه ما يوجب الغسل من نحو جنابة فهو كغيره] لأن

(1/167)


النبي صلى الله عليه وسلم، قال يوم أحد: "ما بال حنظلة بن الراهب؟ إنى رأيت الملائكة تغسله" ! قالوا: إنه سمع الهايعة، فخرج وهو جنب، ولم يغتسل رواه الطيالسى. وإن سقط من دابته، أوتردى من شاهق، أو وجد ميتاً لا أثر به، غسل، وصلي عليه. نص عليه، لأنه ليس بقتيل الكفار. وتأول أحمد قوله صلى الله عليه وسلم: "ادفنوهم بكلومهم" وإن سقط من الميت شئ غسل، وجعل معه في أكفانه. فعلته أسماء بابنها فإن لم يوجد إلا بعض الميت غسل، وصلى عليه، لإجماع الصحابة. قال أحمد: صلى أبو أيوب على رجل وصلى عمر على عظام بالشام وصلى أبو عبيدة على رؤوس بالشام رواهما عبد الله بن أحمد. وقال الشافعي: ألقى طائر يداً بمكة من وقعة الجمل، عرفت بالخاتم، فكانت يد عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فصلى عليها أهل مكة.
[وسقط لأربعة أشهر، كالمولود حياً] يغسل، ويصلى عليه. نص عليه لحديث المغيرة مرفوعاً "والسقط يصلى عليه" رواه أبو داود، والترمذي، وصححه، ولفظه: "والطفل يصلى عليه" وذكره أحمد، واحتج به.
[ولا يغسل مسلم كافراً، ولو ذمياً، ولا يصلى عليه، ولا يتبع جنازته] لأن في ذلك تعظيماً له وقد قال تعالى: {لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} 1.
[بل يوارى لعدم من يواريه] من الكفار كما فعل بأهل القليب يوم
ـــــــ
1 الممتحنة من الآية/13.

(1/168)


بدر. وعن علي، رضي الله عنه، قال: قلت للنبي، صلى الله عليه وسلم، إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال: "اذهب فواره" رواه أبو داود، والنسائي.

(1/169)


فصل في تكفينه
[وتكفينه فرض كفاية] لقوله صلى الله عليه وسلم "كفنوه في ثوبيه" متفق عليه.
[والواجب ستر جميعه] لقول أم عطية: فلما فرغنا ألقى إلينا حقوه فقال: "أشعرنها إياه"، ولم يزد على ذلك رواه البخاري.
[سوى رأس المحرم، ووجه المحرمة] لقوله: "ولا تخمروا رأسه" .
[بثوب لا يصف البشرة] ليستره.
[ويجب أن يكون من ملبوس مثله] لأنه لا إجحاف به على الميت، ولا على ورثته.
[ما لم يوصى بدونه] لأن الحق له، وقد تركه. وقد أوصى أبو بكر الصديق أن يكفن في ثوبين، كان يمرض فيهما رواه البخاري.
[والسنة تكفين الرجل في ثلاث لفائف بيض من قطن] قال الترمذي: العمل عليه عند أكثر أهل العلم.
[تبسط على بعضها، ويوضع عليها مستلقياً، ثم يرد طرف العليا من الجانب الأيسر على شقه الأيمن، ثم طرفها الأيمن على الأيسر، ثم الثانية، ثم الثالثة كذلك] لقول عائشة: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ثلاث أثواب بيض سحولية جدد يمانية، ليس فيها قميص ولا عمامة، أدرج فيها إدراجاً. متفق عليه.

(1/169)


[والأنثى فى خمسة أثواب من قطن: إزار، وخمار، وقميص، ولفافتين] لحديث ليلى بنت قائف الثقفية قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم، ابنة النبى صلى الله عليه وسلم، عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحقا، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر رواه أبو داود.
[والصبي في ثوب واحد] واحد لأنه دون الرجل.
[ويباح فى ثلاثة] ما لم يرثه غير مكلف.
[والصغيرة فى قميص، ولفافتين] بلا خمار، نص عليه.
[ويكره التكفين بشعر، وصوف] لأنه خلاف فعل السلف.
[ومزعفر، ومعصفر] ولو لامرأة، لعدم وروده عن السلف.
[ومنقوش] لذلك، ولأنه لا يليق بالحال.
[ويحرم بجلد] لأمره صلى الله عليه وسلم، بنزع الجلود عن الشهداء.
[وحرير ومذهب] لتحريمه على الذكور في الحياة، ويكره تكفين المرأة بالحرير.

(1/170)


فصل في الصلاة عليه
[والصلاة عليه فرض كفاية] لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا على أطفالكم فإنهم أفراطكم" وقوله في الغال: "صلوا على صاحبكم" وقوله: "إن صاحبكم النجاشي قد مات فقوموا فصلوا عليه" وقوله: "صلوا على من قال: لا إله إلا الله" والأمر للوجوب.
[وتسقط بمكلف، ولو أنثى] لأنها صلاة ليس من شرطها الجماعة، فلم يشترط لها العدد.
[وشروطها ثمانية: النية، والتكليف، واستقبال القبلة، وستر العورة، واجتناب النجاسة] لأنها من الصلوات، فأشبهت سائرهن.
[وحضور الميت، إن كان بالبلد] فلا تصح على جنازة محمولة، أو من وراء جدار.
[وإسلام المصلى، والمصلى عليه، وطهارتهما ولو بتراب لعذر] لما تقدم. ولا يصلى على كافر لقوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً} 1 .
[وأركانها سبعة: القيام في فرضها] لأنها صلاة وجب القيام فيها، كالظهر.
[والتكبيرات الأربع] لأن النبي صلى الله عليه وسلم، كبر على النجاشي أربعاً متفق عليه.
ـــــــ
1 التوبة/85.

(1/171)


[وقراءة الفاتحة] لعموم حديث: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن" وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بأم القرآن وقال: لأنه من السنة، أو من تمام السنة رواه البخاري.
[والصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم] لما يأتي.
[والدعاء للميت] لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء" رواه أبو داود.
[والسلام] لعموم حديث "وتحليلها التسليم" .
[والترتيب] لما يأتي.
[لكن لا يتعين كون الدعاء في الثالثة، بل يجوز بعد الرابعة. وصفتها: أن ينوي، ثم يكبر، ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر، ويصلي على محمد، كفي التشهد1 ثم يكبر، ويدعو للميت بنحو: اللهم ارحمه، ثم يكبر، ويقف بعدها قليلاً، ويسلم] لما روي أنه صلى الله عليه وسلم، قال: "إن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى، ويقرأ في نفسه، ثم يصلي على النًبي صلى الله عليه وسلم، ويخلص الدعاء للجنازة في التًكبيرتين، ولا يقرأ في شئ منه، ثم يسلم سراً في نفسه" رواه الشافعي في مسنده، والأثرم، وزاد: السنة أن يفعل من وراء الإمام مثل ما يفعل إمامهم. وروى الجوزجاني عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يكبر على الجنازة أربعاً، ثم يقول ما شاء الله، ثم ينصرف قال الجوزجاني: كنت أحسب هذه الوقفة ليكبر آخر الصفوف.
ـــــــ
1 إن قول المؤلف: "كفي" مشكل لأن الحرف في لا يكون اسماً مطلقاً – كما يقرر ابن هشام – بذلك لا يجوز أن يدخل عليه حرف جر آخر. وأما [الكاف] فقد تكون اسمية غير أن الشواهد الواردة على اسميتها بعيدة عن هذا التركيب، فتأمل.

(1/172)


[وتجزئ واحدة] عن يمينه. قال الإمام أحمد: عن ستة من الصحابة، وليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم.
[ولو لم يقل ورحمة الله] لما روى الخلال، وحرب، عن على، رضي الله عنه أنه صلى على زيد بن الملفق، فسلم واحدة عن يمينه. السلام عليكم.
[ويجوز أن يصلى على الميت من دفنه إلى شهر وشئ] قليل كيوم، ويومين. قال أحمد: ومن يشك في الصلاة على القبر؟ يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، من ستة وجوه كلها حسان وقال: أكثر ما سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أم سعد بن عبادة بعد شهر.
[ويحرم بعد ذلك] نص عليه، لأنه لا يتحقق بقاؤه على حاله بعد ذلك، ويصلى على الغائب بالنية لصلاته عليه السلام على النجاشي. قال في الاختيارات: ولا يصلى كل يوم على غائب، لأنه لم ينقل. يؤيده قول الإمام أحمد: إذا مات رجل صالح صلي عليه، واحتج بقصة النجاشي.

(1/173)


فصل في حمله ودفنه
[وحمله ودفنه فرض كفاية] لقوله تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} 1 قال ابن عباس: أكرمه بعد دفنه ولأن في تركهما هتكاً لحرمتها، وأذى للناس بها.
ـــــــ
1 عبس/21.

(1/173)


[لكن يسقط الحمل والدفن والتكفين بالكافر] 1 لأن فاعلها لا يختص بكونه من أهل القربة.
[ويكره اًخذ الأجر على ذلك، وعلى الغسل] لأنها عبادة.
[وسن كون الماشى أمام الجنازة] لقول ابن عمر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر يمشون أمام الجنازة رواه أبو داود.
[والراكب خلفها] لحديث المغيرة بن شعبة مرفوعاً: "الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها" صححه الترمذي.
[والقرب منها أفضل] كالإمام في الصلاة.
[ويكره القيام لها] لقول علي: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قعد رواه مسلم.
[ورفع الصوت معها، ولو بالذكر والقرآن] لحديث: "لا تتبع الجنازة بصوت، ولا نار" رواه أبو داود.
[وسن أن يعمق القبر، ويوسع بلا حد] لقوله صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد: "احفروا، وأوسعوا، وأعمقوا" رواه أبو داود، والترمذي، وصححه. وقوله للحافر: "أوسع من قبل الرأس، وأوسع من قبل الرجلين" رواه أحمد، وأبو داود. قال أحمد: يعمق إلى الصدر، لأن الحسن، وابن سيرين كانا يستحبان ذلك.
[ويكفي ما يمنع، السباع، والرائحة] لأنه حصل به المقصود.
[وكره إدخال الخشب وما مسته نار] كآجر تفاؤلاً أن
ـــــــ
1 هذه الجملة كانت غير واضحة في الأصل وصححت من مخطوطات المتن.

(1/174)


لا يمس الميت نار. وقال إبراهيم النخعي: كانوا يستحبون اللبن، ويكرهون الخشب، والآجر.
[ووضع فراش تحته، وجعل مخدة تحت رأسه] نص عليه، لما روي عن ابن عباس أنه كره أن يلقى تحت الميت في القبر شئ ذكره الترمذي، وعن أبي موسى لا تجعلوا بيني، وبين الأرض شيئاً.
[وسن قول مدخله القبر: "بسم الله، وعلى ملة رسول الله"] رواه أحمد، والترمذي وقال: حسن غريب.
[ويجب أن يستقبل به القبلة] لقوله صلى الله عليه وسلم، في الكعبة: "قبلتكم أحياء، وأمواتاً" ولأنه طريقة المسلمين بنقل الخلف عن السلف.
[ويسن على جنبه الأيمن] لأنه يشبه النائم، وهذه سنته.
[ويحرم دفن غيره عليه أو معه] لأن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يدفن كل ميت في قبر" .
[إلا لضرورة] لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كثر القتلى يوم أحد، كان يجمع بين الرجلين في القبر الواحد، ويسأل أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فيقدمه فى اللحد حديث صحيح.
[وسن حثو التراب عليه ثلاثاً، ثم يهال] لحديث أبي هريرة قال فيه: فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثاً. رواه ابن ماجه. وللدارقطني معناه من حديث عامر بن ربيعة، وزاد وهو قائم.
[واستحب الأكثر تلقينه بعد الدفن] لحديث أبي أمامة فيه. رواه أبو بكر عبد العزيز في الشافي، ويؤيده حديث "لقنوا موتاكم لا إله

(1/175)


إلا الله" وسئل أحمد عنه، فقال: ما رأيت أحداً يفعله إلا أهل الشام. قال: وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه. وفي الإختيارات: الأقوال فيه ثلاثة: الكراهة، والاستحباب، والإباحة وهو أعدلها.
[يسن رش القبر بالماء] لأن النبي صلى الله عليه وسلم، رش على قبر ابنه إبراهيم ماء، ووضع عليه حصباء رواه الشافعي.
[ورفعه قدر شبر] لحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض قدر شبر. رواه الشافعي.
[ويكره تزويقه، وتجصيصه، وتبخيره] لقول جابر نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يقعد عليه رواه مسلم، زاد الترمذي وأن يكتب عليها.
[وتقبيله، والطواف به] والصحيح تحريمه، لأنه من البدع، وقد روي أن ابتداء عبادة الأصنام تعظيم الأموات.
[والإتكاء إليه] لما روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى رجلاً قد اتكأ على قبر، فقال: "لا تؤذه" .
[والمبيت والضحك عنده، والحديث في أًمر الدنيا] لأنه غير لائق بالحال.
[والكتابة عليه، والجلوس، والبناء] لما تقدم. فإن كان البناء مشرفاً وجب هدمه، لقوله صلى الله عليه وسلم، لعلي: "لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته" رواه مسلم.

(1/176)


[والمشي بالنعل، إلا لخوف شوك، ونحوه] لحديث بشير بن الخصاصية قال: بينا أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان، فقال: "يا صاحب السبتيتين اًلق سبتيتيك" 1 فنظر الرجل، فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلعهما، فرمى بهما. رواه أبو داود. قال أحمد: إسناده جيد.
[ويحرم إسراج المقابر، والدفن بالمساجد] وكذا بناء المساجد على القبور لقول ابن عباس: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد، والسرج رواه أبو داود، والنسائي.
[وفي ملك الغير، وينبش] ما لم يأذن مالكه.
[والدفن بالصحراء أفضل] لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع ولم تزل الصحابة والتابعون، ومن بعدهم، يقبرون في الصحارى.
[وإن ماتت الحامل حرم شق بطنها] لأنه هتك حرمة متيقنة لإبقاء حياة متوهمة، واحتج أحمد بحديث عائًشة مرفوعاً: "كسر عظم الميت ككسر عظم الحي" رواه أبو داود، ورواه ابن ماجه عن أم سلمة، وزاد: "في الإثم".
[وأخرج من النساء من ترجى حياته] بأن كان يتحرك حركة قوية، وانفتحت المخارج، وله ستة أشهر فأكثر، ولا يشق بطنها، لما تقدم.
ـــــــ
1 الرواية الصحيحة "يا صاحب السبتيتين ألقهما" والتعال السبتية من السبت وهو الحلق لأن شعرها قد حلق عنها، والمراد بها جلود البقر وكل جلد مدبوغ.

(1/177)


[فإن تعذر لم تدفن حتى يموت] الحمل لحرمته.
[وإن خرج بعضه حياً شق الباقى] لتيقن حياته بعد أن كانت متوهمة.

(1/178)


فصل في التعزية وزيارة القبور
[تسن تعزية المسلم] لحديث عمرو بن حزم مرفوعاً: "ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الجنة" رواه ابن ماجه. وعن ابن مسعود مرفوعاً: "من عزى مصاباً فله مثل أجره" رواه ابن ماجه، والترمذي، وقال: غريب.
[إلى ثلاثة أيام] بلياليهن لأنها مدة الإحداد المطلق. قال المجد: إلا إذا كان غائباً فلا بأس بتعزيته إذا حضر.
[فيقال له: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك] لأن الغرض الدعاء للمصاب، وميته، وروى حرب عن زرارة بن أبي أوفى قال: عزى النبي صلى الله عليه وسلم، رجلاً على ولده فقال "آجرك الله وأعظم لك الأجر" .
[ويقول هو: استجاب الله دعاءك، ورحمنا الله وإياك] رد به الإمام أحمد رحمه الله.
[ولا بأس بالبكاء على الميت] لقوله صلى الله عليه وسلم "إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب. ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه – ويرحم" متفق عليه.
وأخبار النهي محمولة على بكاء معه ندب، أو نياحة. قال المجد: إنه كره كثرة البكاء والدوام عليه أياماً كثيرة.

(1/178)


[ويحرم الندب: وهو البكاء مع تعداد محاسن الميت، والنياحة: وهي رفع الصوت بذلك برنة] لقوله تعالى: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} 1 قال أحمد: هو النوح، فسماه معصية، وقالت أم عطية: أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم، في البيعة أن لا ننوح متفق عليه. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم، لعن النائحة والمستمعة.
[ويحرم شق الثوب، ولطم الخد، والصراخ، ونتًف الشعر، ونشره، وحلقه] لحديث ابن مسعود مرفوعاً: "ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية" وعن أبى موسى أن النبى صلى الله عليه وسلم، برئ من الصالقة2، والحالقة، والشاقة متفق عليهما.
[وتسن زيارة القبور للرجال] نص عليه، وحكاه النووي إجماعاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، فإنها تذكركم الموت" رواه مسلم. وللترمذي "فإنها تذكر الآخرة" وهذا التعليل يرجح أن الأمرللإستحباب، وإن كان وارداً بعد الحظر. بلا سفر لعدم نقله، وللحديث الصحيح: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد" .
[وتكره للنساء] لأن النهي المنسوخ يحتمل أنه خاص بالرجال،
ـــــــ
1 الممتحنة من الآية/12.
2 الصلق، كما في اللسان: الصوت الشديد. وفي الحديث "ليس منا من صلق أو حلق" أي: ليس منا من رفع صوته عند المصيبة ولا من حلق شعره.

(1/179)


فدار بين الحظر والإباحة، فأقل أحواله الكراهة، ويؤيده حديث ابن عباس مرفوعاً: "لعن الله زوارات القبور" رواه أهل السنن. قال في الكافي: فلما زال التحريم بالنسخ بقيت الكراهة، ولأن المرأة قليلة الصبر، فلا يؤمن تهيج حزنها برؤية قبور الأحبة، فيحملها على فعل ما لا يحل لها فعله، بخلاف الرجل. انتهى. وعنه: لا يكره لعموم قوله "فزوروها" ولأن عائشة زارت قبر أخيها عبد الرحمن رضي الله عنهما رواه الأثرم.
[وإن اجتازت المرأة بقبر فى طريقها، فسلمت عليه، ودعت له فحسن] لأنها لم تخرج لذلك.
[وسن لمن زار القبور أو مر بها أن يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، ويرحم الله المستقدمين منكم، والمستأخرين. نسأل الله لنا ولكم العافية. اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفرلنا ولهم] للأخبار الواردة بذلك عن أبي هريرة، وبريدة، وغيرهما رواها أحمد، ومسلم. وقوله إن شاء الله للتبرك، أو في الموت على الإسلام، أو في الدفن عندهم.
[وابتداء السلام على الحي سنة] لحديث "أفشوا السلام" وما بمعناه.
[ورده فرض كفاية] فإن كان واحداً تعين عليه لقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} 1 وعن علي مرفوعاً: "يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم" رواه أبو داود.
ـــــــ
1 النساء من الآية/85.

(1/180)


[وتشميت العاطس إذا حمد فرض كفاية، ورده فرض عين] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا عطس أحدكم، فحمد الله، فحق على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله" وعنه أيضاً: "إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله على كل حال، وليقل أخوه، أو صاحبه: يرحمك الله، ويقول هو: يهديكم الله ويصلح بالكم" رواه أبو داود.
[ويعرف الميت زائره يوم الجمعة قبل طلوع الشمس] قاله أحمد.
وفي الغنية: يعرفه كل وقت، وهذا الوقت آكد. وقال ابن القيم: الأحاديث، والآثار تدل على أن الزائر متى جاء علم به المزور، وسمع كلامه وأنس به. وهذا عام في حق الشهداء، وغيرهم، وأنه لا توقيت في ذلك. انتهى.
[ويتأذى بالمنكر عنده، وينتفع بالخير] قال الشيخ تقي الدين: استفاضت الآثار بمعرفة الميت بأحوال أهله، وأصحابه في الدنيا، وأن ذلك يعرض عليه، وجاءت الآثار بأنه يرى أيضاً، وبأنه يدري بما فعل عنده، ويسر بما كان حسناً، ويتألم بما كان قبيحاً. انتهى.

(1/181)