منار السبيل في شرح الدليل

كتاب الاقرار
مدخل
مدخل
...
كتاب الإقرار:
وهو: الاعتراف بالحق. والحكم به واجب، لقوله، صلى الله عليه وسلم: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا: فإن اعترفت فارجمها" ورجم النبي، صلى الله عليه وسلم، ماعزا والغامدية والجهنية بإقرارهم"

(2/505)


فصل والإقرار لقن غيره إقرار لسيده:
لأنه الجهة التي يصح الإقرار لها، ولأن يد العبد كيد سيده.
"ولمسجد أو مقبرة أو طريق ونحوه" كثغر وقنطرة
"يصح، ولو أطلق" فلم يعين سببا، كغلة وقف ونحوه، لأنه إقرار ممن يصح إقراره، أشبه ما لو عين السبب، ويكون لمصالحها.

(2/507)


"ولدار أو بهيمة: لا" لأن الدار لا تجري عليها صدقة غالبا، بخلاف المسجد، ولأن البهيمة لا تملك، ولا لها أهليه الملك.
"إلا إن عين السبب" كغصب أو استئجار -زاد في المغني: لمالكها- وإلا لم يصح.
"ولحمل" آدمية بمال، وإن لم يعزه إلى سبب، لأنه يجوز أن يملك بوجه صحيح فصح له الإقرار المطلق، كالطفل
"فإن ولد ميتا أو لم يكن حمل: بطل" لأنه إقرار لمن لا يصح أن يملك، وإن ولدت حيا وميتا: فالمقر به للحي بلا نزاع. قاله في الإنصاف، لفوات شرطه في الميت.
"و" إن ولدت
"حيا فأكثر: فله بالسوية" ولو كانا ذكرا وأنثى، كما لو أقر لرجل وامرأة بمال، لعدم المزية.
"وإن أقر رجل أو امرأة بزوجية الآخر فسكت" صح وورثه بالزوجية، لقيامها بينهما بالإقرار،
"أو جحده، ثم صدقه: صح" الإقرار،
"وورثه" لحصول الإقرار، والتصديق. ولا يضر جحده قبل إقراره، كالمدعى عليه يجحد، ثم يقر.
"لا إن بقي على تكذيبه حتى مات" المقر: فلا يرثه، لأنه متهم في تصديقه بعد موته.

(2/508)


باب ما يحصل به الإقرار وما يغيره:
"من ادعى عليه بألف، فقال: نعم، أو صدقت، أو: أنا مقر، أو: خذها، أو: اتزنها، أو اقبضها: فقد أقر" لأن هذه الألفاظ تدل على تصديق المدعي، وتنصرف إلى الدعوى، لوقوعها عقبها،
"لا إن قال: أنا أقر" فليس إقرارا بل وعد.
"أو: لا أنكر" لأنه لا يلزم من عدم الإنكار الإقرار، لأن بينهما قسما آخر، وهو السكوت، ولأنه يحتمل: لا أنكر بطلان دعواك.
"أو: خذ" لاحتمال أن يكون مراده خذ الجواب مني
"أو: اتزن، أو: افتح كمك" لاحتمال أن يكون ل شيء غير المدعى به، أو: اتزن من غيري، أو: افتح كمك للطمع.
"و: بلى، في جواب: أليس لي عليك كذا؟ إقرار" بلا خلاف، لأن نفي النفي إثبات.
"لا: نعم، إلا من عامي" فيكون إقرارا، كقوله: عشرة غير درهم - بضم الراء -: يلزمه تسعة، لأن ذلك لا يعرفه إلا الحذاق من أهل العربية. وفي حديث عمرو بن عبسة....فدخلت عليه، فقلت: يا رسول الله: أتعرفني؟ فقال: "نعم أنت الذي لقيتني بمكة" ، قال: فقلت: بلى قال في شرح مسلم: فيه صحة الجواب ببلى، وإن لم

(2/509)


يكن قبلها نفي، وصحة الإقرار بها، قال: وهو الصحيح من مذهبنا، أي: مذهب الشافعية.
"وإن قال: اقض دين عليك ألفا، أو: هل لي: أو لي عليك ألف؟ فقال: نعم" فقد أقر له، لأن نعم صريحة في تصديقه.
"أو قال: أمهلني يوما، أو حتى أفتح الصندوق" فقد أقر، لأن طلب المهلة يقتضي أن الحق عليه.
"أو قال: له علي ألف إن شاء الله" فقد أقر له به. نص عليه.
"أو: إلا أن يشاء الله" فقد أقر له به، لأنه علق رفع الإقرار على أمر لا يعلمه، فلا يرتفع.
"أو" قال: له علي ألف، لا تلزمني إلا أن يشاء
"زيد: فقد أقر" له بالألف، لما تقدم.
"وإن علق بشرط لم يصح، سواء قدم الشرط، كـ: إن شاء زيد فله علي دينار" أو: إن قدم زيد فلعمرو علي كذا، لأنه لم يثبت على نفسه شيئا في الحال، وإنما علق ثبوته على شرط، والإقرار إخبار سابق، فلا يتعلق بشرط مستقبل، بخلاف تعليقه على مشيئة الله عز وجل: فإنها تذكر في الكلام تبركا وتفويضا إلى الله تعالى، كقوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ...} 1 وقد علم الله أنهم سيدخلونه بلا شك. وقال القاضي: يكون إقرارا صحيحا، لأن الحق الثابت في الحال. لا يقف على شرط مستقبل، فسقط الاستثناء. قاله في الكافي.
ـــــــ
1 الفتح: من الآية/27.

(2/510)


"أو أخوه، كـ: له علي دينار إن شاء زيد أو: قدم الحاج" أو: جاء المطر: فلا يصح الإقرار، لما بين الإخبار والتعليق على شرط مستقبل من التنافي.
"إلا إذا قال: إذا جاء وقت كذا فله علي دينار: فيلزمه في الحال" لأنه بدأ بالإقرار فعمل به، وقوله: إذا جاء وقت كذا، يحتمل أنه أراد المحل: فلا يبطل الإقرار بأمر محتمل.
"فإن فسره بأجل أو وصية: قبل بيمينه" لأن ذلك لا يعلم إلا منه، ويحتمله لفظه. وقال في الكافي: وإن قال: له علي ألف إذا جاء رأس الشهر: كان مقرا، لأنه بدأ بالإقرار، وبين بالثاني المحل. وإن قال: إذا جاء رأس الشهر فله علي ألف: فليس بإقرار، لأنه بدأ بالشرط، وأخبر أن الوجوب إنما يوجد عند رأس الشهر، والإقرار لا يتعلق على شرط. انتهى.
"ومن ادعى عليه بدينار، فقال: إن شهد به زيد فهو صادق: لم يكن مقرا" لأن ذلك وعد بتصديقه له في شهادته لا تصديق.

(2/511)


باب فيما إذا وصل بالإقرار ما يغيره
مدخل
...
باب فيما إذا وصل بالإقرار ما يغيره:
"إذا قال: له علي من ثمن خمر ألف: لم يلزمه شيء" لأنه أقر بثمن خمر، وقدره بالألف، وثمن الخمر لا يجب.
"وإن قال:" له علي
"ألف من ثمن خمر: لزمه" وكذا إن قال: له علي ألف من ثمن مبيع لم أقبضه، أو ألف لا تلزمني، أو من مضاربة، أو وديعة تلفت، وشرط

(2/511)


علي ضمانها، ونحو ذلك، لأن ما ذكر بعد قوله: علي ألف رفع لجميع ما أقر به فلا يقبل، كاستثناء الكل.
"ويصح استثناء النصف فأقل" لأنه لغة العرب. قاله الله تعالى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً} 1 قال أبو إسحاق الزجاج: لم يأت الاستثناء إلا في القليل من الكثير، فلو قال: مائة إلا تسعة وتسعين لم يكن متكلما بالعربية.
"فيلزمه عشرة في" قوله
"له علي عشرة إلا ستة" لبطلان الاستثناء.
"و" يلزمه
"خمسة في" قوله
"ليس لك علي عشرة إلا خمسة" لأنه استثناء النصف، والاستثناء من النفي إثبات
"بشرط أو لا يسكت ما يمكنه الكلام فيه" أو يأتي بكلام أجنبي بين المستثنى منه، والمستثنى، لأنه إذا سكت بينهما، أو فصل بكلام أجنبي: فقد استقر حكم ما أقر به، فلم يرفع، بخلاف ما إذا اتصل، فإنه كلام واحد.
"وأن يكون من الجنس والنوع" أي: جنس المستثنى منه ونوعه.
"فله علي هؤلاء العبيد العشرة إلا واحدا" فاستثناؤه
"صحيح" لوجود شرائطه، لأنه إخراج لبعض ما يتناوله اللفظ بموضوعه،
ـــــــ
1 العنكبوت: من الآية/14.

(2/512)


"ويلزمه تسعة" ويرجع إليه في تعيين المستثنى، لأنه أعلم بمراده، فلو ماتوا أو قتلوا أو غصبوا إلا واحدا، فقال: هو المستثنى قبل منه ذلك بيمينه.
"وله علي مائة درهم إلا دينارا: تلزمه المائة" ولم يصح الاستثناء في إحدى الروايتين. اختارها أبو بكر، لأنه استثناء من غير الجنس، وغير الجنس ليس بداخل في الكلام، وإنما سمي استثناء تجوزا، وإنما هو استدراك، ولا دخل له في الإقرار، لأنه إثبات للمقر به، فإذا ذكر الاستدراك بعده كان باطلا. وعنه: يصبح. اختارها الخرقي، لأن النقدين كالجنس الواحد، لاجتماعهما في أنهما قيم المتلفات، وأروش الجنايات، ويعبر بأحدهما عن الآخر، وتعلم قيمته منه، فأشبه النوع الواحد بخلاف غيرهما.
"وله هذه الدار إلا هذا البيت قبل ولو كان أكثرها" أي: الدار، لأن الإشارة جعلت الإقرار فيما عدا المستثنى فالمقر به معين، فوجب أن يصح.
"لا إن قال: إلا ثلثيها، ونحوه" كـ: إلا ثلاثة أرباعها، فلا يصح، لأن المستثنى شائع، وهو أكثر من النصف.
"وله الدار ثلثاها، أو عارية، أو هبة، عمل بالثاني" وهو قوله: ثلثاها، أو عارية، أو هبة، ولا يكون إقرارا، لأنه رفع بآخر كلامه ما دخل في أوله، وهو بدل بعض في الأول، واشتمال فيما بعده، لأن قوله: له الدار، يدل على الملك، والهبة بعض ما يشتمل عليه، كأنه قال: له ملك الدار هبة، كقوله سبحانه {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ

(2/513)


الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} 1 فهو في معنى الاستثناء في كونه إخراجا للبعض، ويفارقه في جواز إخراج أكثر من النصف. قاله في الكافي.
ويصح الاستثناء من الاستثناء لقوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ*إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ*إِلَّا امْرَأَتَهُ} 2 فمن قال عن آخر: له علي سبعة إلا ثلاثة، إلا درهما: لزمه خمسة، لأن الاستثناء إبطال، والاستثناء منه رجوع إلى موجب الإقرار.
ـــــــ
1 البقرة: من الآية/217.
2 الحجر:58-60.

(2/514)


فصل ومن باع أو وهب أو عتق عبدا ثم أقر به لغيره لم يقبل:
إقراره: لأنه إقرار غيره. وكذا لو ادعى بعد البيع ونحوه أن المبيع رهن، أو أم ولد ونحوه مما يمنع صحة التصرف.
"ويغرمه للمقر به" لأنه فوته عليه بتصرفه فيه.
"وإن قال: غصبت هذا العبد من زيد لا بل من عمرو" فهو لزيد، لإقراره له به، ولا يقبل رجوعه عنه، لأنه حق آدمي، ويغرم قيمته لعمرو.
"أو: ملكه لعمرو، وغصبته من زيد: فهو لزيد" لإقراره باليد له،
"ويغرم قيمته لعمرو" لإقراره له بالملك، ولوجود الحيلولة بالإقرار باليد لزيد.
"وغصبته من زيد، وملكه لعمرو: فهو لزيد" لإقراره باليد له،

(2/514)


"ولا يغرم لعمرو شيئا" لأنه إنما شهد له به، أشبه ما لو شهد له بمال بيد غيره.
"ومن خلف ابنين ومائتين، فادعى شخص مائة دينار على الميت، فصدقه أحدهما، وأنكر الآخر: لزم المقر نصفها" أي: المائة لإقراره بها على أبيه، ولا يلزمه أكثر من نصف دين أبيه، لأنه يرث نصف التركة، ولأنه يقر على نفسه وأخيه فقبل على نفسه دون أخيه،
"إلا أن يكون" المقر.
"عدلا، ويشهد، ويحلف معه المدعي. فيأخذها وتكون" المائة.
"الباقية بين الاثنين" كما لو شهد بها غير الابن، وحلف المدعي.

(2/515)


باب الإقرار بالمجمل
مدخل
...
باب الإقرار بالمجمل:
وهو: ما احتمل أمرين فأكثر على السواء، وقيل: ما لا يفهم معناه عند إطلاقه ضد المفسر.
"إذا قال: له علي شيء و شيء أو كذا وكذا" صح إقراره،
"وقيل له: فسر" ويلزمه تفسيره. قال في الشرح: بغير خلاف.
"فإن أبى حبس حتى يفسر" لأنه امتنع من حق عليه فحبس به، كما لوعينه وامتنع من أداءه. وقال القاضي: إذا امتنع من البيان قيل للمقر له: فسره أنت، ثم يسأل المقر، فإن صدقه ثبت عليه، وإن أبى جعل ناكلا، وقضي عليه. قاله في الكافي.
"ويقبل تفسيره بأقل متمول" لأنه شيء وكذا تفسيره بحد قذف، وحق شفعة، لأنه حق عليه، ولا يقبل تفسيره بميتة نجسة، وخمر

(2/515)


وخنزير، لأنها ليست حقا عليه، ولا برد سلام، وتشميت عاطس، ونحوه، لأن ذلك لا يثبت في الذمة، ولا بغير متمول، كقشر جوزة، وحبة بر ونحوهما، لمخالفته لمقتضى الظاهر، ولأن إقراره اعتراف بحق عليه، وهذا لا يثبت في الذمة، لأنه مما لا يتمول عادة.
"فإن مات قبل التفسير: لم يؤاخذ وارثه بشيء" ولو خلف تركة، لاحتمال أن يكون حد قذف.
"و: له علي مال عظيم، أو خطير، أو كثير، أو جليل، أو نفيس: قبل تفسيره بأقل متمول" لأنه ما من مال إلا وهو عظيم كثير بالنسبة إلى ما دونه، ويحتمل أنه أراد عظمه عنده، لقلة ماله، وفقر نفسه، ولأنه لا حد له شرعا ولا لغة ولا عرفا، ويختلف الناس فيه: فقد يكون عظيما عند بعض حقيرا عند غيره.
"وله دراهم كثيرة قبل" تفسيره
"بثلاثة" دراهم فأكثر، لأن الثلاثة أقل الجمع، وهي اليقين، فلا يجب ما زاد عليها بالاحتمال.
"و: له علي كذا وكذا درهم بالرفع أو النصب: لزمه درهم" أما في الرفع: فلأن تقديره: شيء هو درهم، فالدرهم: بدل من كذا، والتكرار للتأكيد لا يقتضي زيادة، كأنه قال: شيء شيء: هو درهم. والتكرار مع الواو بمنزلة قوله: شيئان، هما: درهم، لأنه ذكر شيئين، وأبدل منهما درهما. وأما في النصب: فالدرهم: مميز لما قبله، فهو مفسر، والدرهم الواحد يجوز أن يكون تفسيرا لشيئين: كل واحد بعفو درهم. اختاره ابن حامد، والقاضي. واختار التميمي: يلزمه

(2/516)


درهمان، لأنه ذكر جملتين فسرهما بدرهم فيعود التفسير إلى كل واحد منهما. قاله في الكافي. وقال بعض النحاة: هو منصوب على القطع كأنه قطع ما أقر به، وأقر بدرهم.
"وإن قال: بالجر أو: وقف عليه: لزمه بعض درهم، ويفسره" لأنه في الجر مخفوض بالإضافة، فالمعنى: له بعض درهم. وإذا كرر يحتمل أن يكون إضافة جزء إلى جزء، ثم أضاف الجزء الأخير إلى الدرهم. وفي الوقف يحتمل أنه مجرور، وسقطت حركته للوقف.
"و: له علي ألف ودرهم، أو ألف ودينار، أو ألف وثوب، أو ألف إلا دينارا: كان المبهم" في هذه الأمثلة ونحوها
"من جنس المعين" لأن العرب تكتفي بتفسير إحدى الجملتين عن الأخرى، كقوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً} 1 والمراد: تسع سنين فاكتفى بذكره في الأول ولأنه ذكر مبهما مع مفسر، ولم يقم الدليل على أنه ليس من جنسه فوجب حمله عليه. وأما الاستثناء فلأن العرب لا تستثني الإثبات إلا من الجنس، فمتى علم أحد الطرفين علم الآخر، كما لو علم المستثنى منه. ويقال: الاستثناء معيار العموم. وأما إن قال: مائة وخمسون درهما، واحد وعشرون درهما فالكل دراهم. قال في الشرح: بغير خلاف نعلمه. انتهى، لقوله: {تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} 2 و {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً} 3
ـــــــ
1 الكهف الآية: 25.
2 صّ: من الآية/23.
3 يوسف: من الآية/4.

(2/517)


فصل إذا قال له علي ما بين درهم وعشرة:
"لزمه ثمانية" لأنها ما بينهما، وذلك هو مقتضى لفظه.
"ومن درهم إلى عشرة" لزمه تسعة.
"أو: بين درهم إلى عشرة: لزمه تسعة" لأنه جعل العشرة غاية، وهي غير داخلة. قال الله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} 1 بخلاف ابتداء الغاية: فإنه داخل في معناه.
"و: له" علي
"درهم، قبله درهم، وبعده درهم، أو: درهم ودرهم ودرهم: لزمه ثلاثة" دراهم، لأن قوله قبله، وبعده ألفاظ تجري مجرى العطف، لأن معناها الضم فكأنه أقر بدرهم، وضم إليه الآخرين، ولأن قبل وبعد يستعملان للتقديم والتأخير في الوجوب، فيحمل عليه.
"وكذا: درهم درهم درهم" يلزمه ثلاثة دراهم،
"فإن أراد التأكيد: فعلى ما أراد" أي: قبل منه ذلك، لأنه قابلة للتأكيد، لعدم العاطف.
"و: له درهم بل دينار: لزماه" لأن الإضراب رجوع عما أقر به لآدمي، ولا يصح فيلزمه كل منهما.
ـــــــ
1 البقرة: من الآية/187.

(2/518)


"و: له درهم في دينار: لزمه درهم" لأنه المقر به فقط، وقوله: في دينار لا يحتمل الحساب، ويجوز أن يريد: في دينار لي.
"فإن قال: أردت العطف" أي: درهم ودينار ونحوه،
"أو معنى: مع" كـ: درهم مع دينار
"لزماه" أي: الدرهم والدينار، كما لو صرح بحرف العطف أو بمع.
"و: له درهم في عشرة: لزمه درهم" لإقراره به، وجعله العشرة محلا له، ولأنه يحتمل: في عشرة لي.
"ما لم يخالفه عرف" بلد المقر، واستعمالهم
"فيلزمه مقتضاه" أي: عرفهم واستعمالهم
"أو يريد الحساب، ولو جاهلا: فيلزمه عشرة" دراهم، لأنها حاصل الضرب عندهم.
"أو يريد الجمع: فيلزمه أحد عشر" لأنه أقر على نفسه بالأغلظ، وكثير من العوام يريدون بهذا اللفظ هذا المعنى، أي: درهم مع عشرة.
"و: له تمر في جراب، أو سكين في قراب، أو ثوب في منديل: ليس بإقرار الثاني" لأن إقراره لم يتناول الظرف، فيحتمل أنه أراد: في ظرف لي، ولأنهما شيئان متغايران لا يتناول الأول منهما الثاني، ولا يلزم أن يكون الظرف والمظروف لواحد، والإقرار إنما يكون مع التحقيق لا مع الاحتمال.
"و: له خاتم فيه فص، أو سيف بقراب: إقرار بهما" لأن الفص جزء من الخاتم، أشبه ما لو قال: ثوب فيه علم. والباء في قوله: بقراب:

(2/519)


باء المصاحبة، فكأنه قال: سيف مع قراب، بخلاف: تمر في جراب، فإن الظرف غير المظروف.
"وإقراره بشجرة ليس إقرارا بأرضها" لأن الأصل لا يتبع الفرع، بخلاف الإقرار بالأرض، فإنه يشمل غرسها وبناءها،
"فلا يملك غرس مكانها لو ذهبت" لأنه غير مالك للأرض. قال في الفروع: ورواية مهنا: هي له بأصلها، فإن ماتت، أو سقطت لم يكن له مرضها،
"ولا أجرة" على ربها
"ما بقيت" وليس لرب الأرض قلعها، وثمرتها للمقر له، والبيع مثله.
"وله علي درهم، أو دينار: يلزمه أحدهما، ويعينه" ويرجع إليه في تعيينه، كسائر المجملات.

(2/520)