منار
السبيل في شرح الدليل
كتاب النكاح
مدخل
مدخل
...
كتاب النكاح:
"يسن لذي شهوة لا يخاف الزنى" لقوله تعالى:
{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ
النِّسَاءِ} 1 وقوله: {وَأَنْكِحُوا
الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ
عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ...} 2. وقال النبي
صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب: من
استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر
وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه
له وجاء" . رواه الجماعة من حديث ابن مسعود.
وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "إني أتزوج
النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" . متفق
عليه. وقال ابن عباس لسعيد بن جبير: تزوج فإن
خير هذه الأمة أكثرها نساء. رواه أحمد
والبخاري.
"ويجب على من يخافه" أي: يخاف الزنى بتركه من
رجل أو امرأة، في قول عامة الفقهاء. قاله في
الشرح، لأنه طريق إعفاف نفسه، وصونها عن
الحرام.
"ويباح لمن لا شهوة له" كالعنين، والكبير،
لعدم منع الشرع منه.
"ويحرم بدار الحرب، لغير ضرورة" نص عليه في
رواية الأثرم وغيره،
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 3.
2 النور من الآية/ 32.
(2/134)
قال: من أجل
الولد لئلا يستعبد، فإن اضطر أبيح له نكاح
مسلمة وليعزل عنها، ولا يتزوج منهم. وأما
الأسير، فظاهر كلام أحمد لا يحل له التزوج ما
دام أسيراً. قال في المغني في آخر الجهاد.
"ويسن نكاح ذات الدين" لحديث أبي هريرة
مرفوعاً: "تنكح المرأة لأربع: لمالها،
ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات
الدين، تربت يداك" . متفق عليه. ولمسلم معناه
من حديث جابر.
"الولود" لحديث أنس مرفوعاً: "تزوجوا الودود
الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" .
رواه سعيد.
"البكر" لقوله، صلى الله عليه وسلم، لجابر:
"فهلا بكراً، تلاعبها وتلاعبك" متفق عليه.
"الحسيبة" ليكون ولدها نجيباً من بيت معروف
بالدين والصلاح.
"الأجنبية" فإن ولدها يكون أنجب، ولأنه لا
يؤمن الطلاق، فيفضي مع القرابة إلى قطيعة
الرحم المأمور بصلتها. الجميلة، لأنه أسكن
لنفسه، وأغض لبصره، وأكمل لمودته. وعن أبي
هريرة قال: قيل: يا رسول الله: أي النساء خير؟
قال: "التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا
تخالفه في نفسها، ولا في ماله بما يكره" رواه
أحمد والنسائي.
"ويجب غض البصر عن كل ما حرم الله تعالى"
لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا
مِنْ أَبْصَارِهِمْ...} 1 وفي حديث أبي هريرة،
رضي الله عنه "والعينان زناهما النظر" الحديث
ـــــــ
1 النور من الآية/30.
(2/135)
متفق عليه. وعن
جرير قال: سألت رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، عن نظر الفجاءة، فقال: "اصرف بصرك" .
رواه أحمد ومسلم وأبو داود. قال في الفروع:
وليحذر العاقل إطلاق البصر، فإن العين ترى غير
المقدور عليه على غير ما هو عليه، وربما وقع
من ذلك العشق، فيهلك البدن والدين، فمن ابتلي
بشيء من ذلك فليفكر في عيوب النساء. قال ابن
مسعود: إذا أعجبت أحدكم امرأة فليذكر مناتنها
وما عيب نساء الدنيا بأعجب من قوله تعالى:
{...لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} 1
انتهى.
"فلا ينظر إلا ما ورد الشرع بجوازه" ويأتي.
"والنظر ثمانية أقسام:"
"الأول: نظر الرجل البالغ" ولو مجبوباً قال
الأثرم: استعظم الإمام أحمد إدخال الخصيان على
النساء.
"للحرة البالغة الأجنبية، لغير حاجة، فلا يجوز
نظر شيء منها، حتى شعرها المتصل" لما تقدم.
وقيل: إلا الوجه والكفين. وهذا مذهب الشافعي،
لقوله تعالى: {...إِلَّا مَا ظَهَرَ
مِنْهَا...} 2. قال ابن عباس: الوجه والكفين.
"الثاني: نظره لمن لا تشتهى: كعجوز، وقبيحة،
فيجوز لوجهها خاصة" لقوله تعالى:
{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا
يَرْجُونَ نِكَاحاً...} 3 الآية والقبيحة في
معناها.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 57.
2 النور من الآية/ 31.
3 النور من الآية/ 60.
(2/136)
"الثالث: نظره
للشهادة عليها، أو لمعاملتها، فيجوز لوجهها،
وكذا لكفيها للحاجة" أي: لحاجته إلى معرفتها
بعينها، للمطالبة بحقوق العقد، ولتحمل
الشهادة، وأدائها.
"الرابع: نظره لحرة بالغة يخطبها، فيجوز
للوجه، والرقبة، واليد، والقدم" لحديث جابر
مرفوعاً: "إذا خطب أحدكم المرأة فان استطاع أن
ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" .
قال: فخطبت جارية من بني سلمة، فكنت أتخبأ
لها، حتى رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها.
رواه أحمد وأبو داود. قال في الشرح: ولا نعلم
خلافاً في إباحة النظر إلى المرأة لمن أراد
نكاحها، وفيه أحاديث كثيرة. انتهى. وعن
الأوزاعي: ينظر إلى مواضع اللحم. وقال ابن عبد
البر: كان يقال: لو قيل للشحم: أين تذهب؟
لقال: أقوم العوج. وكذا أمة مستامة، لما روى
أبو حفص بإسناده: أن ابن عمر كان يضع يده بين
ثدييها، وعلى عجزها من فوق الثياب، ويكشف عن
ساقها ذكره في الفروع.
"الخامس: نظره إلى ذوات محارمه" وهي: من تحرم
عليه أبداً بنسب: كأمه، وأخته، أو بسبب:
كرضاع، ومصاهرة، فيجوز نظره إلى ما يظهر منها
غالباً لقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ
آبَائِهِنَّ} 1. وقال تعالى: {لا جُنَاحَ
عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا
أَبْنَائِهِنَّ} 2. وقال النبي، صلى الله عليه
وسلم، لعائشة "إئذني له فإنه عمك" .
"ولبنت تسع" لحديث: "لا يقبل الله صلاة حائض
إلا بخمار" . فدل
ـــــــ
1 النور من الآية/ 55.
2 الأحزاب من الآية/ 31.
(2/137)
على صحة صلاة
من لم تحض مكشوفة الرأس، فيكون حكمها مع
الرجال كذوات المحارم. وروى أبو بكر بإسناده:
أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي، صلى
الله عليه وسلم، في ثياب رقاق، فأعرض عنها،
وقال: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض
لم يصلح أن يرى منها إلا هذا، وهذا: وأشار إلى
وجهه، وكفيه" ورواه أبو داود، وقال: هذا مرسل.
"أو أمة لا يملكها، أو يملك بعضها" قال ابن
المنذر: ثبت أن عمر قال لأمة رآها متقنعة:
اكشفي رأسك، ولا تشبهي بالحرائر، وضربها
بالدرة. فإن كانت جميلة حرم النظر إليها، كما
يحرم إلى الغلام خشية الفتنة. قال أحمد في
الأمة إذا كانت جميلة: تنقبت.
"أو كان لا شهرة له: كعنين، وكبير" لقوله
تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي
الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ...} 1. أي: الذي
لا إرب له في النساء. كذلك فسره مجاهد،
وقتادة، ونحوه عن ابن عباس، أن النبي، صلى
الله عليه وسلم لم يمنع المخنث من الدخول على
نسائه، فلما وصف ابنة غيلان، وفهم أمر النساء،
أمر بحجبه.
"أو كان مميزاً، وله شهوة" لقوله تعالى:
{لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا
الْحُلُمَ مِنْكُمْ...} 2. ثم قال: {وَإِذَا
بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ
فَلْيَسْتَأْذِنُوا...} 3.
ـــــــ
1 النور من الآية/ 31.
2 النور من الآية/ 58.
3 النور من الآية/ 59.
(2/138)
ففرق بينه وبين
البالغ. قال الإمام أحمد: حجم أبو طيبة أزواج
النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو غلام.
"أو كان رقيقاً غير مبعض ومشترك، ونظر لسيدته،
فيجوز للوجه والرقبة، واليد، والقدم، والرأس،
والساق" لقوله تعالى: {...أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُنَّ...} 1. وعن أنس: أن النبي، صلى
الله عليه وسلم، أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها،
قال: وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم
يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ
رأسها، فلما رأى النبي، صلى الله عليه وسلم،
ما تلقى، قال: "إنه ليس عليك بأس، إنما هو
أبوك، وغلامك" . رواه أبو داود. ويعضده قوله:
"إذا كان لإحداكن مكًاتب وعنده ما يؤدي،
فلتحتجب منه" . صححه الترمذي.
"السادس: نظره للمداواة، فيجرز للمواضع التي
يحتاج إليها" وكذا لمسه، ويستر ما عداه، لكن
بحضرة زوج، أو محرم. ومثله من يلي خدمة مريض
في وضوء واستنجاء، وكذا حال تخليص من غرق
ونحوه، وكذا لو حلق عانة من لا يحسنه. نص عليه
لأمره، صلى الله عليه وسلم، بالكشف عن مؤتزر
بني قريظة وعن عثمان أنه أتي بغلام قد سرق،
فقال: انظروا إلى مؤتزره، فلم يجدوه أنبت
الشعر، فلم يقطعه.
"السابع: نظره لأمته المحرمة" كالمزوجة،
"ولحرة مميزة دون تسع، ونظر المرأة للمرأة،
وللرجل الأجنبي، ونظر المميز الذي لا شهوة له
للمرأة، ونظر الرجل للرجل ولو أمرد، يجوز إلى
ما عدا ما بين السرة والركبة" .
ـــــــ
1 النور من الآية/ 31.
(2/139)
أما الأمة:
فلحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً:
"إذا زوج أحدكم جاريته عبده، أو أجيره، فلا
ينظر إلى ما دون السرة والركبة، فإنه عورة" .
رواه أبو داود. ومفهومه إباحة النظر إلى ما
عدا ذلك.
وأما الحرة المميزة التي لا تصلح للنكاح: فلأن
حكمها مع الرجال حكم المميز مع النساء،
والمرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل. وعنه: إن
المسلمة لا تكشف قناعها عند الذمية، ولا تدخل
معها الحمام، لقوله تعالى: {أَوْ
نِسَائِهِنَّ...} 1 فتخصيصهن بالذكر يدل على
اختصاصهن بذلك.
وأما نظر المرأة للرجل: فلقوله صلى الله عليه
وسلم، لفاطمة بنت قيس: "اعتدي في بيت ابن أم
مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك فلا يراك"
. وقالت عائشة: كان رسول الله، صلى الله عليه
وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة
يلعبون في المسجد. متفق عليه. وعنه: لا يباح،
لحديث نبهان عن أم سلمة قالت كنت قاعدة عند
النبي، صلى الله عليه وسلم، أنا وحفصة،
فاستأذن ابن أم مكتوم، فقال صلى الله عليه
وسلم: "احتجبا منه" ، فقلت: يا رسول الله إنه
ضرير لا يبصر، قال: "أفعمياوان أنتما لا
تبصرانه !؟" . رواه أبو داود والنسائي. وقد
قال أحمد: نبهان روى حديثين عجيبين: هذا
الحديث، والآخر "إذا كان لإحداكن مكاتب
فلتحتجب منه" . كأنه أشار إلى ضعفه. وقال ابن
عبد البر: نبهان مجهول، لا يعرف إلا برواية
الزهري عنه هذا الحديث، ثم يحتمل الخصوص. قيل
لأحمد: حديث نبهان لأزواجه صلى الله عليه
وسلم، وحديث فاطمة لسائر الناس، قال: نعم.
ـــــــ
1 النور من الآية/ 31.
(2/140)
وأما المميز:
فلقوله تعالى: {...أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ
لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ
النِّسَاءِ...} 1 وأما نظر الرجل للرجل: فلأن
تخصيص العورة بالنهي دليل إباحة النظر إلى
غيرها، ولمفهوم حديث أبي سعيد مرفوعاً: "لا
ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا تنظر المرأة
إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في
الثوب الواحد، ولا المرأة إلى المرأة في الثوب
الواحد" . رواه أحمد ومسلم. لكن إن كان الأمرد
جميلاً، يخاف الفتنة بالنظر إليه، لم يجز تعمد
النظر إليه. وروى الشعبي قال: قدم وفد عبد
القيس على النبي، صلى الله عليه وسلم، وفيهم
غلام أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي، صلى
الله عليه وسلم، وراء ظهره رواه أبو حفص.
"الثامن: نظره لزوجته وأمته المباحة له، ولو
لشهوة، ونظر من دون سبع، فيجوز لكل نظر جميع
بدن الآخر" حتى الفرج. نص عليه، لقوله تعالى:
{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ...} 2 وحديث بهز بن
حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله
عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ
عورتك، إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك" .
حسنه الترمذي. ومن دون سبع لا حكم لعورته، لما
روى أبو حفص عن أبي ليلى، قال: كنا جلوساً عند
النبي، صلى الله عليه وسلم، فجاء الحسن، فجعل
يتمرغ عليه، فرفع مقدم قميصه - أراه قال: فقبل
زبيبه. وقال أحمد في رواية الأثرم - في الرجل
يأخذ الصغيرة فيضعها في حجره ويقبلها -: إن
وجد شهوة فلا، وإلا فلا بأس.
ـــــــ
1 النور من الآية/ 31.
2 المؤمنون من الآية/ 6.
(2/141)
والسنة: عدم
نظر أحد الزوجين إلى فرج الآخر، لأنه أغلظ
العورة، ولقول عائشة: ما رأيت فرج رسول الله،
صلى الله عليه وسلم، قط رواه ابن ماجه. وفي
لفظ: ما رأيته من النبي، صلى الله عليه وسلم،
ما رآه مني.
(2/142)
فصل ويحرم النظر لشهوة:
"أو مع خوف ثورانها إلى أحد ممن ذكرنا" غير
زوجته، وسريته، لأنه داعية إلى الفتنة. وقال
الشيخ تقي الدين: من استحله، كفر إجماعاً.
نقله عنه في الفروع و الإنصاف وغيرهما.
"ولمس، كنظر، وأولى" لأنه أبلغ منه، فيحرم
اللمس حيث يحرم النظر.
"ويحرم التلذذ بصوت الأجنبية، ولو بقراءة"
لأنه يدعو إلى الفتنة بها.
"ويحرم خلوة رجل غير محرم بالنساء، وعكسه" بأن
يخلو عدد من رجال بامرأة واحدة، لحديث جابر
مرفوعاً: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا
يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإن
ثالثهما الشيطان" رواه أحمد. وعن ابن عباس
معناه. متفق عليه. وقال الشيخ تقي الدين:
الخلوة بأمرد حسن ومضاجعته كامرأة، والمقر
لموليه عند من يعاشره لذلك ملعون ديوث، ولو
لمصلحة تعليم وتأديب. ذكره عنه في الفروع و
الإنصاف.
"ويحرم التصريح بخطبة المعتدة البائن، لا
التعريض" لمفهوم قوله
(2/142)
تعالى:
{...وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا
عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ
النِّسَاءِ...} 1. فتخصيص التعريض بنفي الحرج
يدل على عدم جواز التصريح، ولأنه لا يؤمن أن
يحملها الحرص على النكاح على الإخبار بانقضاء
عدتها قيل انقضائها. وقد دخل النبي، صلى الله
عليه وسلم، على أم سلمة وهي متأيمة من أبي
سلمة، فقال: لقد علمت أني رسول الله، وخيرته
من خلقه، وموضعي من قومي. وكانت تلك خطبته
رواه الدارقطنى. وهذا تعريض بالنكاح في عدة
الوفاة. وقال ابن عباس في الآية يقول: إني
أريد التزويج، ولوددت أنه يسر لي امرأة صالحة
رواه البخاري.
"إلا بخطبة الرجعية" فيحرم التعريض لأنها في
حكم الزوجات أشبهت التي في صلب النكاح.
"وتحرم خطبة على خطبة مسلم أجيب" لحديث أبي
هريرة مرفوعاً: "لا يخطب الرجل على خطبة أخيه
حتى ينكح أو يترك" . رواه البخاري والنسائي.
ولما فيها من الإفساد على الأول وإيذائه،
وإيقاع العداوة.
"ويصح العقد" مع تحريم الخطبة، لأن أكثر ما
فيه تقدم حظر على العقد، أشبه ما لو قدم عليه
تصريحاً أو تعريضاً محرماً. وعن مالك وداود:
لا يصح العقد، فإن لم يعلم الثاني إجابة
الأول، أو ترك الأول الخطبة، أو أذن للثاني
فيها جاز، لحديث ابن عمر يرفعه: "لا يخطب
الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله،
أو يأذن الخاطب" . رواه أحمد والبخاري
والنسائي. والتعويل في الإجابة، والرد على ولي
مجبرة، وإلا فعليها. وقد جاء عن عروة: أن
النبي، صلى الله
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 235.
(2/143)
عليه وسلم، خطب
عائشة إلى أبي بكر رواه البخاري، مختصراً
مرسلاً. وعن أم سلمة قالت: لما مات أبو سلمة
أرسل إلي رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
يخطبني، وأجبته رواه مسلم مختصراً. ويسن العقد
مساء يوم الجمعة، لما روى أبو حفص العكبري
مرفوعاً: "أمسوا بالإملاك فإنه أعظم للبركة"
ولأن في آخر يوم الجمعة ساعة الإجابة، فاستحب
العقد فيها لأنها أحرى لإجابة الدعاء لها.
ويسن أن يخطب قبله بخطبة ابن مسعود1 رواه
الترمذي وصححه. وروي عن أحمد: أنه كان إذا حضر
عقد نكاح، ولم يخطب فيه بخطبة ابن مسعود، قام
وتركهم. وهذا على طريق المبالغة في استحبابها،
لا على إيجابها. قال
ـــــــ
1 وهي: إن الخمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل
فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا
وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ
مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً
كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ
الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
[النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}
[الأحزاب:70-71]، أما بعد.
كذا أثبتها المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني
في رسالته الخاصة بها طبع دمشق 1373.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية1 بعد ذكر خطبة
الحاجة: ولهذا استحبت وفعلت في مخاطبة الناس
بعد بالعلم عموما وخصوصا من تعليم الكتاب
والسنة والفقه في ذلك، وموعظة الناس
ومجادلتهم، أن نفتتح بهذه الخطبة الشرعية
النبوية،... فإن حديث ابن مسعود لم يخص النكاح
من جملة ذلك.
وإن مراعاة السنن الشرعية في الأقوال والأفعال
والأعمال في جميع العبادات والعادات هو كمال
الصراط المستقيم، وما سوى ذلك وإن لم يكن
منهيا عنه، فإنه منقوص مرجوح، إذ خير الهدي
هدي محمد.
__________
1 كلامه هذا موجود بخط يده الوجه الثاني من
الورقة 63 من المجموع 69 في المكتبة الظاهرية
بدمشق.
(2/144)
في الشرح:
وليست واجبة عند أحد إلا داود. انتهى. ويجزيء
أن يتشهد، ويصلي على النبي، صلى الله عليه
وسلم، لما روي عن ابن عمر أنه كان إذا دعي
ليزوج، قال: الحمد لله، وصلى الله على سيدنا
محمد، إن فلاناً يخطب إليكم، فإن أنكحتموه
فالحمد لله، وإن رددتموه فسبحان الله ولا يجب
شيء من ذلك، لما في المتفق عليه أن رجلاً قال
للنبي، صلى الله عليه وسلم: زوجنيها. فقال:
"زوجتكها بما معك من القرآن" . وعن رجل من بني
سليم قال: خطبت إلى النبي، صلى الله عليه
وسلم، أمامة بنت عبد المطلب، فأنكحني من غير
أن يتشهد. رواه أبو داود. ولا بأس بسعي الأب
للأيم، واختيار الأكفاء، لعرض عمر حفصة على
أبي بكر وعثمان، رضي الله عنهم.
(2/145)
باب ركني النكاح وشروطه
مدخل
...
باب ركني النكاح وشروطه:
"ركناه: 1-الإيجاب" وهو: اللفظ الصادر من
الولي، أو من يقوم مقامه بلفظ النكاح أو تزويج
ممن يحسن العربية، لأنهما اللفظان الوارد بهما
القرآن. قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ
لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} 1 وقال: {فَلَمَّا
قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً
زَوَّجْنَاكَهَا} 2. وقول سيد لمن يملكها:
أعتقتك، وجعلت عتقك صداقك. لحديث أنس مرفوعاً:
"أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها" متفق عليه.
"2-والقبول" وهو: اللفظ الصادر من الزوج، أو
من يقوم مقامه، بلفظ: قبلت، أو: رضيت هذا
النكاح، أو: قبلت فقط.
"مرتبين" لأن القبول إنما هو للإيجاب، فيشترط
تأخره عنه، فمتى وجد قبله لم يكن قبولاً.
"ويصح النكاح هزلاً" وتلجئة، لقوله صلى الله
عليه وسلم: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: الطلاق،
والنكاح، والرجعة" حسنه الترمذي.
"وبكل لسان من عاجز عن عربي" لأن ذلك في لغته
نظير الإنكاح والتزويج. و: {لا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا...} 3 ولا
يلزمه
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 3.
2 الأحزاب من الآية/ 37.
3 البقرة من الآية/ 286.
(2/146)
تعلم أركانه
بالعربية، لأن النكاح غير واجب، فلم يلزم تعلم
أركانه، ولأن المقصود هنا المعنى دون اللفظ،
لأنه غير متعبد بتلاوته. وقال الشيخ تقي
الدين: ينعقد بما عده الناس نكاحاً بأي لغة
ولفظ، ولم ينقل عن أحمد أنه خص بلفظ إنكاح أو
تزويج، وأول من قاله من أصحابه فيما علمت ابن
حامد، وتابعه عليه القاضي، ومن جاء بعده بسبب
انتشار كتبه، وكثرة أصحابه وأتباعه. انتهى.
"لا بالكتابة، والإشارة إلا من أخرس" فيصح منه
بالإشارة - نص عليه - كبيعه، وطلاقه، والكتابة
أولى. قال في الشرح: ولا يثبت خيار الشرط، ولا
خيار المجلس في النكاح. لا نعلم فيه خلافاً.
"وشروطه خمسة:"
"الأول: تعيين الزوجين: فلا يصح: زوجتك بنتي،
وله غيرها، ولا: قبلت نكاحها لابني، وله غيره،
حتى يميز كل منهما باسمه، أو صفته" لأن
التعيين لا يحصل بدونه، فإن كانت حاضرة، فقال:
زوجتك هذه، أو قال: زوجتك بنتي، ولم يكن له
غيرها صح، لحصول التعيين.
"الثاني: رضي زوج مكلف" أي: بالغ عاقل.
"ولو رقيقاً" نص عليه. فليس لسيده إجباره،
وأما قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى
مِنْكُمْ} الآية1. فالأمر مختص بحال طلبه،
بدليل عطفه على الأيامى.
"فيجبر الأب، لا الجد في غير المكلف" من
أولاده، لما روي أن ابن
ـــــــ
1 النور من الآية/ 32.
(2/147)
عمر زوج ابنه
وهو صغير، فاختصموا إلى زيد، فأجازاه جميعا.
رواه الأثرم. والبالغ المعتوه في معنى الصغير
في ظاهر كلام أحمد والخرقي.
"فإن لم يكن فوصيه" لقيامه مقامه، أشبه
الوكيل.
"فإن لم يكن فالحاكم لحاجة" لأنه ينظر في
مصالحهما بعد الأب ووصيه.
"ولا يصح من غيرهم أن يزوج غير المكلف" لأنه
إذا لم يملك تزويج الأنثى مع قصورها فالذكر
أولى.
"ولو رضي" لأن رضاه غير معتبر.
"ورضي زوجة حرة عاقلة ثبت، تم لها تسع سنين"
لأن لها إذناً صحيحاً معتبراً يشترط مع
ثيوبتها، ويسن مع بكارتها. نص عليه، لحديث أبي
هريرة مرفوعاً: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر،
ولا تنكح البكر حتى تستأذن" . قالوا: يا رسول
الله: وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت" . متفق
عليه. وخص بنت تسع، لقول عائشة: "إذا بلغت
الجارية تسع سنين فهي امرأة"، رواه أحمد، وروي
عن ابن عمر مرفوعاً. فلا يجوز للأب، ولا لغيره
تزويج الثيب إلا بإذنها في قول عامة أهل
العلم، إلا الحسن. قال إسماعيل: لا نعلم أحداً
قال في الثيب بقول الحسن، وهو قول شاذ: فإن
الخنساء زوجها أبوها، وهي ثيب، فكرهت ذلك، فرد
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نكاحه قال ابن
عبد البر: هو حديث مجمع على صحته، ولا نعلم
مخالفاً له إلا الحسن. ذكره في الشرح.
(2/148)
"فيجبر الأب
ثيباً دون ذلك" لأنه لا إذن لها معتبر، وهو
قول مالك. وقال الشافعي: لا يجوز، لعموم
الأحاديث، وقدمه في الكافي و الشرح.
"وبكراً، ولو بالغة" قال في الشرح: وللأب
تزويج ابنته التي لم تبلغ تسع سنين - بغير
خلاف - إذا وضعها في كفاءة مع كراهتها،
وامتناعها. ودل على تزويج الصغيرة قوله تعالى:
{وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} 1 وتزوجت عائشة
وهي ابنة ست متفق عليه. انتهى. وروى الأثرم:
أن قدامة بن مظعون تزوج ابنة الزبير حين نفست،
فقيل له: فقال: ابنة الزبير إن مت ورثتني، وإن
عشت كانت امرأتي.
وفي البكر البالغة روايتان:
إحداهما: له إجبارها، وهو مذهب مالك والشافعي،
لحديث ابن عباس مرفوعاً: "الأيم أحق بنفسها من
وليها، والبكر تستأمر وإذنها صماتها" رواه أبو
داود. وإثباته الحق للأيم على الخصوص يدل على
نفيه عن البكر.
والثانية: لا يجبرها، لحديث أبي هريرة السابق.
"ولكل ولي تزويج يتيمة بلغت تسعاً بإذنها" نص
عليه، لقوله، صلى الله عليه وسلم: "تستأمر
اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن
أبت فلا جواز عليها" . رواه أحمد وأبو داود.
فدل على أن لها إذناً صحيحاً. وقيد بابنة تسع،
لما تقدم عن عائشة، ولأنها تصلح بذلك للنكاح،
وتحتاج إليه، فأشبهت البالغة.
"لا من دونها بحال" لأنه لا إذن لها، وغير
الأب ووصيه لا إجبار
ـــــــ
1 الطلاق من الآبة/ 4.
(2/149)
له. وقد روي:
أن قدامة بن مظعون زوج ابنة أخيه من عبد الله
بن عمر، فرفع بذلك إلى النبي، صلى الله عليه
وسلم، فقال: "إنها يتيمة، ولا تنكح إلا
بإذنها" . رواه أحمد والدارقطني بأبسط من هذا.
"إلا وصي أبيها" لأنه قائم مقامه.
"وإذن الثيب: الكلام" قال في الشرح: لا نعلم
فيه خلافاً للخبر.
"وإذن البكر. الصمات" في قول عامة أهل العلم
قاله في الشرح، لحديث: "الثيب تعرب عن نفسها،
والبكر رضاها صماتها" رواه الأثرم. وقالت
عائشة: يا رسول الله: إن البكر تستحي قال:
"رضاها صماتها" متفق عليه. وكذا لو ضحكت أو
بكت، لأن في حديث أبي هريرة: "فإن بكت، أو
سكتت فهو رضاها، وإن أبت فلا جواز عليها" .
رواه أبو بكر.
"وشرط في استئذانها: تسمية الزوج لها على وجه
تقع به المعرفة" لتكون على بصيرة في إذنها
بتزويجه، ولا يعتبر تسمية المهر.
"ويجبر السيد، ولو فاسقاً عبده غير المكلف"
كابنه وأولى، لتمام ملكه وولايته. قال في
الشرح: في قول أكثر أهل العلم.
"وأمته ولو مكلفة" مطلقاً. قال في الشرح: لا
نعلم فيه خلافاً.
"الثالث: الولي" نص عليه، لقوله، صلى الله
عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" رواه الخمسة.
إلا النسائي، وصححه أحمد وابن معين. قاله
المروزى. وعن عائشة مرفوعاً: "أيما امرأة نكحت
بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل،
فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما
استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من
لا ولي لها" رواه الخمسة إلا النسائي. وقوله:
"بغير إذن وليها" خرج مخرج الغالب فلا مفهوم
له،
(2/150)
ولأن المرأة
غير مأمونة على البضع، لنقص عقلها، وسرعة
إنخداعها، فلم يجز تفويضه إليها، كالمبذر في
المال، فإن زوجت المرأة نفسها، أو غيرها لم
يصح. روي عن عمر وعلي وغيرهما. ذكره في الشرح.
وعن أبي هريرة مرفوعاً: "لا تزوج المرأة
المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية
هي التي تزوج نفسها" رواه ابن ماجه
والدارقطني. وعن عكرمة بن خالد قال: "جمعت
الطريق ركباً، فجعلت امرأة منهن ثيب أمرها بيد
رجل غير ولي، فأنكحها فبلغ ذلك عمر، فجلد
الناكح والمنكح، ورد نكاحهما" . رواه الشافعي
والدارقطني. وقوله تعالى: {فَلا
تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ
أَزْوَاجَهُنَّ} 1. لا يدل على صحة نكاحها
نفسها، بل على أن نكاحها إلى الولي: لأنها
نزلت في معقل بن يسار حين امتنع من تزويج
أخته، فدعاه النبي، صلى الله عليه وسلم،
فزوجها. رواه البخاري وغيره بمعناه، فلو لم
يكن لمعقل ولاية النكاح لما عاتبه تعالى على
ذلك، وإنما أضافه إلى النساء، لتعلقه بهن
وعقده عليهن.
"وشرط فيه ذكورية، وعقل، وبلوغ وحرية" فلا
ولاية لامرأة، ولا مجنون، ولا صبي، ولا عبد،
لأن هؤلاء لا يملكون تزويج أنفسهم، فلا يملكون
تزويج غيرهم بطريق الأولى. قال الإمام أحمد:
لا يزوج الغلام حتى يحتلم ليس له أمر.
"واتفاق دين" فلا ولاية لكافر على مسلمة
وعكسه، لأنه لا توارث بينهما بالنسب، ولقوله
تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 2. وقال
تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} 3.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 232.
2 التوبة من الآية/ 71.
3 الأنفال من الآية/ 73.
(2/151)
"وعدالة ولو
ظاهرة" قال أحمد: أصح شيء في هذا قول ابن
عباس: لا نكاح إلا بشاهدي عدل، وولي مرشد. وقد
روى عن ابن عباس مرفوعاً: "لا نكاح إلا بولي
وشاهدي عدل، وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط
فنكاحها باطل" . ولأنها ولاية نظرية فلا يستبد
بها الفاسق، كولاية المال.
"ورشد" لما تقدم عن ابن عباس.
"وهو" هنا
"معرفة الكفء، ومصالح النكاح" وليس هو حفظ
المال، فإن رشد كل مقام بحسبه. قاله الشيخ تقي
الدين.
"والأحق بتزويج الحرة أبوها" لأنه أكمل نظراً،
وأشد شفقة.
"وإن علا" أي: ثم أبوه وإن علا، لأن له
إيلاداً وتعصيباً، فأشبه الأب.
"فابنها وإن نزل" يقدم الأقرب فالأقرب، لحديث
أم سلمة: أنها لما انقضت عدتها أرسل إليها
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخطبها،
فقالت: يا رسول الله: ليس أحد من أوليائي
شاهداً. قال: "ليس من أوليائك شاهد ولا غائب
يكره ذلك" ، فقالت لابنها: يا عمر قم فزوج
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فزوجه. رواه
أحمد والنسائي. قال الأثرم: قلت لأبي عبد
الله: فحديث عمر بن أبي سلمة حين زوج النبي،
صلى الله عليه وسلم أمه أم سلمة أليس كان
صغيراً؟ قال: ومن يقول كان صغيراً؟! ليس فيه
بيان. ولأنه عدل من عصبتها، فقدم على سائر
العصبات، لأنه أقربهم نسباً وأقواهم تعصيباً.
(2/152)
"فالأخ الشقيق،
فالأخ للأب" لأن ولاية النكاح حق يستفاد
بالتعصيب، فقدم فيه الأخ الشقيق كالميراث.
"ثم الأقرب فالأقرب كالإرث" لئلا يلي بنو أب
أعلى مع بني أب أقرب منه، وإن نزلت درجتهم،
لأن مبنى الولاية على الشفقة والنظر، ومظنتها
القرابة، فأقربهم أشفقهم. ولا ولاية لغير
العصبات كأخ لأم، وعم لأم، وخال. نص عليه،
لقول علي، رضي الله عنه: إذا بلغ النساء نص
الحقائق فالعصبة أولى يعني: إذا أدركن. رواه
أبو عبيد في الغريب.
"ثم السلطان أو نائبه" لقوله "فإن اشتجروا
فالسلطان ولي من لا ولي له" . وتقدم. قال
الإمام أحمد: والقاضي أحب إلي من الأمير في
هذا.
"فإن عدم الكل زوجها ذو سلطان في مكانها" لأن
له سلطنة فيدخل في عموم الحديث.
"فإن تعذر وكلت من يزوجها" قال الإمام أحمد في
دهقان قرية: يزوج من لا ولي لها إذا احتاط لها
في الكفء والمهر، إذا لم يكن في الرستاق قاض.
انتهى. لأن شرط الولي في هذه الحال يمنع
النكاح بالكلية.
"فلو زوج الحاكم أو الولي الأبعد بلا عذر
للأقرب لم يصح" النكاح، لأنه لا ولاية للحاكم
والأبعد مع من هو أحق منهما، أشبها الأجنبي.
"ومن العذر غيبة الولي فوق مسافة قصر" ولا
تقطع إلا بكلفة ومشقة في منصوص أحمد. قال في
الكافي: والرد في هذا إلى العرف،
(2/153)
وما جرت العادة
بالانتظار فيه، والمراجعة لصاحبه، لعدم
التحديد فيه من الشارع.
"أو تجهل المسافة، أو يجهل مكانه مع قربه" أو
تعذرت مراجعته فيزوج الأبعد، لأن الأقرب هنا
كالمعدوم.
"أو يمنع من بلغت تسعاً كفءاً رضيته" ورغب بما
صح مهراً فللأبعد تزويجها. نص عليه، واختاره
الخرقي. وعنه: يزوج الحاكم، وهو اختيار أبي
بكر، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن اشتجروا
فالسلطان ولي من لا ولي له" .
(2/154)
فصل ووكيل الولي يقوم مقامه:
سواء كان الولي حاضراً أو غائباً مجبراً أو
غير مجبر، لأنه عقد معاوضة فجاز التوكيل فيه
كالبيع، وقياساً على توكيل الزوج، لأنه صلى
الله عليه وسلم وكل أبا رافع في تزويجه
ميمونة. رواه مالك. ووكل عمرو بن أمية في
تزويجه أم حبيبة.
"وله" أي: الولي
"أن يوكل بدون إذنها" لأنه إذن من الولي في
التزويج، فلا يفتقر إلى إذن المرأة، ولأن
الولي ليس وكيلاً للمرأة بدليل أنها لا تملك
عزله من الولاية.
"لكن لا بد من إذن غير المجبرة للوكيل بعد
توكيله" لأنه نائب عن غير مجبر فيثبت له ما
يثبت لمن ينوب عنه، ولا أثر لإذنها له قبل أن
يوكله الولي، لأنه أجنبي إذاً. وأما بعده
فولي.
(2/154)
"ويشترط في
وكيل الولي ما يشترط فيه" لأنها ولاية فلا يصح
أن يباشرها غير أهلها، ولأنه إذا لم يملك
تزويج موليته أصالة فلأن لا يملك تزويج مولية
غيره بالتوكيل أولى.
"ويصح توكيل الفاسق في القبول" لأنه يصح قبول
النكاح لنفسه، فصح لغيره.
"ويصح التوكيل مطلقاً، كـ: زوج من شئت" نص
عليه.
"ويتقيد بالكفء" لما روي: أن رجلاً من العرب
ترك ابنته عند عمر، وقال: إذا وجدت كفءاً
فزوجه ولو بشراك نعله، فزوجها عثمان بن عفان
فهي أم عمرو بن عثمان. واشتهر ذلك ولم ينكر.
"ومقيداً، كـ: زوج زيداً" فلا يزوج غيره.
" ويشترط" لنكاح فيه توكيل في القبول
"قول الولي أو وكيله: زوجت فلانة فلاناً، أو
لفلان" ويصفه بما يتميز به، ولا يقول زوجتكها
ونحوه.
"وقول وكيل الزوج: قبلته لموكلي فلان، أو
لفلان" فإن لم يقل ذلك لم يصح النكاح، لفوات
شرط من شروطه، وهو تعيين الزوجين.
"ووصي الولي في النكاح بمنزلته" إذا نص له
عليه، لأنها ولاية ثابتة للموصي فجازت وصيته
بها، كولاية المال، ولأنه يجوز أن يستنيب فيها
في حياته، ويقوم نائبه مقامه، فجاز أن يستنيب
فيها بعد موته.
"فيجبر من يجبره" الموصي لو كان حياً
"من ذكر وأنثى" قال في الكافي: وعنه: ليس له
الوصية بذلك، لأنها ولاية لها من يستحقها
بالشرع، فلم يملك نقلها بالوصية. كالحضانة.
(2/155)
وقال ابن حامد:
إن كان لها عصبة لم تصح الوصية بها لذلك، وإن
لم يكن صحت لعدمه. انتهى.
"وإن استوى وليان فأكثر في درجة، صح التزويج
من كل واحد، إن أذنت لهم" لوجود سبب الولاية
في كل منهم بإذن موليته، أشبه ما لو انفرد
بالولاية.
"فإن أذنت لأحدهم تعين، ولم يصح نكاح غيره"
لعدم الإذن قال في الشرح: وإذا كان لها وليان
فأذنت لكل منهما في معين أو مطلق فزوجاها
لرجلين، وعلم السابق منهما، فالنكاح له سواء
دخل بها الثاني، أو لم يدخل. وقال مالك: إن
دخل بها الثاني فهي له، لقول عمر: إذا أنكح
وليان فالأول أحق ما لم يدخل بها الثاني. ولنا
ما روى سمرة عنه، صلى الله عليه وسلم، قال:
"أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول" رواه أبو
داود والترمذي، وأخرجه النسائي عنه، وعن عقبة،
وروى نحوه عن علي. وحديث عمر لم يصححه أصحاب
الحديث. فإن جهل الأول منهما فسخ النكاحان.
وعنه: يقرع بينهما. انتهى.
"ومن زوج بحضرة شاهدين عبده الصغير بأمته" جاز
أن يتولى طرفي العقد بلا نزاع، لأنه عقد بحكم
الملك لا بحكم الإذن.
"أو زوج ابنه بنحو بنت أخيه، أو وكل الزوج
الولي" أن يقبل له النكاح من نفسه.
"أو عكسه" بأن وكل الولي الزوج في إيجاب
النكاح لنفسه.
"أو وكلا واحداً" بأن وكله الولي في الإيجاب،
والزوج في القبول
"صح أن يتولى طرفي العقد" ولا يشترط الجمع بين
الإيجاب والقبول، فلذا قال:
(2/156)
"ويكفي: زوجت
فلاناً فلانة" وإن لم يقل: وقبلت له نكاحها.
"أو: تزوجتها، إن كان هو الزوج" وإن لم يقل:
وقبلت نكاحها لنفسي. وكذا إن كان الزوج هو
وليها، وأذنت له، لما روى البخاري عن عبد
الرحمن بن عوف أنه قال لأم حكيم ابنة قارظ:
أتجعلين أمرك إلي؟ قالت: نعم. قال: قد تزوجتك.
ويجوز أن يجعل أمرها إلى من يزوجها منه
بإذنها، لأن المغيرة بن شعبة أمر رجلاً أن
يزوجه امرأة، المغيرة أولى بها منه رواه أبو
داود.
"ومن قال لأمته: أعتقتك، وجعلت عتقك صداقك،
عتقت، وصارت زوجة له" روي عن علي، وفعله أنس
وروى أنس "أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أعتق
صفية وجعل عتقها صداقها". رواه أحمد وأبو داود
والترمذي وصححه. وعن صفية قالت: "أعتقني رسول
الله، صلى الله عليه وسلم، وجعل عتقي صداقي"
رواه الأثرم.
"إن توفرت شروط النكاح" منها: أن يكون الكلام
متصلاً بحضرة شاهدين عدلين، لحديث "لا نكاح
إلا بولي وشاهدين" ذكره أحمد.
"الرابع: الشهادة، فلا ينعقد إلا بشهادة ذكرين
مكلفين، ولو رقيقين متكلمين" لأن الأخرس لا
يتمكن من أداء الشهادة.
"سميعين" لأن الأصم لا يسمع العقد فيشهد به.
"مسلمين عدلين ولو ظاهراً من غير أصلي الزوجين
وفرعيهما" لأنهم لا تقبل شهادتهم للزوجين.
واشتراط الشهادة في النكاح احتياط للنسب خوف
الإنكار، روي عن عمر وعلي وغيرهما، لحديث
عائشة مرفوعاً "لا بد في النكاح من حضور
أربعة: الولي، والزوج،
(2/157)
والشاهدين"
رواه الدارقطني. وعن عمران ابن حصين مرفوعاً
"لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" ذكره أحمد في
رواية ابنه عبد الله، ورواه الخلال. ولمالك في
الموطأ عن أبي الزبير أن عمر بن الخطاب أتي
بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة، فقال: هذا
نكاح السر، ولا أجيزه، ولو كنت تقدمت فيه
لرجمت1 وعن ابن عباس مرفوعاً: "البغايا:
اللواتي يزوجن أنفسهن بغير بينة" رواه
الترمذي. قال في الشرح: وعنه: يصح بغير شهود،
فعله عمر وابن الزبير وهو قول مالك إذا
أعلنوه. قال ابن المنذر: لا يثبت في الشاهدين
في النكاح خبر. وقد أعتق صفية وتزوجها بغير
شهود. وقال يزيد بن هارون: أمر الله بالإشهاد
في البيع دون النكاح، فاشترطه أصحاب الرأي
للنكاح دون البيع. انتهى.
"الخامس: خلو الزوجين من الموانع" الآتية في
باب المحرمات
"بأن لا يكون بهم، أو بأحدهما ما يمنع التزويج
من النسب، أو سبب" كرضاع، ومصاهرة، واختلاف
دين، ونحوها.
"والكفاءة ليست شرطاً لصحة النكاح" بل للزومه.
قال في الشرح: وهي أصح. وهو قول أكثر أهل
العلم لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 2. وفي البخاري
"أن أبا حذيفة أنكح سالماً ابنة أخيه الوليد
بن عتبة، وهو مولى لامرأة من الأنصار. وأمر
صلى الله عليه وسلم، فاطمة بنت قيس أن تنكح
أسامة، فنكحها بأمره" متفق عليه. وزوج أباه
زيداً ابنة عمته زينب. وقال ابن مسعود لأخته
أنشدك
ـــــــ
1 قوله: تقدمت بضم التاء وكسر الدال المشددة
وضم التاء على البناء للمجهول.
2 الحجرات من الآية/ 13.
(2/158)
الله ألا تنكحي
إلا مسلماً، وإن كان أحمر رومياً، أو أسود
حبشياً انتهى.
"لكن لمن زوجت بغير كفء أن تفسخ نكاحها. ولو
متراخياً" لأنه لنقص في المعقود عليه، أشبه
خيار العيب.
"ما لم ترض بقول أو فعل" كأن مكنته عالمة بأنه
غير كفء.
"وكذا لأوليائها" الفسخ، لتساويهم في لحوق
العار بفقد الكفاءة.
"ولو رضيت، أو رضي بعضهم، فلمن لم يرض الفسخ"
ويملكه الأبعد مع رضي الأقرب، لعدم لزوم
النكاح لفقد الكفاءة، ولأن العار عليهم
أجمعين.
"ولو زالت الكفاءة بعد العقد، فلها فقط الفسخ"
كعتقها تحت عبد، لأن حق الأولياء في ابتداء
العقد، لا في استدامته. قيل لأحمد فيمن يشرب
الخمر: يفرق بينهما؟ قال: أستغفر الله. وعنه:
أن الكفاءة شرط لصحة النكاح. قدمها في الشرح و
الكافي و المنتهى. قال في شرحه: وهي المذهب
عند أكثر المتقدمين، لأن منعها من تزويج نفسها
لئلا تضعها في غير كفء فبطل العقد لتوهم
العار، فها هنا أولى، ولما فيه من حق الله
تعالى. وعن جابر مرفوعاً: "لا ينكح النساء إلا
الأكفاء، ولا يزوجهن إلا الأولياء" وقال عمر،
رضي الله عنه: لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا
من الأكفاء رواهما الدارقطني.
"والكفاءة معتبرة في خمسة أشياء:"
"1- الديانة" فلا تزوج عفيفة بفاجر، لأنه
مردود الشهادة والرواية وذلك نقص في إنسانيته،
فليس كفئاً لعدل. قال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ
(2/159)
مُؤْمِناً
كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} 1 وعن
أبي حاتم المزني مرفوعاً: "إذا أتاكم من ترضون
دينه وخلقه فأنكحوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في
الأرض وفساد كبير" . قالوا: يا رسول الله: وإن
كان فيه؟ قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه
فأنكحوه" ثلاث مرات رواه الترمذي، وقال حسن
غريب.
"2- والصناعة:" فلا يكون صاحب صناعة دنيئة: -
كالحجام، والكساح، والزبال، والحائك - كفئاً
لمن هو أعلى منه، لأن ذلك نقص في عرف الناس
أشبه نقص السبب. وفي حديث: "العرب بعضهم لبعض
أكفاء، إلا حائكاً، أو حجاماً" قيل لأحمد: كيف
تأخذ به وأنت تضعفه؟ قال: العمل عليه. أي أنه
يوافق العرف.
"والميسرة" بحسب ما يجب لها: فلا تزوج موسرة
بمعسر، لأن عليها ضرراً في إعساره، لإخلاله
بنفقتها، ومؤنة أولاده، لقوله صلى الله عليه
وسلم "الحسب المال" وقال: "إن أحساب الناس
بينهم هذا المال" رواه النسائي بمعناه. وعنه:
لا تعتبر، لأن الفقر شرف في الدين وقد قال
النبي، صلى الله عليه وسلم: "اللهم أحيني
مسكيناً وأمتني مسكيناً" رواه الترمذي. وليس
هو أمراً لازماً، فأشبه العافية في المرض.
"3- والحرية:" فلا تزوج حرة بعبد، لأنه منقوص
بالرق، ممنوع من التصرف في كسبه، غير مالك له.
ولأنه صلى الله عليه وسلم خير
ـــــــ
1 السجدة الآية/ 18.
(2/160)
بريرة حين عتقت
تحت العبد فإذا ثبت الخيار بالحرية الطارئة،
فبالسابقة أولى.
"4- والنسب:" فلا يكون المولى والعجمي كفءاً
لعربية لما تقدم عن عمر. وقال سلمان لجرير:
إنكم معشر العرب لا نتقدمكم في صلاتكم، ولا
ننكح نساءكم، إن الله فضلكم علينا بمحمد صلى
الله عليه وسلم، وجعله فيكم رواه البزار بسند
جيد، ورواه سعيد بمعناه. والعرب بعضهم لبعض
أكفاء، والعجم كذلك لأن المقداد بن الأسود
الكندي، تزوج ضباعة ابنة الزبير عم النبي، صلى
الله عليه وسلم. وزوج أبو بكر أخته الأشعث بن
قيس الكندي. وزوج علي ابنته أم كلثوم عمر بن
الخطاب.
(2/161)
باب المحرمات في النكاح
مدخل
...
باب المحرمات في النكاح:
"تحرم أبداً: الأم، والجدة من كل جهة" لقوله
تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}
1 وأمهاتك: كل من انتسبت، إليها بولادة، لقوله
صلى الله عليه وسلم، لما ذكر هاجر أم إسماعيل:
"تلك أمكم يا بني ماء السماء" .
"والبنت ولو من زنى" وهي: كل من انتسبت إليك
بولادة، وهي ابنة الصلب.
"وبنت الولد" ذكراً كان أو أنثى، وإن نزلت
درجتهن، لقوله تعالى: {وَبَنَاتُكُمْ} 1.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 23.
(2/161)
"والأخت من كل
جهة" شقيقة، أو لأب، أو لأم، لقوله تعالى:
{وَأَخَوَاتُكُمْ} 1 وبنتها،
"وبنت ولدها، وبنت كل أخ، وبنت ولدها" وإن
نزلن، لقوله تعالى: {وَبَنَاتُ الْأَخِ
وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} 1.
"والعمة والخالة" من كل جهة، وإن علتا: كعمة
أبيه، وعمة أمه، وخالة أبيه، وخالة أمه، لقوله
تعالى: {وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ} 1 ولا
فرق بين النسب الحاصل بنكاح أو ملك يمين، أو
وطء شبهة، أو حرام. قاله في الكافي.
"ويحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب" من الأقسام
السابقة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "يحرم من
الرضاع ما يحرم من النسب" متفق عليه. وعن علي
مرفوعاً: "إن الله حرم من الرضاع ما حرم من
النسب" رواه أحمد و الترمذي وصححه. ولأن
الأمهات والأخوات منصوص عليهن في الآية. و
الباقيات يدخلن في عموم لفظ سائر المحرمات.
"إلا أم أخيه" من الرضاع،
"وأخت ابنه من الرضاع، فتحل" مرضعة وبنتها
لأبي مرتضع وأخيه من نسب. وتحل أم مرتضع وأخته
من نسب لأبيه وأخيه من رضاع، لأنهن في مقابلة
من يحرم بالمصاهرة، لا في مقابلة من يحرم من
النسب
"كبنت عمته وعمه، وبنت خالته وخاله" لقوله
تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ
ذَلِكُمْ} 2.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 23.
2 النساء من الآية/ 24.
(2/162)
"ويحرم أبداً
بالمصاهرة أربع: ثلاث بمجرد العقد: زوجة أبيه،
وإن علا" من نسب أو رضاع، لقوله تعالى: {وَلا
تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ
النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} 1 قال ابن
المنذر: الملك في هذا. والرضاع بمنزلة النسب.
وممن حفظنا ذلك عنه: عطاء وطاوس وغيرهما، ولا
نعلم عن غيرهما خلافهما. ذكره في الشرح.
"وزوجة ابنه وإن سفل" من نسب أو رضاع. قال في
الشرح: لا نعلم فيه خلافاً. وقوله تعالى:
{وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ
أَصْلابِكُمْ} 2 احتراز عمن تبناه.
"وأم زوجته" وإن علت من نسب. ومثلهن من رضاع:
فيحرمن بمجرد العقد. نص عليه. قال في الشرح:
وهو قول أكثر أهل العلم، لقوله تعالى:
{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} 2 والمعقود عليها
من نسائه: فتدخل أمها في عموم الآية. قال ابن
عباس: أبهموا ما أبهمه القرآن وعن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: "أيما رجل نكح
امرأةً دخل بها، أو لم يدخل، فلا يحل له نكاح
أمها" رواه ابن ماجه، ورواه أبو حفص بنحوه.
"فإن وطئها حرمت عليه أيضاً بنتها، وبنت
ابنها" من نسب أو رضاع لقوله تعالى:
{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ
مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ
بِهِنَّ} 2. قال في الشرح: سواء كانت في حجره
أو لم تكن.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 22.
2 النساء من الآية/ 23.
(2/163)
إلا أنه روي عن
عمر وعلي أنهما رخصا فيها إذا لم تكن في حجره
وهو قول داود. وقال ابن المنذر: أجمع علماء
الأمصار على خلافه. انتهى. وقوله: اللاتي في
حجوركم، خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، لأن
التربية لا تأثير لها في التحريم. فإن ماتت
الزوجة قبل الدخول، لم تحرم بناتها. قال في
الشرح: وهو قول عامة العلماء. وحكاه ابن
المنذر إجماعاً، لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ
تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ} 1 وهذا نص لا يترك بقياس ضعيف.
والدخول بها: وطؤها. انتهى.
"وبغير العقد لا حرمة إلا بالوطء في قبل أو
دبر، إن كان ابن عشر في بنت تسع، وكانا حيين"
فيدخل في عموم قوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا
مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} 2 ونظائره، ولأن ما
تعلق من التحريم بالوطء المباح، تعلق
بالمحظور: كوطء الحائض. وعن ابن عباس أن وطء
الحرام لا يحرم وبه قال: ابن المسيب، وعروة،
والزهري، ومالك، والشافعي. ذكره في الشرح،
واختاره الشيخ تقي الدين.
"ويحرم بوطء الذكر ما يحرم بوطء الأنثى" وقال
في الشرح: الصحيح أن هذا لا ينشر الحرمة، فإن
هؤلاء غير منصوص عليهن في التحريم، فيدخلن في
عموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا
وَرَاءَ ذَلِكُمْ} 3 انتهى.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 23.
2 النساء من الآية/ 22.
3 النساء من الآية/ 24.
(2/164)
واختار أبو
الخطاب: أن حكم التلوط في تحريم المصاهرة، حكم
المباشرة فيما دون الفرج، لكونه وطئاً في غير
محله.
"ولا تحرم أم" زوجة أبيه، وكذا أم زوجة ابنه.
"ولا بنت زوجة أبيه وابنه" فيجوز أن ينكح
امرأة، وينكح ابنة بنتها أو أمها، لعموم قوله
تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ
ذَلِكُمْ} 1.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 24.
(2/165)
فصل ويحرم الجمع بين الأختين وبين المرأة
وعمتها أو خالتها:
من نسب أو رضاع. حكاه ابن المنذر إجماعاً،
لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ
الْأُخْتَيْنِ} 1 وعن أبي هريرة مرفوعاً "لا
تجمعوا بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة
وخالتها" متفق عليه.
"فمن تزوج نحو أختين في عقد أو عقدين معاً لم
يصح" فيهما، لأنه لا يمكن تصحيحهما، ولا مزية
لإحداهما على الأخرى، فبطل فيهما.
"فإن جهل" أسبق العقدين
"فسخهما حاكم" إن لم يطلقهما، لبطلان النكاح
في أحدهما وتحريمها عليه، ونكاح إحداهما صحيح.
ولا تتيقن بينونتها منه إلا بطلاقهما، أو فسخ
نكاحهما، فوجب ذلك.
"ولاحداهما نصف مهرها بقرعة" وله العقد على
إحداهما في الحال إذاً.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 23.
(2/165)
"وإن وقع العقد
مرتباً" وعلم السابق.
"صح الأول فقط" لأنه لا جمع فيه، وبطل الثاني،
لأن الجمع حصل به.
"ومن ملك أختين أو نحوهما" كامرأة وعمتها، أو
وخالتها
"صح" ولو في عقد واحد. قال في الشرح: ولا نعلم
خلافاً في ذلك.
"وله أن يطأ أيهما شاء" لأن الأخرى لم تصر
فراشاً، كما لو ملك إحداهما وحدها.
"وتحرم الأخرى" نص عليه، لعموم قوله: {وَأَنْ
تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} 1.
"حتى يحرم الموطوءة بإخراج عن ملكه، أو تزويج
بعد الإستبراء" لئلا يكون جامعاً بينهما في
الفراش، أو جامعاً ماءه في رحم أختين، فإن
عزلهما عن فراشه واستبرأها، لم تحل أختها،
لأنه لا يؤمن عوده إليها، فيكون جامعاً
بينهما. قاله في الكافي.
"ومن وطء امرأة بشبهة أو زنى حرم في زمن عدتها
نكاح أختها" أو عمتها أو خالتها.
"ووطؤها إن كانت زوجة أو أمة" له
"وحرم أن يزيد على ثلاث غيرها" أي: الموطوءة
بشبهة أو زنى.
"بعقد" فإن كان له ثلاث زوجات، لم يحل له نكاح
رابعة، حتى تنقضي عدة الموطوءة بشبهة أو زنى.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 23.
(2/166)
"أو وطء" أي:
لو كان له أربع زوجات، لم يحل له أن يطأ منهن
أكثر من ثلاث، حتى تنقضي عدة موطوءته بشبهة أو
زنى، لئلا يجمع ماؤه في أكثر من أربع نسوة.
"وليس لحر جمع أكثر من أربع" زوجات إجماعاً
لقوله، صلى الله عليه وسلم، لغيلان بن سلمة
حين أسلم وتحته عشر نسوة: "أمسك أربعاً، وفارق
سائرهن" رواه الترمذي. وقال نوفل بن معاوية
أسلمت وتحتي خمس نسوة. فقال النبي، صلى الله
عليه وسلم: "فارق واحدة منهن" رواه الشافعي.
وعن قيس بن الحارث قال أسلمت وعندي ثمان نسوة،
فأتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك
له، فقال: "إختر منهن أربعاً" رواه أبو داود
وابن ماجه. قال في الشرح: والآية أريد بها
التخيير بين اثنتين، وثلاث، وأربع كقوله:
{أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ
وَرُبَاعَ} 1 ومن قال غير ذلك فقد جهل
العربية.
"ولا لعبد جمع أكثر من ثنتين" وهو قول: عمر
وعلي، وغيرهما، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم،
فكان إجماعاً. والآية فيها ما يدل على إرادة
الأحرار لقوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ} 2 ذكره في الشرح.
"ولمن نصفه حر فأكثر جمع ثلاث" نص عليه،
اثنتين بنصفه الحر، وواحدة بنصفه الرقيق.
ـــــــ
1 فاطر من الآية/ 1
2 النساء من الآية/ 3.
(2/167)
"ومن طلق واحدة
من نهاية جمعه" كحر طلق واحدة من أربع، وعبد
طلق واحدة من اثنتين
"حرم نكاحه بدلها حتى تنقضي عدتها" نص عليه،
لأن المعتدة في حكم الزوجة، إذ العدة أثر
النكاح.
"وإن ماتت فلا" يحرم نكاح بدلها. نص عليه،
لأنه لم يبق لنكاحها أثر.
(2/168)
فصل وتحرم الزانية على الزاني وغيره
حتى تتوب وتنقضي عدتها:
لقوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا
إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} 1 لفظه لفظ
الخبر، والمراد النهي ونهى النبي، صلى الله
عليه وسلم، مرثد بن أبي مرثد الغنوي أن ينكح
عناقاً2 رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
فإذا تابت، وانقضت عدتها حلت لزان كغيره في
قول أكثر أهل العلم، منهم: أبو بكر وعمر وابنه
وابن عباس.
"وتحرم مطلقته ثلاثاً حتى تنكح زوجاً غيره"
لقوله تعالى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ
حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} 3 والمراد
بالنكاح هنا: الوطء، لقوله عليه الصلاة
والسلام لامرأة رفاعة لما أرادت أن ترجع إليه
بعد أن طلقها ثلاثاً، وتزوجت بعبد الرحمن بن
الزبير: "لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك"
رواه الجماعة.
ـــــــ
1 النور من الآية/ 3.
2 عناق –بفتح العين- بغي كانت في مكة صديقة
لمرثد. كما في رواية أبي داود تهذيب السنن
3/6.
3 البقرة من الآية/ 230.
(2/168)
"والمحرمة حتى
تحل من إحرامها" لحديث عثمان مرفوعاً "لا ينكح
المحرم ولا ينكح ولا يخطب" رواه الجماعة إلا
البخاري، ولم يذكر الترمذي الخطبة.
"والمسلمة على الكافر" لقوله تعالى: {وَلا
تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}
1 وقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ
مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى
الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ
يَحِلُّونَ لَهُنَّ} 2.
"والكافرة غير الكتابية على المسلم" لقوله
تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ
حَتَّى يُؤْمِنَّ} 3 وقوله: {وَلا تُمْسِكُوا
بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} 2 ويباح نكاح حرائر
أهل الكتاب بالإجماع، قال ابن المنذر: لا يصح
عن أحد من الأوائل أنه حرمه، قال الله تعالى:
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} 4 وهم: اليهود
والنصارى، ومن دان بالتوراة والإنجيل. فأما من
يتمسك بصحف إبراهيم وشيث، وزبور داود فليسوا
أهل كتاب، لقوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا
إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى
طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا...} 5 وأما
المجوس فلا تحل ذبائحهم، ولا نكاح نسائهم، وهو
قول عامة العلماء. ذكره في الشرح. وضعف أحمد
رواية من روى عن حذيفة أنه تزوج مجوسية فقال
أبو وائل: يقول: يهودية وهو أوثق.
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 221.
2 الممتحنة من الآية/ 10.
3 البقرة من الآية/ 221.
4 المائدة من الآية/ 5.
5 الأنعام من الآية/ 156.
(2/169)
"ولا يحل لحر
كامل الحرية نكاح أمة ولو مبعضة، إلا إن عدم
الطول، وخاف العنت" فيجوز له نكاح الأمة
المسلمة، لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ
الْمُحْصَنَاتِ...} إلى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ
خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} 1 واشتراط العجز
عن ثمن الأمة. اختاره جمع كثير، وقدم في
التنقيح أنه: لا يشترط، وتبعه في المنتهى.
"ولا يكون ولد الأمة حراً إلا باشتراط الحرية"
فإن شرطها فهو حر، لحديث "المسلمون على
شروطهم" ولقول عمر مقاطع الحقوق عند الشروط.
"أو الغرور" للزوج بأن ظنها، أو شرطها حرة،
فولده حر، لاعتقاده حريته، ويفديه بقيمته يوم
ولادته، ويرجع به على من غره. قضى به عمر وعلي
وابن عباس، رضي الله عنهم.
"وإن ملك أحد الزوجين الآخر أو بعضه انفسخ
النكاح" لأن أحكام الملك والنكاح تتناقض. وحكى
ابن المنذر الإجماع: على أن نكاح المرأة عبدها
باطل.
"ومن جمع في عقد بين مباحة ومحرمة صح في
المباحة" لأنها محل قابل للنكاح، أضيف إليها
عقد من أهله فصح، كما لو انفردت به.
"ومن حرم نكاحها حرم وطؤها بالملك" لأنه إذا
حرم النكاح، لكونه طريقاً إلى الوطء فهو نفسه
أولى بالتحريم.
"إلا الأمة الكتابية" فيحرم نكاحها لا وطؤها
بملك اليمين لقوله
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 25.
(2/170)
تعالى: {أَوْ
مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} 1 ولأن نكاح
الأمة الكتابية إنما حرم لأجل إرقاق الولد،
وبقائه مع كافرة، وهذا معدوم في وطئها بملك
اليمين.
ـــــــ
1 النساء من الآية/ 3.
(2/171)
باب الشروط في النكاح
مدخل
...
باب الشروط في النكاح:
والمعتبر منها: ما كان في صلب العقد، واختار
الشيخ تقي الدين: أو اتفقا عليه قبله، وقال:
على هذا جواب أحمد في مسائل الحيل. قال في
الإنصاف: وهو الصواب الذي لا شك فيه. فإن لم
يقع الشرط إلا بعد لزوم العقد لم يلزم. نص
عليه.
"وهي قسمان: صحيح لازم للزوج، فليس له فكه:
كزيادة مهر، أو نقد معين، أو لا يخرجها من
دارها أو بلدها، أو لا يتزوج عليها، أو لا
يفرق بينها وبين أبويها أو أولادها، أو أن
ترضع ولدها، أو يطلق ضرتها" لأن لها فيه قصداً
صحيحاً. ويروي صحة الشرط في النكاح، وكون
الزوج لا يملك فكه: عن عمر، وسعد بن أبي وقاص،
ومعاوية، وعمرو بن العاص، ولم يعرف لهم مخالف
في عصرهم، ويؤيده حديث: "إن أحق ما أوفيتم به
من الشروط ما استحللتم به الفروج" متفق عليه.
وحديث: "المسلمون على شروطهم" وروى الأثرم "أن
رجلاً تزوج امرأة، وشرط لها دارها، ثم أراد
نقلها، فخاصموه إلى عمر، فقال: لها شرطها.
فقال الرجل: إذاً يطلقننا. فقال عمر: مقاطع
الحقوق عند الشروط" قال في الشرح: وإن شرط
طلاق ضرتها فالصحيح أنه باطل
(2/171)
لنهيه، صلى
الله عليه وسلم، أن تشترط المرأة طلاق أختها
متفق عليه.
"فمتى لم يف بما شرط كان لها الفسخ على
التراخي" لما تقدم، ولأنه شرط لازم في عقد،
فثبت حق الفسخ بفواته، كشرط الرهن في البيع.
قاله في الكافي.
"ولا يسقط" ملكها الفسخ
"إلا بما يدل على رضاها من قول، أو تمكين مع
العلم" أي: مع علمها بعدم وفائه لها بما شرطت
عليه.
"والقسم الفاسد نوعان:"
"1- نوع يبطل النكاح" وهو: ثلاثة أقسام:
أحدها: نكاح الشغار.
"وهو: أن يزوجه موليته بشرط أن يزوجه الآخر
موليته، ولا مهر بينهما" قال في الكافي: ولا
تختلف الرواية عن أحمد في فساده.
"أو يجعل بضع كل واحدة مع دراهم معلومة مهراً
للأخرى" وروي عن عمر وزيد بن ثابت أنهما فرقا
فيه - أي: بين المتناكحين - لحديث ابن عمر أن
النبي، صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار -
والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه
الآخر ابنته، وليس بينهما صداق - متفق عليه.
وعن الأعرج أن العباس بن عبد الله بن عباس
أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته، وأنكحه عبد
الرحمن ابنته، وكانا جعلا صداقاً فكتب معاوية
إلى مروان يأمره أن يفرق بينهما، وقال في
كتابه: هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله،
صلى الله عليه
(2/172)
وسلم رواه أحمد
وأبو داود، ولأنه شرط عقد في عقد فلم يصح، كما
لو باعه ثوبه بشرط أن يبيعه ثوبه.
2- نكاح المحلل، وقد ذكره بقوله:
"أو يتزوج بشرط أنه: إذا أحلها طلقها" وهو
باطل حرام في قول عامة أهل العلم. قاله في
الشرح، لحديث: "لعن الله المحلل والمحلل له"
رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال حسن
صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب
النبي، صلى الله عليه وسلم، منهم: عمر بن
الخطاب وابنه وعثمان بن عفان، وروي عن علي
وابن عباس.
"أو ينويه" أي: ينوي الزوج التحليل.
"بقلبه" فالنكاح باطل أيضاً. نص عليه. لعموم
ما سبق. وروى نافع عن ابن عمر أن رجلاً قال
له: تزوجتها أحلها لزوجها لم يأمرني، ولم
يعلم؟ قال لا إلا نكاح رغبة إن أعجبتك
أمسكتها، وإن كرهتها فارقتها، قال: وإن كنا
نعده على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
سفاحاً. وقال: لا يزالا زانيين، و إن مكثا
عشرين سنة إذا علم أنه يريد أن يحلها وهذا قول
عثمان. وجاء رجل إلى ابن عباس فقال: إن عمي
طلق امرأته ثلاثاً، أيحلها له رجل؟ قال: من
يخادع الله يخدعه.
"أو يتفقا عليه قبل العقد" ولم يذكر فيه فلا
يصح إن لم يرجع عنه، وينو حال العقد أنه نكاح
رغبة، فإن حصل ذلك صح، لخلوه عن نية التحليل
وشرطه، وعليه يحمل حديث ذي الرقعتين، وهو: ما
روى أبو حفص بإسناده عن محمد بن سيرين، قال:
قدم مكة رجل ومعه إخوة له صغار، وعليه إزار من
بين يديه رقعة، ومن خلفه رقعة. فسأل
(2/173)
عمر فلم يعطه
شيئاً. فبينما هو كذلك إذ نزغ الشيطان بين رجل
من قريش وبين امرأته، فطلقها ثلاثاً، فقال: هل
لك أن تعطي ذا الرقعتين شيئاً ويحلك لي؟ قالت:
نعم إن شيء ت. فأخبروه بذلك، قال: نعم.
فتزوجها فدخل بها، فلما أصبحت أدخلت إخوته
الدار، فجاء القرشي يحوم حول الدار، ويقول يا
ويله ! غلب على امرأته. فأتى عمر، فقال: يا
أمير المؤمنين غلبت على امرأتي. قال: من غلبك؟
قال: ذو الرقعتين، قال: أرسلوا إليه. فلما
جاءه الرسول، قالت له المرأة: كيف موضعك من
قومك؟ قال: ليس بموضعي بأس، قالت: إن أمير
المؤمنين يقول لك: طلق امرأتك، فقل: لا والله
لا أطلقها، فإنه لا يكرهك. فألبسته حلة، فلما
رآه عمر، قال: الحمد لله الذي رزق ذا
الرقعتين. فدخل عليه، فقال: تطلق امرأتك؟ قال:
لا والله لا أطلقها. قال عمر: لو طلقتها
لأوجعت رأسك بالسوط ورواه سعيد بنحوه، وقال:
من أهل المدينة. ولهذا قالوا: من لا فرقة بيده
لا أثر لنيته.
3- نكاح المتعة وقد ذكره بقوله:
"أو يتزوجها إلى مدة، أو يشترط طلاقها في
العقد بوقت كذا"
وهو باطل. نص عليه. قال ابن عبد البر: على
تحريمه مالك، وأهل المدينة، وأبو حنيفة في أهل
الكوفة، والأوزاعي في أهل الشام، والليث في
أهل مصر، والشافعي وسائر أصحاب الآثار. ذكره
في الشرح، لحديث الربيع بن سبرة قال: "أشهد
على أبي أنه حدث أن رسول الله، صلى الله عليه
وسلم: نهى عنه في حجة الوداع. وفي لفظ: أن
رسول الله، صلى الله عليه وسلم: حرم متعة
النساء" رواه أبو داود. ولمسلم
(2/174)
عن سبرة: أمرنا
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالمتعة عام
الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج حتى نهانا
عنها وحكي عن ابن عباس الرجوع عن قوله بجواز
المتعة قال سعيد بن جبير لابن عباس: لقد سارت
بفتياك الركبان، وقال فيها الشعراء ! قال ابن
عباس: وما ذاك؟ قال: قالوا:
قد قلت للشيخ لما طال محبسه ... يا صاح، هل لك
في فتوى ابن عباس
هل لك في رخصة الأطراف آنسة ... تكون مثواك
حتى مصدر الناس
فقال: سبحان الله ما بهذا أفتيت، وما هي إلا
كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، ولا تحل إلا
للمضطر.
وأما إذن النبي، صلى الله عليه وسلم، فيها فقد
ثبت نسخه. قال الشافعي: لا أعلم شيئاً أحله
الله، ثم حرمه، ثم أحله، ثم حرمه إلا المتعة.
"أو ينويه بقلبه" أي: ينوي الزوج طلاقها بوقت
كذا.
"أو يتزوج الغريب بنية طلاقها إذا خرج" لأنه
شبيه بالمتعة. وقال في الشرح: وإن تزوجها بغير
شرط، إلا أن نيته طلاقها بعد شهر، أو إذا
انقضت حاجته فهو صحيح في قول عامة أهل العلم
إلا الأوزاعي، فقال: هو نكاح متعة.
"أو يعلق نكاحها، كـ: زوجتك إذا جاء رأس
الشهر، أو: إن رضيت أمها، أو: إن وضعت زوجتي
ابنة، فقد زوجتكها" فيبطل النكاح، لأنه عقد
معاوضة فلا يصح تعليقه على شرط مستقبل كالبيع.
"2- لا يبطله كأن يشترط أن لا مهر لها، ولا
نفقة، أو أن يقسم لها أكثر من ضرتها، أو أقل،
أو إن فارقها رجع عليها بما أنفق فيصح النكاح
(2/175)
دون الشرط"
لمنافاته مقتضى العقد، وتضمنه إسقاط حقوق تجب
بالعقد قبل انعقاده، كإسقاط الشفيع شفعته قبل
البيع، والعقد صحيح، لأن هذه الشروط تعود إلى
معنى زائد في العقد لا يشترط ذكره فيه، ولا
يضر الجهل به فلم يبطله. وكذا إن شرط أن لا
يطأها، أو يعزل عنها، أو لا يقسم لها إلا في
النهار دون الليل. ونقل عن أحمد: ما يحتمل
إبطال العقد، فروي عنه في النهاريات،
والليليات: ليس هذا من نكاح أهل الإسلام. وكان
الحسن وعطاء: لا يريان بتزويج النهاريات
بأساً. ذكره في الشرح.
(2/176)
فصل وإن شرطها مسلمة فبانت كتابية:
فله الخيار.
"أو شرطها بكراً، أو جميلة، أو نسيبة، أو شرط
نفي عيب" لا يفسخ به النكاح، كشرطها سميعة أو
بصيرة
"فبانت بخلافه فله الخيار" لأنه شرط صفة
مقصودة ففاتت، أشبه ما لو شرطها حرة فبانت
أمة. ولا شيء عليه إن فسخ قبل الدخول، وبعده
يرجع بالمهر على الغار.
"لا إن شرطها أدنى فبانت أعلى" كأن شرطها
كتابية فبانت مسلمة، أو أمة فبانت حرة، لأنه
زيادة خير فيها.
"ومن تزوجت رجلاً على أنه حر، فبان عبداً فلها
الخيار" إن صح النكاح بأن كملت شروطه، وكان
بإذن سيده. فإن اختارت الفسخ لم يحتج إلى
حاكم، كمن عتقت تحت عبد. وإن اختارت إمضاءه
فلأوليائها الاعتراض عليها إن كانت حرة، لعدم
الكفاءة.
(2/176)
"وإن شرطت فيه
صفة" ككونه نسيباً، أو عفيفاً، أو جميلاً
ونحوه،
"فبان أقل فلا فسخ لها" لأنه ليس بمعتبر في
صحة النكاح، أشبه شرطها طوله وقصره، إلا إذا
شرطته حراً فبان عبداً فلها الفسخ.
"وتملك الفسخ من عتقت كلها تحت رقيق كله بغير
حكم الحاكم" حكاه ابن المنذر، وابن عبد البر
وغيرهما إجماعاً، لا إن كان حراً، وهو قول ابن
عمر وابن عباس، لحديث عروة عن عائشة "أن بريرة
أعتقت، وكان زوجها عبداً فخيرها رسول الله،
صلى الله عليه وسلم" - ولو كان حراً لم يخيرها
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه.
فأما خبر الأسود عن عائشة "أنه، صلى الله عليه
وسلم، خير بريرة، وكان زوجها حراً". رواه
النسائي - فقد روى القاسم وعروة عنها "أنه كان
عبداً" رواه البخاري. وهما أخص بها من الأسود،
لأنهما ابن أخيها، وابن أختها. وقال ابن عباس:
"كان زوج بريرة عبداً أسود لبني المغيرة يقال
له: مغيث" رواه البخاري وغيره. قال أحمد: هذا
ابن عباس وعائشة قالا: إنه عبد، رواية علماء
المدينة وعملهم، وإذا روى أهل المدينة حديثاً،
وعملوا به فهو أصح شيء، وإنما يصح أنه حر عن
الأسود وحده.
"فإن مكنته من وطئها، أو مباشرتها، أو قبلتها"
بطل خيارها، لقوله، صلى الله عليه وسلم
لبريرة: "إن قربك فلا خيار لك" رواه أبو داود.
وروي عن ابن عمر وحفصة. قال ابن عبد البر: لا
أعلم لهما مخالفاً من الصحابة.
(2/177)
"ولو جهلت
عتقها، أو ملك الفسخ بطل خيارها" نص عليه،
لعموم ما تقدم. وروى نافع عن ابن عمر "أن لها
الخيار ما لم يمسها" رواه مالك. وقال القاضي
وأبو الخطاب: لا يبطل، لأن تمكينها مع جهلها
لا يدل على رضاها به. ذكره في الكافي. وقال في
الشرح: و إن رضيت المقام معه لم يكن لها فراقه
بعد. لا نعلم فيه خلافاً.
(2/178)
باب حكم العيوب في النكاح
مدخل
...
باب حكم العيوب في النكاح:
يثبت خيار العيب لكل واحد من الزوجين في
الجملة. روي عن عمر وابن عباس. ذكره في الشرح.
"وأقسامها المثبتة للخيار ثلاثة:"
"قسم يختص بالرجل، وهو: كونه قد قطع ذكره، أو
خصيتاه، أو أشل، فلها الفسخ في الحال" لأن فيه
نقصاً يمنع الوطء أو يضعفه. وروى أبو عبيد
بإسناده عن سليمان بن يسار أن ابن سند تزوج
امرأة، وهو خصي، فقال له عمر: أعلمتها؟ قال:
لا. قال: أعلمها، ثم خيرها.
"وإن كان عنيناً بإقراره، أو ببينة، طلبت
يمينه فنكل، ولم يدع وطئاً أجل سنة هلالية منذ
ترافعه إلى الحاكم" روي ذلك عن: عمر وعثمان
وابن مسعود والمغيرة بن شعبة وعليه فتوى فقهاء
الأمصار. وقال ابن عبد البر: على هذا جميع
القائلين بتأجيله. وأما قصة عبد الرحمن بن
الزبير، فلم تثبت عنته، ولا طلبت المرأة ضرب
المدة. قال ابن عبد البر: وقد صح أن ذلك كان
بعد طلاقه، فلا معنى لضرب المدة.
"فإن مضت" السنة.
(2/178)
"ولم يطأها
فلها الفسخ" لأنه قول من سمينا من الصحابة،
ولأنه إذا مضت الفصول الأربعة، ولم يزل، علم
أنه خلقة. ولا يحتسب عليه منها ما اعتزلته
فقط.
"وقسم يختص بالأنثى، وهو: كون فرجها مسدوداً
لا يسلكه ذكر، أو به بخر. أو قروح سيالة، أو
كونها فتقاء، بانخراق ما بين سبيليها، أو
كونها مستحاضة" 1 فيثبت الخيار للزوج، لأن ذلك
يمنع الوطء، أو يمنع لذته، ولما فيه من النفرة
أو النقص، أو خوف تعدي أذاه أو نجاسته.
"وقسم مشترك، وهو: الجنون، ولو أحياناً،
والجذام، البرص، وبخر الفم، والباسور،
والناصور، واستطلاق البول أو الغائط، فيفسخ
بكل عيب تقدم" 2 لأن النبي، صلى الله عليه
وسلم، تزوج امرأة من بني غفار، فرأى بكشحها
بياضاً، فقال لها: "البسي ثيابك، والحقي
بأهلك" رواه أحمد وسعيد في سننه. قال في
الكافي: فثبت الرد بالبرص بالخبر، وقسنا عليه
سائر العيوب، لأنها في معناه في منع
الاستمتاع. انتهى. وقال عمر، رضي الله عنه:
"أيما امرأة غر بها رجل، بها جنون أو جذام أو
برص، فلها مهرها بما أصاب منها، وصداق الرجل
على من غره" رواه مالك والدارقطني.
"لا بغيره: كعور، وعرج، وقطع يد ورجل، وعمى،
وخرس، وطرش" لأن ذلك لا يمنع الاستمتاع، ولا
يخشى تعديه.
ـــــــ
1 البخر: الرائحة المنتنة.
2 الناصور: علة تحدث في البدن من المقعدة
وغيرها بمادة خبيثة ضيقة الفم يعسر برؤها،
وتقول الأطباء: كل قرحة تزمن في البدن فهي
ناصور.
(2/179)
فصل ولا يثبت الخيار في عيب زال بعد العقد:
لزوال سببه،
"ولا لعالم به وقت العقد" لدخوله على بصيرة،
أشبه من اشترى ما يعلم عيبه.
"والفسخ على التراخي لا يسقط في العنة إلا
بقولها: رضيت" ونحوه، لأن العلم بعدم قدرته
على الوطء لا يكون إلا بالتمكين، فلم يكن
التمكين دليلاً على الرضى، فلم يبق إلا القول.
"أو: باعترافها بوطئه في قبلها" فإن اعترفت
بطل كونه عنيناً عند أكثر أهل العلم. ذكره في
الشرح.
"ويسقط في غير العنة بالقول، أو بما يدل على
الرضى من وطء أو تمكين مع العلم" كمشتري
المعيب، يسقط خياره بالقول، وبما يدل على رضاه
بالعيب.
"ولا يصح الفسخ هنا، وفي خيار الشرط بلا حاكم"
لأنه فسخ مجتهد فيه بخلاف خيار المعتقة تحت
عبد، فإنه متفق عليه.
"فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر" لأن الفسخ إن
كان منها فالفرقة من جهتها، فأسقطت مهرها
كردتها، وإن كان منه، فإنما فسخ لعيب دلسته،
فكأنه منها.
(2/180)
"وبعد الدخول
أو الخلوة يستقر المسمى" لأنه نكاح صحيح فيه
مسمى صحيح، فوجب المسمى كما لو ارتدت.
"ويرجع به على المغر" له من زوجة وولي ووكيل،
لما تقدم عن عمر وعنه: لا يرجع على أحد لأن
ذلك يروى عن علي. قاله في الكافي. قال أحمد:
كنت أذهب إلى قول علي فهبته، فملت إلى قول
عمر.
"وإن حصلت الفرقة من غير فسخ بموت أو طلاق فلا
رجوع" لأن سببه الفسخ، ولم يوجد.
"وليس لولي صغير أو مجنون أو رقيق تزويجه
بمعيب" لأن فيه ضرراً بهم، وهو لا ينظر لهم
إلا بما فيه الحظ والمصلحة.
"فلو فعل لم يصح إن علم" العيب، لأنه عقد لهم
عقداً لا يجوز عقده، كما لو باع عقاراً لمن في
حجره لغير مصلحة.
"وإلا" يعلم الولي أنه معيب
"صح ولزمه الفسخ إذا علم" العيب، كما لو اشترى
له معيباً.
(2/181)
باب نكاح الكفار
مدخل
...
باب نكاح الكفار:
تتعلق بأنكحتهم أحكام النكاح الصحيح: من وقوع
الطلاق، والظهار، والإباحة للزوج الأول،
والإحصان، وغير ذلك، لقوله تعالى:
{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} 1
{امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} 2 فأضاف النساء إليهم،
وحقيقة الإضافة تقتضي زوجية صحيحة. وقال صلى
الله عليه وسلم "ولدت من نكاح لا سفاح" وإذا
ثبتت الصحة ثبتت أحكامها، ولأنه أسلم خلق كثير
في عصر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأقرهم
على أنكحتهم، ولم يكشف عن كيفيتها.
"يقرون على أنكحة محرمة ما داموا معتقدين
حلها، ولم يرتفعوا إلينا" لأنه، صلى الله عليه
وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ولم يتعرض لهم في
أنكحتهم مع علمه أنهم يستبيحون نكاح محارمهم.
وعنه في مجوسي تزوج كتابية، أو اشترى نصرانية:
يحال بينه وبينها. فيخرج منه أنهم لا يقرون
على نكاح المحارم، فإن عمر كتب أن: فرقوا بين
كل ذي رحم من المجوس.
"فإن أتونا قبل عقده عقدناه على حكمنا" بإيجاب
وقبول، وولي
ـــــــ
1 المسد من الآية/ 4.
2 التحريم من الآية/ 11.
(2/182)
وشاهدي عدل
منا، كأنكحة المسلمين، لقوله تعالى: {وَإِنْ
حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}
1.
"وإن أسلم الزوجان معاً، أو أسلم زوج
الكتابية، فهما على نكاحهما" ولم تتعرض لكيفية
عقده، لما تقدم. قال ابن عبد البر: أجمع
العلماء على أن الزوجين إذا أسلما معاً في حال
واحدة أن لهما المقام على نكاحهما ما لم يكن
بينهما نسب أو رضاع. وعن ابن عباس "أن رجلاً
جاء مسلماً على عهد النبي، صلى الله عليه
وسلم، ثم جاءت امرأته مسلمة بعده، فقال: يا
رسول الله: إنها كانت مسلمة معي فردها عليه"
رواه أبو داود.
"وإن أسلمت الكتابية تحت زوجها الكافر" كتابي
أو غيره قبل الدخول انفسخ النكاح. حكاه ابن
المنذر إجماعاً، لأنه لا يجوز لكافر ابتداء
نكاح مسلمة.
"أو أسلم أحد الزوجين غير الكتابيين، وكان قبل
الدخول انفسخ النكاح" لقوله تعالى: {فَلا
تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ
حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} 2
وقال: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ
الْكَوَافِرِ} 2.
"ولها نصف المهر إن أسلم فقط" أي: دونها.
"أو سبقها" بالإسلام لمجيء الفرقة من قبله كما
لو طلقها.
"وإن كان بعد الدخول وقف الأمر إلى انقضاء
العدة" لحديث مالك في الموطأ عن ابن شهاب،
قال: كان بين إسلام صفوان بن أمية وامرأته بنت
الوليد بن المغيرة نحو من شهر، أسلمت يوم
الفتح، وبقي صفوان
ـــــــ
1 المائدة من الآية/ 42.
2 الممتحنة من الآية/ 10.
(2/183)
حتى شهد حنيناً
والطائف وهو كافر، ثم أسلم، فلم يفرق النبي
صلى الله عليه وسلم، بينهما واستقرت عنده
امرأته بذلك النكاح قال ابن عبد البر: شهرة
هذا الحديث أقوى من إسناده. وهذا بخلاف ما قبل
الدخول، فإنه لا عدة لها. وقال ابن شبرمة: كان
الناس على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل،
فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي
امرأته، فإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما.
قال ابن عبد البر: لم يختلفوا فيه إلا شيء روى
فيه عن النخعي شذ فيه: زعم أنها ترد إلى
زوجها، وإن طالت المدة، لأنه، صلى الله عليه
وسلم رد زينب على أبي العاص بالنكاح الأول
رواه أبو داود. واحتج به أحمد، قيل له: أليس
يروى أنه ردها بنكاح مستأنف؟ قال: ليس لذلك
أصل. قيل: إن بين إسلامها وبين ردها إليه ثمان
سنين. وفي حديث عمرو بن شعيب أنه ردها بنكاح
جديد قال يزيد بن هارون: حديث ابن عباس أجود
إسناداً، والعمل على حديث عمرو بن شعيب.
"فإن أسلم المتخلف قبل انقضائها فعلى نكاحهما"
لما سبق،
"وإلا تبينا فسخه منذ أسلم الأول" منهما،
لاختلاف الدين، ولا تحتاج لعدة ثانية.
"ويجب المهر بكل حال" لاستقراره بالدخول.
(2/184)
فصل وإن أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع
فأسلمن:
في عدتهن.
"أو لا، وكن كتابيات" لم يكن له إمساكهن، بغير
خلاف.
"واختار منهن أربعاً إن كان مكلفاً، وإلا فحتى
يكلف" فيختار منهن، لأن غير المكلف لا حكم
لقوله، ولا يختار عنه وليه، لأنه حق يتعلق
بالشهوة، فلا يقوم غيره فيه مقامه. وسواء
تزوجهن في عقد أو عقود، وسواء اختار الأوائل
أو الأواخر. نص عليه، لعموم ما تقدم في باب
المحرمات.
"فإن لم يختر أجبر بحبس، ثم تعزير" ليختار،
لأنه حق عليه، فأجبر على الخروج منه كسائر
الحقوق.
"وعليه نفقتهن إلى أن يختار" لوجوب نفقة
زوجاته عليه، وقبل الاختيار لم تتعين زوجاته
من غيرهن بتفريطه، وليست إحداهن أولى بالنفقة
من الأخرى.
"ويكفي في الاختيار: أمسكت هؤلاء، وتركت
هؤلاء" ونحوه، كـ: أبقيت هؤلاء، وباعدت هؤلاء.
"ويحصل الاختيار بالوطء، فإن وطئ الكل تعين"
الأربع:
"الأول" للإمساك، وما بعدهن للترك.
(2/185)
"ويحصل
بالطلاق: فمن طلقها فهي مختارة" لأن الوطء
والطلاق لا يكونان إلا في زوجة.
"وإن أسلم الحر وتحته إماء فأسلمن في العدة
اختار ما يعفه" منهن إلى أربع
"إن جاز له نكاحهن" - أي: الإماء -: بأن كان
عادم الطول خائف العنت
"وقت اجتماع إسلامه بإسلامهن" تنزيلاً له
منزلة ابتداء العقد.
"وإن لم يجز له" نكاح الإماء
"فسد نكاحهن" لأنهم لو كانوا جميعاً مسلمين لم
يجز ابتداء نكاح واحدة منهن، فكذا استدامته.
"وإن ارتد أحد الزوجين، أو هما معاً قبل
الدخول انفسخ النكاح" في قول عامة أهل العلم،
لقوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ
الْكَوَافِرِ} 1 {...لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ
وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} 1 ولاختلاف
دينهما.
"ولها نصف المهر إن سبقها" بالردة، أو ارتد
الزوج وحده دونها، لمجيء الفرقة من جهته، أشبه
الطلاق.
"وبعد الدخول تقف الفرقة على انقضاء العدة"
لأن الردة اختلاف دين بعد الإصابة، فلا يوجب
فسخه في الحال، كإسلام كافرة تحت كافر.
ـــــــ
1 الممتحنة من الآية/ 10.
(2/186)
|