منار
السبيل في شرح الدليل
كتاب اللعان
مدخل
...
كتاب اللعان:
"إذا رمى الزوج زوجته بالزنى فعليه حد القذف"
إن كانت محصنة، "أو التعزير" إن كانت غير
محصنة. ويأتي تعريف الإحصان في القذف.
"إلا أن يقيم البينة" عليها به، أو تصديقه،
فلا حد، كما لو كان المقذوف غيرها.
"أو يلاعن" والأصل فيه قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ
لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 1 الآية.
ثم قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ
وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا
أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ
شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ
الصَّادِقِينَ} 2 الآيات. فدلت الآية الأولى
على وجوب الحد، إلا أن يسقط بأربعة شهداء.
والثانية: على أن لعانه يقوم مقام الشهداء في
إسقاط الحد. وعن ابن عباس: أن هلال بن أمية
قذف امرأته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
"البينة، وإلا حد في ظهرك" . فقال هلال: والذي
بعثك بالحق إني لصادق،
ـــــــ
1 النور من الآية/ 4.
2 النور من الآية/ 6.
(2/269)
ولينزلن الله
في أمري ما يبرئ ظهري من الحد. فنزلت:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} 1 رواه
البخاري.
"وصفة اللعان أن يقول الزوج أربع مرات: أشهد
بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من
الزنى، ويشير إليها" إن كانت حاضرة، ومع
غيبتها يسميها، أو ينسبها بما تميز به.
"ثم يزيد في الخامسة: وأن لعنة الله عليه إن
كان من الكاذبين. ثم تقول الزوجة أربعا: أشهد
بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من
الزنى، ثم تزيد في الخامسة: وأن غضب الله
عليها إن كان من الصادقين" للآيات والأحاديث.
"ويسن تلاعنهما قياما" لما في حديث ابن عباس:
"أن هلالا جاء فشهد، ثم قامت فشهدت"
"بحضرة جماعة" لأن ابن عباس، وابن عمر وسهلا
حضروه. مع حداثة سنهم، فدل على أنه حضره جمع
كثير، لأن الصبيان إنما يحضرون المجالس تبعا
للرجال. ولذلك قال سهل: فتلاعنا، وأنا مع
الناس عند النبي، صلى الله عليه وسلم. رواه
الجماعة، إلا الترمذي.
"وأن لا ينقصوا عن أربعة" رجال، لأن الزوجة
ربما أقرت فشهدوا عليها.
"وأن يأمر الحاكم من يضع يده على فم الزوج
والزوجة عند الخامسة ويقول: اتق الله. فإنها
الموجبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة"
لأن عذاب الدنيا ينقطع، وعذاب الآخرة دائم.
وكون الخامسة هي
ـــــــ
1 النور من الآية/ 6.
(2/270)
الموجبة، أي:
للعنة، أو الغضب على من كذب منهما لالتزامه
ذلك. والسر في ذلك التخويف، ليتوب الكاذب
منهما ويرتدع. وعن ابن عباس: أن هلال بن أمية
قذف امرأته، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "أرسلوا إليها" ، فجاءت، فتلا عليهما
أية اللعان، وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة
أشد من عذاب الدنيا، فقال هلال: والله لقد
صدقت عليها، فقالت: كذب. فقال النبي صلى الله
عليه وسلم "لاعنوا بينهما" فقيل لهلال: اشهد،
فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين.
فلما كانت الخامسة، قيل يا هلال: "اتق الله
فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه
الموجبة التي توجب عليك العذاب" . فقال: والله
لا يعذبني الله عليها، كما لم يجلدني عليها.
فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من
الكاذبين. ثم قيل لها: اشهدي، فشهدت أربع
شهادات بالله إنه لمن الكاذبين. فلما كانت
الخامسة قيل لها: "اتقي الله، فإن عذاب الدنيا
أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي
توجب عليك العذاب" ، فتلكأت ساعة، ثم قالت:
والله لا أفضح قومي، فشهدت الخامسة: أن غضب
الله عليها إن كان من الصادقين. ففرق رسول
الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وقضى: أن لا
نفقة لها ولا سكنى، من أجل أنهما يفترقان من
غير طلاق، ولا متوفى عنها. رواه أحمد وأبو
داود. وروى الجوزجاني عن ابن عباس في خبر
المتلاعنين: ثم أمر به، فأمسك على فيه ووعظه
إلى أن قال: ثم أمر بها فأمسك على فمها،
ووعظها... الحديث وشرط حضور الحاكم أو نائبه،
وأن يأتي به بعد إلقائه عليه، وكمال لفظاته
الخمس، والترتيب
(2/271)
على ما ورد به
الشرع، والإتيان بصورة الألفاظ الواردة:
والإشارة من كل واحد إلى صاحبه إن كان حاضرا،
أو تسميته إن كان غائبا. فإن فقد شيء من ذلك
لم يصح اللعان لمخالفته للنص.
(2/272)
فصل شروط اللعان ثلاثة
...
فصل وشروط اللعان ثلاثة:
"1- كونه بين زوجين مكلفين" لقوله تعالى:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} 1 فلا
لعان بقذف أمة، ولا حد. وأما اعتبار التكليف،
فلأن قذف غير المكلف لا يوجب حدا، واللعان
إنما وجب لإسقاط الحد.
"2- أن يتقدمه قذفها بالزنى" ولو في دبر، لأنه
قذف يجب به الحد. ولا فرق بين الأعمى والبصير
نص عليه، لعموم الآية.
"3- أن تكذبه" الزوجة في قذفها
"ويستمر تكذيبها إلى انقضاء اللعان" لأن
اللعان إنما ينتظم بتكذيبها فإن صدقته، أو عفت
عن الطلب بحد القذف، أو سكتت فلم تقر ولم تنكر
لحقه النسب، ولا لعان، لأن الحق لها، فلا
يستوفى من غير طلبها وإن كان بينهما نسب يريد
نفيه، فله أن يلاعن، لأنه محتاج إليه، وهو حق
له، فلا يسقط برضاها.
"ويثبت بتمام تلاعنهما أربعة أحكام: "
"1- سقوط الحد أو التعزير" الذي أوجبه القذف
عنها وعنه. ولو قذفها برجل سماه سقط حكم قذفه
بلعانه، لأن هلال بن أمية قذف
ـــــــ
1 النور من الآية/ 6.
(2/272)
زوجته بشريك بن
سحماء، ولم يذكره في لعانه، ولم يحده النبي
صلى الله عليه وسلم، لشريك ولا عزره له، ولأن
اللعان بينة في أحد الطرفين فكان بينة في
الآخرة كالشهادة.
"2- الفرقة ولو بلا فعل حاكم" لأنه معنى يقتضي
التحريم المؤبد فلم يقف على تفريق الحاكم،
كالرضاع وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم،
بينهما بمعنى: أنه أعلمهما بحصول الفرقة
باللعان. وعنه لا تحصل الفرقة حتى يفرق الحاكم
بينهما، لقول ابن عباس في حديثه: ففرق رسول
الله صلى الله عليه وسلم، بينهما. وفي حديث
عويمر: أنه قذف امرأته، فتلاعنا عند النبي صلى
الله عليه وسلم، فقال عويمر: كذبت عليها يا
رسول الله إن أمسكتها. فطلقها ثلاثا قبل أن
يأمره النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه.
فدل على أن الفرقة لم تحصل بمجرد اللعان. قدمه
في الكافي.
"3- التحريم المؤبد" لقول سهل بن سعد: مضت
السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا
يجتمعا أبدا رواه الجوزجاني. وقال عمر، رضي
الله عنه: المتلاعنان يفرق بينهما ولا يجتمعان
أبدا رواه سعيد، وعن علي وابن مسعود نحوه.
4-"انتفاء الولد، ويعتبر لنفيه ذكره صريحا،
كـ: أشهد بالله لقد زنت، وما هذا ولدي" وظاهر
كلام أبي بكر صحة نفي الحمل في لعانه لظاهر
حديث هلال بن أمية، فإنه لاعنها قبل الوضع،
بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"انظروها فإن جاءت به كذا وكذا" . الحديث.
ونفي عنه الولد قال ابن عبد البر: الآثار على
هذا كثيرة، وأوردها، ولم ينقل ملاعنة بعد وضعه
وشرط لنفيه أن لا يتقدمه إقرار
(2/273)
به أو بتوأمه،
أو تهنئة به، فيسكت، أو يؤمن على الدعاء أو
يؤخر النفي بلا عذر لأنه خيار لدفع ضرر، فكان
على الفور كخيار الشفعة.
(2/274)
فصل فيما يلحق من النسب:
"إذا أتت زوجة الرجل بولد بعد نصف سنة" وهي
أقل الحمل لما روي: أن عثمان أتي بامرأة ولدت
لدون ستة أشهر، فشاور القوم في رجمها، فقال
ابن عباس: أنزل الله تعالى: {... وَحَمْلُهُ
وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً...} 1 وأنزل:
{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} 2، فالفصال في
عامين، والحمل ستة أشهر، وذكر أن عبد الملك بن
مروان ولد لستة أشهر. وأكثرها أربع سنين، لما
روى الوليد بن مسلم: قلت لمالك بن أنس حديث
عائشة لا تزيد المرأة على السنتين في الحمل،
قال مالك: سبحان الله، من يقول هذا؟! هذه
جارتنا امرأة محمد بن عجلان، تحمل أربع سنين
وقال أحمد: نساء بني عجلان، يحملن أربع سنين.
"منذ أمكن اجتماعه بها، ولو مع غيبه فوق أربع
سنين" قال في الفروع و المبدع: ولعل المراد:
ويخفى سيره.
"حتى ولو كان ابن عشر" سنين
"لحقه نسبه" لحديث: "الولد للفراش، وللعاهر
الحجر" متفق عليه. وحديث: "واضربوهم عليها
لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع" رواه أبو
داود. وأمره بالتفريق بينهم في المضاجع دليل
على إمكان
ـــــــ
1 الأحقاف من الآية/ 15.
2 لقمان من الآية/ 14.
(2/274)
الوطء وهو سبب
الولادة. وقد روي أن عمرو بن العاص وابنه لم
يكن بينهما إلا اثنا عشر عاما.
"ومع هذا لا يحكم ببلوغه" إن شك فيه، لأن
الأصل عدمه وإنما ألحقنا به الولد احتياطا
للنسب.
"ولا يلزمه كل المهر" إن لم يثبت الدخول أو
الخلوة، لأن الأصل براءته منه.
"ولا يثبت به عدة ولا رجعة" لعدم ثبوت
موجبهما.
"وإن أتت به لدون نصف سنة منذ تزوجها" وعاش،
أو لأكثر من أربع سنين منذ أبانها
"أو علم أنه لم يجتمع بها، كما لو تزوجها
بحضرة جماعة، ثم أبانها في المجلس، أو مات: لم
يلحقه نسبه" للعلم بأنه ليس منه لعدم إمكانه.
"ومن ثبت" أنه وطئ أمته في الفرج أو دونه.
"أو أقر أنه وطء أمته في الفرج أو دونه، ثم
ولدت لنصف سنة" فأكثر
"لحقه" نسب ما ولدته، لأنها صارت فراشا له
لوطئه ولأن سعدا نازع عبد بن زمعة في ابن
وليدة زمعة، فقال عبد بن زمعة: هو أخي، وابن
وليدة أبي، ولد على فراشه، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: "هو لك يا عبد بن زمعة. الولد
للفراش وللعاهر الحجر" متفق عليه. فإن ادعى
أنه كان يعزل عنها، لم ينتف عنه الولد بذلك،
لاحتمال
(2/275)
أن يكون أنزل
ولم يحس به، ولأنه يكون من الريح. وقال عمر
رضي الله عنه: "ما بال رجال يطؤون ولائدهم ثم
يعزلون، لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أنه ألم
بها إلا ألحقت به ولدها، فاعزلوا بعد ذلك أو
أنزلوا" رواه الشافعي في مسنده.
"ومن أعتق أو باع من أقر بوطئها، فولدت لدون
نصف سنة، لحقه" نسب ما ولدته للعلم بأنها كانت
حاملا به قبل العتق أو البيع، حين كانت فراشا
له.
"والبيع باطل" لأنها أم ولد، والعتق صحيح.
"ولنصف سنة فأكثر لحق المشتري" إن كانت
مستبرأة، لأنه ولد أمة المشتري ولا تقبل دعوى
غيره له بدون إقراره.
"ويتبع الولد أباه في النسب" إجماعا لقوله
تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} 1 ما لم
ينفه بلعان.
"وأمه في الحرية" فولد حرة حر وإن كان من
رقيق، لأنه جزء من أمه.
"وكذا" يتبعها.
"في الرق" فولد أمة قن لمالك أمه، ولو كان من
حر.
"إلا مع شرط" زوج أمة حرية أولادها فهم أحرار،
لحديث: "المسلمون عند شروطهم" .
"أو غرور" بأن شرطها أو ظنها حرة، فبانت أمة،
فولدها حر، وإن كان أبوه رقيقا ويفديه.
"ويتبع في الدين خيرهما" فولد المسلم من
كتابية: مسلم. وولد
ـــــــ
1 الأحزاب من الآية/ 5.
(2/276)
كتابي من
مجوسية: كتابي. لكن لا تحل ذبيحته، ولا يحل
لمسلم نكاحه لو كان أنثى.
"وفي النجاسة، وتحريم النكاح، والذكاة، والأكل
أخبثهما" فالبغل من الحمار الأهلي محرم نجس
تبعا للحمار، وما تولد بين هر، وشاة محرم
الأكل تغليبا لجانب الحظر.
(2/277)
|