تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة

 (كتاب الجنائز)
الشيخ: على ما هي عليه.
القارئ: فإن كثر المطر بحيث يضرهم أو كثرت مياه العيون حتى خيف منها استحب أن يدعو الله تعالى.
الشيخ: لأنه قال يضرهم وهذه جمع فيكون يدعو ضميرها ضمير جمع.
القارئ: استحب أن يدعو الله تعالى أن يخففه لأن في حديث أنس قال فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم على ظهور الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر) فانجابت عن المدينة انجياب الثوب) متفق عليه وفي حديث آخر (اللهم حوالينا ولا علينا) ويقول (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) الآية.
الشيخ: وغيره ذكر أنه يقرأ (رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) وهذا هو المقصود لكن كأن المؤلف رحمه الله استحب أن تُقرأ الآية كلها وينبغي للإنسان إذا استشهد بآية وكان محل الاستشهاد في آخرها أن لا يقول الآية بل يأتي بمحل الشاهد.
كتاب الجنائز
القارئ: يستحب الإكثار من ذكر الموت والإستعدادُ له.


الشيخ: قوله كتاب الجنائز الجنائز جمع جنازة فمن اللغويين من قال جنازة وجنازة بمعنى واحد ومنهم من فرق وقال الجَنازة الميت والجِنازة ما يحمل عليه وهذا له وجهة نظر لأن الجنازة بالفتح حركته عليا فكانت للأعلى والجنازة بالكسر حركتها سفلى فكانت للأسفل وعلى هذا فتقول صليت على الجنازة ولا تقول صليت على الجنازة لأن الجنازة هي النعش وقول المؤلف يستحب الإكثار من ذكر الموت لأنه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام بحديث فيه نظر (أكثروا من ذكر هاذم اللذات الموت) وهل المراد ذكره أي تذكره بحيث أن الإنسان يتذكر هذا بنفسه أو ذكره بين الناس إذا صح الحديث فهو عام لكن ذكره بين الناس يجب على الإنسان أن يلاحظ الحال هل هي مناسب أن يتكلم بالموت أو غير مناسب قد لا يكون من المناسب أن يتذكر الموت في حفل عرس مثلاً أو ما أشبه ذلك فالإنسان يذكر غيره بالموت إذا اقتضت الحال هذا أما الاستعداد له فنعم يسن الاستعداد له وقد يجب فيما يجب على الإنسان أداؤه كالديون والعبادات الواجبة عليه وما أشبه ذلك فالاستعداد نوعان نوع واجب ونوع مستحب حسب ما يستعد به للموت.

القارئ: فإذا مرض استحب عيادته لما روى البراء قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع الجنازة وعيادة المريض متفق عليه.


الشيخ: وقوله استحب الصحيح أن عيادة المريض فرض كفاية وأنه إذا لم يقم بها من يكفي وجب على المسلمين عيادة أخيهم لأنها من حقوق المسلم على المسلم وكيف يليق بنا أن نعرف أن أخينا مريض في بيته ولا يعوده أحد منا فالصواب أن عيادة المريض فرض كفاية وأنه إذا كان المريض ذا رحم فعيادته فرض عين لأنها من صلة الرحم وقول المؤلف عيادة المريض ظاهره العموم لكن ينبغي أن يقيد بالعيادة في مرض جرت العادة بالعيادة فيه أما لو كان مريضاً مرضاً سهلاً كوجع الضرس ونحو ذلك فإنه لا يعاد لأن الغالب أنه لا ينحبس في بيته ولو قيل بضابط أنه يسن عيادة المريض الذي اقتضى مرضه أن ينحبس في البيت لكان هذا ضابطاً جيداً.
القارئ: فإذا دخل عليه سأله عن حاله ورقاه ببعض رقى النبي صلى الله عليه وسلم ويحثه على التوبة ويرغبه في الوصية ويذكر له ما روى ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده) متفق عليه.


الشيخ: هذا مما يسن لعائد المريض أن يسأل المريض عن حاله كيف أنت؟ ويسأل كيف تصلي؟ كيف تتطهر؟ لأنه قد يخفى على بعض المرضى فرجل عاد مريضاً وقال له كيف حالك؟ وسأله كيف تصلي قال نسأل الله أن يتجاوز عنا لي خمسة عشر يوم وأنا أجمع بين الظهر والعصر وأقصر فقوله أجمع هذا صحيح يحل له الجمع إذا شق عليه الإفراد لكن أقصر لا يحل له فقال له صاحبه كيف تقصر وأنت في البلد قال المريض أليست القاعدة أن كل من جاز له الجمع جاز له القصر هذا ظنه وهذه القاعدة كل عامي يعرف أنها ليست قاعدة لأننا نجمع في حال المطر والبرد الشديد وما أشبه ذلك ولا نقصر فأقول إنه ينبغي أن يسأل عن حاله كيف تصلي وكيف تتطهر؟ ويخبره بما يجب عليه كذلك قوله يرقيه يعني يقرأ عليه وهذا يستحب أو يتأكد إذا رأى من المريض أنه متشوف لذلك وقوله أيضاً ببعض رقى النبي صلى الله عليه وسلم صحيح فإن خير الرقى رقى محمد عليه الصلاة والسلام وقوله ويحثه على التوبة صحيح لكن مع تنفيسه له في الأجل فلا يقول تب إلى الله ترى رجليك بالقبر ويضيق عليه لا ولكن يحثه على التوبة ويقول التوبة إلى الله عبادة من أجل العبادات والإنسان خطاء فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وما أشبه ذلك وكذلك الوصية يذكره لا سيما إذا كان هذا الرجل معروفاً بأنه يستدين من الناس ويستقرض وله معاملات فهنا يتأكد أن يذكره لكن إذا قال قائل إذا كان المريض إذا حُدِّث بهذا الحديث انزعج وخاف فهل نحدثه أو ندعه لأنه ربما يزيده كلامنا مرضاً لأن الناس ليسوا على مستوى واحد فهل نذكره؟


نقول أما ما يجب التذكير فيه فإنه قد يتوجه أن نذكره حتى وإن ارتاع يعني مثل أن يكون الإنسان له مداخلات بين الناس ونعرف أن عليه ديوناً فنذكره لكن بأسلوب بعيد عن أن يشعر بأن المعنى أنه دنا أجله ثم إن دنو الأجل ما هو في المرض كم من إنسان مرض وقرب نعشه واشتري كفنه وحفر قبره وعافاه الله عز وجل وكم من إنسان صحيح ليس فيه أدنى مرض ثم يموت أليس كذلك؟ فممكن أن الإنسان يأتي بأسلوب ينفس لهذا المريض في الأجل ويذكره الوصية.

فصل
فيمن يلي المريض
القارئ: ويستحب أن يلي المريض أرفق أهله به وأعلمهم بسياسته وأتقاهم لربه وإذا رآه منزولاً به تعاهد بل حلقه فيقطر فيه ماءً أو شرابا ويندي شفتيه بقطنة ويلقنه قول لا إله إلا الله مرة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) رواه مسلم ويكون ذلك في لطف ومداراة ولا يكرر عليه فيضجره إلا أن يتكلم بشيء فيعيد تلقينه لتكون آخر كلامه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه أبو داود.


الشيخ: هذا أيضاً مما ينبغي ملاحظته أن يمرض المريض أقرب الناس إليه وأشدهم حنواً وعطفاً لأن هذا مما يزيد في صحته ويخفف عليه المرض والألم والقلق وإذا رأى أنه قد نزل به فإنه كما يقول المؤلف يستحب فيه أفعال وأقوال الأفعال أن يتعاهد بل حلقه بماء لأن ريقه ينشف وكذلك شفتاه تندى بماء ليسهل عليه النطق ويلقنه لا إله إلا الله لكن كيف التلقين؟ هل يأمره بلا إله إلا الله أو ينطق بلا إله إلا الله عنده بصوت يسمعه؟ الجواب الثاني لأنه ربما إذا أمره مع ضيق نفسه في تلك الحال ربما يكره هذا أو يقول لا أنت تأمرني أو ما أشبه ذلك فإذا ذكر الله عنده بصوت يسمعه انتبه وصار هذا تلقيناً فإن قيل ما الجواب عن قول الرسول عليه الصلاة والسلام لعمه أبي طالب وهو محتضر (يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله)؟ الجواب سهل أن أبا طالب كان كافراً وأشد ما يخشى أن يقول أبو طالب لا وإذا قال لا لم يزد عليه الأمر لأنه كان كافراً إن نطق بها فهي كسب وإن لم ينطق بها فهو غير ناطق بها ولهذا كان آخر ما قال والعياذ بالله أنه على ملة عبد المطلب بسبب رجلين كانا عنده قالا له أترغب عن ملة عبد المطلب؟ وإذا قال الذي يمرضه لا إله إلا الله ونطق المحتضر وقال لا إله إلا الله هل يعيد؟ لا لا يعيد ما دام هذا آخر كلامه لا يعيد لكن لو تكلم المحتضر بأي كلام فإنه يعيد حتى لو قال يا رباه أو أشكو إلى الله أو ما أشبه ذلك فليعد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله).

القارئ: ويقرأ عنده سورة يس ليخفف عنه لما روى معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اقرأوا يس على موتاكم) رواه أبو داود.


الشيخ: هذا الحديث ضعفه كثير من أهل العلم وقال إنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن حسنه قال إنه تقرأ يس على المحتضر وليس على الميت الذي نزعت روحه وعللوا ذلك بأن يس فيها ترغيب وترهيب ففيها (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) وفيها (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ) وفي آخرها أيضاً (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وإذا أحس الإنسان المحتضر بأنه سيرجع إلى الله عز وجل وعنده إيمان _ نسأل الله أن يجعلني وإياكم من هؤلاء _ فإنه سوف يفرح وتهون عليه الدنيا لأنه يقول أنا أرجع إلى ربي الذي هو أرحم بي من أمي وأبي فلا يتكدر وقراءتها إن شاء الله لا بأس بها إن كان الحديث صحيحاً فهذا المطلوب وإن لم يكن صحيحاً فهي خير ولكن هل يقرؤها جهراً أو سرا؟ يقرأها بحيث يسمع المحتضر لا يجهر الجهر الذي يزعجه ولا يسر السر الذي لا يسمعه لأنه إذا قرأها على وجه لا يسمعه لم يستفد منها شيئاً ولم تتحرك لها نفسه وإن قرأها بصوت مرتفع ربما يزعجه ويقلقه.
القارئ: ويوجهه إلى القبلة كتوجيهه في الصلاة لأن حذيفة رضي الله عنه قال وجهوني ولأن خير المجالس ما استقبل به القبلة.


الشيخ: هذه في النفس منها شيء أنه يسن أن يوجه إلى القبلة لأن النبي عليه الصلاة والسلام حضر أبا سلمة ووجده ميتاً وهو نفسه عليه الصلاة والسلام مات ولم ينقل أنهم يتقصدون أو يتعمدون توجيهه إلى القبلة ثم هذا الأثر عن حذيفة رضي الله عنه يحتاج إلى نظر في صحته فإذا صح فهو عمل صحابي وإذا كانت السنة لم ترد به فلا يعمل به كما لم نعمل بحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه حين أمر أهله إذا دفنوه أن يقيموا عنده قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها فإننا نقول هذا ليس بصحيح وهذا اجتهاد منه وهدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه.
السائل: هل يطلب من الشخص الذي عند المحتضر أن يقرأ سورة يس؟
الشيخ: على رأي من يرى أن الحديث حسن يكون سنة ولكني أقول إن ذكر هذا الحديث وإن كان فيه نظر فيقال الحمد لله نفعله فإن كان صحيحاً فهذا المطلوب وإلا فلا يضر إن شاء الله وقد ذكرنا لكم قاعدة ذكرها صاحب النكت على المحرر قال إن النهي إذا كان في حديث ضعيف يحمل على الكراهة والأمر يحمل على الاستحباب.

السائل: ماكيفية تلقين الميت لا إله إلا الله هل يقال له لا إله إلا الله فقط أو يقال له لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخره؟
الشيخ: يكفي لا إله إلا الله.
السائل: وهل يزاد محمد رسول الله؟
الشيخ: لا.

فصل
في تجهيز الميت
القارئ: فإذا مات أغمض عينيه لما روى شداد بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح) من المسند ولأنه إذا لم تغمض عيناه بقيتا مفتوحتين فيقبح منظره.


الشيخ: لو أن المؤلف استدل بحديث أبي سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أبي سلمة وقد شخص بصره فأغمض عينيه عليه الصلاة والسلام وقال (إن الروح إذا قبض اتبعه البصر) يعني أن البصر يبقى ضوء الإبصار فيه بعد أن تخرج الروح وهذا شيء شهد به الطب الحديث فكنا نظن أنه إذا خرجت الروح مع الجسد كل شيء بطل لكن لا يبطل والبصر يبقى ينظر هذه الروح التي خرجت منه وفي هذا دليل على أن الروح جسم وليست معنى أو وصفاً بل هي جسم يرى ولهذا تكفن بالكفن الذي تنزل به الملائكة من السماء فيغمض عينيه لما ذكر المؤلف من الحديث إذا صح ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أغمض عيني أبي سلمة رضي الله عنه ولئلا يقبح منظره عند التغسيل والتكفين ولئلا تكون الأعين مفتوحة للهوام في القبر ففيها فوائد ويبادر بالتغميض حتى لا يبرد الجسم لأنه إذا برد صعب فيبادر بذلك.
القارئ: ويشد لحيته بعصابة عريضة يجمع لحييه ثم يشدها على رأسه لئلا ينفتح فوه فيقبح منظره ويدخل فيه ماء الغسل ويقول الذي يغمضه بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: هذا فيه نظر يعني كونه إذا أغمضه يقول بسم الله وعلى ملة رسول الله فيه نظر لأن ذلك لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا من قوله ولا من فعله.

القارئ: ويلين مفاصله لأنه أسهل في الغَسل ولئلا تبقى جافة فلا يمكن تكفينه.
الشيخ: كيفية تليين المفاصل أن يرد ذراعيه إلى عضديه وعضديه إلى صدره ثم يمد اليد ثم يعود ويمد وذلك لأنها إذا بردت الأعصاب بقيت على ما هي عليه أحياناً تأتي جنازة تكون ماتت وليس عندها أحد وقد قبض فخذيه إلى بطنه فتأتي هكذا منعقدة لأنها إذا بردت الأعصاب لم يمكن أن تلين.
وفي الرجل يرد الساق إلى الفخذ ثم الفخذ إلى البطن ثم يمدها مرتين أو ثلاثاً حتى تلين ليسهل تغسيله ويبقى منظره ممدوداً.
القارئ: ويخلع ثيابه لئلا يحمى جسمه فيسرع إليه التغير والفساد.


الشيخ: وأيضاً الصحابة لما توفي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالوا أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا؟ فإذا مات فإنه يسرع في خلع ثيابه ويغطيه فيسجى بشيء يكون ساتراً له حتى يحضر الماء وما يترتب على غسله ثم ينقل إلى سرير غسله ويغسل.
القارئ: ويجعل على سرير أو لوح حتى لا تصيبه نداوة الأرض فتغيره ويترك على بطنه حديدة لئلا ينتفخ بطنه وإن لم يكن فطين مبلول.
الشيخ: هذا فيه نظر لأن الحديدة لا تمنع الورم والانتفاخ فالانتفاخ لابد أن ينتفخ حتى لو كان عليه حديدة وإن وضع حديدة ثقيلة جداً فليس بمناسب وكذلك الطين ليس بمناسب لكن يغني عن ذلك كله الإسراع في تجهيزه لئلا يبقى جيفة عند أهله.
القارئ: ويسجى بثوب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجي ببرد حبرة متفق عليه ويسارع في تجهيزه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله) رواه أبو داود.
الشيخ: ظهراني هذا مثنى غير مراد والمراد ظهر أهله لكن هكذا جاء في اللغة مثل لبيك وسعديك وما أشبهه.
القارئ: وإن شُكّ في موته انتظر به حتى يتيقن موته بانخساف صُدغيه وميل أنفه وانفصال كفيه واسترخاء رجليه.
الشيخ: إن شك في موته بأن مات بحادث أو بغتة فإنه ينتظر حتى يتيقن موته وله علامات منها يقول المؤلف رحمه الله انخساف الصدغين الصدغ هذا ينخسف لأن اللحيين تنفصل فإذا انفصلت اللحيين من العظم الناتئ انخسفت وكذلك أيضاً ميل أنفه إذا مات الإنسان مال أنفه والثالث انفصال كفيه تنفصل عن الذراعين وتنفصل الكف لأنها الآن مشدودة بالذراع فإذا مات ارتخت وانفصلت وبان الانفصال كذلك استرخاء رجليه فالقدمين تسترخي ما تقف هي الآن ولله الحكمة يعني مشدودة لكن إذا مات


استرخت وحدثنا شيخنا أن رجلاً طبيباً مروا بجنازة من عنده وإذا قدما الميت واقفة غير رخية فقال أنزلوا هذا الميت قالوا إنه مات وسنذهب ندفنه قال أنزلوه إنه لم يمت فقالوا ما الدليل قال لأن رجليه لم تسترخي فهذا دليل على أنه فيه روح ولكن يقوله غلبت عليه البرودة لأن الطبائع الأربع البرودة والحرارة والرطوبة واليبوسة إذا لم تكن متكافئة اعتلت الصحة يقول فجاء بسوط وجعل يضربه في مواضع معينة حتى حمي ثم تحرك فقال ارجعوا به إلى بيته والشيء هذا حدثنا به شيخنا رحمه الله عبد الرحمن بن سعدي وهذا يدل على أن استرخاء الرجلين من علامات الموت.
القارئ: ولا بأس بالانتظار بها قدر ما يجتمع لها جماعة ما لم يخف عليه أو يشق على الناس ويسارع في قضاء دينه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه) وهذا حديث حسن فإن تعذر تعجيله استحب أن يتكفل به عنه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة فسأل هل عليه دين قالوا نعم ديناران فلم يصل عليه فقال أبو قتادة هما علي يا رسول الله فصلى عليه رواه النسائي وتستحب المسارعة في تفريق وصيته ليتعجل ثوابها بجريانها على الموصى له.


الشيخ: إذن الإسراع في قضاء الدين واجب ولا يحل للورثه أن يتفكهوا بما خلفه الميت وعليه دين ولا يحل لهم أيضاً أن ينتظروا زيادة الأثمان كما لو خلف الميت أراضي أو عقارات وقالوا ننتظر بها حتى يزيد السعر فإن هذا حرام عليهم والواجب أن يبادروا والإنسان العاقل إذا عرف أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصل على من عليه الدين يحذر من الدين قليله وكثيره ولا يكون كصاحب السيارة التي اشتراها بمائة ألف وثمانية آلاف مع أنه يمكن أن يجد سيارة بعشرين ألف أو بأقل لأن هذا من السفه لكن مع الأسف أن الديون صارت الآن عند الناس من أسهل ما يكون حتى أن الإنسان أحياناً يقدم لك ورقة وإذا فيها أربعة ملايين أو خمسة ملايين نسأل الله العافية أكثر الناس أو كثير منهم لا يبالي وهذا غلط إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام لم يرشد الرجل المحتاج للزواج أن يستقرض مهر للزوجة فما بالك بأن يتدين الإنسان أو يستقرض لأمور كمالية لا حاجة لها إطلاقاً والرجل الذي قال لا أجد ولا خاتم من حديد هل قال له استقرض؟ لا ما قال له استقرض مع أنه يمكن أن يستقرض عشرة دراهم ويعطيه إياها لكن لم يرشده لهذا وتجد الناس الآن نسأل الله العافية لا يهتمون إطلاقاً بالدين هذا مع أن الورثة كثير منهم لا يخاف الله ولا يرحم الميت يتفكه بالمال المخلف أو ينتظر زيادة الأثمان أو ما أشبه ذلك وكل هذا حرام والواجب المسارعة في قضاء الدين حتى إن العلماء قالوا ينبغي أن لا يصلى عليه حتى يقضى دينه لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يسأل عند الصلاة هل عليه دين أم لا واستدل بهذه القصة على أن الميت لا يقضى دينه من الزكاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده زكوات لا شك من أول ما فرضت الزكاة يكون عنده زكوات ولم يتحملها عليه الصلاة والسلام ولكن لما فتح الله عليه وأفاء الله


عليه وكثرت الأموال عنده صار يتحملها وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء بل حكاه ابن عبد البر وأبو عبيد إجماعاً أنه لا تجزئ الزكاة في قضاء الدين على الميت لكن الصحيح أنه لا إجماع في المسألة ففيها وجه أنه يجوز ولكن الراجح أنه لا يجزئ أما الإسراع في تفريق الوصية فالعلماء رحمهم الله لا يعرفون وصايانا الآن، وصايانا الآن يكون فيها عقار وغالب الوصايا ولا سيما وصايا الأولين غالبها أضحية وعشاء في رمضان هذا غالبها لكن الوصايا في الأول تكون وصايا معينة لشخص معين إذا مت فأعطوا فلاناً كذا من الدراهم كذا من الأموال ولذلك يمكن أن يسارع في إنفاذ الوصية قبل الدفن أما وصايانا الآن فالأمر فيها مختلف.
السائل: ما حكم تأخير الجنازة يعني عدم الصلاة عليها لمدة يوم فقط من أجل حضور بعض الأقارب؟
الشيخ: أما التأخير اليسير كالساعة والساعتين لا بأس وأما التأخير يوماً أو يومين وبعضهم أكثر من يومين يكون مثلاً ابنه أو أخوه في بلاد بعيدة ويؤخر فهذا لا يجوز لأن في ذلك إضراراً على الميت والميت إذا كان مؤمناً يقول قدموني قدموني ثم هو قد بشر بالجنة ولا يمكن أن يصل إليه نعيم الجنة حتى يدفن فيكون في هذا جناية عليه.


فإن قال قائل أليس النبي صلوات الله وسلامه عليه توفي يوم الاثنين ودفن ليلة الأربعاء قلنا بلى لكن الصحابة أخروا ذلك حتى ينصبوا خليفة بعده لئلا تخلو الأمة من وجود خليفة بينها على ظهر الأرض ولهذا لم يدفنوه حتى بايعوا أبا بكر رضي الله عنه هذا من وجه ومن وجه آخر أن الصحابة كانوا يأتون إليه يصلون عليه أرسالاً بلا إمام يعني صلوا عليه بدون إمام لأنه صلوات الله وسلامه عليه هو الإمام فكان يأتي الرجل يصلي عليه وحده والرجلان والثلاثة كل يصلي عليه وحده وصلى عليه حتى النساء وهذا يستدعي أن يتأخر دفنه لكن هذه العلة الأخيرة علة فيها نظر إذ يمكن الاستغناء عن الصلاة عليه حاضراً بعد الدفن ولكن يجاب عن ذلك بأن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الدفن فيها صعوبة لأنه دفن في بيته ليس ظاهراً لكل أحد وعلى كل حال الأمر الذي هو ظاهر جداً أن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر الصحابة في دفنه حتى لا تخلو الأمة من خليفة بعده وهذا أمر ظاهر.
مسألة: إذا كنت تريد أن تقضي ديناً عن حي فسواء أعطيته ودفعه هو أو ذهبت أنت إلى غريمه وأوفيت عنه كله جائز.
السائل: ما مثال قضاء الدين عن الميت؟
الشيخ: إنسان ميت عليه ألف ريال وليس له تركة فذهب رجل من الناس إلى دائنه وقال هذه ألف ريال عن فلان من الزكاة فهذا لا يجوز أما لو كانت صدقة تطوع فلا بأس.

السائل: هل يدخل تحت الدين الذي يمنع الصلاة على الميت القروض التي يستقرضها الرجل من البنوك العقارية.
الشيخ: نعم ما فيها شك تدخل في ذلك إلا إذا خلف وفاءً فإذا خلف وفاءً فلا بأس والمراد إذا خلف وفاءً عن أقساط حلت عليه من قبل أما إذا كان أوفى كل الأقساط فإن بقية الأقساط تكون على الورثة لأنهم هم الذين آل إليهم البيت.
السائل: وهل يحاسب على الباقي؟
الشيخ: لا ما يحاسب على الباقي لأن البيت انتقل عنه الآن والبيت مرهون فيه تأمين.


السائل: في البحرين أصبح عندنا عادة في كل مرة يأتي أناس متأخرون فيصلون على القبر ليس عمداً ولكن لا يدركون صلاة الجنازة فيأتون ويصلون على القبر فهل في هذا بأس
الشيخ: هو بارك الله فيك ليس بسنة مطلقة الصلاة على القبر لكن من كان فيه نفع للمسلمين أو غناء للمسلمين فهذا يصلى على قبره كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قبر التي كانت تقم المسجد أو كان إنساناً قريباً لك فتريد أن تشفي نفسك بالصلاة عليه أما كونك تخرج للمقبرة كل يوم وتصلي على من دفن اليوم أو أمس فهذا ليس بمشروع.
السائل: هناك مشروع عند الأخوة بحيث إذا كانت هناك جنازة يتصل بجميع الأخوة لكي من يرغب أن يأتي الجنازة يحضر ولذلك يتكرر وجود الأخوة تقريباً يومياً عند الجنازة.
الشيخ: لا بأس بهذا يعني إخبار الناس لأجل يكثر المصلين عليه لا بأس به والنعي الذي ورد النهي عنه النعي بعد الدفن أما قبل فلا بأس أن يعلم الناس من أجل أن يكثر عدد المصلين عليه.

باب غسل الميت
القارئ: وهو فرض على الكفاية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته ناقته (اغسلوه بماء وسدر) وأولى الناس بغسله من أوصي إليه بذلك لأن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس فقدمت بذلك وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ففعل ولأنه حق للميت فقدم وصيه فيه على غيره كتفريق ثلثه.
الشيخ: فيه أيضاً تعليل ثالث مهم وهو أن الميت قد يكون فيه أشياء لا يحب أن يطلع عليها كل أحد ولا يحب أن يطلع عليها إلا شخص يأتمنه فيوصي أن يغسله فلان، رابعاً لأن الميت يحب أن يغسله من كان أعبد لله وأطوع لله فيختار شخصاً معينا ففي هذا الحكم أثر ونظر يعني آثار ونظر صحيح في أنه يقدم في


تغسيل الميت من أوصى وفي أثر أبي بكر الصديق رضي الله عنه جواز تغسيل المرأة زوجها بعد موته فإن قال قائل أليس قد وقعت الفرقة بينهما وأعظم فرقة؟ قلنا بلى لكن آثار النكاح باقية من وجوب العدة وثبوت الميراث وغير هذا فلذلك جاز للرجل أن يغسل امرأته وللمرأة أن تغسل زوجها.
القارئ: فإن لم يكن له وصي فأولاهم بغسل الرجل أبوه ثم ابنه وإن نزل ثم الأقرب فالأقرب من عصباته ثم الرجال من ذوي أرحامه ثم الأجانب لأنهم أولى الناس بالصلاة عليه وأولاهم بغسل المرأة أمها ثم جدتها ثم ابنتها ثم الأقرب فالأقرب ثم الأجانب.
الشيخ: ولكن كل هذه الترتيبات التي قالها المؤلف رحمه الله مسبوقة بأمر مهم وهو أعلم الناس بكيفية التغسيل هذا مقدم على كل هذه الأولويات يعني بعد الوصي يقدم أعلم الناس بأحكام التغسيل كقول الرسول عليه الصلاة والسلام (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) فإذا قدر أن في هؤلاء الذين رتبهم المؤلف من لا يحسن التغسيل فإنه لا يقدم لأن المحافظة على التغسيل أولى من التقديم ولا يستثنى من هذا إلا شيء واحد وهو الوصي.
القارئ: ويجوز للمرأة غسل زوجها بلا خلاف لحديث أبي بكر ولقول عائشة (لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه) وفي غسل الرجل امرأته روايتان أشهرهما يباح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة (لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك) رواه ابن ماجة وغسل علي فاطمة فلم ينكره منكر فكان إجماعا ولأنها أحد الزوجين فأبيح للآخر غسله كالزوج والأخرى لا يباح لأنها فرقة أباحت أختها وأربعاً سواها فحرمت اللمس والنظر كالطلاق وأم الولد كالزوجة في هذا لأنها محل استمتاعه فإن طلق الرجل زوجته فماتت في العدة وكان الطلاق بائناً فهي كالأجنبية لأنها محرمة عليه وإن كانت رجعية وقلنا إن الرجعية مباحة له فله غسلها وإلا فلا.

فصل


القارئ: ولا يصح غسل الكافر المسلم لأن الغسل عبادة محضة فلا تصح من كافر كالصلاة ولا يجوز للمسلم أن يغسل الكافر.
الشيخ: ويدل على أنها عبادة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها حيث قال (اغسلوه بماء وسدر) فالغاسل الذي يغسل الميت ينبغي له أن يستشعر أن الرسول أمره بهذا حتى يكون قائماً بعبادة أي يمتثل بها أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى هذا فلا يصح أن يغسل الكافر مسلماً.
فإذا كان لا يصلي وأراد أن يغسل ابنه هل يطاع أو لا؟ لا يطاع لأنه كافر والكافر لا يغسل المسلم.

السائل: قوله رحمه الله لأنها فرقة أباحت أختها وأربعاً سواها ما معناها؟
الشيخ: معناه أن المرأة إذا ماتت جاز لزوجها أن يتزوج أختها بمجرد موت الزوجة التي معه هذا معنى أباحت أختها ومعنى قوله وأربعاً سواها أي إذا كانت هذه الميتة هي الرابعة جاز أن يتزوج الرابعة بدلاً عنها هذا معنى كلامه رحمه الله.
مسألة: ذهب بعض العلماء إلى أن أم الولد لا تغسل سيدها وهذا أقرب إلى الصواب لأنها ليست زوجة ولهذا كانت أمهات الأولاد يبعن على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وعلى عهد أبي بكر.
السائل: إذا أوصى الرجل بأن يغسله رجل وكان هذا الوصي جاهلاً بصفة الغسل؟
الشيخ: يعلّم صفة الغسل.
القارئ: ولا يجوز للمسلم أن يغسل كافراً وإن كان قريبه ولا يتولى دفنه إلا أن يخاف ضياعه فيواريه وقال أبو حفص العكبري يجوز ذلك وحكاه قولاً لأحمد لما روي عن علي أنه قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم (إن عمك الشيخ الضال قد مات قال اذهب فواره) رواه أبو داود والنسائي ولنا أنه لا يصلى عليه فلم يكن له غسله كالأجنبي والخبر يدل على مواراته وله ذلك لأنه (يتغير).
الشيخ: الصواب يعيَّر بدل يتغير لأنه حتى لو دفن يتغير لكن يعير يقال هذا عم فلان جيفة كالحمار ويعير ياء مضمومة ثم عين مفتوحة ثم ياء مشددة مفتوحة ثم راء على حسب العوام.


القارئ: لأنه يعير بتركه ويتضرر ببقاءه قال أحمد رضي الله عنه في مسلم مات والده النصراني فليركب دابته وليسر أمام الجنازة، وإذا أراد أن يدفن رجع مثل قول عمر.
الشيخ: هذا هو الصحيح أنه لا يجوز أن يُغَسّل الكافر ولا أن يكفن ولا أن يدفن مع المسلمين ولكنه يدفن في أي مكان غير مملوك لأحد للأسباب التي ذكرها المؤلف رحمه الله وهي أن لا يعير به وأن لا يتضرر ببقائه وأن لا يؤذي الناس برائحته وأن لا يزعج من رآه والمهم أنه يدفن لكف شره لا كرامة له ولكن لكف شره ومن هؤلاء الكفرة الذين لا يصلون فإذا مات من نعلم أنه لا يصلي فإن الواجب أن نخرج به إلى مكان غير مملوك ثم نحفر له حفرة بدون لحد ثم نرمسه فيها اتقاءً لشره واجتناباً لما يلوث به الجو من الرائحة الكريهة ولئلا يعير قريبه به ولئلا ينزعج من رآه.
وهذه قلّ من يخاف الله عز وجل ويعمل بها تجد الإنسان يأتي بأبيه أو أخيه أو ابنه وهو يعلم أنه ما سجد لله سجدة ثم يقدمه للمسلمين يصلون عليه ويدفنه مع المسلمين فيتأذى منه الأحياء والأموات أما الأحياء فلأنهم صلوا على من لا يستحق الصلاة وأما الأموات فلأنه يعذب في قبره وربما يتأذون منه ومن صياحه وعويله والعياذ بالله وفي نقله رحمه الله عن الإمام أحمد قوله وليسر أمام الجنازة لأنه لا ينبغي لكافر أن يتقدم

على مسلم فإذا كان لابد من خروجه معه خرج وصار أمام الجنازة ثم عند الدفن يرجع وهو لن يدفن في مقابر المسلمين بل في مقابر الكفار إذا كان لهم مقابر خاصة ثم عند الدفن يرجع كما قال الإمام أحمد يعني لا ينحبس من أجل أن يحضر دفنه لأنه لا فائدة من ذلك لا يمكن أن يدعى له بالمغفرة ولا بالتثبيت لأنه ليس أهلاً لهذا.


القارئ: ولا يجوز لرجل غسل امرأة غير من ذكرنا ولا لامرأة غسل رجل سوى زوجها وسيدها لأن أحدهما مُحَرَّم على صاحبه في الحياة فلم يجز له غسله كحال الحياة فإن مات رجل بين نساء أو امرأة بين رجال أو خنثى مشكل فإنه ييمم في أصح الروايتين لما روى واثلة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس بينها وبينهم محرم تيمم كما ييمم الرجال) أخرجه تمام في فوائده وعنه في الرجل تموت أخته فلم يجد نساء يغسلها وعليها ثيابها ويصب عليها الماء صبا والأول أولى لأن الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف ولا إزالة النجاسة بل ربما كثرت فكان التيمم أولى كما لو وجد ماء لا يطهر النجاسة.


الشيخ: كلام المؤلف الذي يسمعه يقول إن المراد بتغسيل الميت هو التنظيف لأنه قال لا يحصل به التنظيف يعني الغسل من دون مس لكنه يحصل به التطهير ولهذا لو توضأ الإنسان بدون مس أو اغتسل بدون مس أجزأه فيحصل به التطهير لكن المؤلف يقول لا يحصل به التنظيف وإذا كانت العلة من وجوب غسل الميت هي التنظيف لزم من هذا أن نقول إذا تعذر غسله فإنه لا ييمم لأن التيمم لا يفيد شيئاً فإما أن ننظر إلى الغسل على أنه طهارة شرعية فمتى تعذر استعمال الماء في حقه فإنه ييمم وإما أن ننظر إلى أنها طهارة تنظيف وبناءً على ذلك إذا تعذر غسله فإنه لا ييمم والحقيقة أن ظاهر الأدلة أنه غسل تنظيف لقول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) وهذا يدل على أن المراد من ذلك التنظيف ولقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته راحلته يوم عرفة (اغسلوه بماء وسدر) ولا نعلم فائدة للسدر إلا التنظيف وبناءً على هذا فإذا تعذر تغسيل الميت إما لعدم وجود الماء أو لتمزق جلده بحريق أو نحوه فإنه لا ييمم وإنما تلف عليه أكفانه ويصلى عليه ويدفن وكون الرجل لا يغسل المرأة ولو كانت من أقاربه أو بالعكس هذا حق لأن الميت كله عورة ولا أحد يطلع على العورات إلا الزوج أو الزوجة فلهذا نقول لا يغسل فإن قال قائل ما دليلكم على أن الميت عورة قلنا قول الله تبارك وتعالى في سورة المائدة (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ).

السائل: هل يقدم الزوج على نساء أهل الميتة أم تقدم النساء على الزوج؟
الشيخ: تقدم النساء على الزوج إلا إذا كانت الزوجة قد أوصت بذلك أو لم نجد من يحسن التغسيل.


السائل: وما الموقف من حديث عائشة رضي الله عنها (لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا لم يغسل رسول الله إلا نساؤه) وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة (لو مت قبلي لغسلتك)؟
الشيخ: يقال إن عائشة رضي الله عنها أرادت بيان الجواز وأن المرأة لا بأس أن تغسل زوجها وأما قول الرسول (لو مت قبلي لغسلتك) فقصده بهذا إظهار محبته لها وأنه يتولاها حية وميتة.
السائل: رجل مات عن زوجة وأربع بنات وأختين شقيقتين وأولاد أخ فما لكل منهم.
الشيخ: الزوجة لها الثمن والبنات لهن الثلثان والباقي للأختين الشقيقتين ولا شيء لأبناء الأخ الشقيق.
السائل: يعني الأخوات يحجبن أبناء الأخ الشقيق؟
الشيخ: نعم لأنهن أقرب.
السائل: ماذا نقول لمن يعترض على قتل ساب الرسول بقوله أن الكافر لا يقتل وهو مكذب وشاتم لله؟
الشيخ: الساب للرسول عليه الصلاة والسلام اعتدى على حق شخصي ولهذا يجب قتله ولو تاب وساب الله عز وجل اعتدى على حق الله والله عز وجل قد بين أن من تاب تاب الله عليه.
القارئ: ويجوز للمرأة غسل صبي لم يبلغ سبع سنين نص عليه لأن عورته ليست بعورة وتوقف عن غسل الرجل الجارية قال الخلال القياس التسوية بين الغلام والجارية لولا أن التابعين فرقوا بينهما وسوى أبو الخطاب بينهما في الجواب جرياً على موجَب القياس.
الشيخ: وذلك لأن عندهم من لم يبلغ سبع سنين فليس لعورته حكم لا في النظر ولا في المس والظاهر أنه إذا دعت الضرورة فلا فرق بين الرجل والمرأة فيجوز للرجل أن يغسل طفلة ماتت ولها أقل من سبع سنوات لا سيما إذا لم يكن هناك امرأة ولا سيما أيضاً إذا كانت ابنته أو أخته أو من قرابته.

فصل
في أمانة الغاسل


القارئ: وينبغي أن يكون الغاسل أمينا لما روي عن ابن عمر أنه قال لا يغسل موتاكم إلا المأمونون ولأن غير الأمين لا يؤمن أن لا يستوفي الغسل ويذيع ما يرى من قبيح وعليه ستر ما يرى من قبيح لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من غسل ميتاً ثم لم يفشِ عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) رواه ابن ماجه بمعناه.
الشيخ: قوله رحمه الله وعليه ستر ما يرى من قبيح عليه تفيد الوجوب ولهذا عبر غيره بقول ويجب على الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسنا فإن رأى حسناً فهل الأفضل أن يذيعه؟ نقول في هذا تفصيل إن خيفت الفتنة فلا يذعه وإن لم تخف فإن نشر محاسن إخوانه من الأمور المطلوبة أما إذا خيفت الفتنة بأن يكون قبره مزاراً أو تتعلق به الأفئدة فلا يبين.
القارئ: وإن رأى أمارات الخير استحب إظهارها ليترحم عليه ويرغب في مثل طريقته وإن كان مغموصاً عليه في السنة والدين مشهوراً بذلك فلا بأس بإظهار الشر عنه لتحذر طريقته.
الشيخ: هذا كالاستثناء من قوله وعليه ستر ما يرى من قبيح يعني إذا كان الإنسان مغموصاً عليه في السنة يعني صاحب بدعة يدعو لها ويحث عليها ثم رأى منه من غسله بعد موته ما يسوء من اسوداد وجه أو ما أشبه ذلك من العلامات السيئة فإنه يشيعه والفائدة من ذلك هو أن يحذر الناس من طريقته وهذا التعليل يوحي بأن المراد من كان داعية يدعو إلى بدعته لئلا يغتر الناس به الداعية أوكد أن نظهر مساوئه وسوء خاتمته من غير الداعية.
القارئ: ويستحب ستر الميت عن العيون ولا يحضرَه إلا من يعين في أمره لأنه ربما كان به عيب يستره في حياته وربما بدت عورته فشاهدها.
الشيخ: هذا تعليل جيد لا بأس به يؤدي إلى أن يقال لا يحضره إلا من احتيج إليه لمعاونة الغاسل في تقليب الميت أو تقريب الماء إليه أو الصب عليه أو ما أشبه ذلك.

فصل
في صفة الغسل


القارئ: ويجرد الميت عند تغسيله ويستر ما بين سرته وركبتيه روى ذلك الأثرم عنه واختاره الخرقي وأبو الخطاب لأن ذلك أمكن في تغسيله وأبلغ في تطهيره وأشبه بغسل الحي وأصون له عن أن يتنجس بالثوب إذا خلع عنه ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يفعلون ذلك بدليل أنهم قالوا لا ندري أنجرد النبي صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا رواه أبو داود والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم به وأقرهم عليه وروى المروذي عنه أن الأفضل غسله في قميص رقيق ينزل الماء فيه ويدخل الغاسل يده في كم القميص فيمرها على بدنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل في قميصه.
الشيخ: والصحيح الأول الصحيح أنه يجرد إلا عورته وهي ما بين السرة والركبة.
القارئ: ولأنه أستر للميت ويستحب أن يوضع على سرير غسله متوجهاً منحدراً نحو رجليه لينصب ماء الغسل عنه ولا يستنقع تحته فيفسده.
الشيخ: وهذا بناءً على أن سرير الغسل صفحة واحدة لكن الآن المعمول به عندنا أن سرير الغسل عوارض بمعنى أن الماء لا يبقى وعلى هذا فلا حاجة إلى أن نقول إنه يكون منحدراً نحو رجليه.
القارئ: ويستحب أن يتخذ الغاسل ثلاثة آنية إناء كبير فيه ماء بعيداً من الميت وإناء وسط وإناء يغترف به من الوسط ويصب على الميت فإن فسد الماء الذي في الوسط كان الآخر سليما ويكون بقربه مجمر فيه بَخور لتخفي رائحة ما يخرج منه.
الشيخ: وهذا الذي ذكره رحمه الله بناءً على ما سبق من أن الاغتسال عندهم في الأواني أما الآن فأصبح الأمر أيسر من هذا يضع اللي مثلاً في الصنبور ويصب على البدن ويدلكه ولا حاجة إلى أن يضع ثلاثة أواني إلا فيما إذا احتجنا إلى السدر وكذلك في الغسلة الأخيرة التي يجعل فيها الكافور فلابد من إناء.
السائل: ما حكم حضور أكثر من المغسل والمساعد لكي يتعلموا صفة الغسل؟


الشيخ: هذا مكروه لأن التعليم هنا لا يتعلق بهذا الميت نفسه والتعليم يمكن أن يوصف الإنسان خارجاً في غير هذا الوقت سواء جعل هذا التطبيق بأن يأتي بجسد ويغسله أمام الناس أو يصفونه وصفاً وكثير من طلبة العلم إنما عرفوا التغسيل بالوصف.

فصل
في فرائض غسل الميت
القارئ: والفرض فيه ثلاثة أشياء النية لأنها طهارة تعبدية أشبهت غُسل الجنابة وتعميم البدن بالغسل لأنه غسل فوجب فيه ذلك كغسل الجنابة وتطهيره من النجاسة وفي التسمية وجهان بناءً على غسل الجنابة.
الشيخ: سبق أنه يشترط في الغاسل أن يكون مسلماً وأن يكون مميزاً وأن يكون عاقلاً هذا سبق أما التغسيل فيشترط فيه ثلاثة شروط.
الشرط الأول النية لأنها عبادة والعبادة لابد فيها من النية فلو أن الميت مات بغرق وتطهر جسمه تماماً بالماء فإنه لابد من تغسيله ولو سقط ثوب نجس في ماء وطهر فإن الثوب يكون طاهراً لأن إزالة النجاسة لا يشترط فيها النية وأما تغسيل الميت فيشترط فيه النية.
الشرط الثاني تعميم البدن بالتغسيل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اغسلوه بماء وسدر) ولقوله للنساء اللاتي يغسلن ابنته (اغسلنها) ولو استدل المؤلف بهذا لكان أحسن من استدلاله بالقياس على غسل الجنابة لأن هذا نص صريح اغسلوه فيعم جميع البدن (اغسلنها) يعم جميع بدنها.
الشرط الثالث تطهيره من النجاسة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغاسلات لابنته (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) فدل هذا على أنه لابد من غسل تزول به النجاسة على أدنى تقدير.
القارئ: ويسن فيه ثمانية أشياء أحدها أن يبدأ فيحنيَ الميت حنياً لا يبلغ به الجلوس ويمر يده على بطنه فيعصره عصراً دقيقاً ليخرج ما في جوفه من فضلة لئلا يخرج بعد الغسل أو بعد التكفين فيفسده.


الشيخ: يعني لو قال المؤلف بدل الحني الذي قد يشكل على الطالب لو قال أن يرفع رأسه وهذا هو المراد لأنه هو الآن مستلقي على سرير الغسل فيرفع رأسه لكن لا إلى حد القعود لأن ذلك متعب لكن يرفعه قليلاً ثم يعصر بطنه برفق ليخرج ما كان مستعداً للخروج حتى لا يتلوث البدن بعد التغسيل أو بعد التكفين.
القارئ: ويصب عليه الماء وقت العصر صباً كثيرا ليذهب بما يخرج فلا تظهر رائحته والثاني أن يلف على يده خرقة فينجيه بها ولا يحل له مس عورته لأن رؤيتها محرمة فلمسها أولى ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة وينبغي أن يتخذ الغاسل خرقتين خشنتين ينجيه بإحداهما ثم

يلقيها ويلف الأخرى على يده فيمسح بها سائر البدن لما روي أن علياً رضي الله عنه غسل النبي صلى الله عليه وسلم وبيده خرقة يمسح بها ما تحت القميص الثالث أن يبدأ بعد إنجائه فيوضئه لما روت أم عطية أنها قالت لما غسلنا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) متفق عليه ولأن الحي يتوضأ إذا أراد الغُسل فكذلك الميت.
الشيخ: الغَسل بالفتح التغسيل والغسل بالضم العبادة يعني هذه للفعل وهذه للمعنى.


القارئ: ولا يدخل فاه ولا أنفه ماء لأنه لا يمكنه إخراجه فربما دخل بطنه ثم خرج فأفسد وضوءه لكن يلف على يده خرقة مبلولة ويدخلها بين شفتيه فيمسح أسنانه وأنفه ويتتبع ما تحت أظفاره إن لم يكن قلمها بعود لين كالصفصاف فيزيله ويغسله كما يفعل الحي في وضوءه وغسله الرابع أن يغسله بسدر مع الماء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (اغسلوه بماء وسدر) وقال للنساء اللاتي غسلن ابنته (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور) متفق عليه وظاهر كلام أحمد أن السدر يجعل في جميع الغسلات لظاهر الخبر وذكره الخرقي وقال القاضي وأبو الخطاب يغسل الأولى بماء وسدر ثم يغسل الثانية بماء لا سدر فيه كي لا يسلب طهوريته ولا يجعل فيه سدر صحيح ولا فائدة في ترك يسير لا يؤثر فإن أعوز السدر جعل مكانه ما يقوم مقامه كالخطمي والصابون ونحوه مما ينقي.
الشيخ: الماء والسدر ظاهر الحديث أنه في كل غسلة وقال القاضي في الغسلة الأولى فقط والصحيح أنه ينظر إن احتيج إليه في كل غسلة استعمل في كل غسلة وإلا يكتفى بالأولى فقط لأن كثرته ربما تضعف الجلد وتُرهِّفَه ولأنه إضاعة مال لا فائدة منه أما الكافور فإنه يجعل في الغسلة الأخيرة وذكر في غسل بنت الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يذكر في غسل الذي وقصته ناقته لأن الكافور من الطيب والمحرم لا يتطيب.
القارئ: الخامس أن يضرب السدر ثم يبدأ فيغسل برغوته رأسه ولحيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بعد الوضوء بالصب على رأسه في الجنابة


الشيخ: يعني معناه أن الغاسل يعد ماء ثم يضع فيه السدر مدقوقاً ثم يضربه بيده حتى يكون له رغوة أي زبد فيأخذ هذه الرغوة ويغسل بها الرأس والوجه لأنه لو غسل الرأس بثفل السدر لبقي في رأسه حبات منه أما الرُّغوة فلا يبقى فيها شيء إذا أتاها الماء بعد ذلك ذهبت وأما استدلال المؤلف رحمه الله بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يبدأ غسل الجنابة بالإفاضة على رأسه فهذا بعد الوضوء ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم النساء اللاتي يغسلن ابنته أن يبدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها.

القارئ: السادس أن يبدأ بشقه الأيمن لقوله عليه السلام (ابدأن بميامنها) فيغسل يده اليمنى وصفحة عنقه وشق صدره وجنبه وفخذه وساقه وقدمه ثم يقلبه على جنبه الأيسر ويغسل شق ظهره الأيمن وما يليه ثم يقلبه على جنبه الأيمن ويغسل شقه الأيسر كذلك السابع أن يغسله وترا للخبر.
الشيخ: الخبر (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك).
القارئ: فيغسله ثلاثاً فإن لم يَنقَ بالثلاث زاد إلى خمس أو إلى سبع لا يزيد عليها لأنه آخر ما انتهى إليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: في هذا نظر بل ثبت في صحيح البخاري أنه قال (أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) فالصواب أن الأمر راجع إلى اجتهاد الغاسل فقد لا ينظف الميت بالسبع فإذا نظف بالثمان أضاف إليه التاسعة ليقطعها على وتر فقول المؤلف رحمه الله لأنه آخر ما انتهى إليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه نظر لأنه ثبت في صحيح البخاري أنه قال أو سبعاً أو أكثر من ذلك إذا رأيتن ذلك.


القارئ: ويمر في كل مرة يده ولا يوضئه إلا في المرة الأولى إلا أن يخرج منه شيء فيعيد وضوءه لأنه بمنزلة الحدث من المغتسل في الجنابة ولو غسله ثلاثاً فخرج منه شيء غسله إلى خمس فإن خرج بعد ذلك غسله إلى سبع فإن خرج بعد ذلك لم يعد إلى الغسل ويسد مخرج النجاسة بالقطن فإن لم يستمسك فبالطين الحر ويغسل موضع النجاسة.
الشيخ: الطين الحر هو الذي يتماسك لأن الطين بعضه يكون قريباً من الرمل لا يتماسك وبعضه يكون متماسكاً يسمى الحر وإلى الآن في عرف الناس يقال أرض حرة يعني ذات طين متماسك فإن قال قائل في وقتنا الحاضر يعز هذا الطين ويقل أو لا يوجد؟ نقول ما قام مقامه من الأمور الحديثة يكفي لأن المقصود أن ينسد هذا الخارج وظاهر كلام المؤلف سواء كان الخارج من القبل أو الدبر أو من طعنة فيه أو ما أشبه ذلك لأنه لابد أن يحرص على إيقافها.
القارئ: ويغسل موضع النجاسة ويوضأ لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل انتهى إلى سبع واختار أبو الخطاب أنه لا يعاد إلى الغسل لخروج الحدث لأن الجنب إذا أحدث بعد غسله لم يعده ويوضأ وضوءه للصلاة.
الشيخ: وما ذكره أبو الخطاب رحمه الله أقرب للصواب لأنه ليس هناك ما يوجب غسل الجنابة كل الأحداث التي تخرج بعد الموت لا توجب الغسل وعلى هذا فما ذهب إليه أبو الخطاب هو الصحيح أنه إذا خرج بعد انتهاء الغسل فإنه يُغسل المحل ويحرص على إيقاف الخارج ثم يوضأ.

القارئ: الثامن أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً يشده ويبرده ويطيبه.


الشيخ: وهذه الثلاث فوائد الكافور يشد البدن ويصلب البدن والثاني يبرده والثالث يطيبه لأنه نوع من الطيب والكافور معروف عند الباعة الذين يبيعون مثل هذه الأشياء فيؤتى بالكافور ويدق ثم يخلط في الماء في آخر غسلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اجعلن في الغسلة الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور) وفوائده الثلاث ذكرها المؤلف الشد والتبريد والتطييب وذكر بعضهم رابعة أنه يطرد الهوام عنه في القبر فرائحته الجيدة الطيبة تطرد الهوام فتكون الفوائد حينئذٍ أربعاً.
القارئ: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، ويستحب أن يُضْفَر شعر المرأة ثلاثة قرون ويسدل من ورائها لما روت أم عطية قالت ضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه من خلفها تعني ابنة النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه.
الشيخ: ثلاثة قرون يعني الضفاير تجعل ثلاثة قرون وتلقى خلفها.
السائل: ما الصفة المجزئة في غسل الميت؟
الشيخ: المجزئ أن يعم جميع بدنه بالغسل مرة واحدة كغسل الجنابة.
السائل: الرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال لأم عطية (أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) أليس المراد عند خروج شيء من بطنها.
الشيخ: لا فأحياناً يكون المرضى فيهم وسخ كثير ما يكفيهم الغسلة ولا الغسلتين والثلاث لا سيما في الزمن الأول لما كان الناس يصعب عليهم أن يتنظفوا كل جمعة أو كل عشرة أيام وما أشبهها ولو كان المراد الخروج لقال إن خرج شيء.

فصل
القارئ: وكره أحمد تسريح الميت لأن عائشة قالت علام تنصون ميتكم يعني لا تسرحوا رأسه بالمشط ولأنه يقطع شعره وينتفه والماء البارد في الغسل أفضل من الحار لأن البارد يشده والحار يرخيه إلا من حاجة إليه لوسخ يقلع به أو شدة برد يتأذى به الغاسل ولا يستعمل الإشنان إلا لحاجة إليه للاستعانة على إزالة الوسخ.


الشيخ: الإشنان نبات معروف له حبيبات صغيرة يدق ثم هذه الحبيبات تنظف تماماً والحبيبات مثل الرمل لكنه خفيف فينظف بها إذا قال قائل الآن ما يوجد الإشنان؟ نقول يجزئ عنه الصابون والشامبو أيضاً الشامبو ينظف وفيه أيضاً رائحة طيبة.

فصل
القارئ: ويستحب تقليم أظافر الميت وقص شاربه لأن ذلك سنة في حياته ويترك ذلك معه في أكفانه لأنه من أجزائه وكل ما سقط من الميت جعل معه في أكفانه ليجمع بين أجزائه وفي أخذ عانته وجهان أحدهما يستحب إزالتها بنورة أو حلق لأن سعد بن أبي وقاص جز عانة ميت ولأنه من الفطرة فأشبه تقليم الأظافر والثاني لا يستحب لأن فيه لمس العورة وربما احتاج إلى نظرها وذلك محرم فلا يفعل لأجل مندوب.
الشيخ: ومن العلماء من قال لا تقلم أظفاره ولا يقص شاربه ولا ينتف إبطه بل يبقى كما هو لأن الميت انقطع عمله والمقصود من إزالة هذه الأشياء كمال التطهير والميت لا يحتاج إلى ذلك لكن ما ذكره المؤلف لا بأس به أن يقال إن تقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الأبط جائز وأما حلق العانة فكما قال رحمه الله فيه كشف للعورة وربما احتاج إلى مسها فالأولى أن تبقى على ما هي عليه لكن في الوقت الحاضر يوجد أدهان يدهن بها المحل وإن لم ينظر إليها الإنسان وإن لم يمسها فهل نقول في هذه الحال تزال العانة بهذا المزيل؟ فيه احتمال لأن الحكم يدور مع علته إذا وجدت وجد وإذا فقدت فقد، بقي علينا الختان فإذا مات قبل أن يختن فهل نختنه بعد الموت؟ الجواب لا، والختان حرام لأنه قطع عضو ليس في حكم المنفصل أما ما سبق من الشعور والأظفار فإنه في حكم المنفصل وأما الختان فلا يحل لأنه أولاً ليس هناك ضرورة إليه إذ أن الختان إنما هو لتكميل الطهارة والميت قد انتهى والثاني أن فيه قطع جزء من الميت فلا يحل.
السائل: بالنسبة للأسنان المركبة هل يجوز خلعها؟


الشيخ: الأسنان المركبة تؤخذ أما إن كانت ذهباً وفضة فإنها تؤخذ وجوباً لما في دفنها معه من إضاعة المال ولا سيما إذا كان الورثة قصاراً لكن إذا خيفت المثلة بحيث يكون الذهب ملبساً على سن أصلي فهنا ربما لو قلعناه انقلع السن فحينئذٍ لا نتعرض له يدفن معه ثم إن أجاز الورثة ذلك فالحق لهم لأن أسنان الميت بعد موته إذا كانت مالاً تكون للورثة إذا رضوا بأن يبقى عليه فلا بأس وإن لم يرضوا فإنه إذا علم أن الميت قد بلي يؤخذ من الميت وهذا ربما لا نعلم إلا بعد سنوات طويلة لكن ينتقل هذا الذهب أو الفضة من وارث إلى وارث.
السائل: وإذا لم يكن السن ذهباً ولا فضة؟
الشيخ: هذا يخلع لأنه لا حاجة إليه.
السائل: جعلها في كفنه هذه الأشياء ما دليل المؤلف على هذا؟
الشيخ: لأنها من أجزائه.

السائل: والصحيح؟
الشيخ: إذا قلنا بأنها تؤخذ فأحسن شيء أن تكون في كفنه أحسن من لو وضعناها في نفس القبر.
مسألة: من تعذر تغسيله هل ييمم أو لا؟ إذا قلنا إنها طهارة تعبد أي طهارة تغسيل الميت فإنه ييمم وإذا قلنا طهارة تنظيف فإنه لا ييمم لأن التيمم لا ينفعه ولكن إذا لم نجد إلا رِجْلاً من ميت يعني تقطعت أوصاله وطارت ما نعرف أين وقعت ووجدنا رجله فقط مع علمنا بأنه قد مات هل نفعل بالرِّجْل كما نفعل بالكل؟ الجواب نعم تغسل وتكفن ويصلى عليها أما لو وجدنا رجلاً لكن بقية المصاب باقية ومعلومة فإننا نأخذ الرجل ونضمها إلى الأصل برباط أو غيره ونصلي عليه جميعاً وإذا وجدنا الأصل دون الرِّجل صلينا عليه أيضاً ثم إذا وجدت الرِجْل بعد ذلك فإنه لا يصلى عليها لأنه قد صلي على جملة الميت وسقط الواجب.
السائل: إذا صلي على الرِّجل وصاحبها ميت ثم وجد الأصل فهل تعاد الصلاة؟
الشيخ: يحسن أن تعاد ولكنها لا تجب لأنها سقطت.

فصل


القارئ: والسقط إذا أتى عليه أربعة أشهر غسل وصلي عليه لما روى المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (والسقط يصلى عليه) رواه أبو داود ولأنه ميت مسلم فأشبه المستهل ودليل أنه ميت ما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه فيكون نطفة أربعين يوما ثم علقة مثل ذلك ثم مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكاً فينفخ فيه الروح) متفق عليه، ومن كان فيه الروح ثم خرجت فهو ميت ويستحب تسميته لقول النبي صلى الله عليه وسلم (سموا أسقاطكم فإنهم أسلافكم) فإن لم يعلم أذكر هو أم أنثى سمي اسماً يصلح لهما كسعادة وسلامة ومن له دون أربعة أشهر لا يغسل ولا يصلى عليه لعدم ما ذكرناه فيه.
الشيخ: السقط هو الحمل إذا خرج قبل أوانه هذا إن كان قد نفخت فيه الروح وهو الذي تم له أربعة أشهر فحكمه كالحي تماماً يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع الناس ويسمى لأنه سيبعث وإن كان لم تنفخ فيه الروح وهو ما دون أربعة أشهر فلا حكم له هذا يدفن في أي مكان ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه لأنه ليس بإنسان هذا معنى كلام المؤلف لكن التسمية إذا لم نعلم أذكر كان أم أنثى وهذا بعيد لأن هذا سيكون متى؟ إذا نفخت فيه الروح وإذا نفخت فيه الروح فسيتبين أذكر أم أنثى ولكن لو فرض

أننا لم نعرف أذكر هو أم أنثى فإنه يسمى بما يصلح لهما أي باسم صالح للأثنى والذكر مثل سَعادة وسلامة وهل سَعادة يصلح للرجل؟ يمكن في زمنهم وسلامة يصلح للذكر فيه من يسمى سلامة لكن هل تسمى به الأنثى؟ يمكن وفيه أيضاً سمرة وطلحة وعلى كل حال هذا شيء يتبع العرف يسمى بصالح لهما لأنه سوف يبعث يوم القيامة ويدعى باسمه.

فصل


القارئ: والشهيد إذا مات في المعركة لم يُغَسّل رواية واحدة وفي الصلاة عليه روايتان إحداهما يصل عليه اختارها الخلال لما روى عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف متفق عليه والثانية لا يصلى عليه وهي أصح لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم رواه البخاري وحديث عقبة مخصوص بشهداء أحد بدليل أنه صلى عليهم بعد ثمان سنين.
الشيخ: الصحيح في هذه المسالة أن المقتول شهيداً في المعركة لا يغسل لأنه لو غسل لزال أثر الدم الذي يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب اللون لون الدم والريح ريح مسك وكذلك لا يكفن بل يدفن في ثيابه وإنما لا يكفن من أجل أن تبقى ثيابه التي استشهد فيها عليه ونظير ذلك إذا مات وهو محرم فإنه يكفن في ثوبي إحرامه كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام (كفنوه في ثوبيه) وكذلك لا يصلى عليه لماذا؟ لأن الصلاة شفاعة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه) والشهيد غني عنها لأن الشهادة تكفر كل شيء من المعاصي إلا الدين الذي هو حق الآدمي فلابد من قضائه وإذا كان كذلك فإنه لا يصلى عليه ولهذا لم يصلّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على شهداء أحد وأما صلاته عليهم في آخر حياته صلوات الله وسلامه عليه فإن هذا من باب الدعاء لهم كالمودع وليست هي الصلاة على الجنازة لأن الصلاة على الجنازة يجب أن تكون قبل الدفن وهذا بعد الدفن بسنوات فالصواب ما ذكره المؤلف أولاً أنهم لا يغسلون ولا يكفنون ولا يصلى عليهم.
ويدفنون في أي مكان؟ في مصارعهم التي استشهدوا فيها ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم برد من نقل من شهداء أحد أمر بردهم إلى مصارعهم.


القارئ: والخيرة في تكفين الشهيد إلى الولي إن أحب زمله في ثيابه ونزع ما عليه من جلد أو سلاح لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم رواه أبو داود وإن أحب نزع ثيابه وكفنه بغيرها لأن صفية أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين ليكفن حمزة فيهما فكفنه في أحدهما وكفن في الآخر رجلاً آخر قال يعقوب بن شيبة هو صالح الإسناد.
الشيخ: ولعل هذا لسبب اقتضى ذلك لأن حمزة رضي الله عنه كان كبير الجسم فلعله كفن في غير ثيابه والأصح أنه ليس لهم الخيار وأن الشهيد يكفن في ثيابه ويدفن في ثيابه كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
القارئ: وإن حمل وبه رمق أو أكل أو طالت حياته غسل وصلي عليه لأن سعد بن معاذ غسله النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه وكان شهيدا.
الشيخ: هذا فيه تفصيل إذا حمل الشهيد وبه رمق ولكن هذا الجرح مما يقتل غالباً يعني أنه جرح موحي فينبغي أن يلحق بحكم من مات في أرض المعركة وأما قصة سعد بن معاذ فسعد بن معاذ بقي مدة طويلة بعد أن رمي بأكحله رضي الله عنه وسأل الله تعالى أن لا يميته حتى يقر عينه بحلفائه بني قريظة فعلى هذا نقول إن الدليل لا يطابق المدلول إلا إذا فصلنا وقلنا إذا كان جرحه موحياً بمعنى أنه مميت لا يمكن أن يحيا معه فهذا لا شك أنه في حكم من مات في المعركة ولو حمل فلو حمل مثلاً إلى مستشفى وقد تقطعت أوصاله وأمعاؤه لكن الرجل حي فهل نقول إن هذا كقضية سعد بن معاذ؟ لا فلا يصح الاستدلال.


القارئ: وإن قتل وهو جنب غسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد (ما بال حنظلة بن الراهب إني رأيت الملائكة تغسله) قالوا إنه سمع الهائعة فخرج ولم يغتسل رواه الطيالسي وإن سقط من دابته أو تردى من شاهق أو وجد ميتاً لا أثر به غسل وصلي عليه لأنه ليس بقتيل الكفار والذي لا أثر به يحتمل أنه مات حتف أنفه فلا يسقط الغسل الواجب بالشك.
الشيخ: وهنا ينبغي أن يقال يقاس على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما إذا غاب الصيد بعد رميه ثم وجده ميتاً وليس به إلا أثر سهمه فما حكم هذا الصيد يعني رمى صيداً فغاب عنه ثم وجده ميتاً ليس فيه إلا أثر سهمه فهل يأكله أم لا؟ يأكله بناءً على الظاهر أنه مات بهذا الأثر كذلك هذا الذي قتل شهيداً قتل وهرب مثلاً أو حمله أحد المهم وجدناه بعد ذلك ميتاً لكن ليس به أثر إلا أثر السهم الذي نعلم أنه يميته ويقتله فهنا ينبغي أن يقال إنه شهيد لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه.

السائل: المدينة الآمنة ويحاربها عدو فتقصف فيموت فيها أناس لا دخل لهم في الحرب فهل يعدون شهداء؟
الشيخ: هؤلاء ليس لهم حكم الشهيد المذكور لكن هم شهداء لأنهم قتلوا ظلماً والشهيد هو شهيد المعركة أما الذين يقتلون بمثل ما ذكرت فليسوا من الشهداء الذين لا يغسلون لكنهم شهداء عند الله لأنهم إنما قتلوا بسبب العداوة بينهم وبين المشركين وقتلوا ظلماً أيضاً فهؤلاء يعدون شهداء في الآخرة لكن في الدنيا لا لأنه ليس بالمعركة.


القارئ: ومن عاد عليه سلاحه فقتله فهو كقتيل الكفار لأن عامر بن الأكوع عاد عليه سيفه فقتله فلم يفرد عن الشهداء بحكم وقال القاضي يغسل ويصلى عليه لأنه ليس بقتيل الكفار ومن قتل من أهل العدل في المعترف فحكمه حكم قتيل المشركين وأما أهل البغي فقال الخرقي يغسلون ويصلى عليهم لأنه ليس لهم حكم الشهداء وأما المقتول ظلماً كقتيل اللصوص وقتيل ماله ففيه روايتان إحداهما يغسل ويصلى عليه لأن ابن الزبير غسل وصلي عليه ولأنه ليس بشهيد معترك أشبه المبطون والثانية لا يغسل لأنه قتيل شهيد أشبه شهيد المعترك.
الشيخ: لكن الصواب الرواية الأولى أن المقتول ظلماً يغسل ويكفن ويصلى عليه ولا يمكن إلحاقه بقتيل المعركة لوجهين الأول أن قتيل المعركة هو الذي سلم نفسه وعرض صفحة عنقه للقتل باختياره والمقتول ظلماً ليس كذلك المقتول ظلما اعتدي عليه وقتل.
ثانياً أن الذي قتل في معترك الجهاد بين المسلمين والكفار إنما قتل دفاعاً عن الإسلام فنيته عالية وهمته عالية بخلاف من قتل دفاعاً عن نفسه أو ماله فمن أجل ذلك نقول لا يجوز إلحاق المقتول ظلماً بشهيد المعركة بل يجب أن يغسل ويكفن ويصلى عليه.
السائل: هل ما قاله القاضي أن من رجع عليه سيفه يصلى عليه؟
الشيخ: الصحيح خلاف كلام القاضي.

فصل
القارئ: ومن تعذر غسله لعدم الماء أو خيف تقطعه به كالمجذوم والمحترق ييمم لأنها طهارة على البدن فيدخلها تيمم عند العجز عن استعمال الماء كالجنابة وإن تعذر غسل بعضه يمم لما لم يصبه الماء وإن أمكن صب الماء عليه وخيف من عركه صب عليه الماء صباً ولا يعرك.

ومن مات في بئر ذات نفس أخرج فإن لم يمكن إلا بِمُثْلة وكانت البئر يحتاج إليها أخرج أيضا لأن رعاية حقوق الأحياء أولى من حفظه عن المثله وإن لم يحتج إليها ظمت عليه فكانت قبرا.


الشيخ: في قول المؤلف رحمه الله من تعذر غسله يمم هذا مبني على هل تغسيل الميت عبادة لأن الموت حدث أو إن تغسيله تطهير؟ إن قلنا بالأول صح أن يقال إنه إذا تعذر تغسيله ييمم وكيفية تيميمه؟ أن يضرب الحي يديه على التراب ثم يمسح بهما وجهه وكفيه أما إذا قلنا إن هذا تطهير وتعذر التغسيل فإنه يسقط ويكفن بدون شيء.

فصل
القارئ: ويستحب لمن غسل ميتاً أن يغتسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من غسل ميتاً فليغتسل) رواه أبو داود الطيالسي.
الشيخ: وفي نسخة أبو داود والطيالسي، والظاهر ما قرأه الطالب وعند التخريج يتبين الأمر.
القارئ: ولا يجب ذلك لأن الميت طاهر والخبر محمول على الاستحباب والصحيح أنه موقوف على أبي هريرة كذلك قال أحمد فإذا فَرَغَ من غسله نشفه بثوب كي لا يبل أكفانه.

باب الكفن
القارئ: يجب كفن الميت في ماله مقدماً على الدين والوصية والإرث لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته ناقته (كفنوه في ثوبيه) متفق عليه.
الشيخ: وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يسأل هل عليه دين أو لا فقال كفنوه في ثوبيه دون أن يستفسر وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال.
القارئ: ولأن كسوة المفلس الحي تقدم على دينه فكذلك كفنه فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه كسوته في حياته فإن لم يكن ففي بيت المال.
الشيخ: فإن لم يمكن بأن كان بيت المال غير منتظم ومراجعته تحتاج إلى مدة فعلى من علم بحاله من المسلمين لأن تكفين الميت فرض كفاية لكن في الغالب أن هذه صورة مفروضة لأن أدنى ما يقال أن هذا الميت لابد أن يكون عليه ثياب عند موته والثياب إن كانت واسعة فربما توزع على البدن وتشمل وإلا قد تنقص عن الكفاية.

القارئ: وليس على الرجل كفن زوجته لأنها صارت أجنبية لا يحل الاستمتاع فيها فلم يجب عليه كسوتها.


الشيخ: عندنا فلم تجب لكن يجوز الوجهان لأن التأنيث هنا غير حقيقي وهذه المسألة فيها خلاف فيرى بعض العلماء أنه يجب على الزوج أن يكفن امرأته إذا لم يكن لها مال والقول بأن علائق النكاح انقطعت غير صحيح لأنه يجوز لها أن تغسله ويجوز له أن يغسلها وهذا أعظم ما يكون من متعلقات النكاح وأيضاً يرثها وترثه وأيضاً عليها العدة فبقية آثار النكاح موجودة ثم إنه ليس من العشرة بالمعروف أن تموت زوجة الإنسان التي عاشت معه مدة طويلة في أكمل سعادة وإذا لم يجد لها كفناً قلنا لا يجب على الزوج اذهبوا إلى الناس استنجدوهم بكفن لها هذا ليس من العشرة بالمعروف ولا يليق فالصواب أنه إذا لم يوجد للزوجة مال تكفن به أن الزوج يكفنها إذا كان موسراً أما إذا كان معسراً فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

فصل
القارئ: وأقل ما يجزئ في الكفن ثوب يستر جميعه.
الشيخ: عندي وأقل ما يكفي بدل يجزئ فتكون نسخة.
القارئ: وقال القاضي لا يجزئ أقل من ثلاثة لأنه لو أجزأ واحد لم يجز أكثر منه لأنه يكون إسرافا ولا يصح لأن العورة المغلظة يسترها ثوب واحد فالميت أولى وما ذكره لا يلزم فإنه يجوز التكفين بالحسن وإن أجزأ دونه.
الشيخ: ما قاله القاضي رحمه الله ضعيف والصواب أن الواجب كفن يستر جميع الميت وأما قوله إنه تجب الثلاثة لأنه لو أجزأ الواحد لكانت الثلاثة إسرافاً فيقال الإسراف إنفاق المال في غير محله وهذا في محله إذا كفن بثلاثة أثواب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كفن في ثلاثة أثواب سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة.


القارئ: ويستحب تحسين الكفن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه) رواه مسلم ويكون جديداً أو غسيلا إلا أن يوصي الميت بتكفينه في خَلَق فتمتثل وصيته لأن أبا بكر رضي الله عنه قال كفنوني في ثوبي هذين فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت والأفضل تكفينه الميت في ثلاث لفائف بيض لقول عائشة رضي الله عنها كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة متفق عليه.

الشيخ: سحولية نسبة إلى الساحل لأنها ترد من اليمن واليمن ساحل على البحر وما معنى قوله ليس فيها قميص ولا عمامة؟ قيل معناه ثلاثة زائدة على القميص والعمامة يعني ثلاثة لا يكون منها القميص والعمامة وعلى هذا فيستحب قميص وعمامة وثلاثة أثواب وقيل إن معنى ليس فيها قميص ولا عمامة نفي لوجود قميص وعمامة وهذا هو ظاهر اللفظ أنه كفن بثلاثة أثواب بيض سحولية وليس فيها قميص ولا عمامة ويدرج فيها إدراجاً.
القارئ: ولأن حالة الإحرام اكمل أحوال الحي وهو لا يلبس المخيط فيها فكذلك حال موته.


الشيخ: هذا قياس من أضعف القياسات لكن الصواب أن يقال ولأن العمامة والقميص لا يحتاج إليها لأن الكفن لا يراد به الزينة بخلاف الحي فالحي قد ذكروا أنه يستحب له لبس العمامة على ما ذهبوا إليه رحمهم الله أما المحرم فله حال أخرى والمقصود أن يرحل الإنسان لربه فيكشف رأسه وأن يتحد المحرمون بثوب واحد إزار ورداء وعلى كل حال يكفينا أن نقول في دفع قول من يقول إنه تستحب العمامة والقميص أن ما ذهبوا إليه خلاف ظاهر اللفظ لأن الحديث الآن استدل به طائفتان طائفة تقول يستحب أن يكون في الكفن قميص وعمامة وعلى رأيهم يكون معنى الحديث ثلاثة أثواب زائدة على القميص والعمامة وهذا خلاف ظاهر اللفظ لا شك والذين ينفون ذلك يقولون الحديث صريح واضح ليس فيها قميص ولا عمامة يعني أنه لم يلبس قميصاً ولا عمامة لا زائداً على الثلاثة ولا واحداً من الثلاثة.
السائل: الصحابة رضي الله عنهم لما غسلوا النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه هل خلعوه منه؟
الشيخ: نعم خلعوه لأن عائشة تقول كفن في ثلاثة أثواب.
القارئ: والمستحب أن يؤخذ أحسن اللفائف وأوسعها فيبسط على بساط ليكون الظاهر للناس أحسنها لأن هذه عادة الحي ثم تبسط الثانية فوقها ثم الثالثة فوقهما ويذر الحنوط والكافور فيما بينهن ثم يحمل الميت فيوضع عليهن مستلقيا ليكون أمكن لادراجه فيها ويكون ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه.
الشيخ: عندي ويجعل ما عند رأسه بدل ويكون ما عند رأسه ضعوها نسخة.
القارئ: ويجعل بقية الحنوط والكافور في قطن ويجعل منه بين إليتيه برفق ويكثر ذلك ليرد شيئاً إن خرج حين تحريكه ويشد فوقه خرقة مشقوقة الطرف كالتبان تأخذ إليتيه ومثانته ويجعل الباقي في منافذ وجهه ومواضع سجوده.
الشيخ: عندي على منافذ.


القارئ: ويجعل الباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده ويجعل الطيب والذريرة في مغابنه ومواضع سجوده تشريفاً لهذه الأعضاء التي خصت بالسجود ويطيب رأسه ولحيته لأن الحي يتطيب هكذا وإن طيب جميع بدنه كان حسنا ولا يترك على أعلى اللفافة العليا ولا النعش شيء من الحنوط لأن الصديق رضي الله عنه قال لا تجعلوا على أكفاني حنوطا ثم يثني طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن ثم يرد طرفها الآخر على شقه الأيسر فوق الطرف الآخر ليمسكه إذا أقامه على شقه الأيمن ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك ثم يجمع ذلك جمع طرف العمامة فيرده على وجهه ورجليه إلا أن يخاف انتشارها فيعقدها وإذا وضع في القبر حلها ولا يحرق الكفن.
الشيخ: عندي وإذا وضعه نسخة.
القارئ: وإذا وضعه في القبر حلها ولا يخرق الكفن لأن تخريقه يفسده.
الشيخ: وقال بعض العلماء يخرقه إذا خاف اللصوص لأنه يوجد والعياذ بالله لصوص ينبشون القبور ليأخذوا الأكفان فإذا خيف من هؤلاء خرق الكفن من أجل إفساده على اللصوص لكن المشكلة أن اللص لا يعلم أن كفن صاحب القبر مخرق حتى يتجنبه فإذا نبشه حصل في ذلك مفسدتان الأولى مفسدة اللصوص والثاني تخريق الكفن والإنسان يفعل ما يقدر عليه من السنة وإذا تعدى أحد عليها فليس من فعله فالمهم الصواب ما قاله المؤلف أن الأكفان لا تخرق حتى مع وجود اللصوص.
القارئ: لا يجب الطيب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ولأنه لا يجب على الحي فكذلك على الميت ولا يزاد الكفن على ثلاثة أثواب لأنه إسراف لم يرد الشرع به.
الشيخ: ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن الميت يبقى على النعش هكذا في الكفن ولا يسجى لا بعباءة ولا بغيرها لأنه يقول إنه يَجْعل اللفافة العليا أحسنها كما يفعل الحي ولكن لا شك أن وضع العباءة عليه أو السترة أحسن أما بالنسبة للمرأة فالأفضل أن يكون على نعشها مكبة يعني أعواد محنية توضع على النعش ويكون الستر من فوقها لئلا ينكشف جسمها أمام الناس.


القارئ: وإن كفن في قميص ومأزر ولفافة جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم (ألبس عبد الله بن أُبي قميصه كفنه فيه) متفق على معناه.
الشيخ: عبد الله بن أبي كفنه الرسول عليه الصلاة والسلام في قميصه مع أنه رأس المنافقين فلم ذلك؟ قالوا لأن عبد الله بن أبي كان جسيماً وكان حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه جسيماً أيضاً ولما استشهد في أحد أعطى عبد الله بن أبي قميصه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليجعله لحمزة هكذا قيل والمسألة تحتاج إلى تحرير وقيل إنه فعل ذلك تأليفاً لابنه عبد الله فابن عبد الله بن أبي اسمه عبد الله وهو من أفضل الصحابة

رضي الله عنهم فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم بقميصه تأليفاً لقلب ابنه عبد الله الذي هو من خيار الصحابة فإن صح الأول فهي مناسبة وإن لم يصح فالثاني مناسبته ظاهرة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم من هديه التأليف.
درس جديد
الشيخ: سبق لنا مسألة وهي فيما إذا خرج بعد تغسيل الميت شيء فهل يجب إعادة الوضوء أو الغسل؟ وقد حررها لنا الأخ خالد حامد وتبين لي أنه لا يجب الغسل ولا الوضوء فيما إذا خرج شيء بعد تغسيله لأن المقصود بتغسيله تغسيل ظاهره ولهذا قال (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) وأما ما خرج منه فهو وإن كان حدثاً بالنسبة للحي لكن الحي سيصلي ويؤمر بالطهارة من الحدث أما هذا فلا.
وتغسيله الذي أوجبه الرسول علينا غسلناه فإذا خرج شيء فإننا نغسل مكان ما خرج منه الشيء مكانه وما حوله نطهره فقط ولا يجب وضوؤه ولا يجب إعادة غسله وهذا أيضاً الأصح من مذهب الشافعية على أنه لا يجب أن يعاد الغسل ولا الوضوء لأن هذا وإن كان ناقضاً في الحياة فإنه في الموت لا ينقض ولكن يجب أن يُغَسّل موضع النجاسة.


القارئ: ويجعل المئزر مما يلي جلده ولا يزر عليه القميص فإن تشاح الورثة في الكفن جعل ثلاث لفائف على حسب ما كان يلبس في حياته وإن قال أحدهم يكفن من ماله وقال الآخر من مال السبيل كفن من ماله لئلا يتعير بذلك ويستحب تجمير الكفن ثلاثا لأن جابراً روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا جمرتم الميت فجمروه ثلاثا).
الشيخ: تجمير الكفن يعني تطييبه بالبخور لأن البخور إنما يتبين بالجمر فيجمر يعني توضع لفائف ثم تكون تحتها المبخرة من أجل أن تكتسب من رائحة الطيب.

فصل
القارئ: وتكفن المرأة في خمسة أثواب مئزر تؤزر به وقميص تلبسه بعده ثم تخمر بمقنعة ثم تلف بلفافتين لما روى أبو داود عن ليلى بنت قانف الثقفية قالت كنت فيمن غسل أم كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقى ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر ولأن المرأة

تزيد في حياتها على الرجل في الستر لزيادة عورتها على عورته فكذلك في موتها وتلبس المخيط في إحرامها فتلبسه في موتها.
الشيخ: عندي في مماتها نسخة.

فصل
القارئ: فإن لم يجد إلا ثوباً لا يستر جميعه غطي رأسه وترك على رجليه حشيش لما روى خباب أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد ولم يكن له إلا نمرة إذا غطي رأسه بدت رجلاه وإذا غطي رجلاه بدا رأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم (غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه الاذخر) متفق عليه فإن كان أضيق من ذلك ستر به عورته وغطي سائره بحشيش أو ورق فإن كثر الموتى وقلت الأكفان كفن الاثنان والثلاثة في الكفن الواحد لما روى أنس قال كثرت القتلى وقلت الأكفان يوم أحد فكفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد ثم يدفنون في قبر واحد وهو حديث حسن.
السائل: الرجلين كيف يكفنون جميعاً؟
الشيخ: يدرجون في لفافة واحده.
السائل: كيف يجعلون الثلاثة في كفن واحد؟


الشيخ: لا نعرف كيفية ذلك لكن كأنه والله أعلم تجد الواحد منهم عليه إزار وليس له رداء فتجمع الأزر يكفن بها ثلاثة جميعاً أو اثنان لأن حالهم ما هي معروفة لنا بالضبط.
السائل: المعروف أن الشهيد لا يكفن والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع أمر أن يكفنوا.
الشيخ: يكفنوا بثيابهم فالشهيد يكفن لكن بثوبه.
السائل: وإن قال أحدهم يكفن من ماله وقال الآخر من مال السبيل.
الشيخ: مال السبيل الوقف يعني مثلاً إنسان متبرع موقف أكفان للموتى فقال بعض الورثة من مال السبيل وقال الآخرون من ماله فيقدم الذي قال إنه يكفن من ماله.

فصل
القارئ: فإن خرج منه شيء يسير وهو في أكفانه لم يعد إلى الغسل وحمل لأن في إعادته مشقة ولا يؤمن مثله ثانياً وثالثا وإن ظهر منه كثير فالظاهر عنه أنه يحمل أيضاً لمشقة إعادته وعنه أنه يعاد غسله ويطهر كفنه لأنه يؤمن مثله في الثاني للتحفظ بالتلجم والشد.
الشيخ: بالتلجيم نسخة لأن الميت لا يتلجم بنفسه إنما يُلَجَّم وقول المؤلف رحمه الله فالظاهر عنه أي عن الإمام أحمد وقوله عنه أي عن الإمام أحمد وهذا هو الأظهر أن الشيء اليسير لا يعاد غسله والشيء الكثير الذي يظهر على الكفن ويتبين يعاد لكن لا يعاد الغسل على ما رجحنا آنفاً بل يعاد غسل الموضع ثم يضرب عليه ما يمنع الخروج مرة ثانية.

فصل


القارئ: وإذا مات المحرم لم يقرب طيباً ولا يخمر رأسه لأن حكم إحرامه باق فيجنب ما يتجنبه المحرمون لما روى ابن عباس قال بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (غسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) متفق عليه وعنه لا يغطى وجهه ولا رجلاه والظاهر عنه جواز تغطيتهما لأنه لم يذكرهما في حديث ابن عباس ولأن الحي لا يمنع من تغطيتهما فالميت أولى ولا يُلْبَس قميصاً إن كان رجلا لأنه ممنوع من لبس المخيط وإن كان امرأة جاز ذلك لأنها لا تمنع من لبس المخيط وجاز تخمير رأسها لأنها لا تمنع ذلك في حياتها وإن ماتت معتدة بطل حكم عدتها وفعل بها ما يفعل بغيرها لأن اجتناب الطيب في الحياة إنما كان لئلا يدعو إلى نكاحها وقد أمن ذلك بموتها.
الشيخ: الحديث قال (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه) وهذا يدل على أن من عادتهم أنهم يحنطون الأموات وقوله في ثوبيه يعني إزاره ورداءه الذين مات فيهما.
السائل: الميت المحرم هل يجوز غسله بما فيه طيب؟
الشيخ: لا يغسل بما فيه الطيب لأنه محرم وهذا يدلنا على ضعف قول من يقول من العلماء إنه إذا مات في إحرامه يقضى عنه ما بقي ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقضاء ما بقي عن هذا الرجل حتى وإن كانت فريضة ولأنه لو قضي عنه لانتهى إحرامه ولم تحصل له هذه الميزة العظيمة وهي أنه يبعث يوم القيامة ملبياً فصار في قضائه حرمان لهذا الميت من أن يبعث يوم القيامة ملبياً لأن نائبه أنهى نسكه


فالصواب الذي لا شك فيه أنه لا يقضى عن الميت ما بقي من نسكه ولو كان النسك فرضا لأنه انقطع عمله بموته ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك ولأنه لو أكمل عنه لم يبعث يوم القيامة ملبياً.
السائل: بالنسبة للموتى الذين تقطعت أجزاؤهم ثم جمعت جمعاً كيف يكفنون؟
الشيخ: يكفنون بكيس أو ما أشبه ذلك.


باب الصلاة على الميت
القارئ: وهي فرض على الكفاية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صلوا على من قال لا إله إلا الله) ويكفي واحد لأنها صلاة ليس من شرطها الجماعة فلم يشترط لها العدد كالظهر وتجوز في المسجد لأن عائشة رضي الله عنها قالت ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد رواه مسلم وصلي على أبي بكر وعمر في المسجد وتجوز في المقبرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر في المقبرة ويجوز فعلها فرادى لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلي عليه فرادى والسنة فعلها في جماعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها بأصحابه ويستحب أن يصف ثلاثة صفوف لما روى مالك بن هبيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب) وهذا حديث حسن وإن اجتمع نساء فصلين عليه جماعة أو فرادى فلا بأس لأن عائشة رضي الله عنها صلت على سعد ابن أبي وقاص.


الشيخ: الصلاة على الميت كما قال المؤلف رحمه الله فرض كفاية لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بها في حديث أصح مما قاله المؤلف حيث قال (صلوا على صاحبكم) فأمر بالصلاة عليه ولأن الله تعالى قال (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً) وهذا يدل على أن من عادتهم الصلاة على الأموات وليس من شرطها الجماعة فلو صلوا عليها فرادى صح والنبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه الصحابة فرادى لأنهم كرهوا أن يتخذوا إماماً بين يدي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فصاروا يأتون يصلون عليه أفراداً الرجال ثم النساء والصلاة على الميت في المسجد جائزة وليست هي الأفضل بل الأفضل أن يوضع للجنائز مصلى خاص يصلى عليهم فيه لكن نظراً لما اعتاده الناس اليوم حيث يصلون على الأموات في المساجد لأنه أكثر جمعاً وأوسع صار الناس يعتادون هذا ويصلون على الجنائز في المساجد والصلاة على الجنائز في المساجد من باب الجائز وليست من باب السنة أما الصلاة في المقبرة فكذلك هي جائزة أن يصلى على الميت في المقبرة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى على قبر المرأة التي كانت تقم المسجد وهذا يدل على جواز صلاة الجنازة في المقبرة وعلى هذا فيكون هذا مخصصاً لعموم

النهي عن الصلاة في المقبرة ويكون المراد بالنهي عن الصلاة في المقبرة الصلاة التي ليست صلاة جنازة أما هذه فلا بأس بها.


والمؤلف ذكر حديث مالك بن هبيرة أنه كان يصفهم ثلاثة صفوف لكن قد يقال إن معنى الحديث التكثير يعني (ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين) المراد بذلك التكثير وفعل مالك بن هبيرة رضي الله عنه كقول بعض العلماء في خطى المسجد أنه ينبغي أن يقصر الخطى من أجل أن تكثر وفي هذا نظر لا في هذا ولا في هذا أما حديث مالك بن هبيرة فإنه يحمل على ما جاء في السنة من وجه آخر أن المراد بذلك تكثير المصلين ثم لو قلنا نجزِّئهم ونجعل الإمام وواحد وخلفهما اثنين وخلفهما اثنين خالفنا السنة في تكميل الصف الأول فالأول فالظاهر لي أن المراد بحديث مالك بن هبيرة التكثير كما يشهد له ما ذكرناه (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيء إلا شفعهم الله فيه) وأما تقارب الخطى فيمن جاء إلى المسجد فهو أيضاً خلاف ظاهر السنة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (لا يخطو خطوة) والمراد الخطوة المعتادة ولو كان تقصير الخطى مطلوباً لبينه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فصل
القارئ: وأولى الناس بالصلاة عليه من أوصي إليه بذلك لإجماع الصحابة على الوصية بها فإن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب وابن مسعود أوصى بذلك الزبير وأبو بكرة أوصى به أبا برزة وأم سلمة أوصت سعيد بن زيد وعائشة أوصت إلى أبي هريرة وأوصى أبو سريحة إلى زيد بن أرقم فجاء عمرو بن حريث وهو أمير الكوفة يتقدم فقال ابنه أيها الأمير إن أبي أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم فقدم زيد ولأنها حق للميت فقدم وصيه بها كتفريق ثلثه ثم الأمير لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه) وقال أبو حازم شهدت حسيناً عليه السلام حين مات الحسن.
الشيخ: ليست عندي عليه السلام فالظاهر أنها من الطابع.


القارئ: وقال أبو حازم شهدت حسيناً حين مات الحسن وهو يدفع في قفى سعيد بن العاص ويقول تقدم لولا السنة ما قدمتك وسعيد أمير المدينة ولأنها إمامة في صلاة فأشبهت سائر الصلوات.
الشيخ: قول المؤلف رحمه الله ثم الأمير بناءً على ما كانوا يعهدونه في ذلك الوقت أن الإمام هو الأمير أما في عهدنا الآن فإمام المسجد أحق من الأمير وذلك لأن إمام المسجد هو ذو سلطان في مكانه فيكون هو

أحق نعم لو فرض أنه جاء من فوق الإمام كوزير شؤون المساجد فوزير شؤون المساجد الظاهر أنه أحق من إمام مسجد لأن ولايته على المساجد عامة ولو جاء رئيس الدولة كان أولى أيضاً أما أمير البلدة فالظاهر أن سلطان المسجد هو إمام المسجد.
القارئ: ثم الأب وإن علا ثم الابن وإن سفل ثم أقرب العصبة ثم الرجال من ذوي أرحامه ثم الأجانب وفي تقديم الزوج على العصبة روايتان أشهرهما تقديم العصبة لأن عمر قال لقرابة امرأته أنتم أحق بها ولأن النكاح يزول بالموت والقرابة باقية.
الشيخ: سبق أن النكاح لا يزول بالموت نهائياً بل هناك علاقات كالإرث والعدة والمهر وما أشبه ذلك.
القارئ: والثانية الزوج أحق بها لأن أبا بكرة صلى على امرأته دون أخوتها ولأنه أحق منهم بغسلها فإن استووا فأولاهم أولاهم بالإمامة في المكتوبات للخبر فيه والحر أولى من العبد القريب لعدم ولايته فإن استووا وتشاحوا أقرع بينهم.
الشيخ: الحمد لله أن هذه الأمور التي يفرضها الفقهاء ما توجد الآن والآن يتولى الصلاة على الجنائز إمام المسجد ثم إذا قدمت في غير وقت الصلاة يختار الناس من يرون أنه أقرب إلى التقوى وقدموه ولا شك أن من كان أقرب إلى التقوى أحق لأن المقام يقتضيه إذ أن المقام مقام دعاء وكلما كان الإنسان أتقى لله كان أقرب إلى الإجابة.

فصل


القارئ: ومن شرطها الطهارة والاستقبال والنية لأنها من الصلوات فأشبهت سائرهن والسنة أن يقوم الإمام حذاء رأس الرجل ووسط المرأة لما روي أن أنساً صلى على رجل فقام عند رأسه ثم صلى على امرأة فقام حيال وسط السرير فقال له العلاء بن زياد هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المرأة مقامك منها ومن الرجل مقامك منه قال نعم وهذا حديث حسن.
الشيخ: والحكمة والله أعلم أن الرأس مقدمة البدن فكان وقوفه عنده أولى من بقية البدن وأما وسط المرأة فلأن القيام عنده أستر لها وهذا بناءً على أن نعوش النساء لا يكون عليهن مكبة فإذا قام الإمام عند وَسَطها ستر وسطها عمن وراءه هذا والله أعلم الحكمة في ذلك وقوله (هكذا رأيت) الجملة هذه استفهامية حذف منها أداة الاستفهام والتقدير (أهكذا) ولهذا أمثلة كثيرة في القرآن وغير القرآن (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) التقدير (أهم ينشرون) ولهذا كان ينبغي أن يقف الإنسان عند قوله تعالى (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) لأنه لو وصل لظن الظان أن جملة ينشرون صفة لآلهة وليس كذلك.

القارئ: ويجوز أن يصلي على جماعة دَفْعة واحدة ويقدم إلى الإمام أفضلهم ويسوى بين رؤوسهم فإن اجتمع رجال ونساء وصبيان وخناثى قدم الرجال وإن كانوا عبيداً ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء لما روى عمار مولى الحارث بن نوفل قال شهدت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم ووضعت المرأة وراءه فصلى عليهما وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة فسألتهم فقالوا السنة رواه أبو داود ولأنهم هكذا يصفون في صلاتهم وقال الخرقي يقدم النساء على الصبيان لحاجتهن إلى الشفاعة ويسوى بين رؤوسهم لأن ابن عمر كان يسوي بين رؤوسهم وعن أحمد ما يدل على أنه يجعل صدر الرجل حذاء وسط المرأة واختاره أبو الخطاب ليقف كل واحد منهما موقفه.


الشيخ: وهذا هو الأقرب فالآن إذا اجتمع أصناف رجال ونساء وقدمناهم بين يدي الإمام فمن الذي يلي الإمام؟ الرجال ثم الصبيان ثم النساء وكيف نضعهم أمامه؟ المذهب أن رأس الرجل يكون بحذاء وسط المرأة ليكون موقف الإمام مطابقاً للسنة في كل جنازة على حدة والقول الثاني تكون رؤوسهم سواءً ويقف الإمام عند الرأس لأن هذا موقف الإمام من جنازة الرجل فكان أحق بالمراعاة من جنازة المراة والأول أقرب للصواب.
السائل: هل لإمام المسجد أن يقدم أحد أقرباء الميت في الصلاة عليه؟
الشيخ: لا بأس لا سيما إذا كان القريب مشهوراً بالتقى والعبادة والعلم فهنا قد يحسن أنه يقدم.
السائل: ذكرنا أنه يجوز الصلاة في المقبرة على القبر وبعض العلماء يقول إنه يقتصر فقط على الصلاة على القبر كما ورد وأما الصلاة على الجنازة التي لم تدفن بعد داخل المقبرة فيبقى على الأصل وهو النهي فيصلى عليها خارج المقبرة ثم تدخل المقبرة؟
الشيخ: الأول أصح أنه يصلى على الجنائز في المقبرة كما يصلى على القبور لأن الصلاة على القبور أعظم وإذا كان الشرع أجاز أن يصلي الإنسان إلى القبر وهو منهي عنه بعينه (لا تصلوا إلى القبور) ففي مكان القبور من باب أولى.
السائل: هل نقول إن الأصل عدم الصلاة فلما استثنيت هذه الحالة بقي على الأصل؟
الشيخ: لا ما دام عندنا قياس صحيح جلي فنأخذ به ولهذا صلاة الجنازة ليست صلاة مطلقة بل يقال صلاة جنازة فهي مقيدة.
مسألة: الأصل أن ما ثبت للرجال ثبت للنساء وأنه كما يكفن الرجل بثلاثة أثواب كذلك المرأة.

فصل
القارئ: وأركان صلاة الجنازة ستة، القيام لأنها صلاة مكتوبة فوجب القيام فيها كالظهر.


الشيخ: القيام في الصلاة معروف أنه ركن من أركانها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً) الحديث وهذه صلاة فتدخل في العموم المعنوي أو العموم اللفظي أما العموم اللفظي فظاهر وأما العموم المعنوي فالقياس والمؤلف رحمه الله جعلها من باب العموم المعنوي.
القارئ: الثاني أربع تكبيرات لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعا متفق عليه.
الشيخ: هذا الاستدلال غير كافي في الواقع لأن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب لكن كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه حرف واحد أنه اقتصر على أقل من ثلاث بل حافظ عليها وربما زاد يدل هذا على وجوب الأربع ويستأنس لهذا بقوله (صلوا كما رأيتموني أصلي) أما مجرد أنه كبر على النجاشي أربعاً فهذا لا يدل على الوجوب لأنه فعل والفعل لا يدل على الوجوب على القول الراجح.
القارئ: الثالث أن يقرأ في التكبيرة الأولى بفاتحة الكتاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن) وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بأم القرآن وقال إنه من السنة أو من تمام السنة حديث صحيح رواه البخاري ولأنها صلاة يجب فيها القيام فوجبت فيها القراءة كالظهر الرابع أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية لما روى أبو أمامة بن سهل عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى يقرأ في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء للجنازة ولا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سراً في نفسه رواه الشافعي في مسنده وليس في الصلاة عليه شيء مؤقت وإن صلى كما يصلي في التشهد فحسن.


الشيخ: ليس في الصلاة عليه يعني على من؟ على النبي صلى الله عليه وسلم شيء مؤقت أي معين بل لو قال اللهم صل على محمد أو صلى الله على محمد أو الصلاة والسلام على محمد كفى لكن لا شك أن ما جاءت به السنة أفضل فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل كيف نصلي عليك قال قولوا (اللهم صل على محمد) إلى آخره.

القارئ: الخامس أن يدعو للميت في الثالثة لذلك ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) رواه أبو داود ولأنه المقصود فلا يجوز الإخلال به وما دعا به أجزأه السادس التسليم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (تحليلها التسليم).
الشيخ: هذا الترتيب إذا صح فيه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو أمامه بن سهل عن رجل من أصحاب النبي فظاهر وإن لم يصح فهو أيضاً مناسب لأن المقصود بالصلاة على الميت هو الدعاء له والدعاء من سننه الثناء على الله عز وجل ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء فهنا الثناء على الله عز وجل بماذا؟ بقراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التكبيرة الثانية والدعاء للميت في الثالثة لكن يبدأ بالدعاء العام لأنه أعم وأشمل والدعاء العام يدخل فيه الميت الذي بين يديه فأنت تقول (اللهم اغفر لحينا وميتنا) ومنهم هذا الميت ثم تدعو له بخصوصه فتقول له اللهم اغفر له وارحمه وهذا مناسب جداً وقد ذكرنا له نظيراً وهو التحيات في التشهد تبدأ بالثناء على الله ثم بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم ثم بالسلام عليك ثم بالسلام على عباد الله الصالحين وبَدَأْت بالسلام عليك دون العموم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ابدأ بنفسك) ولأن الرسول علم الأمة هكذا قال (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين).
السائل: حديث ابن عباس فيه زيادة وسورة معه كذلك يعني الفاتحة وسورة فهل يجوز قراءة سورة مع الفاتحة؟
الشيخ: يجوز أن يقرأ مع الفاتحة سورة قصيرة أحياناً.

فصل


القارئ: وسننها سبع رفع اليدين مع كل تكبيرة لأن عمر كان يرفع يديه في تكبيرة الجنازة والعيد ولأنها تكبيرة لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود فسن فيها الرفع كتكبيرة الإحرام.
الشيخ: وهذا هو الصحيح أنه يرفع يديه في كل تكبيرة من تكبيرات الجنائز أولاً لأنه صح عن ابن عمر بل صح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما صححه الشيخ عبد العزيز بن باز في حاشيته على فتح الباري وثانياً لأنه لو لم يرفع يديه لكان الانتقال إلى ركن آخر بدون حركة خلاف الصلوات فكل الصلوات ليس فيها انتقال من ركن إلى ركن إلا بحركة إما ركوع أو سجود أو قيام أو قعود وهنا ينتقل من قراءة الفاتحة إلى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا اقتصر على مجرد التكبير صار انتقال بلا حركة وهذا خلاف المعهود في الصلوات فالقياس والحديث كلاهما يدل على أن من السنة أن يرفع الإنسان يديه في كل تكبيرة في صلاة الجنازة.

القارئ: والثاني الاستعاذة قبل القراءة لقول الله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).


الشيخ: بارك الله فيكم هذه مسألة مهمة إذا قرأت القرآن فاستعذ لكن إذا ذكرت القرآن على أنه شاهد فلا حاجة للاستعاذة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً يستشهد بالآيات ولا يستعيذ لأنه لم يقصد القراءة إنما قصد الاستشهاد أو الاستدلال والعجب أن بعض الناس يقول لقول الله تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) ما قال الله هكذا هل قال الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) لا ولذلك هذه من الأخطاء التي ترد على بعض الناس الذين يريدون أن يستمسكوا بالسنة ونعم ما أرادوا لكن يجب أن تطبق السنة حيث جاءت السنة فنحن إذا شاهدنا حديث (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار) قالوا أفلا نتكل يا رسول الله قال (لا) اعملوا فكل ميسر لما خلق له ثم قرأ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى) وليس بالحديث ثم استعاذ وقرأ وأمثلة كثيرة لهذا لكن لو فرض أنه من السنة وأنه ثابت أو قال أحد بعموم قوله (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) يشمل ما قرأه استشهاداً وما قرأه تعبداً وتحفظاً قلنا لا تقل قال الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فإذا فرغت فانصب) قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال الله تعالى (فإذا فرغت فانصب) فاجعل الاستعاذة منك ثم قل قال الله عز وجل.


القارئ: الثالث الإسرار بالقراءة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر بها الرابع أن يدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما روى أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة قال (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا) حديث صحيح وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وزاد (اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته فتوفه على الإيمان اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده).
الشيخ: وهذا هو الصواب أما قول بعض الفقهاء اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على السنة أظن هذا لفظه فهذا ليس بصحيح والصحيح ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان وإنما اختار النبي صلى الله عليه وسلم للحياة الإسلام وللموت الإيمان لأن الحساب إنما يكون على ما في القلب وآخر لحظة في الدنيا التي يموت عليها الإنسان هي التي يبعث عليها يوم القيامة نسأل الله أن يختم لنا ولكم بالإيمان أما الحياة فالحياة مع مجتمع فيكفي الإسلام ظاهراً حتى وإن كان الإنسان منافقاً لأن المقصود الإسلام ظاهراً يعني أن يستسلم الناس لله عز وجل ظاهراً وحسابهم على الله عز وجل ولهذا اختار النبي عليه الصلاة والسلام الفرق بين الحياة والموت ففي الحياة قال أحيه على الإسلام وفي الموت قال توفه على


الإيمان فإذا قال قائل النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أحييته منا) وهذا ينافي قولنا الاستسلام ولو ظاهراً قلنا إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) فجعل المنافقين من أصحابه لأنهم أصحاب له ظاهراً فيكون منا فالمنافق منا ظاهراً وإن كان عدونا فإبليس مثلاً أمر الله الملائكة أن تسجد لآدم وإبليس أبى وهذا يدل على أن الخطاب موجه إليه مع أن الله يقول (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ) لكن إبليس كان معهم وليس منهم لأنه خلق من نار وهم خلقوا من نور فليس منهم أصلاً ولا عملاً ولذلك استكبر وهم سجدوا لكنه وجِّه الخطاب إليه معهم لأنه مندمج فيهم متشبِّه بهم.
القارئ: وفي آخر (اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها للإسلام وأنت قبضتها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها جئناك شفعاء فاغفر له) رواه أبو داود وعن عوف بن مالك قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وزوجاً خيراً من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت رواه مسلم.
الشيخ: الله أكبر هذا دعاء عظيم من النبي عليه الصلاة والسلام لأن قوله (أبدله داراً خيراً من داره) واضح داراً خيرا من داره لأن دار الدنيا دار شقاء وتعب وعناء وكدر ولا يكاد يمضي على الإنسان يوماً يسر فيه إلا والذي بعده يساء فيه كما قال الشاعر:
فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسر


لكن دار الآخرة ليس فيها ذلك إذا كان الإنسان من أهل الجنة جعلني الله وإياكم منهم فالدار خير من دار الدنيا (أهلاً خيراً من أهله) هذه قد يكون فيها إشكال من خيرٌ من أهله؟ الحور وعلى كل حال الحور مختلف هل هم خير أو بنو آدم خير؟ لكن الخيرية تكون ببدل العين وتكون ببدل الوصف وهنا إذا غير الله وصف أهلك من سوء معاملة إلى حسن معاملة فإنه يقال إن الله أبدلك بخير منهم أليس الله يقول (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) مع أن الأرض هي الأرض ما تبدلت لكن تغيرت وكذلك يقال (زوجاً خيراً من زوجه) لا يعني ذلك أن زوجه لا يكونون معه لا، فهم يكونون معه لكن يبدل الله تعالى أحوالهم بحال أخرى غير الحال التي كانوا عليها في الدنيا، وقوله (حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت) هل هذا من باب تمني الموت المنهي عنه؟ الجواب لا بل لا بد من تمني هذا الدعاء لأنه لا يدري ربما يصلي عليه من لا يدعو هذا الدعاء وربما لا يصلي عليه النبي عليه الصلاة والسلام.

القارئ: وإن كان طفلاً جعل مكان الاستغفار له اللهم اجعله لوالديه ذخرا وفرطاً وسلفاً وأجرا اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم وقه برحمتك عذاب الجحيم فإن لم يعلم شراً من العبد قال اللهم لا نعلم إلا خيرا.


الشيخ: هذا الدعاء للطفل جمعه بعض العلماء رحمهم الله من عدة أحاديث وأتوا به فقوله اللهم اجعله ذخراً لوالديه وفرطاً وسلفاً وأجرا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من مات له ثلاثة من الولد واثنان من الولد كانوا ستراً له من النار وأما قوله الحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم فهو أيضاً بناء على أن صبيان المؤمنين عند إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما جاء ذلك في بعض ألفاظ حديث المعراج وأما قوله (قه برحمتك عذاب الجحيم) فقد أشكل على أهل العلم وقالوا كيف يدعى له بأن يقيه الله عذاب الجحيم مع أنه لا يعذب إذ أنه قد رفع عنه القلم؟ فأجاب بعضهم بأن هذا يكون عند الورود ورود الناس على جهنم في الصراط فإن الإنسان قد يتعذب من ذلك المرور ومنهم الأطفال ولكنه جواب يهتز ليس ثابتاً ولو دعا لوالديه بالرحمة والثواب والأجر لكان كافياً.
القارئ: الخامس أن يقف بعد الرابعة قليلاً وهل يسن فيها ذكر على روايتين.
الشيخ: على روايتين عن أحمد رحمه الله فالمذهب أنه لا ذكر فيها يقف ثم يسلم والوقوف ليس طويلاً أيضاً وقوف بقدر ما يتراد إليه نفسه ثم يسلم وقيل بل فيها ذكر ثم ما هذا الذكر؟ قيل إنه يقول اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله وقيل إنه يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وكل هذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام لكنه استحسان من بعض العلماء المهم هل فيها ذكر أو لا؟ المذهب ليس فيها ذكر والرواية الثانية عن أحمد أن فيها ذكراً وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن الروايتين متساويتان لأنه لم يقدم واحدة على الأخرى بل قال على روايتين فمن قال ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة فحسن لأن شيخ الإسلام رحمه الله قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يختم بهذا الدعاء دعاءه.


القارئ: السادس أن يضع يمينه على شماله لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فوضع يمينه على شماله السابع الالتفات على يمينه في التسليمة.

فصل
القارئ: ولا يسن الاستفتاح لأن مبناها على التخفيف ولا قراءة شيء بعد الفاتحة لذلك وعنه يسن الاستفتاح.
الشيخ: ولو أنه ذكر المؤلف القول بأنه لا بأس أن يقرأ بعد الفاتحة شيئاً في بعض الأحيان لكان هذا جيداً لأنه ثبت فيقال إذا قرأ شيئاً بعد الفاتحة فحسن في بعض الأحيان ولا سيما إذا كان مأموماً وأطال الإمام القراءة فلابد أن يقرأ المأموم ولا يسكت فيقرأ ما يظن أنه يكمله قبل تكبيرة الإمام.
القارئ: ولا يسن تسليمة ثانية لأن عطاء بن السائب قال إن النبي صلى الله عليه وسلم سلَّم على الجنازة تسليمة واحدة رواه الجوجزاني ولأنه إجماع قال أحمد التسليم على الجنازة تسليمة واحدة عن ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم.
الشيخ: الظاهر إنه إبراهيم النخعي لأنه من أفقه التابعين.
القارئ: ولا تسن الزيادة على أربع تكبيرات لأنها المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وجمع عمر الناس على أربع تكبيرات وقال هو أطول الصلاة فإن كبر خمساً جاز وتبعه المأموم لأن زيد بن أرقم كبر على جنازة خمسا وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبرها رواه مسلم وعنه لا يتابع فيها اختاره ابن عقيل لأنها زيادة غير مسنونة.


الشيخ: هذا غريب أن تثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام ثم يقال غير مسنونة بل يسن أن يكبر خمساً أحياناً وإن كان أكثر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكبر أربعاً هذا هو الأكثر وهو الأغلب لكن لو كبر خمساً لحديث زيد بن أرقم أحياناً فلا بأس وهذا من نشر السنة ولكن يبقى أن يقال ماذا يقول ما بين الرابعة والخامسة؟ لا أعلم في هذا شيئاً لكن اجتهاداً مني إذا أردت أن أكبر خمساً جعلت الدعاء العام بعد التكبيرة الثالثة والدعاء الخاص بعد التكبيرة الرابعة وهذا نرجو الله أن نكون موفقين فيه إلى الصواب.
القارئ: وإن كبر ستاً أو سبعا ففيه روايتان إحداهما يجوز ويتابعه المأموم فيها لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر سبعا وكبر عليٌ على أبي قتادة سبعا والثانية لا يجوز ولا يتبعه المأموم فيها لأن المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه خلافها لكن لا يسلم قبله وينتظره حتى يسلم معه لأنها زيادة قول مختلف فيه فلم يجز له مفارقة إمامه إذا اشتغل به كالقنوت في الصبح وإن زاد على سبع لم يتابعه ولم يسلم قبله قال أحمد وينبغي أن يسبح به
الشيخ: يعني إذا جاوز السبع لأنه لم يرد أكثر من السبع.

السائل: الزيادة على أربع تكبيرات هل هي راجعة إلى اختيار الإمام أو إلى صلاح المصلى عليه؟
الشيخ: لا راجعة إلى اختيار الإمام وهي سنة فإذا رأى أن يبينها للناس بالفعل فعل لأن البيان بالفعل غالباً يكون أثبت.
السائل: إذا كبر الإمام ثلاثاً وسلم فماذا ينبغي على المأموم؟
الشيخ: يجب عليه أن ينبهه.
السائل: إذا لم ينبه؟
الشيخ: إذا لم ينتبه يكبر المأموم ويحصل به فرض الكفاية.
السائل: ورد أنه كبر على النجاشي تسعاً فهل هذه الرواية لا تصح؟
الشيخ: هذه شاذة لأن التي في الصحيحين أنه كبر عليه أربعاً.

فصل


القارئ: فإن كبر على جنازة فجئ بأخرى كبر الثانية عليهما ثم إن جئ بثالثة كبر الثالثة عليهن ثم إن جئ برابعة كبر الرابعة عليهن ثم يتمم بسبع تكبيرات ليحصل للرابعة أربع تكبيرات فإن جيء بأخرى لم يكبر عليها لئلا يفضي إلى زيادة التكبير على سبع أو نقصان الخامسة من أربع وكلاهما غير جائز.
الشيخ: قدمت جنازة فكبر عليها التكبيرة الأولى ثم جيء بأخرى فالأخرى كم تحتاج؟ أربع تكبيرات وستكون للأولى خمس ثم جيء بثالثة فتحتاج إلى أربع فتكون تكبيرات الأولى ستاً والثانية خمساً ثم جيء بالرابعة فيكبر عليها أربعاً وتكون للأولى سبعاً وللثانية ستاً وللثالثة خمساً وللرابعة أربعاً فإذا جيء بخامسة الآن ما تدخل معها لأنه يلزم من ذلك إما الزيادة على السبع بالنسبة للأولى وإما النقص عن الأربع بالنسبة للأخيرة وحينئذٍ يقال لا تدخلونها مع الجنائز وهذه مسائل ربما تقع في زمن الأوبئة وكثرة الأموات أما مع الأمراض والموت المعتاد فالظاهر أن هذا لا يقع لأن الجنائز يؤتى بها جميعاً ويصلى عليها صلاة واحدة.

القارئ: وإن أراد أهل الأولى رفعها قبل سلام الإمام لم يجز لأن السلام ركن لم يأتِ به ويقرأ في التكبيرة الرابعة الفاتحة وفي الخامسة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لهم في السادسة لتكمل الأركان لجميع الجنائز.
الشيخ: نعم يدعو لهم في السادسة هذا إن لم يدعو للأول فإن دعا للأول فقد انتهى لكنه سوف يبدأ بالفاتحة وهي محل الصلاة على الرسول بالنسبة للأولى ثم إذا جاءت الثالثة قرأ الفاتحة لها وهي بالنسبة للثانية محل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وللأولى محل الدعاء للميت حتى يصل إلى الرابعة فيقرأ الفاتحة ثم يمضي في بقية الدعاء.
السائل: يكرر قراءة الفاتحة؟
الشيخ: نعم سيكررها ضرورة.
السائل: قوله (اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده) هل نقول إن النبي صلى الله عليه وسلم يخالف ما ورد من إخلاص الدعاء للميت.


الشيخ: لا، إخلاص الدعاء للميت معناه أنه يدعو له بإخلاص وحضور قلب ولهذا كان الرسول يقول (اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا ... ) إلى آخره.
السائل: هل الفاتحة والدعاء أركان بحيث تبطل صلاة من لم يقرأ الفاتحة ويدعو؟
الشيخ: أما الفاتحة فركن لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وهذا عام في الجنازة وغيرها.

فصل
القارئ: ومن سبق ببعض الصلاة فأدرك الإمام بين تكبيرتين دخل معه كما يدخل في سائر الصلوات وعنه أنه ينتظر تكبير الإمام فيكبر معه لأن كل تكبيرة كركعة فلا يشتغل بقضائها فإذا سلم الإمام قضى ما فاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وما فاتكم فاقضوا) قال الخرقي يقضيه متتابعا فإن سلم ولم يقضه فلا بأس لأن ابن عمر رضي الله عنه قال لا يقضي ولأنها تكبيرات متوالية حال القيام فلم يجب قضاء ما فات منها كتكبيرات العيد وقال القاضي وأبو الخطاب يقضيه على صفته إلا أن ترفع الجنازة فيقضيه متواليا لعدم من يدعى له فإن سلم ولم يقضه فحكى أبو الخطاب عنه رواية أنها لا تصح قياساً على سائر الصلوات.
الشيخ: هذا الفصل فيما إذا سبق الإنسان في صلاة الجنازة فذكر فيه مسائل أولاً هل يدخل مع الإمام على أي حال وجده؟ ذكر فيه قولين والصواب أنه يدخل معه على أي حال وجده لعموم قول النبي صلى


الله عليه وسلم (فما أدركتم فصلوا) ولكن دخل معه الآن هل يقرأ الفاتحة لأن هذه أول تكبيرة بالنسبة للمسبوق أو يدعو بما يدعو به الإمام الآن؟ يحتمل وجهين الوجه الأول أن يبدأ بقراءة الفاتحة لأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ولأنه لو قرأ الفاتحة لا يظهر فيه مخالفة الإمام بخلاف ما لو دخل معه في أثناء الفريضة ثم قضى ما فاته فإنه يظهر فيه مخالفة الإمام تماماً ويحتمل أن يقال إنه يقرأ ما يدعو به الإمام لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما أدركتم فصلوا) ولأنه ربما لا يتمكن بعد تسليم الإمام من قضاء ما فاته فيفوت ما هو أعظم مقصود بالصلاة على الميت وهو الدعاء للميت.
ثانياً إذا قضاه فإذا سلم الإمام فهل يقضي متتابعاً أو يقضي ويدعو أو يسلم هذه ثلاث احتمالات نقول إذا كانت الجنازة سوف تبقى حتى يتمكن من التكبير والدعاء فليقض على حسب ما فاته فإذا قال قائل كيف تبقى الجنازة نقول يمكن أن تبقى الجنازة فيما إذا كان العدد محصوراً وحضر خمسة وصار الذين يقضون عشرة فإنه يمكن أن تبقى الجنازة لا ترفع حتى يتم هؤلاء العشرة ما فاتهم أو يكون هناك زحام شديد فينتظرون في حملها حتى يخف الزحام المهم إذا كان يمكن أن يقضي ما فاته على صفته قبل أن ترفع الجنازة فإنه يَفْعل وإذا كان لا يمكن فعندنا الآن حالان الحال الأولى أن يتابع التكبير ويسلم والحال الثانية أن يسلم مع الإمام فنقول أما سلامه مع الإمام فقد ذكر المؤلف أنها تبطل الصلاة به لأنه سلم قبل إتمامها وأما متابعة التكبير فقد ذكر أنه يتابع ولكن الذي يظهر أن له الخيار إما أن يتابع التكبير وينتهي قبل أن ترفع وإما أن يسلم مع الإمام لأنه لما انتهت صلاة الإمام انتهى الفرض أي فرض؟ فرض الكفاية فالآن قُضِيت الفريضة فيبقى ما عداه تطوعاً والإنسان يجوز له أن يخرج من التطوع لكن لا شك أن المتابعة أحسن من كونه يصلي مع الإمام دون أن يقضي ما فاته.
السائل: ما صفة متابعة التكبير؟


الشيخ: كيفية المتابعة الله أكبر الله أكبر الله أكبر متوالية ويسلم بدون دعاء هذا إذا كان يخشى أن ترفع الجنازة أما إن كان ستبقى يكمل ما فاته على صفته.
السائل: إذا دخل مع الإمام والجنازة لم ترفع ثم سلم الإمام فماذا يفعل؟
الشيخ: إذا سلم الإمام يبدأ بقراءة الفاتحة ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

فصل
في الاسراع بالدفن
القارئ: وإذا صلي عليه بودر إلى دفنه ولم ينتظر حضور أحد إلا الولي فإنه ينتظر ما لم يخش عليه التغيير فإن حضر من لم يصل عليه صُلِّيَ عليه جماعة وفرادى قال أحمد رضي الله عنه ولا بأس بذلك قد فعله عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن صلى مرة لم يستحب له.
الشيخ: إذن لا وجه لمن أنكر إعادة الصلاة على الميت جماعة ما دام قد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم فهم خير قدوة فإذا فاتت الإنسان الصلاة على الميت صلى عليه وحده إن لم يكن معه أحد وإن كان معه أحد صلوا عليه جماعة ولكن هل يسن للمصلين أن يعيدوا الصلاة معهم؟ فيها قولان فمن العلماء من قال يكره ومنهم من قال يسن لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معه فإنها لكما نافلة) والعمل على الأول الآن أي أن من صلى عليها لا يعيدها مع الآخرين.
القارئ: ولا بأس بذلك قد فعله عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن صلى مرة لم يستحب له إعادتها لأنها نافلة وصلاة الجنازة لا يتنفل بها.
الشيخ: هذا غير مسلم أي قوله صلاة الجنازة لا يتنفل بها لأننا نقول إن في كلام المؤلف شيء من التناقض أليس قال إنه لا بأس بإعادة الجماعة عليها والثانية نافلة ففي كلامه نظر.
القارئ: ومن فاتته الصلاة عليه حتى دفن صلى على قبره لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أنه مر مع النبي صلى الله عليه وسلم على قبر منبوذ فأمهم وصلوا خلفه متفق عليه.


الشيخ: لكن هل هذا سنة في كل ميت أو إذا كان هناك خصيصة من قرابة أو نفع من الميت أو ما أشبه ذلك؟ الظاهر الثاني لأننا لا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على كل من مات ولم يحضر جنازته إلا المرأة التي كانت تقم المسجد وكذلك لو كان إنسان له قريب مات ولم يحضر جنازته فصلى على قبره فلا بأس أما أن يقال يصلى على كل من مات بحيث تخرج كل يوم للمقابر تصلي على من دفن وأنت لم تحضر الصلاة عليه فهذا فيه نظر.
السائل: ما معنى منبوذ؟
الشيخ: المنبوذ معناه كأنه وحده ليس مقرباً إلى القبور.
مسألة: من شرط صلاة الجنازة حضور الجنازة بين يدي المصلي.

القارئ: ولا يصلى على القبر بعد شهر إلا بقليل لأن أكثر ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على أم سعد بن عبادة بعدما دفنت بشهر رواه الترمذى ولأنه لا يعلم بقاؤه أكثر من شهر فتقيد به.


الشيخ: هذه المسألة يقول المؤلف رحمه الله أنه لا يصلى على القبر بعد أن يمضي على دفنه شهر واستدل بأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على أم سعد بن عبادة بعدما دفنت بشهر لكن لا دليل في هذا على التقييد لأن ما وقع اتفاقاً أي مصادفة ليس تحديداً وهذه قاعدة معروفة أن ما وقع اتفاقاً فلا أسوة فيه مطلقاً وعلى هذا فنقول يصلي ولو بعد الشهر ولكن إلى متى؟ أقرب ما يقال إنه إذا كان هذا الرجل قد مات وأنت ممن تصح صلاته على الميت فصل عليه وأما إذا مات قبل أن تولد أو قبل أن تميز فلا تصل عليه لأنك غير مخاطب بالصلاة عليه في هذه الحال أصلاً فهذا أقرب ما يحدد به الصلاة على القبر أو على الميت فإن فاتت المدة وصار الإنسان يحب أن يدعو للميت نقول له ادع الله له ما في مانع زر قبره وادع الله له عند قبره فإن هذا لا بأس به فقد زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه بعد سنوات عديدة لكن كلامنا على الصلاة ولهذا لا يسن لنا الآن أن نذهب إلى البقيع ونصلي على أمير المؤمين عثمان ولا أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر صلاة الجنازة لأنهم ماتوا قبلنا بأزمان كثيرة.

فصل
في الصلاة على الغائب
القارئ: وتجوز الصلاة على الغائب وعنه لا تجوز لأن حضوره شرط بدليل ما لو كانا في بلد واحد والأول المذهب لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي اليوم الذي مات فيه فصف بهم في المصلى وكبر بهم أربعا متفق عليه فإن كان الميت في أحد جانبي البلد لم يصل عليه من في الجانب الآخر لأنه يمكن حضوره فأشبه ما لو كانا في جانب واحد وقال ابن حامد يجوز قياساً على البعيد وتتوقت الصلاة على الغائب بشهر لأنه لا يعلم بقاؤه أكثر منه أشبه من في القبر.


الشيخ: هذه المسألة الصلاة على الغائب فيها خلاف فمن العلماء من يقول إنه تسن الصلاة على الغائب وعبر المؤلف هنا بتجوز دفعاً للمنع لا نفياً للاستحباب فمن العلماء من يقول يصلي على كل غائب حتى إن بعض العلماء من المبالغة في هذا القول إذا أراد أن ينام صلى صلاة الجنازة على كل من مات في هذا اليوم من المسلمين وهذه بدعة لا إشكال فيها فإنها لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن العلماء من


قال لا يصلى على غائب اكتفاءً بصلاة الحاضر ومن العلماء من فصل وقال إنه إذا كان الغائب الذي مات له غناء في المسلمين إما علم أو مال أو دفاع أو ما أشبه ذلك من المصالح العامة فإنه يصلى عليه وإلا فلا والحجة كلها بصلاة النبي عليه الصلاة والسلام على النجاشي لأننا نعلم علم اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على كل أحد مات غائباً أبداً ولا الصحابة لكن صلى على النجاشي وهذا هو الذي حفظ عنه ولم يحفظ عنه أنه صلى على غيره فلماذا صلى عليه؟ قيل إنه صلى عليه لما فيه من تلقي المهاجرين من المسلمين ونصرهم وهو مؤمن ما في شك وقيل إنه صلى عليه لأنه لم يوجد من يصلي عليه في بلده فصلى عليه صلاة الغائب فعندنا الآن الصلاة على كل ميت بدعة هذه واحدة الصلاة على من فيه مصلحة ومنفعة للمسلمين هذه وقعت من الرسول عليه الصلاة والسلام لكن ما العلة؟ إن قلنا إن العلة أن النجاشي كان فيه غناء ونفع للمسلمين الذين هاجروا إليه قلنا من لم يكن كذلك فلا يصلى عليه وإن قلنا العلة أنه لم يصل عليه لأنه في بلد نصرانية قلنا من صلي عليه في بلده ولو كان من أنفع عباد الله لعباد الله لم يصل عليه وهذا هو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيميه ووجه رجحانه أنه قد مات من المسلمين من فيه غناء عظيم للمسلمين من قتال وغيره ولم يحفظ أنه صُلِّي على أحد منهم فبطلت هذه العلة وثبتت العلة الأولى وهي أن النجاشي رحمه الله لم يصل عليه وعلى هذا فلو أن إنسان قتل في معركة ولم يعلم أين هو _ دفن مع هؤلاء الذين قتلوا ولم يعلم أين مصيره _ فإننا نصلي عليه وبناءً على ذلك ما قيل من أن سبعمائة نفر قتلوا في حرب البسناويين مع الصرب فهؤلاء لا نعلم هل صلي عليهم أم لا؟ فلابد أن نصلي عليهم لأننا لا نعلم هل صلي عليهم أم لا وليس قتلهم في المعركة حتى نقول إنهم شهداء ولكنه بعد المعركة والاستيلاء على البلد فهؤلاء يصلى عليهم وجوباً ويسقط الفرض بصلاة واحد من


المسلمين عليهم كذلك من فقد وأيُس من حياته ولم ندر عنه فهذا يصلى عليه صلاة الغائب لماذا؟ لأنه لم يصل عليه أما من كان قد صلي عليه وعلمت الصلاة عليه فهذا لا يصلى عليه وهذا التفصيل هو الصحيح في هذه المسالة ولكن إلى متى نصلي عليه نقول ما دامت الفريضة لم تؤدى فنصلي عليه متى علمنا ذلك ولو بعد مائة سنة فهذا ليس كالصلاة على القبر كما سبق هذا لا تقييد له ما دام هذا الرجل لم يصل عليه فلابد أن يصلى عليه ولو طالت المدة.
القارئ: فإن كان الميت في أحد جانبي البلد لم يصل عليه من في الجانب الآخر لأنه يمكن حضوره فأشبه ما لو كانا في جانب واحد وقال ابن حامد يجوز قياساً على البعيد.
الشيخ: الصواب أنه لا يجوز إذا كان في بلد واحد فإنه إما أن يمشي إلى المكان الذي فيه الميت وإما أن يدع الصلاة.

القارئ: وتتوقت الصلاة على الغائب بشهر لأنه لا يعلم بقاؤه أكثر منه أشبه من في القبر.
الشيخ: سبق لنا الكلام على هذا أيضاً وبينا أن الصحيح أنه غير مؤقت ثم قوله إنه لا يعلم بقاؤه أكثر من شهر يقال إذا كان لا يعلم فما هو الأصل؟ الأصل البقاء إذا كان لا يعلم.

فصل
القارئ: ويصلى على كل مسلم لما تقدم إلا شهيد المعركة.


الشيخ: قول المؤلف رحمه الله يصلى على كل مسلم لابد نعرف متى يصلى عليه نقول يصلى عليه منذ خلق وخرج من بطن أمه حياً ولا يمكن أن يخرج من بطن أمه حياً إلا إذا تم له أربعة شهور وعلى هذا فالسقط إذا بلغ أربعة أشهر فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين وإن سقط قبل أربعة أشهر فإنه يدفن في أي مكان من الأرض ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه لأنه لم يكن بشراً الآن وقوله على كل مسلم خرج به من ليس بمسلم سواء كان كافراً أصلياً أو كافراً مرتداً ببدعة أو ترك عمل يُكَفِّر كالصلاة وما أشبه ذلك وقوله إلا شهيد المعركة لم يستثن رحمه الله سوى شهيد المعركة وقوله صحيح لا يستثنى من أموات المسلمين في عدم الصلاة إلا شهيد المعركة الذي قتل في المعركة وذلك لسببين:
السبب الأول أن شهيد المعركة قد غفر له يغفر له كل شيء إلا الدين والصلاة يقصد بها الشفاعة لمن؟ للميت وشهيد المعركة لا يحتاج إلى شفاعة لأنه مغفور له كل شيء إلا الدين ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يفتح الله عليه يسأل عمن عليه دين لم يخلف وفاؤه فلا يصلي عليه.
السبب الثاني في شهيد المعركة أن شهيد المعركة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يصل على شهداء أحد حتى إنهم نقل بعضهم إلى المدينة فأمر بردهم إلى مصارعهم حتى يبعث يوم القيامة من مصرعه بثيابه التي قتل فيها فعندنا الآن دليل أثري ودليل نظري مبني على الأثر أيضاُ وغير ذلك من الشهداء الذين ثبتت بهم السنة يغسل ويكفن ويصلى عليه كغيره من الناس حتى المقتول ظلماً يغسل ويكفن ويصلى عليه وأما من قال من العلماء أن المقتول ظلماً لا يصلى عليه فقوله ضعيف.
القارئ: وإن لم يوجد إلا بعض الميت غسل وصلي عليه وعنه لا يصلى عليه كما لا يصلى على يد الحي إذا قطعت والمذهب الأول لأن عمر رضي الله عنه صلى على عظام بالشام وصلى أبو عبيدة على رؤوس.


الشيخ: إذا وجد بعض ميت فإن كان قد صلي على جملته لم يصل على هذا البعض لماذا؟ لأنه قد صلي عليه وهذا البعض ليس ذا نفس مستقلة وإن كان لم يصل على جملته مثل رجل فُقِدَ في الحرب ولم يوجد إلا يده أو رجله أو رأسه فإننا نصلي عليه أما إذا قطع بعض الحي فإننا لا نصلي عليه لأن الجسد باقي حياً

فهذا هو التفصيل في المسألة إذا وجد بعض حي؟ فالجواب لا يصلى عليه وإذا وجد بعض ميت؟ نظرنا إن كان قد صلي على جملته لم نصل عليه وإلا صلينا عليه.
القارئ: ولا يصلي الإمام على الغال ولا على قاتل نفسه لما روى جابر بن سمرة قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه رواه مسلم وعن زيد بن خالد قال توفي رجل من جهينة يوم خيبر فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (صلوا على صاحبكم إن صاحبكم غل من الغنيمة) احتج به أحمد ويصلي عليهما سائر الناس لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلوا على صاحبكم) قال الخلال الإمام ها هنا أمير المؤمين وحده وعن أحمد رضي الله عنه أن إمام كل قرية واليهم وأنكر هذا الخلال وخطَّأَ ناقله.


الشيخ: هذان صنفان من الناس الغال وقاتل النفس وينبغي أن نضيف إليهما المدين هؤلاء الثلاثة لا يصلي عليهم الإمام الذي هو أمير المؤمنين لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليهما عقوبة لهما ونكالاً لغيرهما لئلا يتجرأ أحدً على الغلول أو على قتل نفسه أما غيره من الناس أي غير الإمام فإنه يصلي عليهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلوا على صاحبكم) أما المدين وهو الثالث فينبغي للإمام إذا قدم إليه شخص مدين أن يسأل هل خلف وفاءً إن قالوا نعم صلى عليه أو ضمنه أحد صلى عليه وإلا ترك الصلاة عليه ولو أن الناس فعلوا هذا لارتدع كثير من الناس عن الاستدانة إلا للضرورة وهذا من حكمة الشرع أن لا نصلي على المدين إذا لم يكن له وفاء لكن لا يصلي أمير المؤمنين فهل غيره مثله؟ الذي نرى أن من له كلمة في البلد من أمير أو قاض أو عالم أو غيرهم إذا ترك الصلاة فقد أصاب السنة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم بقي أن يقال المقتول حداً كالمرجوم مثلاً وقطاع الطريق وما أشبهه من المسلمين هل يصلى عليهم؟ الجواب نعم يصلى عليهم حتى الإمام يصلي عليه اللهم إلا أن يرى في ترك الصلاة عليه مصلحة مثل أن يدع الصلاة على قاطع الطريق فهذا حق.
السائل: أحسن الله إليكم الجنين هل هو حي في جميع أطواره؟
الشيخ: لا ليس حياً قال النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن ذكر مائة وعشرين يوماً قال (ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح) فالحياة التي أنت تريد يعني أنه نامي صحيح هو ينمو لا شك لكن نموه كنمو الشعر.

فصل
القارئ: ولا تجوز الصلاة على كافر لقول الله تعالى (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) وقوله سبحانه (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى) ومن حكمنا بكفره من أهل البدع لم يصل عليه قال أحمد لا أشهد الجهمي ولا الرافضي ويشهدهما من أحب.


الشيخ: الآيتان (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) هذه في المنافقين فمن علم نفاقه فإنه لا يجوز للمسلمين أن يصلوا عليه ولا أن يدفنوه مع المسلمين ولا أن يقوموا على قبره بالاستغفار له بعد الدفن إذا علمنا نفاقه أياً كان حتى لو كان أباك أو أمك كذلك أيضاً قال الله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى) ما كان بمعنى أنه ممتنع شرعاً غاية الامتناع كما قال تعالى (مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) فإذا جاء الكون المنفي فمعناه أنه مستحيل شرعاً أو قدراً أو هما (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) يعني أن يطلبوا من الله المغفرة فمن طلب من الله المغفرة لمشرك فإنه معتد في الدعاء لأنه طلب مالا يمكن شرعاً وهذا من الاعتداء في الدعاء والله تعالى يقول (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) وقوله (وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى) حتى لو كان أباك أو أمك أو ابنك أو ابنتك لا تستغفر لهم وهذا ليس عقوقاً هذا طاعة لله عز وجل لقد استأذن النبي صلى الله عليه وسلم ربه جلا وعلا أن يستغفر لأمه فلم يأذن له وأقرب الناس إلى الله من؟ الرسول عليه الصلاة والسلام وأحق الناس بالشفقة وحسن الصحبة من؟ الأم ومع وجود هذا السبب المقتضي التام لم يأذن له الله تعالى أن يستغفر لها مع أنها أمه ولا نعلم أن شفاعة الرسول نفعت أباه ولا أمه بينما نفعت عمه سبحان الله لماذا؟ لأن عمه حصل منه من الدفاع عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يحصل من أبيه وأمه فلذلك شفع في عمه لكن لم تقبل على سبيل الإطلاق وإنما خفف عنه مع أنه يرى نفسه أشد الناس عذاباً فكأنه لم يخفف عنه فالذي خفف عنه وهو يرى أنه أشد الناس عذاب ما كأنه خفف


وكان في ضحضاح من نار يغلي منهما دماغه عليه نعلان يغلي منهما دماغه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم من الله جلا وعلا أن يزور قبر أمه فأذن له سبحان الله لكن يقف على قبرها ولا يقول اللهم اغفر لها لماذا؟ لأنها كافرة ورضى الله قبل كل شيء لا يمكن أن يستغفر لها لكن وقف على قبرها اعتباراً فبكى عليه الصلاة والسلام وأبكى من حوله لأنها أمه لكن رضا الرب عز وجل فوق كل شيء ما استغفر لها إطلاقاً صلوات الله وسلامه عليه والذين آمنوا كذلك لا يمكن أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى فلو مات ابن لشخص هو أعز الأبناء عنده في خدمته وطوعه لكنه لا يصلي فإنه لا يجوز له أن يستغفر له ولا أن يصلي عليه لماذا؟ لأنه كافر وطاعة الله ورسوله أحب إلينا من طاعة أنفسنا وأهوائنا هذا هو المؤمن حقاً


فلذلك قال تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) وإبراهيم لما استغفر لأبيه كما في قوله تعالى (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) أجاب الله عنه في نفس الآية (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ) والأنبياء أحق الناس بالوفاء بالوعد فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) اللهم اجعل رضاك مقدم على رضاءنا يا رب العالمين هكذا المؤمن أما قول المؤلف ومن حكمنا بكفره من أهل البدع لم يصل عليه هذه عبارة عامة كل بدعي حكمنا عليه بالكفر فلا نصلي عليه لكن يبقى النظر ما هي البدعة المكفرة وغير المكفرة؟ ثم هل تنطبق على هذا أي التكفير لأنه عالم معاند أو لا تنطبق لأنه جاهل متبع؟ المسألة تحتاج إلى تحرير وتبيين وبيان ما البدعة المكفرة؟ وهل هذا كافر بها أو لا؟ لكن الإمام أحمد رحمه الله لورعه انظر كيف كان كلامه قال أحمد لا أشهد الجهميه ولا الرافضيه ويشهدهما من أحب يعني لأنه يقول ولا أمنع الناس فهو لورعه لا يشهد الجهمي ولا يشهد الرافضي لأنه يرى أنهما كافران ولكن من سواه لا يمنعهم يقول يشهدهما من أحب وهذا من ورعه لأن بعض الناس الذين هم دون الإمام أحمد بمراحل بل الإمام أحمد بالثريا وهم بالثرى لا يرضون أن أحداً يخالف أهواءهم أليس كذلك يوجد الآن أناس ما بلغوا من العلم ولا ربع ربع ربع ما عند الإمام أحمد ومع ذلك لا يرضون أن أحداً يخالفهم بل من خالفهم فهو مبتدع ضال يحذر الناس عنه الله المستعان إن هذا الذي يقول هكذا أو يعتقد هكذا هو المتبدع الضال إلا بشرط إذا التزم به فإننا نعذره ونقول امش على ما أردت والشرط أن يقول إنه رسول الله فالواجب


الطاعة والاتباع إذا قال هكذا فعلى كل حال هذا ما له إلا السيف لأنه كذب الله ورسوله وإجماع المسلمين لكن لا يمكن أن يقول إنه رسول الله نقول إذا تنزلت عن الرسالة فهل أنت معصوم؟ وهل أنت أوسع الناس علماً؟ وهل أنت أدق الناس فهماً؟ وهل أنت أتقى الناس؟ ما يمكن أن يدعي هذا لنفسه إذن أنت والناس سواء أنت مجتهد إما أن تصيب أو تخطئ ثم إني أقول وأكرر يا إخوان إذا أحد اعترض على رأي رأيته أنت فهذا لا يضرك شيئاً لأنه إن كان الصواب معك فقد باء بإثم الخطأ حيث أضل الناس بالمعارضة عن الحق ويبوء بإثمه (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ) وإن كان الخطأ منك فاحمد الله أن الله يسر للأمة الإسلامية من يمنع الخطأ عنها أما كون الإنسان إذا عارضه أحد قال أبداً هذا مخطئ هذا ضال هذا مبتدع هذا فيه كذا هذا غلط فالإنسان الذي يريد الحق حقاً لا يهتم فيمن رد عليه أو فيمن عارضه ويقول الحمد لله إن كان الحق معي فقد باء بالإثم وإن كان الحق معه فقد سَلِمْتُ أنا وبدل ما يتبعني مائة ألف مثلاً إذا أحد رد علي يتبعني كم؟ خمسين ألف أو أقل فأنا الآن بدل ما أبوء بإثم مائة ألف أسلم من خمسين ألفاً لكن أين العقل الذي يتمكن الإنسان به من الحكم هذا وبعض الناس إذا رد عليه أحد أعوذ بالله انتفخ قال يا لله هات الحبر والقلم هات الأوراق ثم قام يكثر من الرد على الثاني ثم ذاك أيضاً يرد عليه ثم هكذا نحن المسلمين فيما بيننا يرد بعضنا على بعض وليت الأمر يقتصر على رد ومردود لكل واحد منهم حزب أو أحزاب يتهارشون ويتهاوشون ربما هذا المتبوع لا يرضى أن هؤلاء الأتباع


يفعلون ما فعلوا لكن نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من الشيطان الرجيم يعني ما وجد الإنسان لعب بهذه الامة إلا بالتحريش كما جاء في الحديث الصحيح (أن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم) هذا التحريش بدل ما يعبدون الأصنام ويتفرقون فيها صاروا يتفرقون في التحريش وهذه مشكلة ولذلك وقع في شَرَكِها من وقع من الناس اليوم بدأ كل واحد ينبري إلى قول أو إلى اتجاه معين أو منهج معين ثم يتبعه عليه آخرون ويكون القتال بين من؟ بين الأتباع ربما يتصالح الرؤوس ولكن الكرعان وما أشبه ذلك ما تتصالح وهذا من الخطأ.
أولاً لا يجوز أن نعلق طريقنا ومنهجنا بشخص معين إلا من كان معه الحق نتبعه لكن نتروى وننتظر هل هذا المنهج الذي وثقنا بصاحبه هل هو سليم أو غير سليم؟ هل هو على منهج السلف أو غير منهج السلف؟ إذا كان غير سليم فالواجب على المؤمن أن يتبع السليم وإذا كان على غير طريق السلف فالواجب على المؤمن أيضاً أن يتبع طريق السلف هم خير الأمة وهم القدوة لكن هكذا أراد الله عز وجل والمهم أن كلام الإمام أحمد رحمه الله يدل على أنه ناصح أمين لا يصلي على الجهمي والرافضي لكن يقول يصلي عليهما ويشهدهما من أحب ما يحجر الناس على رأيه.
السائل: العلمانيون يظهرون الإسلام في شيء من القول وفي بعض الكتابات وربما شهود أيضاً بعض الصلوات لكن المشهور عنهم والمستفيض والمتواتر كراهيتهم للإسلام والتنفير منه ومحاربته بما يستطيعون فهل يصلى على مثل هؤلاء؟


الشيخ: من علم نفاقه لا يصلى عليه ولو صلى معنا لأن المنافقين يشهدون الصلاة مع الرسول عليه الصلاة والسلام لكن متى نعلم؟ المشكلة الآن أننا تكلمنا مع بعضهم أو من يقال إنه من رؤسائهم وقال أبداً أنا إنما سلكت هذا الطريق لأن هناك علمانية متطرفة إلحادية كفرية وأنه سلك هذا المسلك لينتشل الشباب من هذه العَلمانية ترى بالفتح العلمانية الكافرة الملحدة فكأنه يريد أن يسلك سبيلاً بين سبيلين لكن هل هذا المنهج صحيح؟ نعم إن كان ينتشله من هذه العلمانية الملحدة الكافرة ثم يقربهم إلى الإسلام ويبني كلامه على أدب إسلامي صحيح بعد الأدب الجاهلي فهذا ربما نقول أراد خيراً وإذا كان يشهد الجماعة ويتصدق ويحسن بجاهه فقد نظن به خيراً لكن رجل لا يعرف منه هذا الشيء ويقول أبداً طريقنا هي الصحيح ونحن نعرف أنه يريد أن ينكر الأديان لكن يتوسل بقول الأدب والأدباء وما أشبه ذلك إلى نبذ الدين فهذا شيء ثاني.
السائل: لكن الاستفاضة إذا تعذر العلم أليست بكافية؟
الشيخ: يا أخي نحن قيل لنا الصوفية وما الصوفية والصوفية فيهم وفيهم لكننا رأينا بعض الصوفية ما بيننا وبينهم إلا خلاف يسير.

باب حمل الجنازة والدفن
القارئ: وهما فرض على الكفاية لأن في تركها هتكاً لحرمتها وأذى للناس بها وأولى الناس بذلك أولاهم بغسله وأولى الناس بإدخال المرأة قبرها محارمها الأقرب فالأقرب وفي تفضيل الزوج عليهم وجهان بناءً على ما مر في الصلاة فإن لم يكن فالمشايخ من أهل الدين وعنه النساء بعد المحارم اختاره الخرقي والأول أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة فنزل في قبر ابنته دون النساء رواه البخاري ورأى النبي صلى الله عليه وسلم نساءً في جنازة فقال (أتدلين فيمن يدلي) قلن لا قال (فارجعن مأزورات غير مأجورات) أخرجه ابن ماجة ولأن الدفن يحتاج إلى قوة وضبط ويحضره الرجال فتولي المرأة له تعريض لها للهتك.


الشيخ: كل هذه التعليلات عليلة لأن أصل المسألة عليلة الأصل أن النساء لا يخرجن إلى المقابر وأنهن ينهين عن ذلك ولهذا جاء في الحديث الأخير أن الرسول قال (ارجعن مأزورات غير مأجورات) فأمرهن بالرجوع وأخبرهن بالإزر وأما قوله (أتدلين فيمن يدله) فمراده تحديهن يعني هل خرجتن لأجل أن تدلين كما يدلي الرجال؟ فقلن لا قال إذن ارجعن فأصل تبعية المرأة للرجال في هذا غير واردة إطلاقاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تتبع النساء الجنائز فالحاصل أن قول الخرقي هذا ضعيف والتعليلات التي ساقها المؤلف لا حاجة لها ولا داعي لها ولا يمكن أن تخرج النساء مع الرجال في الجنائز.
القارئ: والتربيع في حمل الجنازة مسنون لما روي عن ابن مسعود أنه قال إذا اتبع أحدكم جنازة فليأخذ بجوانب السرير الأربع ثم ليتطوع بعد أو ليذر فإنه من السنة رواه سعيد بن منصور وصفته أن يبدأ فيضع قائمة السرير اليسرى على كتفه اليمنى من عند رأس الميت ثم من عند رجليه ثم يضع قائمة السرير اليمنى على كتفه اليسرى من عند رأسه ثم من عند رجليه.
الشيخ: السرير الذي عليه الميت له أربع قوائم يبدأ الإنسان بالقائمة المقدمة اليسرى تكون على يمين الحامل والميت أيضاً فيبدأ بالقائمة المقدمة اليمنى ثم يتأخر ليأخذ بالقائمة المؤخرة نفس المكان ثم يعود إلى رأس الميت فيأخذ بقائمة السرير اليسرى التي هي على يسار الميت وكذلك عن يسار الحامل ثم يرجع.
القارئ: وعنه أنه يدور فيأخذ بعد يسار المؤخرة يامنة المؤخرة ثم المقدمة.
الشيخ: وهذا أيسر في الغالب لا سيما مع الزحام لأنه إذا قلنا بالأول صار لابد أن يذهب من عند رأسه وهذا قد يكون شاقاً أما الصفة الثانية فهو بعد أن يأخذ بالمؤخرة اليمنى يأخذ بالمؤخرة اليسرى ثم بالمقدمة اليسرى.

القارئ: فإن حمل بين العمودين فحسن روي عن سعد بن مالك وأبي هريرة وابن عمر وابن الزبير أنهم حملوا بين عمودي السرير.


الشيخ: السرير له قوائم أربع يحمل من بين القائمتين يكون بينهما ويحملها لكن هذا يحتاج إلى رجل قوي لأنه سيكون شاقاً عليه إلا أن يساعده أحد ويفعل مثل فعله فيمكن أن يكون سهلاً وأيضاً إذا كان السرير واسعاً يمكن أن يحمله اثنان كل واحد منهما طرفاً من السرير وهم في الوسط لكن هذا فيما إذا كان السرير واسعاً أما إذا كان ضيقاً فلا يمكن إلا واحد فقط وكل هذه ليست لازمة فإذا كان هناك زحام فاحمل كيفما تيسر.
القارئ: والسنة الإسراع في المشي بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أسرعوا بالجنازة فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم) متفق عليه ولا يفرط في الإسراع فيخضها ويؤذي متبعها.
السائل: بارك الله فيك ما حكم حمل الميت على عربة تجرها الخيول؟
الشيخ: هذا فخر وخيلاء ولهذا لا يركب العربة على الخيول إلا الملوك والأمراء لكن الآن أصبح الحمد لله السيارات موجودة.
السائل: يسمى بالجنازة العسكرية؟
الشيخ: هذا كما قلت لك الظاهر أن هذا من الفخر والخيلاء أن يحمل على عربة تجرها الخيول أو البغال.

فصل
القارئ: واتباع الجنازة سنة وهو على ثلاثة أضرب أحدها أن يصلي وينصرف والثاني أن يتبعها إلى القبر ثم يقف حتى تدفن لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (من شهد جَنازة حتى يُصلَّى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان) قيل وما القيراطان قال (مثل الجبلين العظيمين) متفق عليه الثالث أن يقف بعد الدفن يستغفر له ويسأل الله له التثبيت كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دفن ميتاً وقف وقال (استغفروا له وأسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل).


الشيخ: رواه أبو داود وليت المؤلف أتى بلفظ الحديث لأن الحديث (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت) وهذا فيه استعطاف للحاضرين (استغفروا لأخيكم) وهذا الاستعطاف يوجب أن يستغفروا له وقوله (فإنه الآن يسأل) أي يسأله الملكان وعلم من ذلك أن الإنسان قبل الدفن لا يُسأل وعلى هذا

فالأموات الذين يجعلون في الثلاجات ينتظر بهم ما يحتاجون إلى الانتظار هؤلاء لا يحاسبون ولا تأتيهم الملائكة ولا يحصل لهم من النعيم ما يحصل لأهل القبور إذا كانوا من السعداء لكنهم قد حصل لهم البشارة عند الموت أما الآن فلا لأنهم لم يصلوا إلى مقرهم ومدفنهم وبناءً على ذلك لو مات الإنسان في البحر في السفينة ولم يمكن إبقاؤه إلى الشاطئ فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في البحر في الماء يجعل شيء يثقله كحجر ونحوه ثم يلقى في البحر وإلقاؤه في البحر يعتبر كالدفن يُسأَل له التثبيت ويستغفر له وهذه المسألة يلغز بها فيقال هل ينوب الماء عن التراب؟ نعم في هذه المسألة.
القارئ: والمشي أمامها أفضل لما روى ابن عمر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما يمشون أمام الجنازة رواه أبو داود ولأنهم شفعاء لها والشافع يتقدم المشفوع وحيث مشى قريباً منها فحسن وإن كان راكباً فالسنة أن يكون خلفها لما روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها) حديث صحيح ويكره الركوب لمشيعها إلا للحاجة لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما ركب في جنازة ولا عيد ولا بأس بالركوب في الانصراف لما روى جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم اتبع جنازة ابن الدحداح ماشيا ورجع على فرس حديث حسن رواه الترمذي ورواه مسلم.
الشيخ: رواه الترمذي ورواه مسلم ما هو بموجود عندنا وعادة العلماء أن يقدموا الصحيحين على غيرهما.
السائل: في حمل الجنازة هل نقدم السيارة لأنها أسرع أو نقول المشي.


الشيخ: حمل الجنازة على السيارة خطأ إلا لحاجة كقلة المشيعين أو برد شديد أو حر شديد أو مطر وإلا فحملها على الأكتاف هذا هو السنة لينتفع المشيعون وليكون ذلك عبرة لمن مروا به ولئلا يتخذ حال الحمل كحال الزفاف والولائم لكن إذا صار هناك حاجة لا بأس.
السائل: هل وضع المسلم في تابوت فيه تشبه باليهود والنصارى؟
الشيخ: نعم هو تشبه لا شك فيه.
السائل: ما حكم التلقين بعد الدفن وهل الميت يسمع سلام من يزوره؟
الشيخ: أما التلقين بعد الدفن فهذا ليس بصحيح لأنه ليس فيه إلا حديث أبي أمامة وهو ضعيف ولا يسن التلقين إنما يسن الاستغفار فتقف على القبر بعد الدفن وتقول اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم ثبته اللهم ثبته اللهم ثبته وتنصرف لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا دعا ثلاثاً وأما تلقينه فهذا ليس بصحيح وأما كون الميت يسمع أو لا يسمع فهذا ورد أنه إذا انصرف عنه أصحابه فإنه

يسمع قرع نعالهم وورد أيضاً أنه إذا سلم عليه من يعرفه رد الله عليه روحه فرد عليه السلام والعلماء في هذا بين طرفين ووسط منهم من أنكر سماع الأموات مطلقاً إلا فيما ورد كسماع قتلى قريش في بدر وكسماع الرجل إذا انصرف عنه أصحابه يسمع قرع نعالهم وقال نقتصر على ما ورد فقط وضعفوا حديث أبي داود الذي قال ابن عبد البر أنه صحيح أن الرجل إذا جاء إلى صاحب قبر يعرفه وسلم عليه فإن الله يرد عليه روحه ويرد عليه السلام ومن العلماء من بالغ في هذا الشيء وقال إنه لو جلس رجلان عند القبر يتحدثان في شيء سمعهما الميت وجعلوه يسمع كل شيء وهذا أيضاً فيه مبالغة والصحيح أنه يسمع الخطاب الموجه إليه.

فصل


القارئ: وإذا سبقها فجلس لم يقف عند مجيئها وإن مرت به جنازة لم يستحب له القيام وعنه يستحب لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تَخْلُفُه) رواه مسلم والأول أولى لقول علي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد رواه مسلم وهذا ناسخ للأول.
الشيخ: وهذا الذي اختاره المؤلف رحمه الله خلاف الصواب فالصواب أنه يقوم لها إذا مرت به وقعود النبي عليه الصلاة والسلام يحمل على بيان الجواز ليتبين أن الأمر في الأول ليس للوجوب وإنما هو للاستحباب فيبقى السنة أن يقوم لها وفي القيام لها من الاتعاظ وحضور القلب ما ليس في البقاء جالساً غير مبال بها وقد قام النبي عليه الصلاة والسلام لجنازة يهودي فقال (إن للموت فزعاً) فالصواب استحباب القيام وأما قعود الرسول عليه الصلاة والسلام فهو لبيان الجواز على أنه لا ينبغي أن يصار إلى النسخ بمثل هذا لأنه قد يقول قائل تعارض فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله والمقدم قوله وهذا هو الحق يعني لو فرض التعارض من كل وجه لأخذنا بقوله لكن التعارض في هذا ليس بوارد إطلاقاً إذ يمكن حمل القعود على بيان الجواز والخلاصة الآن أنه ينبغي للإنسان إذا مرت به الجنازة وهو قاعد أن يقوم حتى تمر من عنده وتُخَلِّفُه.
القارئ: فأما من مع الجنازة فيكره أن يجلس حتى توضع عن الأعناق لما روى أبو سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من تبع جنازة فلا يجلس حتى توضع) رواه البخاري ومسلم وفي لفظ حتى توضع في الأرض رواه أبو داود.
الشيخ: وهذا يبين أن الوضع المراد به الوضع في الأرض وليس المراد الوضع في القبر ثم إن الفقهاء رحمهم الله قالوا أن توضع في الأرض للدفن فلو فرض أنها وضعت لإصلاح الجنازة على النعش أو أنها وضعت لتعب الحاملين فلا يدخل في هذا يعني يبقى النهي ممتداً إلى أن توضع في الأرض للدفن.


القارئ: ويكره إتباع النساء الجنازة لما روت أم عطية قالت نهينا عن اتباع الجنائز متفق عليه.
الشيخ: سبحان الله المؤلف قال يكره اتباع النساء الجنائز ثم أتى بحديث النهي وهذا يقتضي أن يكون حراماً ولو أنه أتى بآخر الحديث لكان له حجة حيث قالت (ولم يُعْزَم علينا) قالوا وفي قولها ولم يعزم علينا دليل على أن النهي للكراهة لكن مع ذلك فيه مناقشة أو منازعة لأن الذين قالوا إنه يحرم اتباع النساء للجنائز قالوا إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال للنساء (ارجعن مأزورات غير مأجورات) وأما قول أم عطية (ولم يعزم علينا) فهذا ظن منها وتفقه منها فلا يعارض نهي النبي عليه الصلاة والسلام والأصل بقاء النهي على ما كان وهذا إلى الصواب أقرب لأن اتباع النساء الجنائز يحصل فيه من المفاسد ما الله به عليم اختلاط ونياح وربما تصفيق وزغرطة المهم أن القول الراجح أن اتباع النساء الجنائز محرم.
القارئ: ويكره أن تتبع بنار أو صوت لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار) رواه أبو داود.
الشيخ: أما الصوت فهو صوت النياحة لا تتبع بصوت وكذلك ما يوجد في بعض البلاد صوت الطبول والمزامير وأما النار فظاهر أنها لا تتبع بالنار ولكن هذا مقيد بما إذا لم يكن هناك حاجة فإن كان هناك حاجة كالليالي المظلمة فلا بأس أن يصطحبوا معهم سراجاً لأنهم محتاجون لهذا.
فصل
القارئ: ويجوز الدفن في البيت لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر دفنوا في بيت والدفن في الصحراء أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع وإنما دفن بالبيت كراهة أن يتخذ قبره مسجدا ولولا ذلك لأبرز قبره كذلك قالت عائشة رضي الله عنها متفق عليه.


الشيخ: يقول رحمه الله إنه يجوز الدفن في البيت لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر دفنوا في البيت وفي هذا المقال نظر وذلك لأن الدفن في البيت يؤدي إلى مفاسد كبيرة بل نقول لأن الدفن في البيت معصية للرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) ولهذه الجملة معنيان أحدهما لا تدفنوا فيها والثاني لا تجعلوها بمنزلة المقابر لا تصلوا فيها وكلاهما صحيح ولأن القبر في البيت يؤدي إلى فتنة ربما يؤدي إلى عبادته ولو على المدى البعيد ولأن الدفن في البيت يؤدي إلى امتهان الميت إن جعل في الساحة ولأنه يؤدي إلى الرهبة والخوف من الصبيان ونحوهم أو يؤدي إلى عدم المبالاة وعدم الاتعاظ في القبور وكلاهما مفسدة أما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنما دفن في بيته حذراً من هذا المحذور الكبير حذراً من أن يتخذ مسجداً ثم إنه ورد أيضاً أنه (ما من نبي مات إلا دفن حيث قبض) فيكون هذا أيضاً سبباً آخر وهذا لا يأتي في غير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما دفن صاحبيه معه فهذا أيضاً

من خصائصهما لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان دائماً قريناً لهذين الرجلين كان يقول دائماً ذهبت أنا وأبو بكر وعمر وجئت أنا وأبو بكر وعمر فكانا صاحباه في الدنيا وصاحباه في القبر وسيكونان صاحبيه في الآخرة في المحشر فبهذا نجيب عما ذكره المؤلف رحمه الله بالنسبة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم فهو من خصائصه.
القارئ: ويدفن الشهيد في مصرعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بشهداء أحد أن يردوا إلى مصارعهم) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي، وكان بعضهم قد حمل إلى المدينة وحمل الميت إلى غير بلده لغير حاجة مكروه لأنه أذىً للأحياء والميت لغير فائدة.


الشيخ: هذا كما قال المؤلف حمل الإنسان ليدفن في غير بلده الذي مات فيه مكروه لما فيه من الأذية على المشيعين والأذية على الميت وتأخير الدفن أيضاً ولأنه ربما يحصل بذلك ضرر عام مثل أن يختار الناس الدفن في البقيع كل أحد يتمنى أن يدفن في البقيع فإذا قلنا بعدم الكراهة وأن البقيع محل يرجى لأهله المغفرة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) لو فتحنا الباب لامتلأت المدينة كلها مقبرة فلهذا نقول كل إنسان يدفن حيث مات في بلده إلا إذا كان في بلد كفر فإنه لا بأس بنقله اتقاءً للمكان السيء الذي يكثر به أموات الكفار مع أنه يجب أن تُمَيّز قبور المسلمين عن قبور الكفار.
القارئ: وإن تنازع وارثان في الدفن في مقبرة المسلمين أو البيت دفن في المقبرة لأن له في البيت حقا فلا يجوز إسقاطه ويستحب الدفن في المقبرة التي فيها الصالحون لينتفع بمجاورتهم.
الشيخ: كلام المؤلف رحمه الله في قوله لينتفع بمجاورتهم فيه نظر لأنه يحتاج إلى توقيف ونص والصالحون ينتفع بمجاورتهم في الدنيا لأنهم قد يحصل منهم أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو تعليم أو ما أشبه ذلك وأما في الآخرة فإنه قد يكون الرجلان في قبر واحد أحدهما يعذب والثاني ينعم فالصواب أنه لا وجه لما قاله المؤلف من جمع الصالحين في مكان واحد وأما لو احتج محتج بما جرى لأبي بكر وعمر لقلنا إن هذا قياس مع الفارق.
القارئ: وجمع الأقارب في الدفن حسن لتسهل زيارتهم والترحم عليهم وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك عند رأس عثمان بن مظعون صخرة وقال (أَتَعَلَّمُ بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي) رواه أبو داود.
الشيخ: أنا عندي أعلم ما هي مشكولة وعندكم مشكولة وأُعَلِّمُ يعني أجعل علامة أو أَعْلَمُ يعني أعرف.


القارئ: وإن تشاح اثنان في مقبرة مسبلة قدم السابق لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به) وإن استويا في السبق أقرع بينهما ولا يدفن ميت في موضع فيه ميت حتى يبلى الأول ويرجع فيه إلى أهل الخبرة بتلك الأرض.
الشيخ: هذا صحيح لا يدفن ميت على ميت وذلك لأن الميت إذا قبر صار هذا المكان من اختصاصاته فكما لا يسكن أحد بيت أحد في الدنيا إلا برضاه فكذلك لا يقبر أحد على أحد اللهم إلا إذا دعت الحاجة فإنه يجوز أن يجمع رجلان في قبر واحد.
مسألة: في مكة وغيرها الأراضي تختلف يعني بعض الأراضي تكون حارة تأكل اللحم والعظم بسرعة وبعضها تكون باردة ما تأكل هذا ولكن بعض العوام يقدرونها بأربعين سنة وهذا لا صحة له فقد وجد أناس دفنوا من زمان طويل ووجدوا على ما هم عليه لكنهم على كل حال بمجرد ما يبينون للهواء تكون عظامهم ولحومهم هشة وكان في مكة يحصل أوبئة كثيرة فيما سبق حتى قال بعضهم إنه يكون بالمئات يموتون في اليوم الواحد ويقولون إنها إذا ألّفت رفع البلاء ومعنى ألّفت يعني يموت في اليوم ألف واحد هذا مع قلة الناس لكن مع الأوبئة عظيمة صاروا لا يستطيعون أن يحفروا قبوراً فيضعون هذا مع القبو ويضعون الأموات فيه وقيل لي أيضاً أنهم يضعون عليه شيئاً يتلفه بسرعة كالنورة لأجل أن يأتوا إليه ثم يرصون العظام في جهة من هذا القبو ويدفنون من جديد وهذا للحاجة لا بأس به لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الموتى في قبر واحد يوم أحد.
السائل: أحسن الله إليكم رأيت أناساً في بعض البلدان إذا مر على الميت عدة أشهر في المقبرة وضعوا أكثر من ميت فوق بعض فهل هذا يجوز؟
الشيخ: لا يجوز وفيه أيضاً بعض الجهات يعمقون القبر ثم إذا مضى مدة غير بعيدة لكن عُلِم أن الميت قد زال تغيره حفروا ودفنوا آخر ولهذا تجدها طبقات هذا على كلام المؤلف لا يجوز.
السائل: أحسن الله إليكم ما فيه فاصل بينهم؟


الشيخ: هذه تخضع في الواقع لتنظيم البلدة نفسها قد لا يكون هناك أماكن للقبور فيضطرون إلى مثل هذه الحال.
السائل: بارك الله فيكم في قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله حرم على الأرض أكل أجساد الأنبياء) أو كما قال صلى الله عليه وسلم هل يؤخذ من هذا الحديث أنه إن حفر للرجل ووجد أنه لم يتغير يعني بقي كما هو دليل على صلاحه؟
الشيخ: نعم ربما يكون هذا من الكرامة أنه خرج عن غيره بهذه الكرامة.

السائل: بارك الله فيكم السؤال هل هذا على إطلاقه لأنه حفر قبر قسيس ووجد كما هو من مائة سنة عندنا في البلاد وطارت الدنيا به؟
الشيخ: هذا مصبر من الأصل ليوهموا على الناس أن لهم كرامات وهذا كما قال شيخ البطائحية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما تناظر معه في العقيدة وقال له سنمتحن ندخل النار فأينا لم تحرقه النار فهو صاحب الحق فقال له شيخ الإسلام ما في مانع لكن بشرط أن لا ندخل النار حتى نغتسل في النهر وإذا اغتسلنا في النهر ونظفنا أنفسنا دخلنا النار فانهزم الرجل لماذا؟ لأنه قد طلى نفسه بشيء ضد النار وشيخ الإسلام رحمه الله تفطن لهذا فقال له ذلك فهؤلاء القساوسة لا شك أنهم على دين باطل أبطلته الشريعة الإسلامية ولا يمكن أن يكون هذا كرامة لهم لكنهم ربما يتحايلون ويضعون عليه ما يصبِّرُه.

فصل
القارئ: ويستحب تعميق القبر وتوسيعه وتحسينه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (احفروا وأوسعوا وأعمقوا) رواه أبو داود قال أحمد يُعمَّق إلى الصدر لأن الحسن وابن سيرين كانا يستحبان ذلك ولأن في تعميقه أكثر من ذلك مشقة وقال أبو الخطاب يعمق قدر قامة وبسطة.
الشيخ: رحمه الله قامة وبسطة عميق جداً لكن إلى الصدر نعم هذا أحسن شيء ثم إنه يختلف أيضاً فبعض الأراضي لو عمقنا إلى الصدر ربما تخرج الرائحة لأنها رمل والرائحة تتخلل الرمل فهذه يعمق أكثر.


القارئ: والسنة أن يلحد له لقول سعد بن مالك (الحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم، قال أحمد ولا أحب الشق لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اللحد لنا والشق لغيرنا) رواه أبو داود ومعنى الشق أنه إذا وصل إلى الأرض شق في وسطه شقاً نازلا فإن كانت الأرض رخوة لا يثبت فيها اللحد شق فيها للحاجة.
الشيخ: يعني لو كانت الأرض رملاً فاللحد لا يمكن أن يستقيم لأن اللحد معناه أن نشق شقاً يسع الميت في جانب القبر مما يلي القبلة وسمي لحداً لميله إلى أحد الجانبين أما الشق فهو في وسط القبر تحفر حفرة نازلة في وسط القبر فهذا خلاف السنة إلا إذا دعت الحاجة بأن كانت الأرض رملية فإن اللحد لا يمكن أن يستقيم فحينئذٍ نحفر شقاً في وسط اللحد ثم نضع اللبن هكذا ثم نضع الميت ونضع عليه اللبن وهذا للحاجة لا بأس به.

السائل: بارك الله فيك في قول النبي صلى الله عليه وسلم (اللحد لنا والشق لغيرنا) ما معنى لغيرنا؟
الشيخ: معنى لغيرنا أي للكفار.
السائل: أحسن الله إليكم ما هي صفة الشق؟
الشيخ: الشق إنه يحفر حفرة كالقبر المعتاد لكن ما يجعل فيه لحد في جانبه الذي يلي القبلة بل يجعل اللحد في الوسط هذا هو الشق فهذا إذا كانت الأرض رملية نحتاج إليه لأنك لو لحدت انهد الرمل.
السائل: وكيف يوضع اللبن؟
الشيخ: اللبن يوضع بالطول ليصير مثل الحوض لأجل أن يمنع من انهيال الرمل على الميت ثم يوضع الميت بين هذه اللبنات ثم يصف اللبن عليه فوق.
الشيخ: يسأل ويقول بعض البلاد تعودوا على الشق وليس هناك حاجة إليه فهل إذا لحدنا يعتبر هذا من إحياء السنة الجواب نعم.

فصل
القارئ: ولا يدفن في القبر اثنان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل ميت في قبره فإن دعت الحاجة إليه جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كثرت القتلى يوم أحد.


الشيخ: عندنا كثر ما فيها تاء لكن على كل حال هي جائزة قال الله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا).
القارئ: لما كثرت القتلى يوم أحد كان يجمع بين الرجلين في القبر الواحد ويسأل أيهم أكثر أخذاً للقرآن فيقدمه في اللحد حديث صحيح ويقدم أفضلهم إلى القبلة للخبر ويجعل بين كل اثنين حاجزاً من تراب ليصير كل واحداً منفرداً كأنه في قبر منفرد وإن دفن رجل وصبي وامرأة في قبر واحد جعل الرجل في القبلة والصبي خلفه والمرأة خلفهما وقال الخرقي تقدم المرأة على الصبي قال أحمد وإن حفروا شبه النهر رأس هذا عند رجل هذا جاز ويجعل بينهما حاجزا لا يلزق أحدهما بصاحبه فإن مات له أقارب بدأ بمن يخاف تغيره فإن استووا بدأ بأقربهم إليه على ترتيب النفقات فإن استووا قدم أسنهم وأفضلهم.
الشيخ: الله أكبر هذه الأمور التي يذكرونها قد تكون بأوبئة يكثر الموتى فيها أو بحروب نسأل الله العافية يكثر فيها القتلى فالمهم أن السنة أن يفرد كل ميت بقبر فإن دعت الحاجة إلى جمع أكثر من واحد في قبر فلا بأس لكن كما قال المؤلف يجعل بين كل اثنين حاجز من تراب حتى يكون ذلك شبه القبر المنفرد وإذا

كان لا يتأتى أن يكون بعضهم خلف بعض إما لصخرة تعرض أو ما أشبه ذلك جعلوا كالنهر ومعنى كالنهر أي أنهم يكونون طولاً رأس كل إنسان عند رجل الآخر حتى يتسع لهم المكان.

فصل
القارئ: ولا توقيت في عدد من يدخل القبر إنما هو بحسب الحاجة إليه نص عليه.
الشيخ: معناه من يدخل القبر عند الدفن ليس فيه عدد محدود بل هو حسب الحاجة قد يكفي اثنان وقد يكفي واحد وقد لا يكفي الاثنان قد نحتاج إلى ثلاثة أو أربعة فيكفي واحد فيما لو كان صغيراً ويكفي اثنان فيما لو كان جسده عادياً ونحتاج إلى أكثر لو كان جسده ضحماً المهم أنه ينزل في القبر بقدر الحاجة.


القارئ: ولا توقيت في عدد من يدخل القبر إنما هو بحسب الحاجة إليه نص عليه ويسل الميت من قبل رأسه وهو أن يجعل رأسه عند رجلي القبر ثم يسل سلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه وإن كان الأسهل غير ذلك فعل الأسهل.
الشيخ: وهذا مختلف فيه بعضهم يقول إنه يسل كما ذكر المؤلف يؤتى بالنعش من قبل رجلي القبر ثم يُنَزَّل الميت على رأسه حتى يستقر في اللحد وبعض العلماء يقول الأفضل أن يأتي به من جهة القبلة محاذياً رأسُه رأسَ القبر ورجلاه رجلي القبر ثم يُسَلَّم إلى من كان في القبر ويوضع في لحده والعمل عندنا على هذا وهذا هو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله وأصحابه ومع هذا المؤلف يقول إن كان الأسهل غير ذلك فإنه يتبع الأسهل ومعلوم أن الأسهل ما عليه عملنا الآن وأما السل فصعب لأنه لابد أن تتجاوز القبر كله عند السل ثم تأتي به من جهة رجلي القبر ثم تسلمه للذين في القبر أما هذا فإنه يؤتى به على حذاء القبر تماماً رأسُه عند رأس القبر ورجلاه عند رجل القبر ثم تسلمه إلى الذين في القبر وهو أسهل بلا شك.
القارئ: ويقول الذي يدخله بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله إذا أدخل الميت القبر من المسند يضعه في اللحد على جانبه الأيمن مستقبل القبلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه) ويوسد رأسه بلبنة أو نحوها كالحي إذا نام ويُجْعل خلفه تراب يسنده لئلا يستلقي على قفاه وإن وطّأ تحته بقطيفة فلا بأس لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك تحته قطيفة كان يفرشها.
الشيخ: يفترشها نسخة.

القارئ: لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك تحته قطيفة كان يفترشها وينصب عليه اللبن نصباً لحديث سعد وإن جعل عليه طين فصب جاز لما روى عمرو بن شرحبيل.


الشيخ: عندنا وإن جعل عليه طن قصب، تصويب لأن الطين لا يمكن صبه وطن قصب بدل عن الإذخر الذي كان أهل مكة يجعلونه في القبور.
القارئ: وإن جعل عليه طن قصب جاز لما روى عمرو بن شرحبيل أنه قال إني رأيت المهاجرين يستحبون ذلك ويكره الدفن في التابوت وأن يدخل القبر آجراً أو خشباً أو شيئاً مسته النار لأن إبراهيم قال.
الشيخ: إبراهيم من هو؟
الطالب: النخعي؟
الشيخ: نعم النخعي.
القارئ: لأن إبراهيم قال كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب والآجر ولأنه آلة بناء المترفين وسائر ما مسته النار يكره للتفاؤل بها.
الشيخ: لكن ينبغي أن تكون اللبن طويلة بعض الشيء حتى تكون قوية في استنادها على جدار القبر لأنها لو كانت قصيرة ثم تراكم عليها التراب هبطت وهذا هو المعمول به الآن عندنا تجد اللبنات في المقبرة طويلة.

فصل
القارئ: ولا يخمر قبر الرجل لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قد مر بقوم وقد دفنوا ميتاً وبسطوا على قبره الثوب فجذبه وقال إنما يصنع هذا بالنساء ويستحب ذلك للنساء للخبر ولئلا ينكشف منها شيء فيراه الحاضرون.
الشيخ: يعني معناه إذا أردنا أن ننزل المرأة في قبرها نغطي القبر من أجل أن لا يرى الناس جسم المرأة أما الرجل فلا يغطى ولهذا كانت عبارة زاد المستقنع ويسجى قبر امرأة فقط.

فصل
القارئ: ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر لما روى الساجي أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض قدر شبر ولأنه يعلم أنه قبر فيتوقى ويترحم عليه ولا يزاد عليه من غير ترابه لقول عقبة بن عامر لا تجعلوا على القبر من التراب أكثر مما خرج منه رواه أحمد.
الشيخ: عندي لا يجعل وعندكم لا تجعلوا.


القارئ: ويستحب أن يرش عليه الماء ليتلبد وروى أبو رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سل سعداً ورش على قبره ماء رواه ابن ماجة وتسنيمه أفضل من تسطيحه لما روى البخاري عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنماً ولأن المسطح يشبه أبنية أهل الدنيا ولا بأس بتعليمه بصخرة ونحوها لما ذكرنا من حديث عثمان بن مظعون ولأنه يعرف قبره فيكثر الترحم عليه.
الشيخ: أما رش الماء على القبر فالغرض منه تلبيد التراب وليس كما يظن العامة أن الغرض أن نبرد على الميت فإن الميت لا يبرده الماء وإنما يبرده ثوابه لكن من أجل أن يتلبد التراب وأما ما ذكره من كونه مسنماً فإنه أفضل لوجهين الأول لأن ذلك هو الذي يشابه قبور النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهم ولأنه إذا كان مسنماً فإنه يزل ماء المطر عنه يميناً وشمالاً وإذا كان مسطحاً فإنه يبقى فيه الماء ويخشى أن ينزل الماء إلى اللبن فتذوب اللبنة وينخسف القبر.
السائل: إذا كان تعليم القبر مستحب ألا يخشى إذا كان المقبور من المشهورين كالعلماء وعلم قبره أن تكثر زيارته ثم يتبرك به؟
الشيخ: على كل حال إذا خشي هذا في بلد يعتادون الغلو في قبور الصالحين فلا ينبغي لكن مثل هذا عندنا والحمد لله إنما تُعَّلم من أجل أن من أراد أن يزوره ويدعو له فعل.
السائل: أحسن الله إليك قبر ارتفع عن الأرض مقدار متر فالميت دفن على وجه الأرض ولو حفرنا القبر لخرج الماء؟
الشيخ: البناء عليه في هذه الحال من باب الضرورة إذا كان لا يمكن أن نحفر له لأن الأرض رخوة ويتسرب الماء إلى المكان المحفور فحينئذ يكون هذا ضرورة.

فصل
القارئ: ويكره البناء على القبر وتجصيصه والكتابة عليه لما روى جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يبني عليه وأن يقعد عليه رواه مسلم زاد الترمذي وأن يكتب عليها وقال حديث صحيح ولأنه من زينة الدنيا فلا حاجة بالميت إليه.


الشيخ: قول المؤلف رحمه الله يكره البناء على القبر إن أراد بالكراهة كراهة التحريم فهذا حق وإن أراد بذلك كراهة التنزيه فهذا ضعيف والصواب أن البناء على القبور حرام ولا يجوز أولاً إن كان في مسبلة يعني في مقبرة مسبلة فإنه سوف يأخذ من الأرض هذه أكثر مما يحتاج وإن كان في مقبرة ملكاً له فإنه يخشى من تعظيمه والصلاة عنده وما أشبه ذلك فالصواب أن البناء على القبر محرم وكذلك تجصيصه حرام بأن يجصص التراب الذي على القبر والظاهر أيضاً أن تجصيص اللحد من هذا النوع يعني لو جصص اللحد فإنه يحرم لأن هذا إضاعة مال ومن زينة الدنيا وكذلك الكتابة عليه أيضاً حرام ولا يجوز أن يكتب على القبر لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكتابة عليه في سياق البناء والتجصيص ولا دليل على إخراج الكتابة من التحريم لكن قال بعض مشايخنا إن المراد بالكتابة التي نهى عنها الرسول عليه الصلاة والسلام ما كانوا يفعلونه في الجاهلية يكتب على القبر هذا فلان ابن فلان وتذكر محاسنه وأما مجرد أن أكتب اسمه فقط للدلالة عليه فهذا لا بأس به وهذا القول جيد بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرن الكتابة بماذا؟ بالبناء والتجصيص الذي يكون به المغالاة في الميت وقبره وقوله (أن يقعد عليه) أيضا ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن النهي للكراهة والصواب أنه للتحريم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لأن يجلس أحدكم على جمرة فتخرق ثيابه فتمضي إلى جلده أو قال جسمه خير من أن يجلس على القبر) وهذا يدل على تحريم أن الإنسان يجلس على القبر وانظر إلى هذا الحديث يتبين لك أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الغلو في القبور وعن إهانة القبور والدين الإسلامي وسط بين التفريط والإفراط فالبناء على القبور غلو في التعظيم والجلوس على القبور مهانة لصاحب القبر فجمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين هذا وهذا من أجل أن يكون الإنسان مستقيماً على العدل لا هذا ولا هذا.


القارئ: ولا يجوز أن يبنى عليه مسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا) متفق عليه.
الشيخ: الحديث أن الرسول لعن اليهود والنصارى قال (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وقد ذكر ذلك حين ذكرت له أم سلمة كنيسة في أرض الحبشة فقال (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).

القارئ: لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا) متفق عليه ويكره الجلوس عليه والاتكاء إليه والاستناد إليه لحديث جابر ويكره المشي عليه لما روى عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي من أن أطأ على قبر مسلم ولا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق) رواه ابن ماجه، فإن لم يكن له طريق إلى قبر من يزوره إلا بالوطأ جاز لأنه موضع حاجة.
الشيخ: كلام المؤلف هذا فيه نظر من وجهين الأول أنه قال إنه يكره وطأ القبور والجلوس عليها والأدلة تدل على أنه يحرم وهذا فيه هذا الوعيد الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام الثاني أنه ذكر أنه إذا كان له قريب يريد أن يزوره وليس هناك طريق فإنه لا بأس أن يطأ على القبور وهذا أيضاً فيه نظر لأننا نقول أولاً ليس هناك ضرورة أن تذهب إلى قبر قريبك وتقف عليه وبالإمكان أن تقف قُبالته ولو بعيداً عنه وتدعو له هذه واحدة وأيضاً لا يمكن أن تكون القبور كلها مرصوفة بحيث لا يوجد بينها موطئ قدم لابد أن يكون هناك موطئ قدم لابد من هذا وكونه يقال إن هذا ضرورة فيه نظر فالصواب أنه لا يجوز الوطأ على القبور وأنه لا يجوز أن يطأ عليها من أجل أن يذهب إلى قبر قريب له.

فصل


القارئ: ولا يجوز الدفن في الساعات المذكورة في حديث عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب رواه مسلم ويجوز الدفن في سائر الأوقات ليلاً ونهارا لأن النبي صلى الله عليه وسلم دُفِن ليلاً ودَفَنَ ذا البجادين ليلاً والدفن في النهار أولى لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زجر عن الدفن ليلا رواه مسلم ولأن النهار أمكن وأسهل على مشيعيها وأكثر لمتبعيها.
الشيخ: هذه الأوقات الثلاثة إذا طلعت الشمس حتى ترتفع قيد رمح وعلى هذا فإذا وصلنا إلى المقبرة وطلعت الشمس نتوقف عن الدفن حتى ترتفع قيد رمح وحين يقوم قائم الظهيرة يعني عند الزوال وذلك نحو عشر دقائق وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب وتضيفها للغروب أن يكون بينها وبين الغروب كما بينها وبين الإشراق يعني في خلال ربع ساعة أو نحو ذلك هذه الأوقات نهى النبي صلى الله عليه وسلم

أن نقبر فيها الأموات وأما الدفن فيما عدا ذلك فهو جائز سواء في الليل أو في النهار إلا إذا كان الدفن في الليل لا يتأتى فيه القيام بما يجب من إحسان الكفن والتغسيل وما أشبه ذلك فهنا ينهى عنه فيجمع بين الأحاديث الواردة في جواز الدفن ليلاً وبين الأحاديث الواردة في النهي بأن النهي فيما إذا لم يحسن الكفن وقصّروا في واجب الميت.

فصل
القارئ: وإذا ماتت ذمية حامل من مسلم لم تدفن في مقبرة المسلمين لكفرها ولا تدفن في مقبرة الكفار لأن ولدها مسلم وتدفن مفردة ظهرها إلى القبلة لأن وجه الجنين إلى ظهرها.


الشيخ: هذا حكمة من الله عز وجل أن يكون الجنين وجهه إلى ظهر أمه وظهره إلى بطنها لأن ظهر الجنين أقوى على تحمل الكدمات وما أشبه ذلك فكان من حكمة الله عز وجل أن الجنين في بطن أمه يكون وجهه إلى ظهر أمه وظهره إلى وجه أمه فإذا ماتت ذمية وفي بطنها حمل من مسلم فإنها لا تدفن مع الكفار لأن ولدها مسلم ولا مع المسلمين لأنها كافرة لكن تدفن وحدها على الوجه الذي ذكره المؤلف رحمه الله.
القارئ: وإن ماتت امرأة حامل وولدها يتحرك ورجيت حياته سَطَت عليه القوابل فأخرجنه ولا يشق بطنها لأن فيه هتكاً لحرمة متيقنة لإبقاء حياة موهومة بعيدة فإن لم يخرج تركت حتى يموت ثم تدفن ويحتمل أن يشق بطنها إن غلب على الظن أنه يحيا لأن حفظ حرمة الحي أولى.
الشيخ: هذا هو الصحيح لا سيما في وقتنا الحاضر فإن عملية إخراج الجنين لا تعد مثلة فإذا ماتت امرأة وفي بطنها حمل يتحرك أجريت لها العملية فوراً وأخرج الجنين وليس في هذا مثلة إطلاقاً.
القارئ: وإن بلع الميت جوهرة لغيره شق بطنه وأخذت لأن فيه تخليصاً له من مأثمها ورداً لها إلى مالكها ويحتمل أن يغرم قيمتها من تركته ولا يتعرض له صيانة عن المثلة به فإن لم يكن له تركة تعين شقه فإن كانت الجوهرة له ففيه وجهان أحدهما يشق بطنه لأنها للوارث فهي كجوهرة الأجنبي والثاني لا يشق لأنه استهلكها في حياته فلم يتعلق بها حق الوارث.
الشيخ: والصواب أنه لا يشق بطنه لأن هذا ماله وقد استهلكه في حياته فلا يحل أن يشق بطنه بل يبقى فإذا قدر أنه أي الميت بلي وصار رميماً أخذت الجوهرة ومثله الذهب.
مسألة: تحية المسجد وكل صلاة لها سبب ليس عنها نهي لأن القول الراجح أن ذوات الأسباب لا نهي عنها.

السائل: بارك الله فيكم الذمية هل يصلى عليها صلاة الجنازة؟
الشيخ: الذمية لا يجوز أن تصلى عليها صلاة الجنازة.
السائل: ولدها مسلم؟
الشيخ: لكن هي ما يصلى عليها إذا مات يصلى على الجنين فقط أما هي فلا يصلى عليها.


السائل: والجنين في بطنها؟
الشيخ: نعم يصلى عليها والجنين في بطنها.
القارئ: وإن بلع مالاً يسيراً لم يشق بطنه ويغرم القيمة من تركته وإن وقع في القبر ما له قيمة نبش وأخذ لأنه يمكن رده إلى صاحبه بغير ضرورة فوجب وإن دفن الميت بغير غسل أو إلى غير القبلة نبش وغسل ووجه لأن هذا مقدور على فعله فوجب إلا أن يخاف عليه الفساد فلا ينبش لأنه تعذر فسقط كما يسقط وضوء الحي لتعذره وإن دفن قبل الصلاة عليه احتمل أن يكون حكمه كذلك لأنه واجب فهو كغسله واحتمل أن يصلى على القبر ولا تهتك حرمته لأنه عذر.
الشيخ: وهذا الاحتمال أصح أن يصلى على القبر لأنه يمكن أن يؤدي الواجب بالصلاة على القبر فلا حاجة أن ينبش.

فصل
القارئ: سئل أحمد رضي الله عنه عن تلقين الميت في قبره فقال ما رأيت أحداً يفعله إلا أهل الشام قال وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر ابن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلونه وقال القاضي وأبو الخطاب يستحب ذلك وروي فيه حديث عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم عند رأس قبره ثم ليقل يا فلان ابن فلانة فإنه يسمع ولا يجيب ثم ليقل يا فلان ابن فلانة الثانية فيستوي قاعداً ثم ليقل يا فلان ابن فلانة فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله ولكن لا تسمعونه فيقول اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن إماما فإن منكراً ونكيراً يتأخر كل واحد منهماً

فيقول انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجتَه ويكون عند الله حجيجه دونهما فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه قال فلينسبه إلى حواء رواه الطبراني في معجمه بمعناه.


الشيخ: هذا الحديث ضعيف ولا يعتمد وهو شاذ أيضاً لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل).
السائل: سبق في درس أمس حديث (ولا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق) هل يدل على جواز قضاء الحاجة في وسط السوق.
الشيخ: لا ومعناه أنه إذا كان لا يمكن أن تقضي حاجتك في السوق فلا يمكن أن تقضيها في المقابر هذا المعنى.
السائل: هل ترون أنه يكون من السنة لو أن قائلاً في جنازة قال لأصحابه استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فهل هذا يكون قد أصاب السنة؟
الشيخ: طيب هذا لا بأس به.
السائل: الذمية ألا يشق بطنها ويخرج منها الجنين المسلم؟
الشيخ: لا لأنها ماتت هي وإياه وما الفائدة من شقه.
السائل: حتى يدفن في مقابر المسلمين؟
الشيخ: لا ما دام إنه دفن في مكان خال من قبور الشرك ما فيه مانع.

باب التعزية والبكاء على الميت
القارئ: التعزية سنة لما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من عزى مصاب فله مثل أجره وهو حديث غريب وتجوز التعزية قبل الدفن وبعده لعموم الخبر ويكره الجلوس لها لأنه محدث ويقول في تعزية المسلم بالمسلم أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك ورحم ميتك وفي تعزيته بكافر أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وتوقف أحمد عن تعزية أهل الذمة وهي تخرج على عيادتهم وفيها روايتان إحداهما يعودهم لأنه روي أن غلاماً من اليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه يعوده فقعد عند رأسه فقال له أسلم فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال له أطع أبا القاسم فأسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول (الحمد لله الذي أنقذه من النار).
الشيخ: أنقذه بي.


القارئ: فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) رواه البخاري والثانية لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تبدؤوهم بالسلام) فإن قلنا نعزيهم فإن تعزيتهم عن مسلم أحسن الله عزاءك وغفر لميتك وعن كافر أخلف الله عليك ولا نقص عددك.
الشيخ: هذه كلمات استحسان من العلماء رحمهم الله وليس فيها آثار عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
السائل: إمام صلى على ميت فلم يكبر إلا ثلاثة فهل تجب الصلاة عليه بعد الدفن وإذا وجبت فهل لها مدة محددة؟
الشيخ: نعم يجب عليه أن يعيدها إلا إذا ذكرها في الحال فيأتي بتكبيرة رابعة ويسلم.
السائل: إذا كان الميت قد دفن؟
الشيخ: إذن يصلى عليه على القبر.
السائل: كيف نقول في تعزية أهل الذمة (ما نقص عددك) ونحن ندعو عليهم؟
الشيخ: ولا نقص عددك لأنه إذا زاد عددهم زادت الجزية لنا.
السائل: هل يعزى الكفار من الموظفين؟
الشيخ: قد يقال إنهم لا يعزون لأن في هذا إكراماً لهم اللهم إلا ما جرت به العادة بين الدول مما لابد منه فهذا لا بأس به إن شاء الله.

فصل
القارئ: والبكاء غير مكروه إذا لم يكن معه ندب ولا نياحة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد بن عبادة فوجده في غاشية فبكى وبكى أصحابه وقال (ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم) متفق عليه ولا يجوز لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية لما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة متفق عليهما ويكره الندب والنوح.


الشيخ: بين المؤلف في هذه القطعة أن البكاء غير مكروه وهذا إذا جاء بمقتضى الطبيعة أما مع التقصد فلا لكن إذا جاء بمقتضى الطبيعة فإنه لا بأس به ولا سيما إذا كان الحامل عليه الرحمة دون فقد الأحباب لأنه قد يؤجر على هذا لأن الراحمين يرحمهم الرحمن عز وجل ثم استدل لذلك بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على سعد بن عبادة فوجده في غاشية بكى وبكى أصحابه وقال ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم متفق عليه لكن استثنى المؤلف أن لا يكون معه ندب ولا نياحة والندب هو تعداد محاسن الميت والنياحة أن يبكي بكاءً يشبه نوح الحمام لأن البكاء الذي يشبه نوح الحمام هذا مقصود فيه أن الإنسان يبكي على وجه يعرف به عدم الصبر على هذه المصيبة أما الأحاديث التي ذكرها أيضاً حين قال لا يجوز لطم الخدود ولا شق الجيوب ولا الدعوى بدعوى الجاهلية فإن ذلك يحدث عند المصائب في الجاهلية بل وفي الإسلام أيضاً ولكن هذا تبرأ منه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولعلكم تتعجبون أن يلطم الإنسان خده عند المصيبة لكنه لشدة المصيبة ينفعل حتى يلطم الخد كذلك شق الجيب لشدة المصيبة يشق جيبه وهذا ينبئ عن عدم الرضا وعدم الصبر والدعاء بدعوى الجاهلية أن يقول يا ويلاه يا ثبوراه وما أشبه ذلك أما حديث أنه (برئ من الصالقة والحالقة والشاقة) الصالقة التي ترفع صوتها بالندب أو بالنياحة والحالقة التي تحلق شعرها وكانوا في الجاهلية إذا أصيبت المرأة تحلق شعرها لأن اتخاذ الشعر عندهم أمر مطلوب محبوب ولهذا لم يكلف الله المرأة أن تحلق رأسها في النسك ولا أن تقصره تقصيراً بالغاً بل بقدر أنملة فقط وأما الشاقة فهي التي تشق الجيب.


القارئ: ونقل حرب عن أحمد كلاماً يحتمل إباحتهما واختاره الخلال وصاحبه لأن واثلة وأبا وائل كانا يستمعان النوح ويبكيان وظاهر الأخبار التحريم قال أحمد في قوله تعالى (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) هو النوح فسماه معصية وقالت أم عطية أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم في البيعة أن لا ننوح متفق عليه.
الشيخ: هذا الذي نقل عن أحمد ما دام يحتمل أنه أباحه ويحتمل أنه لم يبحه فالواجب أن يحمل على أنه لم يبحه لأن الإمام أحمد رحمه الله معروف باتباع الآثار والتمسك بالسنة ولا يمكن أن يسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ليس منا) أو أنه (لعن النائحة والمستمعة) ثم يقول بإباحته هذا من أبعد ما يكون.
القارئ: وينبغي للمصاب أن يستعين بالله تعالى وبالصبر والصلاة ويسترجع ولا يقول إلا خيرا لقول الله تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) الآيات وقالت أم سلمة رضي الله عنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ما من عبد مسلم تصيبه مصيبة فيقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واَخْلِف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً

منها قالت فلما توفي أبو سلمة قلتها فأخلف الله لي خيراً منه رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم وقال لما مات أبو سلمة (لا تدعو على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) رواه مسلم.
الشيخ: هكذا ينبغي وقول المؤلف ينبغي الظاهر أن مراده الوجوب يعني يجب على الإنسان أن يستعين بالله تعالى بالصبر والتحمل والصلاة وأن يفكر هل أحد من الناس بقي حتى يبقى هذا الذي فقده هذا المصاب قال أهل العلم رحمهم الله والمصاب له أربع حالات:
الحال الأولى التسخط وعدم الصبر وربما يدعو على نفسه بالويل والثبور وربما يقدح في حكمة الله عز وجل وفي تقديره وهذا حرام بلا شك وربما يصل إلى درجة الكفر.


الحال الثانية الصبر وهو أن يمتنع عما يحرم كشق الجيوب ولطم الخدود وما أشبهها وهذا واجب.
الحال الثالثة الرضا وهو أن تتساوى عنده المصيبة وعدمها باعتبار تقدير الله لها لا باعتبار وقوعها لأن تساويها مع عدمها باعتبار وقوعها أمر لا يطاق ولا يمكن لأحد أن يستقيم عليه لكن باعتبار قضاء الله تعالى لها يعني كأنه يقول لا يهمني حصلت أم لم تحصل ما دامت من فعل الله عز وجل فيكون راضياً بقضاء الله تعالى وقدره وهذا قد يقول قائل ما الفرق بينه وبين الصبر؟ يقال الفرق بينه وبين الصبر أن الصابر لم تتساوى عنده المصيبة وعدمها باعتبار تقدير الله عز وجل لكنه لم يتكلم بكلام حرام ولم يفعل فعلاً حراماً أما هذا فيقول أنا مع قضاء الله وقدره سواء هذا أو هذا.


الحالة الرابعة الشكر بأن يشكر الله عز وجل على هذه المصيبة وهذا قد يقوم بقلب إنسان مسرف على نفسه قد فعل معاصي كثيرة فإذا عجل له بالعقوبة شكر الله عز وجل على هذا وقال إنها تكفير لذنوبي وأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وفي الحديث أن الله تعالى إذا أحب يعني إنساناً عجل له بالعقوبة في الدنيا حتى يخرج من الدنيا وهو بريء بإذن الله عز وجل ولعلكم تذكرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس منازعة في الموت من أجل أن يموت صلى الله عليه وسلم وهو أعلى ما يكون في درجة الصابرين لأن الصبر له منزلة عالية (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ويذكر أن الإمام أحمد رحمه الله لما حضرته الوفاة تمثل له الشيطان يعض أنامله ويقول فتني يا أحمد فقال له أحمد بَعْدُ بَعْدُ وقول الشيطان فتني يعني أنني لم أغوك لكنه قال بعد بعد وهو في سياق الموت لأنه ما دامت روحه لم تخرج فهو على خطر نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة فلذلك نقول إن الإنسان ربما يكون في مقام الشاكرين عند المصائب نظراً لأن الله خفف عنه العقوبة حيث عجل له ذلك في الدنيا فهذه أربع مقامات بالنسبة للمصاب، وأما حديث أم سلمة رضي الله عنها فإنه لما مات أبو سلمة وكان ابن عمها ومن أحب الناس إليها قالت هذه الكلمة لا شكاً في الموضوع ولكن إيماناً منها بقول الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت من خير من أبي سلمة ليس القصد من ذلك الشك في وعد الرسول عليه الصلاة والسلام لكن القصد أنها


تؤمل من هذا هل هو أبو بكر أوعمر أو عثمان فهي مترددة فيمن يكون خيراً لا في أن الله تعالى يخلف لها خيراً من أبي سلمة لأن هذا الاحتمال الثاني لا يمكن أن يقع من مثلها وهي أنها تريد أن تجرِّب هل يتحقق هذا أو لا؟ بل هي مؤمنة به ولذلك قالت هذا الكلام مع أن أبا سلمة من خيار الأزواج وما أن انقضت عدتها حتى خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لها خيراً من ذلك والحديث كما تعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حضر إلى أبي سلمة وقد حضرته الوفاة وجاء وقد دخل عليه وقد شق بصره أغمضه صلى الله عليه وسلم وقال (اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين وافسح له في قبره ونور له فيه واخلفه في عقبه) خمس كلمات أما الشيء الظاهري من هذه الكلمات فهو أن الله خلفه في عقبه لا شك لأن عقبه صار تحت رعاية النبي صلى الله عليه وسلم وأما الباقي فإننا نرجو الله تعالى أن يكون قد حقق ذلك بدعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فصل
القارئ: ويستحب لأقرباء الميت وجيرانه إصلاح طعام لأهله لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء نعي جعفر قال (اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنهم قد أتاهم أمر شغلهم) رواه أبو داود فأما صنع أهل الميت الطعام للناس فمكروه لأن فيه زيادة على مصيبتهم وشغلاً لهم إلى شغلهم.


الشيخ: المؤلف رحمه الله تعالى استدل بدليل أخص من الحكم فقال إنه يستحب لأقارب الميت وجيرانه إصلاح الطعام لأهله بدون قيد والحديث يدل على أن هناك قيداً وهو أنهم إذا أتاهم ما يشغلهم من الانقباض والحزن والبكاء فإنه يصنع لهم الطعام وإلا فلا لأن (العلة المنصوصة توجب تخصيص الحكم بما تفيده هذه العلة) كقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا يتناجى اثنان دون الثالث من أجل أن ذلك يحزنه) فإذا لم يحزن الثالث تناجي الاثنين فإنه لا حرج عليهما في ذلك هكذا الحديث (اصنعوا لآل جعفر طعاما) وليس مطلقاً (فقد أتاهم ما يشغلهم) ثم على تقدير أنه أتاهم ما يشغلهم وليس من المتيسر أن يجلبوا الطعام من المطاعم كما هو الحاضر الآن فإن طعاماً واحداً يكفي أما أن تساق إليهم الذبائح والموائد ويجتمع في البيت كثير من الأطعمة ثم يقولون نحن نحتاج إلى من يأكل هذه الأطعمة فيحضر الناس من يمين وشمال من أجل أكل هذه الأطعمة فهذه ليس من السنة كما هو الواقع الآن في كثير من البلاد الإسلامية وأما صنع أهل الميت الطعام فإن المؤلف يقول إنه مكروه وظاهر حديث جرير بن عبد الله البجلي قال (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة) فظاهر هذا الحديث أنه حرام أن يصنعوا الأطعمة إلى الناس ليأتوا إليهم لأن هذا الصحابي الجليل جرير بن عبد الله عده من النياحة.

فصل


القارئ: ويستحب للرجال زيارة القبور لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الموت) رواه مسلم وإذا مر بها أو زارها قال ما روى مسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية وفي حديث آخر ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وفي حديث آخر اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم وإن زاد اللهم اغفر لنا ولهم كان حسنا.


الشيخ: في هذا الفصل بيان حكم زيارة القبور فبين أنها سنة لكن للرجال وزيارة القبور لا لدعاء أهل القبور ولكن للدعاء لهم ولا لتهييج الأحزان ولكن لتذكر الموت لأن الذين يزورنها أقسام منهم من يزور القبور ليدعوها وهذا شرك أكبر دعاء أهل القبور أن يجلبوا الخير ويدفعوا الشر سواء كان على سبيل العموم أوالخصوص هذا شرك أكبر ثانياً أن يزور المقبرة ليدعو الله عندها أي عند المقابر وهذا بدعة لأنه اعتقد أن الدعاء في هذا المكان أفضل من الدعاء في غيره وهذا يحتاج إلى دليل فهو بدعة وربما يكون سبباً لدعاء هؤلاء الأموات فيكون بدعة منهي عنه وليست المقبرة بأفضل من المساجد ولا بأفضل من مكان تتعبد لله به في بيتك ثالثاً أن يزور المقبرة للاعتبار وتذكر الموت وتذكر الآخرة وأن هؤلاء القوم كانوا بالأمس معك على ظهر الأرض وأصبحوا الآن مرتهنين بأعمالهم لا يستطيعون زيادة في الأعمال ولا نقصاً من السيئات فيعتبر ويتعظ ويعظ نفسه ويقول لا تدرين لعلك لا تصبحين إلا عندهم أو لا تمسين إلا عندهم وما أشبك ذلك من الوعظ والتذكير لنفسه وهذا هو الذي أراده النبي عليه الصلاة والسلام في قوله (تذكر الآخرة) رابعاًً أن يزور المقابر لتهييج الأحزان كلما اشتاق إلى أمه أو أبيه خرج إلى المقبرة وجلس عند رأس القبر يبكي ويحن وهذا بدعة لا شك ومنكر وليس هذا الذي أراده النبي عليه الصلاة والسلام والإنسان ينبغي له أن ينسى المصيبة لا أن يفعل ما يذكر المصيبة وهذه خمسة مقاصد كلها تكون لمن زار المقبرة والمقاصد الشرعية أن يخرج إلى المقبرة للاعتبار والاتعاظ والدعاء إلى أصحاب القبور هذه الزيارة الشرعية وما سوى ذلك فإما شركية وإما بدعية.


السائل: بارك الله فيكم في بعض البلاد إذا مات ميتهم ذهبوا إلى المطابع وطبعوا أوراقاً بيضاء مكتوب فيها الميت وساعة الدفن ومكان ما يصلى عليه ثم يذهب بهذه الأوراق وتعلق على بعض الأمكنة ويتحرون أماكن أقرباء هذا الميت وتعليلهم أنه حتى يعلم أنه مات فيصلون عليه ويكثر العدد؟
الشيخ: الظاهر أن هذا لا بأس به يعني لا بأس بإعلام الأقارب أو غير الأقارب بأنه مات من أجل الصلاة عليه كما نعى النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي يوم مات وأمر أصحابه أن يصلوا عليه.
السائل: أحسن الله إليكم ما حكم الكتابة التي تكتب على أسوار المقابر صلوا على النبي ولا تنسوا دعاء الميت.
الشيخ: الظاهر أنه لا بأس به تذكير يذكر الإنسان لكن صلوا على النبي هذه ما وردت لكن بعض المقابر يكتب عليها الدعاء المأثور.


الشيخ: بقي عندنا في كلام المؤلف الأدعية يقول المؤلف إذا زارها أو مر بها يقول السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين السلام عليكم خطاب فهل هذا من قوة الاستحضار أو إن أهل المقبرة يسمعون ما يقول؟ فيه احتمال لأن أهل المقبرة يسمعون فيقول السلام عليكم فيسمعون أو من قوة الاستحضار كما نقول نحن السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته مع أن الرسول ينقل إليه سلامنا وقوله من المؤمنين والمسلمين وهل هناك فرق بين الإيمان والإسلام؟ نقول نعم إذا قرن بينهما فبينهما فرق لأن الإيمان إيمان القلب وإقراره واعترافه ويقينه والإسلام إسلام الجوارح واستسلامها وهو أضعف حالاً من الإيمان يعني المسلم أضعف حالاً من المؤمن ودليل ذلك قوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) وأكثر الناس اليوم إيمانهم إسلام أكثر الناس اليوم مسلمون لأنك إذا تأملت تصرفات الناس اليوم وجدتهم يعملون أشياء تنافي كمال الإيمان وما ينافي كمال الإيمان فإنه يتحول به الإنسان إلى أن يكون مسلماً أو مؤمناً ناقص الإيمان فلا يعطى مطلق الاسم قال (من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) كيف قال وإنا إن شاء الله مع أننا متيقنون أننا سوف نلحق بهؤلاء؟ فقيل إن المراد إن شاء الله لاحقون على الإسلام بكم لاحقون أي في الإسلام وهذا أمر غير متيقن إذ قد يحال بين الإنسان وبين حسن الخاتمة والعياذ بالله وقيل إن الاستثناء للمكان أي وإنا إن شاء الله بكم لاحقون في هذا المكان وهذا لاسيما في البقيع الذي هو أفضل بقاع الأرض في الدفن فيكون الاستثناء عائداً إلى اللحوق في المكان وقيل إن الاستثناء في (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) أن هذا للتحقيق يعني أننا لاحقون بمشيئة الله ونظيره قول الله تعالى (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)


مع أن هذا الدخول مؤكد محقق كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لعمر (إنك آتيه ومطوف به) وهذا والله أعلم أقرب

الأقوال أن الإنسان يقول إنا إن شاء الله أي متى شاء الله لحقنا بكم وإذا لحقنا فإنما نلحق بمشيئة الله وهذا لا يحتاج إلى تكلف ولا إلى صعوبة في الفهم أيضا وفيه أيضاً من الأدعية (نسأل الله لنا ولكم العافية) كيف يسأل العافية للأموات؟ العافية من العذاب وشدة العذاب وما أشبه ذلك لأن الميت يعذب في قبره فتسأل الله له العافية من هذا العذاب أما بالنسبة لنا فنحن مضطرون إلى العافية عافية الدين والدنيا فالقلوب مريضة والأجسام سقيمة وما لم يكن كذلك فهو عرضة له فلذلك نحتاج إلى الدعاء بالعافية لنا وفي حديث آخر يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين كذا منا أو منا ومنكم يحتاج إلى تحرير فإن لم يكن فيه منكم فالمعنى يرحم الله المستقدمين منا يعني منا معشر الأمة الإسلامية والمستأخرين وفي آخره اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم لا تحرمنا أجرهم ما هو أجرهم الذي لنا منهم؟ يعني يشمل كلما تقربنا به إلى الله فيهم فمثلاً منا من صلى عليهم ومن شيعهم ومن أصيب بهم والمتيقن أجر زيارتهم لا تحرمنا أجرهم أي أجر زيارتهم وهذا متيقن لكل من زار ولا تفتنا بعدهم فتنة حروب وقتال أو فتنة دين أو فتنة دنيا عن ماذا؟ عامة يشمل كل فتنة لا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم.

فصل
القارئ: وأما النساء ففي كراهية زيارة القبور لهن روايتان إحداهما لا يكره لعموم ما رويناه ولأن عائشة رضي الله عنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن، الثانية يكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله زوارات القبور) وهذا حديث صحيح، فلما زال التحريم بالنسخ بقيت الكراهة ولأن المرأة قليلة الصبر فلا يؤمن تهيج حزنها برؤية قبور الأحبة فيحملها على فعل ما لا يحل لها فعله بخلاف الرجل.


الشيخ: الصحيح بلا شك أن زيارة النساء للقبور حرام بل من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن زائرات القبور وفي لفظ (زوارات القبور) فيحمل اللفظ الثاني على الأول ويقال إن صيغة المبالغة هنا ليست للكثرة بل هي للنسبة وفعّال تأتي للنسبة ولو مرة واحدة كما يقال فلان من النجارين وإن لم ينجر إلا مرة واحدة بل كما في قوله تعالى (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ليس المنفي الكثرة بل نسبة الظلم إليه تبارك وتعالى وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى بياناً واضحاً بطلان قول من يقول إن النسخ في قول الرسول عليه الصلاة والسلام (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها) عام للرجال والنساء وقال هذا لا يصح وإنما هو في الرجال فقط وما ذكره المؤلف رحمه الله من التعليل لا شك أنه قوي إن المرأة إذا زارت فهي رقيقة ضعيفة يتهيج حزنها برؤية قبور الأحبة وربما تنوح وربما تبقى المدة الطويلة عند القبر وربما يعترضها الفساق وربما يحدث لها وحشة إذا انفردت بالمقبرة ويختل عقلها بهذا المهم أن هناك مفاسد كثيرة في زيارة المرأة للقبور فإن قال قائل إن عائشة رضي الله عنها علمها النبي عليه

الصلاة والسلام إذا زارت القبور أن تقول السلام عليكم دار قوم المؤمنين قلنا إن مراد الرسول عليه الصلاة والسلام ما إذا مرت المرأة بالمقبرة فلا بأس أن تقف وتدعو وأما أن تخرج من بيتها قاصدة المقبرة فهذا حرام بل من كبائر الذنوب.

فصل


القارئ: ويستحب لمن دخل المقابر خلع نعليه لما روى بشير بن الخصاصية قال بينما أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حانت منه نظرة فإذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان فقال يا صاحب السِّبتيتين ويحك ألق سبتيتيك فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعهما فرمى بهما رواه أبو داود فإن خاف الشوك إن خلع نعليه فلا بأس بلبسهما للحاجة ولا يدخل في هذا الخفاف لأن نزعها يشق وفي التِمِشْكات ونحوها وجهان أحدهما هي كالنعل لسهولة خلعها والثاني لا يستحب لأن خلع النعلين تعبد فيقصر عليهما.
الشيخ: ظاهر كلام المؤلف رحمه الله في قوله يستحب لمن دخل المقابر خلع النعل أنه من حين أن تدخل تخلع والحديث يدل على أن المنهي عنه إنما هو المشي بين القبور وبينهما فرق وعلى هذا فلو كانت القبور في أقصى المكان فإنك لا تخلع نعليك من حين أن تدخل لأنه ليس المقصود إكرام الأموات بخلع النعل إنما المقصود دفع الأذية فيما إذا كان الإنسان يمشي بين القبور وهذا هو المراد ولعله مراد المؤلف رحمه الله فإن لم يكن مرادَه فهذا هو الحق إن شاء الله أن المنهي عنه إنما هو المشي بين القبور بالنعال وأما فيما سوى ذلك فلا وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام في قصة الميت يحضره الملكان حتى إنه ليسمع قرع نعالهم وهم لابسوها في المقبرة.

فصل
القارئ: وإن دعا إنسان لميت أو تصدق عنه أو قضى عنه ديناً واجباً عليه نفعه ذلك بلا خلاف لأن الله تعالى قال (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ) ولقول سعد بن عبادة للنبي صلى الله عليه وسلم أينفع أمي إذا تصدقت عنها قال نعم متفق عليه.
الشيخ: ما عندي متفق عليه.


القارئ: قال المخرج في نسختي لم أقف على هذه الرواية في الشيخين وقد أخرجها الترمذى في باب الزكاة من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال الترمذي في نهاية الحديث هذا حديث حسن وبه يقول أهل العلم.

القارئ: وإن فعل عبادة بدنية كالقراءة والصلاة والصوم وجعل ثوابها للميت نفعه ذلك وفي الحي أيضا لأنه إحدى العبادات فأشبهت الواجبات ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر ويقرؤون ويهدون لموتاهم ولم ينكره منكر فكان إجماعا.


الشيخ: هذه المسألة مسألة إهداء القرب أو ثوابها للأموات فيه خلاف فمن العلماء من قال إنه لا ينفع الميت إلا ما جاءت به السنة فقط وما عداه فإنه لا ينتفع به الميت فيحصر ما جاءت به السنة ويقال ما عداه لا ينتفع به الميت ومنهم من قال إن القضايا التي جاءت بها السنة قضايا أعيان يعني وقع الأمر هكذا فسئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأجازه ولم يمنع ما سواه فيقاس عليه ما عداه وهذا أقرب إلى الصواب لأنه ما يدرينا لو وقع هذا الشيء أيمنعه الرسول عليه الصلاة والسلام أم لا يمنعه فالصواب أنه جائز ولكن الصواب أنه ليس من هدي السلف أن الإنسان يكثر من هذا الشيء ثم ينسى نفسه كما هو الواقع عند كثير من الناس الآن بل يقال استرشد بما أرشدك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إليه حيث قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فالنبي عليه الصلاة والسلام أرشدك إلى الدعوة للميت وهذه أفضل من الصدقة له أو التسبيح له أو الصلاة أو الصوم أو العمرة وهذا أصح وهو أن يقال إهداء القرب للأموات نافع لكنه ليس بمشروع ولا مطلوب من الإنسان ولا مرغب فيه بل الدعاء أفضل حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام لما سئل هل بقي من بر والدي بعد موتهما لم يذكر العمل لهما إطلاقاً بل قال الاستغفار لهما والصلاة عليهما يعني الدعاء وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا صلة لك إلا بهما ولم يذكر الصدقة ولم يذكر الصوم ولا الحج ولا غيرها مما يدل على أن العبادات تختص بالفاعل وأما الدعاء فبابه واسع كل المسلمين يدعو بعضهم لبعض السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين هذا يشمل كل صالح ميتاً كان أم حياً.