منار السبيل في شرح الدليل

كتاب العدة
مدخل
مدخل
...
كتاب العدة:
وأجمعوا على وجوبها للكتاب والسنة في الجملة.
"وهي: تربص من فارقت زوجها بوفاة أو حياة" بطلاق، أو خلع أو فسخ.
"والمفارقة بالوفاة تعتد مطلقا" كبيرا كان الزوج أو صغيرا، يمكنه الوطء أو لا كبيرة كانت الزوجة أو صغيرة، لعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} 1.
"فإن كانت، حاملا من الميت، فعدتها: حتى تضع كل الحمل" لقوله تعالى: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 2 وأجمعوا على ذلك إلا ابن عباس، فإنه قال: تعتد بأقصى الأجلين. ذكره في الشرح. وإنما تنقضي العدة بوضع ما تصير به أمة أم ولد، وهو ما تبين فيه خلق إنسان. قال ابن المنذر: أجمعوا على أن عدة المرأة تنقضي بالسقط إذا علم أنه ولد. ذكره في الشرح.
"وإن لم تكن حاملا، فإن كانت حرة فعدتها: أربعة أشهر، وعشر ليال بأيامها" لأن النهار تبع الليل، للآية، ولقوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث،
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 234.
2 الطلاق من الآية/ 4.

(2/278)


إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" متفق عليه. ولا يعتبر الحيض في عدة الوفاة في قول عامة أهل العلم.
"وعدة الأمة نصفها" شهران وخمس ليال، في قول عامة أهل العلم لإجماع الصحابة على تنصيف عدة الأمة في الطلاق، فكذا عدة الوفاة. وإذا مات زوج الرجعية استأنفت عدة الوفاة. حكاه ابن المنذر إجماعا لأنها زوجته، ويلحقها طلاقه وإيلاؤه، ولا تنتقل البائن لأنها أجنبية منه.
"والمفارقة في الحياة" لطلاق أو غيره قبل المسيس
"لا تعتد" بالإ جماع لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} 1 الآية.
"ولا إن خلا بها" ولو لم يمسها فتجب العدة بالخلوة، لما روى أحمد بإسناده عن زرارة بن أوفى قال قضى الخلفاء الراشدون أن من أغلق بابا، أو أرخى حجابا، فقد وجب المهر، ووجبت العدة.
"أو وطئها وكان ممن يطأ مثله، ويوطأ مثلها، وهو: ابن عشر، وبنت تسع" فعليها العدة بالإجماع، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 2 ولأنه مظنة لاشتغال الرحم بالحمل، فتجب العدة لاستبرائه. فإن وطئ ابن دون عشر، أو وطئت بنت دون تسع، فلا عدة لذلك الوطء، لتيقن براءة الرحم من الحمل.
"وعدتها إن كانت حاملا بوضع الحمل" كله، للآية السابقة. وعن
ـــــــ
1 الأحزاب من الآية/ 49.
2 البقرة من الآية/ 228.

(2/279)


أبي بن كعب قلت: يا رسول الله وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن: للمطلقة ثلاثا، أو للمتوفى عنها؟ فقال: "هي للمطلقة ثلاثا، وللمتوفى عنها" رواه أحمد، والدارقطني. وعن الزبير بن العوام أنها كانت عنده أم كلثوم بنت عقبة، فقالت لي وهي حامل: طيب نفسي بتطليقة. فطلقها تطليقة. ثم خرج إلى الصلاة، فرجع وقد وضعت. فقال: ما لها خدعتني، خدعها الله ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "سبق الكتاب أجله، اخطبها إلى نفسها" رواه ابن ماجه.
"وإن لم تكن حاملا، فإن كانت تحيض فعدتها: ثلاث حيض إن كانت حرة" أومبعضة بغير خلاف بين أهل العلم، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 1، الآية. والقرء الحيض. روي عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس، رضي الله عنهم. وبه قال الحسن ومجاهد، وإليه ذهب الأوزاعي والثوري وأصحاب الرأي، لأنه المعهود في لسان الشرع، لحديث: "تدع الصلاة أيام أقرائها" رواه أبو داود. وحديث "إذا أتى قرؤك فلا تصلي، وإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء" رواه النسائي. ولم يعهد في لسانه استعمال القرء بمعنى: الطهر، وإن كان في اللغة مشتركا بين الحيض والطهر. وقالت عائشة، رضي الله عنها أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض رواه ابن ماجه.
"وحيضتان إن كانت أمة" لحديث ابن عمر مرفوعا: "طلاق الأمة: طلقتان، وقرؤها: حيضتان" رواه أبو داود. ولأنه قول: عمر وابنه،
ـــــــ
1 البقرة من الآية/ 228.

(2/280)


وعلي. ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة، فكان إجماعا، وهو مخصص لعموم الآية. وكان القياس أن تكون عدتها. حيضة ونصفها، كحدها، إلا أن الحيض لا يتبعض ولاتعتد بحيضة طلقت فيها، بل تعتد بعدها بثلاث حيض كوامل. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم. ولا تحل مطلقته لغيره إذا انقطع دم الحيضة الأخيرة حتى تغتسل في قول أكابر الصحابة، منهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبو موسى وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء رضي الله عنهم. وعنه: القرء الطهر. روي عن زيد بن ثابت وعائشة، وهو قول: الفقهاء السبعة والزهري، وبه قال: ربيعة ومالك والشافعي، لقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} 1 أي: في عدتهن. وإنما يطلق في الطهر، فعليها آخر العدة آخر الطهر الثالث إذا رأت الدم بعده انقضت عدتها. ويحتمل أن لا يحكم بانقضائها حتى ترى الدم يوما وليلة، لأن ما دونه يحتمل أن لا يكون حيضا. قاله في الكافي.
"وإن لم تكن تحيض: بأن كانت صغيرة، أو بالغة ولم تر حيضا ولا نفاسا أو كانت آيسة، وهي: من بلغت خمسين سنة" أو ستين سنة كما تقدم.
"فعدتها: ثلاثة أشهر إن كانت حرة" إجماعا لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} 2، أي كذلك.
ـــــــ
1 الطلاق من الآية/ 1.
2 الطلاق من الآية/4.

(2/281)


"وشهران إن كانت أمة" نص عليه. واحتج بقول عمر: عدة أم الولد حيضتان، ولو لم تحض كان عدتها شهرين رواه الأثرم.
"ومن كانت تحيض ثم ارتفع حيضها قبل أن تبلغ سن الإياس، ولم تعلم ما رفعه، فتتربص تسعة أشهر" للحمل لأنها غالب مدته لتعلم براءة رحمها.
"ثم تعتد عدة آيسة" ثلاثة أشهر. قال الشافعي: هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار، لا ينكره منهم منكر، علمناه فصار إجماعا قاله في الكافي و الشرح.
"وإن علمت ما رفعه من مرض، أو رضاع، أو نحوه، فلا تزال متربصة حتى يعود الحيض، فتعتد به" وإن طال الزمن لأنها مطلقة، لم تيأس من الدم، فيتناولها عموم الآية. وعن محمد بن يحيى بن حبان أنه كانت عند جده امرأتان: هاشمية، وأنصارية. فطلق الأنصارية وهي ترضع. فمر بها سنة، ثم هلك ولم تحض، فقالت الأنصارية لم أحض فاختصموا إلى عثمان، فقضى لها بالميراث، فلامت الهاشمية عثمان، فقال: هذا عمل ابن عمك، وهو أشار علينا بهذا. يعني: علي بن أبي طالب رضى الله عنه رواه الأثرم
"أو تصير آيسة فتعتد كآيسة" نص عليه. قال في الإنصاف: وعنه تنتظر زوال ما دفعه، ثم إن حاضت اعتدت به، وإلا اعتدت بسنة. ذكره محمد بن نصر المروزي عن مالك. ومن تابعه منهم: أحمد. ونقل ابن هانئ أنها تعتد بسنة. واختار الشيخ تقي الدين: إن علمت عدم عوده فكآيسة، وإلا اعتدت سنة. انتهى.

(2/282)


فصل وإن وطئ الأجنبي بشبهة أو نكاح فاسد
"أو زنى من هي في عدتها: أتمت عدة الأول" سواء كانت عدته من نكاح صحيح أو فاسد، أو وطء بشبهة أو زنى، لأنه في شغل الرحم كالصحيح، فوجبت العدة منه، ما لم تحمل من الثاني، فتنقضي عدتها منه بوضع الحمل، ثم تتم عدة الأول،
"ثم تعتد للثاني" لأنهما حقان اجتمعا لرجلين فلم يتداخلا، وقدم أسبقهما، كما لو تساويا في مباح غير ذلك. ولخبرعلي، رضي الله عنه أنه قضى في التي تتزوج في عدتها، أنه يفرق بينهما، ولها الصداق بما استحل من فرجها، وتكمل ما أفسدت من عدة الأول، وتعتد من الآخر رواه مالك. وقال عمر: "أيما امرأة نكحت في عدتها، ولم يدخل بها الذي تزوجها، فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، وكان خاطبا من الخطاب. وإن دخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، ثم اعتدت من الآخر ولم ينكحها أبدا" رواه الشافعي. وروي عن أحمد: أنها تحرم على الزوح الثاني على التأبيد، لقول عمر، رضي الله عنه. والصحيح من المذهب: أنها تحل له، لأنه وطء شبهة، فلم يحرم على التأبيد، كالنكاح بلا ولي وقد روي أن عليا قال: إذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب، يعني:

(2/283)


الزوج الثاني، فقال عمر: ردوا الجهالات إلى السنة، ورجع إلى قول علي قاله في الكافي.
"وإن وطئها عمدا من أبانها: فكالأجنبي" تتم العدة الأولى، ثم تبتدئ العدة الثانية للزنى، لأنهما عدتان من وطأين، يلحقه النسب في أحدهما دون الآخر، كما لو كانا من رجلين.
"وبشبهة: استأنفت العدة من أولها" ودخلت فيها بقية العدة الأولى، لأنهما عدتان من واحد لوطأين، يلحق النسب فيهما لحوقا واحدا فتداخلا، كما لو طلق الرجعية في عدتها بعد أن راجعها، فإنها تستأنف العدة. فإن طلق الرجعية قبل رجعتها، بنت على عدتها الأولى، لأنهما طلاقان لم يتخللهما وطء ولا رجعة، أشبها الطلقتين في وقت واحد.
"وتتعدد العدة بتعدد الواطئ بالشبهة" لحديث عمر السابق، ولأنهما حقان لآدميين، فلم يتداخلا: كالدينين. فإن تعدد الوطء من واحد، فعدة واحدة.
"لا بالزنى" فإن العدة لا تعدد في الأصح، وهو اختيار ابن حمدان، لعدم لحوق النسب فيه. فبقي القصد العلم ببراءة الرحم، فتعتد من آخر وطء.
"ويحرم على زوج الموطوءة بشبهة أو زنى أن يطأها في الفرج ما دامت في العدة" لأنها عدة قدمت على حق الزوج فمنع من الوطء قبل انقضائها، لا الاستمتاع، لأن تحريمها لعارض يختص بالفرج، فأبيح الاستمتاع منها بما دونه كالحيض.

(2/284)


فصل ويجب الإحداد على المتوفى عنها زوجها
"بنكاح صحيح ما دامت في العدة" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوج: أربعة أشهر وعشرا" متفق عليه.
"ويجوز للبائن" من حي، ولايسن لها. قاله في الرعاية.
"والإحداد: ترك الزينة والطيب: كالزعفران" قال في الشرح: وأما الطيب: فلا خلاف في تحريمه، وأما اجتناب الزينة: فواجب في قول عامة أهل العلم. انتهى.
"ولبس الحلي، ولو خاتما" لقوله، صلى الله عليه وسلم "ولا الحلي"
"ولبس الملون من الثياب: كالأحمر والأصفر والأخضر" لقوله صلى الله عليه وسلم. ".. ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب" . الحديث، متفق عليه. والعصب: ثياب يمنية فيها بياض وسواد، يصبغ غزلها، ثم ينسج. قاله القاضي، وصحح في الشرح أنه: نبت يصبغ به.
"والتحسن بالحناء والاسفيذاج" وهو: شيء يعمل من الرصاص، إذا دهن به الوجه يربو ويبرق، لأنه من الزينة. وعن أم سلمة مرفوعا "المتوفى عنها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشق، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل" رواه النسائي.

(2/285)


"والاكتحال بالأسود" لما تقدم. ولا بأس بالكحل الأبيض: كالتوتياء ونحوه، لأنه لا يحسن العين. قاله في الكافي.
"والأدهان بالمطيب" لعموم قوله صلى الله عليه وسلم، في حديث أم عطية: "ولا تمس طيبا" أخرجاه.
"وتحمير الوجه وحفه" لأنه من الزينة.
"ولها لبس الأبيض، ولو حريرا" لأن حسنه من أصل خلقته، فلا يلزم تغييره.
"وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي مات زوجها" وهي ساكنة
"فيه" ولو مؤجرا أو معارا. روي عن: عمر وعثمان وابن عمر وابن مسعود وأم سلمة، لحديث فريعة، وفيه. "... امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله" . فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشرا رواه الخمسة، وصححه الترمذي. قال في الشرح: وبه قال مالك، والشافعي. قال ابن عبد البر: وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار.
"ما لم يتعذر" كتحولها لخوفها على نفسها، أو مالها، أو حولت قهرا، أو بحق يجب عليها الخروج من أجله، أو لتحويل مالكه لها، أو طلبه فوق أجرته. أو لا تجد ما تكتري به إلا من مالها: فتنتقل حيث شاءت للضرورة، ولسقوط الواجب للعذر. ولم يرد الشرع بالاعتداد في معين غيره، فاستوى في ذلك البعيد والقريب. ويلزم من انتقلت بلا حاجة العود إلى منزلها لتتم عدتها فيه تداركا للواجب، وكذا من سافرت ولو لحج، ولم تحرم به، ومات زوجها قبل مسافة قصر، رجعت

(2/286)


واعتدت بمنزله، لأنها في حكم الإقامة. وعن سعيد بن المسيب قال: توفي أزواج نساؤهم حاجات أو معتمرات، فردهن عمر من ذي الحليفة حتى يعتددن في بيوتهن رواه سعيد.
"وتنقضي العدة بمضي الزمان حيث كانت" لأن المكان ليس شرطا لصحة الاعتداد. ولهم إخراجها لطول لسانها، وأذاها لأحمائها بالسب ونحوه لقوله تعالى: {وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} 1 فسره ابن عباس بما ذكرناه، وهو قول الأكثرين، والفاحشة تعم الأقوال الفاحشة، لقوله صلى الله عليه وسلم، لعائشة: "إن الله لايحب الفحش ولا التفحش" . ولها الخروح في حوائجها نهارا، لقوله صلى الله عليه وسلم "اخرجي فجذي نخلك" رواه أبو داود وغيره. وروى مجاهد: قال: استشهد رجال يوم أحد، فجاء نساؤهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقلن: يا رسول الله: نستوحش بالليل، فنبيت عند إحدانا، حتى إذا أصبحنا بادرنا بيوتنا. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن، فإذا أردتن النوم، فلتات كل امرأة إلى بيتها" وروى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه: بلغه أن سائب بن خباب توفي، وأن امرأته جاءت إلى عبد الله بن عمر فذكرت له وفاة زوجها، وذكرت له حرثا لهم بقناة، وسألته: هل يصلح لها أن تبيت فيه؟ فنهى عن ذلك؟ فكانت تخرج من المدينة سحرا، فتصبح في حرثهم، فتظل فيه يومها، ثم تدخل المدينة إذا أمست فتبيت في بيتها. ولأن الليل مظنة الفساد، فلم يجز لها الخروج فيه من غير ضرورة.
ـــــــ
1 الطلاق من الآية/ 1.

(2/287)


باب استبراء الإماء
مدخل
...
باب استبراء الإماء:
"وهو واجب في ثلاثة مواضع:"
"1- إذا ملك الرجل، ولو طفلا" بإرث أو شراء ونحوه،
"أمة يوطأ مثلها" بكرا كانت، أو ثيبا، كالعدة. قال الإمام أحمد: بلغني أن العذراء تحمل، فقال له بعض أهل المجلس: نعم، قد كان في جيراننا.
"حتى ولو ملكها من أنثى" فيحرم وطؤها قبل استبرائها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره" رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وعن أبي سعيد أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال في سبي أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع، و لاغير حامل حتى تحيض حيضة" رواه أحمد وأبو داود.
"أو كان بائعها قد استبرأها" لعموم الأحاديث، ولأن المشتري يجب عليه الاستبراء، لحفظ مائه، لاحتمال كون البائع لم يستبرئها. وقال ابن عمر، رضي الله عنه: إذا وهبت الوليدة التي توطأ، أو بيعت، أو عتقت فلتستبرئ بحيضة، ولا تستبرئ العذراء" حكاه البخاري في صحيحه.
"أو باع أو وهب أمته، ثم عادت إليه بفسخ، أو غيره" ولو قبل تفرقهما من المجلس.

(2/288)


"حيث انتقل الملك لم يحل استمتاعه بها، ولو بالقبلة حتى يستبرئها" لأنه تجديد ملك يحتمل اشتغال الرحم قبله، فأشبه ما لو اشتراها، وكشراء الصغيرة. وعنه: لا يجب الاستبراء إن عادت قبل التفرق، لأن يقين البراءة معلوم، فأشبه الطلاق قبل الدخول. قاله في الكافي.
"2- إذا ملك أمة ووطئها، ثم أراد أن يزوجها، أو يبيعها قبل الإستبراء فيحرم" لأن الزوج لا يلزمه الاستبراء، فيفضي تزويجها قبل الإستبراء إلى اختلاط المياه، واشتباه الأنساب، ولأن عمر، رضي الله عنه أنكر على عبد الرحمن بن عوف حين باع جارية له كان يطؤها قبل استبرائها. قال: ما كنت لذلك بخليق ولأن فيه حفظ مائه وصيانة نسبه، فوجب عليه، كالمشتري، وللشك في صحة البيع، لاحتمال أن تكون أم ولد، ولأنه قد يشتريها من لايستبرئها، فيفضي إلى اختلاط المياه.
"فلو خالف" فزوجها، أو باعها قبل استبرائها:
"صح البيع" لأن الأصل عدم الحمل
"دون النكاح" فلا يصح، كتزوج المعتدة.
"وإن لم يطأها جاز" البيع والنكاح، لعدم وجوب الاستبراء إذا، لأنها ليست فراشا له، وقد حصل يقين براءتها منه.
"3- إذا أعتق أمته أو أم ولده، أو مات عنها لزمها استبراء نفسها إن لم تستبرئ قبل" لأنها فراش لسيدها، وقد فارقها بالموت أو العتق، فلم يجز أن تنتقل إلى فراش غيره بلا استبراء وتسبترئ أم الولد إذا مات عنها، كما تستبرئ المسبية، لأنه استبراء بملك اليمين. وعنه:

(2/289)


تستبرئ بأربعة أشهر وعشر، لما روي عن عمرو بن العاص أنه قال: لا تفسدوا علينا سنة نبينا، صلى الله عليه وسلم، عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها: أربعة أشهر وعشر قال في الكافي: والصحيح الأول، لما ذكرناه. وخبر عمرو لا يصح. قاله أحمد.

(2/290)


فصل واستبراء الحامل بوضع الحمل:
الذي تنقضي به العدة.
"ومن تحيض: بحيضة" تامة، لقوله، صلى الله عليه وسلم، في سبي أوطاس "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة" رواه أحمد وأبو داود.
"والآيسة والصغيرة" التي يوطأ مثلها،
"والبالغ التي لم تر حيضا: بشهر" لأن الشهر أقيم مقام الحيضة قي عدة الحرة والأمة. وعنه: بشهرين، كعدة الأمة. وعنه: بثلاثة أشهر. قال في الكافي: وهي أصح. قال أحمد بن القاسم: قلت لأبي عبد الله: كيف جعلت ثلاثة أشهر مكان الحيضة، وإنما جعل الله في القرآن مكان كل حيضة شهرا؟ فقال: من أجل الحمل: فإنه لا يبين في أقل من ذلك، فإن عمر بن عبد العزيز سئل عن ذلك، وجمع أهل العلم والقوابل، فأخبروا أن الحمل لا يتبين في أقل من ثلاثة أشهر، فأعجبه ذلك، ثم قال: ألا تسمع قول ابن مسعود: إن النطفة أربعون يوما، ثم علقة أربعون يوما، ثم مضغة بعد ذلك، فإذا خرجت الثمانون صار بعدها مضغة. وهي: لحمة، فيتبين حينئذ وهذا معروف عند النساء. فأما شهرا فلا معنى له، ولا أعلم أحدا قاله. انتهى.

(2/290)


"والمرتفع حيضها، ولم تدر ما رفعه: بعشرة أشهر" تسعة للحمل، وواحد للاستبراء.
"والعالمة مارفعه: بخمسين سنة وشهر" لما تقدم في العدة. فإن عاد الحيض قبلها، استبرأت بحيضة.
"ولا يكون الاستبراء إلا بعد تمام ملك الأمة كلها، ولو لم يقبضها" لأن الملك ينتقل بالبيع، وقد وجد.
"وإن ملكها حائضا لم يكتف بتلك الحيضة" للخبر، وكما لو طلق زوجته، وهي حائض.
"وإن ملك من تلزمها عدة اكتفى بها" لحصول العلم بالبراءة بها، فلا فائدة في الاستبراء لدخوله في العدة.
"وإن ادعت الأمة الموروثة تحريمها على الوارث بوطء مورثه" كأبيه وابنه صدقت.
"أو ادعت المشتراة أن لها زوجا صدقت" فيه، لأنه لا يعرف إلا من جهتها.

(2/291)