نَيْلُ المَآرِب بشَرح دَلِيلُ الطَّالِب

باب الزَّكَاة
[الزكاة] أحد أركانِ الإسلامِ ومبانيهِ المذكورة في قوله - صلى الله عليه وسلم -:"بُني الإسلامُ على خمسٍ" فذكَرَ منها "وإيتاءُ الزكاة." (1)
وهي حقٌّ واجبٌ في مالٍ خاص لطائفةٍ مخصوصةٍ بوقتٍ مخصوصٍ.
(شرطُ وجوبها) أي الزكاة (خمسةُ أشياءَ):
أحدها: الإِسلام، فلا تجبُ على الكافِر، ولو كان) الكافر (مُرْتدًّا) سواءٌ حكَمْنَا ببقاءِ المِلكِ مع الرَّدّة أو زوالِهِ.
الثاني: من شروط وجوب الزكاة (الحريّة، فلا تجب) الزكاة (على الرقيق) ولو قلنا: إنه يملك بالتمليك، (ولو) كان (مكاتباً) لأن مِلكَهُ ضعيفٌ لا يحتمِل المواسَاةَ، ولأنّ تعلُّق حاجة المكاتَب إلى فكِّ رقبته من الرَّقِّ بمالِهِ أشدُّ من تعلُّق حاجةِ الحُرّ المفلِسِ بمسكنِهِ وثياب بَذْلَتِهِ، فكان بإسقاط الزكاة منه أولى وأحرى (لكن تجب) الزكاة (على المبعَّض بقدرِ مِلْكِهِ) من مالٍ زكويّ، لأن ملكه عليه تامٌّ، أشبهَ الحرّ.
(الثالث) من شروط وجوب الزكاة: (مِلكُ النَّصابٍ) لمسلم حرٍّ. ولا فرق بين بهيمةِ الأنعامِ وغيرها. ولا يشترط كون النصاب تحديداً مطلقاً بل يكون (تقريباً في الأثمانِ) وهي الذهبُ والفِضّةُ وقِيَمُ عُروضِ
__________
(1) حديثاً بني الإسلام على خمس ... " متفق عليه.

(1/238)


التِّجارة. فتجبُ مع نقصٍ يسيرٍ في النصابِ كالحبّةِ والحبتين، لأن هذا لا ينضَبِطُ غالباً، وكنقصِ الحولِ ساعةً أو ساعتين (و) يشترط كون النصاب (تحديداً في غيرِها) أي غير الأثمان وعروضِ التجارةِ، فلو نقص نصابُ الحبِّ والتمر يسيراً لم تجبْ.
وشُرِطَ كونَ النصابِ لغيرِ محجورٍ عليه لِفَلَسٍ.
(الرابع) من شروط وجوبِ الزكاة: (الملكُ التامُّ) ولو في غلة موقوفٍ على معيَّنٍ من سائمةٍ سواء كانت من غنمٍ أو غيرِها.
(فلا زكاة على السيِّد في دينِ الكتابةِ) لنقصِ مِلكِهِ فيه. ودليل نقصِهِ أنَّه لا يستقرُّ في الذمّةِ بحالٍ لِعدَمِ صِحَّةِ الحَوَالَةِ عليه، وعدم صحة ضمانِهِ.
(ولا) زكاةَ أيضاً (في حصَّةِ المضارب قبل القسمةِ) أي قسمةِ المالِ ولو مُلِكَتْ بالظهور، لنقصانِ مِلْكِهِ بعدم استقرارِه، لأنَّهُ وقايةٌ لرأسِ المال، بدليل أنه لو خسرَ المالُ بقدر ما ربح لم يكن للمضاربِ شيءٌ.
ويزكِّي رب المال حصَّتَهُ من الربح، كالأصلِ، تبعاً له.
(الخامس) من شروط وجوبِ الزكاة: (تمامُ الحول) لأثمانٍ وماشيةٍ وعروضِ تجارةٍ (ولا يضرُّ لو نَقَصَ نصفَ يومٍ) لكن يُسْتَقْبَلُ لصداقٍ وأجرةٍ وعوضِ خُلْعٍ معيَّنينِ، ولو قبلَ قبضٍ، حولٌ مِن عقدٍ.
(وتجب) الزكاة (في مال الصغيرِ والمجنونِ.)
ولا تجبُ في المال الذي وُقِفَ للجنينِ في إرثٍ أو وصيةٍ وانفصلَ حيًّا، لأنه لا مالَ له ما دام حملاً. واختار ابن حمدانَ الوجوبَ.
(وهي) أي الزكاة واجبةٌ (في خمسة أشياء):
الأول: (في سائمة بهيمةِ الأنعام) وهي الإِبلُ والبقرُ والغنمُ. سميت بذلك لأنها لا تتكلم.

(1/239)


الثاني: ما أشار إليه بقوله: (وفي الخارجِ من الأرض).
الثالث: ما أشار إليه بقوله: (وفي العسل.)
الرابع: ما أشار إليه بقوله: (وفي الأثمان) التي هي الذَّهبُ والفضة.
الخامس: ما أشار إليه بقوله: (وفي عروض التجارة) وتأتي.
(ويمنع وجوبها) أي الزكاة (دينٌ ينقص النصاب) سواءٌ, كان النصابُ من الأموال الباطنة، كالأثمانِ، وقيمِ عُروضِ التجارةِ، أو من الأموالِ الظاهرةِ كالمواشي والحبوب والثمار، ولو كان الدين كفارةً ونحوَها، أو زكاةَ غنمٍ عن إبلٍ أو غير ذلك من ديون الله تعالى.
(ومن مات وعليه زكاةٌ أُخذَتْ من تركته) ولو لم يوصِ بها، كالعشر، لأنها حقٌّ واجب تصح الوصية به، فلم يسقط بالموت، كدين الآدمي.

(1/240)


باب زَكاة السَّائمَة
وخُصَّتْ السائمةُ بالذّكْرِ للاحتراز عن المعلوفَةِ، فإنها لا زكاةَ فيها عند أكثرِ أهل العلم (تجب فيها) أي السائمة (بثلاثةِ شروط:
أحدُها: أن تُتَّخَذَ للدرّ والنَّسْل والتسمين، لا للعمل) فلا زكاة في سائمةٍ للانتفاع بظهرِها، كلالإبل التي تُكرى وتُؤْجَر.
(الثاني: أن تَسُومَ أي ترعى المباحَ أكثَرَ الحول.)
(الثالث: أن تبلغ نصاباً) ولا شيء فيما دونه إلا إذا كان عروضاً.

[نصاب الإبل وزكاتها]
(فأقلّ نصابِ الإبل خمسٌ، وفيها شاةٌ) بصفة إبلٍ غيرِ معيبةٍ، وفي المعيبة شاة صحيحةٌ تنقص قيمتُها بقدرِ نقصِ الإبِلِ.
(ثم) إن زاد عدد الإبلِ على خمسٍ فإنه يجب (في كل خمسٍ شاةٌ إلى خمس وعشرين فتجبُ بنتُ مخاضٍ، وهي ما تمّ لها سنة) سميت بذلك لأن أُمَّها قد حملت. والماخِضُ الحامل. وليس كونُ أمِّها ماخِضاً شرطاً، وإنما ذُكِرَ للتعريف.
(وفي ستٍّ وثلاثين بنتُ لبونٍ، لها سنتان) سميتْ بذلك لأن أمَّها وضعَتْ غالباً فهي ذاتُ لبن.

(1/241)


(وفي ستٍّ وأربعين حِقَّة، لها ثلاث سنين) ودخلتْ في الرابعة، سميتْ بذلك لأنها استحَقَّتْ أن تُرْكَبَ ويُحمَل عليها، وَيطْرقَها الفَحْلُ.
(وفي إحدى وستين جَذَعَةٌ) وهي التي (لها أربعُ سنين) سميت بذلك لإسقاط سِنِّها.
(و) يجب (في ستٍّ وسبعين بنتاً لَبونٍ) إجماعاً.
(وفي إحدى وتسعين حِقتان).
(وفي مائةٍ وإحدى وعشرينَ ثلاث بناتِ لبونٍ) لظاهر خبر الصديق (1) (إلى مائةٍ وثلاثينَ، فيستقرُّ في كل أربعينَ بنتُ لبون، وفي كلِّ خمسين حِقّةٌ). (1)

فصل في نصابِ البقر وزَكاتها
و (أقلُّ نصاب البقرِ أهليةً كانَتْ أو وحشيةً) على الأصحِّ من الروايتين في وجوبهَا في الوحشية (ثلاثونَ).
(وفيها) أي في الثلاثين (تَبِيعٌ) أو تبيعَةٌ (وهو) أي التبيع (ما له) أي ما تمَّ له (سنةٌ) وكذلك التبيعة.
(و) تجب في (أربعينَ) من البقر (مُسِنَّةٌ لها سنتان).
(و) يجب (في ستين) من البقر (تبيعانِ).
__________
(1) وهو حديث طويل فيه عن أنس أن أبا بكر الصديق كتب له حين وجّهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصَّدَقَةِ التي فرضها رسول - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، التي أمر الله بها رسوله، فمنْ سئلها من المسلمين على وجهها فليُعْطِها، ومن سئل فوقها فلا يعط: في أربعٍ وعشرين .. الخ. والحديث بطوله رواه أحمد وأبو داود والنسائي والبخاري، وقطعه في مواضع (منار السبيل).

(1/242)


(ثم) فيما زاد على ذلك (في كل ثلاثينَ تبيعٌ وفي كل أربعين مُسِنَّةٌ).

[زكاة الغنم]
وأقلُّ نصابِ الغنم، أهليةً كانت أو وحشيةً، كالظباء (أربعون، وفيها شاةٌ تمَّ لها سنة، أو جذعةُ ضأنٍ) تَمَّ (لها سِتَّةُ أشهر).
(و) يجب (في مائةٍ وإحدى وعشرين شاتان، و) يجب (في مائتين وواحدةٍ ثلاثُ شياهٍ، وفي أربعمائةٍ أربع شياهٍ، ثم) فيما زاد على ذلك (في كل مائةٍ شاةٍ شاةٌ) ففي خمسمائةٍ خمسُ شياهٍ، وهكذا.

فصل في حكم الخلطة
وهي مؤثّرة في الزكاة، ولو لم يبلغ مالُ كل خليطٍ بمفرده نصاباً.
(إذا اختلطَ اثنانِ فأكثرُ من أهل الزكاةِ) فلا أثرَ لخلطةِ من ليسَ من أهل الزكاة (في نصاب) فلا أثر لخلطةِ دونِ نصابٍ (ماشيةٍ لهم) أي لأهلِ الزكاةِ اختلاطاً يستغرق (جميع الحوْلِ) سواءٌ كان خلطةَ أعيانٍ، بأن يملكا نصاباً من الماشيةِ مُشَاعاً بإرثٍ أو شراءٍ أو هبةٍ أو جُعالةٍ أو صَداقٍ أو مُخالَعَةٍ أو غيره؛ أو خلطةَ أوصافٍ، بأن يكونُ مال كل منهما متميزاً (واشتركا في المبيتِ والمَسْرحِ) وهو ما تجتَمِعُ فيه الماشيةُ لِتذهبَ إلى المرعى (والمَحْلَبِ) الموضعُ الذي تُحْلَبُ فيه، لا الإناء، (والفحلِ) بأن لا يُخَصَّ بِطَرْقِ أحدِ المالَيْنِ الذي لأحد الشركاء دون مال الآخر (والمرعى) وهو موضعُ الرعْي ووقْتُه (زُكَّيا كالواحِدِ) جوابُ إذا.
(ولا تشترط نيةُ الخِلْطَةِ) لصحّتها.
(ولا) يعتبر لصحةِ الخلطة (اتحاد المَشْرَبِ) وهو المكان الذي

(1/243)


تشرب منه، (و) لا اتحادُ (الراعي، ولا اتحادُ الفحلِ إن اختلف النوع، كالبقر والجاموس والضّأْنِ والمَعْز) للضرورة.
(وقد تفيد الخلطةُ تغليظاً، كاثنين اختلطا بأربعين شاةً، لكل واحدٍ عشرون، فيلزمهما شاة).
(و) قد تفيد الخلطةُ (تخفيفاً كثلاثةٍ اختلطوا بمائةٍ وعشرين، شاة لك واحدٍ) منهم (أربعون شاة، فيلزمهم شاةٌ) واحدة.
(ولا أثر لتفرقةِ المال) الزكوي (ما لم يكن) المال الزكويّ (سائمةً، فإن كانت) الماشية لشخصٍ من أهل الزكاة (سائمةً بمحلّين بينهما مسافةُ قصرٍ فلكلِّ) محلٍّ (حكْمُ نفسِهِ، فإذا كان له) أي لمالك واحد (شياةٌ بمحالَّ متباعدةٍ، في كل محلٍّ أربعون، فعليهِ شياهٌ بعدد المحالّ، ولا شيءَ عليه إن لم يجتمع له في كل محلٍّ أربعون، ما لم يكن خلطةٌ) فإذا كان لشخص من أهل الزكاة ستون شاةً بثلاثِ محالَّ متباعدةٍ، في كل محل عشرون، ولم تكن خلطة، فلا شيء عليه.

(1/244)


باب زكَاة الخَارج منَ الأرْض مِنَ الزَّرع والثّمَار والمَعدِنِ والرِّكاز
(تجب) الزكاة (في كل مكيلٍ مُدَّخَرٍ) نقله أبو طالب، وكذا نَقَل صالحٌ وعبدُ الله: ما كانَ يكالُ ويُدَّخَر فيه نفع، ففيه العشر. وما كان مثلَ الخِيَارِ والقِثّاء والبَصَل والرِّياحِينِ فليس فيه زكاةٌ إلا أن يُبَاعَ ويحولَ على ثمنِهِ حَوْل. قاله في الفروع. واختاره جماعة. وجزم به آخرون. انتهى. (من الحبِّ كالقمح والشعيرِ والذرة والأَرُزّ والحِمِّص والعَدَس والباقِلاَّ) أي الفول (والكِرْسَنة (1) والسِمْسِم والدُّخْنِ والكَراويَا والكُزْبُرَةِ وبِزْرِ القُطْن و) بزر (الكَتّانِ) بفتح الكاف (و) بزر (البَطيخ ونحوه) من الأبازير.
(و) تجب في كل ما يكال ويدَّخَرُ (من الثمرِ كالتَّمْرِ والزبيبِ واللَّوز والفُستُق والبُندُق والسُّمَّاقِ).
(ولا زكاة في عُنَّابٍ) في الأصحّ، (و) لا في (زَيتونٍ وجَوْزٍ وتينٍ ومِشْمِشٍ) بكسر ميمَيْهِ، (ونَبْقٍ وتُوتٍ وزَعْرورٍ ورمَّانٍ) وخَوْخ وخُضَرٍ كيقطينٍ ولِفْتٍ.
(وإنما تجب) الزكاة (فيما تجب) فيه (بشرطين):
(الأوّل: أن يبلغ نصاباً وقدرُه) أي النصاب (بعد تصفيةِ الحبّ)
__________
(1) الكِرْسْنة حبٌّ مكوَّرٌ بحجم العَدَس، يعلف الدوابّ.

(1/245)


من قشره (وجفافِ الثمر، خمسةُ أَوْسُقٍ) لأنها زكاةٌ، فاعتُبِر لها النِّصابُ كسائِر الزكوات.
(وهي) أي الخمسة أوسقٍ (ثلاثمائة صاعٍ) لأن الوَسْقَ بفتح الواو وكسرها ستونَ صاعاً إجماعاً لنص الخبر (1) (و) قدرُ النصاب (بالأرادِبِّ ستةُ) أرادِبَّ (وربعُ) إردبٍّ تقريباً.
(و) قَدْرُ النصاب (بالرِّطل العراقيِّ ألف وستّمائةِ) رطلٍ، (و) قدر النصاب (بـ) الرطل (القُدْسى مائتان وسبعة وخمسون) رطلاً (وسُبْعُ رطل.) وقدر النصاب بالرطل الدِّمشقيّ ثلاثمائة رطلٍ واثنان وأربعون رطلاً وستَّةُ أسباعِ رطلٍ.
الشرط (الثاني) من شروط وجوب الزكاة في الخارج من الأرض: (أن يكون) المزكّي (مالكاً لِلنّصابِ وقتَ وجوبها. فوقتُ الوجوب في الحبِّ: إذا اشتد، وفي الثمر: إذا بَدَا صلاحُها) فلا تَجِبُ في مُكْتَسَبِ لَقَّاطٍ وأجرة حَصَّادٍ، ولا فيما يجتنى من المُباحِ كبُطْم وزَعْبَلٍ وهو شعير الجبل، وبِزْرِ قطونا ونحوِه. ولا يشترط لوجوب الزكاة فعل الزرع فيزكي نصاباً حَصَلَ من حبٍّ له سَقَطَ بملكه من الأرْضِ أو سقَطَ في أرضٍ مباحَةٍ، لأنه مِلْكُهُ وقتَ وجوبِ الزكاة.

فصل
(ويجب فيما) أي في حبٍّ وثَمَرٍ (يُسقى بلا كُلْفَةٍ) كَبعُرُوقِهِ، وغيثٍ، وهو ما يُزْرَعُ على المطر، ولو بإجراءِ ماءِ حفيرة شراهُ ربُّ الزَّرْعِ أو الثمر (العشرُ) فاعل يجب.
__________
(1) نصُّ الحديث "الوسق ستون صاعاً" قال في المغني 2/ 700: رواه الأثرم عن سلمة بن صخرٍ مرفوعاً، وروى أبو سعيد وجابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك.

(1/246)


(و) يجب فيما (يُسقى بكلفةٍ) كَدَوَالي [جمْعُ داليةٍ] (1) وهي الدولاب تديره البقر، والدلاءِ الصغارِ التي يستقي بها الرجل. وناضحٍ وهو البعيرُ الذي يسقى عليه، والناعورةِ يُديرُها الماء (نصفُ العشر).
(ويجب) على رب المال (إخراجُ زكاةِ الحبّ مصفًّى) من سنبله وقشره، (و) إخراجُ (الثَّمَرِ يابساً) ولو احتيجَ إلى قطعِ ما بدا صلاحُهُ قبل كمالِهِ لضعفِ أصلٍ، أو خوفِ عَطَشٍ، أو تحسينِ بقيَّةٍ، أو وَجَبَ قطعُه لكون رُطبِهِ لا يُتْمِر، أو عِنَبِهِ لا يُزَبَّب.
(فلو خالَفَ) المالكُ (وأخرج رُطَباً) وعِنَباً وسُنْبُلاً (لم يُجْزِهِ) إخراجُه (ووقعَ نَفْلاً) إن كان الإِخراج للفقراء. فلو كان الآخذ الساعي فإن جفَّفه وصفَّاه وجاء قدرَ الواجِبِ أجزأ، وإلاَّ رَدَّ الفضْلَ إن زاد، وأخذ النقْصَ إن نَقَصَ. وإن كان بحالِهِ بيد الساعي ردَّه، ويطَالِبُهُ بالواجِبِ. وإن تلِفَ بيد الساعي ردَّ بدله لمالكه.

[خرص الثمار]
(وسن للِإمام بعثُ خارِصٍ لثَمَرَةِ النَّخل والكرْمِ إذا بدا صلاحُها) فيخرِصُها على مُلاّكِها ليتصرفوا فيها، لأنه بالخَرْصِ يعرف الساعي، والمالك قدر ما عليه من الزكاة. والخرص إنما استُعمِل هنا مع كونه إنما يُفِيدُ غلبَةَ الظنِّ للحاجة، فإن التيقُّن متعذِّر.
(ويكفي) خارصٌ (واحد) لأنه كحاكمٍ وقائفٍ في تنفيذِ ما يؤدّي إليه اجتهادُه.
(وشرط كونه) أي الخارص (مسلماً أميناً) لا يُتَّهم، (خبيراً) بالخَرْصِ، ولو قِنًّا.
__________
(1) زيادة يقتضيها المقام.

(1/247)


(وأجرته) أي أجرة خارص الثمار (على ربِّ الثمرة.)
وإن لم يبعث الإمام خارصاً فعلى مالكِ الثمار فعلُ ما يفعله خارصٌ، ليعرف قدر ما عليه، قبل تصرُّفه.
ويجب تركُهُ لرب المال الثلثَ أو الرُّبعَ، فيجتهد بحسَبِ المصلحة.
(ويجب عليه) أي الإمام (بعثُ السُّعَاةِ قُرْبَ الوجوبِ لقبضِ زكاةِ المالِ الظاهِر) كالسائمة، والزرع، والثمار.

[الخراج]
(ويجتمع العُشْرُ والخراجُ في الأرض الخراجية) كأُجرةِ المَتْجَرِ، مع زكاةِ التجارةِ.
(وهي) أي الأرض الخراجيّة ثلاثة أضْرُب:
أحدها: (ما فُتِحَتْ عَنْوَةً ولَم تقسم بين الغانمين، كمصر والشام،
والعراق.)
والثانية: ما جَلَا عنها أهلُها خوفاً منًّا.
والثالثة: ما صولح أهلُها على أنها لنا ونُقِرَّها معهم بالخراج.
ولا زكاةَ على من بيده أرضٌ خراجيّةٌ في قدر الخراج إذا لم يكن له مال آخَرُ يقابِله.
(وتضمينُ أموالِ العُشْرِ والأرضِ الخراجيّة باطِلٌ) (1).

[زكاة العسل]
(وفي العَسَلِ العُشْر) سواء أخذه من مِلْكِهِ أو مواتٍ، وسواءٌ كانت
__________
(1) أي لأنه يقتضي الاقتصار عليه في تملّك ما زاد، وغرم ما نقص. وهذا منافٍ لموضوع الأمانة وحكم العمالة. وفي حديث ابن عمر "القبالات ربا" سماهَا ربًا أي في حكمه في البطلان (ش المنتهى).

(1/248)


الأرض التي أُخِذَ منها عشريةً أو خَرَاجية.
(ونصابه) أي العسل (مائةٌ وستونَ رطلاً عراقيَّةً) وأربعةٌ وثلاثون رطلاً وسبعا رطلٍ دمشقيّ.

[الركاز]
(وفي الرّكاز وهو الكَنْز) دِفْنُ الجاهلية أو دِفْنُ من تقدم من كُفّارٍ، وكان عليه أو على بعضه علامة كُفْرٍ فقط، وفيهِ (ولو) كان (قليلاً) أي دونَ نصابٍ، أو كان عَرْضاً (الخُمُسُ) على واجِدِهِ من مسلمٍ وذمّيّ، وكبيرٍ وصغيرٍ، وعاقلٍ ومجنون، وحرٍّ ومكاتَب، يُصْرَفُ مصرِف الفيء المطلق.
وباقيهِ لواجِدِهِ ولو أجيراً لنقضِ حائطٍ، أو حفر بئرٍ أو نحو ذلك على الأصحّ، لا إن كان أجيراً لِطَلَبِ الركاز فيكون لمستأجِرِهِ.
(ولا يَمْنَعُ من وجوِبه) أي الخمس (الدينُ).

(1/249)


باب زكاة الأثمَان وَهيَ الذّهَب وَالفضَّة
(و) القدر الواجب (فيها ربع العُشْر إذا بلغتْ نصاباً) ولا شيءَ فيها قبله. (فنصاب الذهب بالمثاقيل عشرون مثقالاً) (1) وهي بالدراهم الإسلامية ثمانيةٌ وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم.
(و) قدر النصابِ (بالدنانير خمسةٌ وعشرون) ديناراً (وسُبُعا دينارٍ وتُسْعُ دينارٍ) بالدينار الذي زنته درهمٌ وثُمْنُ درهمٍ على التحديد. (ونصاب الفضة) بالدراهم (مائتا درهم) إسلامية.
(والدرهم اثنتا عشرةَ حبَّةَ خروبٍ. والمثقالُ درهم وثلاثة أسباع درهم (2).
ويُضَمُّ الذهبَ إلى الفضة في تكميلِ النصاب) لأن مقاصِدَهُما وزكاتَهُمَا متَّفقة، ولأن أحدَهُما يضم إلى ما يضم إليه الآخر، فيضمُّ إلى الآخر، كأنواع الجنس.
(ويُخْرِجُ من أيّهما شاء) يعني أن من وجب عليه زكاةُ عشرين
__________
(1) المثقال (4/ 1، 4) غرام بالضبط. وقد وزنت كذلك الدنانير التي وجدت من صدر الإسلام وعهد الدولة الأموية. فيكون نصاب الذهب 85 غراماً بالضبط من الذهب الصافي أو (8/ 1. 97) غراما من الذهب من عيار 21 قيراطاً.
(2) فيكون وزن الدرهم 2.975 غراماً. ويكون نصاب الفضة 595 غراماً من الفضة الخالصة.

(1/250)


مثقالاً من الذهب، أجزأ إخراجُ قيمة ربع عشرِها من الفضّة، ومن وجب عليه زكاة مائتي درهم من الفضة أجزأ إخراج قيمة ربع عشرها من الذهب.
(ولا زكاة في حُلِيٍّ مباحٍ مُعَدٍّ لاستعمالٍ أو إعارة) لأنه معدول به عن جهة الاسترباح إلى استعمالٍ مباحٍ فأشَبه ثيابَ البذلة، وعبيدَ الخِدمة، والبَقَرَ العوامِلَ، ولو لمن يحرم عليه، كرجلٍ يتّخذ حلىيّ النساء لإعارتهن، أو امرأةٍ تتخذ حلى الرجال لإعارتهم. وإنما لم تجب زكاةُ الحليِّ إذا كان مالكها غير فارٍّ من الزكاة.
(وتجب) الزكاةُ (في الحليّ المحرَّم) وآنيةٍ من ذهب أو فضة (وكذا) تجب الزكاة (في) الحليّ (المباحِ المعدِّ للكِراءِ أو النَّفَقَةِ.) قال أحمد ما كان على سَرْجٍ أو لِجَام ففيه الزكاة. قال في شرح المنتهى: وعلى قياسِ ما ذُكِرَ حليةُ كلِّ ما على الدابة، وحلية الدواة، والمِقلَمَةِ، والمُكْحُلَةِ ونحو ذلك.
ومحلُّ وجوبِ الزكاة فيهِ إذا اجتمع منه شيء. انتهى.
وإنما تجب فيما ذكر (إذا بلغ نصاباً وزناً. وُيخْرجُ عن قِيمتِهِ إن زادَتْ).

فصل في حلية الرجال والنساء
(وتحرم تحليةُ المسجد بذهبٍ أو فضةٍ) وكذا المحرابُ والسَّقفُ. وتجبُ إزالته وزكاتُهُ، إلا إذا استُهْلِكَ فلم يجتمع منه شيء بالإِزالة، فلا تحرُمُ استدامَتُهُ، لأنه لا فائدة في إتلافه وإزالته. ولا زكاةَ فيهِ لأن ماليَّتَهُ ذهبتْ. ولما وَليَ عمر بن عبد العزيز الخلافَةَ، أراد جَمْعَ

(1/251)


ما في مسجد دمشق، مما مُوِّهَ به من الذهب. فقيل له: إنه لا يجتمع منه شيء، فتركه.
(ويباح للذكر الخاتَمُ من الفضة، ولو زادَ على مثقالٍ).
(وجَعْلُه بخنصَرِ يسارٍ أفضلُ) من لبسه بخنصر يمنى. وإنما كان في الخنصر لكونها طرفاً، فهو أبعد من الامتهان فيما تتناوله اليد. ويَجْعَلُ فصه مما يلي كفه. وكُرِهَ لبسه بسبابةٍ ووسطى.
(وتباح قَبِيعَةُ السيفِ) وهو ما يجعل على طرف القبضة. وقوله: (فقط) لم أرها لغيره. (ولو) كانت القبيعةُ. (من ذهب).
(و) يباح له أيضاً (حلية المنطقة) وهي ما شددت به وسطك (و) يباح له أيضاً (الجوشنُ) وهو الدرع (والخوذة) وهي البيضة (لا) حلية (الرِّكابِ، واللِّجام، والدواة،) والسَّرْج، والمِرآةِ، والمُشْطِ، والمُكْحُلَةِ والمَبْخَرَةِ، فتحرم.
(ويباح للنساء ما جرت عادتهن بلبسه) كطوقٍ وخَلخالٍ وسوَارٍ ودُمْلُج وقُرْطٍ وقِلَادةٍ وتاج وخَاتمٍ وما أشبه ذلك، قلَّ أو كثر (ولو زاد على ألفِ مثقالٍ).
(وللرجل والمرأة التحلّي بالجوهَرِ والياقوت والزبَرْجَدِ) والزُّمُرُّدِ والبَلَخْشِ. قال في الإنصاف: وهو الصحيح من المذهب.
(وكره تختُّمهما) أي الرجل والمرأة (بالحديدِ، والرَّصاصِ، والنُّحاس) وأما الدُّملوج الحديد فجوّزه أبو الخطاب وخالفه ابن الزاغوني.
(ويستحب) تختمه (بالعقيق) ذكره في التلخيص، ومشى عليه في المنتهى والمستوعِبِ وابنُ تميم، وقال في الإقناع: ويباح التختم بالعقيق.

(1/252)


باب زكاَة العرُوض
أي عروض التجارة (وهي ما يُعَدُّ للبيع والشراء لأجل الربح) وسمّي عَرْضاً لأنه يَعْرِض ثم يزول ويفنى.
(فتقوَّم إذا حال الحول عليها. وأوّلُهُ) أي الحول (من حين بلوغ القيمة نصاباً) فلو نقصت قيمةُ النصاب في بعض الحول، ثم زادت القيمةُ فبلغتْهُ ابتدىء حينئذ كسائر أموال الزكاة. قاله في المبدع. (بالأحظِّ) متعلق بتقوم (للمساكينِ من ذهبٍ أو فضةٍ) لا بما اشتريت به. فلو كانت قيمته تبلغ نصاباً بأحدِ النَّقْدَيْنِ دون الآخر، فإنه يقوَّم بما يبلغ به نصاباً، وتقوَّم المغنيةُ ساذَجَةً، والخَصِيُّ بصفته.
(فإن بلغت القيمة نصاباً وجب ربع العشر، وإلا) بأن لم تبلغ القيمة نصاباً (فلا) تجب عليه الزكاة فيها.
(وكذا أموال الصيارف) فيما ذكر.
(ولا عبرة بقيمةِ) صنعة (آنية الذهب والفضةِ) لتحريمها. وكذا رِكابٌ ولجام ونحو ذلك، (بل) العبرة (بوزنها. ولا) عبرة (بما فيه صناعةٌ محرمة، فيقوَّمُ عارياً عنها) بأن يقوَّمَ الطنبور ونحوه سبيكةً.
(ومن) كان (عنده عرضٌ) معد (للتجارة، أو وَرِثَه فنواه للقُنْيَةِ، ثم نواه للتجارة، لم يَصِرْ لها) أي للتجارة، لأن القُنْيَةَ الأصْلُ في العُروض،

(1/253)


والرُّد إلى الأصل يكفي فيه مجرّد النية، كما لو نَوَى المسافر الإِقامة. ولأن نيّةَ التجارة شرطٌ لوجوب الزكاة في العُروض، فإذا نوى القُنْيَةَ زالتْ نية التجارةِ، ففاتَ شَرْط الوجوبِ وفارقَتِ السائمةَ إذا نوى عَلْفَها لأن الشرط فيها الإِسامة، دون نيتها، فلا ينتفي الوجوب إلا بانتفاء السوم (بمجرّد النية، غيرَ حليِّ اللبس) لأن الأصل وجوب الزكاة فيه، فإذا نواه للتجارة فقد ردّه إلى الأصل، والرد إلى الأصل يكفي فيه مجرَّد النية.

[زكاة المعادن]
(وما استُخْرِجَ من المعادن) والمعدِنُ كل متوَلِّدٍ من الأرض لا من جنسها، ولا نبات، كذهب وفضةٍ وجَوْهرٍ وبلور وعقيقٍ وصُفْرٍ ورصاصٍ وحديدٍ وكُحْلٍ وزرنيخٍ ومَغْرَةٍ وكبريتٍ وزِفْتٍ وملحٍ وزئبقٍ ونفطٍ ونحو ذلك (ففيه بمجرَّد إحرازه ربعُ العشر.)
ولوجوب الزكاة في المعدن شرطان:
أشار للأول بقوله: (إن بلغت القيمة نصاباً بعد السبك والتصفية) كالحبّ والثَّمَر. فلو أخْرَجَ ربع عُشْرِ ترابِهِ قبل تصفيته، وجبَ ردُّه إن كان باقياً، أو قيمتَهَ إن كان تالفاً. والقول في قدر المقبوض قول الآخذ، لأنه غارِم، فإن صفّاه الآخذ فكان قدرَ الزكاةِ أجزأ، وان زادَ ردَّ الزائد إلا أن يَسمَح له بها المُخْرِج. وإن نَقَص فعلى المُخْرِج.
والشرط الثاني: كون المُخْرِجِ من أهل الوجوب.

(1/254)


باب [زكاة الفطر]
زكاة الفطر صدقةٌ واجبةٌ بالفطر من رمضانَ. وتسمَّى فَرْضاً.
ومصرفها كزكاة.
ولا يمنَعُ وجوبَها دينٌ إلا مع طلب.
(تجب بأول ليلة العيد، فمن ماتْ أو أَعْسَرَ قبل الغروب) أو طلَّق زوجته، أو أعتق عبده، أو أيْسَرَ النسيب (1)، أو انتقلَ المِلْكُ في الرقيق، وكان كله قبل غروب الشمس (فلا زكاةَ عليهِ، و) إن حصل شيءٌ مما ذُكِرَ من موتٍ أو إعسارٍ أو طلاقٍ أو عتقٍ أو نحو ذلك (بعده) أي الغروب، فإن الزكاة (تستقرّ في ذمته).
(وهي) أي زكاة الفطر (واجبة على كل مسلم) حرٍّ، ولو من أهل البادية، ومكاتَبٍ ذكرٍ وأنثى، كبيرٍ أو صغيرٍ، ولو يتيماً.
ويخرج عنه من مالِهِ وليُّهُ، وسيد مسلِمٌ عن عبدِهِ المسلم، (يجدُ ما يَفْضُلُ عن قوته وقوت عياله يومَ العيد وليلَتَهُ، بعد ما يحتاجه من مسكنٍ وخادم ودابةٍ وثيابِ بذلة) أي ما يُمْتَهَنُ من الثياب في الخدمة
__________
(1) "النسيب" سقط من (ف)، والصواب إثباته. والمراد: إن أيسر القريب الذي تنفق عليه، قبل الغروب، فليس عليك فطرته، بل عليه هو.

(1/255)


(وكُتُبِ عِلْمٍ) يحتاجها لِنَظَرٍ وحفظٍ، وحلى المرأةِ لِلُبْسِها، أو لكراءٍ تحتاج إليه.
(وتلزمُه) أي وتلزَمُ من تلزَمُهُ الفطرةُ (عن نفسهِ وعمن يمونُه من المسلمين) كولدهِ، وزوجته، وعبدِهِ، ولو للتجارة. فيجتمعُ في عبيدِ التجارة زكاةُ القيمةِ وزكاةُ الفطرِ. نصَّ عليه، حتى زوجةُ عبده الحرة.
(فإن لم يجد) من عنده عائلةٌ فطرةً تكفي (لجميعهم بدأ بنفسه) لأن الفطرة تنبني على النفقة، فكما أنه يبدأُ بنفسِهِ في النفقة، فكذلك في الفُطْرَةِ؛ (فزوجتِهِ) يعني أنه متى فضل عنده صاعٌ عن فطرة نفسِهِ أخرجه عن زوجتِهِ، لأن نفقتَها مقدَّمةٌ على سائر النفقات، ولأنها تجب على سبيلِ المعاوَضَةِ مع اليسارِ والإعسار، فَقُدِّمتْ لذلك.
(فرقيقِهِ) يعني أنه متى فَضَلَ عنده شيء عن فطرته وفطرةِ زوجته أخرجَهُ عن رقيقه، لوجوب نفقتِهِ مع الإِعسار، بخلاف نفقة الأقارب، فإنها صلةٌ لا تجب إلا مع اليسار؛ (فأمِّهِ) يعني أنه متى فَضَلَ عنده شيءٌ بعد من تقدم أخرجه عن أُمِّهِ لأن الأم مقدَّمةٌ في البِرِّ، بدليلِ الحديث الشريف (1)؛ (فأبيهِ) بعد أُمِّهِ, (فولَدهِ) يعني أنّه متى فَضَلَ شيءٌ بعد من تقدّم أخرجه عن ولده، فإن كان له أولادٌ ولم يكف لجميعهم أقْرَعَ؛ (فأقربَ في الميراثِ) يعني أنه متى فضل شيء عنده بعد من تقدم، وله أقارب، قُدم الأقربُ فالأقربُ من ميراثٍ، لأن الأقرب أولى من الأبعد، فقُدِّم، كالميراث.
(وتجب) الفُطْرَةُ (على من تبرع بمؤنةِ شخصٍ شهرَ رمضانَ) لا أكثر، و (لا) تجب (على من استأجَرَ أجيراً) أو ظئراً (بطعامهِ) أو شرابه (2)
__________
(1) المشهور الوارد بألفاظ مختلفة منها، أن رجلاً قال يا رسول الله من أبَرُّ؟ فقال "أمَّك ثم أمَّك ثم أمَّك ثم أباك ... الحديث".
(2) قوله "أو شرابه" ساقط من (ف)، ولعل سقوطها أوجه.

(1/256)


لأن الواجب هاهنا أجرة تعتمد الشَّرْطَ في العقد، فلا يزادُ عليهما، كما لو كانت دراهم.
(وتسنّ) الفُطْرَةُ (عن الجنينِ.)
ولا تجب لمن نفقته في بيت المال، كاللقيط.

فصل [إخراج زكاة الفطر]
(والأفضل إخراجُها) أي زكاة الفطرة (يومَ العيد، قبلَ الصلاة) أي قبل مضيّ قدر الصلاة.
(ويكره) إخراجها (بعدها) أي الصلاة في يومه.
(ويحرم تأخيرُها) أي الفطرة (عن يوم العيد مع القدرة. ويقضيها).
(وتجزئ قبل العيد بيومين) ولا تجزئ قبلهما.
ومن عليهِ فُطْرَةُ غيرِهِ كزوجته وعبدهِ وولدِهِ أخرجها مع فُطْرَتِهِ مكانَ نَفْسِهِ (1)، لأن الفطرة سبب وجوب الزكاة، فَفُرِّقَتْ في البلد الذي وجد سببها وهو فيه (2).
(والواجب) في الفطرة (عن كل شخصٍ صاعُ تمرٍ، أو بُرٍّ، أو زبيبٍ، أو شعيرٍ، أو أَقِطٍ،) وهو شيءٌ يُعْمَل من اللَّبنِ المخيضِ، وقيل من لَبَنِ الإبل فقط، أو صاعٌ مجموعٌ من الخمسة المذكورة.
(ويجزئ دقيق البُرِّ، و) دقيق (الشعير،) وسَوِيقُهُمَا (3) (إن كان)
__________
(1) أي في المكان الذي هو فيه.
(2) في الأصول "لأن الفطرة سبب ... الخ" والصواب "لأن الفطر" كما في شرح المنتهى. ونصه "لأن الفطر السبب، لتعدد الواجب بتعدّده" وتعليله أوضح.
(3) السَّوِيقُ، قال في اللسان: معروف، وقال في القاموس: معلوم، وليتهما فَسَّراه، فلم بعد معروفاً ولا معلوماً!! واستعمالاته توحي بأنه الحبّ إذا شُويَ ثم طُحن.

(1/257)


دقيقُ البرِّ والشعيرِ، والسويقُ (وزنَ الحبّ)، قال في الإِقناع وشرحه: وصاعُ الدقيقِ يعتبرُ بوزنِ حبِّه. نصّ عليه. انتهى، ولو بلا نخلٍ، كَبِلاَ تنقيةٍ، لا خبزٌ، ومعيبٌ كَمُسَوِّسٍ، ومبلولٍ وقديمٍ تغيَّر طعمه، ولا مختلطٌ بكثير مما لا يجزئ كالقمحِ المختلط بكثير الزوان (1).
(ويُخْرج مع عدم ذلك) أي عدم الأصنافِ الخمسةِ (ما يقومُ مقامَهُ) أي مقامَ أحدِهَا (من حبٍّ يُقْتاتَ كذرةٍ ودُخْنٍ وباقِلاً) وأرزٍّ وعدس وتينٍ يابس. وقال ابن حامد: يجزئه إخراج كلِّ ما يُقْتَاتُ من لبنٍ ولحمٍ.
(ويجوز أن تعطيَ الجماعةُ فطرتَهم لواحدٍ، و) يجوز (أن يعطي الواحِدُ فُطْرَتَهُ لجماعةٍ).
(ولا يجزئ إخراجُ القيمة في الزكاةِ مطلقاً) سواء في المواشي أو المعشَّراتِ.
(ويحرم على الشخص شراءُ زكاتِهِ وصدَقتِهِ، ولو اشتراها من غَيْرِ من أخَذَهَا منه.)
وإن رجعتْ إليه بإرثٍ أو هبةٍ أو وصيةٍ، أو ردَّها له الإمام بعد قبضِها مِنْهُ، لكونِهِ من أهلها، جاز.
__________
(1) الزَّوانُ، والزُّؤانُ، مثلث الزايِ في كليهما (كما في القاموس) وهو حب أصيفر أخيضر خبيث ينبت مع البرّ فيخالطه، يرمى به قبل أن يُطْحَنَ البُرّ.

(1/258)


باب إخرَاج الزكاةِ بَعْد استقرارهَا
(يجب إخراجُها فوراً) أي من غيرِ تأخيرٍ إلا في صُوَرٍ تأتي (كـ) وجوبِ الفوريَّةِ في (النذرِ) المطلق (والكفارةِ)، لأن الأمْرَ المُطْلَقَ في قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} يقتضي الفورية.
(ومحلُّ الفوريَّةِ إن أمكنَ الإخراجُ، ولم يخف ضرراً على نفسِهِ أو مالِهِ أو معيشَتِهِ أو نحوِ ذلك.
(وله تأخيرُها لِزَمَنِ الحاجة، و) له تأخيرُها أيضاً لقريبٍ وجارٍ.)
قال في الإنصاف: ويجوز أيضاً التأخير لقريبٍ وجارٍ. قَدمهُ في الفروع.
قال: وجزمَ به جماعة. ويجوز أيضاً التأخير للجارِ كالقريبِ. جزَمَ به في الحاويين.
(و) يجوزُ تأخيرُها أيضاً (لتعذُّرِ إخراجها من النصابِ) لغيبةٍ وغيرِها إلى قُدْرَتِهِ عليه، (ولو قَدِرَ أن يخرجها من غيره) لأن الأصل الإخراجُ من عَيْنِ المال المخرج عنه، والإخراجُ من غيرِه رُخصَةٌ، ولا تنقلب الرخصة تضييقاً.
(ومن جَحَدَ وجوبَها) أي الزكاة، (عالماً) بالوجوب، أو جاهلاً به لكَوْنهِ (1) قريبَ عهدٍ بالإسلام وعُرِّفَ، فَعَلِمَ وأصرَّ على الجحود عناداً، فقد (كفر) لأنه مكذِّبٌ لله ورسوله.
__________
(1) في الأصول: ككونهِ. والتصويب من شرح المنتهى.

(1/259)


وتجرى عليه أحكام المرتدين، بأن يُسْتَتَابَ ثلاثاً. فإن تابَ وإلا قُتِلَ كُفْراً، حتى (ولو أخرجَها) مع جُحُودهِ لأن أدلة الوجوبِ ظاهرةٌ في الكتاب والسنة والإجماع.
وتؤخَذُ منْهُ إن كانت وجبت.
(ومن مَنَعَها) أي الزكاة (بخلاً) بها (أو تهاوناً) من غيرِ أن يجحدَها (أُخِذَتْ منه) قهراً، كدين الآدمي، وكما يؤخذ منه العشر، (وعُزِّرَ) أي عَزَّرَ إمامٌ عادلٌ من عَلِمَ تحريمَ مَنْعِها.
(ومن) طولب بالزكاة و (ادَّعى إخراجَها) لمستحقها صُدِّقَ بلا يمينٍ، (أو) ادعى (بقاءَ الحولِ) أيْ أنَّه لم يُحُلِ الحوْلُ على ماله، (أو) ادعى (نَقْصَ النِّصابِ، أو) ادعى (زوالَ المِلْكِ) عن النصاب في أثناء الحول، أو تَجَدُّدَهُ قريباً، أو أن ما بيده لغيره، ونحوِ ذلك، مما يَمْنَعُ وجوبَ الزكاةِ أو نقصانَها (صُدِّقَ بلا يمين) لأنها عبادةٌ مؤتمن عليهَا فلا يُسْتَحْلَفُ، كالصلاةِ والكفارةِ، بخلاف الوصيةِ للفقراء بمالٍ، فيحلَّف.
(ويلزم أن يخرج عن الصغيرِ والمجنونِ وليُّهما) في مالِهِما، كما يجب عليه صرف النفقةِ الواجبةِ لأن ذلك حقٌّ تدخله النيابة، فقام الوليُّ فيه مقامَ المولَّى عليهِ، كالنفقات، والغَراماتِ.
ومحلُّ ذلك إذا كان كلٌّ من الصغيرِ والمجنونِ حرًّا مسلماً تامَّ الملك.
(وسنَّ) لمخرج الزكاة (إظهارها).
(و) سنَّ أيضاً (أن يفرِّقها ربُّها) أي ربُّ الزكاة (بنفسِهِ) ليكونَ على يقين من وصولها إلى مستحقِّها وسواء كانت من الأَمْوالِ الظاهرةِ أو الباطِنَةِ. (و) سن أن (يقول) رب المال (عند دفعها) أي دفع الزكاة لمستحقها: (اللهمَّ أجعلها مغنماً ولا تجعلها مَغْرَماً)، ويحمد الله تعالى على توفيقِهِ لإِدائِها. ومعناه: اللهم اجعلْها مَثْمَرَةً لا مَنْقَصَةً.

(1/260)


(و) سن أن (يقول الآخذ للزكاة: آجَرَكَ اللهُ فيما أعطيتَ وبارَكَ لك فيما أبقيتَ وجعله لكَ طهوراً) لأنه مأمورٌ بالدعاء.

فصل في النية في الزكاة
(ويشترط لإخراجها) أي الزكاةِ (نيَّةٌ من مكلَّفٍ) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات" ومحلُّها القلبُ، لأنه محل الاعتقاداتِ كلِّها، إلا أنْ تؤخذَ قهراً فإنها تجزئ من غير نية.
(وله تقديمُها) أي النية (بيسير).
(والأفضل قَرْنُها) أي النية (بالدفع، فينوي الزكاة، أو الصدقةَ الواجبةَ،) أو صدقةَ المال، أو صدقَةَ الفِطْر.
(ولا يجزئ أن ينوي صدقةً مطلقةً، ولو تصدَّق بجميع ماله) فإنها لا تجزئ عن الفرض.
(ولا تجب نيَّة الفرضية) لاكتفائه بنية الزكاة، فإنها لا تكون إلا فرضاً.
(ولا) يجب أيضاً (تعيينُ المال المزكّى عنه) على المذهب. وفي تعليقِ القاضي وجه: يُعتبَر نية التعيينِ إذا اختلفَ المالُ، مثلَ شاةٍ عن خمسٍ من الإبلِ، وأخرى عن أربعين من الغنم.
(وإن وكّل) ربُّ المال (في إخراجِهَا مسلماً) ثقةً نصًّا، مكلَّفاً ذَكَراً، أو أنثى (أجزأت نية الموكِّل) فقط، (مع قُرْبِ زَمَنِ الإِخراج) من زمن التوكيل، لأن الموكِّل هو الذي عليه الفرض، وتأخيرُ الأداءِ عن النية بالزمنِ اليسيرِ جائز، (وإلا) بأن لم يَقْرُبْ زَمَنُ الإخراج من زمن التوكيل (نوى) الموكِّل مع (1) (الوكيل أيضاً) لئلا يَخْلوَ الدفع إلى المستحق عن
__________
(1) صوابه أن يقول "مع الموكّل"، ليكون التعليلُ مستقيماً وبذلك يوافق ما في شرح =

(1/261)


نيةٍ مقارنةٍ أو مقاربةٍ، ولو نوى الوكيلُ دون الموكِّل لم تجزئ.

[نقل الزكاة من بلدها]
(والأفضل جَعْلُ زكاةِ كل مالٍ في فقراءِ بلده) ويجوز نقلُها إلى دونِ مسافةِ قصرٍ من بلدِ المال، نص عليه، لأنه في حكم بلدٍ واحدٍ، بدليل الأحكام.
(ويحرم نقلُها إلى مسافةِ قصرٍ) سواء كان النقلُ لِرَحِمٍ، أو شدّةِ حاجةٍ، أو ثغرٍ، أو غيرِ ذلك، حيثُ كان ببلدِ الوجوبِ مُسْتحِقٌّ، لأن فقراءَ أهلِ كل مكانٍ إنما يَعْلَمُ بهم غالباً أهلُهُ ومن قَرُبَ منهم، وأطماعُهُمْ تتعلَّق بزكاةِ مالِ البلدِ، ولهم حُرْمَةَ قُرْبِ الدار، فَمُنِعَ من النقل، ليستغْنُوا بها غالباً.
(وتجزئُ) يعني أنه متى نَقَلَ الزكاةَ مع الحرمة، وأخرجها في غير بلد المال، فإنها تجزئه على الأصل.

[تعجيل الزكاة]
(ويصح تعجيل الزكاة لحولين) على الأصح (فقط) لا لأكثرَ من حولين.
ومحلُّ جوازِ التعجيل (إذا كمل النصاب) لأنه سببها، فلم يجز تقديمُها عليهِ، كالتَّكْفيرِ قبلَ الحَلِفِ (لا منه) أي النصاب (لحولين) (2) وقد علم منه أنه إذا أخرج للحول الأول أنه يصح التعجيل.
(فإن تلف النصابُ) المعجَّل زكاته (أو نَقَصَ) قبل الحول (وقع نفلاً.)
وإن مات قابضُ زكاةٍ معجلةٍ، أو استغنى قبل مضيِّ الحول أجزأتِ الزكاةُ عمن عجَّلها.
__________
= المنتهى. ولم نغير لأن النسخ متفقة، فلعله سهوٌ من الشارح رحمه الله تعالى. ثم رأيت الشيخ (عبد الغني) استشكل عبارة الشارح أيضاً.
(2) أي كمن له أربعون شاة، عجّلَ شاتين منها زكاة عامين مقبلين، فلا يصح إلا عن عام واحدٍ، لأن النصاب ينقص بهما. فإن كان الإخراج من غير الأربعبن جاز.

(1/262)


باب أهل الزّكاة
(وهم ثمانية) أصنافٍ لا يجوز صرفها إلى غيرهم، من بناءِ المساجِد والقناطِر، وسد البُثُوقِ (1)، وتكفين الموتى، ووقْفِ المصاحِفِ، وغيرِ ذلكَ من جهاتِ الخير، وذلك لقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الآية.
(الأول: الفقير، وهو من لم يجدْ) شيئاً، ألبتة، أو لم يجد (نصف كفايته،) وهو أشدُّ حاجةً من المسكين.
(الثاني: المسكين، وهو من يَجِدُ نِصْفَها) أي نصفَ كفايته (أو أكثرَها) أي أكثَرَ الكفاية.
(الثالث: العاملُ عليها) لقوله تعالى: (وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا) وهم السعاةُ الذين يبعثهم الإمام لأخذ الزكاة من أربابها (كَجَابٍ، وحافِظٍ، وكاتِبٍ، وقاسِم،) وكلِّ من يُحتاج إليه فيها.
وشُرِطَ كون العامِل عليها مكلِّفاً، مسلماً، أميناً، كافياً، من غير ذوي القربى.
(الرابع: المؤلَّفُ) لقوله عز وجل: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}، (و)
__________
(1) (ب، ص) سدّ الثغور.

(1/263)


المؤلَّفُ (هو السَّيِّد المُطاعُ في عشيرته، ممن يُرجى إسلامُهُ، أو يُخْشَى شره، أو يرجى بعطيته قوةُ إيمانه، أو) إسلام نظيرِهِ، أو من أجل (جبايتها) أي جباية الزكاة (ممن لا يُعْطيها،) وهم قومٌ إذا أُعْطُوا من الزكاة جَبَوْهَا ممن لا يعطيها إلا بالتَّخْويفِ، أو مِنْ أجلِ دفعٍ عن المسلمين.
(الخامس: المكاتَبُ) ولو قبل حلول نجم، ويجزئ أن يشتريَ منها رقبةً لا تَعْتَقُ عليه برحِمٍ، ولا تعليقٍ، فيعتقُها، وأن يفديَ بها أسيراً مسلماً، لا أن يُعْتِقَ قِنَّهُ أو مكاتَبَهُ عنها.
(السادس: الغارم) من المسلمين (وهو) ضربان: الأول: (من تدين للإصلاح بين الناس) أو تحمل إتلافاً أو نهباً عن غيره، ولم يدفعْ من ماله ما تحمَّله. والضرب الثاني مِنْ صِنْفَ الغارم، ما أشار إليه بقوله: (أو تديَّنَ لنفسِهِ) أي لإصلاح نفسِه في أمرٍ مباح، أو محرّمٍ وتاب منه، (وأَعْسَر). قال في الفروع: ومن غَرِمَ في معصيةٍ لم يُدْفَعْ إليه شيء، فإن تابَ دُفِعَ إليه في الأصحّ.
(السابع: المغازي في سبيل الله) لقوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} (بلا ديوانٍ،) أو لا يكفيه.
(الثامن: ابنُ السبيل) لقوله تعالى: {وَابْنِ السَّبِيلِ} (وهو الغريب المنقطع بمحلٍّ غير بَلَده) في سفرٍ مباحٍ، أو محرَّمٍ وتابَ منه، لا مكروهٍ وَنُزْهَةٍ.
(فيعطى للجميعِ منَ الزكاةِ بقَدْرِ الحاجَةِ) فيعطى الفقيرُ والمسكينُ من الزكاةِ تمامَ كفاييهِما مع عائِلَتِهِمَا سنةً.
ويعطى المؤلَّفُ منها ما يحصُل به التأليف، ويعطى المكاتَبُ ما يقضي به ديْنَه، ولو مع قوّته وقدرتِهِ على التكسُّب.

(1/264)


ويعطى الغارِمُ ما يفي به دينَهُ، ويعطى المغازي ما يحتاج إليه لغَزْوِهِ من سلاحٍ، وفَرَسٍ، إنْ كانَ فارساً. وحمولَتَهُ، وجميعَ ما يحتاجُه له ولعَودِهِ.
ويعطى ابن السبيلِ، ولو وَجَدَ مقرضاً ما يبلغُهُ بلدَهُ، ولو كانَ له اليسارُ في بلده؛
(إلا العامل، فيعطى بقدر أجرتِهِ) منها (ولو كانَ غنيًّا أو قِنًّا) إلا إن تَلِفَتْ بيدِهِ بلا تفريطٍ فيه، فإنه يعطى أجرتَهُ من بيتِ المالِ.
ويستحبُّ صرفُها في الأصنافِ الثمانية كلِّها.
(ويجزئ دفعُها إلى الخوارجِ والبغاةِ. وكذلك من أَخذَهَا من السلاطينِ قهراً أو اختياراً، عَدَل فيها أو جار.)

فصل [فيمن لا يصح دفع الزكاة إليه]
(ولا يجزئ دفعُ الزكاة للكافِر) غير المؤلفِ.
(ولا) يجزئُ دفعها (للرقيقِ) غيرِ العاملِ والمكاتَب.
(ولا) يجزئُ دفع الزكاة (للغنيِّ بمالٍ أَو كسبٍ، ولا لمن تلزمه) أي المخرج (نفقتُهُ) كعتيقِهِ، ما لم يكنْ عاملاً، أو غازياً، أو مؤلَّفاً، أو مكاتَباً، أو ابنَ سبيلٍ، أو غارماً لإصلاح ذات بين (ولا للزوج) (1) لأنها تعود إليها بإنفاقه عليها.
(ولا) يجزئ دفع الزكاة (لبني هاشم) وهم سلالة هاشمٍ،
__________
(1) في (ف): (ولا لزوجٍ) لها؛ وفي (ب، ص): (ولا للروج) ولا لها. وكل ذلك يختلُّ به المعنى. فحذفنا. والمعنى: لا يجوز للمرأة دفع زكاتها إلى زوجها .. ؛ وفي وجه ذكره في منار السبيل: يجوز، للدليل الوارد.

(1/265)


فيدخل آلُ عباسٍ، وآل عليٍّ، وآلُ جَعْفَرٍ، وآلُ عقيلٍ، وآل الحارثِ بنِ عبد المطلب، وآلُ أبي لهبٍ، ما لم يكونوا غزاةً، أو مؤلَّفةً، أو غارمين لِإصلاح ذات البين.
وكذا مواليهم.

[حكم من دفع الزكاة لغير أهلها]
(فإن دفعها) أي دفع الزكاةَ ربُّ المالِ (لغير مستحِقِّها وهو يَجْهَل) عدم استحقاقِهِ، كما لو دَفَعها لعبدٍ أو هاشميٍّ، أو لأبيه، ونحو ذلك، (ثُمَّ عَلِمَ) حقيقةَ الحالِ (لم يجزئْهُ) لأنه ليس بمستحقٍّ، ولا يخفى حالُهُ غالباً، فلم يُعْذَرْ بجهالَتِهِ، كدين الآدمي.
(ويستردُّها) ربها (منه) أي ممن أخذها (بنمائها) سواء كان متصلاً كالسِّمَنِ، أو منفصلاً كالولد، لأنَّه نماءُ ملكِه. وإن تلفت الزكاة في يد القابِضِ ضَمِنَها، لعَدَمِ ملكِهِ لها.
(وإن دَفَعها لمن يظنُّه فقيراً فبان غنيًّا أجزأ.)
وإن دفع صدقة التطوّع إلى غنيٍّ وهو لا يعلم غناهُ لم يرجعْ، لأن المقصود الثواب.
(وسن أن يفرق الزكاة على أقارِبِهِ الذين لا تلزمه نفقتهم) كخالٍ وخالةٍ (على قدر حاجَتِهِمْ) فيزيد ذَا الحاجةِ منهُمْ على قدرِ حاجتِهِ، فإن استوَوْا في الحاجَةِ وتفاوتوا في القرب، بدأ بالأقرب فالأقرب منهم.
(و) له تفرقة مالِهِ (1) (على ذوي أرحامِهِ كعمَّتِهِ وبنتِ أخيه) هذا تكرار مع ما قبله. (وتجزئُ) الزكاة (إن دفعها) ربها (لمن تبرَّع بنفَقَتِهِ بضمِّهِ إلى عيالِهِ) كيتيمٍ أجنبي.
__________
(1) يعني زكاة ماله.

(1/266)


فصل [في صدقة التطوع]
(وتسن صدقة التطوُّع) لقوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} وعن أنس بن مالكٍ، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الصدقةَ لتطفئُ غَضَبَ الربِّ وتَدْفَعُ مِيتَةَ السُّوء" رواه الترمذي (1). (في كل وقتٍ، لا سيما سِراً،) وبطيبِ نفسٍ، وفي الصِّحَّة أفضلُ.
(و) كونُهَا (في الزمانِ) الفاضِلِ كالعَشْرِ، (و) في (المكانِ الفاضِلِ) كالحرمين، أفضلُ.
(و) كون صدقة التطوُّع (على جارِهِ وذوي رَحمهِ) لا سيّما مع عداوةٍ (فهي) أي الصدقة على ذوي أرحامِهِ (صدقَةٌ وَصِلَةٌ) وهي أفضل من الصدقة على غير الجار وغير ذوي الأرحام، لقوله جل من قائلٍ: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} إلى قوله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ}.
(ومن تصدَّق بما ينقصُ مؤنةٌ تلزمه) أي مؤنةُ من تلزمَهُ مؤنته، (أو أضر بنفسِهِ أو غريمهِ) أو كفيلِهِ بسبب صدقتِهِ (أَثِمَ بذلك،) أي بما يضرّ بواحدٍ ممن ذكر.
(وكره لمن لا صبر له) على الضيق، (أو لا عادةَ له على الضيق، أن ينقُص نفسه عن الكفاية التامة) نصّ عليه.
وظهر من ذلك أن الفقيرَ لا يقترضُ ليتصدَّقَ بما يقترضُه. لكن نصَّ أحمدُ في فقيرٍ لقريبِهِ وليمة: يستقرضُ ويهدي له. وهو محمول على ما
__________
(1) حديث الترمذي "إن الصدقة لتطفئ غضب الرب ... " رواه الترمذي في كتاب الزكاة من سننه.

(1/267)


إذا ظن وفاءٌ. ذكره في المبدع. قال في الفروع: قال شيخنا: فيه صلةُ الرحم بالقَرْضِ.
وقد ذكر ابن عقيلٍ في مواضع: أُقْسِمُ بالله لو عَبَسَ الزمانُ في وجهِكَ مرةً، لعبَسَ في وجهك أهلُكَ وجيرانُك. ثم حث على إمساكِ المالِ. وذكر ابن الجوزيّ في كتاب "السرِّ المصونِ" أن الأوْلى أن يدّخر لحاجةٍ تعرِضُ. قال بِشْرٌ الحافي: "لو أن لي دجاجةً أعولُها خِفْتُ أن أكون عَشّاراً على الجسر". وقال الثوري: "من كان بيده مال فليجعلْهُ في قَرْنِ ثورٍ، فإنه زمانٌ من احتاج فيه كانَ أولَ ما يبذُلُ دينَهُ".
(والمنّ بالصدقةِ كبيرةٌ) والكبيرةُ ما فيه حدٌّ في الدُّنْيا أو وعيد في الآخرة (1).
(ويبطل به) أي بالمنّ (الثواب) قال ربنا عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}.
__________
(1) وقد ورد في المنّ الوعيد في الآخرة. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -"ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنانُ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب" رواه مسلم وأبو داود.

(1/268)