منار
السبيل في شرح الدليل
كتاب الصداق
مدخل
مدخل
...
كتاب الصداق:
الأصل فيه: الكتاب، والسنة، والإجماع. أما
الكتاب فقوله تعالى: {...أَنْ تَبْتَغُوا
بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ
مُسَافِحِينَ...} 1 وقوله: {وَآتُوا
النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً...} 2 قال
أبو عبيد: يعني عن طيب نفس بالفريضة التي فرض
الله. وقيل: نحلة من الله للنساء.
وأما السنة: فقوله، صلى الله عليه وسلم، لعبد
الرحمن: "ما أصدقتها؟" قال: وزن نواة من ذهب.
وأجمعوا على مشروعيته.
"تسن تسميته في العقد" لأنه، صلى الله عليه
وسلم. يزوج ويتزوج كذلك، ولأن تسميته أقطع
للنزاع، وليست شرطاً، لقوله: {لَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا
لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ
فَرِيضَةً...} 3. وروي أنه، صلى الله عليه
وسلم: زوج رجلاً امرأة ولم يسم لها مهراً.
"ويصح بأقل متمول" لحديث: "التمس ولو خاتماً
من حديد" وعن عامر بن ربيعة: أن امرأة من
فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 24.
2 النساء من الآية/ 4.
3 البقرة من الآية/ 236.
(2/187)
الله، صلى الله
عليه وسلم: "أرضيت من مالك، ونفسك بنعلين؟"
قالت: نعم. فأجازه رواه أحمد وابن ماجه
والترمذي وصححه. وأجمعوا على أن لا توقيت في
أكثره. ذكره في الشرح. ويسن تخفيفه، لقول عمر:
لا تغالوا في صدقات النساء.. الحديث، رواه أبو
داود والنسائي. وعن عائشة مرفوعاً: "أعظم
النساء بركةً أيسرهن مؤنة" رواه أبو حفص،
ورواه أحمد بنحوه.
"فإن لم يسم" فهو تفويض البضع،
"أو سمى فاسداً" كخمر وحر،
"صح العقد، ووجب مهر المثل" لأن المرأة لا
تسلم إلا ببدل، ولم يسلم البدل، وتعذر رد
العوض، لصحة النكاح فوجب بدله.
"وإن أصدقها تعليم شيء من القرآن لم يصح" لأن
الفروج لا تستباح إلا بالأموال، لقوله تعالى:
{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ...} 1
وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ
طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ
الْمُؤْمِنَاتِ} 2 والطول: المال. ولأن تعليم
القرآن لا يقع إلا قربة لفاعله، فلم يصح أن
يقع صداقاً، كالصوم والصلاة. وروي أن النبي،
صلى الله عليه وسلم زوج رجلاً على سورة من
القرآن، ثم قال: "لا تكون لأحد بعدك مهراً" .
رواه النجاد وسعيد في سننه. وأما حديث
الموهوبة - وقوله، عليه السلام، فيه "زوجتكها
بما معك من القرآن" متفق عليه - فقيل: معناه:
زوجتكها، لأنك من أهل القرآن، كما زوج أبا
طلحة على
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 24.
2 النساء من الآية/ 25.
(2/188)
إسلامه، وليس
فيه ذكر التعليم، ويحتمل أن يكون خاصاً بذلك
الرجل، لحديث النجاد.
"وتعليم معين من فقه، أو حديث، أو شعر مباح،
أو صنعة صح" لأن ذلك منفعة معلومة، كرعاية
غنمها مدة معلومة، وخياطة ثوب معلوم، لقوله
تعالى عن شعيب لموسى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ
أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ
عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ...}
1 ولأن منفعة الحر يجوز العوض عنها في
الإجارة، فجازت صداقاً كمنفعة العبد.
"ويشترط علم الصداق: فلو أصدقها داراً، أو
دابة، أو ثوباً مطلقاً" بأن لم يعينه، ولم
يصفه، ولم يقل: من عبيدي،
"أو رد عبدها أين كان، أو خدمتها مدة فيما
شاءت، أو ما يثمر شجره" مطلقاً، أو في هذا
العام،
"أو حمل أمته أو دابته لم يصح" الإصداق أي:
التسمية. وهذا اختيار أبي بكر، لجهالة هذه
الأشياء قدراً وصفة، والغرر فيها كثير، ومثل
ذلك لا يحتمل، لأنه يؤدي إلى النزاع إذ لا أصل
يرجع إليه. ولها مهر المثل، لما تقدم.
"ولا يضر جهل يسير، فلو أصدقها عبداً من
عبيده، أو دابة من دوابه، أو قميصاً من قمصانه
صح، ولها أحدهم بقرعة" نص عليه، لأن الجهالة
فيه يسيرة، ويمكن التعيين فيه بقرعة، ولأنه لو
تزوجها على مهر مثلها صح على كثرة الجهل، فهذا
أولى.
"وإن أصدقها عتق قنه صح" لأنه يصح الإعتياض
عنه.
ـــــــ
1 القصص من الآية/ 27.
(2/189)
"لا طلاق
زوجته" لحديث ابن عمرو مرفوعاً: "لا يحل للرجل
أن ينكح امرأة بطلاق أخرى" . رواه أحمد. ولأن
خروج البضع من الزوج ليس بتمول، ولها مهر
مثلها، لفساد التسمية.
"وإن أصدقها خمراً، أو خنزيراً، أو مالاً
مغصوباً يعلمانه لم يصح المسمى" وصح النكاح.
نص عليه، وهو قول عامة الفقهاء، لأن فساد
العوض لا يزيد على عدمه، ولو عدم فالنكاح
صحيح، فكذا إذا فسد، ولها مهر المثل، لما
تقدم.
"وإن لم يعلماه صح" النكاح،
"ولها قيمته يوم العقد" لرضاها به وتسليمه
ممتنع، فوجب الانتقال إلى قيمته يوم العقد،
ولا تستحق مهر المثل، لعدم رضاها به.
وإن أصدقها
"عصيراً فبان خمراً صح" العقد،
"ولها مثل العصير" لأنه مثلي، فالمثل أقرب
إليه من القيمة، ولهذا يضمن به في الإتلاف.
(2/190)
فصل وللأب تزويج بنته مطلقاً:
بكراً أو ثيباً.
"بدون صداق مثلها وإن كرهت" نص عليه، لقول
عمر: "لا تغالوا في صداق النساء...". وكان ذلك
بمحضر من الصحابة، ولم ينكر فكان اتفاقاً منهم
على أن يزوج بذلك، وإن كان دون صداق المثل.
(2/190)
وزوج سعيد بن
المسيب ابنته بدرهمين، وهو من أشراف قريش
نسباً وعلماً وديناً، ومن المعلوم أنهما ليسا
مهر مثلها، ولأن المقصود من النكاح السكن،
والازدواج، ووضع المرأة في منصب عند من
يكفيها، ويصونها، ويحسن عشرتها دون العوض،
والظاهر من الأب مع شفقته أنه لا ينقصها من
صداقها إلا لتحصيل المعاني المقصودة بالنكاح.
"ولا يلزم أحداً تتمته" لا الزوج، ولا الأب،
لصحة التسمية.
"وإن فعل ذلك غير الأب بإذنها مع رشدها صح"
ولا اعتراض، لأن الحق لها وقد أسقطته.
"وبدون إذنها يلزم الزوج تتمته" أي: مهر
المثل، لفساد التسمية، لأنها غير مأذون فيها
فوجب على الزوج مهر المثل.
"فإن قدرت لوليها مبلغاً فزوجها بدونه ضمن"
النقص، ولو كان أكثر من مهر المثل.
"وإن زوج ابنه فقيل له: ابنك فقير من أين يؤخذ
الصداق؟! فقال: عندي لزمه" المهر عنه، لأنه
صار ضامناً بذلك، وكذا لو ضمنه غير الأب.
"وليس للأب قبض صداق بنته الرشيدة، ولو بكراً
إلا بإذنها" لأنها المتصرفة في مالها، فاعتبر
إذنها في قبضه كثمن مبيعها.
"فإن أقبضه الزوج لأبيها لم يبرأ، ورجعت عليه،
ورجع هو على أبيها. وإن كانت غير رشيدة سلمه
إلى وليها في مالها" لأنه مال لها، فأشبه ثمن
مبيعها. ويجوز لأبي المرأة أن يشترط بعض
الصداق أو كله
(2/191)
لنفسه إن صح
تملكه من مال ولده، لقوله: {...عَلَى أَنْ
تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} 1 فجعل الصداق
الإجارة على رعاية غنمه، وهو شرط لنفسه. وروي
عن مسروق أنه لما زوج ابنته اشترط لنفسه عشرة
آلاف، فجعلها في الحج والمساكين، ثم قال
للزوج: جهز امرأتك. وروي نحوه عن الحسين.
"وإن تزوج العبد بإذن سيده صح" قال في الشرح،
بغير خلاف نعلمه.
"وعلى سيده المهر والنفقة والكسوة والمسكن" نص
عليه، لأن ذلك تعلق بعقد بإذن سيده، فتعلق
بذمة السيد كثمن ما اشتراه بإذنه.
"وإن تزوج بلا إذنه لم يصح" النكاح. نص عليه،
لحديث جابر مرفوعاً: "أيما عبد تزوج بغير إذن
سيده فهو عاهر" . رواه أحمد والترمذي وحسنه.
والعهر: دليل بطلان النكاح. قال في الشرح:
وأجمعوا على أنه ليس له النكاح بغير إذن سيده،
فإن فعل ففيه روايتان: أظهرهما البطلان. وهو
قول: عثمان، وابن عمر، والشافعي. وعنه: موقوف
على إجازة السيد، وهو قول أصحاب الرأي. انتهى.
"فلو وطئ" في نكاح لم يأذن فيه سيده
"وجب في رقبته مهر المثل" لأن قيمة البضع الذي
أتلفه بغير حق أشبه أرش الجناية.
ـــــــ
1 القصص من الآية/ 27.
(2/192)
فصل وتملك الزوجة بالعقد جميع المسمى:
لحديث: "إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك"
ولأن النكاح عقد يملك فيه المعوض بالعقد، فملك
به العوض كاملاً، وسقوط نصفه بالطلاق قبل
الدخول لا يمنع وجوب جميعه بالعقد.
"ولها نماؤه إن كان معيناً" متميزاً من حين
العقد، لأنه نماء ملكها، ولحديث: "الخراج
بالضمان" .
"ولها التصرف فيه" ببيع ونحوه، لأنه ملكها،
إلا نحو مكيل قبل قبضه.
"وضمانه ونقصه عليها" لتمام ملكها عليه، إلا
نحو مكيل.
"إن لم يمنعها قبضه" فإن منعها ضمن، لأنه
كالغاصب بالمنع.
"وإن أقبضها الصداق، ثم طلق قبل الدخول، رجع
عليها بنصفه إن كان باقياً" ولم يزد ولم ينقص،
لما يأتي.
"وإن كان قد زاد زيادة منفصلة" كحمل وولادة
"فالزيادة لها" لأنها نماء ملكها، ويرجع في
نصف الأصل، لعدم ما يمنعه.
"وإن كان تالفاً رجع في المثلي بنصف مثله، وفي
المتقوم بنصف قيمته يوم العقد" ويشارك بما
يرجع به الغرماء كسائر الديون.
(2/193)
"والذي بيده
عقدة النكاح الزوج" لا ولي الصغيرة. روي عن
علي وابن عباس وجبير بن مطعم، لحديث عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "ولي العقد
الزوج" . رواه الدارقطني. ولأن الذي بيده عقدة
النكاح بعد العقد هو الزوج، لتمكنه من قطعه
وإمساكه، وليس إلى الولي منه شيء، ولقوله
تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ
لِلتَّقْوَى} 1 والعفو الذي هو أقرب للتقوى:
هو: عفو الزوج من حقه. وأما عفو الولي عن مال
المرأة فليس هو أقرب للتقوى. وعنه: أنه الأب،
فله أن يعفو عن نصف صداق الصغيرة إذا طلقت قبل
الدخول. قال في الكافي: والمذهب الأول، قال
أبو حفص: ما أرى القول الأول إلا قديماً.
"فإذا طلق قبل الدخول: فأي الزوجين عفا لصاحبه
عما وجب له من" نصف.
"المهر، وهو جائز التصرف" بأن كان مكلفاً
رشيداً
"برئ منه صاحبه" لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ
يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ
عُقْدَةُ النِّكَاحِ} 1. وقوله تعالى: {فَإِنْ
طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً
فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} 2.
"وإن وهبته صداقها قبل الفرقة، ثم حصل ما
ينصفه: كطلاق" وخلع.
"رجع عليها ببدل نصفه، وإن حصل ما يسقطه"
كردتها، ورضاعها
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 237.
2 النساء من الآية/ 4.
(2/194)
من ينفسخ به
نكاحها، ولعانها، وفسخه لعيبها، وفسخها لعيبه
أو إعساره، أو عدم وفائه بشرط شرط عليه في
النكاح قبل الدخول.
"رجع ببدل جميعه" لأن عود نصف الصداق، أو كله
إلى الزوج بالطلاق، أو الردة، وهما غير الجهة
المستحق بها الصداق أولاً، فأشبه ما لو أبرأ
إنساناً آخر من دين، ثم ثبت له عليه مثله من
وجه آخر، وكما لو اشتراه من زوجته، ثم طلقها
أو ارتدت فإنه يرجع عليها ببدل نصفه أو كله.
(2/195)
فصل فيما يسقط الصداق وينصفه ويقرره:
"يسقط كله قبل الدخول حتى المتعة" أي: ولا يجب
متعة بدلاً عنه.
"بفرقة اللعان" لأن الفسخ من قبلها، لأنه إنما
يكون إذا تم لعانها،
"وبفسخه لعيبها" لتلف المعوض قبل تسليمه، فسقط
العوض كله: كتلف مبيع بنحو كيل قبل تسليمه.
"وبفرقة من قبلها: كفسخها لعيبه، وإسلامها تحت
كافر، وردتها تحت مسلم، ورضاعها من ينفسخ به
نكاحها" لحصول الفرقة بفعلها، وهي المستحقة
للصداق، فسقط به.
"ويتنصف بالفرقة من قبل الزوج: كطلاقه، وخلعه،
وإسلامه، وردته" لقوله تعالى: {وَإِنْ
طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ
فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} 1 الآية.
وقسنا عليه سائر ما استقل به الزوج، لأنه في
معناه، ذكره في الكافي.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 237.
(2/195)
"وبملك أحدهما
الآخر" فإن اشترته تم البيع بالسيد، وهو قائم
مقام الزوج، فلم تنمحض الفرقة من جهتها.
"أو قبل أجنبي كرضاع" أمه أو أخته، ونحوهما
زوجة له صغرى رضاعاً محرماً.
"ونحوه" كوطء أبي الزوج، أو ابنة الزوجة، وكذا
لو طلق حاكم على مؤل قبل دخول، لأنه لا فعل
للزوجة في ذلك، فيسقط به صداقها، ويرجع الزوج
بما لزمه على المفسد، لأنه قرره عليه.
"ويقرره كاملاً موت أحدهما" لبلوغ النكاح
نهايته، فقام ذلك مقام الاستيفاء في تقرير
المهر، ولأنه أوجب العدة فأوجب كمال المهر
كالدخول، ولحديث بروع، ويأتي.
"ووطؤه" أي: وطء زوج زوجته، لأنه استوفى
المقصود فاستقر عليه عوضه.
"ولمسه لها، ونظره إلى فرجها لشهوة" نص عليه،
لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ...} 1 الآية.
وحقيقة المس: التقاء البشرتين. وعن محمد ابن
عبد الرحمن بن ثوبان مرفوعاً: "من كشف خمار
امرأة ونظر إليها وجب الصداق، دخل بها، أو لم
يدخل" . رواه الدارقطني.
"وبطلاقها في مرض ترث فيه" لأنه نوع استمتاع،
أشبه الوطء.
"وتقبيلها، ولو بحضرة الناس" لأنه يجب عليها
عدة الوفاة إذاً، ومعاملة له بضد قصده، كالفار
بالطلاق من الإرث، والقاتل.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 237.
(2/196)
"وبخلوته بها
عن مميز، إن كان يطأ مثله" كابن عشر فأكثر
"ويوطأ مثلها" كبنت تسع فأكثر، مع علمه بها
ولم تمنعه، وإن لم يطأها. روي عن الخلفاء
الراشدين، وزيد وابن عمر. روى الإمام أحمد
والأثرم عن زرارة بن أوفى قال: قضى الخلفاء
الراشدون المهديون أن من أغلق باباً، أو أرخى
ستراً، فقد وجب المهر، ووجبت العدة ورواه
أيضاً عن الأحنف عن ابن عمر وعلي. وهذه قضايا
اشتهرت، ولم يخالفهم أحد في عصرهم، فكان
كالإجماع. ولأنها سلمت نفسها التسليم الواجب
عليها، فاستقر صداقها. وأما قوله تعالى: {مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ...} 1 فيحتمل أنه
كنى بالمسبب عن السبب الذي هو الخلوة، بدليل
ما سبق. و أما قوله: {وَقَدْ أَفْضَى
بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} 2 فعن الفراء أنه
قال: الإفضاء: الخلوة، دخل بها أو لم يدخل،
لأن الإفضاء مأخوذ من الفضاء، وهو: الخالي،
فكأنه قال: وقد خلا بعضكم إلى بعض.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 237.
2 النساء من الآية/ 21.
(2/197)
فصل وإذا اختلفا في قدر الصداق:
"أو جنسه، أو ما يستقر به، فقول الزوج أو
وارثه" بيمينه لأنه منكر، لحديث: "البينة على
المدعي، واليمين على من أنكر" ولأن الأصل
براءته مما يدعى عليه.
"وفي القبض أو تسمية المهر" بأن قال: لم أسم
لك مهراً، وقالت: بل سميت لي قدر مهر المثل.
(2/197)
"فقولها أو
وارثها" لأن الأصل عدم القبض، ولأن الظاهر
تسميته.
"وإن تزوجها بعقدين على صداقين: سر، وعلانية،
أخذ بالزائد" مطلقاً، لأنه إن كان السر أكثر
فقد وجب بالعقد، ولم يسقطه العلانية، وإن كان
العلانية أكثر فقد بذل لها الزائد فلزمه، كما
لو زادها في صداقها بعد تمام العقد، لقوله
تعالى: {...فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ
فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا
تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ
الْفَرِيضَةِ...} 1
"وهدية الزوج ليست من المهر" نص عليه.
"فما قبل العقد إن وعدوه لم يفوا رجع بها"
قاله الشيخ تقي الدين. فإن كان الإعراض منه أو
ماتت فلا رجوع له.
"وترد الهدية في كل فرقة اختيارية مسقطة
للمهر" كفسخ لعيب ونحوه قبل الدخول، لدلالة
الحال على أنه وهب بشرط بقاء العقد، فإذا زال
ملك الرجوع، كالهبة بشرط الثواب.
"وتثبت كلها" أي: الهدية
"مع مقرر له" أي: المهر، كوطء، وخلوة
"أو لنصفه" كطلاق ونحوه، لأنه المفوت على
نفسه.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 24.
(2/198)
فصل لمن زوجت بلا مهر:
وهي: المفوضة. والتفويض: الإهمال، كأن المهر
أهمل حيث لم يسم - قال الشاعر:
لا تصلح الناس فوضى لا سراة لهم1
أي: مهملين مهر مثلها، والعقد صحيح في قول
عامة أهل العلم.
قاله في الشرح، لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا
لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ
فَرِيضَةً...} 2. وعن ابن مسعود: أنه سئل عن
امرأة تزوجها رجل، ولم يفرض لها صداقاً، ولم
يدخل بها حتى مات. فقال ابن مسعود: لها صداق
نسائها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها
الميراث. فقام معقل بن سنان الأشجعي، فقال:
قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بروع
بنت واشق - امرأة منا - مثل ما قضيت. رواه أبو
داود والترمذي، وصححه. وعن عقبة بن عامر أن
النبي، صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "أترضى
أن أزوجك فلانة؟" قال: نعم. وقال للمرأة:
"أترضين أن أزوجك فلاناً؟" قالت: نعم. فزوج
أحدهما صاحبه، فدخل بها الرجل، ولم يفرض لها
صداقاً، ولم يعطها شيئاً. فلما حضرته الوفاة،
قال: إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم
ـــــــ
1 وتتمة البيت: ولا سراة إذا جهالهم سادوا.
2 البقرة من الآية/ 236.
(2/199)
زوجني فلانة،
ولم أفرض لها صداقاً. ولم أعطها شيئاً فأشهدكم
أني قد أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر فأخذت
سهماً، فباعته بمائة ألف. رواه أبو داود
"أو بمهر فاسد" كخمر، أو خنزير.
"فرض مهر مثلها عند الحاكم" قبل الدخول وبعده،
لأن النكاح لا يخلو من مهر. قال في الشرح: ولا
نعلم فيه مخالفاً. انتهى. ولأن الزيادة على
مهر المثل ميل على الزوج، والنقص عنه ميل على
الزوجة، والميل حرام.
"فإن تراضيا فيما بينهما، ولوعلى قليل صح،
ولزم" لأن الحق لا يعدوهما.
"فإن حصلت لها فرقة منصفة للصداق في فرضه، أو
تراضيهما وجبت لها المتعة" نص عليه. وهو قول
ابن عمر، وابن عباس، لقوله تعالى: {لَا
جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ
تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً
وَمَتِّعُوهُنَّ...} 1. والأمر يقتضي الوجوب،
وأداء الواجب من الإحسان، فلا تعارض ولا متعة
لغيرها في ظاهر المذهب، لأنه لما خص بالآية من
لم يفرض لها، ولم يمسها دل على أنها لا تجب
لمدخول بها ولا مفروض لها. وقال تعالى:
{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ
فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} 2. فخص
الأولى بالمتعة، والثانية بنصف المفروض، مع
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 236.
2 البقرة من الآية/ 237.
(2/200)
تقسيمه النساء
قسمين، فدل على اختصاص كل قسم بحكمه. وروى عنه
حنبل: لكل مطلقة متاع. روي عن علي وغيره لقوله
تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ
بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} 1
وقال تعالى: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ
سَرَاحاً جَمِيلاً} 2. قال أبو بكر: العمل
عندي على هذه الرواية، لو لا تواتر الروايات
عنه بخلافها، فتعين حمل هذه الرواية على
الاستحباب، جمعاً بين دلالة الآيات. ذكر معناه
في الكافي و الشرح، قال في الكافي: فأما
المتوفى عنها فلا متعة لها، بغير خلاف، لأن
الآية لم تتناولها، ولا هي في معنى المنصوص
عليه، والمتعة معتبرة بحال الزوج
"على الموسر قدره، وعلى المقتر قدره" نص عليه،
للآية.
"فأعلاها خادم" إذا كان الزوج موسراً.
"وأدناها: كسوة تجزئها في صلاتها إذا كان
معسراً" وأوسطها: ما بين ذلك، لقول ابن عباس:
أعلى المتعة: خادم، ثم دون ذلك النفقة، ثم دون
ذلك الكسوة. وهذا تفسير من الصحابي، فيجب
الرجوع إليه. قاله في الكافي.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 241.
2 الأحزاب من الآية/ 49.
(2/201)
فصل ولا مهر في النكاح الفاسد إلا بالخلوة أو
الوطء:
لأن العقد الفاسد وجوده كعدمه ولم يستوف
المعقود عليه، أشبه البيع الفاسد والإجارة
الفاسدة إذا لم يتسلم.
"فإن حصل أحدهما" أي: الخلوة، أو الوطء.
"استقر المسمى إن كان" نص عليه، لأن في بعض
ألفاظ حديث عائشة: "... ولها الذي أعطاها بما
أصاب منها" قال القاضي: حدثناه أبو بكر
البرقاني، وأبو محمد الخلال بإسنادهما.
ولاتفاقهما على أن المهر واستقراره بالخلوة
بقياسه على النكاح الصحيح.
"وإلا فمهر المثل" وقال في الشرح: ولا يستقر
بالخلوة في قول الأكثر.
"ولا مهر في النكاح الباطل" بالإجماع، كنكاح
خامسة، أو ذات زوج، أو معتدة،
"إلا بالوطء في القبل" لقوله صلى الله عليه
وسلم: "فلها المهر بما استحل من فرجها" أي:
نال منه، وهو: الوطء. ولأنه إتلاف لبضع بغير
رضى مالكه، فأوجب القيمة، وهو: المهر، كسائر
المتلفات.
"وكذا الموطوءة بشبهة، والمكرهة على الزنى"
فيجب لكل منهما مهر المثل بالوطء لذلك.
(2/202)
"لا المطاوعة"
على الزنى، فلا يجب لها المهر، لأنه إتلاف بضع
برضى مالكه، فلم يجب له شيء كسائر المتلفات.
"ما لم تكن أمة" فيجب لسيدها مهر مثلها على
زان بها، ولو مطاوعة، لأنها لا تملك بضعها،
فلا يسقط حق سيدها بطواعيتها.
"ويتعدد المهر بتعدد الشبهة" كأن وطئها ظاناً
أنها زوجته خديجة، ثم وطئها ظاناً أنها زوجته
زينب، ثم وطئها ظاناً أنها سريته، فيجب لها
ثلاثة مهور.
"و" يتعدد المهر بتعدد.
"الإكراه" فإن اتحدت الشبهة أو الإكراه، وتعدد
الوطء فمهر واحد.
"وعلى من أزال بكارة أجنبية بلا وطء أرش
البكارة" لأنه إتلاف جزء لم يرد الشرع بتقدير
عوضه، فيرجع فيه إلى أرشه كسائر المتلفات، وهو
ما بين مهرها بكراً وثيباً.
وقيل: أرشه حكومة.
"وإن أزالها الزوج، ثم طلق قبل الدخول لم يكن
عليه إلا نصف المسمى إن كان" لقوله تعالى:
{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَمَسُّوهُنَّ...} 1 الآية. وهذه مطلقة قبل
المسيس والخلوة، فليس لها إلا نصف المسمى.
"وإلا فالمتعة" لقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ
عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ...} 2.
"ولا يصح تزويج من نكاحها فاسد" كالنكاح بلا
ولي.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 237.
2 البقرة من الآية/ 236.
(2/203)
"قبل الفرقة"
بطلاق أو فسخ لأنه نكاح يسوغ فيه الاجتهاد،
فاحتاج إلى إيقاع فرقة، كالصحيح المختلف فيه،
بخلاف النكاح الباطل.
"فإن أباها الزوج فسخها الحاكم" نص عليه،
لقيامه قيام الممتنع. وللزوجة قبل الدخول منع
نفسها من زوجها، حتى تقبض مهرها الحال، مسمى
لها كانت، أو مفوضة. حكاه ابن المنذر إجماعاً.
ولها النفقة زمن منع نفسها، لقبضه، لأن المنع
من قبل الزوج. نص عليه. لا مهرها المؤجل، ولو
حل، لأنها رضيت بتأخيره.
(2/204)
باب الوليمة وآداب الأكل
مدخل
...
باب الوليمة وآداب الأكل:
"وليمة العرس سنة مؤكدة" لأنه صلى الله عليه
وسلم، فعلها - كما في حديث أنس - وأمر بها عبد
الرحمن بن عوف حين قال له: تزوجت. فقال له:
"أولم ولو بشاة" متفق عليهما.
قال في الشرح: وليست واجبة في قول الأكثر.
"والإجابة إليها في المرة الأولى واجبة، إن
كان لا عذر ولا منكر" قال ابن عبد البر: لا
خلاف في وجوب الإجابة إلى الوليمة لمن دعي
إليها، إذا لم يكن فيها لهو، لقوله صلى الله
عليه وسلم: "شر الطعام طعام الوليمة، يدعى
إليها الأغنياء، ويترك الفقراء. ومن لم يجب،
فقد عصى الله ورسوله" . وعن ابن عمر مرفوعاً:
"أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها" . وكان ابن
عمر يأتي الدعوى في العرس وغير العرس، ويأتيها
وهو صائم. متفق عليهما. وإن علم أن في الدعوى
منكراً:
(2/204)
كزمر وخمر وآلة
لهو، وأمكنه الإنكار، حضر وأنكر، لأنه يجمع
بين واجبين: إجابة أخيه المسلم، وإزالة
المنكر. وإن لم يمكنه الإنكار لم يحضر، لحديث
ابن عمر مرفوعاً: "من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر، فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر"
رواه أحمد.
"وفي الثانية: سنة. وفي الثالثة: مكروهة"
لحديث: "الوليمة أول يوم: حق، والثاني: معروف،
والثالث: رياء وسمعة" . رواه أحمد، وأبو داود،
وابن ماجه.
"وإنما تجب" الإجابة للوليمة،
"إذا كان الداعي مسلماً يحرم هجره" بخلاف، نحو
رافضي، ومتجاهر بمعصية.
"وكسبه طيب. فإن كان في ماله حرام، كرهت
إجابته، ومعاملته، وقبول هديته" وهبته،
وصدقته.
"وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته"
جزم به في المغني و الشرح وغيرهما.
"وإن دعاه اثنان فأكثر، وجبت عليه إجابة الكل،
إن أمكنه الجمع" بأن اتسع الوقت،
"وإلا" يمكن الجمع،
"أجاب: الأسبق قولاً" لوجوب إجابته بدعائه،
فلا يسقط بدعاء من بعده،
"فالأدين" لأنه الأكرم عند الله،
"فالأقرب رحماً" لما في تقديمه من صلته،
(2/205)
"فجواراً"
لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتمع
الداعيان فأجب أقربهما باباً، فإن أقربهما
باباً أقربهما جواراً، فإن سبق أحدهما فأجب
الذي سبق" . رواه أحمد، وأبو داود.
"ثم يقرع" إن استويا، أو استووا في ذلك، فيقدم
من خرجت له القرعة، لأنها تميز المستحق عند
استواء الحقوق.
"ولا يقصد بالإجابة نفس الأكل، بل ينوي
الإقتداء بالسنة، وإكرام أخيه المؤمن، ولئلا
يظن به التكبر" رجاء أن يثاب على نيته.
"ويستحب أكله ولو صائماً" تطوعاً، لما روي أنه
صلى الله عليه وسلم: كان في دعوة، وكان معه
جماعة، فاعتزل رجل من القوم ناحية، فقال صلى
الله عليه وسلم: "دعاكم أخوكم وتكلف لكم. كل
يوماً، ثم صم يوماً مكانه إن شئت" .
"إلا صوماً واجباً" فلا، لأنه يحرم قطعه،
لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}
1 وعن أبي هريرة مرفوعاً: "إذا دعي أحدكم
فليجب، فإن كان صائماً فليدع، وإن كان مفطراً
فليطعم" رواه أبو داود. ويستحب إعلامهم
بصيامه، لأنه يروى عن عثمان وابن عمر.
وليعلموا عذره، وتزول التهمة.
"وينوي بأكله وشربه التقوي على الطاعة" لتنقلب
العادة عبادة.
"ويحرم الأكل بلا إذن صريح أو قرينة، ولو من
بيت قريبه أو صديقه" لحديث ابن عمر مرفوعاً:
"من دخل على غير دعوة، دخل سارقاً، وخرج
مغيراً" رواه أبو داود. وقال في الآداب: ويباح
الأكل من بيت القريب
ـــــــ
1 محمد من الآية/ 33.
(2/206)
والصديق من مال
غير محرز عنه، إذا علم أو ظن رضي صاحبه بذلك،
نظراً إلى العادة والعرف.
"والدعاء إلى الوليمة، وتقديم الطعام إذن في
الأكل" حديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا دعي
أحدكم إلى طعام، فجاء مع الرسول، فذلك إذن لك"
. رواه أحمد وأبو داود، وقال ابن مسعود: "إذا
دعيت فقد أذن لك" رواه أحمد.
"ويقدم ما حضر من الطعام من غير تكلف" لما روى
أحمد في المسند: أن سلمان دخل عليه رجل، فدعا
له بما كان عنده، فقال: لو لا أن رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، نهانا - أو قال: لو لا
أنا نهينا - أن يتكلف أحدنا لصاحبه، لتكلفنا
لك. ويباح النثار والتقاطه، لأنه صلى الله
عليه وسلم: نحر خمس بدنات، وقال: "من شاء
اقتطع" رواه أحمد وأبو داود. وهذا جار مجرى
النثار، لأنه نوع إباحة. وعنه: يكره، لأنه صلى
الله عليه وسلم نهى عن النهبى والمثلة. رواه
أحمد والبخاري. ولأن فيه دناءة. وخبر البدنات
يدل على إباحته في الجملة. ومن أخذ منه شيئاً
ملكه، لأنه نوع إباحة، أشبه ما يأكله الضيفان.
وإن قسم على الحاضرين كان أولى بلا خلاف، لقول
أبي هريرة: قسم النبي، صلى الله عليه وسلم،
يوماً بين أصحابه تمراً، فأعطى كل إنسان سبع
تمرات... الحديث، رواه البخاري. وفرق الإمام
أحمد على الصبيان الجوز، لكل واحد خمسة خمسة،
لما حذق ابنه حسن.
"ولا يشرع تقبيل الخبز" لحديث عائشة: دخل علي
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فرأى كسرة
ملقاة، فأخذها فمسحها ثم أكلها، وقال: "يا
عائشة، أكرمي كريمك، فإنها ما نفرت عن قوم،
فعادت إليهم" .
(2/207)
رواه ابن ماجه.
ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر له بنحوه،
ولفظه: "أحسني جوار نعم الله عليك" . قال في
الآداب: فهذا الخبر يدل على عدم التقبيل، لأن
هذا محله كما يفعل في هذا الزمان.
"وتكره إهانته، ومسح يديه به، ووضعه تحت
القصعة" نص عليه، لما تقدم، وكره أحمد الخبز
الكبار، وقال: ليس فيه بركة. ويجوز قطع اللحم
بالسكين، لما روى البخاري: أنه صلى الله عليه
وسلم كان يحتز من كتف شاة... الحديث. احتج به
أحمد. وسئل عن حديث النهي عنه، فقال: ليس
بصحيح.
(2/208)
فصل ويستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده:
لحديث أنس مرفوعاً: "من أحب أن يكثر خير بيته،
فليتوضأ إذا حضر غداؤه، وإذا رفع" . إسناده
ضعيف. رواه ابن ماجه وغيره. وعن سلمان
مرفوعاً: "بركة الطعام: الوضوء قبله وبعده" .
قال جماعة من العلماء: المراد بالوضوء هنا:
غسل اليدين، لا الوضوء الشرعي. وعنه: يكره
قبله. اختاره القاضي. قال الشيخ تقي الدين: من
كرهه، قال: هذا من فعل اليهود، فيكره التشبه
بهم.
"وتسن التسمية جهراً على الطعام والشراب"
لحديث عائشة مرفوعاً: "إذا أكل أحدكم، فليذكر
اسم الله، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله،
فليقل: بسم الله أوله وآخره" . وقيس عليه
الشرب.
(2/208)
"وأن يجلس على
رجله اليسرى، وينصب اليمنى" لأنه صلى الله
عليه وسلم جثا عند الأكل، وقال: "أما أنا فلا
آكل متكأً" . رواه مسلم. أي: بل مستوفزاً بحسب
الحاجة. وعن أنس: أنه صلى الله عليه وسلم أكل
مقعياً تمراً - وفي لفظ - يأكل منه أكلاً
ذريعاً رواه مسلم.
"أو يتربع" وجعل بعضهم التربع من الاتكاء.
"ويأكل بيمينه بثلاثة أصابع مما يليه" لقوله
صلى الله عليه وسلم، لعمر بن أبي سلمة: "يا
غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك" .
متفق عليه. وعن كعب بن مالك قال: "كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم، يأكل بثلاث أصابع،
ولا يمسح يده حتى يلعقها" رواه الخلال.
"ويصغر اللقمة، ويطيل المضغ" قال الشيخ تقي
الدين: على أن هذه المسألة لم أجدها مأثورة،
ولا عن أبي عبد الله، لكن فيها مناسبة. وقال
أيضاً: نظير هذا ما ذكره الإمام أحمد من
استحباب تصغير الأرغفة. نقله عنه في الآداب.
"ويمسح الصحفة" لحديث جابر: أمر رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، بلعق الأصابع والصحفة،
وقال: "إنكم لا تدرون في أية البركة" رواه
مسلم.
"ويأكل ما تناثر" لحديث جابر مرفوعاً: "إذا
وقعت لقمة أحدكم، فليأخذها، فليمط ما كان بها
من أذىً، ثم ليأكلها ولا يدعها للشيطان..." .
الحديث، رواه مسلم.
"ويغض طرفه عن جليسه" لئلا يستحي.
(2/209)
"ويؤثر
المحتاج" لقوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ...} 1 الآية.
"ويأكل مع الزوجة والمملوك والولد ولو طفلاً"
لقول عائشة "كنت أتعرق العرق، فأناوله النبي،
صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع في..".
الحديث. "وأكل معه صلى الله عليه وسلم عمر بن
أبي سلمة وهو صغير".
"ويعلق أصابعه" لما تقدم.
"ويخلل أسنانه" لما روي عن ابن عمر: "ترك
الخلال يوهن الأسنان" ورفعه بعضهم. وفي حديث:
"تخللوا من الطعام، فإنه ليس شيء أشد على
الملك الذي على العبد أن يجد من أحدكم ريح
الطعام" .
"ويلقي ما أخرجه الخلال، ويكره أن يبتلعه، فإن
قلعه بلسانه لم يكره" لحديث أبي هريرة
مرفوعاً: "من أكل فما تخلل فليلفظ، وما لاك
بلسانه فليبلع. من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا
حرج" . رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
"ويكره نفخ الطعام" والشراب. قال في الآداب:
أطلقه الأصحاب، لظاهر الخبر. انتهى. وعن ابن
عباس مرفوعاً: "نهى أن يتنفس في الإناء، أو
ينفخ فيه".
"وكونه حاراً" لأنه لا بركة فيه. وقال أبو
هريرة: "لا يؤكل طعام حتى يذهب بخاره" رواه
البيهقي بإسناد حسن.
"وأكله بأقل" من ثلاث أصابع لأنه كبر،
ـــــــ
1 الحشر من الآية/ 9.
(2/210)
"أو أكثر من
ثلاث أصابع" لأنه شره. ولم يصحح الإمام أحمد
حديث أكله صلى الله عليه وسلم بكفه كلها.
"أو بشماله" بلا ضرورة، لأنه تشبه بالشيطان.
وذكره النووي في الشرب إجماعاً. وذكر ابن عبد
البر وابن حزم: أن الأكل بالشمال محرم، لظاهر
الأخبار.
"أو من أعلى الصحفة: أو وسطها" لقوله: "...
وكل مما يليك..." . وعن ابن عباس مرفوعاً:
"إذا أكل أحدكم طعاماً، فلا يأكل من أعلى
الصحفة، ولكن ليأكل من أسفلها، فإن البركة
تنزل من أعلاها" وفي لفظ آخر "كلوا من
جوانبها، ودعوا ذروتها، يبارك فيها" رواهما
ابن ماجه.
"ونفض يده في القصعة، وتقديم رأسه إليها عند
وضع اللقمة في فمه" لأنه ربما سقط منه شيء
فيها فيقذرها.
"وكلامه بما يستقذر" إذا أكل مع غيره، أو بما
يضحكهم أو يحزنهم. قاله الشيخ عبد القادر.
وكذا فعله ما يستقذر: كتمخط.
"وأكله متكئاً، أو مضطجعاً" لما تقدم. وقال
ابن هبيرة: أكل الرجل متكئاً يدل على استخفافه
بنعمة الله. وعن ابن عمر نهى رسول الله، صلى
الله عليه وسلم، عن مطعمين: عن الجلوس على
مائدة يشرب عليها الخمر، وأن يأكل وهو منبطح
على بطنه رواه أبو داود.
"وأكله كثيراً بحيث يؤذيه" لحديث: "ما ملأ
آدمي وعاءً شراً من بطن..". الحديث، رواه
الترمذي والنسائي وابن ماجه. وعن سمرة بن جندب
أنه قيل له: إن ابنك بات البارحة بشماً، فقال:
أما لو مات
(2/211)
لم أصل عليه
قال الشيخ تقي الدين: يعني: أنه أعان على قتل
نفسه. انتهى. فإن لم يؤذه جاز، لقوله، صلى
الله عليه وسلم، لأبي هريرة "اشرب" - أي: من
اللبن - فشرب، ثم أمره ثانياً، وثالثاً، حتى
قال: والذي بعثك بالحق ما أجد له مساغاً" رواه
البخارى.
"أو قليلاً بحيث يضره" لحديث "لاضرر ولا ضرار"
وقيل لأحمد هؤلاء الذين يأكلون قليلاً،
ويقللون طعامهم. قال: ما يعجبني، سمعت عبد
الرحمن بن مهدي يقول: فعل قوم هكذا فقطعهم عن
الفرض. رواه الخلال.
"ويأكل ويشرب مع أبناء الدنيا بالأدب
والمروءة، ومع الفقراء بالإيثار، ومع العلماء
بالتعليم، ومع الإخوان بالانبساط، وبالحديث
الطيب والحكايات التي تليق بالحال" إذا كانوا
منقبضين. قال معناه الإمام أحمد. وقال جعفر بن
محمد: قال لي أحمد: كل. فلما رأى ما نزل بي
قال: إن الحسن كان يقول: والله لتأكلن، وكان
ابن سيرين
يقول: إنما وضع الطعام ليؤكل، وكان إبراهيم بن
أدهم يبيع ثيابه، وينفقها على أصحابه. قال:
فانبسطت فأكلت، فقال: لتأكلن هذه، انتهى.
"وما جرت به العادة من إطعام السائل ونحو
الهر، ففي جوازه وجهان" قال في الآداب و
الفروع: والأولى جوازه، لحديث أنس في الدباء
وفيه "فجعلت أجمع الدباء بين يديه" رواه
البخاري. وقال: قال ابن المبارك: لا بأس أن
يناول بعضهم بعضاً، ولا يناول من هذه المائدة
إلى مائدة أخرى.
(2/212)
فصل ويسن أن يحمد الله إذا فرغ من أكله أو
شربه
:
لحديث: "إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل
الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده
عليها" رواه مسلم.
"ويقول: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام،
ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة" لحديث معاذ
بن أنس الجهني مرفوعاً: "من أكل طعاماً فقال:
الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول
مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه
ابن ماجه.
"ويدعو لصاحب الطعام" لقول جابر: صنع أبو
الهيثم بن التيهان للنبي، صلى الله عليه وسلم
طعاماً، فدعاه وأصحابه، فلما فرغوا، قال:
"أثيبوا أخاكم" . قالوا: يا رسول الله: وما
إثابته؟ قال: "إن الرجل إذا دخل بيته، وأكل
طعامه، وشرب شرابه، فدعوا له، فذلك إثابته"
رواه أبو داود. ويؤيده حديث: "ومن صنع إليكم
معروفاً فكافئوه" .
"ويفضل منه شيئاً ولا سيما إن كان ممن يتبرك
بفضلته" أو كان ثم حاجة. قال أبو أيوب كان
رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إذا أتي بطعام
أكل، وبعث بفضله إلي. فيسأل أبو أيوب عن موضع
أصابعه، فيتبع موضع أصابعه.
"ويسن إعلان النكاح والضرب عليه بدف لا حلق
فيه ولا صنوج"
(2/213)
لحديث عائشة
مرفوعاً: "أعلنوا هذا النكاح، واضربوا عليه
بالغربال" رواه ابن ماجه. وحديث "فصل ما بين
الحلال والحرام: الدف، والصوت في النكاح" رواه
الخمسة، إلا أبا داود. قال الموفق:
"للنساء" وفي الرعاية:
"ويكره للرجال" مطلقاً. قال في الفروع: وظاهر
نصوصه، وكلام الأصحاب: التسوية. انتهى. وهو
ظاهر النصوص.
"ولا بأس بالغزل في العرس" لقوله، صلى الله
عليه وسلم، للأنصار.
"أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم
ولو لا الذهب الأحمر ... لما حلت بواديكم
ولو لا الحبة السوداء ... ما سرت عذاريكم"
وكان صلى الله عليه وسلم، يكره نكاح السر حتى
يضرب بدف، ويقال:
"أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم"
رواه عبد الله بن أحمد في المسند.
(2/214)
باب عشرة النساء
مدخل
...
باب عشرة النساء:
"يلزم كلاً من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف
من الصحبة الجميلة وكف الأذى، وأن لا يمطله
بحقه" لقوله تعالى: {...وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ...} 1 وقوله: {...وَلَهُنَّ
مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ
بِالْمَعْرُوفِ...} 2 قال بعضهم: التماثل هنا
في تأدية كل منهما ما عليه لصاحبه. وفي حديث:
"استوصوا بالنساء خيراً" رواه مسلم.
"وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه" لقوله
تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}
3 وحديث: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد،
لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" رواه الترمذي.
"وليكن غيوراً من غير إفراط" لحديث جابر بن
عتيك مرفوعاً: "إن من الغيرة ما يحب الله، ومن
الغيرة ما يبغض الله. ومن الخيلاء ما يحب
الله، ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي
يحب الله: فالغيرة في الريبة. وأما الغيرة
التي يبغض الله: فالغيرة في غير الريبة.." .
الحديث، رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي.
"وإذا تم العقد وجب على المرأة أن تسلم نفسها
لبيت زوجها إذا
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 19.
2 البقرة من الآية/ 228.
3 البقرة من الآية/ 228.
(2/215)
طلبها وهي حرة"
وأما الأمة مع الإطلاق، فلا يجب تسليمها إلا
ليلاً. نص عليه.
"يمكن الاستمتاع بها كبنت تسع" نص عليه في
رواية أبي الحارث. وذهب في ذلك إلى أن النبي،
صلى الله عليه وسلم بني بعائشة وهي بنت تسع
سنين.
"إن لم تشترط دارها" فإن شرطتها فلها الفسخ إن
نقلها عنها للزوم الشرط.
"ولا يجب عليها التسليم إن طلبها وهي محرمة"
بحج أو عمرة.
"أو مريضة، أو صغيرة، أو حائض، ولو قال: لا
أطأ" هذه الأعذار تمنع الاستمتاع بها، ويرجى
زوالها، أشبه ما لو طلب تسليمها في نهار
رمضان. فإن طرأ الإحرام، أو المرض، أو الحيض
بعد الدخول فليس لها منع نفسها من زوجها مما
يباح له منها.
(2/216)
فصل وللزوج أن يستمتع بزوجته كل وقت:
على أي صفة كانت" لقوله تعالى: {فَأْتُوا
حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} 1 قال جابر: من
بين يديها، ومن خلفها، غير أن لا يأتيها إلا
في المأتى متفق عليه. وحديث: "إذا باتت المرأة
هاجرةً فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح"
متفق عليه.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 223.
(2/216)
"ما لم يضرها
أو يشغلها عن الفرائض" لحديث: "لا ضرر ولا
ضرار" .
"ولا يجوز لها أن تتطوع بصلاة أو صوم وهو حاضر
إلا بإذنه" لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا يحل
للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه" متفق
عليه.
"وله الاستمناء بيدها" كذا قال. وقال في شرح
الإقناع في باب التعزير: لأنه كتقبيلها.
"والسفر بلا إذنها" لأنه لا ولاية لها عليه.
"ويحرم وطؤها في الدبر" في قول أكثر أهل العلم
من الصحابة ومن بعدهم، لحديث: "إن الله لا
يستحي من الحق. لا تأتوا النساء في أعجازهن"
رواه ابن ماجه.
"ونحو الحيض" يحرم وطؤها فيه إجماعاً، لقوله
تعالى: {...فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي
الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى
يَطْهُرْنَ} 1. وحديث أبي هريرة مرفوعاً: "من
أتى حائضاً أو امرأةً في دبرها فقد كفر بما
أنزل على محمد، صلى الله عليه وسلم" رواه
الأثرم.
"وعزله عنها بلا إذنها" نص عليه. وهو: أن ينزل
الماء خارجاً عن الفرج، لما فيه من تقليل
النسل، ومنع الزوجة من كمال الاستمتاع. وعن
ابن عمر: "نهى رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها" رواه أحمد وابن
ماجه.
"ويكره أن يقبلها أو يباشرها عند الناس" لأنه
دناءة.
"أو يكثر الكلام حال الجماع" قياساً على
التخلي، ولحديث: "لا تكثروا
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 222.
(2/217)
الكلام عند
مجامعة النساء فإنه منه يكون الخرس والفأفأة"
رواه أبو حفص. وكره الوطء متجردين، لحديث:
"إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجرد تجرد
العيرين" رواه ابن ماجه. ويكره بحيث يراه أو
يسمعه غير طفل لا يعقل. قال أحمد: كانوا
يكرهون الوجس، وهو: الصوت الخفي. وكره نزعه
قبل فراغها، لحديث أنس مرفوعاً، وفيه: "ثم إذا
قضى حاجته فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها" رواه
أحمد وأبو حفص.
"أو يحدثا بما جرى بينهما" لنهيه صلى الله
عليه وسلم، عنه رواه أبو داود وغيره.
"ويسن أن يلاعبها قبل الجماع" لتنهض شهوتها،
وتنال من لذة الجماع مثل ما يناله.
"وأن يغطي رأسه" عند الجماع، وعند الخلاء. قال
في الفروع: ذكره جماعة.
"وأن لا يستقبل القبلة" عند الجماع، لأن عمرو
بن حزم وعطاء كرها ذلك. قاله في الشرح.
"وأن يقول عند الوطء: بسم الله، اللهم جنبنا
الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا" قال عطاء في
قوله تعالى: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} 1.
هي التسمية عند الجماع. وعن ابن عباس مرفوعاً:
"لو أن أحدكم حين يأتي أهله قال: بسم الله،
اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا،
فولد بينهما ولد، لم يضره الشيطان أبداً" متفق
عليه.
"وأن تتخذ المرأة خرقة تناولها للزوج بعد
فراغه من الجماع" ليمسح بها. وهو مروي عن
عائشة.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 223.
(2/218)
فصل وليس عليها خدمة زوجها في عجن وخبز وطبخ
ونحوه:
نص عليه، لأن المعقود عليه منفعة البضع، فلا
يملك غيره من منافعها.
"لكن الأولى لها فعل ما جرت به العادة" وأوجب
الشيخ تقي الدين المعروف من مثلها لمثله. وفي
حديث عائشة مرفوعاً: "ولو أن رجلاً أمر امرأته
أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل
أسود إلى جبل أحمر، لكان نولها أن تفعل" رواه
أحمد وابن ماجه.
"وله أن يلزمها بغسل نجاسة عليها، وبالغسل من
الحيض. والنفاس والجنابة" واجتناب المحرمات
إذا كانت مكلفة.
"وبأخذ ما يعاف من ظفر وشعر" قال القاضي:
رواية واحدة، لأنه يمنع كمال الاستمتاع.
"ويحرم عليها الخروج بلا إذنه، ولو لموت
أبيها" لحديث أنس أن رجلاً سافر، ومنع زوجته
من الخروج، فمرض أبوها: فاستأذنت رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، في حضور جنازته، فقال
لها: "اتقي الله ولا تخالفي زوجك" . فأوحى
الله إليه: "أني قد غفرت لها بطاعتها زوجها" .
رواه ابن بطة في أحكام النساء. وقال أحمد في
امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب
عليها من أمها، إلا أن يأذن لها. ويستحب إذنه
لها في عيادتهما، وشهود جنازتهما، لما فيه من
صلة
(2/219)
الرحم،
والمعاشرة بالمعروف. ومنعها يؤدي إلى النفور،
ويغري بالعقوق.
"لكن لها أن تخرج لقضاء حوائجها" التي لا بد
لها منها، للضرورة.
"ولا يملك منعها من كلام أبويها، ولا منعهما
من زيارتها" لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق.
"ما لم يخف منهما الضرر" فله المنع دفعاً
للضرر.
"ولا يلزمها طاعة أبويها" في فراقه ومخالفته.
"بل طاعة زوجها أحق" لوجوبها عليها.
(2/220)
فصل ويلزمه أن يبيت عند الحرة بطلبها ليلة من
أربع ليال:
إن لم يكن له عذر. لقوله، صلى الله عليه وسلم،
لعبد الله بن عمرو: "إن لزوجك عليك حقاً" متفق
عليه. وروى الشعبي أن كعب بن سوار كان جالساً
عند عمر بن الخطاب، فجاءت امرأة فقالت: يا
أمير المؤمنين، ما رأيت رجلاً قط أفضل من
زوجي. والله إنه ليبيت ليله قائماً، ويظل
نهاره صائماً. فاستغفر لها، وأثنى عليها،
واستحيت المرأة، وقامت راجعة. فقال كعب: يا
أمير المؤمنين: هلا أعديت المرأة على زوجها
فلقد أبلغت إليك في الشكوى. فقال لكعب: اقض
بينهما، فإنك فهمت من أمرها ما لم أفهم. قال:
فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي
رابعتهن. فأقضي بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد
فيهن، ولها يوم
(2/220)
وليلة. فقال
عمر: والله ما رأيك الأول بأعجب من الآخر،
اذهب فأنت قاض على البصرة وفي لفظ: نعم القاضي
أنت رواه سعيد. وهذه قضية اشتهرت فلم تنكر،
فكانت إجماعاً.
"والأمة ليلة من سبع" لأن أكثر ما يمكنه جمعه
معها ثلاث حرائر، لهن ست، ولها السابعة.
والصحيح: أن لها ليلة من ثمان، نصف ما للحرة،
لأن زيادتها على ذلك تخل بالتنصيف. وزيادة
الحرة على ليلة من أربع زيادة على الواجب،
فتعين ما ذكرنا. قاله في الكافي.
"وأن يطأ في كل ثلث سنة مرة إن قدر" وطلبته،
لأن الله تعالى قدر ذلك بأربعة أشهر في حق
المؤلي، فكذلك في حق غيره، لأن اليمين لا توجب
ما حلف عليه، فدل أن الوطء واجب بدونها.
"فإن أبى" الوطء أو البيتوتة الواجبين.
"فرق الحاكم بينهما إن طلبت" نص عليه في رواية
ابن منصور، في رجل تزوج امرأة، ولم يدخل بها،
يقول: غداً أدخل بها، غداً أدخل بها إلى شهر،
هل يجبر على الدخول؟ قال: أذهب إلى أربعة أشهر
إن دخل بها، وإلا فرق بينهما. فجعله كالمؤلي.
ولا يصح الفسخ هنا إلا بحكم حاكم، لأنه مختلف
فيه.
"وإن سافر فوق نصف سنة في غير أمر واجب" كحج،
وغزو واجبين،
"أو طلب رزق يحتاج إليه وطلبت قدومه، لزمه"
فإن أبى بلا عذر فرق بينهما بطلبها، لما تقدم.
"ويجب عليه التسوية بين زوجاته في المبيت" قال
في الشرح:
(2/221)
ولا نعلم
خلافاً في وجوب التسوية بين الزوجات في القسم.
انتهى. لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ} 1. وزيادة إحداهن في القسم
ميل. وعن أبي هريرة مرفوعا "من كان له
امرأتان، فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة
وشقه مائل" وعن عائشة كان رسول الله، صلى الله
عليه وسلم، يقسم بيننا فيعدل، ثم يقول: "اللهم
هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك"
رواهما أبو داود.
"ويكون ليلة وليلة" لفعله صلى الله عليه وسلم.
"إلا أن يرضين بأكثر" لأن الحق لا يعدوهن،
ولقوله، صلى الله عليه وسلم، لأم سلمة: "فإن
سبعت لك سبعت لنسائي" . رواه أحمد، ومسلم.
وعماد القسم الليل، إلا لمن معيشته بالليل،
كحارس، والنهار يدخل تبعاً، لأن سودة وهبت
يومها لعائشة متفق عليه. وقالت عائشة قبض رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، في بيتي، وفي يومي،
وإنما قبض نهاراً. ولزوجة أمة مع حرة، ليلة من
ثلاث ليال رواه الدارقطني عن علي، واحتج به
أحمد. وقال ابن المنذر: أجمع من نحفظ عنه من
أهل العلم أن القسم بين المسلمة والذمية سواء.
"ويحرم دخوله في نوبة واحدة إلى غيرها إلا
لضرورة" كأن تكون منزولاً بها، فيريد أن
يحضرها، أو توصي إليه.
"وفي نهارها إلا لحاجة" كعيادة، وسؤال عن أمر
يحتاج إليه. فإن لم يلبث، لم يقض، لأنه زمن
يسير.
"وإن لبث أو جامع لزمه القضاء" بأن يدخل على
المظلومة في ليلة
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 19.
(2/222)
الأخرى، فيمكث
عندها بقدر ما مكث عندها تلك الليلة، أو
يجامعها إن كان جامع ليعدل بينهما. وليس عليه
قضاء قبلة ونحوها، لقول عائشة كان رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، يدخل علي في يوم غيرى،
فينال مني كل شيء إلا الجماع.
"وإن طلق واحدة وقت نوبتها أثم" لأنه تسبب
بالطلاق إلى إبطال حقها من القسم.
"ويقضيها متى نكحها" لتمكنه من إيفائها حقها،
كالمعسر بالدين إذا أيسر.
"ولا يجب أن يسوي بينهن في الوطء ودواعيه" لا
نعلم فيه خلافاً قاله في الشرح. لأن الداعي
إليه الشهوة والمحبة، ولا سبيل إلى التسوية في
ذلك. قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ
تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ
حَرَصْتُمْ} 1. قال ابن عباس: في الحب
والجماع، وقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم هذا
قسمي فيما أمللك، فلا تلمني فيما لا أملك" .
"ولا في النفقة والكسوة، حيث قام بالواجب، وإن
أمكنه ذلك" وفعله،
"كان حسناً" لأنه أكمل.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 129.
(2/223)
فصل وإذا تزوج
بكراً أقام عندها سبعاً وثيباً ثلاثاً:
"ثم يعود إلى القسم بينهن" وتصير الجديدة
آخرهن نوبة، لحديث أبي قلابة عن أنس قال: من
السنة إذا تزوج البكر على الثيب، أقام عندها
سبعاً، وقسم. وإذا تزوج الثيب أقام عندها
ثلاثاً، ثم قسم. قال أبو قلابة: لو شئت لقلت:
إن أنساً رفعه إلى النبي، صلى الله عليه وسلم
أخرجاه.
"وله تأديبهن على ترك الفرائض" قال أحمد: أخشى
أن لا يحل للرجل أن يقيم مع امرأة لا تصلي،
ولا تغتسل من الجنابة، ولا تتعلم القرآن. وعن
معاذ مرفوعاً: "أنفق على عيالك من طولك، ولا
ترفع عنهم عصاك أدباً، وأخفهم في الله" رواه
أحمد.
"ومن عصته وعظها" أي: خوفها الله عز وجل، وذكر
لها ما أوجب عليها من الحق والطاعة، وما
يلحقها بالمخالفة من الإثم وسقوط النفقة
والكسوة، وما يباح من هجرها وضربها، لقوله
تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ
فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي
الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ...} 1.
"فإن أصرت، هجرها في المضجع ما شاء" ما دامت
كذلك. قال ابن عباس: لا تضاجعها في فراشك. وقد
هجر النبي، صلى الله عليه وسلم نساءه، فلم
يدخل عليهن شهراً متفق عليه.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 34.
(2/224)
"وفي الكلام
ثلاثة أيام فقط" لحديث أبي هريرة مرفوعاً: "لا
يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" متفق
عليه.
"فإن أصرت ضربها ضرباً غير شديد" لحديث عمرو
بن الأحوص مرفوعاً وفيه: "...فإن فعلن
فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير
مبرح" الحديث، رواه ابن ماجه والترمذي. وصححه.
قال ثعلب: غير مبرح، أي: غير شديد. وفي حديث:
"لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها
في آخر اليوم" .
"بعشرة أسواط لا فوقها" لحديث "لا يجلد أحدكم
فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله
تعالى" متفق عليه. ويجتنب الوجه والمواضع
المخوفة والمستحسنة، لأن القصد التأديب، لا
الإتلاف. ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا
تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت"
رواه أحمد وأبو داود. وقال أحمد في الرجل يضرب
امرأته: لا ينبغي لأحد أن يسأله، ولا أبوها:
لم يضربها؟ للخبر. رواه أبو داود.
"ويمنع من ذلك إن كان مانعاً لحقها" حتى
يوفيه، لأنه يكون ظالماً بطلبه حقه مع منعه
حقها.
(2/225)
|