منار
السبيل في شرح الدليل كتاب الجهاد
مدخل
مدخل
...
كتاب الجهاد
[وهو فرض كفاية] لقوله تعالى: {كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ...} 1 وقوله:
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ...} 2 مع
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ
لِيَنْفِرُوا كَافَّةً...} 3 قال ابن عباس:
إنها ناسخة لقوله: {انْفِرُوا خِفَافاً
وَثِقَالاً} 4 رواه أبو داود. فإذا قام به من
يكفي سقط عن الباقين، وإلا أثموا كلهم.
[ويسن مع قيام من يكفي به] للآيات والأحاديث،
منها حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم،
قال: "لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من
الدنيا وما فيها" متفق عليه. وعن أبي عبس
الحارثي مرفوعاً: "من اغبرت قدماه في سبيل
الله حرمه الله على النار" رواه أحمد
والبخاري. وعن ابن أبي أوفى مرفوعا: "إن الجنة
تحت ظلال السيوف" رواه أحمد والبخاري.
[ولا يجب إلا على ذكر] لحديث عائشة قلت: يا
رسول الله، هل على النساء جهاد؟ قال: "جهاد لا
قتال فيه الحج والعمرة" وفي لفظ "لكن أفضل
الجهاد حج مبرور" رواه أحمد والبخاري.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/216.
2 البقرة من الآية/190.
3 التوبة من الآية/123.
4 التوبة من الآية/42.
(1/282)
[مسلم مكلف]
كسائر العبادات، وعن ابن عمر قال: عرضت على
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا
ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني أي: في المقاتلة.
متفق عليه. وفي لفظ وعرضت عليه يوم الخندق
فأجازني.
[الصحيح] أي: سليم من العمى والعرج والمرض،
لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ
وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ...} 1 وقوله:
{...غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ...} 2 وقوله:
{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى
الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ
مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} 3 الآية.
[واجد من المال ما يكفيه ويكفي أهله في غيبته]
للآية.
[ويجد مع مسافة قصر ما يحمله] لقوله تعالى:
{وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ
لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا
أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا
وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ
حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} 4
ولا يجب على العبد، لأنه لا يجد ما ينفق،
فيدخل فى عموم الآية. ويتعين إذا تقابل
الصفان، وإذا نزل العدو ببلدة، لقوله تعالي:
{...إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا}
الآية5 وقوله: {... فَلا تُوَلُّوهُمُ
الْأَدْبَارَ...} الآية 6 وقوله:
ـــــــ
1 النور من الآية/61. والفتح من الآية/ 17.
2 النساء من الآية/ 94.
3 التوبة من الآية/ 91.
4 التوبة من الآية/ 92.
5 الأنفال من الآية/ 45.
6 الأنفال من الآية/15.
(1/283)
{قَاتِلُوا
الَّذِينَ يَلُونَكُمْ} 1 وإذا استنفرهم
الإمام، لقوله تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ
لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} 2 وقوله صلى
الله عليه وسلم: "وإذا استنفرتم فانفروا" متفق
عليه.
[وسن تشيع الغازي لا تلقيه] نص عليه لأن
علياً، رضي الله عنه، شيع النبي صلى الله عليه
وسلم، في غزوة تبوك ولم يتلقه احتج به أحمد.
وعن سهل بن معاذ عن أبيه عن النبي صلى الله
عليه وسلم، أنه قال: "لأن أشيع غازياً،
فأكفيه3 في رحلة غدوة أو روحة أحب إلي من
الدنيا وما فيها" رواه أحمد وابن ماجه. وعن
أبي بكر الصديق أنه شيع يزيد بن أبي سفيان حين
بعثه إلى الشام... الخبر. وفيه: "إني أحتسب
خطاي هذه في سبيل الله" وشيع الإمام أحمد أبا
الحارث ونعلاه في يده. ذهب إلى فعل أبي بكر
أراد أن تغبر قدماه في سبيل الله وشيع النبي
صلى الله عليه وسلم النفر الذين وجههم إلى كعب
ابن الأشرف إلى بقيع الغرقد4 رواه أحمد. وفي
التلقي وجه كالحاج، لحديث السائب بن يزيد قال:
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، من
غزوة تبوك خرج الناس يتلقونه من ثنية الوداع.
قال السائب: فخرجت مع الناس وأنا غلام رواه
أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وللبخاري نحوه.
[وأفضل متطوع به الجهاد] لما تقدم. وعن أبي
سعيد الخدري قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس
أفضل؟ قال: "مؤمن يجاهد في سبيل
ـــــــ
1 التوبة من الآية/ 124.
2 التوبة من الآية/ 38.
3 في الأصل [فأكنفه على] وما أثبتناه هو
الصحيح.
4 الغرقد: شجر عظام، هو من العضاه، واحدته
غرقدة، ومنه قيل لمقبرة أهل المدينة بقيع
الغرقد، لأنه كان فيه غرقد وقطع.
(1/284)
الله بنفسه
وماله" متفق عليه. وذكر للإمام أحمد أمر
الغزو، فجعل يبكي ويقول: ما من أعمال البر
أفضل منه، ولأن نفعه عظيم وخطره كبير، فكان
أفضل مما دونه.
[وغزو البحر أفضل] لأنه أعظم خطراً، ولحديث أم
حرام مرفوعاً: "المائد في البحر - أي الذي
يصيبه القئ - له أجر شهيد، والغرق له أجر
شهيدين" رواه أبو داود. وعن أبي أمامة سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "شهيد
البحر مثل شهيدي البر، والمائد في البحر
كالمتشحط في دمه في البر، وما بين الموجتين
كًقاطع الدنيا في طاعة الله وإن الله وكل ملك
الموت بقًبض الأرواح، إلا شهيد البحر فإنه
يتولى قبض أرواحهم، ويغفر لشهيد البر الذنوب
كلها إلا الدين، ويغفر لشهيد البحر الذنوب
والدين" رواه ابن ماجه.
[وتكفر الشهادة جميع الذنوب سوى الدين] لحديث
عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم، قال: "يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا
الدين" رواه مسلم. قال الشيخ تقى الدين: وغير
مظالم العباد: كقتل، وظلم، و زكاة، وحج
أخرهما.
[ولا يتطوع به مدين لا وفاء له إلا بإذن
غريمه] لحديث أبي قتادة وفيه "أرأيت إن قتلت
في سبيل الله تكفر عني خطاياي؟ فقال صلى الله
عليه وسلم: "نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير
مدبر، إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك" رواه
أحمد ومسلم.
[ولا من أحد أبويه حر مسلم إلا بإذنه] لقول
ابن مسعود سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة
(1/285)
على وقتها" .
قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين" . قلت: ثم أي؟
قال "الجهاد في سبيل الله" متفق عليه. وعن ابن
عمر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه
وسلم، فاستأذنه في الجهاد، فقال: "أحي
والداك؟" قال: نعم. قال: "ففيهما فجاهد" رواه
البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه.
[ويسن الرباط: وهو لزوم الثغر للجهاد] سمي
بذلك لأن هؤلاء يربطون خيولهم، وهؤلاء كذلك،
لحديث سلمان مرفوعاً: "رباط ليلة في سبيل الله
خير من صيام شهر، وقيامه، فإن مات أجري عليه
عمله الذي كان يعمله، وأجري علًيه رزقه، وأمن
الفًتان" 1 رواه مسلم.
[وأقله ساعة] قال الإمام أحمد: يوم رباط،
وليلة رباط، وساعة رباط.
[وتمامه أربعون يوماً] يروى عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: "تمام الرباط أربعون
يوماً" أخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب. ويروى
ذلك عن ابن عمر، وأبي هريرة.
[وهو أفضل من المقام بمكة] ذكره الشيخ تقي
الدين إجماعاً. والصلاة بالمساجد الثلاثة أفضل
من الصلاة بالثغر. قال الإمام أحمد: فأما فضل
الصلاة فهذا شئ خاصة لهذه المساجد.
[وأفضله ما كان أشد خوفاً] قال الإمام أحمد:
أفضل الرباط أشدهم كلباً، ولأن المقام به
أنفع، وأهله أحوج.
[ولا يجوز للمسلمين الفرار من مثليهم ولو
واحداً من اثنين] لقوله تعالى: {وَمَنْ
يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا
مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً
إِلَى
ـــــــ
1 الفتان: بالفتح هو الشيطان، لأنه يفتن الناس
عن دينهم. كذا في النهاية. ويطلق على غيره.
(1/286)
فِئَةٍ فَقَدْ
بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ...} الآية 1 وعد
النبي صلى الله عليه وسلم، الفرار من الزحف من
الكبائر والتحرف للقتال: هو أن ينصرف من ضيق
إلى سعة، أو من سفل إلى علو، أو من استقبال
ريح أو شمس إلى استدبارهما، ونحو ذلك. والتحيز
إلى فئة: ينضم إليها ليقاتل معها سواء قربت أو
بعدت، لحديث ابن عمر، وفيه: فلما خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قبل صلاة الفجر قمنا
فقلنا له: نحن الفرارون؟ فقال: "لا بل أنتم
العكارون2. أنا فئة كل مسلم" رواه الترمذي.
وعن عمر قال: أنا فئة كل مسلم وقال لو أن أبا
عبيدة تحيز إلي لكنت له فئة، وكان أبو عبيدة
بالعراق رواه سعيد.
[فإن زادوا على مثليهم جاز] لمفهوم قوله
تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ
وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ
مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا
مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ
يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} 3 وقال ابن عباس: من
فر من اثنين فقد فر، ومن فر من ثلاثة فما فر
يعني: فراراً محرماً.
[والهجرة واجبة على كل من عجز عن إظهار دينه
بمحل يغلب فيه حكم الكفر، والبدع المضلة] بحيث
يمنع من فعل الواجبات، لأن ما لا يتم الواجب
إلا به واجب، وكذا إن خاف الإكراه على الكفر،
لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ
ـــــــ
1 الأنفال من الآية/ 16.
2 قيل: هو الذين يعطفون إلى الحرب، وقيس: إذا
حاد الإنسان عن الحرب ثم عاد إليها، قال في
القاموس: الكرار العطاف.
3 الأنفال من الآية/ 66.
(1/287)
تَوَفَّاهُمُ
الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا
فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا
مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ
تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً
فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} 1 وعنه صلى الله عليه
وسلم: "أنا برئ من مسلم بين ظهري مشركين لا
تراءى نارهما" رواه أبو داود والترمذي. وعن
معاوية وغيره مرفوعاً: "لا تنقطع الهجرة حتى
تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع
الشمس من مغربها" رواه أبو داود. وأما حديث
"لا هجرة بعد الفتح" أي: من مكة. ومثلها كل
بلد فتح لأنه لم يبق بلد كفر.
[فإن قدرعلى إظهار دينه فمسنون] أي استحب له
الهجرة ليتمكن من الجهاد وتكثير عدد المسلمين.
قاله في الشرح.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 96.
(1/288)
فصل في حكم
الأسارى
[والأسارى من الكفارعلى قسمين: قسم يكون
رقيقاً بمجرد السبي: وهم النساء والصبيان]
لأنهم مال لا ضرر في اقتنائه فأشبهوا البهائم،
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل
النساء والصبيان رواه الجماعة إلا النسائي.
ولحديث سبي هوازن رواه أحمد والبخاري. وحديث
عائشة في سبايا بني المصطلق رواه أحمد.
[وقسم لا: وهم الرجال البالغون المقاتلون.
والإمام فيهم مخير بين قتل، ورق، ومن، وفداء
بمال، أو بأسير مسلم] لقوله تعالى:
{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 2 قتل النبي صلى
الله عليه وسلم، رجال بني قريظة وهم بين الست
مائة والسبع مائة وقتل يوم بدر النضر بن
الحارث، وعقبة بن أبي معيط صبراً وقتل يوم أحد
أبا عزة الجمحي
ـــــــ
2 التوبة من الآية/ 6.
(1/288)
وأما الرق
فلأنه يجوز إقرارهم بالجزية فبالرق أولى، لأنه
أبلغ في صغارهم. وأما المن فلقوله تعالى:
{فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}
الآية1 ولأنه صلى الله عليه وسلم، من على
ثمامة بن أثال، وعلى أبي عزة الشاعر، وعلى أبي
العاص بن الربيع وأما الفداء فلأنه صلى الله
عليه وسلم، فدى رجلين من أصحابه برجل من
المشركين من بني عقيل رواه أحمد والترمذي
وصححه. وفدى أهل بدر بمال رواه أبو داود.
[ويجب عليه فعل الأصلح] فمتى رأى المصلحة
للمسلمين في إحدى الخصال تعينت عليه، لأنه
ناظر للمسلمين، وتخييره تخيير اجتهاد لا شهوة.
[ولا يصح بيع مسترق منهم لكافر] نص عيله، لما
روي أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كتب إلى
أمراء الأمصار ينهاهم عنه ولأن في بقائهم
رقيقاً للمسلمين تعريضاً لهم بالإسلام.
[ويحكم بإسلام من لم يبلغ من أولاد الكفار عند
وجود أحد ثلاثة أسباب: أحدها: أن يسلم أحد
أبويه خاصة] لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ
بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ} 2
[الثاني: أن يعدم أحدهما بدارنا] لمفهوم حديث:
"كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه،
أو ينصرانه، أو يمجسانه" رواه مسلم. وقد
انقطعت تبعيته لأبويه بانقطاعه عن أحدهما
وإخراجه من دارهما إلى دار الإسلام.
ـــــــ
1 محمد من الآية/ 4.
2 الطور من الآية/ 21.
(1/289)
[الثالث: أن
يسبيه مسلم منفرداً عن أحد أبويه] قال في
الشرح: والسبي من الأطفال منفرداً يصير مسلماً
إجماعاً.
[فإن سباه ذمي فعلى دينه] قياساً على المسلم.
[أوسبي مع أبويه فعلى دينهما] للحديث السابق.
(1/290)
[وأما نفقته
ورحله وخيمته وجنيبه فغنيمة] لأن السلب ما
عليه حال قتله، أو ما يستعان به في القتال.
[وتقسم الغنيمة بين الغانمين، فيعطى لهم أربعة
أخماسها] إجماعاً. قاله في الشرح لقوله تعالى:
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ
فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ...} 1 ولأن النبي
صلى الله عليه وسلم، قسم الغنائم كذلك.
[للراجل سهم، وللغازي على فرس هجين سهمان،
وعلى فرس عربي ثلاثة] قال ابن المنذر: للراجل
سهم، وللفارس ثلاثة. هذا قول عوام أهل العلم
في القديم، والحديث. وعن ابن عمر أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم، أسهم يوم خيبر للفارس
ثلاثة أسهم سهمان لفرسه وسهم له متفق عليه.
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم،
أعطى الفارس ثلاثة أسهم، وأعطى الراجل سهماً
رواه الأ ثرم. والهجين: الذي أبوه عربي وأمه
برذونة، يكون له سهم. وبه قال الحسن، لحديث
أبي الأقمر قال: أغارت الخيل على الشام،
فأدركت العراب من يومها، وأدركت الكودان ضحى
الغد، وعلى الخيل رجل من همدان يقال له:
المنذر بن أبي حميضة، فقال: لا أجعل التى
أدركت من يومها مثل التي لم تدرك، ففصل الخيل،
فقال عمر: هبلت2 الوادعي أمه، أمضوها على ما
قال رواه سعيد. وعن مكحول أن النبي صلى الله
عليه وسلم، أعطى الفرس العربي سهمين، وأعطى
الهجين سهماً أخرجه سعيد. ولا يسهم لأكثر من
فرسين، لما روى الأوزاعي أن
ـــــــ
1 الأنفال من الآية/ 41.
2 هبلت كفرحت: ثكلت.
(1/291)
رسول الله صلى
الله عليه وسلم، كان يسهم للخيل، وكان لا يسهم
للرجل فوق فرسين، وإن كان معه عشرة أفراس وعن
أزهر بن عبيد الله أن عمر كتب إلى أبي عبيدة
بن الجراح أن أسهم للفرس سهمين وللفرسين أربعة
أسهم، ولصاحبهما سهماً، فذلك خمسة أسهم رواه
سعيد. وروى الدارقطني عن بشير بن عمرو بن محصن
قال أسهم لي رسول الله صلى الله عليه وسلم،
لفرسي أربعة أسهم، ولي سهماً، فأخذت خمسة
أسهم.
[ولا يسهم لغير الخيل] لأنه لم يقل عنه صلى
الله عليه وسلم، أنه أسهم لغير الخيل وكان معه
يوم بدر سبعون بعيراً، ولم تخل غزوة من غزواته
من الإبل، بل هما غالب دوابهم، ولو أسهم لها
لنقل، وكذا أصحابه من بعده. وعنه فيمن غزا على
بعير لا يقدر على غيره: قسم له ولبعيره سهمان،
لقوله تعالى: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ
مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} 1.
[ولا يسهم إلا لمن فيه أربعة شروط: البلوغ،
والعقل، والحرية، والذكورة، فإن اختل شرط رضخ
لهم، ولم يسهم] أما المجنون فلا سهم له وإن
قاتل، لأنه من غيرأهل القتال وضرره أكثر من
نفعه. وأما الصبي، فلقول سعيد بن المسيب. كان
الصبيان والعبيد يحذون من الغنيمة إذا حضروا
الغزو في صدر هذه الأمة. وقال تميم بن فرع
المهري كنت في الجيش الذين فتحوا الإسكندرية
في المرة الآخرة، فلم يقسم لي عمرو شيئاً،
وقال: غلام لم يحتلم. فسألوا أبا بصرة
الغفاري، وعقبة بن عامر، فقالا: انظروا فإن
كان قد أشعر فأقسموا له، فنظر إلي بعض
ـــــــ
1 الحشر من الآية/ 6.
(1/292)
القوم فإذا أنا
قد أنبت، فقسم لي قال الجوزجاني: هذا من
مشاهير حديث مصر وجيده. وأما العبد فلما تقدم،
وعن عمير مولى آبي اللحم قال: شهدت [خيبراً]1
مع سادتي، فكلموا في رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فأخبر أنى مملوك، فأمر لي من خرثي
المتاع رواه أبو داود. وعنه: يسهم له إذا
قاتل. روي عن الحسن والنخعي، لحديث الأسود بن
يزيد أسهم لهم يوم القادسية يعني العبيد. وأما
النساء، فلحديث ابن عباس كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم، يغزو بالنساء فيداوين الجرحى،
ويحذين من الغنيمة، فأما بسهم فلم يضرب لهن
رواه أحمد ومسلم. وعنه كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم، يعطي المرأة والمملوك من الغنائم
دون ما يصيب الجيش رواه أحمد. وحمل حديث حشرج
بن زياد عن جدته أن النبي صلى الله عليه وسلم،
أسهم لهن يوم خيبر رواه أحمد وأبو داود. وخبر
أسهم أبو موسى يوم غزوة تستر لنسوة معه2 على
الرضخ3 .
[ويقسم الخمس الباقي خمسة أسهم] لقوله تعالى:
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ
فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}
الآية4.
ـــــــ
1 الأصل "حنيناً" والتصويب من سنن أبي داود
3/100 ومسند أحمد، وسنن الترمذي، وابن ماجة،
والبيهقي. وقال أبو داود: معناه أنه لم يسهم
له.. وفي القاموس: الخرثي بالضم أثاث ا لبيت،
أو أرادا المتاع.
2 تستر: مدينة من بلاد عربستان في إيران.
3 الرضخ: العطاء القليل.
4 الأنفال من الآية/ 41.
(1/293)
[سهم لله
ولرسوله يصرف مصرف الفئ] في مصالح المسلمين،
لحديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه
وسلم، تناول بيده وبرة من بعير، ثم قال:
"والذي نفسي بيده مالي مما أفاء الله إلا
الخمس، والخمس مردود عليكم" وعن عمرو بن عبسة،
وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: نحوه. رواهما
أحمد وأبو داود. فجعله لجميع المسلمين، ولا
يمكن صرفه إلى جميعهم إلا بصرفه في مصالحهم
الأهم فالأهم، وقيل: للخليفة بعده، لحديث:
"إذا أطعم الله نبياً طعمةً، ثم قبضه فهو للذي
يقوم بها من بعده" رواه أبو بكر عنه، وقال:
"قد رأيت أن أرده على المسلمين" فاتفق هو وعمر
وعلي والصحابة على وضعه في الخيل والعدة في
سبيل الله. قاله في الشرح.
[وسهم لذي القربى وهم: بنو هاشم وبنو المطلب
حيث كانوا، للذكر مثل حظ الأنثيين] لحديث جبير
بن مطعم قال: لما كان يوم خيبر قسم رسول الله
صلى الله عليه وسلم، سهم ذوي القربى بين بني
هاشم، وبني المطلب، فأتيت أنا وعثمان بن عفان،
فقلنا: يا رسول الله: أما بنو هاشم فلا ننكر
فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم، فما بال
إخواننا من بني المطلب أعطيتهم، وتركتنا،
وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة ؟ فقال: إنهم
لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام، وإنما بنو
هاشم وبنو المطلب شئ واحد، وشبك بين أصابعه
رواه أحمد والبخاري. ولأنهم يستحقونه بالقرابة
أشبه الميراث. ويعطى الغني والفقير، والذكر
والأنثى، لعموم الآية. وكان صلى الله عليه
وسلم، يعطي منه العباس، وهو غني ويعطي صفية.
[وسهم لفقراء اليتامى] للآية.
(1/294)
[وهم من لا أب
له ولم يبلغ] لحديث: "لا يتم بعد احتلام"
واعتبر فقرهم، لأن الصرف إليهم لحاجتهم.
[وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل] فيعطون
كما يعطون من الزكاة، للآية.
(1/295)
فصل في احكام
الفيء
[والفيء: هو ما أخذ مال الكفار بحق] فأما ما
أخذ من كافر ظلماً كمال المستأمن، فليس بفيء.
[من غير قتال] وما أخذ بقتال غنيمة.
[كالجزية والخراج وعشر التجارة من الحربي،
ونصف العشر من الذمي، وما تركوه فزعاً، أوعن
ميت ولا وراث له] منهم، وأطلقه بعضهم.
[ومصرفه في مصالح المسلمين] لعموم نفعها،
ودعاء الحاجة إلى تحصيلها. قال عمر رضي الله
عنه: ما من أحد من المسلمين إلا له في هذا
المال نصيب، إلا العبيد فليس لهم فيه شئ وقرأ
{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ
أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ
وَلِذِي الْقُرْبَى} (الحشر: من الآية7)
[الآية حتى بلغ] {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ
بَعْدِهِمْ} 1.
فقال: هذه استوعبت المسلمين ولئن عشت ليأتين
الراعي بسرو2
ـــــــ
1 الحشر من الآية/ 6 إلى الآية/10.
2 قال في النهاية: السرو ما انحدر من الجبل،
وارتفع عن الوادي في الأصل. والسرو أيضاً محلة
حمير وهي صنعاء.
(1/295)
حمير نصيبه
منها لم يعرق فيها جبينه وقال أحمد: الفيء فيه
حق لكل المسلمين، وهو بين الغني والفقير.
[ويبدأ بالأهم فالأهم من سد ثغر وكفاية أهله]
لأن أهم الأمور حفظ بلاد المسلمين وأمنهم من
عدوهم.
[وحاجة من يدفع عن المسلمين، وعمارة القناطر،
ورزق القضاة، والفقهاء وغير ذلك] كعمارة
المساجد، وأرزاق الأئمة، والمؤذنين، وغيرها
مما يعود نفعه على المسلمين.
[فإن فضل شئ قسم بين أحرار المسلمين غنيهم
وفقيرهم] لما تقدم.
[وبيت المال ملك للمسلمين] لأنه لمصالحهم.
[ويضمنه متلفه] كغيره من التلفات.
[ويحرم الأخذ منه بلا إذن الإمام] لأنه افتئات
عليه فيما هو مفوض إليه.
(1/296)
باب عقد الذمة
مدخل
...
باب عقد الذمة
عقد الذمة جائز لأهل الكتاب ومن تدين بدينهم
على أن تجرى بيسر عليهم أحكام المسلمين.
[لا تعقد إلا لأهل الكتاب] وهم: اليهود
والنصارى، ومن تدين بدينهم كالسامرة يتدينون
بشريعة موسى، ويخالفون اليهود في فروع دينهم.
وكالفرنج: وهم الروم، ويقال لهم بنو الأصفر
والأشبه أنها لفظة مولدة نسبة إلى فرنجة: بفتح
أوله وسكون ثالثه: هي جزيرة من جزائر البحر،
النسبة إليها: فرنجي، فروع.1 والصابئين،
والروم، والأرمن وغيرهم ممن انتسب إلى شريعة
موسى. والأصل في ذلك قوله تعالى: {حَتَّى
يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ
صَاغِرُونَ} 2 وقوله المغيرة يوم نهاوند:
أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده،
أو تؤدوا الجزية رواه البخاري. وفي حديث
بريدة: "ادعهم إلى أحد خصال ثلاث: ادعهم إلى
الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن
أبوا فادعهم
ـــــــ
1 الصواب: أن الفرنج هم قبيلة [frangs]
من الجرمان أقامت في فرنسا، وأطلق المسلمون
هذا الاسم على جميع النصارى الذين غزوا بلادنا
في الحروب الصليبة من سنة 489 إلى سنة 669
هجرية حيث أخزاهم الله ورد كيدهم في نحرهم.
2 التوبة من الآية/ 29.
(1/297)
إلى إعطاء
الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن
أبوا فاستعن بالله وقاتلهم" رواه مسلم.
[أو لمن لهم شبهة كتاب كالمجوس] لأنه يروى أنه
كان لهم كتاب فرفع، فذلك شبهة أوجبت حقن
دمائهم بأخذ الجزية منهم. وعن عبد الرحمن بن
عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "سنوا
بهم سنة أهل الكتاب" رواه الشافعي ولأنه صلى
الله عليه وسلم، أخذ الجزية من مجوس هجر رواه
البخاري وغيره. ولا يجوز عقدها إلا من الإمام
أو نائبه، قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً،
ولأنه عقد مؤبد، فعقده من غير الإمام افتئات
عليه.
[ويجب على الإمام عقدها] لعموم ما سبق.
[حيث أمن مكرهم] فإن خاف غائلتهم إذا تمكنوا
بدار الإسلام فلا، لحديث "لا ضرر ولا ضرار" .
[والتزموا لنا بأربعة أحكام. أحدها: أن يعطوا
الجزية عن يد وهم صاغرون] في كل حول، للآية.
[الثاني: أن لا يذكروا دين الإسلام إلا
بالخير] لما روي أنه قيل لابن عمر: إن راهباً
يشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لو
سمعته لقتلته، إنا لم نعط الأمان على هذا.
[الثالث: أًن لا يفعلوا ما فيه ضرر على
المسلمين] لحديث "لا ضرر ولا ضرار" .
[الرابع: أن تجري عليهم أحكام الإسلام] في
حقوق الآدميين في العقود، والمعاملات، وأروش
الجنايات، وقيم المتلفات، لقوله تعالى:
(1/298)
{وَهُمْ
صَاغِرُونَ} 1 قيل، الصغار: جريان أحكام
المسلمين عليهم.
[في نفس، ومال، وعرض، وإقامة حد فيما يحرمونه
كالزنى، لا فيما يحلونه كالخمر] لحديث أنس أن
يهودياً قتل جارية على أوضاح لها، فقتله رسول
الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه. وعن ابن
عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، أتي
بيهوديين قد فجرا بعد إحصانهما فرجمهما وقيس
الباقي. ولأنهم التزموا أحكام الإسلام، وهذه
أحكامه. ويقرون على ما يعتقدون حله كخمر،
ونكاح ذات محرم، لكن يمنعون من إظهاره لتأذي
المسلمين، لأنهم يقرون على كفرهم وهو أعظم
جرماً.
[ولا تؤخذ الجزية من امراة، وخنثى، وصبي،
ومجنون] قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً،
لقوله صلى الله عليه وسلم، لمعاذ: "خذ من كل
حالم ديناراً أو عدله معافري" رواه الشافعي في
مسنده. وروى أسلم أن عمر، رضي الله عنه، كتب
إلى أمراء الأجناد لا تضربوا الجزية على
النساء والصبيان، ولا تضربرها إلا على من جرت
عليه المواسي أي من نبتت عانته، لأن المواسي
إنما تجري على من أنبت: أراد من بلغ الحلم من
الكفار، رواه سعيد. والخنثى: لا يعلم كونه
رجلاً فلا تجب عليه مع الشك، والمجنون فما
معنى الصبي فقيس عليه.
[وقن] لما روي عن عمر أنه قال: لا جزية على
مملوك.
[وزمن، وأعمى، وشيخ فان، وراهب بصومعته] لأن
دماءهم محقونة أشبهوا النساء والصبيان.
ـــــــ
1 التوبة من الآية/30.
(1/299)
[ومن أسلم منهم
بعد الحول سقطت عنه الجزية] نص عليه، لحديث
ابن عباس مرفوعاً: "ليس على المسلم جزية" رواه
أحمد وأبو داود. وقال أحمد: قد روي عن عمر أنه
قال: إن أخذها في كفه ثم أسلم ردها وروى
أبوعبيد: أن يهودياً أسلم، فطولب بالجزية
وقيل: إنما أسلمت تعوذاً. قال إن في الإسلام
معاذاً فرفع إلى عمر، فقال عمر: إن في الإسلام
معاذاً، وكتب أن لا تؤخذ منه الجزية وفي قدر
الجزية ثلاث روايات:
إحداهن يرجع إلى ما فرضه عمر على الموسر:
ثمانية وأربعون درهماً، وعلى المتوسط: أربعة
وعشرون، وعلى الفقير المعتمل: اثنا عشر. فرضها
عمر كذلك بمحضر من الصحابة، وتابعه سائر
الخلفاء بعده، فصار إجماعاً وقال ابن أبي
نجيح: قلت لمجاهد ما شأن أهل الشام عليهم
أربعة دنانير، وأهل اليمن عليهم دينار ؟ قال:
جعل ذلك من قبل اليسار رواه البخاري. والثانية
يرجع فيه إلى اجتهاد الإمام في الزيادة
والنقصان. والثالثة: تجوز الزيادة لا النقصان
لأن عمر زاد على ما فرض رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ولم ينقص ويجوز أن يشرط عليهم مع
الجزية ضيافة من يمر بهم من المسلمين، لما روى
الأحنف بن قيس أن عمر شرط على أهل الذمة ضيافة
يوم وليلة، وأن يصلحوا القناطر وإن قتل رجل من
المسلمين بأرضهم فعليهم ديته رواه أحمد. وروى
أسلم أن أهل الجزية من أهل الشام أتوا عمر،
رضى الله عنه، فقالوا: إن المسلمين إذا مروا
بنا كلفونا ذبح الغنم والدجاج في ضيافتهم.
فقال: أطعموهم مما تأكلون، ولا تزيدوهم على
ذلك.
(1/300)
فصل في احكام
اهل الذمة
[ويحرم قتال أهل الذمة، وأخذ مالهم، ويجب على
الإمام حفظهم، ومنع من يؤذيهم] لأنهم إنما
بذلوا الجزية لحفظهم، وحفظ أموالهم. روي عن
علي رضي الله عنه أنه قال: إنما بذلوا الجزية
لتكون دماؤهم كدمائنا، وأموالهم كأموالنا.
[ويمنعون من ركوب الخيل، وحمل السلاح، ومن
إحداث الكنائس، ومن بناء ما انهدم منها، ومن
إظهار المنكر، والعيد، والصليب، وضرب الناقوس،
ومن الجهر بكتابهم، ومن الاكل والشرب نهار
رمضان، ومن شرب الخمر، وأكل الخنزير] لما روى
إسماعيل بن عياش عن غير واحد من أهل العلم
قالوا: كتب أهل الجزيرة إلى عبد الرحمن بن
غنم: إنا شرطنا على أنفسنا أن لا نتشبه
بالمسلمين في لبس قلنسوة، ولا عمامة، ولا
نعلين، ولا فرق شعر، ولا في مراكبهم، ولا
نتكلم بكلامهم، ولا نتكنى بكناهم، وأن نجز
مقادم رؤوسنا، ولا نفرق نواصينا، ونشد
الزنانير في أوساطنا، ولا ننقش خواتيمنا
بالعربية، ولا نركب السروج، ولا نتخذ شيئاً من
السلاح، ولا نحمل، ولا نتقلد السيوف، وأن نوقر
المسلمين في مجالسهم، ونرشد الطريق، ونقوم لهم
عن المجالس إذا أرادوا المجالس، ولا نطلع
عليهم في منازلهم، وأن لا نضرب ناقوساً إلا
ضرباً خفيفاً في جوف كنائسنا، ولا نظهر عليها
صليباً، ولا نرفع أصواتنا في الصلاة، ولا
القراءة في الصلاة فيما يحضره المسلمون،
(1/301)
وأن لا نخرج
صليباً، ولا كتاباً في سوق المسلمين، وأن لا
نخرج باعوثاً1، ولا شعانين، ولا نرفع أصواتنا
مع موتانا، ولا نظهر النيران معهم في أسواق
المسلمين، وأن لا نجاورهم بالجنائز، ولا نظهر
شركاً، ولا نرغب في ديننا، ولا ندعو إليه
أحداً، وأن لا نحدث في مدينتنا كنيسة، ولا
فيما حولها ديراً، ولا قلاية، ولا صومعة راهب،
ولا نجدد ما خرب من كنائسنا، ولا ما كان منها
في خطط المسلمين، وفي آخره: فإن نحن غيرنا، أو
خالفنا عما شرطنا على أنفسنا، وقبلنا الأمان
عليه فلا ذمة لنا، وقد حل لك منا ما يحل من
أهل المعاندة، والشقاق رواه الخلال بإسناده،
وذكر في آخره فكتب بذلك عبد الرحمن بن غنم إلى
عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فكتب إليه عمر
أن أمض لهم ما سألوا وعن ابن عباس: أيما مصر
مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة،
ولا أن يضربوا فيه ناقوساً، ولا يشربوا فيه
خمراً ولا يتخذوا فيه خنزيراً رواه أحمد،
واحتج به. وأمر عمر، رضي الله عنه، بجز نواصي
أهل الذمة، وأن يشدوا المناطق، وأن يركبوا
الأكف بالعرض رواه الخلال. وقيس عليه إظهار
المنكر، وإظهار الأكل في نهار رمضان، لأنه
يؤذينا.
[ويمنعون من قراءة القرآن، وشراء المصحف، وكتب
الفقه والحديث] لأنه يتضمن ابتذال ذلك
بأيديهم، فإن فعلوا لم يصح.
[ومن تعلية البناء على المسلمين] لقولهم في
شروطهم: ولا نطلع
ـــــــ
1 الباعوث للنصارى كالاستسقاء للمسلمين وهو
اسم سرياني والشعانين عيد عندهم.
(1/302)
عليهم في
منازلهم، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"الإسلام يعلو ولا يعلى" .
[ويلزمهم التميز عنا بلبسهم] لما تقدم.
[ويكره لنا التشبه بهم] لحديث: "من تشبه بقوم
فهو منهم" وحديث: "ليس منا من تشبه بغيرنا" .
[ويحرم القيام لهم، وتصديرهم في المجالس] لأنه
تعظيم لهم كبداءتهم السلام.
[وبداءتهم بالسلام، بكيف أصبحت أو أمسيت ؟ أو
كيف أنت، أوحالك ؟ وتحرم تهنئتهم، وتعزيتهم،
وعيادتهم] لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا
تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتم
أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقها" رواه
أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي. وما عدا
السلام مما ذكر في معناه فقبس عليه. وعنه:
تجوز عيادتهم لمصلحة راجحة كرجاء الإسلام.
اختاره الشيخ تقي الدين، والآجري، وصوبه في
الإنصاف، لأنه صلى الله عليه وسلم عاد صبياً
كان يخدمه، وعرض عليه الإسلام فأسلم وعاد أبا
طالب، وعرض عليه الإسلام فلم يسلم.
[ومن سلم على ذمي، ثم علمه سن قوله: رد علي
سلامي] لأن ابن عمر مر على رجل فسلم عليه،
فقيل له إنه كافر فقال: رد على ما سلمت عليك،
فرد عليه، فقال: أكثر الله مالك وولدك، ثم
التفت إلى أصحابه فقال: أكثر للجزية.
[وإن سلم الذمي لزم رده، فيقال: وعليكم] لحديث
أبي بصرة قال:
(1/303)
قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "إنا غادون فلا تبدؤوهم
بالسلام، فإن سلموا عليكم فقولوا: وعليكم" وعن
أنس قال: "نهينا، أو أمرنا أن لا نزيد أهل
الذمة على: وعليكم" رواه أحمد.
[وإن شمت كافر مسلماً أجابه] يهديك الله. وكذا
إن عطس الذمي، لحديث أبي موسى أن اليهود كانوا
يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم، رجاء
أن يقول لهم: يرحمكم الله. فكان يقول لهم:
"يهديكم الله ويصلح بالكم" رواه أحمد وأبو
داود والنسائي والترمذي وصححه.
[وتكره مصافحته] نص عليه، لأنها شعار
المسلمين.
ـــــــ
1 التوبة من الآية/30.
(1/304)
النبي صلى الله
عليه وسلم، فقال لو سمعته لقتلته، إنا لم نعط
الأمان على هذا.
[أو تعدى على مسلم بقتل، أو فتنة عن دينه
انتقض عهده] لأنه ضرر يعم المسلمين، أشبه ما
لو قاتلهم، ومثل ذلك إن تجسس، أو آوى جاسوساً.
[ويخير الإمام فيه كالأسير] الحربي بين رق
وقتل ومن وفداء، لأنه كافر لا أمان له، قدرنا
عليه فى دارنا بغير عقد ولا عهد.
[وماله فيء] في الأصح. قاله في الإنصاف.
[ولا ينقض عهد نسائه وأولاده] نص عليه، لوجود
النقض منه دونهم، فاختص حكمه به.
[فإن أسلم حرم قتله، ولو كان سب النبي صلى
الله عليه وسلم] لعموم حديث "الإسلام يجب ما
قبله" وقياساً على الحربي إذا سبه صلى الله
عليه وسلم، ثم تاب بإسلام قبلت توبته إجماعاً.
قال في الفروع: وذكر ابن أبي موسى: أن ساب
الرسول يقتل ولو أسلم. اقتصر عليه في
المستوعب، وذكره ابن البنا في الخصال. قال
الشيخ تقي الدين: وهو الصحيح من المذهب.
(1/305)
|