نَيْلُ
المَآرِب بشَرح دَلِيلُ الطَّالِب كتَاب الصَّلَاة
وهي أقوالٌ وأفعالٌ مفتَتَحةٌ بالتكبير، مختَتَمةٌ بالتسليم.
(تجب) الصلاة لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
كِتَابًا مَوْقُوتًا} (عَلَى كلّ مسلمٍ مكلفٍ) ولو لم يبلغه الشرع، كمن
أسلم بدارِ حَرْبٍ ونحوه (غيرَ الحائضِ والنفساءِ) فلا تجب عليهما. ولا
يقضيانها، كما مَرّ.
(وتصحُّ من المميِّز) لا ممنْ هو أصغر منه سنًّا. (وهو أي المميز (من
بَلَغَ سبعاً).
ويشترط لصحة صلاته ما يشترط لصحة صلاة البالغ إلاَّ في السترة.
(والثواب له) أي ثواب صلاة المميز له، لأنه العامل، فهو داخل في عموم {مَنْ
جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} وكذا أعمالُ البِرِّ
كلها، فهو يُكْتَبُ لَه، ولا يُكْتَبُ عليه.
(ويلزم وليَّهُ) أي المميّز (أمرُهُ بها لـ) تمام (سَبْعٍ) وتعليمه إياها
والطهارةَ، فإن احتاجَ لأُجْرَةٍ فمنْ مال الصبيّ، فإن لم يكنْ فَعَلَى من
تلزمه نفقته.
(و) يلزم وليَّه (ضربُه على تركِها لِعَشْرٍ) أي عند بلوغِهِ عشراً تامة.
(1/133)
(ومن تَرَكَهَا) أيُ الصلاة (جحوداً فقد
ارتدّ، وجَرَتْ عليه أحكام المرتدين،) إن كان ممن لا يجهلُهُ مثلُهُ، كمن
نشأ بدار الإِسلامُ.
[أركان الصلاة]
(وأركانُ الصلاةِ) المفروضةِ (أربعةُ عَشَر) ركناً، للاستقراء.
(و) هي ما كان فيها (لا تسقط) أي الأركان (عمداً، ولا سهواً، ولا جهلاً).
أحدها: (القيامُ في الفرْضِ) لا النفل (على القادر)، سوى عُرْيانٍ وخائفٍ
بقيامٍ، ولمداواةٍ، وقِصَر سَقْفٍ لعاجزٍ عن الخروج، ومأمومِ خلفَ إمامِ
الحيِّ بشرطه. (منتصباً. فإن وقفَ منحنياً، أو مائلاً بحيث لاَ يسمى
قائماً، لغير عذر، لم تصح. ولا يضرُّ خفضُ رأسِهِ) على هيئة الإِطراق، لأنه
لا يخرجه عن كونِهِ يسمّى قائماً.
(وكره قيامه على رجلٍ واحدةٍ لغير عذر) وأجزأه.
(الثاني: تكبيرةُ الإِحرام) لحديث "تحريمُها التكبير" (1)، قال في المغني:
والتكبير من الصلاة.
(وهي الله أكبر) مرتَّباً وجوباً (لا يجزئه غيرها) من الذكر.
(يقولها قائماً، فإن ابتدأها) غير قائم (أو أتمها غير قائم، صحت نفلاً) إن
اتَّسعَ الوقت لِإتمام النفل ولفِعْلِ صلاة الفرض كلِّها بعده في الوقت.
(وتنعقد إن مدّ اللام) لأنها إشباع، لأن اللام ممدودةٌ، فغايته أنه زاد في
مَدَّةِ الّلام، ولم يأت بحروف زائدة.
و (لا) تنعقد صلاته (إن مدّ همزة "ألله" أو) مدّ (همزة "أكبر"
__________
(1) حديث "تحريمها التكبير .. " رواه أبو داود والترمذي وأحمد. وأوله:
مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها الخ. وهو حديث صحيح لشواهده (الإرواء 2/ 9)
(1/134)
وقال: أكْبَار) لأنه اسم "للطبل" (1)، (أو)
قال: (الأكبر).
وكره تمطيطهُ.
فشروط تكبيرة الإِحرام اثنا عشر شرطاً: الأول: إيقاعها بعد الانتصاب للفرض،
الثاني: أن يقولها بعد الاستقبال حيث شُرِطَ. الثالث: لفظ الجلالة. الرابع:
أن تكون بالعربيّة للقادر. الخامس: لفظ أكبر. السادس: عدم مدّ همزة
الجلالة. السابع: عدم مد همزة أكبر. الثامن: عدم واوٍ قبل الجلالة. التاسع:
الترتيب بين الجلالة وأكبر. العاشر: أن يُسْمِعَ نفسَه جميعَ حروفِها إذا
لم يكن مانع. الحادي عشر: دخول وقت الصلاة وإباحةُ النافلة. الثاني عشر:
تكبيرة المأموم بعد فراغ إمامه من الراء من أكبر.
(وجهره) أي المصلي، إماماً كان أو مأموماً أو منفرداً (بها) أي بتكبيرة
الإِحرام (وبكلِّ ركنٍ) قوليٍّ كقراءة الفاتحة (وواجبٍ) قوليٍّ، كتكبيرةِ
انتقالٍ، وتشهّدٍ أوّل، وتسميعٍ وتحميدٍ (بقدر ما يُسْمِعُ نَفْسَه فرضٌ)
لأنه لا يكون آتياً بشيء من ذلك بدون صوت. والصوت يتأتَّى سماعُه. وأقرب
السامعينَ إليه نَفْسُه. واختار الشيخُ الاكتفاءَ بالحروف وإن لم
يَسْمَعْهَا.
قال في الفروع: ويتوجَّه مثلُه في كل ما تعلَّق بالنطق، كطلاقٍ وغيرِهِ.
انتهى. وشُرِطَ إسماعُ نفسه إن لم يكن به مانع من السماعِ كَصَمَمٍ، فإنْ
كان مانعٌ فإنه يجب الجهر بالفرضِ والواجبِ بحيث يَحْصُلُ (2) السماع مع
عدمه.
(الثالث) من أركان الصلاة: (قراءةُ الفاتِحَةِ مرتَّبَةً تامة) وهي ركن في
كل ركعةٍ.
__________
(1) الكَبَرُ بالتحريك الطبل وجمعه أكبارُ. كذا في القاموس. فما في الشرح
سبق قلم.
(2) (ب، ص): "يَحْسُنُ والتصويب من "ف"
(1/135)
(وفيها إحدى عشرة تَشْدِيدَةً) أوّلها
اللام في "الله" وآخرها التشديدتان في "ولا الضالين" (فإن تَرَكَ) تشديدةً
(واحدةً، أو) ترك (حرفاً) عمداً (ولم يأتِ بما تَرَكَ) منها (لم تصحّ)
صلاته إن انتقل عن محلِّها، بأن رَكَعَ ولم يأت بما ترك، عمداً.
أما لو تَرَكُه سهواً لَغَتِ الركعةُ، وقامت التي بعدها مقامها، كما يُعلم
مما يأتي. ويلزم جاهلاً تعلُّمُها، كبقية الأركان.
فإن ضاقَ الوقت عن تعلُّمِها لزمه قراءة قدرِها من غيرِها في عدة الحروف
والآيات، من أيّ سورة شاء.
(فإن لم يعرف إلاَّ آيةً) من الفاتحة (كرَّرها) أي الآية (بقدرها) أي
الفاتحة.
وإن كان يُحْسِنُ آيةً فأكثر من غير الفاتحة، وآيةً فأكثر منها، كرَّرَ
الذي من الفاتحة بقدرها، لا يجزئه غير ذلك. ذكره القاضي. قال الحَجَّاوِيّ
(1): فإن لم يُحْسِنْ إلا بعض آيةٍ لم يكرِّرْهُ، وعَدَلَ إلى غيرِهِ، سواء
كان بعضُ الآية من الفاتحة، أو من غيرها.
(ومن امتنعت قراءته قائماً صلى قاعداً وقَرَأ) لأن للقيامِ بدلاً، وهو
القعود، بخلاف القراءة.
(الرابع) من الأركان: (الركوع).
(وأقلُّه) وهو المجزئ من القائم (أن ينحنيَ بحيث يمكنه) أي المصلي إذا كان
وَسَطاً في الخِلْقة (مسُّ ركبتيه بكفيه)، وذلك لأنه لا يسمَّى راكعاً بدون
ذلك. وقدر الإِجزاء من قاعدٍ مقابَلَةُ وجهِهِ ما وراءَ ركبتيه من الأرضِ
أدنى مقابلةٍ.
__________
(1) (ب، ص): "الجحاوي". والصواب "الحجاوي" نسبة إلى قربة (حجّة) من قضاء
نابلس والحجاوي هو صاحب الإقناع.
(1/136)
(وأكمله) أي الركوع (أن يَمُدَّ) المصلي
(ظهرَه مستوياً، ويجعلَ رأسَه حِيَالَهُ) أي حيالَ ظهره، يعني أنه لا
يَرْفَعُ رأسه عن ظهره ولا يخفضه.
(الخامسُ) من الأركان: (الرفعُ منه) أي الركوع. (ولا يقصد) برفعِه منه
(غيرَه، فـ) يتفرَّعُ على ذلك أنه (لو رفعَ فَزَعاً من شيءٍ لم يكفِ)
فيحتاجُ إلى أن يرجعَ للركوع، ثُمّ يرفع.
(السادسُ) من الأركان: (الاعتدال قائماً) (1).
(ولا تبطُلُ) الصلاة (إن طال) الاعتدال.
(السابع) من الأركان: (السجود) وهو فرضٌ بالإِجماع.
(وأكمله) أي السجود (تمكينُ جبهته، وأنفه، وكفيه، وركبتيه، وأطرافِ أصابع
قدميه، من محل سجوده).
(وأقلُّه) أي السجود (وضع جزءٍ من كلِّ عضوٍ). قال أحمد: إن وَضَعَ من
اليدينِ بقدرِ الجبهة أجزأه. وإن جعل ظهورَ كفيه إلى الأرض، أو سجدَ على
أطرافِ أصابعِ يديه، فظاهرُ الخبرِ (2) أنه يجزئه، لأنه قد سجد على يديه.
وهكذا لو سجد على ظهور قدميه. انتهى.
(وُيعْتَبَرُ المَقَرُّ لأعضاءِ السجود، فلو وضع جبهته على نحو قطنٍ
منفوشٍ) كثلجٍ وحشيشٍ، (ولم ينكبِسْ) أي لم يجد حجمه (3) (لم تصح) صلاته
لعدم الاستقرار.
__________
(1) قوله "الاعتدال قائماً" هذا الأسلوب غيرُ فصيحٍ عربيّةً، لأن صاحب
الحال لم يذكر، والفصيح أن يقول "أن يعتدل قائماً" إذ صاحب الحال هنا ضمير
مستتر في الفعل تقديره "هو" أي المعتدل. أما المصدر "الاعتدال" فإنه لا
يتحمل ضميراً.
(2) أي الحديث الوارد في السجود، وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم -
"أمرتُ أن أسجُدُ على سبعة أعظم الجبهةُ -وأشار بيده على أنفه- واليدين،
والركبتين، والقدمين" رواه الشيخان.
(3) كذا في الأصول والمراد أنه إن لم يِحُسَّ الساجد على القطن ونحو صلابة
عند انضغاطه لم يصح سجوده.
(1/137)
(ويصح سجوده على كمِّهِ) وكورِ عمامتِهِ
(وذيلِهِ) ونحوه.
(ويكره) السجود على ذلك (بلا عذرٍ)، ومعه لا يكره، كحرٍّ أو بردٍ أو
نحوِهما.
(ومن عَجَز) عن السجود (بالجبهة لم يلزمه) أن يسجد (بغيرها) من بقية أعضاء
السجود، لأن الجبهة هي الأصلُ في السجود، وغيرُهَا تبعٌ.
وليسَ المرادُ أنَّ اليدين يوضعان بعد وضعِ الجبهة، وإنما المراد أنّ
السجودَ بهما تبعٌ للسجود بالوَجْهِ. وإذا ثبتَ ذلكَ في اليدينِ فبقيةُ
أعضاءِ السجود مثلُهما في ذلك، لعدم الفارق، ولأنه لما لم يمكنه وضعُ
الوجهِ على الأرض بدون بعضِ هذه الأعضاء، دلّ ذلك على إيجاب السجود بها،
لتكميل السجود به، لا لذاتها، فتكون تَبَعاً له وتكميلاً، فتتبعه وجوداً
وعدماً.
(ويومئ ما يُمْكِنُهُ) وسقط لزوم باقي الأعضاء.
(الثامن) من الأركان: (الرفع من السجود).
(التاسع) من الأركان: (الجلوس بين السجدتين).
(وكيفَ جَلَسَ): متربِّعاً، أو واضعاً رجليه عن يمينِه، أو شمالِهِ، أو
مُقْعِياً (كَفَى).
(والسنّة أن يجلسَ مفترشاً)، وهو أن يَجْلِسَ (على رجلِهِ اليسرى، وينصبَ
اليمنى، ويوجِّهَهَا إلى القبلة) بأن يجعل بطونَ أصابِعِها على الأرض،
مفرَّقَةً، معتمداً عليها.
(العاشر) من الأركان: (الطُّمَأْنِينَةُ، وهي السكون، وإن قلَّ) أي، وإن
كان قليلاً بقدر الإِتيان بالواجب، (في كل ركنٍ فعليٍّ) كالركوع،
والاعتدالِ عنه، والسجود والجلوس بين السجدتين.
(1/138)
(الحادي عشر): التشهد الأخير، وهو "
اللهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ" بعد الإِتيان بما يجزئ من التشهد الأول.
(والمجزئ منه) أي من التشهد الأول "التَّحِيَّاتُ لله سَلَامٌ عَلَيْكَ
أُيها النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللُهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلاَمٌ عَلَيْنَا وَعَلى
عِبَادِ اللهِ الصالِحِينَ أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إلاَّ اللهُ وأشْهَدُ أنَّ
مُحَمَّداً رَسُولُ الله"، والكامل مشهور (1).
(الثاني عشر) من الأركان: (الجلوس له) أي للتشهد الأخير (و) الجلوس
(للتسليمتين، فلو تشهد غير جالس، أو سلم الأولى جالساً والثانية غير جالسٍ
لم تصح) صلاته.
(الثالث عشر) من الأركان: (التسليمتان) والمراد السلام الذي يخرج به من
الصلاة، (وهو أن يقول مرتين: السلامُ عليكم ورحمة الله) مرتَّباً، معرَّفاً
وُجُوباً، مبتدئاً ندباً عن يمينه.
(والأوْلى أن لا يزيد "وبركاته").
(ويكفي في النفل) وسجودِ تلاوةٍ وشكرٍ ونحوِهما (تسليمةٌ واحدةٌ. وكذا)
يكفي (في الجنازة) تسليمةٌ واحدةٌ.
(الرابعَ عَشَرَ) من الأركان: (ترتيبُ الأركانِ كما ذَكَرْنَا) هنا (فلو
سَجَدَ مثلاً قبل ركوعِهِ عمداً بطلتْ) صلاتُه، (وسهواً لَزِمَهُ الرجوع)
للقيامِ (لـ) ـيأتي بالترتيب و (يركع، ثم يسجد).
فصل [في واجبات الصلاة]
(وواجباتُها) أي الصلاة (ثمانية)، وهي ما كان فيها (وتبطل الصلاة
__________
(1) أي التشهد على صفته الكاملة، معلوم عند الكافة وهو "التحيات لله
والصلوات والطيبات .. إلى قوله عبده ورسوله".
(1/139)
بتركها) أي ترك واحدٍ منها (عمداً، وتسقط
سهواً و) يسجدُ لَهُ، وتَسْقُطُ (جَهْلاً) نصًّا. ويسجد له (1). وخرج به
الشرط والركن.
(الأول: التكبير لغير الإِحرام) وتقدم أنَّ تكبيرة الإِحرام ركن (لكن
تكبيرةُ المسبوقِ) الّذي أدركَ إمامَه راكعاً (التي بعد تكبيرة الإِحرام
سنّة) للاجتزاء بتكبيرةِ الإِحرام عنها في تلك الحالة. مفهومه أنّ تكبيرةَ
الانتقالِ لا تكون سنَّةً إلا في هذه المسألة.
(و) الثاني: (قولُ: "سَمِعَ الله لمن حَمِدَه" للإمام والمنفرد) مرتباً
وجوباً (لا للمأموم) وهو المذهب.
(و) الثالث: (قول: ربنا ولك الحمد للكلّ) أي للِإمام والمأموم والمنفرد.
فيقول الإِمام والمنفرد في رفعه: "سمع الله لمن حمده" فإذا استتمَّ قائماً
قال: ربَّنَا ولَكَ الحَمْدُ.
(و) الرابع: (قول: "سُبْحَانَ رَبِّي العظيمِ" مرةً في الركوع).
(و) الخامس: قول: ("سبْحَانَ رَبَيَ الأعْلى" مرّةً في السجود).
(و) السادس: قول: ("رَبِّ اغفِرْ لي" بين السجدتين) مرة.
(و) السابع: (التشهد الأول على غيرِ من قام إمامُه) إلى ثالثةٍ (سهواً) عن
التشهد، لوجوبِ متابعته.
(و) الثامن: (الجلوسُ لَهُ) أي للتشهد الأول، على غيرِ من قامَ إمامُه
عَنْهُ سهواً.
ومحل ما ذُكِرَ من التكبير الواجب، والتسميع، والتحميد، والتسبيح، وسؤال
المغفرة، بين ابتداءِ انتقالٍ وانتهائِهِ، فلو شَرَع في ذكرِ ذلك المحلِّ
قبل أن ينتقل إليه، كما لو كَبَّر لسجودهِ قبل هُوِيِّهِ إليه، أو كمّله
بعد أن انتهى هُويُّه لم يجزئه ذلك التكبيرُ كتكميلِ واجبِ قراءةٍ
__________
(1) "ويسجُدُ له" ساقط من (ف).
(1/140)
راكعاً، أو شروعٍ في تشهُّدٍ قبل قعوده.
[سنن الصلاة]
(وسُنَنُها) أي الصلاةِ، (أقوالٌ وأفعالٌ). وهي ما كان فيها (ولا تبطل)
الصلاة (بترك شيءٍ منها، ولو عمداً. ويباحُ السجودُ لسَهْوِهِ) أي لتركه
سهواً، فلا يكونُ واجباً ولا مُسْتَحبًّا.
وهي على قسمين: قوليةٍ وفعليةٍ.
(فسنن الأقوالِ إحدى عَشْرةَ) سُنَّةً. قال في الإِقناع: فسنن الأقوال سبعَ
عشْرَة:
(قولُهُ بعد تكبيرةِ الإِحرام: سبحانَكَ) أي أُنَزِّهُكَ تنزيهَكَ اللائقَ
بجلالك (اللهُمَّ) أي يا الله (وبحمدكَ.) قال ثَعْلَبٌ: سَبَّحْتُكَ
بِحَمْدِكَ (وتَبَارَكَ) فِعْلٌ لا يَتَصَرَّفُ، فلا يُستعمل منه غيرُ
الماضي (اسمُكَ) أي دام خيرُه. والبركةُ النَّماءُ والزيادة (وتعَالَى
جَدُّكَ) بفتح الجيم، أي عَلاَ جلالُك، وارتفعت عَظمَتُكَ. (ولا إلهَ
غيرُك).
(والتعوّذ) قبل القراءة. (والبسملة) أي بسم الله الرحمن الرحيم.
(وقولُ آمين).
(وقراءةُ سورةٍ بعد الفاتحة) لا قبلها، في فجرٍ، وجمعةٍ، وعيدٍ، وتطوّعٍ
وأوَّلتي مغربٍ ورباعيّة.
(والجهرُ بالقراءة للإِمام) فيما يجهر فيه. (ويكره الجهرُ) بالقراءة
(للمأموم. ويخيّر المنفرد) بين الجهر والإِخفاتِ بالقراءة.
(وقولُ غيرِ المأموم) وهو الإِمام والمنفرد (بعد التحميد "ملءَ السماءِ،
وملءَ الأرضِ، وملءَ ما شئتَ من شيءٍ بعد").
وما زاد على المرّة في تسبيح الركوع والسجود).
وما زاد على مَرَّةٍ في قول "ربِّ اغفرْ لي".
(1/141)
(والصلاة في التشهد الأخير على آله عليه
السلام (1) والبركة عليه وعليهم والدعاء بعده) أي بعد التشهد الأخير. (وسنن
الأفعال وتسمى الهيئات) لأنها صفة في غيرها، وهي خمسٌ (2) وأربعون، وقيل
خمسٌ وخمسون، وقيل غيرُ ذلك. فهاكَ ما تيسر منها، الأولى: منها (رفع اليدين
مع تكبيرةِ الإِحْرام).
والثانية: كونهما مبسوطتين.
والثالثة: كونهما مضمومتي الأصابع عند الإِحرام بالصلاة.
(و) الرابعة: رفعهما كذلك (عند الركوع).
(و) الخامسة: كونهما كذلك (عند الرفع منه) أي الرفع من الركوع.
(و) السادسة: (حطّهما عقب ذلك).
(و) السابِعَة: (وضعُ اليمينِ على الشمال).
(و) الثامنة: (جعلهما) أي يديه (تحت سرته).
(و) التاسعة: (نظره إلى موضع سجودِهِ).
(و) العاشرة: (الجهر بتكبيرةِ الإِحرام).
(و) الحادية عشرة: (ترتيل القرآن) (3).
(و) الثانية عشرة: (تخفيفُ الصلاةِ) إن كان إماماً.
(و) الثالثة عشرة: (الإِطالة في الأولى).
(و) الرابعة عشرة: (التقصير في الثانية).
(و) الخامسة عشرة: (تفرقته بين قدميه قائماً) يسيراً.
__________
(1) النص في (ب، ص) هكذا "والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في
التشهد الأخير على آله عليه السلام .. " فحذفنا عبارة "على النبي - صلى
الله عليه وسلم -" تبعاً لـ (ف) لأنه تقدم أنها ركنُ لا سنة.
(2) في (ب، ص): "خمسة" والصواب "خمس" لأن المعدود (سنة) وهي مؤنثة.
(3) في (ف): ترتيب القراءة. والذي في المطبوعتين أصوب، وهو المذكور في شرح
المنتهى.
(1/142)
(و) السادسة عشرة: (قبض ركبتيه بيديه).
(و) السابعة عشرة: (كون يديه مفرَّجَتي الأصابع في ركوعه).
(و) الثامنة عشرة: (مَدُّ ظهرِه فيه) أي في ركوعِهِ مستَوياً.
(و) التاسعة عشرة: (جعله) أي المصلي (رأسه حِيَالَه) فلا يخفِضُه ولا
يرفَعُه.
(و) العشرون: (مجافاةُ عضديه) عن جنبيه.
(و) الحادية والعشرون: (البُدَاءَةُ في سجوده بوضع ركبتيه) قبل يديه.
والثانية والعشرون، والثالثة والعشرون: ما أشار إليهما بقوله: (ثم يديه، ثم
جبهته، وأنفه).
(و) الرابعة والعشرون: (تمكينُ أعضاءِ السجودِ من الأرض) أي تمكين كلِّ
جبهته، وكلِّ أنْفِهِ، وكلِّ بقية أعضاء السجود، من الأرضِ، في سجوده.
(و) الخامسة والعشرون: (مباشَرَتُهُما) أي اليدين والجبهة، بأن لا يكون ثَم
حائل متصلٌ به (بمحلِّ السجودِ، سوى الركبتين، فيكره) في حقه أن يباشر
بهما.
(و) السادسة والعشرون مجافاة (عَضُدَيْه عن جنبيه).
(و) السابعة والعشرون: مجافاة (بطنه عن فخذيه).
(و) الثامنة والعشرون: مجافاة (فَخِذَيْهِ عن ساقيه).
(و) التاسعة والعشرون: (تفريقه بين ركبتيه).
(و) الثلاثون. (إقامة قدميه).
(و) الحادية والثلاثون: (جعل بطون أصابعهما على الأرض).
والثانية والثلاثون: كون أصَابعهما في السجود (مفرَّقة).
(1/143)
(و) الثالثة والثلاثون: (وضع يديه حذو
منكبيه).
والرابعة والثلاثون: كون كل واحدةٍ من يديه (مبسوطَةً).
والخامسة والثلاثون: كونِ كلّ واحدةٍ من يديه (مضمومةَ الأصابع).
(و) السادسة والثلاثون: كون أصابعهما موجهاتٍ إلى القبلة.
(و) السابعة والثلاثون: (رفْعُ يديْهِ أوَّلاً في قيامهِ) من السجود (إلى
الركعة).
(و) الثامنة والثلاثون: (قيامه على صدور قدميه) للركعة الثانية.
(و) التاسعة والثلاثون: (قيامه كذلك للركعة الثالثة).
(و) الأربعون قيامه كذلك للركعة الرابعة.
(و) الحادية والأربعون: (اعتماده على ركبتيه بيديه في نهوضه) لبقية صلاته.
(و) الثانية والأربعون: (الافتراش في الجلوس بين السجدتين)
(و) الثالثة والأربعون: الافتراش (في التشهد الأول).
(و) الرابعة والأربعون: (التورّك في التشهد الثاني).
(و) الخامسة والأربعون: (وضع اليدين على الفخذين) أي وضع كلِّ يدٍ على
فخذها: اليمنى على اليمنى، واليسرى على اليسرى (1) في التشهد الأول.
(و) والسادسة والأربعون: كونهما (مبسوطتينِ) أي: الأصابع.
(و) السابعة والأربعون: كونهما (مضمومتي الأصابع) في الجلوس (بين السجدتين،
وكذا) أي يضع يديه على فخذيه مبسوطتين مضمومتي الأصابع (في التشهد) الأوّل
والثاني (إلا أنه) يسنّ في حقه أن (يقبضَ
__________
(1) في الأصول "على الأيسر" ولا يصح ذلك لغة، لأن الفخذ مؤنثة.
(1/144)
من) يده (اليمنى الخنصرَ والبنصرَ،
ويحلِّقَ إبهامها مع الوسطى). وهذه الثامنة والأربعون.
(و) التاسعة والأربعون: كونه (يشيرُ بسبَّابَتِهَا) أي اليمنى (عند ذكر
الله) تعالى.
(و) الخمسون: (كون اليسرى مضمومةَ الأصابع).
(و) الحادية والخمسون: (كونُ أطرافِ أصابِعِها نحو القبلة).
(و) والثانية والخمسون: (الإِشارة بوجهه نحو القبلة في ابتداء السلام.
(و) الثالثة والخمسون: (التفاتُهُ يميناً وشمالاً في تسليمهِ).
(و) الرابعة والخمسون: (نيَّتُهُ به) أي السلام (الخروجَ من الصلاة).
(و) الخامسة والخمسون: (تفضيل الشمالِ على اليمينِ في الالتفات).
(و) السادسة والخمسون: (الخشوع) وهو معنًى يقومُ بالنَّفسِ يظهرُ منه سكون
الأطراف.
تنبيه: إن اعتقد المصلي الفرضَ سُنَّةً، أو السُّنَّةَ فرضاً، أو لم يعتقد
شيئاً، لا فرضاً ولا سنةً، وأدّاها مشتملةً على الشروط والأركان والواجبات،
وهو يعلم أن ذلك كلَّه من الصلاة، أو لم يعرف الشَّرْطَ من الرًّكْن،
فصلاته صحيحة.
خاتمة: إذا ترك شيئاً، ولم يدر أفرضٌ هو أم سُنَّةٌ، لم يسقطْ فرضه للشكِّ
في صحته.
(1/145)
فصل (فيما يكره في الصلاة)
يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي اقتصارهُ على الفاتحةِ) فيما تسنّ فيه السورة بعدها.
(وتكرارُها) أي الفاتحة، لأنها ركنٌ. وفي إبطال الصلاة بتكرارِها خلافٌ،
فَكُرِهَ لذلك. (والتفاتُهُ) في الصلاة. ومحلُّ الكَرَاهَةِ إذا كان
الالتفاتُ (بلا حاجَةٍ) كخوفٍ ومرضٍ. والمراد بالالتفات الذي يكره ولا تبطل
بهِ الصلاة: إذا لم يَسْتَدِرْ بجملته، ويستدبِرِ القبلة.
(و) يكره للمصلي (تغميضُ عينيه)، لأنه مَظِنَّةُ النَّوْمِ.
(وحمل مُشْغِلٍ لَهُ) عن الصلاة، لأن ذلك يُذْهِبُ الخشوع.
(وافتراشُ ذراعيهِ) حال كونِهِ (ساجداً).
(والعبثُ، والتخصُّرُ) وهو أن يَضَعَ يديه على خاصرتِهِ.
(والتمطّي) لأن ذلك يخرجه عن هيئة الخشوع.
(وفتح فَمِهِ، ووضْعُهُ فيه شيئاً)، لا في يده، نص عليه.
(واستقبال صورَةٍ) منصوبَةٍ، لأنه يُشْبِهُ سجودَ الكفارِ لها.
وفي الفصول: يُكْرَه أن يصلي إلى جدارٍ فيه صورةٌ وتماثيلُ، لما فيه من
التشبيه بعبادة الأوثان والأصنام. وظاهره: ولو كانت صغيرةً لا تبدو للناظر
إليها، خلافاً لأبي حنيفة، وأنه (1) لا يكره إلى غير منصوبة خلافاً لأبي
حنيفة، ولا سجود على صورة خلافاً لأبي حنيفة، ولا صورة خلفه (2) في البيت
خلافاً لأبي حنيفة في إحدى روايتيه. ولا فوق رأسه، أو عن أحد جانبيه،
خلافاً لأبي حنيفة. انتهى.
(و) استقبالُ (وجهِ آدميً). وفي الرّعاية: أو حيوانٍ غيره. والأول أصحّ.
__________
(1) (ب، ص) "فإنه" والصواب "وأنَّه" كما في شرح المنتهى 1/ 196. أي:
والظاهر أنه.
(2) ف: خافيةٍ. وما اعتمدناه أصوبُ، كما في شرح المنتهى أيضاً.
(1/146)
(و) استقبالُ (متحدِّثٍ) لأن ذلك يَشْغَله
عن حضور قلبه في الصلاة.
(و) استقبالُ (نائم) في الفرض والنفل، (ونارٍ) مطلقاً (1).
(و) استقبال (ما يلهيه) أو [أن] ينظر في كتابٍ.
واستقبال كافرٍ.
وتعليقُ شيءٍ في قبلته، لا وضعه في الأرض.
وأن يصلي وبين يديه نجاسة، أو باب مفتوح، قاله في المبدع.
(ومس الحصى) لقوله عليه السلام في حديث أبي ذرٍّ مرفوعاً: "إذا قامَ أحدُكم
إلى الصلاةِ فلا يَمْسَح الحصى فإن الرَّحْمَةَ تواجهه" رواه أبو داود (2)،
بلا عذرٍ.
(وتسويةُ الترابِ بلا عذرٍ).
ويكره له (تروُّحٌ بمروحة) ونحوِها، بلا حاجة، لأنه من العبث.
(وفرقعة أصابعه) وهو في الصلاة.
(وتشبيكُها) وهو في الصلاة.
(ومس لحيته) وعقصُ شعره (وكفُّ ثوبه) ونحوه.
(ومتى كثر ذلك) أي مسُّ الحصى، وتسوية التراب، والتروُّح ونحوها (عرفاً) أي
في العُرْفِ، فلا عبرة بالثلاث (3)، (بطلت) صلاته.
(و) يكره له (أن يخصّ جبهته بما يسجد عليهِ) لأنَّه من شعائر الرافضة.
__________
(1) أي ولو كانت نار سراج أو حطب أو غير ذلك (عبد الغني) قلتُ: وأما مدفأة
الكهرباء، فإن كانت ذات لهب أو تتوهج كالجمر فالظاهر عندي الكراهة. وإن
كانت تسخِّن زيتا أو ماء أو نحوها دون أًن يبدو وهجها فالظاهر عدم الكراهة.
والله أعلم.
(2) هذا الحديث ساقط من (ف).
(3) أي لا عبرة بثلاث حركات، فإنَّ بعض المذاهب أبطلت بها الصلاة إذا
توالت.
(1/147)
وأن يمسح فيها) أي في الصلاة أثرَ سجوده.
(وأن يستندَ) إلى جدارٍ ونحوِهِ، لأنه يزيل مشقَّةَ القيامِ. وإنما يكره
إذا كان (بلا حاجة إليه، فإن استند) المصلي (بحيث يقعُ لو أزيلَ ما استندَ
إليه بطلت) صلاته إن لم يكن عذر.
(وحمدُهُ) أي حمد المصلي إذا عَطَسَ أو وَجَدَ (ما يسرُّه).
ويكره (استرجاعه) أي أن يقول: "إنَّا لله وإنّا إليه راجعون" (إذا وجد ما
يَغُمُّهُ) قال في الإِنصاف: لو عطس فقال: الحمد لله، أو لَسَعَهُ شيء
فقال: بسم الله، أو سمع أو رأى ما يَغُمُّهُ فقال: إنا لله وإنا إليه
راجعون، أو ما يعجبه فقال: سبحان الله، ونحوه، كره ذلك.
فصل (فيما يبطل الصلاة)
(يبطلها) كل (ما أبطل الطَّهارة) وهو ثمانية.
(وكشفُ العورة عمداً) ولو كان المكشوف منها يسيراً، لأن التحرّز منه ممكن
من غير مشقةٍ، أشبه سائر العورة (لا) تبطل (إن كشفها) أي كلَّ عورتِهِ أو
ما لم يُعْفَ عنه منها (نَحْوُ ريحٍ فَسَتَرَهَا في الحال) بلا عملٍ كثير،
(أوْ لا) أي بأن لم يَسْتُرْهَا في الحال، وكان كشْفُها بلا قصدٍ (وكان
المكشوف) يسيراً، واليسيرُ هو الذي (لا يَفْحُشُ في النظر) عرفاً، ويختلف
الفُحْشُ بِحَسَبِ المنكشف، فَيَفْحُشُ من السوأة ما لا يفحش من غيرِهَا.
فإن صلاتَهُ لا تبطل.
(و) يبطل الصلاةَ (استدبار القِبْلَةِ حيثُ شُرِطَ استقبالُها) وتقدَّم.
ويبطلها (اتصال النجاسة) التي لا يعفى عنها (به) أي المصلي (إن
(1/148)
لم يُزِلْها في الحال) فإِن أزالها سريعاً،
بحيث لم يَطُلِ الزمن، فصلاته صحيحة.
(و) يبطلها (العمل) المتوالي (الكثير) لا القليل (في العادة من غيرِ جنسها)
أي الصلاة، كفتح بابِ ومشيٍ، ولفِّ عمامةٍ، وكتابةٍ، وخياطةٍ. وعَمْدُهْ
وسهوُه وجهلُه سواءٌ لقطعه الموالاةَ بين الأركان، (لغيرِ ضرورةٍ) فلو كان
لضرورةٍ كخوفٍ وهربٍ من عدوٍّ أو سيلٍ، أو سَبُعٍ، فلا تبطل به.
ويبطلها (الاستناد قويًّا) وتقدَّم حدَّه.
ولا يبطلها إلا إذا كان (لغيرِ عذرٍ) ويأتي.
(و) يبطلها (رجوعُه عالماً) لا جاهلاً تحريمَ رجوعه (ذاكراً) لا إن كان
ناسياً (للتشهد) الأول (بعد الشروع في القراءة) أي وإن ذكرَ التشهُّدَ من
نَسِيَهُ بعد أن شَرَعَ في القراءة، لم يجز له الرجوع إليه، لأنه تلبس بركن
مقصود. فإن رَجَعَ بعد شروعه فيها بطلت صلاته، إلا أن يكونَ ناسياً أو
جاهلاً، فلا تبطل.
ومتى علم تحريمَ ذلك وهو في التشهُّدِ نَهَضَ ولم يُتِمَّ الجلوس. قاله في
الشرح.
وكذا حالُ المأمومينَ إن تبعوه. وإن سبّحوا له قبل أن يعتدل، فلم يرجع،
تَشَهَّدوا لأنْفسِهِمْ وتبعوه. وقيل: يفارقونه ويتمّون صلاتهم. قاله في
المبدع.
تتمة: قال في الشرح وغيرِه: فإن مَضَى في موضعٍ يلزمه الرجوع، أو رجع في
موضع يلزمه المضيّ، عالماً تحريمه، بَطَلَتْ صلاته، كتركِ الواجبِ عمداً.
وإنْ فَعَلَه يعتقد جوازه لم تبطل، لأنه تركه غير متعمِّد. لكن إذا مضى في
موضعٍ يلزمه الرجوع، فَسَدَتْ الركعة التي ترك
(1/149)
ركنها، كما لو لم يذكره إلا بعد الشروع في
القراءة. وإن رجع في موضع المضيِّ ناسياً لم يعْتدّ بما يفعله في الركعة
التي تركه منها، لأنها فسدت بشروعه في قراءةِ غيرِها، فلم تَعُدْ إلى الصحة
بحال.
(و) يبطلها (تعمُّد زيادةِ ركنٍ فعليٌّ) كقيام وقعود وركوع وسجود (و) تبطل
(بتعمد تقديم بعض الأركان على بعض) كتعمد السجود قبل الركوع.
(و) تبطل (بتعمُّد السلام قبل إتمامها).
(و) تبطل (بتعمُّد إحالة المعنى في القراءة) كفتح همزة "إهدنا" وضم تاء
"أنعمت" وكسرها، (1) وكسر كاف إياك.
(و) تبطل (بوجودِ سترةٍ بعيدة) عرفاً بحيث يحتاجُ إلى زمنٍ طويلٍ، أو عملِ
كثيرٍ، كالمشي (وهو عريانٌ. و) تبطل (بفسخ النية) في أثنائها، لأن النية
شرط في جميعها، وقد قَطَعَها.
(و) تبطل الصلاة (بالتردُّد في الفسخ) لأنَّ استدامة النية شرط لصحَّتها.
ومع التردّد تَبْطُل الاستدامة.
(و) تبطل الصلاة (بالعزم عليه) أي على الفسخ.
(و) تبطل (بشكّه) في أثناء الصلاة (هل نَوَى، فعمل مع الشكِّ عملاً) من
أعمال الصلاة، كركوع، وسجودٍ ورفع منهما، ثم ذكر أنه نوى.
وإن شكَّ في تكبيرةِ الإحرامِ وجب عليه استئنافُ الصلاة.
(و) تبطل (بالدعاءِ بملاذِّ الدنيا) كقوله: اللهمَّ ارزقني جاريةً حسناءَ،
وحُلَّةً خضراء، ودابَّةً هِمْلاَجَةً.
(و) تبطل (بالإتيان بكافِ الخطابِ لغيرِ الله وَرَسُولهِ أحْمَدَ) قال في
__________
(1) سقط من (ب , ص): (وكسرها)
(1/150)
الإقناع وشرحه: وظاهرُه لغير النبي - صلى
الله عليه وسلم -، وهو "السلام عليك أيها النبي" فلا تبطل به، فيكون من
خصوصياته - صلى الله عليه وسلم -.
(و) تبطل (بالقهقهة).
(و) تبطل (بالكلام ولو) كان الكلام (سهواً) إماماً كان أو مأموماً، عمداً
أو جَهْلاً، طائعاً أو مكرَهاً، واجباً كتحذير معصومٍ عن مهلكة، أوْ لا،
فرضاً كانت الصلاة أو نفلاً.
(و) تبطل (بِتَقَدُّمِ (1) المأمومِ على إمامِهِ.) والاعتبار في القيام
بمؤْخِرِ القدم، وهو العقب. ولا يضرُّ طول المأموم عن إمامه، ولا تقدم رأسه
في السجود (2). فلو استويا في العقِبِ، وتقدمت أصابعُ المأموم لم يضرَّ.
فإن صلى قاعداً فالاعتبار بمحلّ القُعُودِ وهو الألية، حتى لو مدَّ
رِجْليه، وقدمَهُمَا على الإمام لم يضرَّ.
(و) تبطل صلاة مأموم بـ (بطلان صلاةِ إمامهِ).
(و) تبطل (بسلامهِ) أي المأموم (عمداً قبل إمامِهِ، أو سهواً قبله، (ولم
يُعِدْهُ) أي السلام (بعدَه) أي بعد إمامه.
(و) تبطل (بالأكل والشرب سوى اليسير) منهما (عرفاً لِناسٍ وجاهل).
(ولا تبطل) الصلاة (إن بلع) المصلي (ما بين أسنانِهِ بلا مضغٍ) ولو لم
يَجْرِ بِه الريقُ، نصًّا. ولا نفلٌ بيسيرِ شربٍ عمداً، وبلعِ ذوبِ سُكَّرٍ
ونحوه مما يذوب بفمٍ، كأكلٍ.
(وكالكلامِ) في الحكمِ (إن تَنَحْنَحَ بلا حاجةٍ) فبان حرفانِ (أو
__________
(1) في (ب، ص) بتقديم والتصويب من (ف).
(2) في الأصول "لأنه يتقدم رأسه في السجود" وقد استظهر التصويب مما في شرح
المنتهى (1/ 263) من قوله: ولا يضر تقدمُ أصابع المأموم لطول قدمه ولا تقدم
رأسه في السجود لطوله.
(1/151)
انتحبَ، لا خشيةً، أو نَفَخَ فبانَ
حرفانِ). أما إذا انتحبَ المصلّي خشيةَ من الله تعالى فصلاته صحيحة.
(ولا) تبطل (إن نامَ) المصلي، وهو قائم أو جالسٌ نوماً يسيراً (فتكلَّمَ)
في ذلك النومِ (أو سَبَقَ على لسانِهِ) كلامٌ (حال قراءَتِه) فلا تبطل،
لأنه مغلوبٌ على الكلام في الحالتين، أشبه ما لو غلط في القراءة، فأتى
بكلمة من غيرِها. ولأنّ النائم مرفوعٌ عنه القَلَمُ. (أو غَلَبَهُ سعالٌ أو
عُطاسٌ أو تثاؤُبٌ) فبانَ حرفانِ، فلا تبطل صلاتُه (أو) غلبه (بكاءٌ) فبان
حرفان. قال في المغني والنهاية: إنه إذا غلبَ صاحِبَهُ لم يضرَّه، لكونه
غيرَ داخلٍ في وُسْعِهِ. ولم يحكيا فيه خلافاً. قاله في المبدع.
(1/152)
باب سُجُود السَّهْو
(يسن إذا أتى) المصلي (بقولٍ مشروعٍ في غير محله) غيرَ سلامٍ، كالقراءةِ في
السجود، والقعود، وكالتشهد في القيام، وقراءةِ السورة في الركعتين
الأخيرتين، ونحوه (سهواً) وعلم منه أنه إذا أتى بذكر أو دعاءٍ لم يرد الشرع
به فيها، كقوله: "آمينَ ربَّ العالمينَ" وفي التكبير "الله أكبرُ كبيراً"
أنه لا يُشرع له سجود، وجزَم به في المغني والشرح وغيرهما.
(ويباح) سجود السهو (إذا ترك مسنوناً) سهواً. قال في المقنع، بعد سياقه سنن
الأقوال: "فهذه لا تبطل الصلاة بتركِهَا. ولا يجبُ السجودُ لها. وهل
يُشْرَع؟ على روايتين". وما سوى هذا من سُنَنِ الأفعال لا تَبْطُلُ بتركها،
ولا يُشْرَع السجود لها. قال في المبدع: نَصَرَهُ واختارَه الأكثر، لأنه لا
يمكن التحرُّز من تركها، لكثرتها، فلو شُرِع السجود لم تخلُ صلاةٌ من سجودٍ
في الغالب. وبه يفرّق بينها وبين سنن الأقوال. وقال: إذا قلنا: لا يسجد،
فسجد، لم تبطل صلاته. نص عليه.
(ويجب) سجود السهو (إذا زادَ ركوعاً أو سجوداً أو قياماً أو قعوداً، ولو)
كان القعود (قدْرَ جَلْسَةِ الاستراحة) سهواً. وتقدم في مبطلات الصلاة أن
الصلاة تبطل بتعمُّد زيادة ركنٍ فعليّ، (أو سلَّم قبل إتمامها)
(1/153)
سهواً. وتقدم أن عَمْدَهُ يبطلها، (أو
لَحَن لحناً يحيل المعنى) سهواً (أو تَرَكَ واجباً) سهواً، كتسبيح ركوعٍ،
وتشهدٍ أوَّلَ، (أوْ شكَّ في زيادةٍ وقت فعلِها) بأنْ شكَّ في الأخيرة: هل
هي زائدةٌ أوْ لا؟ أو وهو ساجدٌ: هل سجوده زائد أوْ لا؟ فيسجد لذلك، جبراً
للنقص الحاصل فيه بالشكّ.
ولا يسجد لشكِّه إذا زالَ وتبينَ أنه مصيبٌ فيما فعل. قال في الإِقناع: ولا
يسجد لشكِّهِ في تركِ واجبِ، ولا لشكه: هل سَهَا؟ أو في زيادةٍ إلا إذا
شكَّ فيها وقتَ فعلِها.
(وتبطل الصلاة بتعمُّدِ تركِ سجود السَّهوِ الواجِبِ) الذي محلُّه قبل
السلام، لأنه ترك واجباً في الصلاة عمداً. ولا يُشرَع سجود لترك سجود السهو
سهواً (1) (إلا إن ترك ما وجب بسلامِهِ قبل إتمامها) فلا تبطل، كما إذا سلم
عن نقصٍ، أما كونها لا تبطل بتعمّد ترك ما مَحَلُّه بعد السلام فلأنه خارج
عنها، فلم يؤثِّر في إبطالها، وإن كان مشروعاً لها، كالأذان.
(وإن شاءَ سَجَدَ سجدتي السهو قبل السلام أو بعده) قال القاضي: لا خلاف في
جواز الأمرين، أي السجود قبلَ السلام أو بعده، وإنما الكلام في الأوْلى
والأفْضل انتهى. قال في الإِقناع: ومحله ندباً قبل السلام، إلا في السلام
قبل إتمام صلاتِهِ إذا سلم عن نقصِ ركعةٍ فأكثر. انتهى. (لكن إن سَجَدَهما
بَعْدَهُ) أي السلام سواء كان محلُّه قبلَه أو بعدهَ، كَبَّر، ثم سجد
سجدتين، ثم جلس مفترشاً في الثنائية (2) ومتوركاً في غيرها (تشهد وجوباً)
(3) التشهدَ الأخير (وسلم).
__________
(1) (ب، ص) سقط منهما "سهوًا" وهي ثابتة في ف.
(2) (ف): الثانية. والصواب ما أثبتناه كما في (ب، ص).
(3) وقيل لا يتشهّد، واختاره ابن تيمية، كسجوده قبل السلام. ذكره في الخلاف
إجماعاً. اهـ من الفروع (عبد الغني).
(1/154)
وسجود السهو، وما يقول فيه، وما يقول بعد
الرفع منه، كسجود صُلْبِ الصلاة.
(وإن نسي السجودَ حتى طال الفصلُ عرفاً) سقط، (أو أحْدَث) سقط، (أو خرج من
المسجد سقط) سجود السهو، وصحت صلاته، لأنه جابرٌ للعبادة كجبرانات الحج،
فلم تبطل بفواته.
(ولا سجودَ على مأمومٍ دخلَ أول الصلاة، إذا سَهَا) المأموم (في صلاته.)
ويأتي. قال في شرح الإِقناع: وظاهره ولو كان أتى بما محل سجوده بعد السلام.
(وإذا سَهَا إمامه لزمه متابعتُه في سجود السهو) سواءٌ سهَا المأمومُ أوْ
لا، ولو لم يُتِمَّ المأمومُ ما عليه من تشهُّدٍ، ثم يتمِّمُه بعد سجوده مع
الإِمام ولو مسبوقاً، أو كان سَهْوُ الإِمام فيما لم يُدْرِكْهُ المأموم
فيه، فلو قام بعد سلام إمامه رَجَعَ فسجد مَعَهُ، لا إن شرع في القراءة.
وإن أدركه في آخر سجدتي السهو سجدها معه، فإذا سلَّم الإِمامُ أتى المأموم
بالسجدة الثانية، ثم قضى صلاته.
وإن أدركه بعدهما وقبل السلام لم يسجدْ، ويسجد إنْ سلَّم معه سهواً بعد
إتمام صلاتِهِ، ولسهوه معه، وفيما انفرد به.
(فإن لم يسجد إمامه وجب عليه) أي المأموم (هو) مسبوقاً كان أو غير مسبوق،
فيسجُدُ المسبوق إذا فرغ من قضاءِ ما فاته مع الإِمام، وغيرُ المسبوق بعد
إياسه من سجود الإِمام، ولو كان الإِمام لا يعتقد وجوب سجود السهو.
(ومن قام لركعة زائدةٍ جَلَسَ متى ذكر)، ولا يتشهدُ إن كان تشهّد، وسجد
للسهو وسلم.
ومن نوى ركعتين نفلاً، فقام إلى ثالثة نهاراً فالأفضل أن يتمَّها
(1/155)
أربعاً، ولا يسجد للسهو. وإن شاء أن لا
يتمَّها رجع، وسجد للسهو.
وإن نوى ركعتين ليلاً، فقام إلى ثالثةٍ، فكقيامه إلى ثالثةٍ بفجرٍ. (وإن
نهض) المصلي إلى الركعة الثالثة (عن تركِ التشهُّد الأوَّل) مع تركِ
جلوسِهِ أو دونَه (ناسياً) لما تركه منهما، أو من أحدِهِما (لزمه الرجوع)
قبل أن يستتمَّ قائماً (ليتشهَّدَ، وكُرِهَ) رجوعه (إن استتم قائماً).
(ويلزَمُ المأمومَ متابعتُه) أي متابعة إمامه في قيامه ناسياً.
(ولا يرجع إن شرع في القراءة) لأنه شرع في ركن. وتقدم في المبطلات حكم
رجوعه.
(ومن شك في ترك ركنٍ أو) شك في (عددِ ركعاتٍ، وهو في الصلاةِ بني على
اليقين، وهو الأقل) في العدد، وتركُ الركن في شكِّه في ترْكِه، (وسجد
للسهو).
(وبعد فراغها لا أثر للشك.) وتقدم.
(1/156)
باب صلَاة التَّطوُّع
قال في "الاختيارات": التطوُّع تُكَمَّل به صلاة الفرائض يوم القيامة إن لم
يكن المصلي أتمَّها. وفيه حديث مرفوعٌ رواه أحمد. وكذلك الزكاةُ وبقية
الأعمال (1) أهـ.
وهو شرعاً طاعةٌ غيرِ واجبة.
(وهي) أي صلاة التطوع (أفضلُ تطوُّعِ البدن بعد الجهادِ) وهو قتالُ الكفار،
وبعد توابعِ الجهاد، وهي النفقة فيه (و) بعد (العِلْمِ) من تعليمٍ
وتعلُّمٍ.
وترتيبها في الفضيلة أن تقول: أفضلُ التطوعِ الجهادُ ثم توابِعُه، ثمَّ
عِلْمٌ، ثم صلاةٌ.
ونَصَّ (2) أن الطواف لغريبٍ أفضلُ منها، أي الصلاةِ بالمسجد الحرام.
__________
(1) لعله يشير إلى ما رواه الإِمام أحمد وأبو داود، وابن ماجه والحاكم عن
تميم الدّاريّ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "أول ما يحاسب به
العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أتَّمَّهَا كتبت له تامة. وإن لم يكن
أتمّها قال الله لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوّع، فتكمّلون بها
فريضته. ثم الزكاة كذلك. ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك. "الفتح الكبير وصححه
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني.
(2) أي نصُّ الإِمام أحمد.
(1/157)
(وأفضلها) أي أفضل صلاة التطوع (ما سُنَّ)
أن يُصلَّى (جماعةً) لأنه أشْبَهُ بالفرائض.
(وآكدها الكسوفُ) أي آكدُ ما تسن له الجماعةُ من الصلوات المسنونة صلاةُ
الكسوف؛
(فالاستسقاء) يعني أن صلاة الاستسقاء تلي صلاة الكسوفِ في الأكدية،
(فالتراويحُ) ذكره في "المذهب" وغيرِه، لأنها تسنّ لها الجماعة؛ (فالوتر)
يعني أنه يلي التراويح في الآكدية.
[الوتر]
(وأقله) أي الوتر (ركعة.)
ولا يُكْرَه الوتر بها، ولو بلا عذرٍ من مرضٍ أو سفر ونحوهما.
(وأكثره) أي أكثر الوتر (إحدى عشرة) ركعةً، يسلم من كل اثنتين، ويوتر
بركعة.
وسن فعلُها عَقِبَ الشفع بلا تأخيرٍ، نصًّا.
وإن صلاَّها كلَّها بسلامٍ واحد، بأن سَرَد عشراً، وتشهّد، ثم قام فأتى
بالركعة، جاز؛ أو سرد الأحَدَ عَشَرَ، ولم يجلس إلاَّ في الأخيرة، جاز،
لكنِ الأُولى أوْلى.
وكذا إن أوتر بثلاثٍ، أو خمسٍ، أو سبعٍ، أو تسعٍ.
وإن أوتر بتسع سَرَدَ ثمانياً وجلس وتشهد ولم يسلِّمْ، ثم يصلي التاسعة
ويتشهَّدُ ويسلم.
وإن أوتر بسبعٍ أو خمسٍ سَرَدَهُنَّ ولم يجلس إلا في آخرهن، وهو أفضل فيما
إذا أوتر بسبعٍ أو خمسٍ.
(وأدنى الكمال ثلاثُ) ركعاتٍ (بسلامين.) وهو أفضل.
(ويجوز) أن يصلي الثلاث (بـ) سلامٍ (واحدٍ) لأنه ورد (سَرْداً) من
(1/158)
غير جلوسٍ عقب الثانية، لتُخَالِفَ المغرب.
(ووقته) أي الوتر (ما بين صلاة العشاء) ولو مع جمعِ تقديم (وطلوعِ الفجر.)
فمن صلى الوتر قبل العشاء لم تصحّ. ومن صلاةُ بعد الفجر كان قضاءً.
[قنوت الوتر]
(ويقنت فيه) أي في الوتر في الركعة الأخيرة جميع السَّنَةِ (بعد الركوعِ
ندباً، فلو كبَّر ورفع يديه) بعد الفراغ من القراءة (ثم قَنَتَ قبل الركوع
جاز) نص عليه.
(ولا بأس أن يدعو في قنوته بما شاء) ما لم يكن من أمر الدنيا، فيرفع يديه
إلى صدره يبسطهما، وبطونُهما نحو السماء، ولو مأموماً.
(ومن) بعض (ما وَرَدَ: اللهُمّ اهدنا فيمن هديتَ) أصل الهدى الرشاد
والبيان، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
والهداية من الله التوفيق والإِرشاد. وطلبُ الهداية من جهة المؤمنين مع
كونهم مهتدين بمعنى طلب التثبيت عليها، أو بمعنى المزيد منها. (وعافِنَا
فيمن عافيت) المراد بها العافية من الأسقام والبلايا. والعافية أن
يعافِيَكَ الله من الناس، ويعافِيَهُمْ منك (وتولَّنا فيمن تولَّيْتَ)
الولي ضد العدوّ، مأخوذ من تَلَيْتُ الشيءَ إذا اعتنيتَ به ونظرت فيه، كما
ينظر الولي في حال اليتيم. لأنه سبحانه وتعالى ينظر في أمر موليِّه
بالعناية (1). ويجوز أن يكون من وَليتُ الشيءَ إذا لم يكن بينك وبينه
واسطة، بمعنى أنّ الوليّ يقطع الوسائط بينه وبين الله تعالى، حتى يصيرَ في
مقام المراقَبَةِ والمُشَاهَدَةِ، وهو الإِحسان (وبارِكْ لنا فيما أعطيت)
البركةُ
__________
(1) جعله من (تلا) لا تساعِدُ عليه اللغة، لأن فَاءَ (تَوَلَّى) واو، وفاء
(تلا) تاء. فهما مادّتان متغايرتان. ولذا يتعين الوجه التالى.
(1/159)
الزيادة. وقيل: هي حِلول الخير الإِلهيّ في
الشيء. والعطية: الهبة. والمراد بها هنا ما أنعم الله به (وَقِنَا شَرّ ما
قضيتَ. إنَّك تقضي، ولا يقضى عليك) سبحانه لا رادّ لأمره، ولا معقب لحكمه،
فإنه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد (إنه لا يذلُّ من واليتَ، ولا يعزّ من
عاديتَ. تباركتَ) تنزهت عن صفات المحدثين (ربَّنا وتعالَيْتَ.) رواه أحمد
(1) (اللُّهم إنا نعوذُ برضاك من سَخَطِكَ، وبعفوِكَ من عُقُوبَتِك وبِكَ
مِنْكَ) قال الخطّابي: في هذا معنًى لطيف، وذلك أنه سأل اللَهَ تعالى أن
يجيره برضاه من سَخَطِهِ، وهما ضدَّان متقابلان. وكذلك المعافاة والمؤاخذة
(2) بالعقوبة، لجأ إلى ما لا ضدّ له وهو الله سبحانه وتعالى: أظهر العجز
والانقطاع، وفزع منه إليه، فاستعاذ به منه (لا نحصي ثناءً عليك) أي لا
نطيقه، ولا نبلُغُه، ولا تنتهي غايته، لقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ
تُحْصُوهُ} أي تطيقوه (أنْتَ كما أثنيت على نفسك) (3) اعترافٌ بالعجز عن
الثناء، وردُّه إلى المحيطِ علمه بكل شيء جملةً وتفصيلاً. فكما أنه تعالى
لا نهاية لسلطانه وعظمته، لا نهاية للثناء عليه، لأن الثناء تابع
لِلْمُثْنى عليه.
(ثم يصلّي على النبي - صلى الله عليه وسلم -) نصّ عليه.
(ويؤمّن مأموم) على قنوت إمامه بأن يقول: "آمين" (4) إن سمع قنوت إمامه،
وإلّا دَعَا.
__________
(1) ورواه أبو داود وتكلم فيه. ورواه الترمذي وحسّنَه من حديث الحسن بن علي
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه ذلك (شرح المنتهى).
(2) (ب، ص) "والمؤاخذة لكم بالعقوبة" فحذفنا "لكم" تبعاً لـ (ف) ولأنها لا
معنى لها.
(3) روى الخمسة عن علي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في آخر
وتره: اللهم إني أعوذ برضاك من سَخطك" الحديث كما هو في المتن. ورواته ثقات
(شرح المنتهى).
(4) أيْ اللهم أجب. والشافعية يرون القنوت في الفجر دائماً لحديث "أنه -
صلى الله عليه وسلم - لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا" وفيه محمد بن
جعفر الرازي متكلَّمُ فيه. قال في شرح المنتهى "ويحتمل أنه أراد به طول
القيام، فإنه يسمى قنوتاً".
(1/160)
وكذلك إذا اقتدى بشافعيٍّ في الصبح يؤمّن.
(ثم يمسح وجْهَهُ بيديه، هنا) أي في القنوت (وخارجَ الصلاة) إذا دَعَا.
[القنوت في غير الوتر]
(وكُرِهَ القنوت في غير الوتر) رويت (1) كراهة ذلك عن ابن مسعود وابن عباس
وابن عمر وأبي الدرداء رضي الله تعالى عنهم، وعنّا بهم. ومحل الكراهة إلاَّ
أن ينزل بالمسلمين نازلة، غير الطاعون، فيسن لِإمام الوقت خاصَّةً القنوت
في غير الجُمُعة.
[السنن الراتبة]
(وأفضل الرواتبِ) المؤكدهَ (سنة الفجر، ثم سنة المغرب، ثم) سنة الظهر
والعشاء (سواءٌ) في الفضيلة.
(والرواتب المؤكدة عشر) ركعات: (ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان
بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر) فيخيَّر في السفر في
فعل غيرِ سُنَّة فجرٍ ووتر لتأكدهما (2).
(ويسن قضاء الرواتب والوتر، إلاَّ ما فات) من الرواتب (مع فرضِهِ وكثر،
فالأوْلى تركه) أي تركُ قضائها، لحصول المشقة به، إلا سُنَّةَ الفجر
فيقضيها لتأكّدها.
(وفعله الكلّ) أي السنن كلها (ببيتٍ أفضلُ) من فعلها بالمسجد.
(ويسن الفصل بين الفرض وسنّتِهِ) سواء كانت قبله أو بعده (بقيامٍ) أي
انتقال (أو كلامٍ).
__________
(1) في (ب، ص): "رواية كراهة ذلك" والتصحيح من (ف).
(2) فأمَّا الوتر وركعتا الفجر فيحافظ عليهما سفراً وحضراً (ش المنتهى).
(1/161)
[التراويح]
(والتراويح) سنة مؤكدة، وهي (عشرون ركعةً) عند أكثر أهل العلم. وقال مالك:
الاختيار ستٌّ وثلاثون ركعة. (برمضانَ) جماعةً، نصًّا. والأصل في مسنونيتها
الإِجماع، يسلِّم من كل اثنتين بنيَّةٍ أوَّلَ كل ركعتين أنّهما من
التراويح.
(ووقتها) أي التراويح (ما بين) فرضِ (العشاءِ و) سنة (الوتر) وعلم مما تقدم
أنها لا تصح قبل صلاة العشاء، فمن صلى التراويح، ثم ذكر أنه صلى العشاء
محدثاً، فإنه يعيد التراويح، لأنها سنة تفعل بعد مكتوبة، فلم تصح قبلها،
كسنة العشاء والسنة التي بعد الظهر.
فصل [قيام الليل]
(وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار) قال أحمد: ليس بعدَ المكتوبة عندي أفضلُ
من قيام الليل. انتهى.
(والنصفُ الأخيرُ) منه (أفضلُ من) النصفِ (الأوَّلِ).
وبعد النوم أفضل، لأن الناشِئة لا تكون إلاَّ بعد رَقْدةٍ، ومن لم يرقدْ
فلا ناشئةَ له. قاله أحمد. وقال: "هِيَ أَشدُّ وَطْأً أي تَثْبِيتاً:
تَفْهمُ ما تَقْرأ وَتَعِي أُذُنُك" (والتهجُّد ما كان بعد النوم). قال
البهوتي: وظاهره ولو يسيراً.
(ويُسَنُّ قيامُ الليلِ) فإذا استيقظَ من نومِهِ ذَكَرَ الله تعالى، وقال
ما ورد بعد الاستيقاظ، ومنه "لا إلهَ إلا الله وحدَهُ لا شَرِيكَ له، له
الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كل شيءٍ قديرٌ. الحمد لله، وسبحان الله، ولا
إله إلا الله، والله أكبر، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله العلي العظيم.
ثم إن شاء
(1/162)
قال: "اللهمَّ اغفرْ لي" أو دَعَا استجيب
له، فإن توضأ أو صلَّى قبلت صلاته" (1).
(و) يسن (افتتاحه) أي قيام الليل (بركعتين خفيفتين) لما روى أبو هريرة عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا قام أحدكم من الليل فليفْتتح
صلاته بركعتين خفيفتين" رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
(و) يسن (نِيَّتُه) أي نية قيام الليلِ (عند النومِ) ليفوز بقوله - صلى
الله عليه وسلم -:
"من نام ونيَّتُهُ أن يقوم، كُتِب له ما نواه وكان نومه صدقة عليه" (2).
(ويصح التطوع بركعةٍ) ونحوها كثلاثٍ وخمسٍ.
(وأَجْرُ) المصلي (القاعد) أي المصلي قاعداً (غيرِ المعذورِ نصفُ أَجْرِ
القائِمِ) قال في الإِنصاف: فأما إن كان معذوراً، لمَرَضٍ ونحوه، فإنها
كصلاة القائم في الأجر.
قال في الفروع: ويتوجه فيه فرضاً ونفلاً. انتهى.
وسن تربُّعه بمحل قيامٍ، وثَنْيُ رجليهِ بركوعٍ وسجودٍ.
قال في الإِنصاف: فائدة: يجوز له القيام إذا ابتدأ الصلاة جالساً، وعكسه في
النفل لا غير.
(وكثرة الركوعِ والسجودِ أفضلُ من طول القيام) لأن السجودَ في نفسِهِ أفضلُ
وآكَدُ، بدليل أنه يجب في الفرض والنفل، ولا يباح بحالٍ إلا لله تعالى.
والقيامُ يَسْقُطُ في النفل، ويباح في غير الصلاة، للوالدين، والعالِم،
وسيد القوم. والاستكثار مما هو آكَدُ وأفضل أولى.
__________
(1) رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي، ولفظ البخاري: مَنْ تَعَارَّ
من الليل فقال "لا إله إلا الله .. إلى قوله: قُبلت صلاته" فكان على الشارح
التنبيه عند قوله "ثم إن شاء .. " لئلا يظن أن آخر الحديث من كلامه هو.
(2) حديث "من نام ونيته أن يقوم .. " حسن. رواه أبو داود والنسائي (ش
المنتهى).
(1/163)
[صلاة الضحى]
(وتسن صلاة الضحى غِبًّا) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يداوم
عليها.
(وأقلُّها ركعتان. وأكثرها ثمانٍ) أي ثمان ركعاتٍ.
(ووقتُها) أي وقت صلاة الضحى (من خروجِ وقت النَّهيِ) وهو إذا عَلَتِ
الشمسُ، ويستمرُّ (إلى قبيلِ الزوال) يعني إلى دخول وقت النهي، بقيامِ
الشمس. كذا في شرح المنتهى.
(وأفضله) أي أفضل وقتٍ تصلَّى فيه صلاة الضحى (إذا اشتدَّ الحَرُّ).
[تحية المسجد]
(وتسن تحية المسجد) ركعتان فأكثر، لمن دَخَلَهُ قَصْدَ الجلوسِ به، أوْ لا،
غيرَ خطيبِ دخلَ للخُطْبَةِ، وَقَيِّمِهِ، وداخلِهِ لصلاةِ عيد، وداخِلِهِ
والإِمامُ في مكتوَبةٍ، أو بعد الشروعِ في الإِقامةِ، وداخلِ المسجدِ
الحرام، لأن تحيَّتَهُ الطوافُ.
وَتجزئُ راتبةٌ، وفريضةٌ، ولو فائتتين، عنها.
وإن نوى التحيةَ والفرضَ فظاهر كلامِهِمْ حصولُهما له. قَطَع به في المنتهى
وغيره.
فإن جَلَس قبل فعلها قام فأتى بها إن لم يَطُلِ الفَصْلُ.
ولا تَحْصُلُ بأقلّ من ركعتينِ، ولا بصلاة جنازةٍ، وسجود تلاوةٍ، وشكر.
[سنة الوضوء وتطوعات أخرى]
(و) تُسن (سنةُ الوضوء) أي ركعتانِ عَقِبَهُ.
(و) يسن (إحياء ما بين العشاءَيْنِ. وهو من قيام الليلِ) لأن الليلَ
(1/164)
من المَغْرِبِ إلى طلوعِ الفجر الثاني.
ويستحبُّ أن يكون له تطوّعاتٌ يداوِمُ عليهَا وإن فاتَتْ يقضيها.
فصل [في سجود التلاوة]
(ويسن) بتأكُّدٍ (سجود التلاوةِ مَعَ قِصَرِ الفصل) بين السجودِ وسَبَبِهِ،
فإن طال الفصل لم يسجدْ، لفوات محله، ويكرره بتكرارِها، كتكرار ركعتي
الطواف بتكراره (للقارئ) متعلق بيسن، (والمستمِعِ) وهو الذي يَقْصِدُ
السماعَ. ولا يسنُّ للسامِعِ وهو الذي لا يقصِدُ الاستماع.
(وهو كالنافلةِ فيما يعتبر لها) من عدم وجوب ستر أحد العاتقين والقيام
(يكبِّر) تكبيرتين: تكبيرةً (إذا سجد، بلا تكبيرةِ إحرامٍ) ولو خارج
الصلاة، (و) تكبيرةً (إذا رفع) من السجود، لأنه سجودٌ مفرد، فشُرِعَ
التكبير في ابتدائه وفي الرفع منه، كسجود السهو.
(و) إن كان خارجَ الصلاةِ فإنه (يجلسُ) إذا رفع رأسه. وإنما يُشْرَعُ
جلوسُه إذا كان خارج الصلاةِ، لأن السلام يَعْقُبُه، فشرع، ليكون سلامُه في
حال جلوسه، (ويسلِّم) تسليمةً واحدةً عن يمينه. فتبطلُ بتركِها عمداً
وسهواً. وسجودُه لها والتسليمُ رُكنان.
(لا تشهدٍ) لأنها صلاةٌ لا ركوع فيها، فلم يُشْرَعْ فيها التشهد، كصلاة
الجنازةِ، بلْ ولا يُسَنُّ. نصّ عليه الإِمام أحمد.
ويقول في سجوده: "سبحانَ ربِّي الأعلى" وجوباً. قاله في المبدع.
(وإن سجدَ المأمومُ لقراءةِ نفسه، أو) سجد (لقراءةِ غيرِ إمامِهِ عمداً
بطلت صلاته) لأنه زاد فيها سجوداً.
(1/165)
(ويلزمُ المأمومَ متابعة إمامِه في صلاةِ
الجهرِ إذا سجدَ) للتلاوة. (فلو تَرَكَ) المأمومُ (متابعتَه) أي إمامه في
الصلاة الجهرية (عمداً بطلت) صلاتُه لتعمُّدهِ ترك الواجب، ولو كان هناك
مانعٌ من السماعِ، كبعدٍ وطَرَشٍ، لأنه لا يمنَعُ وجوبَ المتابَعَةِ.
ويكرَهُ لِإمامٍ قراءةُ سجدةٍ في صلاة سرٍّ، وسجودُه لها. فإنْ فَعَلَ خُير
المأمومُ بين المتابعة وتركها، والأوْلى السجودُ، متابعةً لإمامه.
(ويعتبر) لاستحباب السجودِ في حقّ المستمع (كونُ القارئِ يصلحُ إماماً
للمستمع) ولو في نفلٍ فقط.
(فلا يسجد) المستمعُ (إن لم يسجدِ القارئُ).
(ولا) يسجدُ المستمع (قُدَّامَهُ) أي قدامَ القارئ.
ولا يسجد المستمع (عن يسارِهِ) أي عن يسارِ القارئ (مع خُلُوِّ يمينه) ما
لم يكن عن يمينِهِ مَنْ يسجدُ لقراءَتِهِ لعدمِ صحةِ الائتمام حينئذ.
(ولا يسجد رجلٌ) مستمعٌ (لتلاوة امرأةٍ و) تلاوة (خنثى، ويسجد) مستمعٌ من
(رجلٍ وخنثى وأنثى لتلاوة) رجلٍ (أمّيٍّ و) لتلاوة (زَمِنٍ) لأن قراءة
الفاتحةِ، والقيام، ليس واحدٌ منهما بركنٍ في السجود، (و) لتلاوةِ
(مميِّزٍ) لصحةِ إمامتِهِ في النفل.
وسجودُ سجدةِ التلاوةِ من النوافلِ.
والسجدات أربع عشرة: في الحج اثنتنان.
وسجدة "ص" سجدة شكر.
[سجود الشكر]
(ويسن سجودُ الشُّكرِ) لله تعالى (عند تجدُّدِ النِّعَمِ) مطلقاً
(1/166)
(واندفاعِ النَّقَمِ) مطلقاً، أي سواءٌ
كانت النعمُ أو اندفاع النقم لَه أو (1) للناس.
(وإن سجد له) أي للشكرِ (عالماً ذاكراً) لا جاهلاً وناسياً (في صلاةٍ،
بطلتْ) لأن سببَ الشُّكرِ ليس له تعلُّقٌ بالصلاةِ، بخلاف سجودِ التلاوة.
(وصفتُهُ وأحكامُهُ كسجودِ التلاوةِ.) (2)
ومَنْ رأَى مبتلًى في دينِه، سَجَدَ بحضورِهِ، أو مبتلًى في بدنه سجدَ بغير
حضوره.
فصل (في أوقات النهي)
(وهي) ثلاثة:
الوقت الأوّل: (من طلوعِ الفجر) الثاني (إلى ارتفاع الشمس قَيْدَ رُمْحٍ)
أي قدر رمح في رأي العين.
(و) الوقت الثاني: (من صلاة العصر) يعني
أن النَّهيَ متعلق بنفس صلاة العصر، ولو مجموعةً وقْتَ الظهرِ (إلى غروبِ
الشمس) أي حتى يتم غروبها.
وتُفْعَلُ سنةُ الظهر بعدها ولو في جمعِ تأخيرٍ.
(و) الوقت الثالث: (عند قيامها) أي قيام
الشمس ولو يومَ جمعة (حتى تزولَ) أي حتى تميل.
__________
(1) (ف): "له أو له وللناس".
(2) فيقول فيه: "سبحان ربي الأعلى" وجوباً وان زاد غيره فحسن، كأن يقول
"سجد وجهي للْه الذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره".
(1/167)
(فتحرم صلاة التطوُّع في هذه الأوقات. ولا
تنعقد) صلاة التطوّع إن ابتدأها المصلي فيها، أو كان شَرَعَ فيها فدخل وقت
النهي وهو فيها، فَيَحْرُم عليه الاستدامة. كذا في الإِقناع وشرحه. (ولو)
كان المصلِّي (جاهلاً للوقتِ أو التحريم) حتى ما لَهُ سببٌ كسجودِ تلاوةٍ،
وصلاة كسوفٍ، وقضاءِ سُنَّةٍ راتبةٍ، وتحيةِ مسجدٍ، سوى تحيةِ مسجدٍ حالَ
خطبةِ جمعةٍ، سواء كان ذلك شتاءً أو صيفاً، وسواءٌ عَلِمَ أن ذلك الوقتَ
وقتُ نهيٍ، أو جهله، فإن التحية تجوز وتنعقد (1). (سوى سنّةِ الفجر قبلها)
أي قبل صلاة الفجر، قال في حاشية المنتهى: لا بعدَها، لأنّها تكون قضاءً،
(و) سوى (ركعتي الطواف،) فرضاً كان الطواف أو نفلاً، في كلِّ وقت منها، (و)
سوى (سنةِ الظهر بعد العَصْرِ إذا جَمَعَ) تقديماً كان أو تأخيراً، (و) سوى
(إعادةِ جماعةٍ) إذا (أقيمت وهو بالمسجد،) ولو معَ غيرِ إمامِ الحيّ،
وسواءٌ كان صلَّى جماعةً أو وحدَهُ، في كل وقت من الأوقات. وعلم منه أن من
دخل المسجدَ وقت نهي فوجد الإِمام يصلي فلا يُعِيدُ معه.
(ويجوز فيها) كلِّها (قضاءُ الفرائضِ).
(و) يجوز فيها كلِّها (فعلُ) الصلاة (المنذورةِ) مطلقاً، بأن لم يقيِّد
بوقتٍ، في أيّ وقتٍ من أوقات النهي، (ولو نذرها فيها) أي مقيَّداً بوقتٍ من
أوقاتِ النَّهْيَ، بأن يقول: لله تعالى عليَّ أن أصليَ ركعتينِ عِنْدَ طلوع
الشمس، مثلَاَ.
تنبيه: لو نذر الصلاةَ في مكانِ غصبِ، ففي مفردات أبي يعلَى: ينعقد، فقيل
له: يصلي في غيرها؟ فقالَ: فلم يف بنذره. قال في
__________
(1) أي تنعقد تحية المسجد لمن دخل والإمام يخطب، لحديث أبي سعيد مرفوعاً
"نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة نصف النهار إلاَّ يوم الجمعة"
رواه أبو داود (ش المنتهى).
(1/168)
الفروع: ويتوجه جوابه (1) كصوم يوم العيد.
(والاعتبار في التحريم بعد العصر بفراغ صلاةِ نفسه، لا بشروعِهِ فيها، فلم
أحرم بها ثم قَلَبَها نفلاً) أو قطعَها (لم يُمنَعْ من التطوّع) حتى
يصليها.
[آداب قراءة القرآن]
(وتباحُ قراءة القرآن) قائماً، وقاعداً، وراكباً، وماشياً، و (في الطريق)
نَقَلَهُ ابن منصور وغيرُه، (ومع حدثٍ أصغرَ، ونجاسةِ ثوبٍ وبدنٍ وفمٍ) قال
في الفروع: ولا تَمْنَعُ نجاسةُ الفمِ القراءةَ. ذكره القَاضي. وقال ابن
تميم: الأوْلى المنع.
(وحفظ القرآنِ) العظيم (فرضُ كفايةٍ) إجماعاً.
(ويتعيّنُ حفظُ ما يجب في الصلاةِ) فقط.
ثم الواجب عليه بعد ذلك ما يحتاج إليه من العلمِ من أمورِ دينِه، ثمّ إن
علم ذلكَ فهل الأفضلُ في حقه حفظُ بقية القرآن، أو الاشتغال بنوافل العلم
النافع؟ فيه احتمالان.
وتسن القراءةُ في المُصْحَف، والخَتْمُ في كلَّ أسبوع، ولا بأس به كلَّ
ثلاثٍ، وكُرِهَ فوقَ أربعين.
__________
(1) كذا في الأصول بلفظ "جوابه". ورجعنا إلى (الفروع 1/ 575) فوجدنا النص
وليست فيه هذه الكلمة أصلاً. وانعقاده لأنه نذر معصية. فينعقد، ويصلي
بغيرها ويكفّر، على ما يأتي في باب النذر.
(1/169)
باب صَلَاة الجَمَاعَة
(تجب) للخمسِ المؤداة، على الأعيان (على الرِّجالِ الأحرارِ القادرين)
عليها، فلا تجب على غيرِ مكلفٍ، كصغيرٍ، لأنه لم يجب عليه ما تجب له
الجماعة، وهي الصلاة. ولا على من فيه رِقّ، لملك سيده نفعَه، أو بعضَ
نفعِهِ، رفقاً بسيده. ولا على امرأةٍ، ولا على خنثى، ولا على ذي عذر من
الأعذار المذكورةِ في بابها (حضراً وسفراً) حتى في شدَّةِ خوفٍ، لا شرطٌ،
خلافاً لابن عقيل. فتصحّ من منفردٍ لا عذرَ له (1). (وأقلها إمام ومأمومٌ)
في غير جمعةٍ وعيدٍ (ولو) كان المأموم (أنثى) والإِمام رجلٌ أو أنثى أو
عبدٌ.
(ولا تنعقدُ بالمميِّز في الفرض. وتُسَنُّ الجماعة بالمسجد) لأن المسجد
يشتمل على الشَّرَفِ، والطهارة (2) وإظهار الشعار، وكثرة الجماعة، وغير
ذلك.
ولو دار الأمر بين فعل الصلاة في المسجد فذًّا، وبين فعلها في بيتِهِ
جماعةً، تعين فعلُها في بيته، تحصيلاً للواجب.
__________
(1) أي تصحّ، مع الإثم. وهذا على قول الوجوب. ولم يقل الأئمة الثلاثة أبو
حنيفة ومالك والشافعي بوجوبها (المغني).
(2) ذكر الطهارة هنا مشكل، لأن الطهارة تتحقق في غير المسجد أيضاً.
(1/170)
ولو دارَ الأمر بين فعلها في المسجد في
جماعةٍ يسيرةٍ وفعلِها في بيتِهِ في جماعةٍ كثيرة، كان فعلُها في المسجد
أَوْلى.
قال بعض أصحابنا: وإقامتُها في الرُّبُطِ والمدارِس ونحوِها قريب من
إقامتها بالمساجد.
(و) تسن الجماعة (للنساءِ منفرداتٍ عن الرّجال) لأنهن من أهل الفرض،
أشبَهْنَ الرجال. ويكره لحسناءَ حضورُها مع الرجال. ويباحُ لغيرِ الحسناءِ
حضورُ الجماعةِ مع الرجال.
(وحَرُمَ أن يؤمّ بمسجدٍ له إمام راتبٌ) لأن الراتبَ للمسجِدِ بمنزلة صاحبِ
البيتِ. وهو، أي صاحب البيت، أحقُّ بالإِمامة ممن سواه، (فلا تصحُّ إلاَّ
مع إذنه) أي إذن الإِمام الراتب (إن كَرِهَ ذلك) أي إمامةَ غيرِهِ (ما لم
يَضِقِ الوقتُ) لأنّ تحصيل الصلاة إذاً فرضٌ متعين، وانتظار الإِمام
مستَحَبٌّ، فمراعاة تحصيلِ الواجِبِ أَوْلى، وَيُرَاسَل إذا تأخَّر عن وقته
المعتاد مع قُرْبِ مَحَلِّه، وعدم مشقةٍ. وإن بَعُدَ محلُّه، أو لم يُظَنَ
حضورُه، أو ظُنَّ ولا يَكْرَهُ ذلك، صَلَّوْا.
(ومن كبَّر قبل تسليمةِ الإِمام الأُولى أدرك الجماعة) ولو لم يجلس، لأنه
أدرك جزءاً، من صلاة الإِمام، أشبه ما لو أدرك ركعة.
(ومن أدرك الركوعَ) مع الإِمام قبل رفع رأسِهِ من الركوع، بحيث يَصِلُ
المأموم إلى الركوعِ المجزئ، قبل أن يرول الإِمام عن قدر الإِجزاء منه
(غَيْرَ شاكٍّ) في إدراك الإِمام راكعاً (أدرك الركعة) ولو لم يدركْ معه
الطمأنينة، (واطمأنَّ) المسبوقُ (ثم تابَعَ) إمامَه.
وعُلِمَ منه أنه لو شك هل أدركه راكعاً أوْلا، لم يَعْتَدَّ بها، ويسجد
للسهو.
(ويسن دخولُ المأمومِ مع إمامِهِ كيف أدرَكَهُ) وإن لي يَعْتَدّ بما أدركه
فيه.
(1/171)
وينحط المأموم، إذ أدرك الإِمامَ جالساً،
بلا تكبير (1)، لأنه لا يُعْتَدُّ له به، وقد فات محل التكبير. ويقوم
مسبوقٌ به وجوباً.
(وإن قام المسبوقُ) لقضاءِ ما فاتَهُ (قبل تسليمةِ إمامهِ) التسليمةَ
(الثانيةَ ولم يرجع) المسبوقُ ثم يقومَ بعد تسليمةِ الإِمام الثانية
(انقلبتْ) صلاتُه (نفلاً).
(وإذا أقيمت الصلاة التي يريد أن يصلي مع إمامها لم تنعقد نافلته).
(وإن أقيمت وهو فيها) أي النافلة (أتمها خفيفة).
ومن صلى ثم أقيمت الجماعة سُنَّ أن يعيد، والأوْلى فَرْضُه).
وفي الإِقناع وغيره: إلا في المغرب [كذا] في شرح المنتهى (2) (ويتحمل
الإِمام عن المأموم) ثمانية أشياء:
الأول: (القراءة) للفاتحة.
(و) الثاني: (سجودُ السهو) إذا كان دَخل معه في الركعة الأولى.
(و) الثالث: (سجود التلاوة) إذا أتى بها المأموم في الصلاة خلفه.
(و) الرابع: (السُّتْرَةُ) قُدَّامَه، لأن سترةَ الإِمام سترةٌ لمن
خَلْفَهُ.
(و) الخامس: (دعاءُ القنوت) فإن المأمومَ لا يُسَنَّ له عند قنوتِ إمامِهِ
غيرُ التأمين.
(و) السادس: (التشهد الأوَّلُ إذا سُبِقَ) المأموم (بركعة في) صلاةٍ
(رُبَاعِيَّة) فقط.
والسابع: سجود التلاوةِ في الصلاة السرّيّة إذا قرأ الإِمام سرًّا.
__________
(1) يعني تكبير السجود، أما تكبيرة الأحرام فركن ولا بدّ منها.
(2) قولة الإِقناع هذه سقطت من (ب، ص). واستدركناها من (ف). وإنما استثنوا
المغرب لأن الصلاة المعادة تطوع، ولا تطوّع بوتر.
(1/172)
ويسجد، لأن المأموم يُخَير بين السجود
وعدمه.
والثامن: قول "سمع الله لمن حمده" وقول "ملء السماء ... إلى آخره".
(وسن للمأموم أن يستفتح) بأن يقول: "سبحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ ...
إلخ" (و) أن (يتعوَّذ) بأن يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" (في)
الصلاة (الجهريّة).
(و) يسن للمأموم أيضاً أن (يقرأ الفاتحة وسورةً) أيضاً (حيث شرعت) السورة
(في سَكَتَاتِ إمامه) أي سكتات الإِمام في الصلاة الجهريّة، ولو كان
سكوتُهُ لتنفُّسٍ. ولا يضرُّ تفريق الفاتحة.
[سكتات الإِمام]
(وهي) أي السَّكَتَاتُ الثلاث:
الأولى: (قبل) قراءة (الفاتحة.) قال في الإِقناع: ومواضعُ سكتاتِهِ ثلاثة:
بعد تكبيرة الإِحرام. قال في الإِنصاف والمبدع: إحداها مختصٌّ بأوَّل
ركعةٍ، للاستفتاح، انتهى.
(و) الثانية: (بعدها) أي بعد الفاتحة. وسن أن تكون سَكْتَتُهُ هنا بقدر
الفاتحة، ليقرأها المأموم فيها.
(و) الثالثة: (بعد فراغ القراءةِ) ليتمكَّن المأمومُ من قراءة سورةٍ فيها.
[قراءة المأموم خلف الإِمام]
(ويقرأ) المأمومُ استحباباً الفاتحةَ وسورةً (فيما لا يجهر فيه الإِمام متى
شاء) أو كان، لا يسمعه، لبُعْدٍ، أو طَرَشٍ، إن لم يشغل من بِجَنْبِهِ، فإن
سمع همهمَةَ الإِمام ولم يفهم قراءته لم يقرأ. نصَّ عليه.
(1/173)
فصل [في متابعة الإِمام للمأموم]
(ومن أحرم مع إمامه، أو قبل إتمامه) أي الإِمام (لتكبيرة الإِحرام لم تنعقد
صلاته.) قال في الإِنصاف: أما تكبيرةُ الإِحرامِ فإنه يشترط أن يأتي بها
بعد إمامه.
(والأوْلى للمأمومِ أن يَشْرَعَ في أفعالِ الصلاةِ بعد إمامه.) قال في شرح
المغني، والمقنع، وابن رزين، وابن الجوزي في "المذهب"، وغيره: يستحب أن
يشرَعَ المأمومُ في أفعالِ الصلاةِ بعد فراغ الإِمام مما كان فيه. (فإن
وافَقَهُ فيها) أي في أفعال الصلاة، (أو) وافقه (في السلام، كُرِهَ) وصحتْ،
لأنه اجتمع معه في الركن. (وإن سبقه) بشيءٍ من أفعال الصلاة (حَرُمَ. فمن
ركع أو سجد أو رفع) من ركوعٍ أو سجودٍ (قبل إمامه عمداً لزمه أن يرجع) إلى
المحلِّ الذي كان مع الإِمام فيه قبل أن يفعل ما فعله من ركوعٍ أو سجودٍ أو
غيرِهِما قبل الإِمام (ليأتي به) أي بما فعله قبل الإِمام (مع إمامهِ)
ليكون مؤتمًّا بإمامه. (فإن أبى) الرجوعَ (عالماً) بوجوبه، (عمدًا) أي غير
ساهٍ وناسٍ، واستمر على الإِباء حتى أدركه الإِمام فيما سبقه من ركوعٍ أو
سجودٍ أو نحوِهما (بطلت صلاته. لا) تبطل (صلاة ناسٍ) أي غيرِ متعمِّدٍ، (و)
لا صلاة (جاهِلٍ) أي: وجوبَ الرجوع (1).
[تخفيف القراءة]
(ويسن للِإمام التخفيفُ) أي تخفيف الصلاة (مع الإِتمام.) أي إتمام الصلاة.
__________
(1) في (ب، ص): أبى وجوب الرجوع.
(1/174)
وتكره لِإمامٍ سرعةٌ تمنَعُ مأموماً فعلَ
ما يُسَنَّ له فعله من مسنونات الصلاة.
ومحل استحباب التخفيف (ما لم يؤْثِرِ المأمومُ التطويلَ) لأنه إنما
استُحِبَّ التخفيفُ لأن توفُّرَ الجماعةِ بِهِ أقربُ، ولأن التطويل
ينفِّرهم، فأما إذا اختاروه لم يُكْرَهُ لزوال علة الكراهة.
(و) يسن للِإمام (انتظارُ داخلٍ) في ركوعٍ وغيره. ومحل استحبابِ ذلك (إن لم
يشقَّ) انتظار الإِمام الداخل (على المأمومِ) لأن حرمَةَ المأمومِ الذي معه
في الصلاة أعظَمُ حرمةً من الذي لم يدخلْ معه في الصلاة، فلا يَشُقُّ على
من معه لنفع الداخل معه.
(ومن استأذنته امرأته) إلى المضى إلى المسجد، (أو) استأذنَتْهُ (أَمّتُهُ
إلى المسجدِ كُرِهَ) له (مَنْعُها).
(وبيتُها خيرٌ لها).
ولأبِ ثم وليٍّ مَحْرَمٍ مَنْعُ موليَّتِهِ من الخروجِ من بيتِها إن خَشِيَ
به فتنةً أو ضَرراً، ومن الانفرادِ عنه.
فصل (في الإِمامة)
(الأوْلى بها) أي الإِمامة (الأجودُ قراءةً الأفْقَهُ)، ثم الأجودُ قراءةً
الفقيهُ، (ويقدَّم قارئٌ لا يعلم فِقْهَ صلاتِهِ على فقيهٍ أمّيٍّ، ثم) مع
استوائِهِما في القراءة والفقهِ الأوْلى بالإِمامة (الأسَنُّ) الأكْبَرُ
سنًّا، (ثمَّ) مع استوائِهِما في السنّ الأولى بالإِمامة (الأشرف) من
الرجلين وهو القرشي. (ثم) مع استوائهما فيما تقدَّمَ الَأوْلى بالإِمامَةِ
(الأتْقى والأوْرَع) لقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} هو (ثم يُقْرَعُ) وهذا إنما يكونُ مع التشاحّ في
الإِمامة، فمن خرجت له القرعةُ كان هو الأحقَّ بالإِمامة.
(1/175)
(وصاحبُ البيتِ) إذا أقيمت الجماعةُ فيهِ
وهو حاضرٌ صالحٌ للِإمامةِ، (وإمامُ المسجدِ) الراتبُ (ولو) كان (عبداً،
أحقُّ) بالإِمامة ممن حضر، ولو كان في الحاضرين من هو أقرأ أو أفقهُ منه.
(والحرُّ أولى) بالإِمامة (من العبد).
(والحاضرُ) أي المقيمُ أولى من المسافرِ سَفرَ قصرٍ، لأنه ربما قَصَرَ
فيفوتُ المأمومينَ بعضُ الصلاةِ في جماعةٍ.
(والبصيرُ) أوْلى من الأعمى، لأن البصير أقْدَرُ على توقِّي النجاسة
واستقبال القبلة.
والناشئُ في المدن أو القرى، ويسمى حَضَريًّا أوى من بدويٍّ، وهو الناشئُ
بالبادية.
(والمتوضئ أولى من ضدهم).
(وتكره إمامةُ غير الأوْلى) بالإِمامة (بلا إذنه) أي إذن الأولى. وإمامةُ
المفضولِ بدون إذن الفاضل مكروهة (1).
(ولا تصح إمامةُ الفاسِقِ) مطلقاً (2) أي سواءٌ كان فسقُهُ من جهة الأفعال،
أو من جهة الاعتقاد، ولو مستوراً، ولو بمثلِهِ، وعلى المذهب يستثنى من ذلك
ما أشار إليه بقوله (إلا في جمعةٍ وعيدٍ)، ومحل ذلك إن (تعذرَا خَلْفَ
غيرِهِ) أي تعذر فعلُهُمَا خلفَ غيرِ الفاسق، بأن تُعْدَمَ جمعةٌ أخرى خلف
عدل، لأن الجمعةَ والعيدَ من شعائِرِ الإِسلام الظاهرة. وتليها الأئمة دون
غيرهم، فتركُهُمَا خلفهم يفضي إلى تركهما بالكلية. ولا يعيد الجمعة.
(وتصحُّ إمامةُ الأعمى والأصمِّ) لأن العمى والصَّمَمَ فَقْدُ حاسَّتين لا
__________
(1) هذه الجملة تكرار معنوي للتي قبلها فلم يكن لها داعٍ.
(2) وفي رواية ذكرها في المغني (2/ 187): هي جائزة.
(1/176)
يُخِلّانِ بشىءٍ من أفعالِ الصلاةِ، ولا
شروطِها، فصحَّتْ مع ذلك الإِمامة، كما لو كان أعمى فاقِدَ الشّمّ.
(و) تصح خلف (الأقلف) وهو الذي لم يختتن، لأنه ذكرٌ مسلم عدل قارئ، فصحَّتْ
إمامته، كالمختتن. والنجاسة تحت القلفة بمحلٍّ لا تمكن إزالتها منه معفوٌّ
عنها لعدم إمكان إزالتها. وكل نجاسةٍ معفوٍّ عنها لا تؤثر في إبطال الصلاة.
هذا كله إذا كانتْ غير مفتوقةٍ، أما المفتوقة، أو التي يمكنه فَتْقهَا
وغَسْل ما تحتها، فهذا إن ترك غَسْلَ ما تحت القُلْفَةِ، مما يمكنه
غَسْلُه، لم تصحَّ صلاته، فضلاً عن إمامته، كحمله نجاسةً لا يعفى عنها مع
القدرة على إزالتها.
(و) تصح الصلاة خلفَ (كثيرِ لحنٍ لم يُحِلِ المعنى) كجرِّ دالِ (الحمدُ)،
ونصب هاء (لِلَّهِ) ونصب باء (ربِّ) ونحو ذلك، سواءٌ كان المؤتم مثلَهُ أو
كانَ لا يلحَنُ، لأن مدلولَ اللفظ باقٍ، وهو مفهومُ كلام الرب سبحانه
وتعالى، لكن مع الكراهة.
(و) تصح الصلاةُ خلفَ الفأفاءِ الذي يكرِّر الفاءَ، وخلفَ (التَّمتامِ
الّذي يكرر التاءَ)، وخلف من لا يُفْصِحُ ببعضِ الحروفِ، كالقاف والضاد، أو
يُصْرَعُ، (مع الكراهة) في الجميع. قال جماعة: ومن يُضْحِكُ صوتُه أو
رؤيته. قال في الفروِع: وقيل: والأمرد.
(ولا تصحُّ إمامة العاجزِ عن شرطٍ) كمن بثوبِهِ نجاسةً لا يعفى عنها، ولم
يجد ماءً يغسلها به، ولا يجدُ ثوباً غيره، وكالمتطهِّرِ بأحَدِ الطهورَيْنِ
بِعَادِمِهِمَا، إلا بمثله، (أو) عاجزٍ عن (ركنٍ) كقيامٍ أو ركوعٍ أو سجودٍ
أو قعودٍ (إلا بمثله).
ويستثنى من ذلك صورةٌ أشار إليها بقوله: (إلاّ الإِمامَ الراتبَ) أي إمامَ
الحيِّ الراتبَ العاجزَ عن القيامِ فقط، (بمسِجدٍ) لأن إمام الحي
(1/177)
يُحْتَاجُ إلى تقديمِهِ، بخلاف غيرهِ،
والقيام أخفُّ الأركان، بدليل سقوطِهِ في النَفْل (المرجوَّ زوال
عِلَّتِهِ) لئلا يفضي عدم اشتراط ذلك إلى ترك القيام على الدوام. (فيصلّي)
الإِمامُ (جالساً، ويجلِسون) أي يجلس المأمومون القادرون على القيام (خلفه)
أي خلف إمام الحيّ إذا صلَّى بهم جالساً. وهو من المفردات. (وتصحُّ)
الصلاةُ خَلْفَه (قياماً).
والأفضلُ لإمام الحيّ أن يَسْتَخْلِفَ إذا مرض والحالة هذه.
(وإن تَرَكَ الإِمَام ركناً أو شرطاً مُخْتَلَفاً فيه مقلِّداً) لإِمام
(صحَّتْ) صلاتُه. وإن تركه من غير تقليد أعادَ الإِمامُ والمؤتمُّ به.
(ومن صلَّى خلفَهُ) أي خلف من ترك ركناً أو شرطاً (معتقداً بطلانَ صلاتِهِ،
أعاد) المأموم. قال في الإِقناع وشرْحِهِ: وإن ترَكَ الإِمامُ ركناً، أو
واجباً، أو شرطاً، عنده وحده، أو عنده وعند المأموم، عالماً، أعادَ. وإن
كان عند المأموم وحده، كالحنبليّ اقتدى بمن مسّ ذكَرَهُ أوْ تركَ سَتْر
إحدى العاتِقَيْنِ أو الطمأنينةَ في الركوع، ونحوه، أو تكبيرةَ الانتقالِ،
مقلِّداً من لا يرى ذلك مفسداً، فلا إعادة على الإِمام ولا على المأموم.
ومثله لو صلى شافعيٌّ قبلَ الإِمام الراتِبِ، فتصحُّ صلاة الحنبليّ خلفه.
انتهى.
(ولا إنكار في مسائل الاجتهاد) أي المسائل التي ليس فيها دليل يجبُ العملُ
به وجوباً ظاهراً مثل حديث صحيح لا مُعارِض (1) له من جنسه.
(ولا تصحُّ إمامة المرأةِ بالرجالِ) ولا بالخناثى.
ولا فرق في ذلك بين الفرضِ والنفل على الصحيح، وإنه إذا صلى خَلفَها ثم علم
لزمه الإِعادة. ذكره السامريّ وغيره.
__________
(1) (ب، ص) لا تَعَارُض له.
(1/178)
وعُلِمَ منه صحةُ إمامةِ المرأةِ والخنثى
بالنساء.
(ولا) تصح (إمامة المميز بالبالغ في الفرض).
(وتصح إمامته) أي الصبيّ المميز بالبالغِ (في النفلِ) كالتراويح، والوتر،
والكسوف، والاستسقاء، لأنه متنفل يؤم متنفلين.
(و) تصح إمامة الصبيُّ (في الفرض) كالظهرِ والعصرِ (بـ) صبيٍّ (مثله).
(ولا تصح إمامةُ محدثٍ) حدثاً أصغر أو أكبر، (ولا) إمامةُ (نَجِسٍ) أي مَنْ
ببَدَنِهِ أو ثوبِهِ نجاسة غير معفوٍّ عنها (يعلم ذلك) أي وهو يعلم
بِحَدَثِهِ، أوَ نجاسته، لأنه أخلّ بشرطِ الصلاة مع القدرةِ أشبَهَ
المتلاعِبَ لكونهِ لا صلاةَ له في نفسه.
(فإن جَهِلَ هو) أي الإِمام، حدثَه أو نجاستَه (والمأمومُ) معاً، واستمرّ
جَهْلُهُمَا (حتى انقضت الصلاة، صحَّتْ صلاة المأموم وحده) أي دون الإِمام.
(ولا تصحّ إمامة الأمِّيّ) (1) نسبة إلى الأم، كأنه على الحالة التي ولدته
أمه عليها، (و) في عرف الفقهاء: (هو من لا يحسن الفاتحة) أي يحفظها، أو
يُدْغِمُ فيها ما لا يُدْغَمُ، أو يبدل حرفاً لا يُبْدَل؛ بمأمومٍ ليس
بأمّيٍّ مثلِهِ، إِلاَّ ضادَ "المغضوب" وضاد "الضالين" بظاءٍ، أو يلحن فيها
لحناً يحيل المعنى عجزاً عن إصلاحه (إلا بمثله).
(ويصح النفلُ خلف الفرضِ. ولا عكس) أي لا يصح الفَرْضُ خلف النفل.
(تصحُّ المقضيّةُ خلفَ الحاضرةِ. وعكسه) أي الحاضِرةُ خلف
__________
(1) الأمّيّ لغةً هو من لا يكتُب.
(1/179)
المقضيّة، وقاضيها من يوْمٍ (1) بقاضيها من
غيره (حيث تساوَتَا في الاسم) فلا يصح عَصْرٌ خلف ظهرٍ، ولا عكسه.
فصل [في وقوف الإِمام]
(يصح وقوفُ الإِمامِ وسط المأمومين، والسنةُ وقوفه متقدماً عليهم) ووقوفهم
خلفه، إلا العراةَ فوسَطا وجوباً، وامرأةً أمّتْ نساءً فوسطاً ندباً.
(ويقف الرجل الواحدُ) والخنثى (عن يمينه) أي يمين الإِمام (محاذياً له، ولا
تصح) الصلاة (خلفه) (2) أي الإِمام لأنه يكون فذًا، (ولا) تصحُّ (عن
يسارِه) أي الإِمام (مع خُلوِّ يمينه) قال في الفروع: ومن صلى عن يسارِه
ركعةً فأكْثَر مع خُلُوِّ يمينه، لم تصح. نص عليه.
(وتقفُ المرأةُ خلفَه) وإن وقفتْ بجانبه، أي جانب إمامِها الرجلِ، فكرجلٍ،
يعني أن المرأة إذا أئتمت برجلٍ ووقفت عن يمينه، فإن صلاتها تصح كما تصح
صلاة الرجل عن يمين إمامه.
(وإن صلى الرجلُ ركعةً خلفَ الصفّ منفرداً فصلاتُهُ باطلة).
(وإن أمكن المأمومَ الاقتداءُ بإمامه) ولو لم يكنِ بالمسجد، بأن كان
خارِجَه، والإمام بالمسجدِ (ولو كان بينهما) أي بين الإِمام والمأموم (فوقُ
ثلثمائَةِ ذراعٍ صح) الاقتداءُ (إن رأى الإمامَ أو رأى من وراءَه) ولو كانت
رؤيتُه في بعضها فقط، أو كانت مما لا يمكن الاستطراقُ منه كشبّاكٍ ونحوه.
__________
(1) في (ب، ص) وشرح المنتهى: يؤم. والتصويب من (ف). والمراد كمن يقضي ظهر
الخميس مقتدياً بمن يقضي ظهر الأربعاء. مثلا.
(2) أي لا تصح صلاة الرجل والخنثى المنفرد خلف إمامه.
(1/180)
(وإن كان الإِمام والمأمومُ في المسجدِ لم
تُشترط الرؤية) أي رؤيةُ الإِمام، ولا رؤيةُ من وراءَه (وكفى سماعُ
التكبير) في الفرض والنفل.
(وإن كان بينهما) أي بين الإِمامِ والمأمومِ (نهرٌ تجري فيه السفُن، أو
طريق) ولم تتصل فيه الصفوفُ حيثُ صحّتْ تلك الصلاة في الطريق بأن كانتْ على
جنازةٍ ونحوها، أو كان في غيرِ شدّةِ خوفٍ بسفينةٍ وإمامُه بأخرى غيرِ
مقرونةٍ بها (لم يصحّ) الاقتداء.
وألْحَقَ الآمديُّ بالنهر: النارَ، والبئر. وقيل: والسَّبُع، وقاله أبو
المعالي في الشوك والنار.
(وكُرِه علوُّ الإِمام عن المأموم) ما لم يكن كدرجةِ منبرٍ فلا يكره.
وتصحُّ ولو كان كثيراً، وهو ذراعٌ فأكثر.
و (لا) يكره (عكسُه) أي علوّ المأموم عن الإِمام ولو كان كثيراً.
(وكُرِهَ لمن أكل بصلاً أو فجلاً ونحوَه) كثومٍ وكراثٍ (حضورُ المسجدِ) وإن
لم يكن به أحد. وكذا حضور الجماعةِ. قال في الفروع: ويتوجه: مثلُه من بِهِ
رائحةٌ كريهة. قال في الإِقناع وشرحه: فإن دخله آكِلُ ذلك، أي من له رائحة
كريهة من ثومٍ وبصل ونحوهما، أو دخله من له صُنَانٌ أو بَخَرٌ (1) قَوِيَ
إِخراجُهُ، أي استحباب إخراجه، إزالةً للأذى. انتهى.
فصل في ذكر الأعذار المبيحة لترك الجمعة
والجماعة
(يُعْذَرُ بترك الجمعة والجماعة المريضُ والخائِفُ حدوثَ المرض.)
__________
(1) الصُّنَانَ نتن الإِبط، والبَخَر نتن الفم.
(1/181)
ومحل ذلك إذا كان المريض والخائف حدوثَ
المرض ليسَا بالمسجدِ. فإن كانا بالمسجد لزمتهما الجمعةُ والجماعةُ، لعدم
المشقّة.
وتلزم الجمعة دونَ الجماعةِ من لم يتضرر بإتيان الجمعةِ راكباً، أو
محمولاً، أو تبرَّع أحدٌ بذلك، أو بِقَوْدِ أعمى.
(و) يعذر بترك الجمعة والجماعة (المَدافعُ احَدَ الأخْبَثينِ) البولِ
والغائِط.
(و) يعذر بذلك (من له ضائعٌ يرجوه) كما لو دَلَّهُ عليه إنسان بمكانٍ،
ويخاف إن لم يمضِ إليه سريعاً ينتقل عن ذلك المكان، أو قَدِمَ له بضائعُ من
سفرٍ ويخافُ إن لم يتلقَّه أن يفوتَه. لكن قال المجْدُ: الأفضل تركُ ما
يرجو وجوده، ويصلَّيَ الجمعةَ والجماعةَ. (أو يخافُ ضياعَ مالِهِ أو
فواتَه) أي ذوات مالِهِ، كشرودِ دابّتِهِ، وإباقِ عبده، وسفرِ من له عندَه
وديعةٌ، ونحو ذلك، (أو) يخافُ (ضرراً فيه) أي في ماله، كاحتراق خبزه، أو
طبخه، أو إطلاق الماء على زرعه، بغيبته عنه، (أو) يخاف ضرراً (على مالٍ
استؤجر لحفظه، كنِطارةٍ) بكسر النون (بِبُسْتانٍ (1)، أو) كان يحصل له
(أذىً بمطرٍ ووَحَلٍ) بفتحِ الحاء المهملة، وتسكينها لغةٌ رديئة (وثلجٍ،
وجليدٍ، وريحٍ باردةٍ بليلةٍ مظلمة) ويأتي في باب الجَمْعِ أنه لا يشترط
لصحة الجمع بين العشاءين كون الليلة مظلمة (أو) كان يضرُّه (تطويل إمامٍ)
لا إن كان بطريقه إلى المسجد منكر.
ولا يُعْذَرُ بتركِ الجُمُعةِ والجماعةِ مَنْ جَهِلَ الطريقَ إذا وَجَدَ من
يهديه.
__________
(1) النّطارة بالطاء المهملة، حرفة الناطر، أو الناطور، وهو من يَحْرُسُ
الكرم أو البستان من السرقة.
(1/182)
باب صَلاَة أهل الأَعْذار
جَمْعُ عذرٍ، وهم المريضُ، والمسافر، والخائف ونحوهم.
(يلزم المريضَ) القادرَ على القيام (أن يصلي المكتوبة) أي المفروضة
(قائماً، ولو مستنداً) إلى شيء، ولو بأجرةٍ يقدر عليها.
(فإن لم يستطع) لعجز، أو شَقَّ لضررٍ يلحقه بقيامه، أو زيادةَ مرضٍ (ف)
يصلي (قاعداً) متربِّعاً، ندباً.
ويثني رجليه في ركوعِهِ وسجودهِ كمتنفِّل.
(فإن لم يستطع) القعودَ، أو شقَّ عليه (فـ) يصلي (على جنبِهِ. و) الجنب
(الأيمن أفضل.)
وتكره للمريضِ الصلاةُ على ظَهْرِهِ ورجلاه إلى القبلة، مع قدرةٍ على جنبه.
وتصح.
وإن لم يقدرِ المريضُ أن يصليَ على أحد جنبيه تعيّن عليهِ أن يصلي على
ظهرِه ورجلاه إلى القبلة، وجهاً واحداً.
(ويومئ بالركوعِ وبالسجودِ) من عَجَزَ عنهما ما أمكَنَهُ.
(ويجعله) أي يجعل السجودَ (أخفضَ) من الركوع.
(فإن عَجَزَ) عن جميع ما تقدم (أومأ بطرْفِهِ) أي بعينه، (واستحضَرَ)
الفعلَ (بقلبِهِ) عند إيمائه له. (وكذا) يستحضرُ (القولَ) عند
(1/183)
إيمائه له (إن عجز عَنْه) أي عن القول
(بلسَانِهِ) كأسيٍر خائف أن يعلموا بصلاتِهِ.
(ولا تسقط) الصلاة عن المريضِ (ما دام عقلُه ثابتاً) لقدرته على أن ينوي
بقلبه مع الإِيماءِ بطرفه.
(ومن قَدِرَ على القيام) وكان يصلي قاعداً، (أو القعودِ) وكان يصلي عن
جنبِهِ أو مستلقياً (في أثنائِها) أي أثناءِ الصلاة (انتقلَ إليه) أي إلى
ما قدر عليه بعد أن كان عاجزاً عنه، وأتمَّها به، فيقومُ أو يقعدُ من كان
عاجزاً عنه وجوباً، لأن المبيحَ العجزُ، وقد زال.
ويركع بلا قراءة من كان قَرَأَ في حال العجز، وإلاَّ قَرَأ بعد قيامِهِ.
ومن قدر على قيامٍ أو قعودٍ دون ركوعٍ وسجودٍ أومأ بركوعٍ قائماً، وبسجودٍ
قاعداً.
(ومن قَدِر أن يقوم) أي يصلي قائماً (منفرداً، أو) قدر أن (يجلسَ) أن صلى
(في الجماعةِ، خُيِّر) بين أن يصلي قائماً منفرداً، وبين أن يصلي جالساً في
جماعةٍ، لأنه في كل منهما يفعل واجباً، ويترك واجباً. وقيلَ: يلزمه أن
يصلِّي قائماً منفرداً لأن القيامَ ركنٌ بخلاف الجماعة.
(وتصح) المكتوبةُ (على الراحلةِ) واقفةً وسائرةً (لمن يتأذَّى بنحو مطرٍ
ووحْلٍ) وثلجٍ وبَرَدٍ (أو يخافُ على نفسه من نزولِه) من سيل، أو سَبُعٍ،
أو عَجْزٍ عن ركوبِ إن نزل.
(و) يجب (عليه) أي على من يصلِّي الفرضَ على الراحلةِ لعذرٍ مما ذُكِر
(الاستقبالُ وما يقدِرُ عليه) من ركوعٍ وغيره.
ولا تصحُّ صلاةُ الفَرْضِ على الراحلةِ لمرضٍ، لأنه لا يزول ضرره (1)
بالصلاةِ عليها، بخلاف المطر ونحوه.
__________
(1) في (ب، ص): مَرَضُه، وفي (ف): ضرره. وهو أصح معنًى.
(1/184)
(ويومئُ) بركوع وسجودٍ (من) كان (بالماءِ
والطينِ) ولا يمكنُه خروجٌ، كمصلوبٍ، ومربوطٍ.
ويسجد غريقٌ على متن الماء.
ولا إعادة على واحد من هؤلاء.
فصل (في صلاة المسافر)
(قَصْرُ الصلاةِ الرباعيّة) لا الثُّنائيّة والثُّلاثية، فإنه لا يجوز
قصرُهما (أفضلُ) من الإِتمام. ولا يكره الإِتمام (لمن نوى سفراً). هذه
عبارةُ المنتهى، والمحرَّر، والتنقيح، وهي أوْلى من قولِ المقنع "مَنْ
سَافَرَ" لأنه يَرِدُ عليها من خرج في طلب ضالَّةٍ، أو آبقٍ، حتى جاوز
المسافة، فإنه ليس له القصر حيث لم ينوِ. وقال الحَجَّاويّ: ولو قال: "من
ابتداءِ السفر" كما في الفروع وغيرها (1)، لكان أجود، لأنه قد يَنْوي ولا
يسافر، فإن قيل: قولُهُ بعد ذلك: "إذا جاوزَ بيوتَ قريتِهِ العامِرَة"
يدلُّ عليه. قيل: لا بد فيه من إضمارٍ، وهو أن يقال: القَصْرُ إذا جاوزَها
مسافراً وإلاَّ فقد يجاوزُ بيوت قريَتِهِ بعد النّية من غَيْرِ سَفَرٍ.
(مباحاً) (2) فيدخُلُ فيه الواجبُ كالحجِّ والجهادِ وقضاءِ الدين،
والمسنونُ كزيارةِ الرَّحمِ، والمباحُ كالتجارةِ ولو نزْهةً وفُرْجَةً.
(لمحلٍّ معيَّنٍ) فلا قصرَ لِهائِمٍ، وتائِهٍ، وسائحٍ، لا يقصد مكاناً
معيناً (يبلغ) سفرُه ذهاباً (ستَّةَ عَشَرَ فرسخاً) تقريباً، برًّا أو
بحراً.
__________
(1) لو قال (وغيرِه) لكان أجود، لأن الضمير يعود على مذكر وهو كتاب الفروع.
(2) أما غير المباح وهو سفر المعصية، أو المكروه فلا يقصر ولا يستفيد من
الرخص، لأن الرخصة إعانة، فلا يعان على معصية.
(1/185)
(وهي) أي الستةَ عشرَ فرسخاً (يومانِ) أي
مسيرةً يومَيْنِ لا رجوعَ في أَثْنائِهما (قاصِدَانِ) أي معتدلان طولاً
وقصَراً (1). (في زمنٍ معتدلِ) الحرِّ والبردِ (بسير الأثقالِ ودبيبِ
الأقدامِ) وذلكَ أربعةُ بُرُدٍ.
والبريدُ أربعة فراسخ.
والفرسخ ثلاثةُ أميالٍ هاشميَّةٍ، وبأميالِ بني أميّة ميلانِ ونصفٌ.
والهاشِميُّ اثنا عشرَ ألفَ قدمِ، وهي ستةُ آلاف ذراعٍ (2).
والذراع أربعٌ وعشرونَ إصبعَاً معترضةً معتدلةً، كل إصبعٍ ستُّ شعيراتٍ
بطونُ بعضِها إلى بعضٍ عَرْضُ كل شعيرةٍ ستُّ شعراتِ برذون.
قال ابن حجر في شرح البخاري: والذراعُ الذي ذُكِرَ قد حُرِّرَ بذراعِ
الحديدِ المستعملِ الآن في مصر والحجازِ في هذه الأعصارِ، فنقص عن ذراع
الحديدِ بقدر الثمن.
فائدة: من مكة إلى عسفان أربعةُ بُرُدٍ. وذكر صاحب "المسالك" أن من دمشقَ
إلى القطيفة أربعة وعشرين ميلاً، ومن دمشق إلى الكُسْوَة اثنيْ عشرَ ميلاً.
(إذا فارقَ) متعلقٌ بقوله: "قَصْرُ الرباعية" (بيوتَ قريتِهِ العامرةِ)
سواءٌ كانت داخِلَ السورِ أو خارِجَهُ، وسواءٌ وليتْها بيوتٌ خاربة أو
البرّيّة. لكن لو وليتها بيوتٌ خاربةٌ، ثم بيوت عامرةٌ فلا بدّ من مفارقة
البيوت العامرةِ التي تلي الخاربة.
__________
(1) في القاموس: ليلةٌ قاصدةٌ: هيِّنة السير. فهذا الصحيح في تفسير القصد
هنا.
(2) الذراع 54 سنتمتراً، فعلى هذا يكون الميل الهاشمي (3240) مترا؛ والفرسخ
(9720) متراً؛ والبريد (38880) متراً؛ ومسافة القَصْر (154) كيلومتراً
تقريباً.
ولكنْ في القاموس: الميلِ أربعة آلاف ذراع. قلت: فتكون مسافة القصر أقلّ
بالثلث، أي (103) كيلومتراً تقريباً. وهذا أقربُ، لقوله في ما يلي: من مكة
إلى عسفان أربعة بُرُدٍ، وعسفان على مرحلتين من مكة، وفي المغني: قدر ابن
عباس الأربعة البرد من جدة إلى مكة. وهي لا تزيد على ثمانين كيلومتراً.
(1/186)
ولو بَرَزُوا لِمَكانٍ لقصدِ الاجتماعِ، ثم
بعدَ اجتماعهم يُنْشِئُونَ السفر من ذلك المكان، فلهم القصر قبل
مفارَقَتِهِ في ظاهر كلامهم.
(ولا يعيدُ من قَصَرَ،) بشرطِهِ، (ثم رجع قبل استكمالِ المسافةِ) لأن
المعتبر نِيَّةُ المسافة لا حقيقتها.
[الصور التي يتم فيها المسافر]
إذا تقرَّرَ هذا، فإنه يُستثنى من حالة السفر إحدى وعشرون صورةً يلزمه فيها
الإِتمام:
الأولى: إذا مرّ بِوَطَنِهِ، ولو لم يكن له به حاجة.
الثانية: إذا مرّ ببلدٍ له به امرأةٌ، ولو لم يكن وطنَه.
الثالثة: ما أشار إليها بقوله (ويلزمه إتمامُ الصلاةِ إن دخل وقتُها وهو)
أي مريد السفر (في الحضر.)
الرابعة: إذا مرّ ببلدٍ تزوَّجَ فيه، ولو بعدَ مفارَقَتِهِ الزوجة (1).
الخامسة: إذا وقع بعض الصلاة في الحضر، وهي مصوَّرة في راكبِ السفينة إذَا
أَحْرَمَ بالصلاةِ مقصورَةً، ثم وصلت إلى وطنه في أثناء الصلاة (2).
السادسة: إذا ذكر صلاةَ حضرٍ بسفر.
السابعة: إذا ذَكَرَ صلاةَ سفرٍ في حضر.
الثامنة: ما أشار إليها بقوله (أو صلّى خلفَ من يُتِمَّ.)
التاسعة: إذا ائتم بمن يَشُكُّ فيه هل هو مقيمٌ أو مسافر، فيتمُّ ولو بانَ
مسافراً. ويكفي علمُه بسفرِهِ بعلامةٍ من لباس ونحوه.
العاشرة: إذا شكَّ إمامٌ في أثنائها أنه نوى القصرَ عندَ إحرامِها،
__________
(1) اعترضه (عبد الغني) بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصَرَ بمكة وقد
تزوّج فيها، أي تزوّج أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها.
(2) أقول ومثلها الطائرة والقطار.
(1/187)
كما لو نَوَى الصلاة مطلقاً فإنَّ نِيّتَهُ
تنصرف إلى الإِتمام (1).
الحادية عشرة: إذا أعاد صلاةً فاسدةً يلزمُهُ إتمامها (2).
الثانية عشرة: ما أشار إليها بقوله: أوْ لم ينوِ القصر عند الإِحرام).
الثالثة عشرة: إذا نوى القصرَ ثم رفَضَهُ بعد أن نواه.
الرابعة عشرة: إذا جَهِلَ أن إمامه نواه.
الخامسة عشرة: ما أشار إليها بقوله: (أو نوى إقامة مطلقة) أي غير مقيدة
بزمن مخصوص.
السادسة عشرة: ما أشار إليها بقوله: (أو أكثر من أربعةِ أيام) أي أكثر من
عشرين صلاة. ولا فرق بين كون ما نوى الإِقامة فيه موضع لبث وقرار في
العادة، كالقُرى، أو لا يقام فيه عادةً، كالمفاوز.
السابعة عشرة: ما أشار إليها بقوله: (أو أقام) المسافر (لـ) قضاء (حاجته
وظن أنَّها لا تنقضي) الحاجَةُ (إلا بعد) مضيِّ (الأربعة.)
الثامنة عشرة: إذا شكَّ المسافر في نية المدة، أي هل نَوَى إقامةَ عشرينَ
صلاةً، أو أكثر؟
التاسعة عشرة: إذا عزم في صلاته على قطع الطريق ونحوه.
العشرون: إذا تاب المسافِرُ من المعصية في أثناء الصلاة، وكان نوى القصر،
فيتمّ.
الحادية والعشرون: ما أشار إليها بقوله: (أو أخّر الصلاة بلا عُذْرٍ) له في
التأخير (حتى ضاقَ وَقْتُها عنها) أي عن فعلِها كلِّها مقصورةً في الوقت،
لزمه أن يتمّ الصلاة التي ضاق وقتها عنها (3).
__________
(1) (ف): إلى الإِفراد.
(2) أي ابتداء. كما لو صلّى خلف مقيم ففسدت لزمه الإِتمام عند الإعادة،
لأنها وجبت تامة فيعيدها على التمام، بخلاف ما إذا أداها مقصورة ففسدت
لكونه أحَدث فيها مثلاً، فيعيدها مقصورة.
(3) أي لأنه بذلك أصبح عاصياً بالتأخير، فلا يترخّص بالقصر (شرح النتهى).
(1/188)
(ويقصر إن أقامَ لحاجةٍ بلا نِيّةِ
الإِقامة فوق الأربعة، ولا يدري متى تنقضي) يعني أنه يقصر ما دام كذلك. (أو
حبِسَ ظلماً، أو) حُبِسَ (بِمَطَرٍ،) أو بِمرَضٍ، أو ثلجٍ، أو بَرْدٍ (ولو
أقام سنين.)
فصل في حكم (الجمع) بين الصلاتين
يباح الجمعُ مطلقاً في ثمانِ حالات:
الأولى: ما أشار إليها بقوله: (يباحُ بِسَفرِ القَصرِ) فليسَ بمكروهٍ ولا
مستحبّ (الجمعُ بين الظهرِ والعصر) بوقتِ إحداهما (و) بينَ (العشاءَينِ)
وهما المغرب والعشاءُ (بوقتِ إحداهما) أي إحدى الصلاتين.
الثانية: ما أشار إليها بقوله: (ويباحُ لمقيمٍ مريضٍ يلحقُه) أي المريضَ
المقيمَ (بتركِهِ) أي بترك الجمع (مشقَّةٌ.)
الثالثة: ما أشار إليها بقوله: (ولمرضعٍ لمشقةِ كثرةِ النجاسة) أي مشقَّةِ
تطهيرها لكلِّ صلاةٍ.
الرابعة: المستحاضة ونحوها.
الخامسة: ما أشار إليه بقوله: (ولعاجزٍ عن الطهارة) بالماء أو التيمُّمِ
(لكل صلاة).
السادسة: لِعاجزٍ عن معرفةِ الوقتِ كأعمى، ونحوه، كالمطمور.
السابعة: ما أشار إليها بقوله: (ولعذرٍ) يعني يبيح تركَ الجمعَةِ
والجماعَةِ، كخوفِهِ على نفسه، أو حُرْمَتِهِ، أو مالِهِ.
الحالة الثامنة: ما أشار إليها بقوله: (أو) لِـ (شغلٍ يبيح ترك الجمعة
والجماعَةِ) كما لو كان ترك الجمع يُعِيقُهُ عن معيشةٍ يحتاجها، فإنه يباح
(1/189)
له الجمع في هذه الحالة.
(ويختصّ بجوازِ جمعِ العشاءَيْنِ ولو صلَّى ببيتِهِ) أو في مسجدٍ طريقُه
تحتَ ساباطٍ، ولمقيمٍ في المسجد ونحوه ولو لم يَنَلْهُ إلا يسيرٌ: (ثلجٌ)
وبَرَدٌ، لأنهما في حكم المطر (وجليدٌ) لأنه من شدة البرد، (ووحَلٌ) بتحريك
الحاء، وإسكانُهَا لغة رديئة، (وريحٌ شديدةٌ باردةٌ) لا ليلة مظلمةً (ومطرٌ
يُبلُّ الثياب، وتوجد معه مشقَّةٌ.) لكنّ المرادَ وجودُ المشقّةِ في
الجملةٍ، لا لكلِّ فردٍ من أفرادِ المصلِّينَ.
(والأفضلُ) لمن يريد الجمعَ (فعلُ الأرفقِ) به (من تقديمِ الجمعِ) أي تقديم
العصرِ في وقت الظهر، وتقديمِ العشاءِ في وقتِ المغربِ (أو تأخيرِهِ) أي
تأخيرِ الظهرِ إلى وقتِ العصرِ، وتأخير المغرب إلى وقَتِ العَشاءِ.
فإن استويا فتأخيرُهُ أفضل.
[شروط جمع التقديم وجمع التأخير]
(فإن جمع تقديماً اشترِطَ لصحة الجمع) خمسة شروط:
الأول: الترتيبُ سواءٌ نَسِيَهُ أو ذكره، بخلاف سقوطِهِ مع النِّسيان في
قضاء الفوائت.
الثاني: (نيته) أي نية الجمعِ (عندَ إحرامِ الأولى.)
ولا تشترط نية الجمع عند إحرام الثانية.
(و) الثالث: (أن لا يفرّق بينهما) أي بين الصلاتين (بنحو نافِلَةٍ بل بقدر
إقامةٍ ووضوءٍ خفيف،) لأن معنى الجمع المتابَعةُ والمقارنة، ولا يحصل ذلك
مع تفريقٍ بأكثر مما ذكر.
(و) الرابع: (أن يُوجَد العُذْرَ عِنْدَ افتتاحِهِمَا) أي افتتاحِ الصلاتين
المجموعتين، وسلامِ الأولى.
(1/190)
(و) الخامس: (يستمر) العذر المبيح للجمع في
غير جمع مطرٍ ونحوه (إلى فراغ الثانيةِ. فلو أحرم بالأولى ناوياً الجمعَ
لمطرٍ، ثم انقطع ولم يَعُدْ، فإن حصل وَحْلٌ لم يبطل الجمع، وإلاَّ بَطَل،
لزوال العذر المبيح.
(وإن جَمَعَ تأخيراً) أي في وقت الثانيةِ من الصَّلاتينِ المجموعيتن
(اشتُرِط له) ثلاثة شروط:
الأول: (الترتيب).
(و) الثاني: (نية الجمع بوقت الأُولى) من الصلاتين المجموعتين، مع وجود
العذر المبيح له (قبل أن يضيق وقْتُها عنها) أي عن فِعْلِها، لأنّ تأخيرَها
عنه حرام، وهو ينافي الرخصة التي هي إباحة الجمع.
(و) الشرط الثالث: (بقاءُ العُذْرِ) من حين نِيّةِ الجمع عند وجوده بوقت
الأولى (إلى دخولِ وقت الثانية) لأن المجوِّز للجمع العذرُ، فإذا لم يستمرّ
إلى دخول وقت الثانية وَجَبَ أن لا يجوز الجمع لزوال المقتضى، كالمريض
يَبْرَأُ والمُسَافِرِ يقدَم.
(لا غير) ما تقدم من الشروط، فلا يشترط استمراره في وقت الثانية، لأنهما
صارتا واجبتين في ذمته، فلا بد من فِعْلِهما.
(ولا يُشْتَرَطَ للصِحَّةِ) أي لصحةِ الجمعِ مطلقاً (اتحادُ الإمام
والمأموم، فلو صلاَّهما) أي المجموعتين (خلف إمامَيْنِ) كلَّ واحدةٍ خلفَ
إمامٍ (أو) صلاهَما (بمأمومِ الأُولى، وبـ) مأمومٍ (آخَرَ الثانيةَ، أو)
صلاّهما (خلف من لم يَجْمَعْ، أَو) صلى (إحداهما) أي المجموعين (منفرداً،
و) صلى (الأُخْرى في جماعة، أو صلَّى) إماماً (بمن لم يجمع، صحَّ) ذلك كله،
لكن متى ذكر أنه نَسِيَ من الأُولى ركناً، أو إحداهُمَا ونسيها، أعادَهُما
إن بقي الوقتُ، وإلا قضاهما مرتَّباً. وإن بان
(1/191)
أنه من الثانية أعادها فقط. والله تعالى
أعلم.
فصل (في صفة صلاة الخوف) وأحكامها
(تصح صلاة الخوفِ إن كان القتال مباحاً) ولو (حَضَراً و) تصحّ (سفراً).
(ولا تأثيرَ للخوفِ في تغييرِ عددِ ركعاتِ الصلاة، بل) يؤثّر الخوف (في
صفتها وبعض شروطها).
(وإذا اشتدَّ الخوف) بِأن تواصَل الضَّرْبُ والطَّعْنُ، والكرُّ والفرُّ،
ولم يمكن تفريقُ القومِ صفَّيْنِ، ولا صلاتُهم على وجهٍ من وجوهِهَا، وحضرَ
وقتُ الصلاةِ، لم تؤخَّر و (صلوا رجالاً أو ركباناً) متوجِّهين (للقبلةِ
وغيرِها) لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا}.
(ولا يلزم) المصلّيَ في هذه الحالة (افتتاحُها) أي الصلاة (إليها) أي إلى
القبلة، (ولو أمكنَ) المصليَ ذلك، كبقية أجزاءِ الصلاة، (يومِئُون)
بالركوعِ والسجودِ (طاقتَهم) أي بقدر ما يطيقونه، لأنهم لو أتمُّوا الركوعَ
والسجودَ لكانوا هدفاً لأسلحةِ الكفّار. ويكونُ سجودُهُمْ أخفضَ من
ركوعِهم. ولا يجب سجودٌ على ظهر الدابة.
(وكذا) أي وكحالةِ شدةِ الخوفِ عند المسايَفَةِ (في) فعلِ الصلاةِ وحكمِها
(حالةُ الهربِ من عدوٍّ) هرباً مباحاً، بأن تكون الكفَّارُ أكثَرَ من
مِثْلي المسلمين، (أو) هربِ من (سَيْلٍ، أو) هربٍ من (سَبُعٍ) وهو الحيوانُ
المعروف. وقد يطلَق على كل حيوان مفترسٍ، كما هُنَا، (أو) هربٍ من (نارٍ،
أو) هربٍ من (غريمٍ ظالمٍ،) فلو كان بحقٍّ وهو قادر
(1/192)
على وفائِهِ لم يجز (أو) لم يكن هارباً
ولكن صلَّى كالصلاة السابقة لـ (خوفِ فوتِ وقت الوقوفِ بعرفةَ) يعني أنه
إذا قَصَدَ المحرمُ عرفاتِ ليلاً، وبقي من وقتِ الوقوفِ مقدارُ ما إن
صلاَّها فيه على الأرض فاتَهُ الوقوفُ، فإنه يصليها صلاة خائِفٍ وهو ماشٍ،
حرصاً على إدراك الحجّ، لأن الحجَّ في حقِّ المحرِم كالشيء الحاصِلِ،
والفواتُ طارٍ عليه، ولأن الضَّرَرَ الذي يلحقه بفوات الحجّ لا ينقصُ عن
الضَّررِ الحاصِلِ من الغريمِ الظالمِ في حق المدينِ المُعْسِر، بخوفِهِ من
حبسه إياه أياماً، (أو خافَ على نفسِهِ أو أهلِهِ أو مالِهِ) يعني أن من
خافَ على نفسِهِ أو أهلِهِ أو مالِهِ إنْ ترَكَ الصلاةَ على هيئتِها في
شدةِ الخوفِ جازَ لَهُ أن يصلي صلاةَ شدةِ الخوفِ من أجلِ ذلك (1) (أو ذبٍّ
عن ذلك) أي عن نفسِهِ أو أهلِهِ أو مالِهِ (وعنْ نفسِ غيرِه) يعني أن له أن
يصلّي صلاةَ شِدَّةِ الخوفِ من أجلِ ردّ الصائل عن نفسِهِ أو أهلِهِ أو
مالِهِ أو نفسِ غيره بقتالِ الصائلِ على شيءٍ من ذلك.
(وإن خافَ) شخصٌ (عدوًّا إن تخلَّف عن رُفْقَتِهِ، فصلّى صلاة خائفٍ ثم
بانَ) له (أمْنُ الطريق لم يُعِدْ) صلاته.
(ومن خافَ أو آمِنَ في صلاته انتقلَ، وبنى) يعني أن من دخل في صلاته وهو
آمنٌ، ثم طرأ له في أثنائِها خوفٌ كمّلها على هيئةِ الخائفِ وبنى على هيئةِ
صلاة الآمن، وإن دخل فيها وهو خائفٌ ثم أَمِنَ فيها كَمَّلَها على هيئةِ
صلاةِ الآمن وبنى على ما مضى منها على هيئةِ صلاةِ الخائفِ، لأن بناءَهُ في
الصورتين على صلاةٍ صحيحةٍ، كما لو ابتدأها صحيحاً فمرض في أثنائِها، أو
ابتدأها مريضاً فعوفي في أثنائها.
(ولمصلٍّ كرٌّ وفرٌّ لمصلحةٍ) وكذا التقدُّمُ والتأخُّر والطعنُ والضربُ.
__________
(1) (ب، ص) "من أجل رد الصائل ذلك" فحذفنا تبعاً لـ (ف).
(1/193)
(ولا تبطُلُ) الصلاةُ (بطولِهِ) أي الكرّ
والفرّ، (وجازَ لحاجةٍ) في صلاة الخوفِ (حملُ نَجِسٍ) غيرِ معفو عنه في
غيرها، (ولا يعيدُ) أيْ ولا تلزَمُهُ الإِعادة.
(1/194)
باب صَلاَة الجُمْعَة
[شروط وجوب الجمعة]
(تجب على كل ذكرٍ مسلمٍ مكلَّفٍ عاقلٍ) لأن الإِسلامَ والعقلَ شرطانِ
للتكليفِ وصحَّةِ العبادةِ، فلا تجب على مجنونٍ ولا على صبيّ؛ (حرٍّ) لأن
العبد مملوكُ المنفعةِ، محبوسٌ على سيده؛ (لا عُذْرَ لَه) مما تقدم.
(وكذا) تجب (على مسافرٍ لا يباحُ له القصر) كَقِصَرِ سفرِه، أو
لِعِصْيانِهِ بِسَفَرِهِ.
(و) تجب (على مقيمٍ خارجَ البلدِ إذا كان بينهما) أي المسافر والمقيم خارج
البلد (وبين الجمعة) أي بينه وبين موضعها من المنارةِ، نصًّا، (وقتَ
فعلِهَا (1) فَرْسَخٌ فأقلُّ) تقريباً.
(ولا تَجِبُ) صلاة الجمعة (على من يباحُ له القصْر).
وكما لا تجب عليه بنفسِهِ لا تلزَمُه بغيرِهِ. نصَّ عليه.
(ولا) تجب (على عبدٍ، و) لا (مبعَّضٍ، و) لا (امرأةٍ)، ولا خنثى.
__________
(1) لم يظهر لي المراد بقوله "وقت فعلها" ولم أرها لغير الشارح (عبد الغني)
ولا لي كذلك (المحقق).
(1/195)
(ومن حضرها) أي الجمعة (منهم) أي من العبد
والمبعض والمرأة والخنثى (أجزأته) عن صلاة الظهر، لأنّ إسقاط الجمعةِ عنهم
تخفيفٌ، فإذا حضرها أحدٌ منهم أجزأتْهُ (ولم يحسب هو) أي مَنْ ذُكِرَ، من
العبد وما عطف عليه.
(ولا) يُحْسَبُ (من ليس من أهل البلد من الأربعين).
(ولا تصح إمامتهم) أي العبد وما عطف عليه والغريب (فيها) أي الجمعة (1).
[شروط صحة الجمعة]
(وشُرِطَ لصحةِ الجمعةِ أربعةُ شروط) ليس منها إذن الإِمام:
(أحدها: الوقت) لأنها صلاةٌ مفروضةٌ، فاشتُرِطَ لها الوقْتُ، كبقيّةِ
المفروضات.
(وهو) أي وَقْتُ الجُمُعَةِ (مِنْ أوَّلِ وقت العيدِ) نصَّ عليه، (إلى آخر
وقت الظهر،) لأن الجمعة واقعةٌ موقع الظُّهْرِ، فوجَبَ إلحاقُها بالظهر لما
بينهما من المشابهة.
(وتجب) الجمعة (بالزوال) لأن ما قبله وقت جوازٍ.
(و) فعلها (بعده) أي الزوال (أفضلُ) من فعلها قبل الزوال، خروجاً من
الخلاف. ولأنَ الناس يجتمعونَ إليها عند الزوال، فلو انتظروا الإِبرادَ
شَقَّ عليهم.
(الثاني): من شروط صحة الجمعة (أن تكون بِقَرْيَةٍ) مبنيّةٍ بما جرت عادةُ
أهلِها به، (ولو من قَصَبٍ) أو حجر أو خشب (يستوطنها أربعون) رجلاً ولو
بالإِمام، من أهلِ وجوبها (استيطانَ إقامةٍ لا يظعَنُونَ)
__________
(1) وفي وجه تصح، وهو ظاهر كلام أحمد كما في تصحيح الفروع.
(1/196)
أي لا يرحلون عنها (صيفاً ولا شتاءً) لأن
ذلك هو الاستيطان.
(وتصح) صلاة الجمعة (فيما قاربَ البنيانَ من الصحراءِ) ولو بلا عذرٍ، لا
فيما بعد عن البنيان، لشبههم إذاً بالمسافرين.
ولا يتمّمُ عددٌ من مكانين متقاربين.
ولا يصحُّ تجميع كاملٍ في ناقص مع القربِ الموجبِ للسعي (1).
ولا يشترط للجمعة المِصْرُ.
(الثالث): من شروط صحة الجمعة: (حضورُ أربعينَ) ممن تجب عليهم الجمعةُ
صلاتَها وخُطبتَها، ولو كان فيهم خَرَسٌ أو صَمَمٌ، لا كلُّهم.
(فإن نقصوا) أي نقصَ الأربعون (قبل إتمامها) أي الجمعة (استأنفوا ظهراً)،
لأن العدد شرطٌ فاعتبِرَ، في جميعِها، كالطهارة، إن لم تمكن إعادتها جمعةً
بشروطِها. وإن بقي العدد، ولو ممن لم يسمع الخُطْبة، ولحقوا بهم قبل نقصهم،
أتمّ بهم الإِمام جمعة.
(الرابع) من شروط صحة الجمعة: (تقدم خطبتين) على الصلاة، بدل ركعتين، لا
مِنَ الظهر، لأن الجمعة ليست بدلاً عن الظهر، وإنما هيَ فرضٌ مستقل.
[شروط الخطبتين]
(من شَرْطِ صحتهما) أي الخطبتين (خمسة أشياء):
الأوّل: (الوقت) فلا تصحّ واحدةٌ منهما قبل الوقت، لما تقدم أنهما بدل
ركعتين.
__________
(1) أي: ولا يصح بجميع أهلِ بلدٍ كاملٍ فيه العدد إذا صلَّوا ببلدٍ ناقصٍ
فيه العدد. ويلزم التجميع في الكامل لئلا يصير التابعُ متبوعاً (ش المنتهى
1/ 294).
(1/197)
(و) الثاني: (النية) قاله في "الفنون"، قال
في الفروع: وهو ظاهر كلام غيرِه. انتهى.
(و) الثالث: (وقوعهما) أي الخطبتين (حضراً) فلو كان بسفينةٍ أربعونَ رجلاً
من أهل وجوبها مسافِرِين من قريةٍ واحدةٍ، فلما قربوا من قريتهم في وقت
الجمعة خطبَهم أَحَدُهُمْ ولم يَصِلُوا إلى القرية حتى فرغ من الخطبتين،
استأنفهما، لِوقوعهما (1) في السفر.
(و) الرابع: (حضورُ الأربعين) فأكثرَ من أهلِ القريةِ بالإِمام.
(و) الخامس: (أن يكون) أي الخطيب (ممن تصحُّ إمامته فيهما) لما تقدم من
أنهما بدل عن ركعتين.
(وأركانهما) أي أركان الخطبتين (ستة):
الأول: (حمد الله تعالى) وهو قول الخاطب "الحمد لله".
(و) الثاني: (الصلاةُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) لأن كلّ عبادة
افتقرتْ إلى ذكرِ الله سبحانه وتعالى افتقرتْ إلى ذكر نبيه - صلى الله عليه
وسلم -، كالأذان. ويتعين لفظ الصلاة. قال في المبدع: أو يشهد أنه عبدُ الله
ورسولُه.
(و) الثالث: (قراءة آيةٍ) كاملةٍ (من كتاب الله) تعالى. قال أحمد: يقرأُ ما
شاء. قال أبو المعالي: لو قرأ آية لا تستقلُّ بمعنًى أو حكم، كقوله تعالى:
{ثُمَّ نَظَرَ} و {مُدْهَامَّتَانِ}، لم يكفِ.
(و) الرابع: (الوصية بتقوى الله) عز وجل، لأنه المقصود.
ولا يتعين لفظ الوصيةِ.
وأقلها "اتقوا الله" و"أطيعوا الله" ونحوه. قال الشيخ: لا بدّ أن يحرّك
القلوب. ويبعثَ بها إلى الخير. فلو اقتصر على "أطيعوا الله واجتنبوا
معاصيه" فالأظهر لا يكفي. قاله في المبدع.
__________
(1) (ب، ص): "كوقوعهما".
(1/198)
(و) الخامس: (موالاتُهما) أي جميعُ
الخطبتين (مع الصلاةِ) فلا يَفْصِلُ بين أجزاء الخطبتين، ولا بين إحداهما
وبين الأخرى، ولا بينَ الخطبتين وبين الصلاة.
(و) السادس: (الجهرُ) بالخطبتين (بحيث يسمعُ) الخطيبَ (العددُ المعتبرُ)
للجمعة، وهو أربعون من أهل وجوبِها، (حيثُ لا مانع) يمنعهم سماعَه من نومِ،
أو غفلةٍ، أو صممِ بعضِهم لا كلِّهم. فإن لم يسمعوا لخفضِ صوتِه، َ أو
بُعْدِهم عنه لم تصح.
وتستحب البُداءة بالحمد لله، ثم بالثناءِ، ثم بالصلاةِ على النبيّ - صلى
الله عليه وسلم -، ثم بالموعظة. فإن نَكَّسَ أجْزَأ.
ويبطلهما كلامٌ محرَّمٌ في أثنائِهما، ولو كان يسيراً.
وهي بغير العربية كقراءةٍ (1).
[سنن الخطبتين]
(وسننهما) أي سننُ الخطبتين (الطهارةُ) من الحدَثِ، فتجزئ خطبةُ الجُنُبِ،
نصًّا، لأنّ تحريم لُبْثِه بالمسجد لا تعلُّق له بواجب العبادة؛ (وسترُ
العورة، وإزالةُ النجاسةِ، والدعاءُ للمسلمين، وأن يتولاَّهما مع الصلاة
واحدٌ،) فلو خطبَ الثانيةَ غيرُ الذي خطبَ الأُولى أجزأتا، كالأذان،
والإِقامة.
(و) مما يسنُّ للخطيبِ (رفعُ الصوتِ بهما) أي الخطبتين (حسبَ الطاقةِ) أي
طاقتِهِ، لأنه أبلغ في الإِعلام.
(و) يسن (أن يخطب قائماً،) وأن يكونَ (على مرتَفِعٍ) منبرٍ، أو
__________
(1) أي الخطبة بغير العربية، مع القدرة عليها بالعربية، حكمها حكم القراءة
في الصلاة بغير العربية، فلا تجوز (ش المنتهى 1/ 298) فلا بد أن يخطب القدر
الواجب من الخطبتين بالعربية.
(1/199)
غيرِه. وأن يكون عن يمينِ مستقبلِ القبلةِ
بالمحرابِ.
ويسن أن يكونَ (معتمداً على سيفٍ) أو قوسٍ (أو عصاً) لأنه أمكنُ له،
وإشارةٌ إلى أن الدينَ فُتِحَ به (1). قالَ في الفروع: ويتوجَّهُ باليسرى
(2)، والأخرى بحرف المنبر.
(و) يسنُّ (أن يجلسَ بينهما) أي بين الخطبتين شيئاً (قليلاً). قال في
التلخيص: بقدر سورة الإِخلاص، وجلوسُه حتى يؤذَّن، (فإن أبى) أن يجلسَ
فَصَل بينهما بسكتةٍ قدرِ جلوسه (أو خطبَ جالساً فَصَل بينهما بسكتةٍ) لأنه
ليس في الجلسةِ ذكرٌ مشروع.
(وسُنَّ) للخطيب (قِصَرُهما) أي الخطبتين (و) كونُ (الثانية أقصَر) لأن
قِصَر الخطبة أقربُ إلى قبولِها وعدم السآمة لها.
(ولا بأس أن يخطب من صحيفة.)
ودعاؤه عقب صعوده لا أصل له.
فصل [إنصات المأمومين للخطبة]
يحرم الكلامُ والإِمام يخطب، (وهو) أي المتكلم قريب (3) (منه) أي من
الإِمام (بحيث يسمعه) أي يسمع الإِمام، ولو في حالِ تنفُّسِهِ، بخلافِ
البعيد الذي لا يسمعه، لأن وجوب الإِنصات للاستماع، وهذا
__________
(1) في هذا نظر فإن الدين فتح بالوحي لا بالسيف، والسيف لمحق أهل الفساد.
ولابن القيم في هذا الموضع كلام حسن جهل به من قال بهذا فليُرجَعْ إليه في
كتابه "الهدي النبوي".
(2) أي المتجه أن يمسك السيف أو نحوه باليُسرى، والأخرى وهي اليمنى يضعها
على حرف المنبر.
(3) "قريب" ساقطة من (ف).
(1/200)
ليسَ بمستمِعٍ. وتباح الصلاة على النبى -
صلى الله عليه وسلم - سرًّا، كالدعاء (1).
ولا يسلِّم من دَخَل.
ويجوزُ تأمينُه على الدعاء، وحمدُه خِفيةً إذا عَطَسَ، نصًّا، وتَشْمِيتُ
عاطسٍ، وردُّ سلامٍ نطقاً.
ويجوز لمن بَعُدَ عن الخطيبِ، ولم يسمعه، الاشتغالُ بالقرآنِ والذِّكر
والصلاةِ والسلامِ على النبي - صلى الله عليه وسلم - خِفْيَةً. وفعلُه
أفضَلُ نصًّا.
(ويباح) الكلام (إذا سكتَ) الخطيبُ (بينَهما) أي بين الخطبتين.
(أو) إذا (شرع في دعاءٍ) لأنه حينئذ يكون قد فرِغَ من أركانِ الخطبة (2).
والإِنصاتُ للدعاءِ غير واجب.
[تعدد صلاة الجمعة في البلد]
(وتحرم إقامة) صلاة (الجمعةِ وإقامةُ) صلاةِ (العيدِ في أكثرَ من موضعٍ)
واحد (من البلدِ إلا لحاجةٍ كضيقٍ) قال في شرح المنتهى: أي ضيقِ مسجدِ
البلدِ عن أهله. اهـ. قال في حاشيته: قلت: الإِطلاق في الأهل شاملٌ لكل من
تصحّ منه وإن لم يصلِّ، وإنْ لم تجبْ عليه، وحينئذ فالتعدد في مصرٍ للحاجة
(وبعدٍ) أي بعد المسجدِ عن بعضِ أهلِ البلدِ بأن يكون البلد واسعاً،
وتتباعَدَ أقطارُه، فيشقُّ على من منزله بعيدٌ عن محل الجمعة مجيئه إلى
محلها، (وخوفِ فتنةٍ) فأن يكون بين بعضٍ وبعضٍ من أهل البلد عداوة، ويخشى
إثارةُ الفتنة بصلاة الجمعةِ في مسجدٍ واحدٍ.
وعُلم مما تقدم أنها لو كانت تُقام في موضعين، أو ثلاثةٍ أو أكثر
__________
(1) "كالدعاء" أيضاً ساقطة من (ف).
(2) في هذا التعليل نظر، فإن النهي عن الكلام والإِمام يخطب مطلق، فينطبق
على الأركان وغيرها.
(1/201)
من ذلك، وعَت الحاجة إلى إقامتها فيما يزيد
على ذلك، كان لهم ذلك.
(فإن تعددت لغير ذلك) فالصحيحةُ ما باشرها الإِمامُ، أو أَذِنَ فيها لهم،
فإن لم يكن باشَرَ شيئاً منهن، أو استوتا في الإِذن أو عدمه (فالسابقة
بالإِحرام هي الصحيحة) منهنّ، حتى ولو كانت إحداهنّ بالمسجد الأعظم،
والأخرى في مكانٍ لا يقدرون عليه، لاختصاص السلطانِ وجندِه بهِ.
[المسبوق]
(ومن أحْرَمَ بـ) صلاةِ (الجمعة في وقتِها، وأدرك مع الإِمام) منها (ركعةً,
أتمّ) صلاته على كونها (جمعة).
(وإن أدرك) المأمومُ مع إمامِهِ (أقلّ من ركعةٍ نَوَى ظهراً) عند إحرامه إن
كان دخل وقتُ الظهرِ، وإلا بأن لم يكن دخل وقت الظهر عند إحرامه، أو نوى
الجمعة وقد فاته ركوع الركعة الثانية مع الإِمام، فإنه يتم صلاته نفلاً.
وعنه يكون مدركاً للجمعة بإحرامِهِ بها في وقتها، ولو لم يدرك مع الإِمام
ركعة.
[الرواتب يوم الجمعة]
(وأقل السنّة الراتبة) للجمعة (بعدها ركعتان) نص عليه.
(وأكثرها) أي وأكثر السنّةُ الرِاتبة بعد الجمعة (سِتٌّ) أي سِتُّ ركعاتٍ
(1). وليس لها قبلها سنة راتبة، بل يستحبُّ أربع ركعات.
__________
(1) قالوا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "إذا صلى أحدكم الجمعة
فليُصلِّ بعدها أربعاً" رواه الجماعة إلا البخاري، وصلى هو بعد الجمعة
ركعتين في بيته. متفق عليه. قالوا: فركعتان من فعله، وأربع من قوله، تكون
ستًّا (منار السبيل).
(1/202)
(وسن قراءةُ سورةِ الكهفِ في يومها) أي
الجمعة. قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قرأ سورة الكهفِ في يومِ الجمعةِ
أو ليلتها وُقي فتنة الدجال" (1) وفي رواية "من قرأ سورةَ الكهفِ في يوم
الجمعةِ أضاءَ له من النور ما بين الجمعتين" (2).
(و) يسن (أن يقرأ في فجرِها) في الركعةِ الأولى بعد الفاتِحَةِ (آلم
السّجْدة، وفي) الركعة (الثانية: هَلْ أَتَى) عَلَى الإِنْسَانِ حينٌ مِنَ
الدّهْر، بعد الفاتحة. قال الشيخ: لتضمنهما (3) ابتداءَ خلق السموات
والأرض، وخَلْقِ الإِنسانِ، إلى أن يدخل الجنةَ أو النار.
(وتكره مداومتُه عليهما) أي على هاتين السورتين في فجر يوم الجمعة، قال
جماعة: لئلا يُظَنُّ الوجوب.
قال الشيخ: ويكره تحرّيهِ قراءة سجدةٍ غيرِها.
والسنة إكمالها.
وتكره القراءةُ في عشاءِ ليلةِ الجمعةِ بسورة الجمعةِ. زاد في الرعاية:
والمنافقين.
__________
(1) حديث، من قرأ سورة الكهف .. وُقي فتنة الدجال" لم نجده بهذا اللفظ. وفي
الإرواء تصحيح إسناد حديث "من قرأ عشر آيات من آخرها -يعني آخر سورة الكهف-
ثم خرج الدجال لم يسلط عليه".
(2) وحديث "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ... " رواه
البيهقي بإسناد حسن من رواية أبي سعيد الخدري مرفوعاً.
(3) (ف): "لتضمنها".
(1/203)
باب صَلَاة العيدَيْن وَصفتهَا
وسُمِّي عِيداً لأنه يعودُ ويتكرّر.
(وهي) أي صلاة العيدين (فرضُ كفاية)، إذا اتّفق أهل بلدٍ على تركِها
قاتَلَهُم الإِمام، لأنها من شعائِرِ الإِسلام الظاهرة.
(وشروطها) أي صلاة العيدين (كـ) شروط (الجمعة،) من استيطانٍ، وعَدَدٍ، (ما
عدا الخطبتين) فإنهما في العيد سنّة.
(وتسن بالصحراء) (1) إذا كانت قريبةً عرفاً. وكُرِهَ أن تصلَّى بالجامِعِ
داخلَ البَلَدِ بغيرِ مكّةَ، إلا لعذرٍ، كمرضٍ ونحوه.
(ويكره النَّفْلُ قبلَها وبعدَها) في موضِعِها، وقضاء فائتةٍ (قبل مفارقَةِ
المصلَّى) إماماً كان أو مأموماً، في صحراءَ فُعِلَتْ أو في مسجد. ولا بأسَ
بالتنفّل إذا خَرَجَ أو فارقَهُ ثم عاد إليه. وقضاء الفائتة أَوْلى،
لوجوبها.
(ووقتها) أي وقت صلاة العيد (كـ) وقت (صلاة الضّحى)، وهو من خروجِ وقتِ
النهي إلى قُبَيْلِ الزوال.
(فإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوالِ صلَّوا) العيد (من الغد)،
__________
(1) (ب، ص): "وتسن بالصحراء صلاة" فحذفنا تبعاً لـ (ف) ولمنار السبيل.
(1/204)
وتكون (قضاءً)، وكذا لو مضى أيامٌ.
(وسُنَّ تبكير المأموم) إلى صلاة العيد، ليحصل له الدنوّ من الإِمام،
وانتظارُ الصلاة، فيكثرُ ثوابه، بعد صلاة الصبح (1).
(و) سنّ (تأخيرُ الإِمام إلى) دخول (وقتِ الصلاةِ) لأن الإِمام ينتظره
الناسُ، ولا ينتظر هو أحداً.
(و) سن لمن صلى العيد (إذا ذهب في طريق يرجع من أخرى) غيرِ طريق غدوّه،
ليشهد له الطريقان، أو لمساواتِهِ لهما في التبرك بمروره، أو سرورِهما
برؤيته، أو لزيادةِ الأجرِ بالسلام على أهل الطريق الأخرى، أو لتحصل
الصدقَة على الفقراء من أهل الطريقين.
(وكذا الجمعة) قال في شرح المنتهى: فينبغي طرده في غير العيدين.
(وصلاة العيدين ركعتان: يكبّر في) الركعة (الأولى بعد تكبير الإِحرام) وبعد
الاستفتاح (وقبل التعوّذ، ستًّا) أي ستَّ تكبيرات زوائد، (وفي) الركعة
(الثانية) بعد القيامِ من سجوده (قبلَ القراءةِ خمساً) أي خمسَ تكبيراتٍ
زوائد، (يرفَعُ) المصلي (يديه مع كل تكبيرة، ويقول بينهما) أي بين كل
تكبيرتين: ("الله أكبرُ كبيراً. والحمدُ لله كثيراً، وسُبْحَانَ الله)
وبحمدِهِ (بكرةً وأصيلا. وصلَّى اللهُ على محمدٍ النبيِّ الأمّيّ وعلى آله
وسلم تسليماً كثيراً").
وإن أحب قال غير ذلك من الأذكار، لأنّ الغَرَضَ الذكرُ بعد التَّكَبير، لا
ذكرٌ مخصوص.
(ثم يستعيذ) عقب السادِسَةِ بلا ذكرٍ بعد التكبيرة الأخيرة في الركعتين،
لأن الذِّكْرَ إنما هو بين التكبيرتين.
__________
(1) "بعد صلاة الصبح" متعلقٌ بقوله: تبكير.
(1/205)
(ثم يقرأ جهراً الفاتحةَ، ثم سبحِ) اسمَ
ربكَ الأعلى (في) الركعة (الأُولى، و) سورة (الغاشيةِ) بعد الفاتحة (في)
الركعة (الثانية).
[خطبتا العيد]
(فإذا سلم) الإِمام من الصلاة (خطبَ خطبتين).
(وأحكامهما) أي أحكام هاتين الخطبتين (كخطبتي الجمعة) في جميعِ ما تقدم في
خطبتي الجمعة، حتى في تحريم الكلامِ حالَ الخطبة. (لكن يسنُّ) للخطيب (أن
يستفتح) الخطبةَ (الأُولى بتسعِ تكبيراتٍ) نَسَقاً، (و) الخطبةَ (الثانيةَ
بِسَبْعٍ) نَسَقاً، قائماً كسائِرِ أذكار الخطبة.
(وإن صلى العيدَ كالنافلة صحّ، لأن التكبيراتِ الزوائدَ والذكر بينهما)
والخطبتين سنّة، لأنّه ذكر مشروعٌ بين التحريمِ والقراءةِ، أشبهَ دعاءَ
الاستفتاح. فعلى هذا لو نَسِيَهُ. فلا سجودَ للسهوِ في الأصحّ، (و) لأن
(الخطبتين سُنَّةٌ) ولو وجَبَتَا لوجبَ حضورُهما.
[قضاء صلاة العيد]
(وسُنَّ لمن فاتَتْهُ) صلاةُ العيدِ مع الإِمام (قضاؤُها) في يومها على
صفتِها (ولو بعدَ الزوال) كمُدْرِكِ الإِمام في التشهد.
فصل [في التكبير في أيام العيدين]
(يسن التكبير المطلق) وهو الذي لم يُقَيَد بكونه عَقِبَ المكتوبات،
(والجهرُ به) [لـ] غير أنثى (في ليلتي العيدين) في البيوتِ والأسواقِ
والمساجدِ وغير ذلك.
(1/206)
وتكبيرٌ في عيد فطر آكَدُ. للآية (1) (إلى
فراغِ الخطبةِ).
(و) سن التكبير المطلقُ أيضاً (في كلِّ عشر (2) ذي الحجة). (والتكبيرُ
المقيَّد في الأضحى عقبَ كلِّ فريضةٍ صلاها في جماعةٍ) حتّى الفائِتَةِ في
عامِ ذلكَ العيدِ، إذا صلاّها جماعةً (من صلاة فجرِ عرفَةَ إلى عصرِ آخِرِ
أيامِ التشريق) ويستثنى من ذلك صورةٌ أشار إليها بقوله (إلا المُحْرِمَ فـ)
إنه (يكبِّر) بعد المكتوباتِ (من صلاةِ ظُهرِ يَوْمِ النَّحْر) إلى آخر
أيامِ التشريق، لأن التلبية تُقْطَعُ برمي جمرة العقبة.
وأيامُ التشريقِ هي حادي عشر ذي الحجةِ، وثاني عشره، وثالث عشره. ومسافرٌ
ومميّزٌ كمقيمٍ وبالغٍ، وخنثى كذكر (3).
(ويكبر الإِمام مستقبلَ الناسِ) يعني أن الإِمامَ إذا سلّم من المكتوبة
التفت إلى المأمومين، ثم كبَّر.
ومن نسيه بعد سلامِه قضاه إذا ذكره مكانه. فإذا قام وذَهَبَ عادَ فَجَلَسَ،
ما لم يُحْدِثْ، أو يخرجْ من المسجد، أو يَطُلِ الفصل بين سلامِهِ
وتذكُّرِه.
(وصفته) أي صفة التكبير (شفعاً: الله أكْبر اللهُ أكْبرُ، لا إله. إلا
الله. والله أكبرُ الله أكبر ولله الحمد) لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان
يقوله كذلك (4).
[التهنئة في العيدين]
(ولا بأس بقوله) أي قول المصلي (لغيره) من المصلين (تقبَّل اللهُ منَّا
ومنكَ.)
__________
(1) يعني قوله تعالى {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ
عَلَى مَا هَدَاكُمْ}.
(2) (ب، ص): في عشر. والزيادة من (ف) ومنار السبيل.
(3) فتكبّر المرأة إذا صلت في جماعة، وتخفض صوتها (ش المنتهى).
(4) رواه الدارقطني، من حديث جابر (المنار).
(1/207)
[الأيام العشر]
ويستحبُّ الاجتهاد في عملِ الخيرِ أيامَ عشر ذي الحجة، من الذكر والصيامِ
والصدقةِ وسائرِ أعمالِ البرّ، لأنها أفضلُ الأيام، لحديث "ما من أيامٍ
العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله تعالى من عشرِ ذي الحجة." (1)
__________
(1) حديث "ما من أيام .. " رواه أحمد والبخاري والترمذي وابن ماجه.
(1/208)
باب صَلَاة الكُسُوف
وهو ذهاب ضوء (1) أحد النيِّريْنِ أو بعضِهِ.
(وهي) أي صلاةُ الكسوف، (سنَّة) مؤكدة حتى سفراً.
والكسوفُ والخسوفُ بمعنى واحدٍ. وقيل: الكسوفُ للشمسِ والخسوفُ للقمر.
وقيل: الكسوف تغيّرهما والخسوف تغيُّبُهمَا.
(من غير خطبة.) قال في الفروع: ولا تُشْرَعُ خطبةٌ وفاقاً لأبي حنيفة
ومالك.
(ووقتُها) أي وقت صلاة الكسوفِ (من ابتداءِ الكسوفِ إلى ذهابِهِ) أي
الكسوف.
(ولا تقضى) صلاةُ الكسوف (إن فاتت) لأن القصد عَوْدُ نورِ المكسوف، وقد عاد
كاملاً، ولأنها سنةٌ غير راتبة، ولا تابعةٌ لفرض فلم تقض كاستسقاءٍ، وتحيةِ
مسجدِ، وسجود شكر، لفوات محله.
وفعلها جماعةً بمسجدٍ أفضلُ.
وللصبيان حضورُهَا.
(وهي) أي صلاة الكسوف (ركعتان: يقرأ في الركعة الأولى) منها
__________
(1) كلمة "ضوء" سقطت من (ب، ص).
(1/209)
(جهراً الفاتحةَ وسورةً طويلةً،) من غيرِ
تعيين، (ثم يركع) ركوعاً (طويلاً،) فيسبّح، قال جماعةٌ: نحوَ مائةِ آيةٍ،
(ثم يرفع فيسمِّع)، أي يقول: "سمع الله لمن حمده" (ويحمِّد) أي يقول:
"ربّنا ولك الحمد" (ولا يسجد، بل يقرأ الفاتحةَ) أيضاً، (وسورةً طويلة) دون
الطول الأوّل في القيام، (ثم يركعُ) فيطيلُ، وهو دونَ الركوعِ الأول، (ثم
يرفع) فيسمِّع ويحمِّد (ثم يسجد سجدتين طويلتين).
(ثم يصلّي) الركعةَ (الثانيةَ كـ) الركعةِ (الأولى) في كونها بركوعين
طويلين، وسجدتينِ طويلتين، لكن دون الأولى في كلِّ ما يفعل. (ثم يتشهَّد
ويسلّم.)
ولا تعادُ إن فرغَتْ قبل التجلّي، بل يذكر ويدعو. وإن تجلَّى فيها أتمَّها
خفيفة.
(وإن أتى) في صلاة الكسوف (في كل ركعةٍ بثلاثة ركوعات أو أربعة أو خمسة (1)
فلا بأس) أي لا حرج في ذلك لا يزيد على خمسة ركوعاتٍ في كلِّ ركعةٍ، ولا
على سجدتين فيها، لأنه لم يرد به نص والقياس لا يقتضيه (2).
(وما بعد) الركوع (الأول) من كل ركعةٍ (سنّةٌ) كتكبيرات العيد (لا تُدرَكُ
به الركعة) ولا تبطل الصلاة بتركِهِ.
(ويصح أن يصليها كالنافلة)، ويحمل النصُّ بالركوع الزائد على الفضيلة.
[صلاة الآيات]
ولا يصلَّى لآيةٍ غيرِ الكسوف. كظلمةٍ نهاراً وضياءٍ ليلاً، وريحٍ شديدة،
وصواعقَ، إلاَّ لزلزلةٍ دائمةٍ.
__________
(1) في الأصول "بثلاث ركوعات، أو أربعٍ أو خمس".
(2) (ب، ص): "لا يقتضيه الشرع" فحذفنا تبعا لـ (ف) وهو الصواب.
(1/210)
باب صَلَاة الاستسقاء
وهو الدعاءُ بطلبِ السُّقْيَا على صفةٍ مخصوصة.
(وهي) أي صلاة الاستسقاء (سنَّةٌ) مؤكدةٌ حتى سفراً إذا أضرَّ الناسَ
إجدابُ أرضٍ، أو قحطُ مطرٍ، أو غورُ ماءِ عيونٍ أو أنهارٍ.
(ووقتُها) أي وقت صلاة الاستسقاءِ (وصفتُها) في موضِعها (وأحكامِها كصلاةِ
العيدِ.) فعُلِمَ منه أنها تُفعل في وقتِ صلاةِ العيد.
(وإذا أراد الإِمامُ الخروجَ لها) أي لصلاةِ الاستسقاءِ (وَعَظَ الناسَ) أي
ذكرهم بما يلين قلوبَهُمْ من الثَّوابِ والعِقابِ، وخوَّفهم بالعواقِب،
(وأمرَهُمْ بالتوبةِ) من المعاصي، أي الرجوع عنها (والخروجِ من المظالمِ)
بأن يردَّ من عندَه مظلمةٌ لمستحقِّها، وذلك واجبٌ في كل وقتٍ، ولأنّ
المعاصي سَببٌ القحطِ، والتقوى سببُ البركاتِ. وأَمرَهُمْ بتركِ
التَّشاحُنِ، والصدقةِ، والصوم. ولا يلزَمان بأمرِهِ. ويَعِدُهم يوماً
يخرجون فيه.
(ويتنَظَّفُ لها) أي لصلاةِ الاستسقاء بإزالةِ الرائحةِ الكريهةِ، وتقليمِ
الأظفار، لئلا يؤذي الناسَ يوم يجتمعون. (ولا يتطيبُ) لأنه يوم استكانةٍ
وخضوع.
(ويخرج) الإِمام كغيرِهِ (متواضعاً متخشّعاً) أيْ خاضِعاً (متذلِّلاً)
(1/211)
والذلّ: الهوانُ (متضرّعاً) أي مستكيناً
(1) (ومعه أهلُ الدينِ والصَّلاحِ، والشيوخُ،) لأنه أسرع لإِجابةِ
دعائِهِمْ.
وسُنَّ خروجُ صبي مميّزٍ (ويباحُ خروج (2) الأطفالِ) الذين لم يميّزوا
(والعجائِزِ والبهائِمِ) لأنَّ الرِّزْقَ مشتَرَكٌ بينَ الكُلِّ.
(و) يباحُ (التوسُّل بالصالحينَ) (3) وقد استسقى عمرُ بالعباسِ، ومعاويةُ
بيزيدَ بنِ الأسود. قال في المبدعِ: يستحبُّ الاستسقاءُ بمنْ ظَهَرَ صلاحُه
لأنه أقرب إلى الإِجابة.
(فيصلي) ركعتين، يأتي فيهما بالتكبيرات الزوائِدِ كصلاة (4) العيد.
(ثم يخطبُ خطبةً واحدةً) على الأصحّ، (يفتَتِحُهَا بالتكبير، كخطبةِ
العيدِ) وعنه يفتتحُها بالحَمْدِ. (ويكثِر فيها الاستغفارَ) لأنَّه سبَبٌ
لنزولِ الغيث (و) يكثر فيها أيضاً (قراءةَ آياتِ فيها الأمْرُ به) أي
بالاستغفار، كقوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا
إِلَيْهِ}.
(ويرفعُ يديهِ) في الدعاءِ (وظهورُهما نحوَ السَّماءِ) لحديثٍ رواه مسلم
(فيدعُو بدعاءِ النبي - صلى الله عليه وسلم -) وهو "اللهُم اسْقِنَا غيثاً
مُغيثاً هنيئاً مريئاً غَدَقاً مجلِّلاً سحًّا عامًّا طبقاً دائماً.
اللَّهُم اسقِنا الغَيْثَ ولا تجعلْنا من القانِطِين. اللهم سُقْيَا رحمةٍ
لا سُقْيَا عذابِ ولا بلاءٍ ولا هدْمِ ولا غرقٍ. اللهُمَّ إنَّ بِالعِبَادِ
والبلادِ من اللأواءِ والجُهْدِ والضَّنْكِ ما لاَ نشكوه إلا إليك.
اللهُمَّ أَنبِتْ لنا الزرعَ، وأَدِرَّ لنا الضَّرْعَ، وأَسْقِنَا من
بركاتِ السماءِ، وأَنْزِلْ علينا من بركاتِك. اللهُمَّ ارفعْ عنا الجَهْدَ
والجُوعَ والعُرْيَ، واكشِفْ عنا من البَلَاءِ ما لا يكشِفُة أحدٌ
غَيْرُكَ. اللَّهُمَّ إنّا
__________
(1) في الأصول "مستكنًّا" والتصويب من شرح المنتهى.
(2) لو قال "اخراجُ" بدل "خروج" لكان هو الأصوب، لعدم التكليف.
(3) أي بدعاء الأحياء منهم كما يظهر في الأمثلة التي ذكرها.
(4) في (ب، ص): لصلاة العيد والتصويب من (ف).
(1/212)
نستغفرك إنَّكَ كنتَ غفّاراً، فأرسْلِ
السماءَ علينا مدراراً" ويكثر من الدعاء.
(ويؤمِّن المأمومُ) على دعاءِ الإِمام.
ولا يكره قوله: "اللهُمَّ أَمطِرْنَا" (1) ذكره أبو المعالي.
[قلب الرداء]
(ثم يستقبل الإِمامُ القِبْلَةَ) استحباباً (في أثناءِ الخطبة) قال النووي:
فيه استحبابُ استقبالِها للدعاء. وُيلْحَقُ به الوضوء، والغُسلُ،
والتيمُّمُ، والقرآنُ، وسائرُ الطاعات إلا ما خرج بدليلٍ، كالخطبة (2)
(فيقول سراً: "اللهُمَّ إنَّكَ أمرْتَنَا بدعائِك، ووعدتنا إجابَتَكَ. وقد
دعونَاكَ كما أَمرْتَنَا فاستجبْ لنا كما وعدتنا") لأن في ذلك استنجازاً
لما وَعَدَ من فضلِه، حيث قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي
قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}.
وإن دعا بغيرِ ذلك فلا بأس.
(ثم يحوِّل) الإمام (رداءَهُ فيجعلُ الأيمنَ على الأيْسَرِ والأيْسَرَ على
الأيْمن).
(وكذا الناس) يُسَنُّ لهم أن يحوْلُوا أرْدِيَتَهمْ كالإِمام.
(ويتركونَهُ حتى ينزعوهُ مع ثيابهمْ) لأنه لم ينقَلْ عن النبيّ - صلى الله
عليه وسلم -، ولا عن أحدٍ من أصحابهِ أنه غَيّر رداءَه.
[تكرار صلاة الاستسقاء]
(فإن سُقُوا) في أول مرة فذلك فضلٌ من الله ونعمة، (وإلا) أي
__________
(1) أي وإن ورد عن أبي عبيدة أن (أمطر) تقال في العذاب.
(2) بل ينبغي أن يقال: لا يشرع تحرّي استقبال القبلة إلا حيث ثبت بالدليل،
كما في الصلاة، والدعاء، ودفن الميت.
(1/213)
وإنْ لم يُسْقُوا في أوّلِ مرة (عادوا
ثانياً و) كذا يعودون (ثالثاً) إن لم يُسْقُوا ثانياً، لأن ذلك أبلغُ في
التضرُّع.
وإن سُقُوا قبل خروجِهم فإن كانوا تأهَّبُوا للخروجِ خَرجُوا وصلَّوْا
صلاةَ الاستسقاءِ شكراً، وإنْ لم يكونوا تأهّبوا للخروج لم يخرجُوا، وشكروا
الله تعالى، وسألوه المزيد من فضله.
[ما يسن لنزول المطر]
(ويسنُّ الوقوف في أوّل المَطَرِ، والوضوءُ) منه (والاغتسالُ منه، واخراجُ
رحله) وهو ما يَسْتَصْحِبُ من الأثاث (وثيابِهِ، ليصيبها) الماء، لما
رُوِيَ أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا سال الوادي: "اخرُجوا بنا
إلى هذا الذي جعلَهُ الله لنا طهوراً فنتطهَّرَ به" (1)
(وإن كثُر المطر حتى خيفَ منه سُنَّ قول: "اللهُمَّ حوالَيْنَا ولا
عَلَيْنَا اللهُم على الآكامِ) بفتح الهمزة (2) وهي ما علا من الأرض ولم
يبلغ أن يكون جبلاً، وكان أكثرَ ارتفاعاً مما حوله. وقال مالك: الآكامُ
الجبال الصغار. وقال الخليل: وهي حجرٌ واحد (3) (والظّرابِ) هي الرابية
الصغيرة (وبطونِ الأودية) الأماكنُ المنخفضة (ومنابِتِ الشجر) أصولُها لأنه
أنفعُ لها (ربنَا ولا تحمِّلْنا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) أي لا تكلفنا
من الأعمال ما لا نطيق. وقيل: هو حديثُ النَّفْسِ والوسوسة. وقيل:
العِشْقُ. وقيل: شماتة الأعداء. وقيل: هي الفِرقةُ والقطيعة، نعوذ باللهِ
من جميع ذلك
__________
(1) حديث "كان يقول إذا سأل الوادي: أخرجوا بنا .. الخ" رواه أحمد ومسلم
وأبو داود والبيهقي (إرواء 3/ 144)
(2) الأولى أن يقول: بمدّ الهمزة. لأن جمع الأكَمَةِ إكامُ وآكام.
(3) المشهور عند أهل اللغة أن الأكمة حجارة مجتمعة، أو مرتفع غليظ لا يبلغ
أن يكون حجراً. وانظر (اللسان).
(1/214)
(الآية {وَاعْفُ عَنَّا} أي تجاوز وامحُ
عنا ذنوبنا {وَاغْفِرْ لَنَا} أي استُرْ علينا ذنوبَنَا ولا تفضحنا
{وَارْحَمْنَا} فإننا لا ننال العمل إلا بطاعتك، ولا نتركُ معاصيَك إلا
برحتمك إيانا {أَنْتَ مَوْلَانَا} وسيدنا ومتولي أمورنا {فَانْصُرْنَا
عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} بإقامةِ الحجةِ والغلبةِ في قتالِهِمْ فإن
من شأن المولى أن ينصر مواليه على الأعداء.
(وسن) لمن أغيثَ بالمطر (قول: "مُطِرْنَا بفضل الله وَرَحْمَتِهِ" ويحرم)
أن يقول: "مطرنا (بنوءِ) أي كوكب (كذا") لما روى مسلمٌ عن أبي هريرة رضي
الله تعالى عنه مرفوعاً "ألم تَرَوْا إلى ما قال ربُّكم؟ قال: ما أنْعَمْتُ
على عبدي من نعمةٍ إلا أصبحَ فريقٌ بها كافرين، يقولون: الكواكَبُ كَذَا
وكذا" والنَّوْءُ النجم مال للغروب. قاله في القاموس (1).
(ويباح) أن يقول: مُطِرْنَا (في نوء كذا) خلافاً للآمدي.
ومن رأى سحاباً، وهبَّتْ ريحٌ، فليسأل الله تعالى خيرَهُ، ويتعوذْ به من
شره.
ولا يسبُّ الريحَ إذا عصفتْ، بل يسألُ الله تعالى خيرَها وخير ما
أُرْسِلَتْ به، ويتعوذ به من شرها وشر ما أرسلت به.
فائدة: روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن أبي زكريا، قال: "من قال: سبحان
الله وبحمده، عند البرق، لم تصبه صاعقة".
__________
(1) وتمام قوله: أو هو سقوط النجم في المغرب مع الفجر وطلوع آخر يقابله من
ساعته في المشرق اهـ. وهذا أوضح في تفسيره.
(1/215)
|