نَيْلُ
المَآرِب بشَرح دَلِيلُ الطَّالِب كتَاب الصِّيَام
وهو إمساكٌ مخصوصٌ من شخصٍ مخصوصٍ في وقت مخصوصٍ عن أشياءَ مخصوصةٍ.
(يجب صومُ) شهرِ (رمضانَ برؤيةِ هلالِه.) ويستحبُّ لمن رأى الهلالَ أن
يقولَ ما رُوي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وعنَّا بهما (1)، قال: كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى الهلالَ قال: "اللهُ أكبر (2)
اللهمَّ أهِلَّه علينَا بالأَمْنِ والإيمان، والسلامةِ والإِسلام،
والتوفيقِ لما تحبّ وترضى. ربِّي وربُّك الله" رواه الأثرم والدارمي.
انتهى. (على جميع الناسِ).
وحكم من لم يره حُكم من رآه، ولو اختلفت المطالع.
(و) يجب (على من حال دونَهُمْ ودون مطلِعِهِ غيمٌ أو قَتَرٌ) أو دخانٌ أو
غيرها، والقَتَرُ بالفتح الغبرة (ليلةَ الثلاثين من شعبانَ احتياطاً) لا
يقيناً (بنيّةِ أنه من رمضانَ) حكماً ظنياً بوجوبِهِ. اختارَهُ الخرقيُّ
وأكثرُ شيوخِ
__________
(1) إن كان يقصد التوسل بهما، ففيه ما فيه. وإن كان يقصد: ببركة الانتفاع
بعلمهما والاتباع لهما فجائز.
(2) (ب، ص): "الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر" ثلاثاً. فحذفنا، تبعاً لـ
(ف) وشرح المنتهى. والحديث رواه أحمد والترمذي أيضاً.
(1/269)
أصحابِنَا. ونصوص أحمد عليه (1). وهو مذهَب
عمرَ وابنِه وعمرو بن العاصِ وأبي هريرةَ وأنسٍ ومعاويةَ وعائشةَ وأسماءَ
ابنتي أبي بكر. وقاله جمعٌ من التابعين.
(و) على المذهب (يجزئ) صيامُ ذلك اليوم (إن ظَهَرَ) أنه (منه) أي من
رمضانٍ، بأن ثبتتْ رؤيتُهُ بمكانٍ آخر، لأنّ صيامه وقع بنيّة رمضان.
(وتصلَّى التراويحُ) ليلَتَهُ احتياطاً للسنّة. قال أحمد: القيام قبلَ
الصيامَ.
وتثبُتُ بقية توابعِ الصَّوْمِ من وجوبِ كفارةٍ بوطءٍ فيه، ووجوبِ
الإِمساكِ على من لم يبيِّتِ النية، أو قدم من سفر، أو طهرت الحائض
والنفساء في أثنائه، ونحو ذلك، ما لم يُتَحَقَّق أنه من شعبان. (ولا تثبت
بقية الأحكامِ، كوقوع الطلاقِ، والعتقِ، وحلولِ الأجلِ،) وانقضاءِ العدة،
ومدة الإيلاء، ونحوِ ذلك، عملاً بالأصل.
[إثبات رؤية الهلال]
(وتثبت رؤية هلالِهِ) أي رمضان (بخبرِ مسلمٍ مكلَّفٍ عدل) نص عليه (ولو)
كان (عبداً أو أنثى) أو بدونِ لفظِ الشهادة. ولا يختص بحاكمٍ، فيلزمُ
الصومُ من سمع عدلاً يخبر برؤيةِ الهلالِ، ولو ردَّه الحاكم.
(وتثبتُ) بشهادةِ الواحد (بقيةُ الأحكام تبعاً) جزم به صاحب المحرّر.
__________
(1) وعن أحمد رواية أخرى: الناسُ تبعٌ للإمام. ورواية ثالثة: لا يجب صومه
ولا يجزئ عن رمضان إن صامه وهذا قول كثر أهل العلم منهم أبو حنيفة ومالك
والشافعي (المغني 3/ 89).
(1/270)
(ولا يُقبل في بقية الشهورِ) كشوالٍ وغيره
(إلا رجلان عدلان) بلفظِ الشهادة (1).
وإذا صاموا بشهادةِ اثنين ثلاثينَ يوماً فلم يروا الهلال أفطروا، في الغيمِ
والصَّحْوِ، لا إن صاموا بشهادةِ واحدٍ.
فصل [شروط وجوب الصوم]
(وشرْطُ وجوبِ الصومِ أربعة أشياء)
الأول: (الإِسلام) فلا يجب على كافرٍ بحالٍ، ولو أسلم في أثناءِ الشهر لم
يلزمه قضاءُ الأيامِ السابقةِ لإِسلامه.
(و) الثاني: (البلوغ) فلا يجب على من لم يبلغ.
(و) الثالث: (العقل) فلا يجب على مجنون.
(و) الرابع: (القدرة عليه) فلا يجب على مريض يعجز عنه، للآية. (فمن عجَزَ
عنه) أي عن الصوم (لكبر) كالشيخِ الهَرِمِ، والعجوز، اللذين يَجْهَدُهما
الصوم ويشق عليهما مشقةً شديدة، (أو) عجَزَ عن الصوم لـ (مرضٍ لا يرجى
زوالُهُ، أفطر، وأطعم عن كلِّ يومٍ مسكيناً، مُدَّ بُرٍّ، أو نصفَ صاعٍ من
غيره.)
__________
(1) وعن أحمد أنه قال: اثنان أعجب إليّ. قال عثمان بن عفان رضي الله عنه:
لا يقبل إلا شهادة اثنين. وهو قول مالك والأوزاعي وإسحاق. لما روى أحمد
والنسائي مرفوعاً من حديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب "إن شهد شاهدان ذوا
عدل فصوموا وأفطروا". (المغني 3/ 157) وهو حديث صحيح كما في (الإرواء ح
909) وهذا من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيؤخذ على عمومه أما
الحديثان الآخران فكل منهما واقعة حال فيحتمل في كل حال منهما: أن شاهداً
آخر كان قد شهد برؤية الهلال، وتوقف الأمر على مجيء الشاهد الثاني فلما جاء
أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصيام.
(1/271)
ومن أيِسَ من بُرئِهِ، ثم قدر على قضاءٍ
فَكَمَعْضوبٍ لا يقدر على الحج حُجَّ عنه ثم عوفي (1).
[شروط صحته]
(وشرط صحته) أي الصوم (ستة):
الأول: (الإِسلام).
(و) الثاني: (انقطاع دمِ الحيض).
(و) الثالث: انقطاع دم (النفاس).
(والرابع) من شروط صَحة الصوم: (التمييز) فلا يصحّ صوم من لم يميّز (فيجب
(2) على وليّ المميّز) أباً كان أو غيره (المطيقِ للصومِ أمرُهُ به) أي
الصوم، (وضربُهُ عليه) حينئذ إذا تَرَكَهُ (ليعتاده) كالصلاةِ، إلا أن
الصومَ أَشقُّ فاعتُبِر له الطاقة، لأنه قد يطيقُ الصلاة من لا يطيقُ
الصوم.
(الخامس) من شروط صحة الصوم: (العقلُ) وتقدم أنه شرطٌ للوجوب أيضاً. (لكن
لو نوى) العاقل (الصومَ ليلاً، ثم جنَّ، أو أغميَ عليه جميعَ النهار) لم
يصحَّ صومه، لأنه عبارة عن الإِمساكِ مع النية، ولم يوجدِ الإِمساك المضافُ
إليه، كما دل عليه قوله تعالى في الحديث القدسي "إنه تَرَك طعامَهُ
وشَرابَهُ من أجلي" (3) فلمْ تعتبر النية منفردةً (و) إن (أفاق) المجنونُ
أو المغمى عليه (منه) أي من اليوم الذي بيّت النيةَ له جُزْءاً (قليلاً
صحّ) صومه، لقصد الإِمساك في جزءٍ من النهار، كما لو
__________
(1) أي يجزئه ذلك وعليه الفدية، وليس عليه قضاء، كما أن من حُجَّ عنه لمرضٍ
ثم عوفي منه أجزأه حجّ النائب.
(2) كذا في الأصول. ولو قال "ويجب" لكان أولى، إذ ليس هذا تفريعاً، بل هو
إفادة حكم مغاير.
(3) أول الحديث "قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا
أجزي به، إنه ترك ... الحديث" رواه أحمد والبخاري ومسلم.
(1/272)
نام بقيّةَ يومِهِ. قال في شرح الإقناع:
وظاهره أنه لا يتعيّن جزءٌ للإدراك. ولا يفسُدُ بإغماءِ بعض اليوم، وكذا
المجنون.
[النية]
(السادس) من شروط صحة الصوم: (النيّةُ من الليل) ظاهره أنه لا يصحّ في نهار
يومٍ لصوم غدٍ، قاله في المبدعِ: (لكل يومٍ واجبٍ) سواء كان واجباً بأصل
الشرع أو أوجَبُه الإنسان على نفسه، كالنذر. وكذلك لو كان عن دمِ مُتْعةٍ،
أو قرانٍ، أو عن دم غيرِهما، لأنّ كل يوم عبادةٌ مفردةٌ، لا يفسد صومُ يومِ
بفَسادِ صوم يومٍ آخر.
ويجب تعيينُ النيةِ بأن يعَتقد أنه يصوم غداً من رمضانَ، أو من قضائِهِ، أو
من نذرٍ، أو كفارةٍ، أو نحو ذلك.
(فمن خَطَر بقلبِهِ ليلاً أنه صائمٌ غداً فقد نوى) لأن النية محلها القلب.
(وكذا الأكلُ والشربُ) يكون نيّةً إذا كان (بنية الصوم) قال الشيخ: هو حين
يتعشّى عشاءَ من يريدُ الصومَ. ولهذا يفرق بين عشاء ليلةِ العيدِ وعشاءِ
ليالي رمضان.
(ولا يضرُّ إن أتى بعد النيةِ بِمُنَافٍ للصوم) من أكلٍ وشربٍ وجماعٍ
وغيرها (أو قال: إن شاء الله، غيرَ متردَّدٍ) فلا يضرّ، فإن قَصَدَ
بالمشيئة الشَّكَّ أو التردد في العزم والقصد، فسدت نيّتُه لعدم الجزم بها.
(وكذا) لا يضرُّ (لو قال ليلة الثلاثين من رمضان: إن كان غدٌ من رمضانَ فـ)
هو (فرضٌ وإلاّ فإنا مفطرٌ) فبانَ من رمضان فإنه يجزئه في الأصح، لأنه بني
على أصلٍ لم يثبت زوالُهُ، ولا يقدح تردُّدُه , لأنه حكم صومه (1) مع
الجزم.
__________
(1) (ب، ص) "حكم صومٍ" والتصويب من (ف) وشرح المنتهى. ولم يتضح المراد بهذا
=
(1/273)
(ويضر إن قاله) أي قال ذلك (في أوّله) أي
ليلةَ الثلاثينَ من شعبان فبان منه لم يجزئه، لأنه لا أصل ينبني عليه.
[ركن الصيام]
(وفرضُه) أي الصيام فرضاً كان أو نفلاً (الإِمساكُ عن) جميع (المفطّرات من
طلوع الفجر الثاني إلى) كمال (غروبِ الشمس،) فلو فعل شيئاً من المفطّرات
بعد الفجرِ الأول وقبل الفجر الثاني لم يضرّ.
[سنن الصيام]
(وسننه) أي الصيام (ستّة):
الأول: (تعجيلُ الفطر) إذا تحقق غروب الشمس. ويباح إن غلب على ظنّه.
وتحقُّق غروبِ الشمس شرطُ فضيلةِ تعجيل الفطر، لا جوازِه.
والفطرُ قبل صلاة المغربِ أفضل.
الثاني: ما أشار إليه بقوله: (وتأخيرُ السحورِ) ما لم يخشَ طلوع الفجر
الثاني، والسحور سنة.
وأشار للثالث: بقوله: (والزيادة في أعمال الخير) ككثرةِ قراءةٍ، وذكرٍ،
وصدقةٍ، وكفِّ لسانٍ عما يُكرَه. ويجبُ كفُّه عما يحرُم من الكذبِ،
والغيبةِ، والنميمة، والشتم، والفحشِ، وغير ذلك، إجماعاً.
وأشار للرابع: بقوله: (وقولُهُ) أي يسن قوله (جهراً) في رمضان لأمنِ
الرياءِ، (إذا شُتِمَ: إني صائمٌ،) وفي غيره سراً، يزجر نفسَه بذلك،
__________
= التعليل فلعل في العبارة تحريفاً. وفي المغني 3/ 94 الآن هذا شرط واقعٌ
والأصل بقاء رمضان".
(1/274)
خوفَ الرياء. وهذا اختيارُ صاحبِ
المحرَّرِ. وظاهرُ المتنِ، كالمنتهى، أنه يجهر مطلقاً، وهو اختيار الشيخ
تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى.
وأشار للخامسِ بقوله: (وقوله) أي الصائم (عند فطره: اللهمَّ لَكَ صُمْتُ،
وعلى رزقِكَ أفطرتُ. سبحانَكَ وبحمدِك. اللهمَّ تقبلْ مني إنّك أنتَ
السَّمِيعُ العليم.) للحديث الشريف (1)، ولأن الدعاءَ عند الفطر مظنة
الإِجابة.
ويستحب تفطير الصائمِ. قال في الفروع: وظاهر كلامهم: على أيِّ شيءٍ كان،
كما هو ظاهِرُ الخبر. وكذا رواه ابن خُزيمة (2) من حديث سَلْمانَ الفارسي.
قال الشيخ: المراد بتفطيرِهِ أن يُشْبِعَه.
وأشار للسادس بقوله: (وفطره على رُطَبِ، فإن عُدِمَ فـ) على (تمر، فإن
عَدِمَ) الصائمُ التمر (فـ) على (ماءٍ.)
فصل [في أهل الأعذار]
(يحرم على من لا عذر له) من نحو مرضٍ أو سفرٍ (الفطرُ برمضان).
__________
(1) روي مرفوعاً من حديث ابن عباس ما عدا قوله فيه "سبحانك وبحمدك" رواه
الدارقطني وابن السني والطبراني في الكبير. وهو حديث ضعيف. وروي من حديث.
أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أفطر قال "اللهم لك صمت وعلى
رزقك أفطرت" أخرجه الطبراني في الصغير والأوسط وابن السني. وهو ضعيف أيضاً
(الإرواء ح 919)
(2) وهو حديث طويل، أوله "يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك .. إلى أن
قال: من فطر فيه صائماً كان له مثل أجره .. يعطي الله هذا الثواب من فطّر
صائما على تمرةٍ الحديث" قال ابن خزيمة: صحّ الخبر (الترغيب والترهيب،
القاهرة، التجارية 2/ 222).
(1/275)
(ويجب الفطر على الحائضِ والنفساءِ. و) يجب
الفطر برمضان (على من يحتاجُه) أي الإِفطار (لإنقاذ) آدمي (معصوم من
مَهْلكَةٍ) كغريقٍ ونحوِه.
(ويسن) الفطر برمضان (لمسافرٍ يباحُ له القصر) إذا فارقَ بيوتَ قريَتهِ
العامرة، أو خيامَ قومِهِ، كما تقدم. ويكره صومُه ولو لم يجد مشقَّةً. لكن
لو سَافَر لِيُفْطِرَ حَرُمَا عليه.
(و) يسنُّ الفطر (لمريضٍ يخافُ الضررَ) بزيادة مرضِهِ، أو طوله، ولو بقولِ
مسلم ثقةٍ. وكُرِهَ صومه. فإن صام أجزأه.
ولا يُفْطِرُ مريضٌ لا يتضرر بالصوم، كمن به جرب، أو وجعُ ضرسٍ أو أصبع أو
دمَّلٌ ونحوه. قيل لأحمد: متى يفطر المريض؟ قال: إذا لم يستطع قيل: مثل
الحمَّى؟ قال: وأيّ مرض أشدّ من الحمَّى.
(ويباح) الفطر (لحاضر سافر في أثناء النهار) سفراً مباحاً يبلغ المسافةَ،
سواءٌ سافَرَ طوعاً أو كَرْهاً. ولا يفطر إلا بعد خروجه. والأفضل له إتمامُ
ذلك اليوم.
(و) يباحُ الفطر (لحاملٍ ومرضعٍ خافتا على أنفسهما أو على الولدِ.) وكره
صومهما. (لكن لو أفطرتا للخوف على الولد فقط) أي دون أنْفُسِهِما لزمهما
القضاء. و (لزمَ وليُّهُ إطعامُ مسكينٍ لكل يومٍ) أفطرتْه، ما يجزئُ في
الكفارة. ويلزمهما القضاء فقط إذا أفطرتَا خوفاً على أنفسهما.
(وإن أسلم الكافرُ، أو طهرت الحائضُ، أو برئَ المريض، أو قَدِم المسافر، أو
بلغ الصغير، أو عَقَل المجنون، في أثناءِ النهار، وهم مفطرون، لزمهم
الإمساكُ والقضاء) لحرمة الوقت، كقيامِ البيِّنة فيه بالرؤية، ولإدراكه
جزءاً من الوقت، كالصلاة.
(وليس لمن جاز له الفطرُ برمضانَ أن يصومَ غيرَه فيه) كأن يصومَ قضاءً، أو
نذراً، أو نَفْلاً، أو نحو ذلك.
(1/276)
فصل [في
المفطرات]
(وهي) أي المفطّرات (اثنا عشر) مفطِّراً:
الأول: (خروجُ دم الحيض و) خروج دم (النفاس).
(و) الثاني: (الموت.)، ويطعَمُ من تركتِهِ في نَذْرٍ وكفارةٍ مسكين (1).
(و) الثالث: (الرِّدَّة) أعاذنا الله تعالى منها.
(و) الرابع: (العزم على الفِطْرِ) قال في الإِقناع: ومن نوى الإِفطار أفطر،
كمن لم ينوِ، لا كمن أكَلَ، فلو كان نفلاً ثم نواه صح. (2) انتهى.
(و) الخامس: (التردّدُ فيه) أي في الفطر.
(و) السادس: (لا إن ذرعه. قال في الإِقناع: أو استقاءَ فقاءَ طعاماً، أو
مراراً، أو بلغماً، أو دماً، أو غيره، ولو قل.
(و) السابع: (الاحتقانُ من الدُّبُر) لأنه يصل إلى الجوف، ولأن غير المعتاد
كالمعتاد في الواصل. ولأنه أبلغُ وأولى من الاستِعَاطِ.
(و) الثامن: (بَلْعُ النخامة إذا وصلت إلى الفم) سواء كانت من الدماغِ أو
الحلق أو الصدر. ويحرم بَلْعُها بعد وصولها إلى فمه.
والتاسع: الحجامة خاصَّةً، حاجماً كان أو محجوماً) سواء كانت الحجامة في
القَفَا أو في الساق، نص عليه، وظَهَرَ دَمٌ، لا بِفَصْدٍ وَشَرْطٍ، ولا
بإخراج دَمِهِ برعافٍ.
والعاشر: إنزالُ المنيّ بتكرار النظر لأنه أنزلَ بفعل يتلذَّذُ به، يمكن
التحرز منه، أشبه الإنزالَ باللَّمسِ.
__________
(1) أي عن اليوم الذي انقطع صومه فيه بموته.
(2) أي من نوى الإفطار أفطر، ويكون كمن لم ينوِ، فإن ثاء أتمَّه نفلاً،
بخلاف ما لو أكل، فلا صيام له ذلك اليوم.
(1/277)
و (لا) يفطر إن أمنى (بنظرةٍ) لعدم إمكانِ
التحرُّزِ من النظرة الأولى.
(ولا) يفطِرُ إن أمنَى (بالتفكُّر) لَأنه إنزالٌ لغير مباشرةٍ ولا نظرٍ،
فأشبه الاحتلام.
(و) لا يفطر بـ (الاحتلام) لكونه ليس بسببٍ من جهته.
(و) لا يفطر بـ (المذْي) بتكرارِ النظرِ لأنه لا نص فيه، والقياسُ على
إنزال المنيّ لا يصح، لمخالفته إياه في الأحكام.
والحادي عشر: خروج المنيِّ أو المذي بتقبيلٍ أو لمسٍ أو استمناءٍ أو
مباشرةٍ دونَ الفرج.) وعلم منه أنه لا فطر بدون الإِنزال.
والثاني عشر: كلُّ ما وصل إلى الجوف أو الحلق أو الدماغ من مائعٍ وغيره) أي
سواء كان يغذِّي وَيَنْمَاعُ، أوْ لا كالحصى والقطعةِ من الحديدِ والرصاصِ
ونحوهما، (فيفطر إن قَطَّر في أذنه ما) أي شيئاً (وصلَ إلى دماغِهِ) عمداً،
ذاكراً لصومه، فَسَدَ صومه لأنه شيء واصلٌ إلى جوفِهِ باختيارِه، فأشبه
الأكل (أو دارى الجائفةَ فوصلَ) الدواءُ (إلى جوفِهِ، أو اكتحلَ بما) أيْ
شيءٍ (علم وصولَهُ إلى حلقه) برطوبتِهِ، أو حِدَّتِهِ، من كحلٍ، أو صَبِرٍ،
أو قُطُورٍ، أو ذَرورٍ، أو إثمد كثيرٍ، أو يسيرٍ مطيَّب، (أو مَضَغَ
عِلْكاً) فوجد طعمَه في حلقه (أو ذاقَ طعاماً ووجد الطعمَ بحلقِهِ.) ويكره
ذوْقُهُ بلا حاجةٍ، ويكره مَضْغُ العلك الذي لا يتحلَّلُ منه أجزاء (أو
بَلَعَ ريقَه بعد أن وصل إلى بينِ شفتيهِ) أو فَصَلَهُ عن فَمِهِ ثم
ابتلعه.
(ولا يفطِرُ إن فَعَلَ شيئاً من جميع المفطَراتِ) المتقدمة من أكلٍ وشربٍ
وحجامةٍ ونحو ذلك (ناسياً أو مكرهاً) ولو كان ذلك بِوَجُورِ مغمًى عليهِ
مَعالجةً (1).
__________
(1) الوجور صب الشراب في الفم، لعلاجٍ أو غيره.
(1/278)
(ولا) يفطر (إن دخل الغبارُ حلقَهُ أو) دخل
(الذبابُ) حلقه (بغير قصدِهِ) الإدخالَ، كغبارِ الطريقِ، ونَخْلِ الدقيق،
لأنه لا يمكنه التحرّز من ذلك، أشبهَ ما لو دخلَ في حلقِهِ شيءٌ وهو نائم.
(ولا) يفطِر (إن جَمَعَ ريقه فابتلعه) وإنما يكره له ذلك.
فصل
(ومن جامع) في (نهارِ رمضانَ) بِذَكَرٍ أصليٍّ (في) فرج أصلي (قبلٍ أو دبرٍ
ولو) كان الفرج (لميّت أو بهيمة) أو سمكة أو طيرٍ، حيٍّ أو ميتٍ، أنزل أوْ
لا (في حالةٍ يلزمه فيها الإمساك) كمن نَسِيَ النِّيَّة، أو أكل عامداً ثم
جامع، أو لم يعلمْ برؤية الهلال حتى طلع الفجر، (مكرهاً كان) المجامِعُ (أو
ناسياً) للصوم، جاهلاً كان أو عالِماً، سواءٌ أُكرِهَ حتى فعله، أو فُعِلَ
به من نائِمٍ ونحوه (لَزِمَهُ القضاءُ والكفّارة) لا سليمٌ وَطِئَ دون فرجٍ
ولو محمداً، أو بذكرٍ غيرِ أصلي في فرج أصليّ، وعكسه، فإنه ليس عليه إلا
القضاء إن أمنى أو أمذى.
(وكذا) حكم (من جومع) في لزوم الكفارة (إن طاوَعَ، غيرَ جاهِلٍ وناسٍ)
ونائمٍ ومكرهٍ لأنه معذور.
ويفسد صومه بذلك.
[الكفارة]
(والكفارةُ) الواجبة بإفساد الصوم في الصوَر التي تجب فيها: (عتقُ رقبةٍ
مؤمنةٍ) سليمةٍ من العيوب، (فإن لم يجد) أي لم يقدر على الرقبة (فصيام
شهرين متتابعين) فلو قدِرَ عليها قبل شروعه في الصوم، لا بعد شروعِهِ فيه،
لزمتْه الرقبة.
(1/279)
(فإن لم يستطع) أن يصوم (فإطعامُ ستينَ
مسكيناً) لكلِّ مسكينٍ مُدُّ بُرٍّ أو نصفُ صاعِ تمرٍ أو شعيرٍ.
(فإن لم يجد) شيئاً يطعِمُه المساكين (سقطَتْ) عنه (بخلاف غيرِهَا من
الكفّارات) ككفارةِ حجٍ وظهارٍ ويمينٍ وكفارةِ قتلٍ.
وتسقُط جميع الكفاراتِ بتكفيرِ غيرِهِ عنه بإذنه.
(ولا كفارة في) نهار (رمضانَ بغير الجماعِ والإنزالِ بالمساحَقَةِ.) ولو
كان الجماعُ من صائمٍ في السفر فلا كفارة فيه.
فصل [في قضاء الصوم]
(ومن فاته رمضانُ كلُّه قَضَىٍ عَدَدَ أيامهِ) يعني إن كان ثلاثينَ يوماً
قضى ثلاثين يوماً، وإن كان تسعةً وعشرين يوماً قضى تسعةً وعشرين، كأعداد
الصلوات الفائتة.
ويُقدَّم قضاء رمضانَ وجوباً على نذرٍ لا يخاف فَوْتَه.
(وسُنَّ القضاءُ على الفورِ) والتَّتَابُعُ لمن فاته عدد من أيام رمضان،
(إلا إذا بقي من) شهر (شعبانَ بقدرِ ما عليهِ) من عددِ الأيام التي لم
يصمها من رمضانَ، (فيجب التتابع) لضيقِ الوقتِ، كأداءِ رمضان في حقّ من لا
عذر له.
(ولا يصحّ ابتداء تطوعٍ ممن عليهِ قضاءُ رمضانَ) قبل أدائه. (فإن نوى صوماً
واجباً) كنذرٍ وكفارةٍ (أو قضاءٍ) من رمضانَ، (ثم قَلَبَهُ نفلاً صحَّ.)
الظاهِرُ أنه يُشْتَرَطُ لصحة القلب كون الوقت متَّسِعاً، كالصلاة.
[صيام التطوع]
(ويسن صومُ التطوُّعِ).
(1/280)
(وأفضله) أي أفضلُ صوم التطوع (يومُ) صومٍ
(ويوم) فطر. وهو أفضل الصيام.
(ويسن صومُ أيامِ البيضِ) سمِّيت بذلك لأن الله تعالى تاب فيها على آدم،
وبَيَّضَ صحيفته (1). ذكره أبو الحسن التميمي. (وهي ثلاثةَ عشر، وأربعةَ
عشَر وخمسةَ عَشَر) نصَّ على ذلك.
(و) يسن (صومُ) يوم (الخميسِ، و) يوم (الإِثنينِ).
(و) سنّ صوم (ستةٍ من شوالٍ) والأولىَ تتابُعها، وكونُها عَقِب العيدِ،
وصائمُها مع رمضانَ كأنما صامَ الدهر لأن رمضانَ بعشرةِ أشهر، وهذه الستة
بشهرين (2). (وسُنَّ صومُ) شهرِ الله (المحرم. وآكده) وعبارة الإِقناع،
وأفضله (3) (عاشوراءُ، وهو (أي عاشوراءُ (كفارة سنةٍ) ثم يلي صومَ عاشوراءَ
في الأكدية: التاسِعُ، ويسمَّى: تاسوعاءَ.
(و) سن (صوم عشرِ ذي الحجة، وآكده يومُ عرفة. وهو) أي صومه (كفارةُ سنتين.)
قال في الفروع: والمرادُ به الصغائر. حكاه في شرحْ مسلم عن العلماء: فإنْ
لم تكن صغائِرُ رُجِيَ التخفيفُ من الكبائر، فإن لم تكنْ رُفِعتْ له
درجاتٌ.
ولا يسنُّ صومُ عرفةَ لمن بها، إلا لمتمتِّعٍ أو قارِنٍ عَدِمَا الهدْيَ.
(وكُرِهَ إفراد رَجَبٍ) بالصوم. قال أحمد: من كان يصومُ السنَةَ صامَهُ،
وإلا فلا يصومه متوالياً، بل يفطر فيه، ولا يشبهُهُ برمضان انتهى.
(و) كره أيضاً أفراد يوم (الجمعةِ) بالصومِ إلا أن يوافِقَ عادةً، مثل من
يفطر يوماً، ويصوم يوماً، فيوافق صومه يومَ الجمعة.
__________
(1) في ثبوت هذا نظر. والمعروف أنها سميت بذلك لازدياد نور القمر فيها،
فكأنها بيضاء. ذكره صاحب لسان العرب.
(2) سقط من (ف): "لأن رمضان ... الخ".
(3) أي أفضل أيام شهر المحرّم.
(1/281)
(و) كره إفراد يوم (السبت بالصوم).
(وكره صوم يوم الشكِّ وهو الثلاثون من شَعْبانَ، إذا لم يكنْ) في السماءِ
في مطلِعِ الهلالِ (غيمٌ أو قَتَرٌ) أو سحابٌ، أو غير ذلك، مما تقدم (1).
(ويحرم) ولا يصحّ فرضاً ولا نفلاً (صوم) يوم (العِيدَيْنِ).
(و) يحرم ولا يصحّ فرضاً ولا نفلاً صوم (أيامِ التشريق) إلا عن دمِ متعةٍ
أو قرانٍ.
(ومن دخل في تطوُّعٍ) صوم أو غيرِهِ، غيرِ حجٍّ أو عمرةٍ (لم يجبْ) عليه
(إتمامُه،) وُيسَنُّ له إتمامه.
وإن فسد فلا قضاء، ويسن قضاؤه، للخروج من الخلاف.
(و) من دخل (في فرض يجب عليهِ) إتمامُهُ سواءٌ كان مفروضاً بأصلِ
الشَّرْعِ، أو فَرَضَهُ على نفسِهِ بنذرٍ، ولو كان وَقْتُهُ موسعاً كصلاةٍ،
وقضاءِ رمضانَ، ونذرٍ مطلقٍ، وكفارةٍ، (ما لم يقلبْه نفلاً.)
__________
(1) أنظر أول كتاب الصوم.
(1/282)
|