تعليقات
ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة كتاب الزكاة
القارئ: وهي أحد أركان الإسلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام
على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة
وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت) متفق عليه.
الشيخ: الأمر كما قال المؤلف رحمه الله إن الزكاة هي أحد أركان الاسلام
للحديث وإذا تأملت هذه الأركان وجدتها إما بذل محبوب أو كفٌ عن محبوب أو
صبرٌ على عمل فالصلاة صبر على عمل لأن لها شروطاً وأركاناً تحتاج إلى نوعٍ
من المشقة والزكاة بذل محبوب لأن المال محبوب للإنسان لقوله تعالى:
(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) ولقوله: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ
حُبّاً جَمّاً) وكم من إنسان لا يهمه أن يتعب في بدنه لكن يشق عليه أن يذهب
درهمٌ من ماله وثالث كف عن محبوب وذلك في الصوم فإن الإنسان يكف نفسه عما
يشتهيه من أكل وشرب ونكاح من أجل أن يتم التكليف ويُعلم أن الإنسان إنما
يمتثل طاعة لله عز وجل لا لهوى في نفسه لأن الكثير من الناس لا يهمه أن
يصوم لكن يهمه أن يبذل قرشاً واحداً من ماله وبعض الناس بالعكس فلهذا جعل
الله عز وجل هذه الأركان العظيمة مبنيةً على هذه الأمور الثلاثة وهي صبر
على عمل أو بذل عن محبوب أو كف عن محبوب
القارئ: وتجب على الفور فلا يجوز تأخيرها مع القدرة على أدائها لأنها حق
يصرف إلى أدمي توجهت المطالبة به فلا يجوز تأخيرها كالوديعة.
الشيخ: يجب أن تؤدى على الفور متى ثبت الوجوب فإنه لا يجوز تأخير أدائها
والتعليل الذي ذكره المؤلف لأنه حق لأدمي توجهت المطالبة به فيجب أداؤه
كالوديعة، ولأنها دين في الواقع دين على الإنسان فيجب أن يبادر به، ولأن
الإنسان لا يدري ماذا يعرض له؟ قد يتلف المال وتبقي الزكاة في ذمته وقد
يموت وتبقى في ذمته ويتهاون الورثة بأدائها فلهذا كان لابد من أن يبادر
بدفعها.
القارئ: ومن جحد وجوبها لجهله ومثله يجهل
ذلك كحديث عهد بالإسلام عُرِّف ذلك ولا يحكم بكفره لأنه معذور وإن كان ممن
لا يجهل مثله ذلك كفر وحكمه حكم المرتد لأن وجوب الزكاة معلوم ضرورة فمن
أنكرهها كذب الله ورسوله، وإن منعها معتقداً وجوبها أخذها الإمام منه
وعزَّره فإن قدر عليه دون ماله استتابه ثلاثاً فإن تاب وأخرج وإلا قتل
وأخذت من تركته وإن لم يمكن أخذها إلا بالقتال قاتله الإمام لأن أبا بكر
الصديق رضي الله عنه قال (لو
منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول لله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم
عليها) رواه البخاري وتابعه الصحابة على ذلك فكان إجماعا.
الشيخ: تبين بهذه الجملة أن من جحد وجوب
الزكاة نظرنا إن كان مثله يجهله عُرِّف بذلك حتى يعلم أنه واجب ثم إن أصر
على إنكاره عومل معاملة من يعلم ذلك وإن كان ممن عاش في الإسلام وعلم وجوب
الزكاة ولكنه أنكرها فإنه يكفر كُفرَ ردة والعياذ بالله ويقتل وإن أداها
حتى لو أدى الزكاة وأكثر من الزكاة ولكنه قال إنها صدقة وليست واجبة فإنه
يكون كافراً مرتداً يقتل ولكن إذا أقر بالوجوب وامتنع عن أدائها فكما قال
المؤلف رحمه الله يأخذها الإمام منه ويعزره فلا يكفي مجرد الأخذ بل لا بد
من التعزير والتعزير يكون بما يراه الإمام حيث يردعه وأمثاله وقيل إن
التعزير أن يؤخذ شطر ماله بناء على حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال
(فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا) ثم شطر المال هل المراد المال
الذي فيه الزكاة وامتنع من أدائها أو جميع ماله الأول أظهر أي نأخذ شطر
ماله الذي فيه الزكاة فإذا امتنع من زكاته وماله عروض أخذنا منه النصف
بدلاً من ربع العشر تعزيراً له لكن لو رأى الإمام أن يأخذ شطر ماله كله حتى
ما يؤدي زكاته مبالغة في التعزير ورأى أن ذلك أصلح للأمة فلا حرج فإن قدر
عليه دون ماله يعنى الرجل موجود لكن المال ما يقدر عليه يقول المؤلف يستتاب
ثلاثاً فإن تاب وأخرج وإلا قتل وإذا امتنع قوم من أدائها فإنهم يقاتلون
لفعل أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولكن إذا قتل هل يقتل رده أو يقتل
تعزيراً؟ الثاني، لأن الصحيح أنه لا أحد يكفر بترك شيء من أركان الإسلام
سوى الشهادتين والصلاة لكنه يقتل من باب التعزير.
السائل: لماذا سمي مانعو الزكاة بالمرتدين إن كان القتل تعزيراً؟
الشيخ: قتلهم لأنهم ارتدوا وقالوا إن هذه جزية ولم يقروا بوجوبها.
القارئ: وإن كتم ماله حتى لا تؤخذ زكاته
أخذت منه وعزِّر وفي جميع ذلك يأخذها الإمام من غير زيادة بدليل أن العرب
منعت الزكاة فلم ينقل أنها أخذ منهم زيادة عليها وقال أبو بكر يؤخذ معها
شطر ماله بدليل ما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه كان يقول (في كل سائمة في كل أربعين بنت لبون من أعطاها مؤتجراً
فله أجرها ومن أبى فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا) رواه أبو
داود وقال أحمد وهو عندي صالح.
وهل يكفر من قاتل الإمام على الزكاة؟ فيه روايتان إحداهما يكفر لقول الله
لقول الله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا
الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) (التوبة: من الآية11) دل هذا على
أنه لا يكونون إخواناً في الدين إلا بأدائها ولأن الصديق رضي الله عنه قال
لمانعي الزكاة (لا حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار)
والثانية لا يكفر لأن الصحابة رضي الله عنهم امتنعوا من قتالهم ابتداءً
فيدل على أنهم لم يعتقدوا كفرهم ثم اتفقوا على القتال وبقي الكفر على
الأصل.
الشيخ: على الأصل يعنى على عدم الكفر لكن المرتدين في عهد أبي بكر رضي الله
عنه منهم من قال إننا لا نسلم الزكاة لأنها جزية أو أخذت الجزية فامتنعوا
فهؤلاء يقاتلون قتل المرتد لأنهم جحدوا وجوبها وأما من جحدها بخلاً أو قال
إننا لا نسلمها إلا للرسول عليه الصلاة والسلام ولا نسلمه لمن بعده فهؤلاء
لايقتلون كفراً ولكنهم يقاتلون ويقتلون حتى يستسلموا.
فصل
القارئ: ولا تجب إلا بشروط أربعة الإسلام فلا تجب على كافر أصلياً كان أو
مرتدا لأنها من فروع الإسلام فلا تجب على كافر كالصيام.
الشيخ: لو أن المؤلف رحمه الله استدل بحديث
معاذ لكان أحسن لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرْ أن يدعو أهل اليمن
إلى الزكاة إلا بعد أن يستجيبوا للتوحيد ثم للصلاة فإن قال قائل وهل يأثم
الكافر إذا لم يزكِّ؟ قلنا نعم يأثم لقوله تعالى عنهم: (لَمْ نَكُ مِنَ
الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) وأعظم ما يطعم المسكين
هو الزكاة فدل ذلك على أنهم يعاقبون عليها وهذا هو القول الراجح أن الكفار
يعاقبون على سائرِ فروع الإسلام كما يعاقبون على أصله وأن من امتنع من
الزكاة مع الإقرار بوجوبها فإنه لا يكفر لقول صلى الله عليه وسلم في الحديث
الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة فيمن آتاه الله مالاً فلم
يؤدِّ زكاته (إنه إذا كان يوم القيامة صُفِّح له صفائح من نار وأحمي عليها
في نار جهنم فيكوي بها جنبه وجبينه وظهره كل ما بردت أعيدت في يوم كان
مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما
إلى النار) وهذا صريح أنه ليس بكافر إذ لو كان كافراً ما رأى سبيله إلى
الجنة وعلى هذا فيكون المفهوم من هذه الآية (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا
الصَّلاةَ) (التوبة: من الآية11) خص من الزكاة.
السائل: بارك الله فيكم هل إذا امتنع قوم مثلاً من الزكاة ولم يردعهم أخذ
شطر مالهم هل للإمام إذا رأى مصلحة أن يقتلهم يعنى أن يصل حد التعذيب إلى
القتل؟
الشيخ: نعم إذا كانوا أفراداً يقتلهم.
السائل: ما معنى قول أبي بكر رضي الله عنه والله لأقاتلنَّ من فرَّق بين
الصلاة والزكاة؟
الشيخ: المعنى أنهم إذا كانوا يقاتلون على ترك الصلاة فلنقاتلهم على ترك
الزكاة.
القارئ: والشرط الثاني الحرية فلا تجب على
عبد فإن ملكه سيده مالا وقلنا لا يملك فزكاته على سيده لأنه مالكه وإن قلنا
يملك فلا زكاة في المال لأن سيده لا يملكه وملك العبد ضعيف لا يحتمل
المواساة بدليل أنه لا يعتق عليه أقاربه إذا ملكهم ولا تجب عليه نفقة قريبه
والزكاة إنما تجب بطريق المواساة فلا تجب على مكاتب لأنه عبد وملكه غير تام
لما ذكرنا.
الشيخ: هذه المسألة اشتراط الحرية وضدها الرق فالرقيق لا زكاة عليه
والتعليل الصحيح أنه لا يملك وأن زكاة ما في يده على سيده ودليل ذلك قول
النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلا أن
يشترطه المبتاع) فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم أن ماله للذي باعه ما لم
يشترطه المبتاع وهذا لا ينبغي أن يعدل به قول أي إنسان من الناس إذا كان
الرسول عليه الصلاة والسلام قال (فماله للذي باعه) فلا حاجة إلى أن يذكر
قول آخر في المسألة ونقول إنه لا يملك بالتمليك بلا إشكال.
ولكن لو ملَّكه سيده فهل يملك؟ الظاهر أنه لا يملك وأن تمليك سيده له من
باب الإباحة فقط وليس من باب التمليك وهذا هو المذهب لأن الذين يقولون
بالفرق بين تمليك سيده وتمليك غيره يقولون إذا ملَّكه غيره فمعلوم أنه
سينصرف إلى ملك سيده وإذا ملَّكه السيد فقد رضي أن يخرج جزءاً من ماله لهذا
العبد ولكني أقول حتى وإن أخرج فإنما هو إباحة وليس بتمليك لأن النبي صلى
الله عليه وسلم قال (ماله للذي باعه) فالصواب أن العبد لا يملك لا بتمليك
سيده ولا بتمليك غيره وبناء على ذلك يكون المال الذي بيده زكاته على سيده.
وأما المكاتب فهو ليس بقنٍّ لأن المكاتب
يملك شيئاً من منافعه إذ إنه يملك التصرف في ماله يبيع ويشترى من أجل أن
يوفي سيده فهل نقول إنه لا زكاة عليه لأنه إلى الآن لم يتحرر (فالمكاتب عبد
ما بقي عليه درهم) أو نقول لما كان له التصرف في ماله بدون مراجعة السيد
صار كالمالك فتجب عليه الزكاة ثم إن قدر أن يرجع إلى الرق صارت الزكاة على
السيد بعد رجوعه إلى الرق ولعل هذا أقرب أن يقال إن المال الذي بيد المكاتب
يلزم المكاتب بدفع زكاته دون الرجوع إلى سيده ثم إذا قُدِّر أنه عجز أن
يوفي وعاد هو وماله للسيد وجب على السيد أن يزكى هذا المال يبتدئ به حولاً.
القارئ: فإن عتق وبقي في يده نصاباً استقبل به حولا.
الشيخ: يعني عتقه وبقي في يده نصاباً يعنى بقي المال نصاباً وأحسبُ أن تكون
بالرفع وبقي في يده نصابٌ استقبل به حولاً، من الذي يستقبل؟ المكاتب لأنه
قبل ذلك ليس بمالك قبل هذا ليس بمالك فمثلاً إذا اتجر هذا المكاتب وفي خلال
السنة وجد ما يوفي السيد به فأوفاه وقد مضي ثمانية أشهر من السنة فأوفى
السيد وبقي معه ما يبلغ النصاب فزائداً فهل نقول إذا تمت السنة عليك أن
تزكي هذا الذي بقي في يدك؟ يقول المؤلف لا بل يستقبل به حولاً فتلغى الأشهر
الثمانية التي كانت قبل أن يعتق وعلى ما اخترناه في هذه المسألة نقول يبني
على ما سبق فإذا تم الحول من ملكه إياه وجب عليه زكاته.
القارئ: وإن عجز استقبل سيده بماله حولا لأنه يملكه حينئذ وما قبض من نجوم
مكاتبه استقبل به حولاً لذلك.
الشيخ: لماذا لا نقول إنها كجملة الديون؟ لأنه من الجائز أن العبد لا يوفي
إذ إنه إذا عجز ولم يوفِ لم يبقَ في ذمته شيء للسيد فهو كالدين الذي على
معسر أومماطل.
السائل: ألم يتخلف فيه شرط الاستقرار؟
الشيخ: نعم لكن لما عتق تبين استقراره.
السائل: قبل الأجل؟
الشيخ: قبل الأجل نعم لكن إذا ثبت الأمر الواقع تجب الزكاة.
القارئ: وإن ملك المعتق بعضه بجزئه الحر
نصابا لزمته زكاته لأنه يملك ذلك ملكاً تاماً فأشبه الحر.
الشيخ: المعتق بعضه يعني أن بعضه حر وبعضه رقيق لكن هل يتصور هذا يعني عبد
بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه والثاني باقٍ على ملكه وهو لا يستطيع أن يضمن
قيمة ما أعتقه فهذا المعتق لا يستطيع أن يضمن قيمة ما لم يعتقه شريكه فهنا
يبقى العبد مبعضاً ثم هل يستسعى فيقال اسعَ من أجل أن توفي حتى تعتق كلك؟
في هذه المسألة خلاف والصحيح أنه يستسعى لكن إذا استسعي فعجز بقي مبعضاً.
القارئ: والشرط الثالث تمام الملك فلا تجب الزكاة في الدين على المكاتب
لنقصان الملك فيه فإن له أن يعجز نفسه ويمتنع عن أدائه ولا في السائمة
الموقوفة لأن الملك لا يثبت فيها في وجه وفي وجه يثبت ناقصا لا يتمكن من
التصرف فيها بأنواع التصرفات وروى مهنا عن أحمد فيمن وقف أرضاً أو غنماً في
السبيل فلا زكاة عليه ولا عشر هذا في السبيل إنما يكون ذلك إذا جعله في
قرابته وهذا يدل على إيجاب الزكاة فيه إذا كان لمعين لعموم قوله عليه
الصلاة والسلام (في كل أربعين شاة شاة).
الشيخ: والصحيح أنها لا تجب الزكاة في الموقف سواء كان على معين أم على
سبيل العموم وذلك لأن الموقف عليه المعين لا يملك الوقف ملكاً تاماً إذ لا
يملك التصرف فيه ببيع ولا شراء ولا هبة كذلك لو مات لم يورث عنه فملكه ناقص
المهم أن هذا الشرط الثالث تمام الملك.
القارئ: ولا تجب في حصة المضارب من الربح قبل القسمة لأنه لا يملكها على
رواية وعلى رواية يملكها ملكاً ناقصاً غير مستقر لأنها وقاية لرأس المال
ولا يختص المضارب بنمائها واختار أبو الخطاب أنها (جائزة) في حول الزكاة.
لثبت الملك فيها.
الشيخ: (جارية) نسخة ثانية لأن جائزة مثل
جارية أو قريبة منها في المعنى، المضارب له نصيب من الربح والمضارب الذي هو
رب المال له أصل المال ونصيبه من الربح فمثلاً إذا أعطيت رجلاً عشرة آلاف
ريال مضاربة وعند تمام الحول صارت خمسة عشر ألف ريال رأس المال عشرة وهذا
فيه الزكاة لا إشكال فيه وخمسة آلاف الربح لرب المال منها ألفان وخمسمائة
وللمضارب ألفان وخمسمائة تجب الزكاة في نصيب رب المال لأنها نما أصل ثابت
أما نصيب المضارب وهو ألفان ونصف فإنها لا تجب فيها الزكاة لماذا؟ قالوا
لأن ملكه ليس بتام إذ لو فرض أن هذا المال الذي فيه المضاربة نقص عن رأس
المال بل لو كان على قدر رأس المال لم ينقص ولم يزد فإن هذا المضارب لا شيء
له فيكون ملكه مزعزعاً ليس مستقراً ثم على فرض أن يقال مادام الحول قد تم
وعنده هذا المال فلماذا لا نوجب الزكاة عليه لأنه تم الحول فيقال إن نصيب
المضارب ليس على أصل حتى يكون تابعاً له بخلاف نصيب رب المال المضارب فإنه
تابع لأصله الذي هو رأس المال وهو ثابت من أول الحول.
الآن هذا رجل مثلاً أعطى رجلاً عشرة آلاف
ريال مضاربة وعند تمام الحول صارت خمسة عشر ألفاً ربحت خمسة آلاف اثنان
ونصف لرب المال واثنان ونصف للمضارب حصة المضارب ليس فيها شي لماذا؟ لأنه
لو قدر أن هذا المضارب الذي عمل كل هذه السنة لم يحصل على ربح لم يكن له
شيء فربحه هذا الحاصل وقاية لرأس المال ولذلك لو فرضنا أن في أثناء السنة
بلغت العشرة آلاف خمسة عشر ألفاً وفي آخر السنة رجعت إلى عشرة أين نصيب
المضارب؟ لا شيء إذاً فملكه غير تام فلا تجب فيه الزكاة يورد علينا مورد
يقول إذاً ربح رب المال أيضاً عرضة للخسارة أليس كذلك؟ فلماذا أوجبتم
الزكاة فيه قلنا لأنه مبني على أصل تجب فيه الزكاة ثابت فلهذا أوجبناها في
حصة رب المال لأن هذا نما ملكه دون المضارب لأنه لم يبن على أصل ثابت ولهذا
لو فرضنا أن الرجل تكسب بماله وربح في عشرة آلاف ألفين ونصف هل تجب عليه
الزكاة في ألفين ونصف؟ نعم تجب فهذا هو الفرق إذاً حصة المضارب ليس فيها
زكاة فإن قسمت يعنى قبل تمام الحول بيوم قسم الربح وقيل يا رب المال خذ
ألفين ونصف ويا أيها المضارب خذ ألفين ونصف حينئذٍ تجب الزكاة لماذا؟ لأنه
الآن لا يمكن أن يكون وقاية لرأس المال لأن المضارب ملكه ملكاً تاماً.
السائل: بارك الله فيك في ألفين ونصف التي لصاحب رأس المال هل تجب فيها
الزكاة إذا بلغت النصاب ومر عليه حول جديد؟
الشيخ: لا هي تبع الأول أنا أعطيك فائدة نتاج السائمة وربح التجارة تابع
للأصل يعنى مثلاً إنسان عنده أربعين شاة وعند منتصف الحول صارت ثمانين وعند
تمام الحول صارت مائة وواحداً وعشرين تجب الزكاة لماذا؟ لأن حول النماء
والنتاج حول أصله والدليل عموم الأدلة فالرسول صلى الله عليه وسلم ما كان
إذا أرسل السعاة يقول اسألوهم هل هذا النماء جديد أو قديم؟ فيأخذ من
الموجود ولو كان هناك اختلاف لسأل وقال هل هذا النتاج تم عليه الحول أو لا؟
السائل: وإذا كان عنده عروض التجارة كمحل
مثلاً يقيم ما فيه ولا يحتاج إلى نظر إلى رأس ماله أصله؟
الشيخ: وهو كذلك عروض التجارة إذا تم الحول قوّم ما عندك مما تجب فيه
الزكاة سواء زاد عن رأس المال أو نقص
السائل: إذا قسم المال قبل العام بيوم نقول يجب على المضارب في ماله الزكاة
كيف تجب الزكاة وهو لم يتم على تمام الملك إلا يوم واحد؟
الشيخ: أي هذا السؤال جيد ولهذا لا يبعد أن يكون هناك قول بأنه يبتديء
الحول من جديد لكن هم يقولون لما كان أصله موجوداً والآن زال المحظور الذي
هو وقاية رأس المال فوجبت عليه الزكاة.
السائل: وإذا لم يمر على هذا المال إلا ستة أشهر لأنه من الربح؟
الشيخ: صحيح لكنه هو صار تبعاً هو من الربح لكن ليس هبة مجردة إنما هي نماء
لشيء سابق تم له سنة.
القارئ: وفي المغصوب والضال والدين على من لايمكن استفاؤه منه لإعسار أو
جحدٍ أو مطل روايتان إحداهما لا زكاة فيه لأنه خارج عن يده وتصرفه أشبه دين
الكتابة ولأنه غير تامٍ فأشبه الحلي والثانية فيه الزكاة لأن الملك فيه
مستقر ويملك المطالبة به فوجبت الزكاة فيه كالدين على مليء ولا خلاف في
وجوب الزكاة في الدين الممكن استيفاؤه ولا يلزمه الإخراج حتى يقبضه فيؤدي
لما مضي لأن الزكاة مواساة وليس من المواساة إخراج زكاة ما لم يقبضه.
الشيخ: هذه مسألة زكاة الديون على الغير هل
هي واجبة أو لا؟ نقول الديون إما أن تكون على من يمكن استيفاؤه منه شرعاً
وعادةً فهذا كالموجود في الصندوق وإما أن يكون على من لا يمكن الاستيفاء
منه شرعاً أوعادة فهذا الذي فيه الخلاف، فالأول كما لو كان للإنسان على شخص
عشرة ألف ريال هذا الشخص يقول أنا مستعد متى شئت أعطيتك لكن صاحب الدين رجل
طيب لا يحب أن يقول لأحد أعطني ماعندك لي فهذا فيه الزكاة لأن إبقاءه في
ذمة الرجل باختياره وإرادته فكأنه في صندوقه ولكن لا يلزمه إخراج الزكاة
حتى يقبضه فإذا قبضه زكاه لما مضى فلو قدر أنه بقي في ذمة المدين خمس سنوات
فقبضه يؤديه خمس سنوات وهل يخصم منه قدر زكاته؟ الجواب لا لأنه أبقاه
باختياره أما إذا كان على من لا يمكن مطالبته شرعاً أو عادة أو كان جاحداً
أو مماطلاً ففيه روايتان عن الإمام أحمد وهما قولان في المذهب فالمذهب أن
الزكاة فيه واجبة تجب ولكن لا يلزمه أداؤها حتى يقبضه فيزكي لما مضى ولو
بقي عشر سنوات.
والقول الثاني أنه لا زكاة عليه في ذلك لأن
المال ليس بيده ولا يمكنه أن يطالب به وإذا طالب فقد عجز وهذا القول هو
الصحيح لأننا سواء قلنا إن الزكاة مواساة وهذا لا تحتمله المواساة أو قلنا
إن الزكاة عبادة فيقال هذا مال لم يقدر عليه فلا زكاة عليه فيه ولكن هل
يلزمه إذا قبضه أن يزكي في الحال لسنة واحدة أو يستأنف فيه حولاً جديداً؟
في ذلك خلاف منهم من يقول إنه يستأنف به حولاً جديداً لأنه قبل ذلك كان في
حكم المعدوم فكأنه ملكه الآن فيستأنف به حولاً جديداً ومنهم من قال بل
يزكيه لسنة واحدة قياساً على الثمرة التي قال الله فيها: (وَآتُوا حَقَّهُ
يَوْمَ حَصَادِهِ) وهذا ليس كالذي استجد ملكه فيه لأن الذي استجد ملكه فيه
لم يملكه لا حقيقةً ولا حكماً أما هذا فهو ملكه حكماً فلهذا لو مات فإنه
يورث من بعده وهذا أقرب إلى الصواب أنه يزكيه لسنة واحدة ولو بقي في ذمة
المدين عشر سنوات ثم يدخله في ماله فصار الآن الحكم في زكاة الدين نقول
أولاً إذا كان الدين على من لا تمكن مطالبته أو على من يعجز عن استخراجه
منه شرعاً أو عادة ففيه قولان للعلماء الأول وجوب الزكاة فيه والثاني عدم
الوجوب وعلى القول الأول لا يلزم الإخراج حتى يقبضه ولكن الصحيح أنه لا
زكاة عليه فيه وأنه إذا قبضه زكّاه لسنة واحدة ثم أدخله في ملكه أما إذا
كان على موسر يمكن أن يطالب ولو قال أعطني أعطاه بسهولة فالصحيح بل هو قول
واحد أنه يلزمه زكاته لكن لا يلزمه إلا إذا قبضه.
السائل: قول المؤلف لو أنه غير تام لأشبه الحلي، التشبيه هذا ما وجهه؟
الشيخ: وجه ذلك أن الحلي على القول بأنه لا
زكاة فيه يقول لأنه هذا ليس متمحضاً للثمنية بل هو مستعمل فملكه فيه غير
تام لكن هذا غير صحيح يعنى أن هذا القياس غير صحيح أولاً لأن ملك الإنسان
للحلي ملك تام لا شك فيه لكن نقله الاستعمال إلى حكم الأشياء المستعملة هذا
على القول بعدم الوجوب وأما إذا قلنا بالوجوب فإن القياس لا يصح إطلاقاً.
السائل: ما تفسير العجز عجز العادة وعجز الشرع؟
الشيخ: نعم العجز العادي أن يكون من عليه الدين لا تمكن مطالبته إما
لقرابته كالأب وإما لسلطانه وإما لمماطلته وتغيبه وما أشبه ذلك والشرعي أن
يكون حاضراً وفياً لكن ليس عنده شيء.
القارئ: وظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أنه لا فرق بين الحال والمؤجل لأن
المؤجل مملوك له تصح الحوالة به والبراءة منه.
الشيخ: هذا هو الحق أنه لا فرق بين الحال والمؤجل لأن المؤجل إنما أجله
صاحبه باختياره والغالب أن المؤجل لابد أن يكون فيه زيادة يعنى إذا بيعت
السلعة الآن نقداً بعشرة فالغالب أنك إذا بعت بمؤجل ستبيعه بأكثر فيكون
التأجيل فيه مصلحة لك فالصواب أن الدين المؤجل كالدين الحال ولا فرق وهذا
هو ظاهر كلام الإمام أحمد وأما قول بعض الناس في المؤجل أنا لا أزكي إلا
رأس المال فإن هذا غلط يعنى بعض الناس الآن يبيع البيت الذي يساوي مائة
نقداً بمئتين إلى سنتين مثلاً يقول أنا لا أزكي إلا مائة هذا غلط لأنك أنت
الذي أجلت وأنت الذي أخذت الربح فيجب عليك أن تزكي الجميع.
السائل: بارك الله فيك الدين الذي يؤخذ أقساط كيف يزكى إذا كان على
الشيخ: كلما قبض شيئاً زكاه، المليء جائز أنه يفتقر وجائز أن يماطل أو ينسى
ويجحد.
السائل: أحسن الله إليك ما المقصود بقوله (لاخلاف)؟
الشيخ: لما ذكر القولين في الأول قال لا خلاف يعنى أن القولين متفقان في
هذا القول يعنى لا خلاف في هذا أما على كون إجماعاً فالله أعلم.
السائل: هل المراد بالحلي إذا كانت على مدين؟
الشيخ: لا ليس هو مراده الحلي على مدين بل
مراده الحلي الذي يُلبس.
القاريء: ولو أجر داره سنين بأجرة ملكها من حين العقد وجرت في حول الزكاة
وحكمها حكم الدين.
الشيخ: هذه أيضاً مسألة تقع كثيراً إذا أجر داره سنين بأجرة يقول إنه
يملكها من حين العقد وعلى هذا فيكون حكمها حكم الدين لكن في النفس من هذا
شيء لأن الأجرة تملك شيئاً فشيئاً ولهذا لو تلفت العين المؤجرة انفسخت
الإجارة ولم يملك فالظاهر أن يقال إن الأجرة إذا تمت المدة حينئذٍ ملكها
ملكاً تاماً وإذا لم تتم المدة فإنه إنما يملكها شيئاً فشيئاً فإذا أجر
بيته لمدة سنة وأوفاه صاحب البيت عند تمام السنة فعلى كلام المؤلف يجب
إخراج الزكاة فوراً لأنها تم لها سنة من حين العقد وعلى القول الثاني لا
يلزمه لأنه لم يستقر إلا بعد تمام المدة وعلى هذا القول يستأنف فيها حولاً
جديداً لكن شيخ الإسلام رحمه الله ذهب مذهباً آخر وقال إن قبض الأجرة
بمنزلة الثمرة فمتى قبض الأجرة وجب عليه الزكاة وإن لم يتم حولها وهذا
القول أقرب إلى الصواب وأسلم من الحسابات والشك فلو قيل بأنه إذا قبض
الأجرة زكاها فوراً ثم أدخلها في ماله لكان هذا أقرب إلى الصواب وأقرب إلى
الضبط أيضاً فالأقوال إذاً ثلاثة:
الأول أنه يزكيه من حين العقد فإذا قبضه عند رأس الحول زكاه فوراً.
والثاني أنه لا يلزمه حتى يتم لها حول من استيفائها لأنه قبل ذلك عرضة
للانفساخ أوغير ذلك.
والثالث أنه إذا قبضها زكاها فوراً كزكاة الثمرة لأن حقيقة الأمر أن الأجرة
بالنسبة للعقار ثمرة هذا هو الحقيقة فقول الشيخ رحمه الله هو أقرب الأقوال
الثلاثة
السائل: ما الفرق بين الأقوال؟
الشيخ: الفرق أنه إذا كانت المدة نصف سنة مثلاً نصف سنة وقبض الأجرة فعلى
المذهب لا زكاة فيها لأنه لم يتم لها حول وعلى ما اختاره الشيخ تجب الزكاة
كذلك لو قبضه بعد سنتين فعلى المذهب يزكي لسنتين وعند الشيخ لسنة واحدة سنة
القبض.
السائل: المستأجر يمكن يذهب إلى البيت
فيرجع عن الإجارة فما تم الملك؟
الشيخ: لا إذا قبض الأجرة بعد تمام المدة يعنى بعد استيفاء المنفعة ليست
أجرة مقدمة لأن الأجرة المقدمة عرضة للسقوط.
السائل: إذاً لابد أن ينتهي الحول؟
الشيخ: لا فالحول أو ستة أشهر أو شهر واحد ليس بلازم على ما اختاره الشيخ
أن يتم الحول.
القارئ: وحكم الصداق على الزوج حكم الدين على الموسر والمعسر لأنه دين
وسواء في هذا قبل الدخول وبعده لأنها مالكة لها.
الشيخ: فيه احتمال أنه يسقط المهر فيما لو تبين به عيب قبل الدخول سقط
المهر أو إذا طلق قبل الدخول يسقط النصف لكن يقولون إن الأصل عدم عدم
السقوط.
القارئ: فإن أسر رب المال وحيل بينه وبين ماله أو نسي المودِع لمن أودع
ماله فعليه فيه الزكاة لأن تصرفه في ماله نافذ ولهذا لو باع الأسير ماله أو
وهبه صح.
الشيخ: المسألة فيها خلاف فمن العلماء من يقول إنه إذا نسي المال وبقي على
ذلك سنوات ثم ذكر فإنه ليس عليه زكاة في المدة التي كان ناسياً فيها وهذا
هو الصحيح لأنها قد حيل بينه وبين ماله بالنسيان أما إذا حبس هو عن المال
فهذا محل نظر لأن العلة هنا ليست في المال ولكن في صاحب المال فقد يقال
بوجوب الزكاة عليه لأنه يملك التصرف فيه يملك أن يبيعه ولو كان محبوساً عنه
ويملك أن يهبه وقد يقال إنه لا زكاة عليه لأنه كالذي حيل بينه وبين ماله
لكن الاحتياط أن يزكي.
القارئ: وإذا حصل الضال في يد الملتقط فهو في حول التعريف على ما ذكرناه
وفيما بعده يملكه الملتقط فزكاته عليه دون ربه ويحتمل أن لا تلزمه زكاته
ذكره ابن عقيل لأن ملكه غير مستقر إذ لمالكه انتزعه منه عند مجيئه والأول
أصح لأن الزكاة تجب في الصداق قبل الدخول وفي المال الموهوب للابن مع جواز
الاسترجاع.
الشيخ: وبناءاً على ذلك فلو أن إنساناً وجد
دراهم وعرفها سنة كاملة ولم يأتِ صاحبها فبعد تمام السنة تكون للواجد
للملتقط من حين تمام الحول حول التعريف يبتدئ حول الزكاة ونماؤها بعد ذلك
لمن بعد تمام الحول حول التعريف للواجد فنقول أنت الآن لك نماؤها فعليك
زكاتها وأما نماؤها قبل ذلك فهو لصاحبها فإذا جاء صاحبها بعد تمام الحول
وبعد أن تصرف وباع واشترى فيها ونمت فله من ماله ما تم عليه الحول فلو كانت
اللقطة أصلها مائة وعند تمام الحول صارت مائتين وعند وجود صاحبها صارت
ثلاثمائة كم يأخذ صاحبها؟
يأخذ مئتين وأما المئة الثالثة التي صارت بعد تمام السنة أي سنة التعريف
فهي للواجد والظاهر أن ما ذكره المؤلف أصح وذلك لأن النظير الذي ذكره واضح
فيه فالزكاة تجب في الصداق على المرأه قبل الدخول مع أنه عرضة للسقوط كله
أو بعضه وكذلك المال الموهوب للابن يجب على الابن أن يزكيه مع أن أباه يمكن
أن يرجع فيه لأن للأب أن يرجع فيما وهبه لابنه ومع ذلك تجب فيه الزكاة.
القارئ: فإن أبرت المرأه زوجها من صداقها عليه أو أبرأ الغريم غريمه من
دينه ففيها روايتان إحداهما على المبريء زكاة ما مضى لأنه تصرف فيه أشبه ما
لو أحال به أو قبضه والثانية زكاته على المدين لأنه ملك ما ملك عليه قبل
قبضه منه فكأنه لم يزل ملكه عنه ويحتمل أن لا تجب الزكاة على واحد منهما
لأن المبريء لم يقبض شيئا ولا تجب الزكاة على رب الدين قبل قبضه والمدين لم
يملك شيئا لأن من أسقط عنه شيئاً لم يملكه بذلك فأما ما سقط من الصداق قبل
قبضه بطلاق الزوج فلا زكاة فيه لأنها لم تقبضه ولم يسقط بتصرفها فيها بخلاف
التي قبلها وإن سقط لفسخها النكاح احتمل أن يكون كذلك لأنها لم تتصرف فيه
واحتمل أن يكون كالموهوب لأن سقوطه بسبب من جهتها.
الشيخ: هذه مسائل مهمة المسألة الأول إذا
أبرأ الإنسان غريمه من دينه فهل تجب عليه الزكاة أي على المبريء أو على
المبرأ أو لا تجب على واحد منهما؟ في المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول أنها تجب على المبريء لأن الإبراء كالقبض ومعلوم أن الرجل إذا
قبض دينه وجب عليه زكاته.
والقول الثاني لا تجب لأن الرجل لم يملك شيئاً حتى نقول إنه تجب عليه
الزكاة لكن تجب على المبرأ حتى لو فرض أنه كان فقيراً فإنها تجب عليه لأنه
يكون كالدين.
والقول الثالث الاحتمال الذي ذكره المؤلف أنها لا تجب على واحد منهما أما
رب المال فلأنه لم يملكه ولم يقبضه وأما المدين فإنه كذلك لم يملكه فلا
زكاة عليه فيه ولكن يبتدئ فيه حولاً وما ذكره المؤلف احتمالاً هو الأقرب
أنها لا تجب لا على رب المال لأنه لم يقبضه ولا على المدين لأنه لم يملكه
وعلى هذا فيبتدئ به المدين حولاً جديداً.
المسألة الثانية يقول رحمه الله فأما ما سقط من الصداق قبل قبضه بطلاق
الزوج فلا زكاة فيه لأنها لم تقبضه فلم يسقط بتصرفها فيه بخلاف التي قبلها
يعنى كأن مورداً أورد أليس المرأه إذا تنصف صداقها قبل الدخول فإنه لا زكاة
عليها في النصف الذي عاد للزوج أجاب بأن هناك فرقاً بين هذا وبين الإبراء
لأن سقوط الدين عن المدين بالإبراء إنما سقط بفعل المبريء وأما سقوط نصف
الصداق فإنه لم يسقط بفعل المرأه وإنما سقط بفعل الزوج لأن الزوج إذا طلق
قبل الدخول صار للمرأه نصف الصداق فقط فإن سقط كله مثل أن يسلم الرجل قبل
الدخول فإنه ينفسخ النكاح على المشهور من المذهب وحينئذٍ يسقط المهر لأن
الفرقه هنا من قبل الزوجة فالزوج هو الذي أسلم وفيه رأى آخر يمر علينا إن
شاء الله تعالى وبناء على ذلك هل تجب عليها الزكاة أم لا؟ نقول لا تجب
لأنها لم تملكه ملكاً تاماً اللهم إلا أن يبقى حولاً كاملاً فيجب عليها
الزكاة في هذا الحول.
السائل: إذا أبراءت المرأة زوجها من صداقها فما الحكم؟
الشيخ: هي كالمدين.
السائل: يا شيخ بالنسبة للقطة المال لم أتصور يعني نماؤها كيف وهو لا يجوز
له أن يتصرف فيه إلا على سبيل التعريف فقط يعنى كيف إذا مر عليه سنة حول
كامل فنماؤها لصاحبها كيف يتصرف فيها حتى ينمو في التجارة لا يجوز له أن
يعنى يتاجر فيها وهو لم يملكها؟
الشيخ: ألا يجوز أن يكون النماء من كسبه إذا كان رقيقاً مثلاً أو كان ماشية
والدراهم ما يمكن إلا إذا كان أُذن له في التصرف فيه من قبل الحاكم أو ما
أشبه ذلك.
السائل: الزوج إذا أسلم كان هو سبب في انفساخ العقد كيف تكون الزكاة في
صداق الزوجة وهي أصلاً غير مسلمة؟
الشيخ: نعم هي غير مسلمة فليس عليها زكاة إذاً لا يصح المثال هنا إلا أن
تسلم فتبتدئ حولاً أي نعم تنبيه طيب في هذه الصور يمكن تكون بالعكس أن يكفر
الزوج وهي مسلمة بمعنى أنه عقد عليها وهما مسلمان ثم يكفر يتصور هذا.
القارئ: الشرط الرابع الغنى بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن
جبل (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) متفق عليه
ولأن الزكاة تجب مواساة للفقراء فوجب أن يعتبر الغنى ليتمكن من المواساة
والغنى المعتبر ملك نصابٍ خالٍ عن دين فلا يجب على من لا يملك نصابا لما
روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ليس فيما دون خمسة أوسق
صدقة ولا فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة ولا فيما دون خمس أواقٍ صدقة) متفق
عليه.
الشيخ: الشرط الرابع الغنى والغنى في كل
موضع بحسب فمثلاً الغنى في الأخذ من الزكاة غير الغنى في وجوب الزكاة
فالإنسان قد تجب عليه الزكاة وهو من أهل الزكاة الذين يأخذونها والمراد
بالغنى هنا ملك نصاب زكوي أن يملك نصاباً زكوياً ودليل ذلك أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لمعاذ ابن جبل (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ
من أغنيائهم فترد في فقرائهم) هذا دليل أثري والدليل النظري وهو غير مسلم
تماماً ولأن الزكاة تجب مواساة للفقراء فيجب أن يعتبر الغنى ليتمكن من
المواساة والغنى المعتبر ملك النصاب لكن قوله خالٍ عن دين هذا محل خلاف
يعنى لو كان عند الإنسان نصاب وعليه دين بقدره فعلى كلام المؤلف لا يكون
غنياً لأنه لابد أن يملك نصاباً خالياً من الدين لكن هذا فيه نظر كما سبق
ودليل أنه لابد من ملك النصاب قول النبي صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون
خمسة أوسق صدقة ولا فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة يعنى من الإبل ولا فيما دون
خمس أواقٍ (يعني من الفضة) صدقة) متفق عليه.
القارئ: ومن ملك نصاباً وعليه دين يستغرقه أو ينقصه فلا زكاة فيه إن كان من
الأموال الباطنة وهي الناض وعروض التجارة رواية واحدة لأن عثمان بن عفان
رضي الله عنه قال بمحضر من الصحابة: (هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين
فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم) رواه أبو عبيد في الأموال ولم ينكر فكان
إجماعا ولأنه لا يستغني به ولا تجب الصدقة إلا عن ظهر غنى، وإن كان من
الأموال الظاهرة وهي المواشي والزروع والثمار ففيه ثلاثة روايات: إحداهن لا
تجب فيها الزكاة لذلك.
والثانية فيها الزكاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يبعث سعاته
فيأخذون الزكاة من رؤوس الأموال الظاهرة من غير سؤال عن دين صاحبه) بخلاف
الباطن.
الثالثة أن ما استدانه على زرعه لمؤنته
حسبه وما استدان لأهله لم يحسبه لأنه ليس من مؤنة الزرع فلا يحسبه على
الفقراء فإن كان له مالان من جنسين وعليه دين يقابل أحدهما جعله في
مقابلة ما يقضي منه وإن كانا من جنس جعله في مقابلة ما الحظ للمساكين في
جعله في مقابلته تحصيلاً لحظهم.
الشيخ: الذي عليه الدين هل تجب الزكاة في المال الذي بيده؟ في هذا تفصيل إن
كان المال باطناً وهو ما لا يظهر للناس فلا زكاة عليه فيه على ما ذهب إليه
المؤلف وقيل بل عليه الزكاة لأن الزكاة واجبة في المال لا في الذمة فكانت
واجبة ومثال ذلك رجل بيده مئتا درهم وهي نصاب وعليه دين يبلغ مائة درهم فهل
عليه زكاة إن قلنا بأن الدين يمنع وجوب الزكاة فلا زكاة عليه لأنه لم يبقَ
عنده بعد الدين إلا مائة والمائة دون النصاب.
والقول الثاني إنه تجب عليه الزكاة تجب عليه الزكاة وذلك لأن الزكاة واجبة
في المال كما قال الله تبارك وتعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً
تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ
بن جبل (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد
على فقرائهم) ولأن النفوس متعلقة بالمال الذي بين يدي الإنسان لاسيما إذا
كان صاحب عروض تجارة مشهوراً وهذا القول أقرب إلى الصواب فيقال أخرج زكاة
مالك وإذا كنت محتاجاً إلى قضاء الدين أعطيناك من الزكاة ولا مانع من أن
يكون الإنسان تجب عليه الزكاة وتحل له الزكاة ولو قيل بأن ما وجب أولاً قدم
فإن كان الدين قد حل قبل وجوب الزكاة فهو أحق بالوفاء وإذا كان لم يحل بل
حلت الزكاة قبله فهي أحق مثال ذلك لو كان على الإنسان دين مؤجل يحل بعد
تمام الحول فهنا نقدم الزكاة لسبق حق الفقراء ولو حل قبل تمام الحول نقدم
الدين لو قيل بهذا لكان قولاً جيداً ويكون فيه أيضاً مصلحة وهو حث أهل الشح
والبخل على المبادرة بقضاء الدين وهذا قول لا بأس به.
أما الأموال الظاهرة وهي التي تظهر للناس
وهي الحبوب والثمار والمواشي (بهيمة الأنعام) هذه أموال ظاهرة لأن الحبوب
مزارع تشاهد والثمار نخيل تشاهد أيضاً والمواشي كذلك ففيها الروايات
الثلاثة التي ذكر المؤلف الأول أنه لا زكاة فيها إذا كان على صاحبها دين
ينقص النصاب والثاني عليه الزكاة بكل حال والثالثة فيه التفصيل إن كان
الدين لمصلحة المال فلا زكاة عليه كالذي استدان لمؤنة الزرع والحرث والجز
وما أشبه ذلك وكذلك بالنسبة للماشية استدان لتحصيل الماء لها وحملها إلى
المرعى وما أشبه ذلك وإن كان لأمر خارج فإنه لا يمنع الوجوب وهذا قول وسط
بين القولين لكن الأقرب أن الدين لا يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة لأن
النبي صلى الله عليه وسلم (كان يبعث السعاة لقبضها ولا يسألون الناس هل
عليكم ديون أم لا) ولأنه ظاهر تتعلق به أطماع الفقراء ولأنه قد يدعي صاحبه
أن عليه دين وليس كذلك.
فصل
القارئ: وتجب الزكاة في مال الصبي والمجنون لما روي عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال (ابتغوا في أموال اليتامى كيلا تأكلها الزكاة) أخرجه الترمذي
وفي إسناده مقال وروي موقوفاً على عمر رضي الله عنه ولأن الزكاة تجب مواساة
وهما من أهله ولهذا تجب عليهما نفقة القريب ويعتق عليهما ذو الرحم وتخرج
عنهما زكاة الفطر والعشر فأشبها البالغ العاقل.
الشيخ: الصحيح ما ذكره المؤلف رحمه الله من وجوب الزكاة في مال الصبي
والمجنون ولا يعارض هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة
عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق) وذلك لأن ما ذكره الرسول عليه
الصلاة والسلام باعتبار التكليف البدنى والزكاة تكليف مالي تتعلق به الزكاة
فتجب الزكاة في أموالهما ثم ذكر المؤلف رحمه الله لهذا نظائر وهو وجوب نفقة
القريب عليهما لأن الحق تعلق بآخر وهو القريب وكذلك يقال في فعل الزكاة
تعلقت حقوقهم في المال.
ثانياً يعتق عليهما ذو الرحم يعنى لو ملكا
ذا رحم عتق عليهما وصورة المسألة أن الإنسان إذا اشترى أخاه من السوق وجد
أخاه يباع رقيقاً فاشتراه عتق عليه بغير اختيار وكذلك كل ذي رحم منه
فالصغير والمجنون لو ملكا ذا رحم بهبة أو نحوها فإنه يعتق عليهما مع أنه
إذا عتق سيخرج عن ملكهما لكنه يعتق لأن هذا من الحقوق المالية ونحن كما
رأيتم مثلنا بالإرث والهبة لأنه بالشراء لا يجوز لوليهما أن يشترى من يعتق
عليهما لما في ذلك من إضاعة مالهما ولكن إذا وهب لهما أحد ذا رحم ملكاها
ولكن يعتق عليهما وأيضاً يخرج عنهما زكاة الفطر وهما ليس بالغين ولا
عاقلين.
السائل: الأموال الباطنة والدين على القول بأن الذي سبق في الوجوب يقدم
فإذا كان وجوبهما في وقت واحد أيهما يقدم؟
الشيخ: هذا إذا لم يكن له مدة يجب المبادرة في قضائه فيكون سابقاً على
الزكاة.
السائل: كيف نجمع بين وجوب الزكاة على المجنون والصغير وبين أنه لا يجوز
إخراج الزكاة إلا بنية المزكي والمجنون لا نية له؟
الشيخ: نعم المجنون لا نية له والصغير أيضاً الذي دون التميز لا نية له لكن
وليهما يخرجها.
السائل: ولكن لو أخرج رجل عن رجل آخر هل هو مثله؟
الشيخ: هذا ضرورة ولي المجنون وولي الصبي يخرج عنهما للضرورة.
السائل: عروض التجارة من الأموال الظاهرة أم الباطنة؟
الشيخ: هذه من الأموال الباطنة لأن الزكاة تجب في قيمتها وهي باطنة ما هي
ظاهرة لكنه في الحقيقة قريبة من الأموال الظاهرة لأن مثل صاحب المتجر كل
الناس يشاهدونه ويقولون هذا غني هذا عنده متجر عظيم لكنهم يعدونها من
الأموال الباطنة الأموال الظاهرة ثلاثة فقط الحبوب والثمار والمواشي.
فصل
القارئ: ولا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء
لقوله صلى الله عليه وسلم (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) يدل
بمفهومه على وجوبها فيه عند تمام الحول ولأنه لو أتلف النصاب بعد الحول
ضمنها ولو لم تجب لم يلزمه ضمانها كقبل الحول فإن تلف النصاب بعد الحول لم
تسقط الزكاة سواء فرط أو لم يفرط لأنه مال وجب في الذمة فلم يسقط بتلف
النصاب كالدين، وروى عنه التميمي وابن المنذر أنه إن تلف قبل التمكن سقطت
الزكاة لأنها عبادة تعلقت بالمال فتسقط بتلفه قبل إمكان الأداء كالحج ولأنه
حق تعلق بالعين فسقط بتلفها من غير تفريط كالوديعة والجاني فإن تلف بعض
النصاب قبل التمكن سقط من الزكاة بقدره، وإن تلف الزائد عن النصاب (في
السائمة) لم يسقط شيء لأنها تتعلق بالنصاب دون العفو، ولا تسقط الزكاة بموت
من تجب عليه لأنه حق واجب تصح الوصية به فلم يسقط بالموت كدين الآدمي.
الشيخ: هذا الفصل خلاصته أنه هل يشترط
لوجوب الزكاة إمكان الأداء أو لا؟ سبق أن الدين على القول الراجح إذا كان
على معسر لا تجب فيه الزكاة لأن إمكان الأداء منه متعذر فتسقط الزكاة لكن
إذا كان المال بين يديه فهل يشترط إمكان الأداء أو لا؟ المؤلف يقول إنه لا
يشترط ولكن على هذا القول لو تلفت بعد تمام الحول وبعد وجوبها فهل يضمنها
أو لا؟ المؤلف رحمه الله يرى أنه يضمنها ولكن الصواب أنه لا يضمنها حتى لو
قلنا إنه لا يشترط إمكان الأداء فإنه لا يضمنه إلا أن يتعدى أو يفرط وأما
تعليله بقوله ولأنه لو أتلف النصاب بعد الحول ضمنها فهذا غريب منه رحمه
الله لأنه إذا أتلف النصاب بعد الحول هو الذي اعتدى عليه فيضمن حق أهل
الزكاة فالصواب أن الزكاة تجب إذا تم الحول ولكن لو تلفت المال بعد تمام
الحول بدون تعدٍ ولا تفريط فإنه لا ضمان عليه لأن هذا يشبه الوديعة
والوديعة إذا تلفت بلا تعدٍ ولا تفريط فإنه لا ضمان على المودع كذلك صاحب
المال فإن الزكاة عنده بمنزلة الوديعة والأمانة فإذا تلف المال بلا تعدٍ
ولا تفريط فلا ضمان فإن قال قائل هو مفرط بكل حال لأنه أخّرَ المبادرة
بإخراجها نقول ما جرت العادة بتأخيره كنصف اليوم ونحوه فهذا لا يعد تفريطاً
أما إذا أخرها كثيراً حتى تلف المال أو احترق فحينئذٍ يكون مفرطاً فعليه
الضمان وكلامنا فيما إذا لم يكن مفرطاً ولا متعدياً فإنه لا ضمان عليه لأن
الزكاة في يده أمانة فهو كالمودع هذه خلاصة هذا الفصل أما إذا تلف بعض
النصاب فهو على التفصيل هذا إذا تلف بعض النصاب بعد تمام الحول بتعدٍّ أو
تفريط وجب عليه زكاة ماله كله الباقي والتالف وإن تلف بلا تعدٍّ ولا تفريط
فإنه يجب عليه زكاة الباقي فقط لأن الزكاة وجبت عند تمام الحول ولكنه لا
يضمن ما تلف وإن مات قبل أن تؤدى الزكاة فسينتقل المال إلى الورثة فهل
عليهم زكاة مورثهم؟ الجواب نعم لأنها دين عليه وحق ثابت فعليهم أن يؤدوها
إلى أهلها لكن لو
كان الرجل الميت تعمد عدم الزكاة يعنى هو
نفسه يقول إنه ليس بمزكٍّ ليس تهاوناً في إخراجها لأن أحياناً يتراخى في
إخراجها ويقول أخرجها غداً أو أخرجها بعد غد فيفاجئه الموت فهذا لا شك أنه
يخرج عنه أحياناً يقول لا مالي ما فيه زكاة مثلاً ويتعمد عدم الإخراج فهل
يجب على الورثة إذا مات أن يخرجوا الزكاة عنه؟ في هذا خلاف فيه قولان
المشهور عند عامة العلماء أنها يجب إخراجها لأنها دين وقد وجبت عليه وتعلق
بها حق الغير فيجب وإن كانت في هذه الحال لا تبرأ ذمته ويعتبر كالذي منعها
بالمرة وذهب بعض أهل العلماء إلى أنها لا تخرج وأن الإثم عليه والورثة ليس
لهم إلا صافي المال وهذا رجل تعمد أن لا يخرجها ولكن الأقرب أنها تخرج
لتعلق حق أهلها بها لكنها لا تبرأ بها ذمته ولا ينفعه هذا الإخراج عند الله
عز وجل لأنه قد تعمد أن لا يزكي والعجب أن بعض الناس يكون محافظاً على
الصلوات محافظاً على صلة الرحم محافظاً على كل الأخلاق الفاضلة ولكن يمنع
الزكاة والعياذ بالله وهذا حرمان عظيم تجده كريماً في غير الزكاة ولكن في
الزكاة يكون بخيلاً وهذا والعياذ بالله من سوء العمل.
السائل: أحسن الله إليك رجل عنده مواشٍ مثلاً وعنده إبل عشرة إبل واحدة
منها ضاعت ولا زال في طلبها في شهر الزكاة أو واحدة منها مريضة يعنى مرضاً
لا يرجى برؤه؟
الشيخ: المسألة الأول عنده عشر من الإبل ضاعت واحدة منها قبل تمام الحول
إذاً المتيقن الآن زكاة خمس وفي الخمس شاة أما الأربعة الباقي فلا زكاة
عليه فيها حتى يجد الضائع ولكن إذا وجد الضائع فهل يبتدئ به حولاً أو يزكي
على كل حال نقول هذا مبنى على ما سبق وقد قررنا أن الصواب أنه يزكيه لسنة
واحدة فلو فرض أن هذا الضائع بقي أربع سنوات ما وجده ثم وجده فيزكيه لسنة
واحدة على القول الراجح عرفت وأما المريضة مرضاً لا يرجى برؤه فهي كالصحيحة
يعنى لا بد أن تخرج الزكاة فيها.
السائل: لما حال عليها الحول جحد الزكاة
قال لا زكاة في مالي ثم مات هل الورثة يزكون عنه؟
الشيخ: لا هذا كافر مات كافراً.
السائل: من أخرج زكاة ماله وعين ثم تلفت قبل أن يسلمها؟
الشيخ: ينظر إن كان مفرطاً فعليه الزكاة يخرج هذه الزكاة التي عينها وإن
كان ليس بمفرط فلا زكاة عليه.
السائل: في المسألة السابقة إذا كان أولاده مسلمين فإنهم لا يرثون لأن
الكفر مانع من التوارث؟
الشيخ: نعم هذا على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فهو يرى أن المرتد
يورث ما نرجح هذا القول وشيخ الإسلام رحمه الله يقول إن الصحابة رضي الله
عنهم ورثوا ورثة المرتدين في زمن أبي بكر رضي الله عنه لكن الصواب أنه لا
توارث بين المسلم والكافر لأن حديث أسامة ابن زيد ثابت في الصحيحين (لا يرث
المسلم الكافر ولا الكافر المسلم).
السائل: إذا وجب الدين في الأموال الباطنة ووجبت الزكاة في آن واحد يتحاصان
في المثال الذي ذكرنا إذا كان بيده مائتا درهم ووجبت به الزكاة وعليه مائة؟
الشيخ: نعم كم زكاة المئتين؟ ربع العشر خمسة يكون الدين يؤخذ اثنين ونصف
وأهل الزكاة اثنين ونصف والمائه يؤديها هذه لابد منها.
فصل
القارئ: وفي محل الزكاة روايتان إحداهما: أنها تجب في الذمة لأنه يجوز
إخراجها من غير النصاب ولا يمنع التصرف فيه فأشبهت الدين.
والثانية: يتعلق بالعين لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ
حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) وفي للظرفية.
الشيخ: وكذلك حديث معاذ (أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ
من أغنيائهم فترد على فقرائهم) وكذلك قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
صَدَقَةً).
القارئ: فإن ملك نصاباً مضت عليه أحوال لم
تؤد زكاته وقلنا هي في الذمة لزمته الزكاة لما مضى من الأحوال لأن النصاب
لم ينقص وإن قلنا تتعلق بالعين لم يلزمه إلا زكاة واحد لأن الزكاة الأولى
تعلقت بقدر الفرض فينقص النصاب في الحول الثاني وهذا ظاهر المذهب نقله
الجماعة عن أحمد
الشيخ: وهذا أيضاً بناءاً على أن الدين يمنع الزكاة وإذا قلنا إنه لا يمنع
الزكاة فإنه يؤدي عن كل ما مضى مثاله إنسان عنده أربعون شاة مضى عليها خمسة
أحوال إن قلنا الزكاة في المال فإنها سوف تنقص واحدة في الحول الأول وتكون
الأحوال الأربعة دون النصاب لا زكاة فيها وإذا قلنا في الذمة فقد وجبت في
أمر خارج عن عين المال فتجب الزكاة لكل السنوات الخمس لأن الأربعين لم تنقص
والراجح أن الزكاة تجب في كل السنوات الخمسة فهي تجب في عين المال ولها
تعلق بالذمة وإذ قلنا بذلك استفدنا فائدة عظيمة وهي أن المالك لا يتأخر بعد
هذا في إخراج الزكاة وهو إذا أخرجها أول الحول نقصت عن النصاب فلا تلزمه
الزكاة فيما بعدها.
القارئ: فإن كان المال زائداً عن نصابٍ نقص منه كل حول بقدر الفرض ووجبت
الزكاة فيما بقي فإن ملك خمساً من الإبل لزمه لكل حول شاة لأن الفرض يجب من
غيرها فلا يمكن (تعلقه) بعينها
الشيخ: عندنا (تعلقها) في النص وما في النسخة الأخرى يصلح (تعلقها) للزكاة
لأن الحديث عن الزكاة والتذكير له وجه.
القارئ: وإن ملك خمساً وعشرين من الإبل فعليه للحول الأول ابنة مخاض وفيما
بعد ذلك لكل حول أربع شياه.
فصل
القارئ: وتجب الزكاة في خمسة أنواع أحدها المواشي ولها ثلاثة شروط:
أحدها أن تكون من بهيمة الأنعام لأن الخبر
ورد فيها وغيرها لا يساويها في كثرة نمائها ودرها ونفعها ونسلها فاحتملت
المواساة منها دون غيرها ولا زكاة في الخيل والبغال والحمير والرقيق لقول
النبي صلى الله عليه وسلم (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) متفق
عليه ولأنه لا يطلب درها ولا تقتني في الغالب إلا للزينة والاستعمال لا
للنماء
الشيخ: وهذا مشروط بما إذا لم تكن عروض تجارة فإن كانت عروض تجارة وجبت
الزكاة فيها
القارئ: ولا زكاة في الوحش لذلك وعنه في بقر الوحش الزكاة لدخولها في اسم
البقر والأول أولى لأنها لا تدخل في إطلاق اسم البقر ولا تجوز التضحية بها
ولا تقتنى لنماء ولا در فأشبهت الظباء.
وما تولد بين الوحشي والأهلي فقال أصحابنا فيه الزكاة تغليباً للإيجاب
والأولى أن لا تجب لأنها لا تقتنى للنماء والدر أشبهت الوحشية ولأنها لا
تدخل في إطلاق اسم البقر والغنم.
الشيخ: ولأن الأصل البراءة فلا تجب إلا بيقين لا يقال للناس بالاحتياط في
هذا ونوجب الزكاة لأن الاحتياط لم يوجد سببه فهذه ليست أصلاً محلاً للزكاة
حتى نسلك باب الاحتياط في إيجاب الزكاة فيها.
السائل: يقول بعض العلماء أن استحقاق الزكاة في الدين متعلق بالعين؟
الشيخ: لا ما هو بصحيح فقد سبق لنا الخلاف في هذا سبق أن في المسألة ثلاثة
أقوال وأنه لولا العمومات لقلنا إن القول الوسط هو الصحيح وهو أن الدين لا
يمنع وجوب الزكاة في الأموال الظاهرة كالمواشي والزرع والثمار ويمنع الزكاة
في غيرها وهذا القول اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله لكن ظاهر
النصوص أنها متى ما وجد النصاب وجبت الزكاة سواء كانت من الأموال الظاهرة
أو الباطنة.
السائل: إذا قدم الرجل الزكاة قبل تمام الحول ثم بعد ذلك أراد أن يقدم
زكاته في نفس الوقت كل سنة هل له ذلك؟
الشيخ: له ذلك لأن معناه يقدم كل سنة بسنته
السائل: حتى ولو ظن أنه ربما لو انتظر إلى تمام الحول يزيد ماله؟
الشيخ: إذا زاد يخرج الزيادة وإن نقص فقد
اختار التطوع هو بنفسه وأخرج زكاته.
السائل: من عنده مال محرّم فهل عليه الزكاة؟
الشيخ: أما إذا كان يريد أن يتلف هذا المال المحرم كإنسان عنده دخان مثلاً
كراتين دخان إن كان يريد أن يتلفها فلا زكاة عليه وأما إذا كان يبقيها
فعليه الزكاة لأنه يعتبر أن هذا مال ولا يمكن أن نجازيه على فعل محرم بأن
نسقط الزكاة عنه.
القارئ: الشرط الثاني: الحول لأن ابن عمر رضي الله عنهما روى أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) رواه الترمذي
وابن ماجه وأبو داود.
ولأن الزكاة إنما تجب في مال نامٍ فيعتبر له حول يكمل النماء فيه وتحصل
الفائدة منه فيواسي من نمائه فإن هلك النصاب أو واحدة منها في الحول أو
باعها انقطع الحول.
الشيخ: هذا إذا كانت للنماء أما إذا كانت للتجارة فإنه لا ينقطع الحول
ببيعها وذلك لأن الأموال التجارية المقصود منها القيمة فسواء كانت هذه
العين أو هذه العين أو هذه العين.
القارئ: ثم إن نتجت له أخرى مكانها أو رجع إليه ما باع استأنف الحول سواء
ردت إليه ببيع أو إقالة أو باعها بالخيار فردت به لأن الملك يزول بالبيع،
والرد تجديد ملك، وإن قصد بشي من ذلك الفرار من الزكاة لم تسقط لأنه قصد
إسقاط نصيب من انعقد سبب استحقاقه فلم يسقط كالطلاق في مرض الموت.
الشيخ: يعنى مثلاً إنسان لما قارب تمام الحول وعنده أربعون شاة ذهب فباع
واحدة لتسقط عنه الزكاة نقول هذا إذا كان متحايلاً لإسقاط الزكاة فإن
الزكاة لا تسقط والقاعدة عندنا أن كل من تحيل لإسقاط واجب فإن الواجب لا
يسقط وكل من تحيل لاستباحة محرم فإن المحرم لا يباح هذه قاعدة يجب أن
نفهمها في كل المسائل في الطلاق وفي النكاح وفي البيوع وفي أي شيء (كل من
تحيل لإسقاط واجب أو لاستباحة محرم فإنه لا يباح).
القارئ: وإن نُتجت واحدة ثم هلكت واحدة لم
ينقطع الحول لأنه لم ينقص وإن خرج بعضها ثم هلكت أخرى قبل خروج بقيتها
انقطع الحول لأنها لم يثبت لها حكم الوجود في الزكاة حتى يخرج جميعها.
الشيخ: خرج بعضها قصده في الانتاج انتاج الولادة هذه خرج بعضها ثم هلكت
أخرى قبل خروج بقيتها انقطع الحول لأنها لم يثبت لها حكم وجود في الزكاة
حتى يخرج جميعها هذه مثلاً شاة تولد طهر بعض الولد وماتت الشاة الأخرى
انقطع الحول لأنه لا يحكم بوجودها إلا إذا انتهى خروجها
السائل: إذا ولدت واحدة ثم ماتت واحدة صارت أربعين أيجب أن يخرج الزكاة
وهذه التي نتجت ليست بسائمة؟
الشيخ: نعم هي تبع لأمها نتاج السائمة تبع لأمها.
القارئ: وإن أبدل نصاباً بجنسه لم ينقطع الحول لأنه لم يزل في ملكه نصابٌ
من الجنس جارٍ في حول الزكاة فأشبه ما لو نتج النصاب نصابا ثم ماتت
الأمهات.
الشيخ: هذا عنده أربعون شاة كل واحد ولدت واحداً وبعد أن ولدت واحداً ماتت
كل الأربعين فالحول لم ينقطع لأن هذه الأربعين وجدت قبل موت الأمهات.
القارئ: وإن باع عيناً بورق انبنى على ضم أحدهما إلى الآخر فإن قولنا يضم
لم ينقطع الحول لأنهما كالجنس الواحد وإن قلنا لا يضم أنقطع الحول لأنهما
جنسان.
الشيخ: والصحيح أنهما جنسان إلا أموال الصيارف لأن أموال الصيارف يريدون
بها التجارة فهي عروض التجارة
السائل: أموال الصيارف أليست جنس واحد؟
الشيخ: لا، ذهب وفضة.
السائل: إذا فقد بعض الشياه قبل تمام الحول ثم وجدها بعد تمام الحول؟
الشيخ: تجب الزكاة لأن هذا الضالة في حكم ملكه
السائل: إذا ماتت في أثناء الولادة؟
الشيخ: في الولادة ماتت قبل أن يخرج بقية الولد ثم خرجت بقية الولد أو
أخرجت لأن الغالب إذا ماتت ما عاد تخرج إلا بإخراج فهنا نقول انقطع الحول
لماذا لأن الأم ماتت فنقص النصاب قبل أن توجد السخلة.
القارئ: وما نتج من النصاب فحوله حول
النصاب لما روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال (اعتد عليهم بالسخلة يروح بها
الراعي على يديه).
الشيخ: يعنى يرجع بها على يديه لأن الرعاة في البر إذا ولدت البهائم أتوا
بالأولاد يحملونها على أيديهم إلا إذا كان هناك مثلاً بهيمة كحمار يجعلون
فيه الأولاد يعنى هذا عادة الرعاة فإن راعي الغنم يستصحب معه حماراً له
مراحل أي رحل يكون مثلاً زمبيل كبير إذا ولدت الغنم وضع الأولاد في هذه
المراحل فمعنى قوله يروح بها يعنى يرجع بها على يديه حامل لها على يديه
تذهب نحن جربنا هذا كانت غنمنا تذهب في الصباح وتأتي بالسخلة في آخر
النهار.
القارئ: ولأنه من نماء النصاب فلم يفرد عنه بحول كربح التجارة.
الشيخ: يعنى السخلة ويصلح (لأنه) بضمير المذكر.
القارئ: وإن ماتت الأمهات فتم الحول على السخال وهي نصاب وجبت فيها الزكاة
لأنها جملة جارية في الحول لم تنقص عن النصاب أشبه ما لو بقي من الأمهات
نصاب.
وإن ملك دون النصاب وكمل بالسخال احتسب الحول من حين (كمال) النصاب.
الشيخ: عندي من حين (كمل) نسخة.
القارئ: وعنه يحتسب من حين ملك الأمهات والأول المذهب لأن النصاب هو السبب
فاعتبر مضي الحول على جميعه.
الشيخ: وهذا هو الصحيح أنه لا يحتسب إلا من تمام النصاب أما قبل ذلك فليس
بشيء.
القارئ: وأما المستفاد بإرث أو عقد فله حكم نفسه لأنه مال ملكه أصلاً
فيعتبر لها الحول شرطاً كالمستفاد من غير الجنس.
الشيخ: قوله (المستفاد بإرث أو عقد له حكم نفسه) يعنى في الحول لا في كمال
النصاب وعلى هذا فإذا كان عند الإنسان مائة درهم ملكها في محرم ثم مات
مورثه في أثناء السنة وحصل على مائة درهم من الميراث فهنا نقول المائة
الدرهم التي حصل عليها في نصف السنة لا تجب زكاتها إلا إذا تم حولها ولكن
فيها الزكاة وإن كانت دون النصاب لأنها تابعة للأول فهي تابعة للأول في
النصاب وليست تابعة لها في الحول
مثلاً مائتا درهم فيها زكاة ملكها في محرم
تجب زكاتها في محرم الثاني لكنه في جمادى الثانية مات لها وارث وملك مائة
درهم صار عنده الآن ثلاثمائة جاء محرم الثاني نقول زكِّ عن مائتين أما
المائة الثالثة لا تزكيها إلا إذا جاء جمادى الثانية فإذا قال هذه مائة لم
تبلغ النصاب قلنا لكنها تضم إلى ما عندك في تكميل النصاب لا في الحول وأما
ربح التجارة فيضم إلى أصله في النصاب وفي الحول وكذلك نتاج السائمة يضم إلى
أصله في الحول وفي النصاب.
ومثال السائمة هذا إنسان عنده مائة وخمسين شاة فيها شاتان وفي أثناء السنة
جاءت بمائة وخمسين سخلة وإحداها جاءت بسخلتين فيها ثلاث شياه لكن نقول
النتاج هذا تابع للأمهات مع أنه لم يحصل إلا في نصف السنة.
ومثال ربح التجارة إنسان اشترى أرضاً بمائة ألف وفي أثناء الحول باعها
بمائة وخمسين نقول إذا تم حول شرائه الأول ففيها الزكاة في الجميع في
المائة والخمسين لأن الخمسين ربح التجارة يتبع الأصل في الحول وفي النصاب
ونتاج السائمة يتبع الأصل في الحول والنصاب والمستفاد من غير ذلك يتبع
الأصل في النصاب لا في الحول.
السائل: هذا رجل عنده أربعون شاة وماتت شاة قبل الحول ثم نتجت أخرى بعد
تمام الحول؟
الشيخ: يبتدئ الحول من جديد لأنه نقص النصاب قبل أن تلد.
السائل: قول المؤلف (أو عقد) ماذا يعني؟
الشيخ: مثلاً إنسان عنده بيت فالبيت الذي يسكنه ما فيه زكاة ثم باعه في
أثناء الحول بدراهم والدراهم فيها الزكاة فقد استفاد الدراهم التي فيها
الزكاة بعقد كذلك الهبة لو وُهب في أثناء الحول فقد استفاد المال بالهبة
وهي عقد لأن البيت الذي يسكنه ما فيه زكاة ما هو تجارة لو كان إنسان يبيع
بالعقارات وباع هذا البيت الذي اشتراه للتجارة فإن هذا يتبع الأصل.
السائل: من أين نأخذ التفريق؟
الشيخ: التفريق من الأدلة هذا واضح.
القارئ: ولا يبني الوارث حوله على حول
الموروث لأنه ملك جديد فإن كان عنده ثلاثون من البقر فاستفاد عشراً في
أثناء الحول فعليه في الثلاثين إذا تم حولها تبيع لكمال حولها فإذا تم حول
العشرة ففيها ربع مسنة لأنها تم نصاب المسنة ولم يمكن إيجابها لانفراد
الثلاثين بحكمها فوجب في العشرة (بقسطها منها)
الشيخ: عندي بالعشر (بقسطها منه) في المخطوط أصح لأن (ها) لمؤنث و (عشر)
لمؤنث كذلك التي قبلها (إذا تم حول العشرة) والصواب إذا تم حول العشر.
وتصوير المسألة يقول رحمه الله إن كان عنده ثلاثون من البقر ففيها تبيع أو
تبيعة فاستفاد عشراً في أثناء الحول بعقد كهبة إذا وهب له إنسان عشراً من
البقر أو مات مورثه فملك بالإرث عشراً من البقر فعليه في الثلاثين تبيع
لكمال حولها.
ولو ملك في محرم ثلاثين بقرة وفي جمادى الأولى ملك عشر بقرات صار عنده الآن
أربعين يزكى الثلاثين في محرم الثاني وفيه تبيع أو تبيعه ونزكى العشر في
جمادى الثانية لكن فيها ربع مسنة لأن في الأربعين مسنةً وهذه عشر من أربعين
فيكون عليه ربع مسنة فهنا تبعت العشر ما سبقها في النصاب لا في الحول قلنا
في النصاب لأنها لولا تبعيتها في النصاب له لم يجب فيها شيء لأنها عشر
والعشر ليس فيها شيء لكن تتبعه في النصاب دون الحول فنقول إذا تم حول
الثلاثين فعليك تبيع أو تبيعة ولا يجب عليك في العشر شيء فإذا تم حول العشر
فعليك ربع مسنة لأنها الآن إذا تم حولها أو أضافتها إلى الثلاثين صارت
أربعين وفي الأربعين مسنة عليك إذاً في هذه العشر ربع مسنة
السائل: لماذا لا يخرج عن أربعين مسنة؟
الشيخ: إذا شاء أن يخرج مسنة بأن عجل زكاة الثلاثين لايوجد مانع يعنى لو
قال ليس بكلفة أن أبحث عن ربع مسنة أريد أن أخرج الآن مسنة كاملة عن
الأربعين ويكون بالنسبة للثلاثين معجل ما فيه مانع.
فيكون مسنة وتكون بالنسبة للعشر معجلة لكن
لو أراد أن يؤخر ولما وجبت الزكاة في العشر قال لا حاجة إلى أن أتكلف وأبحث
عن ربع مسنة أريد أن أخرج الآن مسنة كاملة عن الأربعين قلنا لا بأس ويكون
هذا من باب التعجيل.
القاريء: وإن ملك أربعين من الغنم في المحرم وأربعين في صفر وأربعين في
ربيع فتم حول الأولى فعليه شاة لأنها نصاب كامل مضى عليه حول لم يثبت له
حكم الخلطة في جميعه فوجب فيه شاة كما لو لم يملك غيرها فإذا تم حول الثاني
ففيه وجهان أحدهما لا شيء فيه ولا في الثالث لأنه لو ملكها مع الأول لم يجب
فيه شيء.
الشيخ: لماذا لم يجب فيه شيء؟ لأنها وقص ستكون الفريضة في مائة وعشرين
ومائة وعشرين فيها شاة كالأربعين.
القارئ: فكذلك إذا ملكه بعده لأنه يحصل وقصاً بين نصابين والثاني فيه
الزكاة لأنه نصاب منفرد بحول فوجبت زكاته كالأول.
وفي قدرها وجهان أحدهما: شاة لذلك والثاني: نصف شاة لأنه لم ينفك عن خلطة
في جميع الحول وفي الثالث ثلث شاة لأنه لم ينفك عن خلطة لثمانين فكان عليه
بالقسط وهو ثلث شاة.
الشيخ: والظاهر أن الأول أصح لأنه لو كان ملكها كلها جميعاً لم يكن عليه
شيء وتجدد ملك بعض النصاب لا يؤثر فالوجه الأول هو الأصح أن يقال ليس عليك
شيء فإذا تم حول الثالث فعليه شاة إن تم حول الأول وإلا ننتظر أيضاً.
ولو ملك في محرم أربعين إذا جاء محرم الثاني فيها شاة لتمام الحول وملك في
صفر أربعين إذا جاء صفر هل يجب عليه شاة أو ربع شاة أو ماذا؟ وكذلك إذا ملك
الأربعين الثالثة في ربيع الأول نقول الراجح أنه ليس عليه فيها شيء لأنها
لو ملكها جميعاً في محرم لم يكن عليه إلا شاة واحدة فكذلك إذا تجدد ملك
الأربعين والأربعين لم يجب عليه إلا شاة واحدة لأنه كما قلنا في القاعدة
يتبع ما قبلها في النصاب دون الحول هذا إذا تبع ما قبله في النصاب فهو وقص
ما فيه شيء.
السائل: لوكانت متفرقة شيء منها في المدينة
وفي مكة فهل يجب على الثلاثة حول واحد أو ماذا؟
الشيخ: ظاهر الحديث لا يجمع بين المتفرق ولا يفرق بين مجمتع خشية الصدقة أن
لكل واحد حكماً.
السائل: لو كانت في نفس البلد؟
الشيخ: لا إذا كانت ترجع إلى مرعى يعني تأوي إلى شيء واحد مرعى واحد ومحلب
واحد فهي خلطة ما فيها شيء لكن لو فرضنا أن إنساناً له في مكة وله في
الرياض وله في القصيم صار لكل واحد حكم.
القارئ: وإن ملك عشرين من الإبل في محرم وخمساً في صفر وخمساً في ربيع
فعليه في العشرين عند حولها أربع شياه وفي الخَمْس الأولى عند حولها خُمُس
بنت مخاض، وفي الخمْس الثانية ثلاثة أوجه أحدها لا شيء فيها والثاني عليه
سدس بنت مخاض والثالث عليه شاة.
الشيخ: ما يترجح لي في هذا شيء لأن فيها كسوراً سدس بنت مخاض أو عليه شاة
لأنها مستقلة خَمْس الإبل فيها شاة.
القارئ: الشرط الثالث السوم وهو أن تكون راعية، ولا زكاة في المعلوفة لقول
النبي صلى الله عليه وسلم (في الإبل السائمة في كل أربعين بنت لبون وفي
سائمة الغنم في كل أربعين شاة) فيدل على نفي الزكاة عن غير السائمة ولأن
المعلوفة لا تقتنى للنماء فلم يجب فيها شيء كثياب البِذْلة.
الشيخ: هنا يحسن للمؤلف أن يقول فلا زكاة
لأن الأحسن هنا (الفاء) دون الواو لأن هذه جملة مفرعة على ما قبلها والعطف
بالفاء في التفريع أولى من العطف بالواو لاحتمال الاستئناف في الواو بخلاف
الفاء ومن ثَمّ قلنا إن قول الله تبارك وتعالى: (فَإِنْ كَانَ لَهُ
إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) إنه يعم ما إذا كان الأخوة محجوبين بالأب
لأن هذه الجملة مفرعة على ما سبق ومتصل بها وأن ما ذهب إليه شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله وشيخنا عبد الرحمن السعدي في أنه إذا كان الأخوة
محجوبين بالأب فإنهم لا يحجبون الأم إلى السدس قول ضعيف مخالف لظاهر الآية
ومخالف لرأي جمهور العلماء فالمهم أن الفاء تدل على ارتباط ما بعدها بما
قبلها على كل حال لابد.
الشرط الثالث: أن تكون سائمة والسوم هو الرعي ومنه قوله تعالى: (وَمِنْهُ
شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) أى تسيمون الأنعام أى ترعونها فلا زكاة في
المعلوفة.
القارئ: ويعتبر السوم في معظم الحول لأنها لا تخلو من علف في بعضه فاعتباره
في الحول كله يمنع الوجوب بالكلية فاعتبر في معظمه
الشيخ: إذاً لابد أن تكون سائمة الحول أو أكثره فمثلاً سبعة أشهر مع خمسة
تكون سائمة وخمسة أشهر مع سبعة ليست سائمة وست مع ست ليست سائمة يعنى لابد
أن يكون الرعي أكثر الحول.
القارئ: وإن غصبها غاصب فعلَّفها معظم الحول فلا زكاة فيها لعدم السوم
المشترط وإن غصب معلوفة فأسامها ففيه وجهان أحدهما: لا زكاة فيها لأن
مالكها لم يسمها فلم يلزمه زكاتها كما لو علفها.
والثاني: تجب زكاتها لأن الشرط تحقق فأشبه ما لو كمل النصب في يد الغاصب.
باب زكاة الإبل
القارئ: وهي مقدرة بما قدّره به رسول الله صلى الله عليه فروى البخاري
بإسناده عن أنس أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب له حين وجهه إلى
البحرين: (بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله
صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله فمن سئلها من
المسلمين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعطه في أربعٍ وعشرين من
الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس
وثلاثين ففيها بنت مخاض فإن لم يكن بنت مخاض فابن لبون ذكر فإذا بلغ ستاً
وثلاثين إلى خمسٍ وأربعين ففيها بنت لبون أنثى فإذا بلغت ستاً وأربعين
ففيها حقة طروقة (الفحل) إلى ستين.
الشيخ: في المخطوط (الجمل) نسخة.
فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمسٍ وسبعين ففيها جذعة فإذا بلغت ستاً وسبعين
إلى تسعين ففيها بنتا لبون فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها
حقتان طروقتا الفحل فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي
كل خمسين حقة ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليست فيها صدقة إلا أن
يشاء ربها فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة).
أوجب فيما دون خمس وعشرين غنماً لأنه لا يمكن المواساة من جنس المال لأن
واحدة منها كثير وإخراج جزء تشقيص يضر بالمالك والفقير والإسقاط غير ممكن
فعدل إلى إيجاب الشياه جمعاً بين الحقوق وصارت الشياه أصلاً لو أخرج مكانها
إبلاً لم يجزئه لأنها عدل عن المنصوص عليه إلى غير جنسه فلم يجزئه كما لو
أخرجها عن الشياه الواجبة في الغنم.
ولا يجزيء إلا الجذع من الضأن والثني من المعز لأنها الشاة التي تعلق بها
حكم الشرع في سائر موارده المطلقة.
الشيخ: هذه زكاة الإبل بينها بعد أن ذكر الشروط العامة في السائمة ذكر زكاة
كل نوع منها على حده
وذكر حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه
وفيه فوائد منها جواز نقل العلم بالكتابة وهذا هو الذي عمل عليه المسلمون
من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى يومنا فقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم (اكتبوا لأبي شاة) فكتبوا له وقال أبو هريرة إنه ليس أحد من الناس
أكثر حديثاً مني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما كان من عبد الله
بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب وهذا أمر والحمد لله مجمع عليه ولا إشكال
فيه.
وفيه أن خطبة الحاجة لا تجب في كل موضع وهي (إن الحمد لله نحمده ونستعينه
ونستغفره) إلى آخره لأن أبا بكر لم يذكره في هذا الكتاب المعتمد الذي يسير
الناس عليه.
وفيها أن من سئل الزكاة على الوجه الشرعي وجب عليه إعطاؤها وظاهره أنه وإن
غلب على ظنه أن ولي الأمر لا يصرفها في مصارفها فإنه لو أعطاها ولي الأمر
برئت ذمته والمسؤولية على ولي الأمر إذا سأل الصدقة على وجه شرعي يسلمها
لكن إذا أمكن بعد علمه أن ولي الأمر لا يصرفها في مصارفها إذا أمكن أن يخفي
ما يخفي منها كان ذلك واجباً عليه أما المصادمة والامتناع وأن يقول لا فلا
يجوز لما في ذلك من الفساد.
ومنها حكمة الشرع في إيجاب الزكاة فأوجب فيما دون خمس وعشرين من الإبل أوجب
غنماً لأنه لا يحتمل المواساة من جنسها فأوجب فيها الغنم ولكن لو أخرج بدل
الغنم إبلاً فيقول المؤلف رحمه الله إنه لا يجزي وفي هذا نظر والصواب أنه
يجزيء إلا أن تكون الإبل أقل قيمة من الغنم فهنا لا يصح لأنه ربما يأتي
يومٌ من الأيام تكون الغنم أغنى من بنت المخاض حيث أن خمساً وعشرين فيها
بنت مخاض وأربع وعشرون فيها
أربع شياه ربما يأتي يوم من الأيام تكون
أربع شياه أغلى بكثير من بنت المخاض فهنا لو أخرج عن أربع وعشرين بنت مخاض
فإنه لا ينبغي القول بالإجزاء لأنه إنما فعل ذلك فراراً مما يجب أما لو
كانت المصلحة للفقير في إخراج بنت مخاض فلا شك أنه يجوز لأننا نعلم والمؤلف
رحمه الله يعلم حسب تعليله أنه إنما أوجبت الغنم فيما دون خمس وعشرين رفقاً
بالمالك فإذا عاد الأمر إلى العكس رجعنا إلى الأصل وهو أن الأصل أن تكون
زكاة الإبل من جنسها وفي هذا الحديث اعتبار الأوقاص وهو ما بين الفرضين هذا
يُلْغَى ليس فيه زكاة تسامحاً مع المالك وهنا لم يراع حق الفقير لأن الأصل
عدم الوجوب فلم يراع في ذلك جانب الفقير ولا يكمل الكسر فالأوقاص معتبرة في
السائمة في الإبل والبقر والغنم وأيضاً.
في هذا الحديث بيان أنه إذا زادت عن مائة وعشرين صار في كل أربعين بنت لبون
وفي كل خمسين حقة ففي مائة وعشرين ثلاث بنات لبون لو قال إنسان حقتان وألغى
الكسر فهذا لا يجوز وفي مائة وثلاثين بنتا لبون وحقة.
وفي مائة وأربعين حقتان وبنت لبون وفي مائة
وخمسين ثلاث حقاق وفي مائة وستين أربع بنات لبون وفي مائة وسبعين حقة وثلاث
بنات لبون وفي مائة وثمانين حقتان وبنتا لبون، في مائة وتسعين ثلاث حقات
وبنت لبون وفي مائيتين يتساوى الفرضان إن شاء أخرج خمس بنات لبون وإن شاء
أربع حقاق وعلى هذا فقس كل ما زادت عشراً فسوف يتغير الفرض ولابد فإن جعلت
الفرض واحداً مع زيادة العشر فاعلم أنك مخطيء في الإبل كلما زادت عشراً بعد
مائة وعشرين فسوف يتغير الفرض ولابد فإن حسبت ولم يتغير الفرض فاعلم أن
حسابك غلط واشترط المؤلف رحمه الله أنه لابد أن يكون جذعاً من الضأن وثني
من الماعز وذلك لأن الشاة إذا أطلقت في عرف الشرع فالظاهر أن هذا هو السن
المعتبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر
عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن) وعلى هذا فلا تجوز السخلة لابد من جذع من
الضأن أو ثني من الماعز والجذع من الضأن له ستة أشهر والثني من الغنم له
سنة.
السائل: هل يُعتبرمابين المائة والعشرين والمائة والثلاثين؟
الشيخ: ما بين العقد والعقد بين العشرة والعشرين والثلاثين والأربعين ما
فيه شيء لأنه وقص لكن إذا زاد عشراً لابد أن يتغير الفرض إذا زاد عن
العشرين والمائة فاعتبر العقود في كل أربعين بنت لبون الآن مثلاً مائة
وعشرون في كل أربعين بنت لبون عندنا من الأربعينات ثلاث بنات لبون إذا زادت
ووصلت إلى مائة وثلاثين جاءت الحقة وتنقص بنات اللبون فالواجب حقة وبنت
لبون.
السائل: ذكر المؤلف تعليل عند ذكر عدم إخراج الزكاة في الشياه المعلوفة
بكونها لا تقتنى للنماء هل فيها زكاة بسبب آخر؟
الشيخ: زكاة المعلوفة إذا كانت للتجارة فهي
عروض تجارة لأنها للنماء حتى لو كانت بعيراً واحداً أو شاة واحدة لكن إذا
كان الإنسان أعدها لبيته يشرب اللبن ويأكل الأولاد أو يبيع ما زاد عن حاجته
من أولادها أو من لبنها فهذه للاقتناء وليس على المؤمن في عبده ولا فرسه
صدقه ولهذا تجب أحياناً الإنسان عنده بقرة لو يعطى بها الدنيا كلها ما
باعها لأنه اتخذها لنفسه بخلاف التاجر فالتاجر لا يهمه فهو يشتري هذه اليوم
ويبيع غداً ولاحظوا أن كلام المؤلف في السائمة وأما التجارة فالمعتبر فيها
هو قيمته ولو فرض أن الغنم رخصت حتى لا تساوي الأربعون نصاباً من الفضة
فليس فيها زكاة.
السائل: بارك الله فيك هل يشترط في المخرج من الإبل من بهيمة الأنعام ما
يشترط في سنة الأضحية من السلامة من العيوب؟
الشيخ: يقول المؤلف لابد أن يكون المخرج بصفة المخرج عنه الطيب طيباً
والرديء رديئاً والمتوسط متوسطاً فإن كان مختلفاً فالوسط.
القارئ: ويعتبر كونها في صفة الإبل ففي السمان الكرام شاة سمينة كريمة وفي
اللئام والهزال لئيمة هزيلة لأنها سببها فإن كانت مراضاً لم يجوز إخراج
مريضة لأن المخرج من غير جنسها ويخرج شاة صحيحة على قدر المال ينقص من
قيمتها على قدر نقيصة الإبل.
الشيخ: المريضة في الحقيقة أولاً أن لحمها ليس بطيب وثانياً أنها عرضة
للهلاك القريب لأنها مريضة ولا حاجة تدعوا إلى ذلك لأنه من غير جنس المال
والكلام الآن في إخراج الغنم عن الإبل أما لو كان يريد أن يخرج من الإبل
والإبل كلها مراض أخرج مريضة لأنه لا يكلف أكثر مما عنده.
القارئ: ولا يعتبر كونه من جنس غنمه ولا غنم البلد لأنها ليست سبباً
لوجوبها فلم يعتبر كونها من جنسها كالأضحية.
الشيخ: في هذا فيه نظر يعني لو كان عنده غنم من غنم البلد وأتي بغنم أخرى
هذا فيه نظر لأن الأغنام تختلف وكذلك الإبل تختلف فالصواب أنه لابد أن تكون
من نوعها والنوع أخص من الجنس.
القارئ: ولا يجزيء فيها الذكر كالمخرجة عن
الغنم، ويحتمل أن يجزيء لأنها شاة مطلقة فيدخل فيها الذكر كالأضحية.
الشيخ: القاعدة في المذهب أنه لا يجزيء الذكر ولابد من أن يكون أنثى إلا
إذا كان النصاب كله ذكوراً فقالوا إنه يجزيء الذكر وهذا أيضاً فيه نظر لأن
الصواب أنه يعتبر ما قرره الشرع مثل بنت مخاض لا يخرج عنها ابن مخاض حتى لو
كان النصاب كله ذكوراً فإنه لابد أن يخرج ما نص عليه الشرع أما المذهب
فحجتهم رحمهم الله يقولون إننا لا نكلفه أن يخرج من غير جنس إبله فيقال إذا
قدرنا أن الإبل كلها جمال من أين تأتي بنت المخاض؟ هو مضطر للشراء الآن
ونقول له مادام أنك تريد أن تشتري فاشتر لأن هذه الإبل ما هي والده حتى
يكون عنده بنت مخاض فلابد من الشراء وحينئذٍ اشتر ما نص عليه الشرع.
القارئ: فإن عدم الغنم لزمه شراء شاة وقال أبو بكر يجزئه عشرة دراهم لأنها
بدل الشاة في الجبران ولا يصح لأن هذا إخراج قيمة فلم يجز كما في الشاة
المخرجة عن الغنم وليست الدراهم في الجبران بدلاً بدليل إجزائها مع وجود
الشاة.
الشيخ: عندي في المخطوط لأنها بدل (شاة الجبران) وما عندي أصح أو لأنها بدل
شاة في الجبران والجبران هو أن الإنسان إذا فقد سناً وجب عليه أخرج ما دونه
وزاد شاتين أو عشرين درهماً فقدره النبي عليه الصلاة والسلام بعشرين درهماً
ولكن الصواب أن هذا تقدير ويختلف باختلاف الأوقات ففي عهد الرسول صلى الله
عليه وسلم الشاة عن عشرة دراهم لكن في عهدنا الآن الشاة تبلغ المئات
فالصواب أنه يجبر بشراء الشاة.
فصل
القارئ: فإذا بلغت خمساً وعشرين أمكنت المواساة من جنسها فوجبت فيها بنت
مخاض وهي التي لها سنة ودخلت في الثانية سميت بذلك لأن أمها ماخض أي: حامل
بغيرها قد (حان ولادتها).
الشيخ: عندي في المخطوط (قد حان ولادها).
القارئ: فإن عدمها أخرج ابن لبون ذكراً وهو
الذي لها سنتان ودخل في الثالثة سمي بذلك لأن أمه لبون أي ذات لبن وصار نقص
الذكورية مجبوراً بزيادة السن فإن عدمه أيضاً لزمه شراء بنت مخاض لأنهما
استويا في العدم فأشبه ما لو استويا في الوجود ولأن تجويز ابن لبون للرفق
به إغناءً له عن كلفة الشراء ولم يحصل الإغناء عنها هاهنا فرجع إلى الأصل
ومن لم يجد إلا بنت مخاض معيبة فهو كالعادم لأنه لا يمكن إخراجها وأن وجدها
أعلى من صفة الواجب أجزأته فإن أخرج ابن لبون لم يجزئه لأن ذلك مشروط بعدم
ابنة مخاض مجزئة.
وأن اشترى بنت مخاض على صفة الواجب جاز ولا يجبر نقص الذكورية بزيادة السن
في غير هذا الموضع وقال القاضي: يجوز أن يخرج عن بنت لبون حقة وعن الحقة
جذعاً مع عدمهما لأنه أعلى، وأفضل فيثبت الحكم فيها بالتنبيه ولا يصح لأنه
لا نص فيهما وقياسهما على ابن لبون ممتنع لأن زيادة سنة يمتنع بها من صغار
السباع ويرعى الشجرة بنفسه ويرد الماء ولا يوجد هذا في غيره.
فصل
القارئ: فإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون وفي ست وأربعين حقة وهي
التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة سميت بذلك لأنها استحقت أن يطرقها
الفحل وتركب وبهذا قال في الحديث (طروقة الفحل)
الشيخ: عندي في المخطوط (طروقة الجمل) نسخة.
القارئ: وفي إحدى وستين جذعة وهي التي ألقت سناً ولها أربع سنين ودخلت في
الخامسة وهي أعلى سن يؤخذ في الزكاة
الشيخ: إذاً الثنية ما تدخل فإنه ليس في الزكاة ما تبلغ سن الثنية لأن
الثنية لها خمس سنوات والجذعة أربع سنوات.
القارئ: وفي ستٍ وسبعين ابنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومائة
وإذا زادت واحدة ففيها ثلاث بنات لبون وعنه (لا يعتبر) الفرض حتى تبلغ
ثلاثين ومائة.
الشيخ: عندي في المخطوطة (لا يتغير) وهو أحسن.
القارئ: فيكون فيها حقة وبنتا لبون والصحيح
الأول لأن في حديث الصدقات الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان
عند آل عمر بن الخطاب (فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون)
وهذا نص وهو حديث حسن ولو زادت جزءاً من بعير لم يتغير الفرض به لذلك ولأن
سائر الفروض لا تتغير بزيادة جزء ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين
حقة للحديث الصحيح.
السائل: قول المؤلف (لا يتغير الفرض حتى تبلغ ثلاثين ومائة) ما معناه؟
الشيخ: يعنى مائة وواحد وعشرون ما يتغير، الفرض كمائة وعشرين حتى تبلغ مائة
وثلاثين يعنى بدل مائة وعشرين نجعله مائة وثلاثين لكن الصحيح الأول لأن هو
الذي دل عليه حديث أبي بكر رضي الله عنه أن مائة وإحدى وعشرين يتغير به
الفرض.
السائل: الحديث السابق ظاهره بأن الأنثى أفضل من الذكر والناس يعرفون أن
الذكر لاسيما في إكرام الضيف أفضل من الأنثى فهل إذا نزل به ضيف وتوفر له
هذا وهذا فهل يقدم الأنثى؟
الشيخ: أولاً أن كون الذكر أفضل من الأنثى عند الناس غير مسلّم ولهذا إذا
رأى اللحمة الشديدة المضغ قالوا هذه لحمة جمل وإذا رأى اللحمة الهشة قالوا
هذه لحمة أنثى.
السائل: إذا كان عليهم زكاة بنت مخاض وليس عندهم وإنما عندهم ابن لبون فهل
يجزيء؟
الشيخ: يجوز من باب أولى عن بنت مخاض يعنى الممنوع حقة عن بنت لبون فلا
يقاس على ابن لبون عن بنت مخاض.
فصل
القارئ: فإذا بلغت مئتين اتفق الفرضان أربع حقاق أو خمس بنات لبون أيهما
أخرج أجزأه وإن كان الآخر أفضل منه والمنصوص عنه فيها أربع حقاق وهذا محمول
على أن ذلك فيها بصفة التخيير لأن في كتاب الصدقات الذي عند آل عمر رضي
الله عنه فإذا كانت مئتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أيُّ السنين
وُجدت عنده أخذت منه ولأنه اتفق الفرضان في الزكاة فكانت الخيرة لرب المال
كالخيرة في الجبران.
الشيخ: الجبران شاتان أو عشرون درهماً.
القارئ: وإن كان المال ليتيم لم يخرج عنه
إلا أدنى السنين لتحريم التبرع بمال اليتيم فإن أراد إخراج الفرض من السنين
على وجه يحتاج إلى التشقيص كزكاة لمئتين لم يجز وإن لم يحتج إليه كزكاة
ثلاثمائة يخرج عنها حقتين وخمس بنات لبون جاز.
الشيخ: زكاة المئتين خمس بنات لبون أو أربع حقاق وقوله (لم يجز وإن لم يحتج
إليه كزكاة ثلاثمائة يخرج منها حقتين وخمس بنات لبون جاز) الظاهرأن قصده في
ذلك لو أخرج خمس بنات لبون في المئتين وأربع حقاق وقال أنا أريد أن أخرج
ثلاث حقاق وبنت لبون وقيمة نصف بنت اللبون لأنه ينقص زكاة عشر مما عنده
وقال نريد نسلم جزء بنت لبون أو ما أشبه ذلك ما يصح فالتشقيص معناه أن يجعل
الشيء أشقاصاً أى أجزاءً مثلاً الآن نقول في المئتين خمس بنات لبون أو أربع
حقاق وقال أخرج حقتين ويقابلهن مئة من الإبل ولو قال سأخرج بنتي لبون
فيقابلهن ثمانين من الإبل ويبقى عشرون والعشرون يريد أن يخرج عنهن نصف بنت
لبون نقول ما يصلح هذا لأن هذا تشقيص يعنى تجزئه.
وقول المؤلف (وإن لم يحتج إليه كزكاة ثلاثمائة يخرج عنها حقتين، وخمس بنات
لبون) هذه ما فيها تشقيص والحاصل أنه لا يمكن أن يخرج عن الزكاة شيئا يحتاج
إلى مشاركة لأن في ذلك ضرراً على رب المال وعلى أصحاب الزكاة حيث قد يحصل
نزاع بينهم عند التقويم أو ما أشبه ذلك.
القارئ: وإن وجدت أحدى الفريضتين دون
الأخرى أو كانت الأخرى ناقصة تعين إخراج الكاملة لأن الجبران بدل لا يصار
إليه مع وجود الفرض الأصلي وإن احتاجت كل فريضة إلى جبران أخرج ما شاء منها
فإن كان عنده ثلاث حقاق وأربع بنات لبون فله إخراج الحقاق وبنت اللبون مع
الجبران أو بنات اللبون وحقة ويأخذ الجبران وإن أعطى حقة وثلاث بنات لبون
مع الجبران لم يجزئه لأنه يعدل عن الفرض مع وجوده إلى الجبران ويحتمل
الجواز فإن كان الفرضان معدومين أو معيبين فله العدول إلى غيرهما مع
الجبران فيعطي أربع جذعات ويأخذ ثماني شياه أو يخرج خمس بنات مخاض وعشر
شياه وإن اختار أن ينتقل من الحقاق إلى بنات المخاض مع الجبران أو من بنات
اللبون إلى الجذعات مع الجبران لم يجز لأن الحقاق وبنات اللبون منصوص عليهن
(فلا تصعد) إلى الحقاق بجبران ولا ولا ينزل إلى بنات اللبون بجبران.
الشيخ: (فلا يصعد) نسخة بالمخطوط.
الشيخ: هذه مسائل يمكن بالحساب تدرك فمن أخرج أقل فعليه الجبران ومن أخرج
أكثر، فله الجبران تعرف بالحساب.
فصل
القارئ: ومن وجبت عليه فريضة فعدمها فله أن يخرج فريضة أعلى منها بسنة
ويأخذ شاتين أو عشرين درهما أو فريضة أدنى منها بسنة أو معها شاتان وعشرون
درهماً.
الشيخ: بالرفع يصلح ومعها شاتين التقدير يدفع معها شاتين أو عشرين درهم لكن
مادام الأولى شاتان فالأصل في العطف أن يكون المعطوف مساوياً للمعطوف عليه
عشرون درهم.
القارئ: لما روى أنس في كتاب الصدقات الذي
كتبه أبو بكر رضي الله عنه قال: (ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست
عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له
أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة
فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهماً ومن بلغت عنده
صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطى شاتين
أو عشرين درهما ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقه فإنها تقبل منه ويعطيه
المصدق شاتين أو عشرين درهما فأما إن وجبت عليه جذعة فأعطى مكانها ثنية
بغير جبران جاز.
وإن طلب جبراناً لم يعط لأن زيادة سن الثنية غير معتبر في الزكاة وإن عدم
بنت المخاض لم يقبل منه فصيل بجبران ولا غيره لأنه ليس بفرض ولا أعلي منه.
والخيرة في النزول والصعود والشياه والدراهم إلى رب المال للخبر فإن شاء
أعطى شاة وعشرة دراهم أوأخذ ذلك جاز وذكره القاضي لأن الشاة مقام عشرة
دراهم فكانت الخيرة إليه فيهما مفردين ويحتمل المنع لأن الشارع جعل له
الخيرة له في شيئين وتجويز هذا يجعل له الخيرة في ثلاثة أشياء.
الشيخ: عندي في المخطوط (من أراد إعطاء شاة وعشرة دراهم)، يعنى إن شاء أعطى
شاتين أو عشرين درهماً أو شاة وعشرة.
القارئ: وإن كان النصاب مريضاً لم يجز له
الصعود إلى الفرض الأعلى بجبران لأن الشاتين جعلتا جبراناً لما بين صحيحين
فيكون أكثر مما بين المريضين وإن أراد النزول ويدفع الجبران جاز لأنه متطوع
بالزيادة ومن وجبت عليه فرض فلم يجد إلا أعلى منه بسنتين أو أنزل منه
بسنتين فقال القاضي يجوز أن يصعد إلى الأعلى ويأخذ أربع شياه أو أربعين
درهما أو ينزل إلى الأنزل ويخرج معه أربع شياه أو أربعين درهماً لأن الشارع
جوز له الانتقال إلى الذي يليه وجوز الانتقال من الذي يليه إلى ما يليه إذا
كان هو الفرض وهاهنا لو كان موجوداً أجزأ فإذا عدم جاز العدول إلى ما يليه
وقال أبو الخطاب لا يجوز لأن النص إنما ورد بالانتقال إلى ما يليه فأما إن
وجد سناً يليه لا يجوز له الانتقال إلى الأبعد لأن النبي صلى الله عليه
وسلم أقام الأقرب مقام الفرض ولو وجد الفرض لم ينتقل عنه فكذلك إذا وجد
الأقرب لم ينتقل عنه.
الشيخ: الظاهر أن كلام أبي الخطاب أحسن فمثلاً إنسان عليه فرض ولكنه ليس
عنده فينتقل إلى الفرض الذي يليه من بنت المخاض إلى بنت لبون لكن ما عنده
بنت لبون وعنده حقة ينتقل إلى الحقة لكن هل يأخذ جبرانين أو لا؟ هذا هو محل
إشكال فعند القاضي يجوز أن يأخذ جبرانين لأنه لو انتقل من السن الذي عنده
إلى الذي يليه استحق شاتين ولو انتقل من السن الذي يليه مكان الواجب استحق
شاتين فتكون شاتان لهذا ولهذا أربع شياه هذا إذا كان معدوماً أما إذا كان
موجوداً فلا إشكال أنها لا يجوز لأنه لو كان عنده بنت لبون والواجب عليه
بنت مخاض وعنده بنت لبون وحقة فهنا نقول لا يمكن أن يأخذ جبرانين إذا أخرج
الحقة لأنه أمكنه الأصل.
مسألة: لا يمكن أن يذبح التبيع الذي وجب عليه لابد أن يعطيه المستحق حياً
وله أن يقول للفقراء المستحقين للزكاة يا فلان ويا فلان ويا فلان هذا العجل
بينكم.
مسألة ثانية هل يجوز إخراج القيمة عن
الواجب عند الحاجة؟ الصحيح أنه لا بأس به فيجوز إخراج القيمة إذا احتاج إلى
ذلك مثل أن يقول كم قيمة التبيع؟ قيمته مثلاً خمسمائة ريال يخرج خمسمائة
ريال عند الحاجة كل الأموال الزكوية عند الحاجة لا بأس بذلك.
القارئ: وإن أراد أن يخرج مكان الأربع شياة شاتين وعشرين درهماً جاز لأنهما
جبران فيهما كالكفارتين ولا مدخل للجبران في غير الإبل لأن النص فيها ورد
وليس غيرها في معناها.
السائل: ماذا يفعل إذا لم يجد الواجب ولا الذي يليه؟
الشيخ: يشتري الواجب أو يخرج الأعلى بدون جبران؟ وعلى كل حال مادام عنده
الحقة والواجب بنت مخاض وليس عنده بنت لبون نقول أخرج الحقة لكن هل نعطيه
أربع شياه؟ لا ليس له إلا شاتين فقط.
باب صدقة البقر
القارئ: روى الإمام أحمد رضي الله عنه عن يحيى بن الحكم أن معاذاً قال:
(بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدِّق أهل اليمن فأمرني أن آخذ من
البقر من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة فعرضوا علي أن آخذ ما بين
الأربعين والخمسين وما بين الستين والسبعين وما بين الثمانين والتسعين
فقدمت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن لا آخذ فيما بين ذلك).
الشيخ: في المخطوط (ومن الستين تبيعين ومن السبعين مسنة وتبيعاً ومن العشرة
ومائة مسنتين وتبيعاً ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات أو أربع أتباع وأمرني
أن لا آخذ فيما بين ذلك شيئا).
القارئ: فأول نصابها ثلاثون وفيها تبيع أو تبيعة وهو الذي له سنة ودخل في
الثانية وفي الأربعين مسنة وهي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة ويتفق
الفرضان في مائة وعشرين فيخرج رب المال أيهما شاء للخبر ولما ذكرنا في
الإبل.
فصل
القارئ: ولا يؤخذ في الصدقة إلا الأنثى
لورود النص بها وفضلها بدرها ونسلها إلا الأتبعة في البقر حيث وجبت وابن
لبون مكان بنت مخاض إذا عدمت فإن كانت ماشيته كلها ذكوراً جاز إخراج الذكر
في الغنم وجهاً واحدا لأن الزكاة وجبت مواساة والمواساة إنما تكون بجنس
المال ويجوز إخراجه في البقر في أصح الوجهين لذلك وفي الإبل وجهان أحدهما
يجوز لذلك والآخر لا يجوز لإفضائه إلى إخراج ابن لبون عن خمس وعشرين وست
وثلاثين وفيه تسويةٌ بين النصابين فعلى هذا يخرج أنثى ناقصة بقدر قيمة
الذكر وعلى الوجه الأول يخرج ابن لبون عن النصابين ويكون التعديل بالقيمة
ويحتمل أن يخرج ابن مخاض عن خمس وعشرين فيقوم الذكر
مقام الأنثى التي في سنه كسائر النُصُب ويحتمل أن لا يخرج الذكر فعلى هذا
يخرج أنثى ناقصةً بقدر قيمة الذكر وعلى الوجه الأول يخرج ابن لبون عن
نصابين ويكون التعديل بالقيمة.
فصل
القارئ: والجواميس نوع من البقر والبخاتي نوع من الإبل والضان والمعز جنس
واحد فإذ كان النصاب نوعين أو كان فيه سمان ومهازيل وكرام ولئام أخرج الفرض
من أيهما شاء على قدر المالين فإن كان نصفين وقيمة الفرض من أحدهما عشرة
ومن الآخر عشرين أخذه من أيهما شاء قيمته خمسة عشر إلا أن يرضى رب المال
بإخراج الأجود.
الشيخ: إذا اختلف النوع فإنه يأخذ من أحد النوعين على قدر المالين وإن
أعطاه رب المال من الأطيب فهذا خير وإن أخذ المصَّدِّق أخذ من الأدنى فهل
يحل له ذلك؟ الجواب لا لايحل له ذلك لأن هذا فيه ضرر على أهل الزكاة.
باب صدقة الغنم
القارئ: وأول نصابها أربعون: وفيها شاة إلى مائة وعشرين فإذا زادت واحدة
ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدةً ففيها ثلاث شياه ثم في كل مائة
شاةٍ شاة لما روى أنس في كتاب الصدقات (وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين
إلى عشرين ومائة شاة فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان فإذا زادت على
مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة
شاة فإن كانت سائمة الرجل ناقصةً عن أربعين شاة شاة واحدة فليس فيها صدقة
إلا أن يشاء ربها).
وعن أحمد أن في ثلاثمائة وواحدة أربع شياه ثم في كل مائة شاةٍ شاة اختارها
أبو بكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الثلاثمائة غاية فيجب تغير الفرض
بالزيادة عليها والأول أصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل حكمها إذا
زادت على الثلاثمائة في كل مائة شاة فإيجاب الأربع فيما دون الأربعمائة
يخالف الخبر وإنما جعل الثلاثمائة حداً لاستقرار الفرض.
الشيخ: وهذا هو الصحيح أنه إذا بلغت ثلاثمائة وزادت ففي كل مائة شاة ففي
الثلاثمائة ثلاث شياه وفي الأربعمائة أربع شياه والوقص الآن مائة وتسع
وتسعون شاة كل هذا ما فيه شيء يعني ثلاثمائة وواحدة وثلاثمائة وتسع وتسعون
الزكاة واحدة فيها ثلاث شياه وليس لنا أن نسأل لماذا هذا الفرق العظيم؟
نقول لأن هذا حكم الله ورسوله والله ورسوله أعلم وأحكم.
فصل
القارئ: ولا يجزيء في الغنم إلا الجذع من الضأن وهو ما له ستة أشهر والثني
من المعز وهو الذي له سنة لما روى سعر بن ديسم قال أتاني رجلان على بعير
فقالا إنا رسولا رسول الله صلي الله عليه وسلم لتؤدي صدقة غنمك قلت فأي شيء
تأخذان؟ قالا عناقاً جدعة أو ثنية رواه أبو داود.
ولأن هذا السن هو المجزيء في الأضحية دون غيره كذلك في الزكاة فإن كان في
ماشيته كبار وصغار لم يجب فيها إلا المنصوص ويؤخذ الفرض بقدر قيمة المالين
ولذلك قال عمر: اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي (على يده) ولا تأخذها
منهم.
الشيخ: في المخطوط (على يديه) مثني وهي
نسخة.
القارئ: فإن كانت كلها صغاراً جاز إخراج الصغير لقول الصديق رضي الله عنه:
لو منعوني عناقاً كان يؤدونها إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم لقاتلتهم
عليها ولا تودى العناق إلا عن صغار ولأن الزكاة تجب مواساة فيجب أن تكون من
جنس المال وقال أبو بكر لا تجزيء إلا كبيرة للخبر.
الشيخ: وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر أن تؤخذ إما جدعة وإما ثنية
وحينئذ نحتاج إلى الجواب عن حديث أبي بكر فيقال إن أبا بكر أراد بذلك
المبالغة يعني لو منعوني حتى الصغيرة لقاتلتهم بدليل أن بعض ألفاظ الحديث
لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لكن من حيث النظر قد يقال إن الأرجح أنه لا
بأس في إخراج الصغيرة إذا كان النصاب كله صغاراً لأنه لا يكلف الإنسان
شيئاً ليس في ماله منه.
القارئ: فإن كانت ماشيته الصغار إبلاً أو بقرا ففيه وجهان أحدهما: تجزئه
الصغيرة لما ذكرناه في الغنم وتكون الصغيرة الواجبة في ست وأربعين زائدة
على الواجبة في ست وثلاثين بقدر تفاوت ما بين الحقة وبنت اللبون وهكذا في
سائر النُصب تعدل بالقيمة والثاني لا يجزيء إلا كبيرة لأن الفرض يتغير
بزيادة السن فيؤدي إخراج الصغيرة إلى التسوية بين النصابين فعلى هذا يخرج
كبيرةً ناقصة القيمة بقدر نقص الصغار عن الكبار وعنه أيضا لا ينعقد على
الصغار الحول حتى تبلغ سناً يجزيء في الزكاة لئلا يلزم هذا المحذور.
الشيخ: كل هذه الروايات الثلاث تحتاج إلى تأمل أيها الأرجح لكن الأقرب
إتباع النص في كل خمس وعشرين بنت مخاض ويمشى على ما جاء به النص لكن تكون
جيدة أو تكون أقل بحسب قيمة الصغار هذا أقرب الروايات الثلاث مع أنها تحتاج
إلى تأمل.
السائل: هل بلوغ السن المعتبرة في المخرج فقط؟
الشيخ: النصاب ذكر المؤلف إذا كان فيه صغار
وكبار هذا ما فيه إشكال لكن إذا كان كله صغار ذكر المؤلف فيها الخلاف هل
لابد من أن يكون جدعاً وثنياً على قدر قيمة الصغار أو له أن يخرج من الصغار
هذا في الغنم وفي الإبل والبقر الشارع قدره تبيعاً وتبيعة ومسناً ومسنة
والإبل بنت مخاض وبنت لبون وحقة، وجذعة فهل يجب أن نخرج ما نص عليه الشرع
أو نقول يخرج من الصغار أو نقول الصغار لا ينعقد عليها الحول لأن النبي
عليه الصلاة والسلام قال فيها كذا وكذا فلابد أن تبلغ السن المقدرة أقول
هذه كلها تحتاج إلى تأمل لكن الذي نرى أنه أقرب هو أن يتبع في ذلك النص
فالنص بنت مخاض وبنت لبون وحقة وجذعة.
فصل
القارئ: ولا يجزي في الصدقة هرمة ولا معيبة ولا تيس لقول الله تعالى: (وَلا
تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) وروى أنس في كتاب الصدقات (ولا
يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس) وروى أبو داود عن النبي صلى
الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان من عَبَد الله
وحده وأنه لا إله إلا هو وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة عليه كل عام
ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة ولكن من وسط
أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره) الشرط: رذالة المال
والدرنة: الجرباء.
فإن كان بعض النصاب مريضاً وبعضه صحيحا لم يأخذ إلا صحيحة على قدر المالين،
وإن كان كله مريضاً أخذت مريضةً منه وقال أبو بكر: لا يؤخذ إلا صحيحةً
بقيمة المريضة والقول في هذا كالقول في الصغار.
فصل
القارئ: ولا يؤخذ في الصدقة الرُبَّى وهي (التي تربى في البيت للبنها)
الشيخ: عندي في المخطوط (التي تربي ولدها) وهي نسخة.
القارئ: ولا الماخض وهي الحامل ولا التي
طرقها الفحل لأن الغالب أنها حامل ولا الأكولة وهي السمينة ولا فحل الماشية
ولا فحل الماشية المعد لضرابها ولا حزرات المال وهي خياره تحزره العين
لحسنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (إياك وكرائم أموالهم) متفق
عليه وقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله لم يسألكم خيره) وقال عمر رضي الله
عنه لساعيه: لا تأخذ الربى ولا الماخض ولا الأكولة ولا فحل الغنم قال
الزهري إذا جاء المصَّدِّق قسم الشاء أثلاثاً: ثلثاً خيار وثلثاً شراراً
وثلثاً وسطا ويأخذ المصدق من الوسط فإن تبرع المالك بدفع شيءٍ من هذا أو
أخرج عن الواجب أعلى منه من جنسه جاز لأن المنع من أخذه لحقه فجاز برضاه
كما لو دفع فرضين مكان فرض فإذا دفع حقةً عن بنت لون أو تبيعين مكان الجذعة
جاز ذلك ولأن التبيعين يجزيئان عن الأربعين مع غيرها فلأن يجزيئا عنها
مفردةً أولى وقد روى أبو داود عن أبيّ بن كعب (أن رجلاً قدم على النبي صلى
الله عليه وسلم فقال يا نبي الله
أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي فزعم أن ما عليّ فيه بنت مخاض فعرضت عليه
ناقة فتية سمينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك الذي وجب عليك
فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك فقال ها هي ذه يا رسول الله فأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها ودعا له بالبركة).
فصل
القارئ: ولا تجزيء القيمة في شيء من الزكاة
وعنه تجزيء لأن المقصود غنى الفقير بقدر المال والأول المذهب لأن النبي صلى
الله عليه وسلم ذكر هذه الأعيان المنصوص عليها بياناً لما فرضه الله فإخراج
غيرها ترك للمفروض وقوله: (فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر) يمنع إخراج
ابن اللبون مع وجود ابنة المخاض ويدل على أنه أراد العين دون المالية فإن
خمساً وعشرين لا تخلو عن مالية ابنة المخاض وإخراج القيمة يخالف ذلك ويفضي
إلى إخراج الفريضة مكان الأخرى من غير جبران وهو خلاف النص واتباع السنة
أولى وقد روي عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال
(خذ الحب من الحب والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقرة من البقر) رواه
أبو داود.
الشيخ: هذه المسألة مختلف فيها القول الأول أنها لا تجزيء القيمة مطلقاً
وهذا هو المذهب والقول الثاني أنها تجزيء إذا كانت بقدر الواجب وهو رواية
عن أحمد والقول الثالث أن القيمة لا تجزيء إلا لحاجة أو مصلحة وهذا هو
الصحيح إلا في صدقة الفطر فإن صدقة الفطر يجب أن تخرج صاعاً من طعام ولا
تجزيء فيها القيمة أما قولنا لحاجة أو مصلحة فالحاجة مثل أن يبيع الإنسان
نصابه بعد تمام الحول فهنا هو محتاج إلى أن يخرج القيمة لأن نصابه قد خرج
عن ملكه وأما المصلحة فمثل أن يختار الفقير المال على البهائم فيقول أنا
أحب هذا وهو أحب إلي وأريح لي فهذه مصلحة وهذا قول وسط بين القول بالجواز
مطلقا والقول بالمنع مطلقا فيقال إذا كان هناك حاجة أو مصلحة فلا بأس وإلا
فلا.
باب حكم الخُلْطة
القارئ: وهي ضربان خُلطة أعيان: بأن يملكا مالاً مشاعاً يرثانه أو يشتريانه
أو غير ذلك وخُلطة أوصاف وهي أن يكون مال كل واحد منهما متميزاً فخلطاه ولم
يتميزا في أوصاف نذكرها وكلاهما يؤثر في جعل مالهما كمال الواحد في شيئين
أحدهما: أن الواجب فيهما كالواجب في مال الواحد فإن بلغا معاً نصباً ففيهما
الزكاة وإن زادا على النصاب لم يتغير الفرض حتى يبلغا فريضة ثانية فلو كان
لكل منهما واحد عشرون كان عليهما شاة وإن كان لكل واحد منهما ستون لم يجب
أكثر من شاة.
الشيخ: ستون مع ستين مجموعهما مائة وعشرون فيها شاة واحدة مع أنه لو انفردا
لكان كل واحد عليه شاة.
القارئ: وإن كان لهما مال غير مختلط تبع المختلط في الحكم فلو كان لكل واحد
منهما ستون فاختلطا في أربعين لم يلزمهما إلا شاة في مالهما كله لأن مال
الواحد يضم بعضه إلى بعض في الملك فيَضمُ الأربعين المنفردة إلى العشرين
المختلطة فيلزم انضمامها إلى العشرين التي لخليطه فيصير الجميع كمالٍ واحد،
ولو كان لرجل ستون شاةً كل عشرين منها مختلطة بعشرين لآخر فالواجب شاة
واحدة نصفها على صاحب الستين ونصفها على الخلطاء على كل واحد سدس شاة لما
ذكرناه فإن كان لأحدهم شاة مفردة لزمهم شاتان.
والثاني أن للساعي أخذ الفرض من أيهما شاء سواء دعت إليه حاجة لكون الفرض
واحدا أو لم تدع إليه حاجة بأن يجد فرض كل واحد منهما في ماله لأن مالهما
صار كالمال الواحد في الإيجاب فكذلك في الإخراج ولذلك قال النبي صلى الله
عليه وسلم (وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) رواه
البخاري يعنى: إذا أخذ الفرض من مال أحدهما.
والأصل في الخلطة ما روى أنس في حديث الصدقات (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق
بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية)
ولأن الماليين صارا كالمال الواحد في المؤن فكذلك في الزكاة.
الشيخ: الخلطة نوعان خلطة أعيان وخلطة
أوصاف فخلطة الأعيان: أن يشترك الرجلان في النصاب اشتراك ملك مثل أن يرثا
من أبيهما أربعين شاة أو مائة شاة هذه نسميها خلطة أعيان وهذه ظاهر أنها
إذا بقيت لم تقسم فإن الزكاة تؤخذ منها.
والثاني: خلطة أوصاف: بأن يتميز مال كل واحد منهما عن الآخر لكن يشترك
المالان فيما سيذكره المؤلف فهنا مال كل واحد منهما متميز عن الآخر لكن عند
اختلاطهما يكونان كالمال الواحد ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم
(ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) والخلطة قد تفيد
تشديداً وقد تفيد تخفيفاً فإذا كان عند كل واحد عشرون شاة وخلطاها وجب
عليهما شاة ولو لم يخلطاها فليس عليهما شيء إذاً الخلطة هنا صارت أشد
وأوجبت التشديد ولو كان عند كل واحد منهما ستون شاة وخلطاها فصار مائة
وعشرين لم يجب فيها إلا شاة واحدة فأفادت تخفيفاً.
فصل
القارئ: ويعتبر في الخلطة شروط خمسة: أحدها: أن تكون في السائمة ولا تؤثر
الخلطة في غيرها وعنه تؤثر فيها خلطة الأعيان لعموم الخبر ولأنه مال تجب
فيها الزكاة فأثرت الخلطة فيه كالسائمة ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم
(والخليطان ما اجتمعا على الحوض والراعي والفحل) رواه الدارقطني.
الشيخ: الخلطة لا تؤثر إلا في بهيمة
الأنعام فقط أما غيرها من الأموال فلا تؤثر وعلى هذا لو كان رجلان مشتركين
في نخل لهما أنصافاً وهذا النخل نصاب واحد فقط فهل عليهما زكاة؟ ليس عليهما
زكاة لأن نصيب كل واحد منهما لا يبلغ النصاب فلا زكاة وكذلك لو اشترك اثنان
في مال وحيث أن نصاب الفضة مائتا درهم فأحدهما أتى بمائة والثاني أتى بمائة
وصارا يبيعان ويشتريان فيه وفي آخر الحول صار المال ثلاثمائة كان بالأول
مئتين وصار الآن ثلاثمائة هل فيها زكاة؟ ليس فيها زكاة مع أن النصاب مائتان
لكن لو نظرنا لنصيب كل واحد منهما لكان دون النصاب والخلطة لا تؤثر إلا في
البهائم السائمة فقط هذا هوالمشهور في المذهب والرواية الثانية عن أحمد
رحمه الله أن خلطة الأعيان مؤثرة وهذا القول هو الراجح لأن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يبعث العمال لأخذ الزكاة من الثمار ومعلوم أنه لا تخلو من
الشركة لو لم يكن منها إلا أن المساقي وصاحب الأصل شريكان ومع ذلك كان
النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ مما بلغ النصاب ولا يسأل هل له مشارك أو لا؟
فالصواب أن الخلطة مؤثرة في خلطة الأعيان أما الأوصاف كما لو كان هذان
المالان في مخزن واحد وفي متجر واحد ويبيعهما دلال واحد فهذه لا تؤثر في
غير المواشي فصارت الخلطة الآن على نوعين النوع الأول خلطة الأعيان والصحيح
أنها مؤثرة في المواشي وغيرها وخلطة أوصاف وهذه لا تؤثر إلا في المواشي فقط
والحديث الذي ذكره المؤلف مستدل به على عدم تأثير الخلطة في غير السائمة لا
يدل على ما أراد لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الخليطان) يعنى أن
خليطي الأوصاف ما اجتمعا في كذا وكذا.
القارئ: وهذا تفسير للخلطة المعتبرة شرعا
فيجب تقديمه ولأن الخلطة في السائمة أثرت في الضرر لتأثيرها في النفع وفي
غيرها لا تؤثر في النفع لعدم الوقص فيها وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا
يجمع بين متفرق خشية الصدقة) دليل على اختصاص ذلك بالسائمة التي تقل الصدقة
بجمعها لأجل أوقاصها بخلاف غيرها.
الثاني أن يكون الخليطان من أهل الزكاة فإن كان أحدهما مكاتباً أو ذمياً
فلا أثر لخلطته لأنه لا زكاة في ماله فلم يكمل به النصاب.
الشيخ: الشرط الثاني واضح أنه لابد أن يكون الخليطان من أهل الزكاة فإن كان
الخليط من غير أهل الزكاة فلا أثر له مثل أن يشترك ذمي ومسلم في ماشية
اشتراك أوصاف فإن هذا الخلطة لا تؤثر ويعتبر مال المسلم وحده على حدة إن
بلغ الزكاة ففيه الزكاة وإن لم يبلغ فلا زكاة فيه أما المكاتب فيقولون إنه
ليس في ماله زكاة والصحيح أن في ماله الزكاة لأن هذا المكاتب إما أن يستطيع
الوفاء فيعتق وإما أن لا يستطيع فيكون ماله لسيده فماله الآن له مالك، إما
أن يملكه هو إن قدر على وفاء دين الكتابة وإما أن يملكه السيد فهو ليس
ضائعاً.
السائل: بارك الله فيكم ما الفرق بين خُلطة الأعيان وخلطة الأوصاف؟
الشيخ: الفرق بينهما أن خلطة الأوصاف كل واحد من الخليطين له مال مستقل
وخلطة الأعيان المال مشترك بين الخليطين مثال ذلك رجلان مات أبوهما وخلف
لهما مائة شاة الخلطة خلطة أعيان لأن كل واحد له من كل ذرة من الغنم نصيب
والمثال الثاني رجلان كل واحد منهما له خمسون شاة فخلطاها يعني جعلاها
سواءً يعني ترعى جميعاً وترجع من المرعى جميعاً والفحل واحد حسب ما سيذكر
في الأوصاف الآن ما ل كل واحد منهما مستقل متميز عن الآخر كل واحد يعلم أنه
هذه له وهذه لصاحبه.
السائل: لو توفي رجل عن ابنين وارتد أحدهما بعد أخذ نصيبه كيف يزكي المسلم
حقه؟
الشيخ: يزكي المسلم منهما حقه إذا كان يبلغ
النصاب زكاه وإن لم يبلغ النصاب فلا زكاة عليه إلا إذا كان عنده من جنسه
فيضمه إليه والزكاة على نصفه أما الثاني ما عليه زكاة.
السائل: الذي ماله من حرام هل عليه زكاة؟
الشيخ: نعم هذا ما تعتبر زكاته مطهرة لماله ولا مطهرة لإيمانه هذا حق
الفقراء لابد أن يؤخذ منه والله ما يقبل إلا طيباً أرأيت الإنسان إذا سرق
مالاً وتاب وتصدق به تخلصاً منه هل يقبله الله على أنه صدقة؟ لا يقبله لكن
تبرأ به الذمة.
السائل: لماذا لا نقيس عليه الفوائد المأخوذة من البنوك؟
الشيخ: إذا تاب لا بأس أن يصرفها في أي مصرف لكن لا يتقرب إلى الله تعالى
بالصدقة بها يتقرب إلى الله بالتوبة منها.
القارئ: الشرط الثالث: أن يختلطا في نصاب فإن اختلطا فيما دونه مثل أن
يختلطا في ثلاثين شاة لم تؤثر الخلطة سواء كان له مال سواه أو لم يكن لأن
المجتمع دون النصاب فلم تجب الزكاة فيه.
الشيخ: وظاهره ولو كان له مال من جنس مختلط مثاله رجلان اختلاطا في ثلاثين
شاة لكل واحد خمس عشرة شاة لكن أحدهما عنده خمس وعشرون شاة في مكان آخر
فهذا عنده ما يبلغ النصاب أما الآخر الذي ليس عنده إلا خمس عشرة شاة فهذا
ليس عليه شيء لكن الثاني هل يجب عليه شيء أو لا يجب؟ لا يجب لأنها متفرقة
في مكان خمسٌ وعشرون شاة وفي مكان آخر خمس عشرة شاةً فلا يجب عليه لكن
القول الراجح تجب عليه الزكاة لأنه ملك نصاباً ملك أربعين شاة.
القارئ: الشرط الرابع: أن يختلطا في ستة
أشياء لا يتميز أحدهما عن صاحبه فيها وهي: المسرح والمشرب والمحلب والمراح
والراعي والفحل لما روى الدارقطني بإسناده عن سعد بن أبي وقاص أنه قال:
سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين
مجتمع خشية الصدقة والخليطان ما اجتمعا في الحوض والفحل والراعي) نص على
هذه الثلاثة فنبه على سائرها ولأنه إذا تميز كل مال بشيء مما ذكرناه لم
يصيرا كالمال الواحد في المؤن ولا يشترط حلب المالين في إناء واحد لأن ذلك
ليس بمرفق بل ضرر لاحتياجهما إلى قسمته.
الشيخ: أن يختلطا في ستة أشياء المسرح يعني مكان السرح فلا يكون أحدهما
يسرح شرقاً والثاني غرباً بل يكون المسرح واحداً وهل يشترط الزمن؟ نعم
يشترط يعني بحيث لا يكون أحدهما يسرح بالليل والثاني بالنهار إذاً المسرح
مكاناً وزماناً.
والمشرب يعني أنهما يشربان من ساقية واحدة ليس لأحدهما ساقية منفردة به.
والثالث المحلب يكون حلبهما في مكان واحد وهل يشترط أن يخلط الحليب؟ لا ليس
بشرط.
والمراح يعني المأوى والمبيت يكون واحداً والراعي يكون واحداً فإن كان لكل
واحد منهما راعٍ لماشيته فليس ذلك بخلطه أما لو كانا راعيين وكانا يرعيان
جميع السائمة فهما كراعٍ واحد.
والفحل يعني أنه ليس لأحدهما فحل يختص بطرق ماشيته بل الفحل يطرق ماشية هذا
وماشية هذا فإن كان لكل واحد منهما فحل يختص بماشيته فليس هذا خلطة.
القارئ: الشرط الخامس أن يختلطا في جميع
الحول فإن ثبت لهما حكم الانفراد في بعضه زكيا زكاة المنفردين فيه لأن
الخلطة معنىً يتعلق به إيجاب الزكاة فاعتبرت في جميع الحول كالنصاب فإن كان
مال كل واحد منهما منفرداً فخلطاه زكياه في الحول الأول زكاة الانفراد
وفيما بعده زكاة الخلطة فإن اتفق حولاهما مثل أن يملك كل واحد منهما أربعين
في أول المحرم وخلطاها في صفر فإذا تم حولهما الأول أخرجا شاتين فإذا تم
الثاني فعليهما شاة واحدة.
الشيخ: لأن الحول الأول ما فيه خلطة وعند كل واحد منهما أربعون نصاب.
القارئ: وإن اختلف حولاهما فملك أحدهما أربعين في المحرم والآخر أربعين في
صفر فخلطاها في ربيع أخرجا شاتين للحول الأول فإذا تم حول الأول والثاني
فعليه نصف شاة فإن أخرجها من غير النصاب فعلى الثاني عند تمام حوله نصف شاة
وإن أخرجها من النصاب فعلى الثاني من الشاة بقدر ماله من جميع المالين فإذا
كان ماله أربعين ومال صاحبه أربعون إلا نصف شاة فعليه أربعون جزءاً من تسعة
وسبعين جزءاً ونصف من شاة ونصف من شاة وإن ثبت لأحدهما حكم الانفراد دون
صاحبه نحو أن يملكا نصابين فخلطاهما ثم باع أحدهما ماله أجنبيا فعلى الأول
شاة عند تمام حوله لأنه ثبت له حكم الانفراد فإذا تم حول الثاني فعليه زكاة
الخلطة لأنه لم يزل مخلطاً في جميع الحول.
فصل
القارئ: فإن كان بينهما نصابان مختلطان
فباع أحدهما غنمه بغنم صاحبه وأبقياها على الخلطة لم ينقطع حولهما ولم تزل
خلطتهما وكذلك إن باع البعض بالبعض من غير إفراد قل المبيع أو كثر، فأما إن
أفرداها ثم تبايعا ثم خلطاها وطال زمان الإفراد بطل حكم الخلطة وإن لم يطل
ففيه روايتان إحداهما: لا ينقطع حكم الخلطة لأن هذا زمن يسير فعفي عنه
والثاني: يبطل حكم الخلطة لأنه قد وجد الانفراد في بعض الحول فيجب تغليبه
كالكثير فإن أفردا بعض النصاب وتبايعاه وكان الباقي على الخلطة نصابا لم
تنقطع الخلطة لأنها باقية في نصاب وإن بقي أقل من نصاب فحكمه حكم إفراد
جميع المال وذكر القاضي: أن حكم الخلطة ينقطع في جميع هذه المسائل ولا يصح
لأن الخلطة لم تزل في جميع الحول والبيع لا يقطع حكم الحول في الزكاة فكذلك
في
الخلطة ولو كان لكل واحد أربعون مخالطة لمال آخر فتبايعاها مختلطة لم يبطل
حكم الخلطة وإن اشترى بالمختلطة مفردة أو بالمفردة مختلطة انقطعت الخلطة
وزكى زكاة المنفرد لأن زكاة المشتري تجب ببنائه على حول المبيع وقد ثبت
لأحدهما حكم الانفراد في بعض الحول فيجب تغليبه.
مسألة: المشتري يبني على هذا لأنها خلطة أوصاف لا خلطة أعيان حتى نقول
انتقل فيها الملك.
فصل
القارئ: إذا كان لرجل نصاب فباع نصفه
مشاعاً في الحول فقال أبو بكر: ينقطع حول الجميع لأنه قد انقطع في النصف
المبيع فكأنه لم يجر في حول الزكاة أصلا فلزم انقطاعه في الباقي، وقال ابن
حامد: ولا ينقطع الحول فيما لم يبع لأنه لم يزل مخالطاً لمال جارٍ في حول
الزكاة وحدوث الخلطة لا يمنع ابتداء الحول ولا يمنع استدامته وهكذا لو كان
النصاب لرجلين فباع أحدهما نصيبه أجنبياً فعلى هذا إذا تم حول ما لم يبع
ففيه حصته من الزكاة فإن أخرجت منه نقص النصاب فلم يلزم المشتري زكاة وإن
أخرجت من غيره وقلنا: الزكاة تتعلق بالعين فلا شيء على المشتري أيضا لأن
تعلق الزكاة بالعين يمنع وجوب الزكاة، وقال القاضي: لا يمنع فعلى قوله: على
المشتري زكاة حصته إذا تم حوله وإن قلنا: تتعلق بالذمة لم يمنع وجوب الزكاة
على المشتري لأن النصاب لم ينقص.
فأما إن أفرد بعض النصاب وباعه ثم خلطه المشتري بمال البائع فقال ابن حامد:
ينقطع حولهما لثبوت حكم الانفراد لهما وقال القاضي: يحتمل أن لا ينقطع حكم
حول البائع لأن هذا زمن يسير.
ولو كان لرجلين نصاب خلطة فاشترى أحدهما نصيب صاحبه أو ورثه أو اتهبه في
أثناء الحول فهذه عكس المسألة الأولى صورةً ومثلها معنى لأنه في الأولى كان
خليط نفسه ثم صار خليط أجنبي وهاهنا كان خليط أجنبي فصار خليط نفسه والحكم
فيها كالحكم في الأولى لاشتراكهما في المعنى.
ولو استأجر أجيراً يرعى غنماً بشاة منها فحال الحول ولم يفردها فهما خليطان
وإن أفردها ونقص النصاب فلا زكاة فيهما لنقصانها وإن استأجره بشاة موصوفة
صح وجرت مجرى الدين في منعها من الزكاة على ما مضى من الخلاف فيه.
فصل
القارئ: وذكر القاضي شرطاً سادساً وهو نية الخلطة لأنه معنىً يتغير به
الفرض فافتقر إلى النية كالسوم والصحيح أنه لا يشترط لأن النية لا تؤثر في
الخلطة فلا تؤثر في حكمها لأن المقصود بها الارتفاق بخفة المؤنة وذلك يحصل
مع عدم النية.
الشيخ: ويظهر الفرق فيما إذا اختلط الغنم
بدون علم أهلها فإنه على رأي القاضي لا تكون خلطة ولو اختلطت كل الحول وعلى
الرأي أنه لا يشترط تكون خلطة وهذا أقرب لأن العبرة بالصورة.
فصل
القارئ: إذا أخذ الساعي الفرض من مال أحدهما رجع على خليطه بقدر حصته من
المال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (وما كان من خليطين فإنهما
يتراجعان بينهما بالسوية) فإذا كان لأحدهما الثلث فأخذ الفرض من ماله رجع
على خليطه بقيمة ثلثيه، وأن أخذه من صاحبه رجع صاحبه عليه بقيمة ثلثه.
فإن اختلفا في القيمة فالقول قول المرجوع عليه إذا عدمت البينة لأنه غارم
فالقول قوله كالغاصب وإن أخذ الساعي أكثر من الواجب بغير تأويل فأخذ مكان
الشاة اثنتين لم يرجع على صاحبه إلا بقدر الواجب لأن الزيادة ظلم فلا يرجع
بها على غير ظالمه
الشيخ: الصحيح أنه يرجع وأنهما يتساوون في الظلم والعدل لأن الساعي أخذ
اثنتين عن ماليهما فيرجع عليه بما ظلمه وهذا هو العدل.
القارئ: وإن أخذه بتأويل فأخذ صحيحة كبيرة عن مراضٍ صغار رجع على صاحبه لأن
ذلك إلى اجتهاد الإمام فإذا أداه اجتهاده إلى أخذه وجب دفعه إليه وكان
بمنزلة الواجب وإن أخذ القيمة رجع بالحصة منها لأنه مجتهد فيه.
فصل
القارئ: فإذا كانت سائمة الرجل في بلدين لا تقصر بينهما الصلاة فهي
كالمجتمعة وإن كان بينهما مسافة القصر فكذلك اختاره أبو الخطاب لأنه مال
واحد فضم بعضه إلى بعض كغير السائمة وكما لو تقارب البلدان والمشهور عن
أحمد أن لكل مال حكم نفسه لظاهر قوله عليه السلام (لا يفرق بين مجتمع ولا
يجمع بين متفرق خشية الصدقة) ولا يختلف المذهب في سائر الأموال أنه يضم مال
الواحد بعضه إلى بعضه تقاربت البلدان أو تباعدت لعدم تأثير الخلطة فيها.
الشيخ: لو كان عند الإنسان متجران أحدهما
في المدينة والثاني في مكة فإنه يضم بعضهما إلى بعض لأنهما مال واحد ولا
أثر للخلطة كما سبق في غير المواشي وهذا واضح وهو الصحيح وأما قوله عليه
الصلاة والسلام (لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين المجتمع خشية الصدقة) لأن
الساعي إذا جاء ليأخذ الصدقة فليس له إلا ما يشاهد فقط فقد يفرق الإنسان
ماله يجعل مثلاً عشرين شاة في جهة وعشرين في جهة أخرى والساعي إذا جاء ليس
له إلا ما شاهد هل يأخذ الزكاة في هذه الحال أو لا؟ لا يأخذ الزكاة لأنه لا
يشاهد إلا عشرين فالصحيح في هذا أن مال الإنسان يضم بعضه إلى بعض في
الماشية والزروع والحبوب والأثمان والعروض تباعد ما بينهما أو تقارب لأنه
ماله فلا فرق.
مسألة: الساعي لايأخذ من المتفرق فليس فيها شيء لكن هذا الذي يملك العشرين
هنا والعشرين هناك فيما بينه وبين ربه يجب عليه أن يزكى.
والقاعدة أن خلطة الأوصاف تكون كأنها مال واحد فإذا انفرد أحد الخليطين في
بعض الحول فكأنما نقص النصاب وإذا نقص النصاب انقطع الحول فإذا أعيدت
الخلطة صار كأنه ملك نصاباً جديداً فتعتبر الخلطة من رجوعه لا من الأول
والظاهر لي أنه سواء طال الزمن أو قصر والمؤلف حكى الخلاف فيما إذا طال
الزمن والظاهر أنه لا فرق لأنه إذا انقطعت الخلطة في يوم من الأيام فكأنما
نقص النصاب وهو فعلاً نقص النصاب فلو أن أحد الخليطين أفرد ملكه لمدة عشرة
أيام مثلاً نزح به إلى مكان آخر ليرعى هناك أو إلى مكان آخر ليشرب أو ليسقي
بهائمه فينقطع فإذا أعاده ابتدأ حولاً جديداً، ومسألة الرجوع على أحد
الشريكين هذا يظهر بالحساب ويعرف بالحساب.
السائل: إذا تفرق المختلطان عمداً ليسقطا الزكاة عنهما فهل تؤخذ منها
الزكاة أم لا؟
الشيخ: تؤخذ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولدينا حديث يعتبر
جبلاً عظيماً في الشريعة (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فهذه الحيلة
لا تنفع.
فائدة: في آداب الخلاف إذا صار خلاف فلابد
أن تذكر دليلك أو تعليلك الصحيح وتجيب عن دليل وتعليل المخالف وإلا ما تم
لك القول ولو أوردت دليلاً ولم تجب عن دليل خصمك معناها أنك متوقف.
السائل: بارك الله فيكم لو أن للإنسان خلطة مع إنسان في أربعين شاة على
النصف وفي بلد آخر أيضاً أربعون شاة مع رجل آخر وبينهما أكثر من مسافة
القصر والبلدان مختلفان فهل هذا على قاعدتنا أو لها حكم خاص هذه المسألة؟
الشيخ: لا هذه خلطة أوصاف تكون خلطة أوصاف عليه في البلد الأول نصف شاة
وعليه في البلد الثاني نصف شاة.
السائل: كيف يخرج نصف الشاة؟
الشيخ: يُقوَّم أو يتفق مع أصحاب الزكاة ببذل القيمة.
باب زكاة الزروع والثمار
القارئ: وهي واجبة بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ
مِنَ الْأَرْضِ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (فيما سقت السماء والعيون
أو كان عثرياً العشر وفيما سقي من النضح نصف العشر) أخرجه البخاري
وبالإجماع.
الشيخ: هنا استدل المؤلف رحمه الله على وجوب زكاة الزروع والثمار بالقرآن
والسنة والإجماع وهذا من أقوى الأدلة.
القارئ: ولا تجب إلا بخمسة شروط أحدها أن يكون حباً أو ثمرة لقول النبي صلى
الله عليه وسلم (لا زكاة في حب ولا ثمرٍ حتى تبلغ خمسة أوسق) رواه مسلم
وهذا يدل على وجوب الزكاة في الحب والثمر وانتفائها عن غيرهما.
الشيخ: هذا القول هو أرجح الأقوال وقيل إنها تجب في كل ما نبت من الأرض
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (فيما سقت السماء العشر) وما هنا اسم موصول
تفيد العموم ولكن يقال نعم هذا عام لا شك إلا أن الأحاديث الأخرى تقيده مثل
حديث (ليس فيما دون خمسة أوسق من حب ولا ثمر صدقة) أو باللفظ الذي ساقه
المؤلف فهذا يدل على أن موضوع الزكاة هوالحب والثمر.
القارئ: الشرط الثاني: أن يكون مكيلا
لتقديره بالأوسق وهي مكايل فيدل ذلك على اعتبارها.
الشيخ: هذا دليله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس في ما دون خمسة
أوسق) فدل هذا على اعتبار التوسيق وأن ما لا يوسق ليس فيها زكاة والوسق هو
الحمل ومقداره ستون صاعاً فتكون خمسة الأوسق ثلاثمائة صاع بالصاع النبوي
ومن العلماء من يقول إن الزكاة تجب في الحبوب والثمار مطلقاً سواء كانت
توسق أو لا يعنى سواء كانت مكيلة أو غير مكيلة يعنى مثلاً الآن البرتقال
ثمر لأنه نبات مأكولة يكون من
الشجر فهل فيه زكاة على القول باشتراط التوسيق وأن يكون مكيلاً ليس فيه
زكاة والراجح ما عليه عمل الناس الآن في بلادهم.
السائل: ألا يقال إن الثمار لا توسق يعنى كيف يعرف مقدار الزكاة؟
الشيخ: في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام توسق كالتمر وأما البرتقال لا ما
يوسق فما فيه زكاة.
القارئ: الشرط الثالث أن يكون مما يدخر لأن جميع ما اتفق على زكاته مدخر
ولأن غير المدخر لا تكمل لعدم التمكن من الانتفاع به في المآل فتجيب الزكاة
في جميع الحبوب المكيلة المقتات منها والقطاني والأبازير والبزور والقرطم
وحب القطن ونحوها وفي التمر والزبيب واللوز والفستق والعناب لاجتماع هذه
الأوصاف الثلاثة وقال ابن حامد: لا زكاة في الأبازير والبزور ونحوها ولا
تجب في الخضر كالقثاء والبطيخ والباذنجان لعدم هذه الأوصاف فيها وقد روى
موسى بن طلحة أن معاذاً لم يأخذ من الخضر صدقة ولا تجب في سائر الفواكه
كالجوز والتفاح والإجاص والكمثرى والتين لعدم الكيل فيها وعدم الادخار في
بعضها.
وقد روى الأثرم بإسناده (أن عامل عمر رضي الله عنه كتب إليه في كروم فيها
من الفرسك ما هو أكثر غلة من الكرم أضعافاً مضاعفه فكتب إليه عمر ليس عليها
عشر هي من العضاه) والفرسك: الخوخ.
ولا زكاة في الزيتون لأنه لا يدخر وعنه:
فيه الزكاة لقول الله تعالى: (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً
وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ
يَوْمَ حَصَادِهِ) وقيل لم يرد بهذه الآية الزكاة لأنها مكية نزلت قبل وجوب
الزكاة ولهذا لم تجب الزكاة في الرمان.
الشيخ: قال الله تعالى: (وَالنَّخْلَ
وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ
مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ
وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) الحصاد المعرف إنما هو للزروع فقط وأما
الثمر فيقال فيها الجذاذ وما ذكر معه يقال فيها اللقلاط فلو قال قائل هذه
الآية لا تدل على وجوب الزكاة في هذه الأشياء لأن قوله: (وَآتُوا حَقَّهُ
يَوْمَ حَصَادِهِ) يختص بالزرع بدليل أن الرمان مذكور فها وليس فيه زكاة
وأما قوله لأنها مكية نزلت قبل وجوب الزكاة فهذا موضع خلاف بين العلماء هل
الزكاة فرضت في مكة أولا؟ فمنهم من يقول إنها فرضت في مكة لكن كانت على حسب
إرادة الإنسان وجوده وكرمه ولم تفرض فيها الأنصبة ومقدار الواجب إلا في
المدينة وهذا قول قوي لأن فيه آيات كثيرة مكية تشير إلى الزكاة وبقي عندنا
كلام المؤلف في التين يقول التين ليس فيه زكاة لأنه لا يدخر ولكنه جرى على
الناس زمان في هذه البلاد وغيرها أنه يدخر حتى كانوا يجعلونه كالتمر في وسط
الجصاص وهي عبارة عن حجرة صغيرة يوضع فيها التمر ويرص بالأحجار ويكون جيداً
في أيام الشتاء كان الناس يكنزون التين كما يكنز التمر تماماً فيما سبق
ولهذا كان القول الراجح في التين أن الزكاة واجبة فيه وهل العنب فيه زكاة
أولا؟ فيه زكاة، لأنه يتخذ منه زبيب والزبيب مكيل مدخر وبعض التمر لا يتخذ
منه الادخار لا يدخر ولا يؤكل إلا رطباً فهل فيه الزكاة؟ نعم فيه الزكاة
لأن الأصل في جنسه أنه مدخر أما العنب الذي لا يأتي منه الزبيب فمن العلماء
من قال إنه لا زكاة فيه وأعنابنا الموجود عندنا لا يتخذ منه الزبيب فلا
زكاة فيه على هذا القول والراجح والله أعلم أن القول بالوجوب أحسن لأن كون
نوع من هذه الثمار لا يدخر لا يدل على أن جنس الثمار غير مدخر.
مسألة: المعدن ليس من جنس الخارج من الأرض
فالمعدن ذهب أو فضة فتجب فيه الزكاة بمقتضى نصوص وجوب الزكاة بالذهب
والفضة.
السائل: ما الدليل على شرط الادخار؟
الشيخ: التوسيق (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) لأنه لا يوسق في عهد الرسول
صلى الله عليه وسلم إلا ما كان مدخراً.
القارئ: ولا زكاة في تبن ولا ورق ولا زهر لأنه ليس بحب ولا ثمر ولا مكيل
وعنه في القطن والزعفران زكاة لكثرته وفي الورس والعصفر وجهان بناءً على
الزعفران وقال أبو الخطاب تجب الزكاة في الصعتر والإشنان لأنه مكيل مدخر
والأول أولى لأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص.
الشرط الرابع: أن ينبت بإنبات الآدمي في أرضه فأما النابت بنفسه كبزرِ
قطونا والبطم وحب الإشنان والثمام فلا زكاة فيه ذكره ابن حامد لأنه إنما
يملك بحيازته والزكاة إنما تجب ببدو الصلاح ولم يكن مُلكاً له حينئذ فلم
تجب زكاتها كما لو اتهبه وقال القاضي: فيه الزكاة لاجتماع الأوصاف الأول
فيه وما يلتقطه اللقاطون من السنبل لا زكاة فيه نص عليه أحمد رضي الله عنه
وقال هو بمنزلة المباحات ليس فيه صدقة وما يأخذه الإنسان أجرة بحصاده أو
يوهب له لا زكاة عليه فيه لما ذكرنا.
الشيخ: لكن لو بقي عنده حتى تم عليه الحول نظرنا إن أراد به التجارة فعليه
الزكاة وإن أراد به دفع الحاجة فلا زكاة عليه.
القارئ: ومن استأجر أرضا أو استعارها فالزكاة عليه فيما زرع لأن الزرع ونفع
الأرض له دون المالك ومن زرع في أرض موقوفة عليه فعليه العشر لأن الزرع طلق
غير موقوف فإن كان الوقف للمساكين فلا عشر فيه لأنه ليس لواحد معين إنما
يملك المسكين ما يعطاه منه فلم يلزمه عشره كما لو أخذ عشر الزرع غيره.
الشيخ: هذه مسائل مهمة إذا أستأجر أرضاً أو
استعارها وزرع فيها فزكاة الزرع على المستعير والمستأجر لأنه هو مالك الزرع
الذي فيه الزكاة ومن زرع في أرض موقوفة يعني شخص قال هذه وقف على ذريتي
فزرع فيها يقول فعليه العشر وذلك لأن الزرع ملك له والوقف إنما هو في الأرض
وإن كان الوقف للمساكين فلا عشر فيه أيضاً يعني لا زكاة فيه والسبب أن
المساكين هم أهل الزكاة إذا أردنا أن نصرف الزكاة فهم أولي الناس بها ولهذا
يقول لأنه ليس لواحد معين إنما يملك المسكين ما يعطى منه فلم يلزمه عشره
كما لو أخذ عشر الزرع غيره يعني فلا زكاة عليه الذي أخذ العشر.
مسألة: إذا زرع في أرض موقوفة عليه فعليه الزكاة في الزرع وإذا كانت الأرض
موقوفة على المساكين فلا زكاة فيها بناءً على أن الخلطة لا تؤثر إلا في
المواشي وهذه الأرض لعموم الناس فلا تجب الزكاة.
السائل: بارك الله فيكم ما ظهر وجه الحصر من قوله صلى الله عليه وسلم (لا
زكاة في حب ولا ثمر حتى تبلغ خمسة أوسق) ألا يقال هذا ذكر للمثال فقط؟
الشيخ: وجه الحصر أن الرسول قال (لا زكاة في حبٍ ولا ثمر) قال مفهومه أن
غيرهما لا زكاة فيه أصلاً سواء بلغ هذا النصاب أم لم يبلغ.
مسألة: المراد بالعشر جنس الزكاة ولهذا لوعبر بلفظ الزكاة لكان أحسن.
فصل
القارئ: الشرط الخامس: أن يبلغ نصاباً قدره خمسة أوسق لقول النبي صلى الله
عليه وسلم (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) والوسق: ستون صاعا لما روى أبو
سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الوسق ستون صاعا) رواه أبو
داود والصاع خمسة أرطال وثلث والمجموع ثلاثمائة صاعٍ وهي ألف وستمائة رطل
بالعراقي والرطل مائة وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع وهو بالرطل
الدمشقي المقدر بستمائة درهم ثلاثمائة واثنان وأربعون رطلا وستة أسباع رطل.
والأوساق مكيلة وإنما نقل إلى الوزن ليحفظ
وينقل قال أحمد وزنتُه يعني الصاع فوجدته خمسة أرطال وثلثاً حنطا وهذا يدل
على أنه قدره من الحبوب الثقيلة فإن كان ماوجبت فيه الزكاة موزونا كالقطن
والزعفران اعتبر بالوزن لأنه موزون ذكره القاضي وحكي أنه قال إذا بلغت
قيمته قيمة خمسة أوسق من أدنى ما تخرجه الأرض ففيه الزكاة.
الشيخ: مقدر بالكيل هذا الأصل فالمكاييل
نقلها العلماء رحمهم الله إلى الوزن لأن الوزن يبقى والمكيال ربما يزيد أو
ينقص وتختلف الأصواع باختلاف البلدان فتجد مثلاً بعض الناس يكون الصاع
عندهم صاعين في بلد آخر لكن الوزن مضبوط ويبقى عندنا اشكال في الوزن أن
الموزون يختلف فبعضه ثقيل وبعضة خفيف فهل نعتبر الخفيف؟ إن اعتبارنا الخفيف
معناه أنه سوف يزيد عن الصاع لأن الخفيف خفيف وإن اعتبرنا الثقيل فسوف ينقص
عن الصاع قالوا إنه يقدر بالبر الجيد الذي يكون وزنه وزن العدس وكيفية ذلك
أن تاخذ إناءً تجعل فيه العدس أو البر الجيد فتزن الإناء أولاً خالياً ثم
تزنه بعد أن تضع فيه العدس أو البر فيكون الوزن على هذا وهذا سهل وقد قدرت
أنا بحسب الكسر فبلغ الصاع ألفين وأربعين جراماً يعني كيلوين وأربعين
جراماً هذا بالنسبة للبر الجيد وعلى هذا فقس وجدنا مكيال يقال إنه مد النبي
عليه الصلاة والسلام كان قديماً وجد في بعض المحلات عندنا في عنيزة هذا
المد مأخوذ من كذا من كذا من كذا من كذا إلى أن قال إنه مأخوذ من مد زيد بن
ثابت عن مد النبي عليه الصلاة والسلام ما نعلم هل هذا صحيح أو لا؟ إنما نحن
قدرناه بالوزن ووجدناه مقارباً أو موافقاً تماماً وعلى هذا يكون ثلاثمائة
صاع تكون بالنسبة للكيلوات ستمائة واثنا عشر كيلواً بالبر الرزين يعني
الجيد الدجن لا بالخفيف وعلى هذا الشعير خفيف أخف من البر وعلى هذا فينقص
في الوزن بمعنى أن الصاع يكون أقل من هذا الوزن، كلما خف نقص الوزن وكلما
ثقل لابد أن تزيد الوزن لأن الصاع حجم وليس وزناً.
القارئ: فإن كان الحب قيمته قيمة خمسة أوسق
مما يدخر في قشره كالأرز فإن علم أنه يخرج عن النصف فنصابه عشرة أوسق مع
قشره وإن لم يعلم ذلك أو شك في بلوغ النصاب خُيِّر بين أن يستظهر ويخرج
عشره قبل قشره وبين قَشْرِه واعتباره بنفسه والعلس: نوع من الحنطة يزعم
أهله أنه إذا خرج من قشره لا يبقى بقاء الحنطة ويزعمون أنه يخرج عن النصف
فنصابه عشرة أوسق مع قشره ويعتبر أن يبلغ النصاب من الحب مصفَّى ومن الثمار
يابسا.
الشيخ: كلام المؤلف رحمه الله في مسألة القشر يقول إذا كان بعض الحبوب يدخر
في قشره وأنه إذا أزيل القشر لم يبق مدة طويلة فينظر هذا القشر هل يساوي
النصف إذا قيل نعم يساوي النصف نصابه عشرة أوسق لأن نصاب الحب الخالص خمسة
وهذا نصابه عشرة وإذا قالوا يساوي أقل من النصف كالربع مثلاً يكون نصابه
سبعة ونصف وعلى هذا فقس لأن بعض الحبوب لابد أن تبقى بقشرها وبالنسبة للبر
إذا بقي بقشره فإنه تطول مدته ولهذا أرشد يوسف عليه الصلاة والسلام الملك
الذي رأى: (سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ
وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَات) أمرهم أن يبقوه في سنبله
حتى لا يفسد.
القارئ: وعنه: يعتبر النصاب في الثمرة رطبا ثم يخرج منه قدر عشر رطبه تمراً
ولا يصح لأنه إيجاب لزيادة عن العشر والنص يرد ذلك.
الشيخ: يعني مثلاً لو كان هذا النخل يؤخذ رطباً والآن حولنا الكيل للوزن
فهل نعتبر هذا الرطب بالوزن أولا؟ يقول لا نعتبره بالوزن لا يصح اعتباره
بالوزن لأنه إيجاب لزيادة عن العشر والنص يرد ذلك إذا حولته إلى الوزن صار
معناه أن القليل يبلغ النصاب فيكون العشر الواجب يكون عشرين أو أكثر وذلك
لزيادة وزنه والصحيح أنه يعتبر الرطب تمراً لأن هذا هو وقت الجذاذ كما قال
المؤلف من الثمار يابساً.
فصل
القارئ: وتضم أنواع الجنس بعضها إلى بعض (ليكمل) النصاب.
الشيخ: (لتكميل) نسخة في المخطوط.
القارئ: كما ذكرنا في الماشية فيضم العلس
إلى الحنطة والسلت إلى الشعير.
الشيخ: هذه أنواع من الشعير والحنطة عندنا الحنطة الآن تسمى اللقيمي ومعيه
وكنده وأمريكية كنده أي تأتي من كندا وأمريكية تأتي من أمريكا كل هذه جنس
واحد وهي أنواع.
القارئ: لأنهما نوعا جنس واحد ويضم زرع العام الواحد بعضه إلى بعض سواء
اتفق وقت إطلاعه وإدراكه أو اختلف فيقدم بعضه على بعض ويضم الصيفي إلى
الربيعي، ولو حصدت الذرة ثم نبتت مرة أخرى ضم أحدهما إلى الآخر لأنه زرع
عام واحد فضم بعضه إلى بعض لأنه كالمتقارب وتضم ثمرة العام الواحد بعضها
إلى بعض لذلك فإن كان له نخل يحمل حملين في العام ضم أحدهما إلى الآخر
كالزرع وقال القاضي في موضع: لا يضم حمل الثاني إلى شيء، والأول أولى.
الشيخ: على كل حال ذكره الفقهاء رحمهم الله ولا أدري هل هو واقع أو لا؟ لأن
المعروف أن ثمرة النخل يكون في السنة مرة واحدة لكن ذكر بعض المؤرخين في
ترجمة أنس بن مالك رضي الله عنه الذي دعى له النبي صلى الله عليه وسلم أن
يبارك الله له في ماله أنه كان له بستان يحمل في السنة مرتين.
فصل
القارئ: ولا يضم جنس إلى غيره لأنهما جنسان متخلفان فلا يضم بعضها إلى بعض
كالماشية وعنه: تضم كل الحبوب بعضها إلى بعض اختارها أبو بكر لأنها تتفق في
قدر النصاب والمخرج والمنبت والحصاد أشبهت أنواع الجنس وعنه: تضم الحنطة
إلى الشعير والقطنيات بعضها إلى بعض اختارها الخرقي والقاضي لأنها تتقارب
في المنفعة فأشبهت نوعي الجنس وهذا ينتقض بالتمر والزبيب لا يضم أحدهما إلى
الآخر مع ما ذكرناه.
الشيخ: مسألة الضم المذهب أنه لا يضم جنس
إلى آخر إلا في الذهب والفضة فيضم أحدهما إلى الآخر فإذا كان عنده نصف نصاب
من الفضة ونصف نصاب من الذهب كُمِّل أحدهما بالأخر وأما الحبوب والثمار فلا
يضم الجنس إلى آخر لأن كل جنس مستقل بنفسه والصواب أنه لا يضم حتى الذهب
والفضة لا يضم أحدهما إلى الآخر فإذا كان عنده عشرة دنانير وعنده ثلاث
أواقٍ من الفضة فالصواب أنه لا يكمل هذا بهذا وأن كل جنس لها حكمه الخاص
فالمذهب لا يضم إلا الذهب والفضة فقط وما سواه لا يضم فمثلاً إذا كان عنده
نصف نصاب من شعير ونصف نصاب من حنطة فلا شيء عليه والصحيح أنه لا شيء عليه
حتى في الذهب والفضة وأنه لا يضم جنس إلى آخر لأن الشارع قدر فقال في
الفضة: (فإن لم يكن إلا تسعون ومائة فليس فيه صدقة إلا أن يشاء ربها) وقال
(ليس فيما دون خمس أوقٍ من الورق صدقة).
السائل: أحسن الله إليك إذا كان عنده ذهب ومبلغ من المال كلاهما لا يبلغ
النصاب لوحده فهل يضم الذهب إلى المال؟
الشيخ: لا يضمه إلا إذا كان المال للتجارة فلو كان عند الإنسان مثلاً ثلث
نصاب من الذهب وثلث نصاب من الفضة وثلث نصاب من الماشية فإنه لا يضم بعضها
إلى بعض وإذا كان عنده نصف نصاب من المال الأوراق النقدية ونصف نصاب ذهب
فإنه يضم.
السائل: الأوراق تعتبر ذهباً؟
الشيخ: هي تعتبر ذهباً فإن كانت لا تعتبر ذهباً وإنما تعتبر فضة فإنها لا
تضم.
فصل
القارئ: وقدر الزكاة: العشر فيما سقي بغير
كلفة كماء السماء والعيون والأنهار ونصف العشر فيما سقي بكلفة كالدوالي
والنواضح وغيرها للحديث الذي في أول الباب ولأن للكلفة تأثيراً في تقليل
النماء فيؤثر في الزكاة كالعلف في الماشية فإن سقي نصف الستة بكلفة ونصفها
بما لا كلفة فيه ففيه ثلاثة أرباع العشر وإن سقي بأحدهما أكثر من الآخر
اعتبر بالأكثر لأن اعتبار السقي في عدد مراته وقدر ما يشرب في كل مرة يشق
ويتعذر فاعتبر بالأكثر كالسوم وقال ابن حامد: يجب بالقسط لأن ما وجب فيه
بالقسط عند التماثل وجب عند التفاضل كزكاة الفطر عن العبد المشترك.
وإن جهل المقدار غلبنا إيجاب العشر نص عليه لأنه الأصل.
الشيخ: ما سقي بلا مؤنة ففيه العشر كالذي يشرب بعروقه أو كالذي يشرب بماء
المطر أو بالأنهار هذا فيه العشر كاملاً لقلة مؤنته وما سقي بكلفة ففيه نصف
العشر وما سقي نصف السنة بكلفة ونصف السنة بدون كلفة ففيه ثلاث أرباع العشر
فإن اختلف بأن كان سقي ثمانية أشهر بكلفة وأربعة أشهر بلا كلفة اعتبر
الأكثر قدراً والمؤلف لم يتعرض للنفع هنا وقال ابن حامد ما ذكر يجب بالقسط
فإذا كان ثمانية أشهر وأربعة أشهر فإنه يقسم العشر ثلاثة أقسام ولكن المذهب
أقرب إلى الصواب وأقرب إلى التصور والراحة فإن جهلنا المقدار فإنه يغلب ما
فيها الأحظ للفقراء وهو العشر كاملاً.
السائل: هل يعتبر الحرث والبذر في الكلفة؟
الشيخ: لا يعتبر إلا بالسقي لأن الحرث والبذر وما أشبه ذلك ما يتكرر يكون
أول مرة وينتهي.
السائل: بارك الله فيك إذا كان السقي بكلفة بسيطة مثلاً كمن على الأنهار
ويصرفها إلى أرضه؟
الشيخ: العبرة باستخراج الماء وليست العبرة بتصريفه ولهذا لابد أن يصرف
الماء حتى ولوكان بغير كلفة لابد أن يكون هناك سواقي وأحواض يكون فيها ماء
فالعبرة باستخراج الماء.
السائل: إذا حفر البئر ونبع الماء من نفسه؟
الشيخ: لا هو بغير كلفة فالآن مثلاً المطاق
الآن هذه بغير كلفة يعني فيه مثلاً ناس يركزون مواسير في الأرض ثم تتفجر
وتمشي على سطح الأرض هذه بغير كلفة لكن ما يسمونه الدينمو هذا بكلفة.
القارئ: وإن اختلف الساعي ورب المال في قدر شربه فالقول قول رب المال من
غير يمين لأن الناس لا يستحلفون على صدقاتهم فإن كان لها حائطان فسقى
أحدهما بمؤنة والآخر بغير مؤنة ضم أحدهما إلى الآخر في كمال النصاب وأخذ من
كل واحد فرضه ويجب فيما زاد على النصاب بحسابه قل أو كثر لأنه يتجزأ فوجب
فيه بحسابه كالأثمان.
الشيخ: هذا بخلاف الماشية، الماشية سبق أن فيها وقصاً وهو ما بين الفرضين
وأن أربعين وستين ليس فيها إلا شاة لكن ما سوى الماشية فإنه لا وقص فيها
فيكون ما زاد بحسابه.
فصل
القارئ: فإذا بدأ الصلاح في الثمار وأشتد الحب وجبت الزكاة لأنه حينئذٍ
يقصد للأكل والاقتيات به فأشبه اليابس وقيل: لا يقصد لذلك فهو كالرطبة فإن
تلف قبل ذلك أو أتلفه فلا شيء فيه لأنه تلف قبل الوجوب فأشبه ما لو أتلف
السائمة قبل الحول إلا أن يقصد بإتلافها الفرار من زكاتها فتجب عليه لما
ذكرنا.
الشيخ: مثلاً إنسان عنده نخيل تبلغ النصاب أتتها جائحة قبل أن يبدو صلاحها
فأتلفتها فليس عليه زكاة أيضاً هو نفسه لو أتلفها بمعنى أنه جزها وهي خضراء
لم يبدُ فيه الصلاح وباعها هل عليه زكاة؟ لا ليس عليه زكاة لأنه لم يبدُ
صلاحها إلا إذا قصد الفرار من الزكاة فإنه يلزم بها لأن كل من تحيل لإسقاط
واجب فإنه يلزم بذلك الواجب.
القارئ: وإن تلفت بعد وجوبها وقبل حفظها في
بيدرها وجرينها بغير تفريط فلا ضمان عليه سواء خرصت أم لم تخرص لأنها في
حكم ما لم تثبت اليد عليه ولو تلفت بجائحة رجع بها المشتري على البائع وإن
أتلفها أو فرط فيها ضمن نصيب الفقراء بالخرص أو بمثل نصيبهم وإن أتلفها
أجنبي ضمن نصيب الفقراء بالقيمة لأن رب المال عليه تخفيف هذا بخلاف الأجنبي
والقول في تلفها وقدرها والتفريط فيها قول رب المال لأنه خالص حق الله
تعالى فلا يستحلف فيه كالحد وإن تلفت بعد جعلها في الجرين فحكمها حكم تلف
السائمة بعد الحول.
الشيخ: إذاً صارت المسألة لها ثلاث حالات قبل بدو الصلاح إذا تلفت بإتلافه
أو بفعل الله عز وجل فليس فيها زكاة ما لم يقصد بإتلافها الفرار من الزكاة
فعليه والحال الثانية تلفت بعد بدو الصلاح وقبل وضعها في الجرين فإن كان
بتفريط منه أو تعدٍ منه فعليه ضمان الزكاة وإن لم يكن فلا زكاة عليه
والثالثة إذا تلفت بعد إيوائها الجرين ووضعها في البيدر فعليه الضمان مطلقا
سواء تلفت بتعد منه آو تفريط أو بلا تعد
ولا تفريط والصحيح أن الحال الثالثة كالحال الثانية يعني إذا تلفت بغير تعد
ولا تفريط فإنه لا ضمان عليه لأنها بقيت في يده أمانة إلا إذا فرط في تأخير
دفعها إلى مستحقها فعليه الضمان.
في الحال الثالثة لايضمن لأن هذا المال الذي بيده وهو ليس بمتعد ولا مفرط
فهو كالوديعة.
السائل: إن كان الماء يخرج بدون مؤنة لكن تأخذ عليه الدولة مقابل؟
الشيخ: فيه العشر لأنه إذا ظلم فلا يظلم غيره لا هذا ضريبة الدولة أصلاً ما
تأخذ ضريبة على شيء نافع.
السائل: أحسن الله إليك بعض أصحاب المزارع يزعمون أن عليهم مصاريف أخرى غير
الماء؟
الشيخ: هذا لايعتبر كلفة لأن السنه إنما جاءت (فيما سقت السماء العشر وفيما
سقي بالنضح نصف عشر) نقتصر عليه أما إذا كان عليه نفقات أخرى لغير الماء
فلا يمكن أن ينقص حق الفقراء.
فصل
القارئ: ويستحب للإمام أن يبعث من يخرص
الثمار عند بدو الصلاح لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يبعث عبد لله بن رواحة إلى يهود فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل
أن يوكل منه رواه أبو داود وعن عتاب بن أسيد أنه قال أمرنا رسول الله أن
نخرص العنب كما نخرص النخل فيؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ زكاة النخل تمرا
رواه أبو داود ويجزيء خارص واحد لحديث عائشة ولأنه يفعل ما يؤديه إليه
اجتهاده فجاز أن يكون واحداً كالحاكم ويعتبر أن يكون مسلماً أميناً غير
متهم ذا خبرة فإن كانت الثمرة أنواعا خرص كل نوع على حدته لأن الأنواع
تختلف (منها) ما يكثر رطبه.
الشيخ: (فمنها) نسخة في المخطوط.
القارئ: ويقل يابسه ومنها خلاف ذلك فإن كانت نوعاً واحداً خير بين خرص كل
شجرة منفردة وبين خرص الجميع دفعة واحدة ثم يعرِّف المالك قدر الزكاة
ويخيره بين حفظها إلى الجذاذ وبين التصرف فيها وضمان حق الفقراء فإن اختار
حفظها فعليه زكاة ما يؤخذ منها قل أو كثر لأن الفقراء شركاؤه فليس عليه
أكثر من حقهم منها وإن اختار التصرف ضمن حصة الفقراء بالخرص فإن ادعى غلط
الساعي في الخرص دعوى محتملة فالقول قوله بغير يمين وإن ادعى غلطاً كثيراً
لا يحتمل مثله لم يلتفت إليه لأنه يعلم كذبه فإن اختار التصرف فلم يتصرف أو
تلفت فهو كما لو لم يخير لأن الزكاة أمانة فلا تصير مضمونة بالشرط
كالوديعة.
الشيخ: إذا عرَّفه بالزكاة يخيَّر بين حفظها إلى الجذاذ وبين التصرف فيها
وضمان حق الفقراء يعني أن يقول إما أن يبقى التمر كما هو إلى الجذاذ وإما
أن تبيعه لكن تضمن تمراً بدله يعني ما هو لازم يخرج من عين الرطب والتمر.
فصل
القارئ: ويخرص الرطب والعنب لحديث عتاب ولأن الحاجة داعية إلى أكلهما رطبين
وخرصهما ممكن لظهور ثمرتهما واجتماعها في أفنانها وعناقيدها ولم يسمع
بالخرص في غيرهما ولا هو في معناهما لأن الزيتون ونحوه حبه متفرق في شجره
مستتر بورقه.
الشيخ: وعلى هذا فلا يخرص الزرع من باب
أولى وعمل الناس اليوم على خرص الثمار والزروع وذلك لأنه وإن كان في الزرع
جهالة لكون الحب مستتراً بالقشر لكنه جهالة قريبة ليس جهالة كثيرة ولهذا
يجوز بيع الحب في سنبله مع اشتراط العلم في البيع فإذا لم يمنع من ذلك
إجماع فإن خرص الزروع كخرص الثمار.
فصل
القارئ: وعلى الخارص أن يترك في الخرص الثلث أو الربع توسعة على رب المال
لحاجته إلى الأكل منها والإطعام ولأنه قد يتساقط منها وينتابها الطير
والمارة وقد روى سهل بن أبي حثمة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (إذا
خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) رواه أبو داود
وعن مكحول قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص قال (خففوا
على الناس فإن في المال العرية والواطئة والأكلة) رواه أبوعبيد.
الشيخ: ذكر المؤلف رحمه الله تعالى أن الخارص يدع الثلث أو الربع فهل
المراد أنه لا يخرص إلا الثلثين أو الثلاثة أرباع؟ أو أن المعني أن يدع
الثلث أي ثلث الزكاة أو الربع ربع الزكاة الأقرب هذا وأن الخارص مأمور بأن
لا يأخذ الزكاة كلها بل يدع الثلث أو الربع وذلك لأن رب المال قد يكون له
أقارب وأصحاب ومعارف يحب أن يعطيهم من الزكاة فإذا أخذت الزكاة كلها منه لن
يبق لهؤلاء المعارف والأقارب شيء وهذا الذي ذكرناه يؤيده أن الأحاديث
الصحيحة التي أصح من هذا الحديث قدّر فيها النبي عليه الصلاة والسلام العشر
أو نصف العشر بدون ذكر حذف شيء منه وعلى هذا نقول فيما يسقى بلا مؤنة العشر
كاملاً لكن ينبغي للخارص أن يدع الثلث من أجل أن يؤديه صاحب الزرع أو الثمر
وما يسقى بمؤنة فيه نصف العشر كما جاء في الحديث فيجب إخراج العشر أو نصفه
ثم يقال للخارص دع الثلث من الزكاة أو الربع لصاحبها.
القارئ: فالعرية نخلات يهب رب المال ثمرتها
لإنسان والواطئة: السابلة والأكلة: أرباب الأموال ومن تعلق بهم فإن لم يترك
الخارص شيئاً فله الأكل بقدر ذلك ولا يحتسب عليهم وإن لم يخرص عليهم فأخرج
رب المال خارصاً فخرص وترك قدر ذلك جاز ولهم أكل الفريك من الزرع ونحوه مما
جرت العادة بمثله ولا يحتسب عليهم.
الشيخ: جرت العادة أن أهل الزرع إذا استوى الزرع أخذوا سنبلات وفركوها
وأكلوها هذا الفريك فما جرت به العادة فلا بأس أن يأخذوه وإن لم تؤخذ منهم
الزكاة وتؤخذ الزكاة مما بقي وذلك لأن ما جرت به العادة فإنه يجرى على
العادة ويسامح فيها.
فصل
القارئ: فإذا احتيج إلى قطع الثمرة قبل كمالها لخوف العطش أو غيره أو
لتحسين بقية الثمرة جاز قطعها لأن العشر وجب مواساة فلا يكلف منه ما يهلك
أصل المال ولأن حفظ الأصل أحظ للفقراء من حفظ الثمرة لتكرر حقهم فيها كما
هو أحظ للمالك فإن كفى التجفيف لم يجز قطعها وإن لم يكف جاز قطعها كلها.
الشيخ: أنا عندي في المخطوط (فإن كفى التخفيف) نسخة والتخفيف أقرب للصواب.
القارئ: وإن كانت الثمرة عنبا لا يجيء منه زبيب أو زبيبه رديء كالخمري أو
رطب لا يجي منه تمر جاز (كالبرنبا) قطعه.
الشيخ: أنا عندي في الخطوط ألف بعد الراء (كالبرابنا)، هذا معروف نوع من
التمر وعلى كل حال يوجد رطب ما يمكن أن يكون تمراً إذا يبس ما ينفع ولا
يوكل فإذا كان هذا النوع الرطب موجوداً في البستان فهو الذي أراد المؤلف.
القارئ: قال أبو بكر: وعليه قدر الزكاة في جميع ذلك يابسا وذكر أن أحمد نص
عليه وقال القاضي: لا يلزمه ذلك لأن الفقراء شركاؤه فلم يلزمه مواساتهم من
غير جنس ماله.
الشيخ: وقول القاضي أصح يعني مثلاً على قول
القاضي يجوز أن يخرج رطباً بدلاً عن التمر في هذا النخل الذي لا يأتي رطبه
تمراً وكذلك العنب إذا قلنا بوجوب الزكاة في العنب الذي لا يأتي منه زبيب
فإنه يجوز أن يخرج الزكاة عنباً رطباً لأن الزكاة وجبيت مواساةً بين الغني
والفقير.
القارئ: ويتخير الساعي بين مقاسمة رب المال الثمرة قبل الجذاذ بالخرص ويأخذ
نصيبهم شجرات منفردة وبين مقاسمة الثمرة بعد جذها بالكيل ويقسم الثمرة في
الفقراء وبين بيعها للمالك أو لغيره قبل الجذاذ وبعده ويقسم ثمنها في
الفقراء فإن أتلفها رب المال فعليه قيمتها لأنه لا يلزمه تجفيفها فأشبه
الأجنبي.
الشيخ: هذا إذا كان قبل تعيينها وأما إذا عينها المالك وقال للعامل هذه
صدقتي فإنه لا يجوز له أن يشتريها بعد ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم
(نهى عن شراء الرجل صدقته) وقال: (إن هذا مثله مثل الكلب يقي ثم يعود في
قيئه) لكن لو أن العامل قال لرب النخل: القيمة أنفع للفقراء فلنقدر الثمرة
كلها بقيمتها فإذا كانت تساوي عشرة آلاف وهي مما تسقى بمؤنة فالواجب
خمسمائة وإذا كان مما لا يسقى بمؤنة فالواجب ألف وهذا طيب لا بأس لأنه
أحياناً يكون العامل ليس عنده مكان يجبي فيه التمر وثانياً ربما يكون
الفقراء لا يريدون التمر يريدون المال النقد فإذا رأى العامل ذلك فله أن
يفعل ومن ذلك ما كان معهوداً عندنا الآن في أن الرجل يبيع ثمرة نخله كله
فحينئذ لا يكلف أن يشتري تمراً من السوق ليدفعه للفقراء بل نقول ما دام بعت
ثمرة نخلك كله فإنك تخرج من الثمن نصف العشر إن كان يسقى بمؤنة والعشر
كاملاً إن كان يسقى بلا مؤنة فصار يخرج القيمة فيما إذا طلبها الساعي ولكن
هل للساعي طلبها؟ نقول: نعم إذا رأى أن ذلك أصلح للفقراء فلا بأس وكذلك إذا
كان لمصلحة المالك بحيث يكون المالك قد باع بستانه كله ولم يكن عنده إلا
ثمن البستان فنقول لا بأس أن يأخذ العامل الزكاة من القيمة.
مسألة: بعض العلماء قال إن الرطب الذي لا
يتمر والعنب الذي لا يزبب ليس فيه زكاة لأن هذا يشبه الفاكهة لكن الفقهاء
الذين يرون الوجوب يقولون: هذا أصله أنه يتمر في الرطب وأنه يكون زبيباً في
العنب والنادر لاحكم له.
السائل: متى يكون الخرص؟
الشيخ: إما قبل أن يتمر إذا بدأ به التمر أو إذا أتمر نهائياً.
السائل: وإذا بدا صلاحه هل يخرص؟
الشيخ: لا ما يصلح إذا بدأ الصلاح لأنه لا يمكن ضبطه.
فصل
القارئ: وما عدا ذلك لا يجوز إخراج الواجب من ثمرته إلا يابسا ومن الحبوب
إلا مصفى لأنه وقت الكمال وحالة الادخار، فإن كان نوعاً واحداً أخرج عشره
منه جيداً كان أو رديئا لأن الفقراء بمنزلة الشركاء فيه وإن كان أنواعاً
أخرج لكل نوع حصته لذلك ولا يجوز إخراج الرديء عن الجيد ولا يلزم إخراج
الجيد عن الرديء لما ذكرنا ولا مشقة في هذا لأنه لا يحتاج إلى تشقيص وقال
أبو الحطاب: إن شق ذلك لكثرة الأنواع واختلافها أخذ من الوسط وإن أخرج رب
المال الجيد عن الرديء جاز وله ثواب الفضل لما ذكرنا في السائمة.
الشيخ: أراد المؤلف رحمه الله كيف يخرج
زكاة الثمار فقال إنه يخرج من كل نوع بحصته فإذا قدرنا أن هذا البستان فيه
برحي وفيه شقراء وفيه أم الحمام فإنه يجب أن يخرج من البرحي وحدها زكاتها
ومن الشقراء وحدها زكاتها ومن أم الحمام كذلك حتى لو كانت نخلة واحدة من
نوع فإنه يخرج زكاتها منها هذا هو المشهور من المذهب وقال بعض أهل العلم
أنه إذا كثرت الأنواع وشق أن يخرج من كل نوع زكاته فإنه يخرج من الوسط فلا
يخرج الطيب ولا يلزمه إخراج الطيب ولا يجزئه إخراج الرديء وهذا القول لا شك
أنه أقرب إلى الصواب من الأول وأما ما يفعله بعض الناس عندنا تجد البستان
ثمانين في المائة من النوع الجيد وعشرين في المائة من النوع الرديء فيخرج
الزكاة من النوع الرديء فهذا حرام ولا تجزئه الزكاة لقول الله تعالى: (وَلا
تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا
أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) والسلامة من هذا كله أن يخرج من القيمة لأنه إذا
أخرج من القيمة قدر قيمة كل البستان رديئه وجيده ثم أخرج من القيمة وبذلك
تبرأ الذمة.
فصل
القارئ: فأما الزيتون فإن لم يكن ذا زيت أخرج عشر حبه وإن كان ذا زيت فأخرج
من حبه جاز كسائر الحبوب وإن أخرج زيتاً كان أفضل لأنه يكفي الفقراء مؤنته
ويخرجه في حال الكمال والادخار.
فصل
القارئ: ويجوز لرب المال بيعه بعد وجوب زكاته لأن الزكاة إن كانت في ذمته
لم يمنع التصرف في ماله.
الشيخ: ونسخة في المخطوطة (لم تمنع).
القارئ: كالدين وإن تعلقت بالمال لكنه تعلق ثبت بغير اختياره فلم يمنع
التصرف فيه كأرش الجناية فإن باعه فزكاته عليه دون المشتري ويلزمه إخراجها
عما تلزمه لو لم يبعه.
الشيخ: يلزمه يعني الإخراج.
فصل
القارئ: ويجتمع العشر والخراج في كل أرض
فتحت عنوة، الخراج في رقبتها والعشر في غلتها لأن الخراج مؤنه الأرض فهو
كالأجرة في الإجارة ولأنهما حقان يجبان لمستحقين فيجتمعان كالكفارة والقيمة
في قتل الصيد المملوك على المحرم.
وقال الخرقي: يؤدي الخراج ثم يزكي ما بقي لأن الخراج دين في مؤنة الأرض
فأشبه ما استدانه لينفقه على زرعه وقد ذكرنا فيما استدانه رواية أخرى: أنه
لا يحتسب به فكذلك يخرَّج هاهنا.
الشيخ: ولعل هذا مبني على القول بأن الدين
يمنع وجوب الزكاة أو لا يمنع؟ وسبق أن في ذلك ثلاثة أقوال للعلماء، منهم من
قال: يمنع ومنهم من قال: لا يمنع ومنهم من فرق بين الأموال الظاهرة
والأموال الباطنة، لكن ماهو الخراج؟ إذا فتحت البلاد عنوة فإن الإمام يخير
فيها بين أن يقسمها بين الغانمين وبين أن يوقفها على المسلمين ويضرب عليها
خراجاً مستمراً تؤخذ ممن هي في يده والثاني فعله عمر رضي الله عنه قال: لأن
المسلمين الذين لم يوجدوا الآن لهم حق فيها وعلى هذا فإذا فتحوا أرضاً عنوة
يعني بالسيف والقوة غنموا الأراضي لأن الأراضي تكون للمسلمين - هذه المزارع
- فتبقى الأرض إذا ضرب عليها الإمام خراجاً بأن قال مثلاً كل كيلو عليه
مائة ريال كل سنة هذا هو الخراج فيجتمع في الأرض الخراجية عشر وخراج العشر
الذي هو الزكاة والخراج الذي هو حق بيت المال وضرب مثلاً لذلك بالصيد
المملوك إذا قتله المحرم فإن عليه الجزاء كما قال الله تعالى: (وَمَنْ
قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ
النَّعَمِ) فإذا قتل المسلم غزالاً لشخص فالغزال من الصيد المحرم فيحرم على
المحرم أن يقتلها والغزال لشخص مالك لها نقول يجب في هذه الغزال الجزاء حق
لله وتجب القيمة أو المثل حقٌ للآدمي فاجتمع فيها ضمانان ولو قتلها خطأً
فعليه قيمتها لمالكها وليس عليه جزاء لقوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَهُ
مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ).
فصل
القارئ: ويجوز لأهل الذمة شراء الأرض العشرية ولا عشر عليهم في الخراج منها
لأنهم من غير أهل الزكاة فأشبه مالو اشتروا سائمة ويكره بيعها لهم لئلا
يفضي إلى إسقاط الزكاة وعنه: يمنعون شراءها لذلك اختارها الخلال وصاحبه
فعلى هذا إن اشتروها ضوعف العشر عليهم كما لو اتجروا إلى غير بلدانهم ضوعف
عليهم ما يؤخذ من المسلمين.
الشيخ: الظاهر الأول أنه لا عشر عليهم لأن
الزكاة يُغلّب فيها جانب العبادة بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ
بن جبل لما بعثه إلى اليمن قال (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله
إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض
عليهم خمسة صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله قد
افترض عليهم صدقة) فدل ذلك على أن الزكاة عبادة فتغلب فهؤلاء أهل الذمة لا
نأخذ منهم الزكاة كيف نأخذ منهم الزكاة وهم لم يسلموا فالصواب المذهب في
هذه المسألة وأن عليهم الخراج وليس عليهم الزكاة.
فصل
القارئ: وفي العسل العشر لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يؤخذ في زمانه من قِرَب العسل من كل عشر قرب قربةً
من أوسطها رواه أبو عبيد، وعن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(في العسل في كل عشر قرب قربة) رواه أبو داود والترمذى وقال الترمذى: في
إسناده مقال ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم كبير شيء
ومقتضى هذا أن يكون نصابه عشر قرب والقربة مائة رطل كذلك ذكره العلماء في
تقرير القرب التي قدروا بها في القلتين وقال أصحابنا: نصابه عشرة أفراق لأن
الزهري قال: في عشرة أفراق فرق ثم اختلفوا وقال ابن حامد والقاضي في
المجرد: الفَرَق ستون رطلا وحكي عن القاضي أنه قال: الفرق ستة وثلاثون رطلا
والمشهور عند أهل العربية الفرق الذي هو ثلاثة آصع وهو ستة عشر رطلا.
الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء
هل في العسل زكاة أو لا؟ والآثار المذكورة عن النبي صلى الله عليه وسلم
فيها نظر لكن قد صح عن عمر رضي الله عنه أنه أخذ العشر لكن هل أخذه على أنه
زكاة أو على أن صاحب العسل أراد عمر أن يأخذ منه هذا بسبب غير الزكاة؟
والاحتياط بلا شك أن يزكى العسل لأنه يشبه الخارج من الثمار والزروع إذ أن
الكلفة فيه يسيرة ليس على الإنسان إلا أن يجمع نحلاً ويحصد منه العسل.
باب زكاة الذهب والفضة
القارئ: وهي واجبة لقول الله تعالي: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ
بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) ولما نذكره من النصوص ولأنهما معدَّان للنماء فأشبها
السائمة.
الشيخ: قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا
يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) معنى
كنزها فسرته الآية أن لا ينفقها في سبيل الله وأعظم ما ينفق في سبيل الله
من الأموال هو الزكاة وقوله: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) اقترنت
الفاء بالخبر لأن (الذين) اسم موصول يشبه الشرط في العموم كقول النحويين في
مثالهم: الذي يأتيني فله درهم والأصل الذي يأتيني له درهم، لكن لما أشبه
الموصول اسم الشرط في عمومه جاز اقتران الخبر بالفاء.
القارئ: ولا زكاة إلا في نصاب ونصاب الوَرِق مائتا درهم ونصاب الذهب عشرون
مثقالا لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال (ليس في أقل من عشرين مثقالاً من الذهب ولا أقل من مائتي درهم
صدقة) رواه أبو عبيد والاعتبار بدراهم الإسلام التي وَزْنُ كل عشرة منها
سبعة مثاقيل بغير خلاف
الشيخ: فتكون مئتا الدرهم بالمثاقيل مائة
وأربعين مثقالاً لأن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل أما الدنانير فكل دينار
مثقال فإذا كانت عشرون ديناراً فهي عشرون مثقالاً وإذا قلنا إن مائتا درهم
مائة وأربعون مثقالاً فهي في الغرامات خمسمائة وخمسة وتسعون غراماً.
القارئ: فإن نقص النصاب كثيرا فلا زكاة فيه للحديث ولقوله صلى الله عليه
وسلم (ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة) والأوقية أربعون درهما وإن كان يسيرا
كالحبة والحبتين فظاهر كلام الخرقي لا زكاة فيه للخبر وقال غيره من
أصحابنا: فيه الزكاة لأن هذا لا يضبط فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين.
الشيخ: والظاهر أن قول الخرقي هو الصواب ما دام الشرع قد قدره فلنرجع إلى
تقديره لأن الحبة أو الحبتين قد يكون ثمنهما كثيراً فالصواب أن التقدير
تحديد وليس تقريباً.
القارئ: ولا يضم الذهب إلى الفضة في إكمال النصاب لأنهما جنسان اختارها أبو
بكر وفرّق بينهما وبين الحبوب لاختلاف نصابهما واتفاق نصاب الحبوب وعن أحمد
رضي الله عنه أنه يضم لأن مقاصدهما متفقة فهما كنوعي الجنس.
الشيخ: الصحيح الأول أن الذهب لا يضم إلى
الفضة في تكميل النصاب إلا في أموال الصيارفة وذلك لأن أموال الصيارفة
يعدونها للتجارة فالذهب والفضة عروض تجارة مثال ذلك رجل ملك مائة درهم
وعشرة دنانير هل عليه زكاة؟ إن قلنا بالضم فعليه زكاة لأنه ملك نصف نصاب من
الذهب ونصف نصاب من الفضة وإن قلنا بعدم الضم فلا زكاة عليه لأنه لم يملك
نصاباً من الفضة ولا نصاباً من الذهب وهذا يأتي في الحلي إذا كان امرأة
عندها حلي يبلغ نصف نصاب وعندها دراهم تبلغ نصف نصاب فهل عليها أن تزكي
حليها؟ إن قلنا بالضم وجب أن تزكيه لأن مجموعهما نصاب وإن قلنا بعدم الضم
فلا زكاة عليها والراجح أنه لا ضم بدليل أن الشعير لا يضم إلى الحنطة مع أن
مقاصدهما واحدة كلها طعام وأما أنواع الحنطة وأنواع الشعير فيضم بعضها إلى
بعض لأن الجنس واحد إذاً القول الراجح أنه لا يضم الذهب إلى الفضة في تكميل
النصاب لدليلين أثري ونظري أما الأثري فإن الأحاديث كلها تدل على أن الفضة
إذا لم تبلغ كذا فلا زكاة فيها والذهب إذا لم يبلغ كذا فلا زكاة فيه (ليس
فيما دون خمس أوقٍ صدقة) يعني أوقٍ من الفضة (ليس فيما دون عشرون ديناراً
صدقة) والدنانير هي الذهب فإذا أخذنا بهذا العموم فلا فرق أن يكون عنده من
الجنس الآخر أو لا، وأما الدليل النظري أن يقال كما لا يضم البر إلى الشعير
في تكميل النصاب فكذلك لا يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب.
وأموال الصيارفة مستثناة لأن أموال الصيارف عروض تجارة الصيرفي عنده ذهب
وفضة لو سألته لماذا؟ لقال: لأني أريد أن أتجر.
القارئ: ويضم أحدهما إلى الآخر فيحسب كل
واحد من نصابه ثم يضم إلى صاحبه لأن الزكاة تتعلق بأعيانها فلا تعتبر
قيمتها كسائر الأموال وعنه: تضم بالقيمة إن كان ذلك أحظ للفقراء فيقوّم
الأعلى منهما بالآخر فإذا ملك مائة درهم وتسعة دنانير قيمتها مائة درهم
وجبت زكاتها مراعاةً للفقراء ويجب في الزائد على النصاب بحسابه لأنه يتجزأ
من غير ضرر فأشبه الحبوب.
الشيخ: يعني إذا قلنا بالضم وهو قول مرجوح كما عرفتم فهل يضم بالقيمة أو
بالأجزاء الصحيح أنه يضم بالأجزاء لا بالقيمة إلا إذا كانت عروضاً فيضم
بالقيمة مثال ذلك عنده نصف نصاب من الفضة وربع نصاب من الذهب لكنه يبلغ نصف
نصاب من الفضة بالقيمة فهل عليه زكاة؟ على الخلاف إذا قلنا الضم بالأجزاء
فلا زكاة عليه وإن قلنا بالقيمة فعليه الزكاة والصواب أنه بالأجزاء ما لم
يكن للتجارة ومن عنده نصف نصاب من الفضة وربع نصاب من الذهب يساوي نصف نصاب
من الفضة (نصف نصاب من الفضة مائة درهم) وربع النصاب من الذهب الذي عنده
يساوي مائة درهم فهل يكمل النصاب بذلك؟ على الخلاف وإذا قلنا إنه يضم
بالأعيان فلا زكاة وإن قلنا يضم بالقيمة فعليه الزكاة فصار عندنا الآن ثلاث
مراتب:
أولاً: هل يضم الذهب إلى الفضة في تكملة النصاب في ذلك خلاف والراجح لا ضم
إلا في أموال الصيارفة لأنها تجارة.
ثانياً: إذا قلنا بالضم فهل يضم باعتبار القيمة أو باعتبار الأعيان ففي هذا
خلاف فبعضهم قال يعتبر القيمة وبعضهم قال: يعتبر العين وهذا هو الصواب يعني
إذا قلنا بالضم والمثال كما ذكرت لكم رجل عنده مائة درهم هذه نصف نصاب
وعنده ربع نصاب من الذهب لكنه يساوي مائة درهم فإن قلنا الضم بالقيمة صار
عنده مائتا درهم فيها الزكاة وإذا قلنا بالأعيان فلا زكاة لأنه ليس عنده
إلا نصف نصاب وربع نصاب يعني ثلاثة أرباع نصاب فلا تلزمه الزكاة.
السائل: النقود الورقية هل تضم إلى الذهب والفضة؟
الشيخ: النقود الورقية نعتبرها فضة لأنه
مكتوب عليها ريال أو خمسة ريالات أو عشرة ريالات أو خمسين ريال أو مائة
ريال أو خمسمائة ريال فهي تعتبر ملحقة بالفضة.
فصل
القارئ: والواجب فيها ربع العشر لقوله صلى الله عليه وسلم (في الرِقة ربع
العشر) رواه البخاري والرقة: الدراهم المضروبة فيجب في المائتين خمسة دراهم
وفي العشرين مثقالاً نصف مثقال ويخرج عن كل واحد من الرديء والجيد وعن كل
نوع من جنسه إلا أن يشق ذلك لكثرة الأنواع واختلافها فيؤخذ من الوسط كما
ذكرنا في الماشية وإن أخرج الجيد عن الرديء كان أفضل فإن أخرج رديئاً عن
جيد زاد بقدر ما بينهما من الفضل لأنه لا ربا بين العبد وسيده.
الشيخ: لا ربا بين العبد وسيده يعني بذلك الله فالزكاة حق لله عز وجل فإذا
زاد عن الدراهم الرديئة من جنسها فلا حرج.
القارئ: وقال القاضي: هذا في المكسرة عن الصحيحة أما المبهرجة فلا يجزئه بل
يلزمه إخراج جيده ولا يرجع فيما أخرجه لله تعالى وفي إخراج أحد النقدين عن
الآخر روايتان بناء على ضم أحدهما إلى الآخر.
الشيخ: هذه مثلاً إذا كان عند امرأة حلي من الذهب فعلى كلام المؤلف لا تخرج
من الدراهم لأن الدراهم نائبة مناب الفضة وإخراج الفضة عن الذهب لا يجوز
إلا إذا قلنا بالضم فإنهما يكونان كنقد واحد لكن الصحيح عدم الضم فيبقى
النظر الآن امراة عندها حلي نقول إذا قدرنا أن عندها أربعين سواراً متساوية
القيمة والوزن فماذا تخرج؟ تخرج سواراً واحداً ولا تخرج القيمة لكن أحياناً
لا يمكنها أن تخرج من الذهب وذلك لأنه ليس عندها شيء منفصل بعضه عن بعض
بقدر الزكاة فحينئذ نضطر إلى إخراج القيمة فتقدر الحلي بقيمته من الفضة
وتخرج من الفضة وهذا هو الذي عليه العمل الآن.
القارئ: ومن ملك مشغوشاً منهما فلا زكاة فيه حتى يبلغ قدر الذهب والفضة
نصابا فإن شك في بلوغه خيّر بين سبكه ليعرف وبين أن يستظهر ويخرج ليسقط
الفرض بيقين.
الشيخ: بناءً على ما سبق في عرفهم من أن
النقود أو الذهب والفضة قد يغش ويدخل فيه شيء ليس منه أما الآن والحمد لله
فالأمور منضبطة ولا فيها غش يعرف الذهب عيار ثمانية عشر وعيار واحد وعشرين
كلها معروفة.
فصل
القارئ: ولا زكاة في الجواهر واللآليء لأنها معدة للاستعمال فأشبهت ثياب
البذلة وعوامل الماشية وأما الفلوس فهي كعروض التجارة تجب فيها زكاة
القيمة.
الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله: (ولا تجب
الزكاة في الجواهر واللآليء) والألماس وأشباه ذلك هذا الحكم صحيح لكن
التعليل غير صحيح وهو قوله: (لأنها معدة للاستعمال فأشبهت ثياب البذلة) بل
التعليل الصحيح لأنه لم يرد إيجاب الزكاة فيها والأصل براءة الذمة وأما
التعليل الذي ذكره فهو منتقض فها هو الحلي تجب فيه الزكاة مع أنه معد
للاستعمال فالصواب أن يقال: لا تجب الزكاة في هذا لأنه لم يرد إيجاب الزكاة
فيها والأصل براءة الذمة وأما قوله: (عوامل المواشي) يريد بذلك الإبل
العوامل التي يعدها الناس للحمل يحملون الأمتعة عليها أو البقر والإبل التي
يعدونها للحرث هذه ما فيها زكاة لأن من شرط وجوب الزكاة السوم والسوم في
العوامل والحراثات وما أشبه ذلك غير موجود ولهذا لو قدر أن إنسان عنده
ماشية عوامل ولكنها تعيش على الرعي وجبت فيها الزكاة فالعلة في العوامل لا
لأنها استعلمت لكنه لأنه فقد شرط من شروط الزكاة وهو السوم والسوم هو الرعي
وأما الفلوس فيقول المؤلف: (إنها كعروض التجارة تجب فيها الزكاة في القيمة)
الفلوس: يعني القروش يعني النقد المعدني من غير الذهب والفضة هذا كعروض
التجارة ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله: إن الفلوس عروضٌ مطلقا وإن كانت
نقداً مستعملاً لكنها عروض ما فيها ربا وما فيها زكاة ما لم تعد للتجارة
ويشبه الفلوس الأوراق النقدية لأنها ليست ذهباً ولا فضة لكن الناس يتعامل
بها كما يتعاملون بالذهب والفضة وهذا محل خلاف بين العلماء رحمهم الله هل
الأوراق النقدية تلحق بالنقد أو تلحق بالفلوس وقد ألف بعض المعاصرين كتاباً
أسماه (إقناع النفوس بإلحاق أوراق الأناوط بعملة الفلوس) وانتصر لهذا
انتصاراً كبيراً وعليه فلا يجري فيها الربا وليست فيها زكاة ما لم تعد
للتجارة لكن هذا القول في نظري ضعيف والصواب أن فيها الزكاة وأنه يجري فيها
ربا النسيئة دون ربا الفضل وهل يجوز أن يخرج الزكاة من عين الفلوس؟ يقول
المؤلف تجب فيها
زكاة القيمة فلا يخرج منها كما لا يخرج من
العروض فكذلك لا يخرج من الفلوس لكن عمل الناس خلاف ذلك لما كان الناس ليس
عندهم من الدنيا ما عندهم اليوم كانوا يعطون الزكاة على قرش وقرشين يعطون
الفقير قرشاً وقرشين ويفرح بهذا والآن لو تعطي الفقير ريالاً رده عليك بل
البعض يرد عليك الخمسين ريالاً حتى تعطيه مائة أومائتين وإلا ما يقبل، وأنا
أدركت أن الناس يعطون القرش الواحد من الزكاة ويقبله الفقير.
مسألة: كل نقد ليس من الذهب والفضة فهو فلوس وموجود الآن ريالات معدنية
لهواتف العملة هي نقد بمعنى أن الناس يتعاملون بها كما يتعاملون بالنقدين
الذهب والفضة.
فصل
القارئ: ومن ملك مصوغاً من الذهب والفضة محرماً كالأواني وما يتخذه الرجل
لنفسه من الطوق ونحوه وخاتم الذهب وحلية المصحف والدواة والمحبرة والمقلمة
والسرج واللجام وتأزير المسجد ففيه الزكاة لأن هذا فعل محرم فلم يخرج به عن
أصله.
فإن كان مباحاً كحلية النساء المعتادة من الذهب والفضة وخاتم الرجل من
الفضة وحلية سيفه وحمائله ومنطقته وجوشنه وخوذته وخفه ورانه من الفضة وكان
معداً لتجارةٍ أو نفقةٍ أو كراءٍ ففيه الزكاة لأنه معد للنماء فهو
كالمضروب.
وإن أعد للبس والعارية فلا زكاة فيه لما روى جابر عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال (ليس في الحلي زكاة) ولأنه مصروف عن جهة النماء إلى استعمال
مباح فلم تجب زكاته كثياب البذلة وحكى ابن أبي موسى عنه: أن فيه الزكاة
لعموم الأخبار.
الشيخ: المصوغ من الذهب والفضة ينقسم إلى أقسام:
الأول: المحرم ففيه الزكاة على كل حال مثل أن يكون للمرأة سوار على شكل
ثعبان هذا محرم لأنه لا يجوز لبس هذا أو يكون عليها قلادة على شكل أسد هذه
محرمة وفيها الزكاة أو يكون للرجل خاتم من ذهب هذا محرم ففيه الزكاة إذا
بلغ النصاب.
الثاني: أن يكون معداً للنفقة والتجارة
والكراء ففيه الزكاة أيضاً فمثلاً امرأة عندها حلي تتجر به تبيعه وتشتري في
الحلي هذا فيه الزكاة لأنه عروض تجارة وعروض التجارة لا تختص بمال دون مال
كل ما أعد للتجارة ففيه الزكاة أو أعدته للنفقة بمعنى أن عندها حلياً كلما
احتاجت باعت منه وأنفقت على نفسها ففيه الزكاة أو أعدته للكراء تكريه الناس
كلما احتاجت النساء إلى لبس الحلي لعرس أو غيره أجرَّته إياهن ففيه الزكاة.
الثالث: أن يكون للاستعمال المجرد المباح
يعني أن امرأة عندها حلي تستعمله وهو مباح ليس محرماً وليس فيه إسراف ولا
خروج عن العادة ولا صور حيوان ولا غير ذلك فلا زكاة فيه لأنه معد للاستعمال
فهو كثياب البذلة يعني كما لو لبس الإنسان ثياباً فالثياب مهما بلغت قيمتها
فليس عليه فيها زكاة وكفراش البيت وكالسيارة وما أشبه ذلك كل هذه ليست فيها
زكاة والحلي مثلها يستعمل للزينة فكما أن الرجل لو كان عنده ثياب للزينة أو
كان عنده مشالح للزينة يستعملها فلا زكاة فيها فكذلك حلي المرأة هذا وجه
قولنا إنه لا زكاة في الحلي المعد للاستعمال إذا كان حلالاً ليس حراماً لكن
قال ابن قدامة في الكافي: حكى ابن أبى موسى عنه أي عن الإمام أحمد: أن فيه
الزكاة لعموم الأخبار فالأخبار الواردة في زكاة الذهب والفضة عامة ما فيها
تفصيل فإن قال قائل لماذا لم تذكر الحديث الذي استدل به المؤلف بل ركنت إلى
التعليل وهو قوله (ليس في الحلي زكاة)؟ فالجواب أننا عدلنا عنه لأن هذا
الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وما لم يصح فلا يجوز الاستدلال
به وهو غير مطرد ولا منعكس إذ أن الحلي قد تجب فيه الزكاة وقد لا تجب فليس
على إطلاقه فلا يصح الاستدلال به أما الرواية الثانية عن أحمد ففيه زكاة أي
في الحلي والدليل عموم الأخبار مثل قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ
الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فلابد أن
ينفق الذهب والفضة في سبيل الله على حسب ما جاءت به الشريعة فإن لم يفعل
فهو كانز لها ومثل قوله صلى الله عليه وسلم (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا
يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها
في نار جهنم فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان
مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يري سبيله إما إلى الجنة وإما
إلى النار) وهذا وعيد عظيم شديد ومعلوم أن المرأة التي
عندها حلي صاحبة ذهب أو فضة إن كان حلياً
من الذهب فهو ذهب وإن كان حلياً من الفضة فهو فضة فهي صاحبة ذهب وفضة فما
الذي أخرجها من العموم؟ ثم إنه قد وردت السنة بخصوص الحلي بأحاديث صحيحة
مثل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه
وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها: أتودين زكاة هذه؟
فقالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟ فخلعتهما
وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله) وهذا نص في
عين المسألة أي في مسألة النزاع والنص في مسألة النزاع حاكم لقوله تعالى:
(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ولا شيء يعارضه
وقد قال ابن حجر رحمه الله عن هذا الحديث: إنه أخرجه الثلاثة وإسناده قوي
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: إن إسناده صحيح وله شواهد من حديث أم سلمة
وغيرها فعلى هذا يكون القول الراجح في هذه المسألة وجوب زكاة الحلي من
الذهب والفضة وليس لنا أن نتجاوز ما دل عليه كتاب الله في ظاهر عمومه ولا
ما دلت عليه السنة النبوية في عمومها وخصوصها لأننا مسؤولون عن ذلك وأما
القياس الذي ذكره المؤلف فهو قياس باطل:
أولاً: أنه قياس في مقابلة النص والقياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار لا
يؤخذ به.
ثانياً: أنه قياس غير مطرد بدليل أن الإنسان لو جمع ثياباً كثيرة يعدها
للنفقة فإنه لا تجب فيها الزكاة لكن لو أعدت المرأة الحلي للنفقة وجبت فيها
الزكاة والمقيس يجب أن يكون موافقاً للمقيس عليه أيضاً ولو كان عند الإنسان
ثياب كثيرة يؤجرها أو إبل كثيرة يؤجرها فإنه ليس فيها الزكاة ولو كان عند
المرأة حلي من الذهب أوالفضة تؤجره لوجبت فيه الزكاة فإذاً لا قياس.
ثالثاً: أن نقول إن الثياب وما أشبهها
الأصل فيها عدم الزكاة الأصل فيها أنها ليست فيها زكاة والذهب والفضة الأصل
فيها الزكاة ومادام الأصل فيها الزكاة فإنه لا يمكن أن يخرج عن هذا الأصل
إلا بدليل فتبين بهذا أن القياس لا يصح لا طرداً ولا عكساً ولأنه في مقابلة
النص فلا يلتفت إليه فالصحيح الذي تبرأ به الذمة ويسلم به الإنسان من
العقوبة أن يخرج الزكاة من الحلي والحمد لله الأمر واسع وإنك لتعجب أن تكون
امرأة فقيرة عندها حلي لا تلبسه لكنها كلما احتاجت باعت وأكلت لإنقاذ نفسها
وامرأة عندها من الحلي الشيء الكثير للتزين به والتزين أمر كمالي نقول:
الأولى عليها الزكاة والثانية ليس عليها زكاة أيهما أحق أن تسقط عنها
الزكاة؟ الأولى لأن الأولى أعدته للضرورة وهذه إنما أعدته للكمال فلو أردنا
أن نسقط الزكاة لأسقطنا عن الأولى دون الثانية ومن قال بعدم الوجوب يسقط عن
الثانية دون الأولى وهذا القول أعني وجوب زكاة الحلي كما أنه مقتضى النص
فهو قول أكثر العلماء لأن مذهب أبي حنيفه رحمه الله وجوب الزكاة فيه
والعالم الإسلامي ولا سيما في القرون الوسطي حين كانت الخلافة لبني عثمان
لا شك أن العالم الإسلامي أكثره على مذهب أبي حنيفة لا سيما في شرق أسيا
وشمالها فليس القول هذا غريباً ولا شاذاً ولا نادراً.
فصل
القارئ: ولا فرق بين كثير الحلي وقليله لعدم ورود الشرع بتحديده وقال ابن
حامد: إن بلغ حلي المرأة ألف مثقال فهو محرم وفيه الزكاة لأن جابراً قال:
إن ذلك لكثير ولأنه سرف لم تجر العادة به فأشبه ما لو اتخذت حلي الرجال.
فصل
القارئ: فإن انكسر الحلي كسراً لا يمنع اللبس فهو كالصحيح إلا أن ينوي ترك
لبسه وإن كان كسراً يمنع الاستعمال ففيه الزكاة لأنه صار كالنقرة.
ولو نوى بحلي اللبس التجارة أو الكراء انعقد عليه حول الزكاة من حين نوى
لأن الوجوب الأصل فانصرف إليه بمجرد النية كما لو نوى بمال التجارة القنية.
الشيخ: سبحان الله ولو كان عنده ثياب كثيرة
أعدها للبس ثم نواها للتجارة هل تكون للتجارة؟ لا تكون للتجارة على المذهب
وهذا أيضاً يدل على تناقض القياس الذي قاس منه.
السائل: ما معنى النقرة؟
الشيخ: النقرة القطعة من الذهب.
مسألة: قول الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) هذا ليس مراداً به
العموم بالاتفاق لأنه عام أريد به الخاص ولهذا لا تجب الزكاة في الثياب كما
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)
وهذا بالإجماع.
السائل: بارك الله فيك إذا أعد الحلي للكراء هل تخرج الزكاة من نفس الحلي
أو ما جلبه من مال؟
الشيخ: على قول من يقول: إن الزكاة تجب في عين المال يعني يجب إخراجها من
عين المال تجب من الحلي أو من الذهب إن كان من غير الحلي ولكن القول الراجح
أنه يكفي الإخراج من القيمة.
فصل
القارئ: ويعتبر النصاب في المصوغ بالوزن لعموم الخبر فإن كانت قيمته أكثر
من وزنه لصناعة محرمة فلا عبرة بزيادة القيمة لأنها معدومة شرعا وإن كانت
مباحة كحلي التجارة فعليه قدر ربع عشره في زنته وقيمته لأن زيادة القيمة
هاهنا لغير محرم فأشبه زيادة قيمته لنفاسة جوهره فإن أخرج ربع عشره مشاعاً
جاز وإن دفع قدر ربع عشره وزاد في الوزن بحيث يستويان في القيمة جاز لأن
الربا لا يجري ها هنا وإن أراد كسره ودفع ربع عشره مكسوراً لم يجز لأنه
ينقص قيمته وإن كان في الحلي جواهر ولآليء وكان للتجارة قوم جميعه وإن كان
لغيرها فلا زكاة فيها لأنها لا زكاة فيها منفردة فكذلك مع غيرها.
الشيخ: يعتبر النصاب في المصوغ بالوزن لا
بالقيمة فمثلاً إذا كان هذا الذهب يزن عشرين ديناراً فهو نصاب لكن هذه
العشرون دينارا لا تساوي مائتي درهم هل تجب فيه الزكاة؟ نعم تجب فيه الزكاة
وذلك لأن المعتبر الوزن لا القيمة ولو كان عنده ما وزنه عشرون ديناراً
وقيمته أربعمائة درهم يعني أكثر من النصاب بالضعف فهل يخرج عن أربعمائة
درهم أو عن عشرين ديناراً الجواب الأول إلا إذا كان للتجارة فإنه إذا كان
للتجارة يقوم لأن مال التجارة العبرة بقيمته.
السائل: ما معني قوله (فإن كان في الحلي جواهر ولآلي)؟
الشيخ: معنى (إذا كان الحلي فيه جواهر) يعني خواتم فيها فصوص أو أسورة فيها
أيضاً فصوص فإن كان للتجارة قوم بما يساوي ومن جملته قيمة هذه الفصوص لأن
الفصوص للتجارة وإن كان لغير التجارة فلا زكاة في هذه الفصوص لأنها مما لا
زكاة في أصله فلا زكاة فيه إذا كان تبعاً لغيره.
فإذا قال قائل: المؤلف يرى أنه لا زكاة في الحلي قلنا: نعم لكن المؤلف يرى
أن الحلي المعد للكراء فيه الزكاة ويرى أن الحلي المحرم فيه الزكاة ويرى أن
الحلي المعد للنفقة فيه الزكاة.
باب زكاة المعدن
القارئ: وهو ما استخرج من الأرض مما خلق فيها من غير جنسها كالذهب والفضة
والحديد والنحاس والزبرجد والبلور والعقيق والكحل والمغرة وأشباهها والقار
والنفط والكبريت ونحوها فتجب فيها الزكاة لقول الله تعالى: (وَمِمَّا
أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْض) وروى الجوزجاني بإسناده عن بلال بن
الحارث المزني (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من معادن القبلية
الصدقة) وقدرها ربع العشر لأنها زكاة في الأثمان فأشبهت زكاة سائر الأثمان
أو تتعلق بالقيمة أشبهت زكاة التجارة.
الشيخ: ما ذكره المؤلف رحمه الله من
المعادن وأن فيه الزكاة مطلقا فيه نظر والصواب أن المعادن إن كانت مما فيه
الزكاة ففيها الزكاة كمعادن الذهب والفضة وإذا كانت مما لا زكاة فيه
كالنحاس والحديد والنفط وغيرها فإنه لا زكاة فيها ما لم يعدها للتجارة فإن
أعدها للتجارة وجبت فيها الزكاة على أنها عروض تجارة.
القارئ: ولا يعتبر لها حول لأنه يراد لتكامل النماء وبالوجود يصل إلى
النماء فلن يعتبر له حول كالعشر ويشترط لها النصاب وهو مائتا درهم من الورق
أو عشرون مثقالاً من الذهب أو ما قيمته ذلك من غيرهما لقوله صلى الله عليه
وسلم: (ليس فيما دون خمس أوقٍ صدقة) ولأنها زكاة تتعلق بالأثمان أو بالقيمة
فاعتبر لها النصاب كالأثمان أو العروض.
ويعتبر إخراج النصاب متواليا فإن ترك العمل ليلاً أو نهاراً للراحة أو
لإصلاح الأداة أو لمرض أو إباق عبد فهو كالمتصل لأن ذلك العادة.
وإن خرج بين النيليين تراب لا شيء فيه فاشتغل به فهو مستديم للعمل وإن تركه
ترك إهمال فلكل دفعة حكم نفسها.
الشيخ: يعني هذا الذي يستخرج المعدن إذا كان العمل متوالياً رد آخره إلى
أوله في تكميل النصاب وإن كان متفرقاً بأن كان يأتي يوم ويستخرج ويبيع ثم
يجيء اليوم الثاني ويستخرج ويبيع وما يستخرجه أقل من النصاب فهذا لا زكاة
فيه وإن كانت بمجوعه يبلغ النصاب لأن لكل عمل حكماً مستقلاً.
القارئ: قال القاضي: ويعتبر النصاب في كل جنس منفردا والأولى ضم الأجناس من
المعدن الواحد في تكميل النصاب لأنها تتعلق بالقيمة فيضم وإن اختلفت
الأنواع كالعروض ولا يحتسب بما أنفق على المعدن في إخراجه وتصفيته لأنه
كمؤن الحصاد والزراعة ولا تجب على
من ليس من أهل الزكاة لأنه زكاة ويمنع الدين وجوبه كما يمنع في الأثمان
وتجب في الزائد على النصاب بحسابه لأنه مما يتجزأ ويخرج زكاته من قيمته كما
يخرج قيمة العروض.
الشيخ: هذا الكلام على المعدن فيما كان
معروفاً فيما سبق أن كل إنسان يملك أرضاً وفيها معدن فإن المعدن له ويتصرف
فيه كما يشاء لكن أصبحت الآن الدول لا تعتبر بهذا وتمشي على أن الإنسان إذا
وجد معدناً في أرض فإنه للدولة وبناءً على ذلك تنتفي جميع الأحكام التي
ذكرها لا في وجوب الزكاة ولا في غيرها لأن مال الدولة يذهب إلى بيت المال
فليس له مالك معين وحينئذ لا زكاة فيه والعمل على هذا الآن.
فصل
القارئ: فأما الخارج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر ففيه روايتان
إحداهما: لا شيء فيه لأن ابن عباس قال: لا شيء في العنبر إنما هو شيء ألقاه
البحر ولأنه قد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه فلم يسبق
فيه سنة والثانية: فيه الزكاة لأنه معدن أشبه معدن البر.
الشيخ: الصواب أنه لا زكاة فيها لأن الأصل عدم وجوب الزكاة فهو كاللباس
ونحوه لا زكاة فيه لكنه لو أعده للتجارة انعقد الحول من إخراجه من البحر
فإذا أتم الحول زكاه.
القارئ: ولا شيء في السمك لأنه صيد فهو كصيد البر وعنه: فيه الزكاة قياساً
على العنبر.
الشيخ: والصواب أنه لا زكاة فيه على ما قدمه المؤلف رحمه الله والعنبر يطلق
على شيئين على نوع من الطيب ويطلق على نوع من السمك كبير الذي يسمى العنبر
سمك كبير جداً وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فنفذ الطعام في
أيديهم حتى كان الواحد يأخذ التمرة يمصها بالصباح والمساء وهم على سيف
البحر وإذا على سيف البحر شيء كالتل أو كالجبل فلما دنو منه وجدوه سمكة قد
أخرجها الله لهم ووجدوا فيها شيئاً كثيراً وكبراً عظيماً حتى إنه يجلس في
قحف عينها ثلاثة عشر رجلاً _ سبحان الله _ يعني قرية كبيرة وحتى أنهم أخذوا
ضلعاً من أضلاعها ونصبوه ورحَّلوا أكبر جمل عندهم ودخل من تحتها وبقوا
عليها وأكلوا وأتوا بشي منها إلى المدينة.
فصل
القارئ: ويجوز بيع تراب معادن الأثمان بغير جنسه ولا يجوز بجنسه لإفضائه
إلى الربا.
الشيخ: هذا إذا كان المعدن فيه الربا فإنه
لا يجوز أن يباع ترابه بثمن من جنسه لأنه يكون ربا يعني لو قدرنا أنه ذهب
ومعلوم أن تخليص الذهب من الأحجار المختلطة به لابد أن يكون هناك شيء من
الرذاذ من الذهب فأراد الإنسان أن يبع هذا التراب بذهب فإن ذلك لا يجوز لأن
الربوي إذا بيع بجنسه فلابد من التساوي وإذا أراد أن يبعه بفضة جاز ولابد
من القبض وإذا باعه بماشية جاز ولو بلا قبض.
القارئ: وزكاته على البائع لأن رجلاً باع معدنا ثم أتى علياً رضي الله عنه
فأخبره فأخذ زكاته منه ولأنه باع ما وجبت عليه زكاته فكانت عليه كبائع الحب
بعد صلاحه وتتعلق الزكاة بالمعدن بظهوره كتعلقها بالثمرة بصلاحها ولا يخرج
منه إلا بعد السبك والتصفية كالحب والثمرة.
باب حكم الركاز
القارئ: وهو مال الكفار المدفون في الأرض وفيه الخمس لما روى أبو هريرة رضي
الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وفي الركاز الخمس)
متفق عليه ولأنه مال كافر مظهور عليه بالإسلام فوجب فيه الخمس كالغنيمة
ويجب الخمس في قليله وكثيره من أي نوع كان من غير حول لذلك ويجب على كل
واجد له من أهل الزكاة وغيرهم لذلك.
ومصرفه مصرف الفيء لذلك ولأنه روي عن عمر أنه رد بعض خمس الركاز على واجده
ولا يجوز ذلك في الزكاة وعنه: أنه زكاة مصرفه مصرفها اختارها الخرقي لأن
علياً أمر واجد الركاز أن يتصدق به على المساكين ولأنه حق تعلق بمستفاد من
الأرض فأشبه صدقة المعدن والعشر وفي جواز رده على واجده وجهان لما ذكرنا من
الروايتين ويجوز لواجده أن يفرق الخمس بنفسه نص عليه واحتج بحديث علي ولأنه
أوصل الحق إلى مستحقه فبريء منه كما لو فرق الزكاة.
الشيخ: الدليل قوله عليه الصلاة والسلام:
(في الركاز الخمس) وقد اختلف العلماء في قوله: (الخمس) هل هو للعهد أو
لبيان المقدار؟ فإن قلنا للعهد (في الركاز الخمس) صار مصرفه مصرف الفيء لأن
الرسول صلى الله عليه وسلم جعله خمساً وإن جعلنا الخمس لبيان المقدار بقي
أن ينظر إلى أين يصرف هل يصرف مصرف الزكاة أو فيما هو أعم؟ يحتمل هذا وهذا
لكن على رأي من يرى أن (أل) هنا لبيان حقيقة المقدار يقول إنه يصرف مصرف
الزكاة وجوباً فيكون في الفقراء والمساكين والعاملين عليها إلى آخره.
السائل: القول الراجح في الركاز كونه يأخذه واجده أو يرجع إلى بيت المال؟
الشيخ: يأخذه واجده هذا هو الراجح.
السائل: ألا يشبه هذا ما يجده الواجد من المعادن فيكون له؟
الشيخ: لا لأن هذا الركاز قد ملك أولاً والمعادن لم تملك هذا الفرق بينهما.
السائل: في زكاة الحلي قلنا إنه إذا كان لا يستطيع أن يخرج من الذهب فله أن
يخرج من القيمة فعلى أي شيء يحسب هل على ثمن الذهب أم ماذا؟
الشيخ: أولاً يحسب بالنسبة للنصاب يحسب على وزن الذهب فإذا قدرنا أن هذا
الذهب لا يصل إلى نصاب وهو عشرون ديناراً أي عشرون مثقالاً لكن قيمته أكثر
من النصاب بالنسبة إلى الفضة فهنا لا زكاة فيه مع أنه بلغ النصاب فيقدر
قيمته ذهباً بغير تصنيع لأن هذه الصناعة حلال وليس فيها زكاة.
السائل: هل يشمل أيضاً الركاز ما إذا وجد سفينة غارقة في البحر؟
الشيخ: لا لأنه سيأتينا إن شاء الله في الركاز أنه لابد أن يكون عليه
علامات الجاهلية أي ما قبل الإسلام فإذا وجت علامة على هذا فهو ركاز.
السائل: كم غراماً نصاب الذهب؟
الشيخ: الغرامات خمسة وثمانين غراماً وهذا أحوط بلا شك.
السائل: بارك الله فيك عمل الناس اليوم على إخراج الزكاة لا يستطيعون أن
يحسبوا الصناعة؟
الشيخ: هذا من باب التسامح وقد يكون الذهب
الذي لم يصنع أغلى من المصنع لكن لو أردنا أن ندقق قلنا يجب عليهم الزكاة
في الذهب فقط وذلك لأن التصنيع هذا منفعته مباحة.
فصل
القارئ: والركاز ما دفنه أهل الجاهلية ويعتبر ذلك برؤية (علامتهم) عليه.
الشيخ: في المخطوط (علاماتهم) نسخة، لأنه ما يختلف المعنى كثيراً.
القارئ: كأسماء ملكوهم وصورهم وصلبهم لأن الأصل أنه لهم فأما ما عليه
علامات المسلمين كأسمائهم أو قرآنٍ ونحوه فهو لقطة لأنه ملك مسلم لم يعلم
زواله عنه وكذلك إن كان على بعضه علامة الإسلام وعلى بعضه علامة الكفار لأن
الظاهر أنه صار لمسلم فدفنه وما لا علامة عليه فهو لقطة تغليباً لحكم
الإسلام.
الشيخ: في الواقع أسماء الملوك والصور والصلب هذه تكون حتى في النقود التي
بأيدي المسلمين لكن قد يقال إن هناك أشياء يختص بها الكفار يعني نقوداً
خاصة معينة تكون لهم لا يخرجونها إلى خارج بلادهم فحينئذٍ يحكم بأنها ركاز.
فصلٌ
القارئ: ولا يخلو الركاز من أحوال أربعة.
الشيخ: الصواب من حيث اللغة أن يقال من أحوال أربع لأن الحال مذكر لفظاً
مؤنث معناً.
القارئ: أحدها: أن يجده في موات فهو لواجده.
الثاني: وجده في ملك آدمي معصوم ففيه روايتان إحداهما: يملكه واجده لأنه لا
يملك بملك الأرض إذ ليس هو من أجزائها وإنما هو مودع فيها فجرى مجرى الصيد
والكلأ يملكه من ظفر به كالمباحات كلها وإن ادعاه صاحب الأرض فهو له مع
يمينه لثبوت يده على محله والثانية: هو لصاحب الأرض إن اعترف به فإن لم
يتعرف به فهو لأول مالك لأنه في ملكه فكان له كحيطانه فإن كان الملك
موروثاً فهو للورثة إلا أن يعترفوا أنه لم يكن لمورثهم فيكون لمن قبله فإن
اعترف به بعضهم دون بعض فللمعترف به نصيبه وباقيه لمن قبله.
الشيخ: الظاهر في هذه المسألة أن يكون لمن
وجده إلا من استؤجر لحفره فإن استؤجر لحفره فهو لمن استأجره وإلا فهو لمن
وجده وذلك لأنه منفصل عن الأرض فلا يدخل في ملكها فيكون ملكاً لواجده كما
لو وجد فيها كمأة أو شيئاً يخرج من الأرض فهو لواجده فالصواب أنه لواجده
إلا إذا استؤجر لحفره فهو لمن أستأجره.
القارئ: الثالث: وجده في ملك انتقل إليه فهو له بالظهور عليه وإن قلنا: لا
يملك به فهو للمالك قبله إن اعترف به وإلا فهو لأول مالك.
الرابع: وجده في أرض الحرب وقدر عليه بنفسه فهو له لأن مالك الأرض لا حرمة
له فأشبه الموات وإن لم يقدر عليه إلا بجماعة المسلمين فهو غنيمة لأن قوتهم
أوصلته إليه.
الشيخ: وإذا كان غنيمة يقسم قسمة الغنيمة فهذا ركاز في أرض العدو في أرض
الحرب لم يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين لهم شوكة فهذا يكون كأموال
الكفار التي أخذناها بالقتال.
القارئ: وإن وجد في ملك انتقل إليه ما عليه علامة الإسلام فادعاه من انتقل
عنه ففيه روايتان:
إحداهما: يدفع إليه من غير تعريف ولا صفة لأنه كان تحت يده فالظاهر أنه
ملكه كما لو لم ينتقل عنه.
والثانية: لا يدفع إليه إلا بصفة لأن الظاهر أن لو كان له لعرفه ولو اكترى
داراً فظهر فيها دفين فادعى كل واحد من المالك والمكتري أنه دفنه ففيه
وجهان:
أحدهما: القول قول المالك لأن الدفين تابع للأرض والثاني: القول قول
المكتري لأنه مودع في الأرض وليس منها فكان القول قول من يده عليه كالقماش.
الشيخ: وهذا أقرب أنه للمستأجر إلا إذا وجد علامة أو قرينة تدل على أنه
للمالك مثل أن يكون مدفوناً في مكان محكم يبعد أن المستأجر يقوم به فيكون
بالقرينة لمالك الأرض.
فصل
القارئ: وإذا أستأجر أجيراً ليحفر له طلباً
لكنز فوجد كنزاً فهو للمستأجر لأنه استأجره لذلك فأشبه ما لو استأجره ليحتش
له وإن استأجره لغير ذلك فوجد كنزا فهو للأجير لأنه غير مقصود بالإجارة
فكان للظاهر عليه كما لو استأجره ليحمل له فوجد صيدا.
باب زكاة التجارة
القارئ: وهي واجبة لما روى سمرة بن جندب قال: (إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمرنا أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع) رواه أبو داود ولأنه مال نامٍ
فتعلقت به الزكاة كالسائمة ولا تجب إلا بشروط أربعة أحدها: نية التجارة
لقوله: (مما نعده للبيع) ولأن العروض مخلوقة في الأصل للاستعمال فلا تصير
للتجارة إلا بنيتها كما أن ما خلق للتجارة وهي الأثمان لا يصير للقنيه إلا
بنيتها ويعتبر وجودها في جميع الحول لأنها شرط أمكن اعتباره في جميع الحول
فاعتبر فيه كالنصاب.
الشيخ: عروض التجارة هو ما أعده الإنسان للتكسب فكل مال أعده الإنسان
للتكسب فهو عروض تجارة سواء كان من المواشي أو الثمار أو من الحبوب أو من
السيارات أو من المكائن أو من أي شيء كل ما أعده الإنسان للتكسب فهو عروض
تجارة لأن الإنسان يعرضه للبيع ولأنه يعرض ويزول ولا يبقي فتجد التاجر يعرض
السلعة ويبيعها في المساء لأنه ليس له غرض بذاتها إنما الغرض الربح فكل ما
أعد للتكسب فهو عروض تجارة وقد اختلف العلماء في وجوب الزكاة فيه والصواب
المقطوع به أن فيه الزكاة لهذا الحديث الذي ذكره المؤلف حديث سمرة ولقول
النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) وهذا الرجل إنما نوى
بعروض التجارة التكسب بالقيمة همه قيمته لا تهمه أعيانها ولذلك لو كسَّبته
بطرفة عين لباعها ولأن غالب أموال التجار هي العروض ولو أسقطنا الزكاة فيها
لأسقطنا زكاة أموال كثيرة ولأنه عموم قوله صلى الله عليه وسلم (تؤخذ من
أغنيائهم) تشمل من كان غنياً بعروض التجارة لكن لابد من شروط.
السائل: ولو نوى بالخارج من الأرض للتجارة؟
الشيخ: صار عروض تجارة الذي عنده غلة ويريد
أن يبيعها إذا صار مثلاً عنده بستان فيه عشرة أطنان (بُنّ) ليأكله سوف
يبيعه وحتى في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كان الناس يسلمون في الثمار
السنة والسنتين ولذلك أوجب عليهم الرسول العشر فيما سقي بلا مؤنة ونصفه بما
سقي بمؤنة هو اتخذه للنماء لكن سيبيعه يقول هذا يزكيه زكاة ثمار ثم بعد ذلك
إذا صار يبيع ويشتري فيه يزكيه زكاة تجارة.
القارئ: الثاني: أن يملك العروض بفعله كالشراء ونحوه بنية التجارة وعنه:
تصير للتجارة بمجرد النية اختارها أبو بكر وابن عقيل للخبر ولأنه يصير
للقنيه بمجرد النيه فلأن يصير للتجارة أولى وظاهر المذهب الأول لأن ما لا
تتعلق به الزكاة من أصله لا يصير لها بمجرد النية كالمعلوفة إذا نوى بها
الإسامة.
الشيخ: الشرط الثاني: يقول رحمه الله: أن يملكها بفعله بنية التجارة فخرج
بقولنا: بفعله ما لو ملكها بإرث فإن الإرث ليس بفعل الإنسان فإذا ملكها
بإرث فإنها لا تكون للتجارة بالنية ما بقيت عنده فليس فيها زكاة فلو أن
رجلاً ورّث سيارات كثيرة في معرض ولمَّا مات انتقلت السيارات التي في
المعرض للورثة وليكن الوارث واحداً فهذا ليس عليه زكاة في السيارات ولو نوى
للتجارة لأنه ملكها بغير فعله إذ أن الملك بالميراث ملك قهري ليس اختيارياً
لو أراد الوارث أن يقول أنا لا أريد الإرث يلزمه ودخل في ملكه قهراً.
الثاني: أن يملكها بفعله بنية التجارة فلو
ملكها بفعله بشراء مثلاً أو قبول هبة بنية الاقتناء ثم بدا له بعد ذلك أن
يجعلها رأس مال ويتجر بها فإنها لا تكون للتجارة حتى يبيعها ثم يملك ثمنها
بنية التجارة إذاً لا يمكن أن تنتقل للتجارة ما دام ملكها بغير نية التجارة
حتى يبيعها ثم يملك ثمنها بنية التجارة لكن في المسألة قول آخر يقول رحمه
الله: وعنه: تصير التجارة بالنية وعنه (عن الإمام أحمد رحمه الله) رواية
أنه إذا نوى التجارة صارت للتجارة ولو كان بعد ملكه إياه بغير نية التجارة
لعموم الحديث (فيما نعده للبيع) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما
الأعمال بالنيات) ومثال ذلك إنسان ملك السيارة بنية الاقتناء ثم بدأ له أن
يجعلها رأس مال التجارة فينعقد الحول من نيته ويزكيها متى ما تم الحول وعلى
ما مشى عليه المؤلف الذي هو ظاهر المذهب لا تكون للتجارة فإذا قدرنا إنه
نواها للتجارة في شهر محرم ولم يبعها إلا في شهر جمادى الأولى ونوى بها
التجارة ينعقد الحول في جمادى الأولى على رأي المؤلف وعلى القول الثاني في
محرم وهذا هو الصحيح ولاحظوا أننا قلنا: إذا نوى يعني إذا نواه رأس مال
تجارة فإن نوى بيعه لغير التجارة لكنه هو لا يريده يعني هو عنده سيارة
قديمة واشترى سيارة جديدة ووضع السيارة القديمة في المعرض للبيع لأنه طابت
نفسه منها لا لأجل التجارة بها فهذا لا زكاة عليه ومثل ذلك لو كان عنده
أراضي اشتراها لا للتجارة ثم إنه طابت نفسه وقال إني سأعمر بيتاً في غير
هذا المكان وعرضها للبيع هل فيها زكاة؟ لا لأنها ليست للتجارة لكنه طابت
نفسه منها وأراد أن يبيعها ومثل ذلك لو أُقطع أرضاً يعني أعطته الحكومة
أرضاً وبقيت عنده مدة ومن حين أن ملكها من الدولة يريد أن يبيعها لأنه
لايحتاجها فهل تكون للتجارة؟ لا تكون للتجارة لأن هذا ما نوى التجارة إنما
نوى أنه لما كان غير محتاج للأرض يريد أن يبيعها فهذا ليست عليه زكاة لأنها
ليست للتجارة ليس فيها زكاة لأنه لم ينو
بيعها تكسباً إنما نوى بيعها تخلصاً وأما المال فتجب الزكاة في عينه لأن
المال نقود تجب الزكاة في عينه حتى ولولم ينو التجارة به حتى ولو نواه
ليتزوج به أو ليشتري به بيتاً ليسكنه والنقود فيها الزكاة في عينها.
السائل: أحسن الله إليكم ما الراجح قول المذهب أو قول الإمام أحمد في
المسألة السابقة؟
الشيخ: الراجح أنها تكون للتجارة بنيته لكن لاحظ أنه يريد نية التجارة لا
نية التخلص منها بأن تكون طابت نفسه ويريد أن يبيعها هذا ليست عليه زكاة.
القارئ: وفارق نية القنية لأنها الأصل وكفى فيها مجرد النية كالإقامة مع
السفر فعلى هذا إن لم ينو عند التملك ونوى بعده لم تجب الزكاة فيه لأنه نية
مجردة ولو نوى بتملكه أنه للتجارة ثم نواه للقنية صار للقنية لأنها الأصل
وإن نواه بعده للتجارة لم يصر لها حتى يبيعه.
الشيخ: هذه لها ثلاث حالات ذكر إنساناً
اشترى أرضاً للتجارة ثم بدا له أن يبقيها ليعمر عليها سكناً لها انقطعت نية
التجارة وصارت ليس فيها زكاة ثم بعد ذلك رجع ونواها للتجارة على نيته
الأولى ليس فيها زكاة على ما مشى عليه المؤلف والصحيح أن فيها الزكاة هذا
إذا كانت النية الأخيرة للتجارة أما لو نوى التخلص فلا زكاة عليه، نزيد
أيضاً مثالاً آخر رجل اشترى أرضاً من مخطط أراضي للتجارة ففيها زكاة وفي
أثناء الحول أشار عليه بعض أصحابه قالوا اعمر الأرض وابن فيها قال إذاً
نويتها لأعمر عليها بيتاً انقطعت النية فليس فيها زكاة، وبعد مضي ثمانية
أشهر قيل له: هذه الأرض ما لها مستقبل لا تعمر فيها للسُكنى اعمر في مكان
آخر قال إذاً لن أعمر فيها بيتاً هل تكون للتجارة أو لا؟ أما على كلام
المؤلف فلا تكون لأنها بَطَلت نية التجارة من الأول فلا تعود وأما على
الرأي الثاني الذي روي عن أحمد فنقول: إن نوى التجارة يعنى نوى أن تكون هذه
الأرض رأس مال له يتجر فيها ففيها زكاة وإن نوى التخلص منها يريد أن يبيعها
فليس فيها زكاة وانتبهوا لهذه النقطة لأنها مهمة جداً الفرق بين أن ينوي ما
كان للاقتناء للتجارة أو للتخلص إذا نوى التجارة على القول الراجح ففيها
زكاة وإذا نوى التخلص فليس فيها زكاة والله أعلم.
القارئ: الشرط الثالث: أن يبلغ قيمته نصاباً من أقل الثمنين قيمة فإذا بلغ
بأحدهما نصاباً دون الآخر قوّمه به ولا يعتبر ما اشتراه به لأن تقويمه لحظ
الفقراء فيعتبر ما لهم الحظ فيه ولو كان أثماناً قوّمه كالسلع لأنه وُجد
فيه معنيان يقتضيان الإيجاب فيعتبر ما يتعلق به الإيجاب كالسوم والتجارة
فإن بلغ نصاباً من كل واحد منهما قوّمه بما هو أحظ للفقراء فإن استويا
قوّمه بما شاء منهما.
الشيخ: هذا أحد الشروط في عروض التجارة أن
تبلغ قيمته نصاباً من أحد الثمنين الذهب والفضة فقد يبلغ نصاباً من الذهب
ولا يبلغ نصاباً من الفضة وقد يبلغ نصاباً من الفضة ولا يبلغ نصاباً من
الذهب مثال ذلك رجل عنده سلع تبلغ تسعة عشر ديناراً ومائتي درهم إن قومناها
بالذهب لم تبلغ النصاب لأن
نصاب الذهب عشرون ديناراً وإن قومناها بالفضة بلغت نصاباً لأن نصاب الفضة
مائتا درهم فهل نقومها بالفضة لأنها غالب نقود الناس وهي الغالب في أيديهم
أو نقومها بالذهب؟ يقول المؤلف نقومها بالأحظ فإذا بلغ بأحدهما نصاباً دون
الآخر قوَّمه به يعني لا بالآخر وهل المعتبر ما اشتراها به أو المعتبر
القيمة وقت الزكاة؟ يقول المعتبر القيمة وقت وجوب الزكاة فلو قدرنا أن
رجلاً اشترى سلعة للتجارة بعشرة آلاف ريال وعند تمام الحول صارت تساوي خمسة
آلاف ريال يزكي خمسة آلاف ريال ولو كان بالعكس اشتراها بخمسة آلاف ريال
وصارت تساوي عشرة آلاف ريال يزكي عشرة آلاف ريال لأن المعتبر القيمة وقت
وجوب الزكاة ولا يعتبر ما اشتريت به وإذا كانت التجارة أثماناً كأموال
الصيارف حيث أن الصيارف أموالهم ذهب وفضة فهل نعتبر بالذهب أو بالفضة؟
نقول: إذا بلغت النصاب بأحد الثمنين وجبت الزكاة فهذا رجل صيرفي عنده خمسة
دنانير لكنها تساوي مائتي درهم فيها الزكاة ولو كان لا يريد التجارة في هذا
الخمسة الدنانير لم تجب فيها الزكاة لأنها لم تبلغ النصاب فصار ما أعد
للتكسب يعتبر عروض تجارة فيه الزكاة وتعتبر قيمته بقطع النظر عن عينه
وجوهره.
القارئ: الشرط الرابع: الحول لقوله صلى الله عليه وسلم (لا زكاة في مال حتى
يحول عليه الحول) ويعتبر وجود النصاب في جميع الحول لأن ما اعتبر له الحول
والنصاب في جميع الحول اعتبر وجوده في جميعه كالأثمان.
الشيخ: لكن هل يعتبر حول الحول عليه بعينه؟
الجواب لا، لأن هذا تاجر يمكن يشتري آخر سلعة قبل تمام الحول بشهر فهل نقول
هذه السلعة التي اشتراها ليس فيها زكاة؟ لا لأن عروض التجارة الإنسان يبدل
بعضها ببعض دائماً فإذا قدر أن الرجل كان عنده أرض للتجارة اشتراها بعشرة
آلاف ريال وقبل تمام الحول بشهر باعها بأرض أخرى فهل نقول إن الحول انقطع
أو لا زال مستمراً؟ لا زال مستمراً وكذلك لو باعها بدراهم ثم اشترى
بالدراهم سيارات للتجارة فإن المعتبر حول الأرض لا حول ملك السيارات وإنسان
عنده أرض اشتراها للتجارة فباعها قبل تمام الحول بمائة ألف ريال ثم اشترى
بالمائة ألف ريال سيارات للتجارة هل نقول لابد أن يحول الحول على هذه
السيارات أو نقول إذا مضى شهر يتم بها حول الأرض وجبت عليه الزكاة؟ الثاني
وذلك لأن عروض التجارة لا تقصد أعيانها وإنما المقصود القيمة وإذا كان
المقصود هو القيمة فلا فرق بين سلعة وأخرى.
القارئ: ولو اشترى للتجارة عرضاً لا يبلغ نصابا ثم بلغه انعقد الحول عليه
من حين صار نصابا
الشيخ: اشترى عرضاً بقيمة لا تبلغ النصاب مثل أن يشتري عرضاً بمائة وخمسين
درهماً ثم زادت السلعة فصارت تساوي مائتي درهم فإننا نعتبر النصاب من حين
صار يساوي مائتي درهماً فإذا ملكه في شعبان وهو يساوي مائة وخمسين درهماً
وفي ذي القعدة صار يساوى مائتي درهم فيبتديء الحول من ذي القعدة
لأنه هو الذي تم به النصاب هذا ما لم يكن عنده مال آخر يتم به النصاب فإنه
يعتبر من حول النصاب الذي كان عنده سابقاً لأن هذه عروض تجارة.
القارئ: وإن ملك نصاباً فنقص انقطع الحول فإن عاد فنما فبلغ النصاب استأنف
الحول على ما ذكرنا في السائمة والأثمان وإن ملك (نصاباً) في أوقات فلكل
نصاب حول.
الشيخ: عندي في المخطوط (نُصُباً) جمع.
القارئ: ولا يضم نصاب إلى نصاب لأن
المستفاد يعتبر له حول أصله على ما أسلفناه وإن لم يكمل الأول إلا بالثاني
فحولهما منذ ملك الثاني وإن لم يكمل إلا بالثالث فحول الجميع من حين كمل
النصاب.
الشيخ: هذا رجل ملك أنصبة في أوقات فلكل نصيب حول يعني ملك النصاب الأول في
محرم والثاني في ربيع والثالث في رجب كل واحد له حوله وهذا يظهر كثيراً في
مسألة الرواتب فالرواتب الإنسان لا يملكها دفعة واحدة كل شهر له راتب فهنا
نقول: كلما ملك نصاباً انعقد حوله من ملكه وهذا بخلاف ربح التجارة فإن ربح
التجارة يكون تبعاً للأصل فإذا قدر أنه ملك نصاباً في محرم وصار يبيع
ويشتري به ولما قارب الحول زاد هذا النصاب وصار يساوي أكثر من نصاب فهل
يزكي هذا الزائد وإن لم يتم حوله؟ الجواب: نعم يزكيه وإن لم يتم حوله لأن
ربح التجارة تابع لأصله.
مسألة: نفرض أن رجلاً ورث ميراثاً أو وهب له هذا النصاب فهل نقول هذا الذي
وهب له يبني حوله على ما سبق أو يبتديء له حولاً؟ يبتديء حولاً وهنا فرق
بين تكميل النصاب وبين الحول فالغنم مثلاً لو أن الإنسان عنده مثلاً أربعين
شاة سائمة ثم في أثناء الحول اشترى سائمة أخرى فإنها تضم إليها في النصاب
فقط لكن في مسألة الحول لا فلكلٍ حولٌ جديد إلا ربح التجارة ونتاج السائمة
هذه القاعدة.
السائل: الموظف في الدولة ألا يعتبر كالأجير فيكون انعقاد الحول من حين عقد
الإجارة؟
الشيخ: لا الموظف لا يستحق راتبه إلا إذا تم الشهر فقط ولهذا جائز أن ينفصل
أو يقال أو ما أشبه ذلك ولا يعطى إلا بالشهر لا يومياً وإن كان توزيع
الراتب على الأيام فلا يضر.
فصل
القارئ: ولا يشترط أن يملك العرض بعوض ذكره
ابن عقيل وأبو الخطاب وقال القاضي: يشترط أن يملكه بعوض كالبيع والخلع
والنكاح فإن ملكه بهبة أو احتشاشٍ أو غنيمة لم يصر للتجارة لأنه ملكه بغير
عوض أشبه الموروث ولنا أنه ملكها بفعله أشبه المملوك بالبيع وفارق الإرث
لأنه بغير فعله فجرى مجرى الاستدامة.
الشيخ: إذاً يتلخص لنا أن في المسألة ثلاثة أقول:
القول الأول: أنه لا يكون للتجارة إلا إذا ملكه بعوض فإن ملكه بغير عوض لم
يصر للتجارة وهذا هو الذي أشار إليه المؤلف وهو قول القاضي رحمه الله فهو
يشترط أن يملكه بعوض فإن ملكه بهبة فعلى رأي القاضي لا يكون للتجارة حتى
يبيعه ويشتري بثمنه عرضاً آخر.
القول الثاني: أنه يشترط أن يملكه بفعله سواء كان بعوض أو بغير عوض وعلى
هذا الرأي إذا وهب له عرض من عروض التجارة ثم نواه للتجارة يكون للتجارة.
القول الثالث: أنه لا يشترط أن يملكه بعوض ولا أن يملكه باختيار وأنه متى
ملكه ثم نواه للتجارة صار للتجارة وهذا الذي رجحناه أولاً وأخيراً لقول
النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) ولحديث سمرة (أنهم
يخرجون الزكاة عما يعدونه للبيع).
فصل
القارئ: وإذا اشترى نصاباً للتجارة بآخر لم ينقطع الحول لأن الزكاة تتعلق
بالقيمة والقيمة فيهما واحدة انتقلت من سلعة إلى سلعة فهي كدراهم نقلت من
بيت إلى بيت وإن اشتراه بأثمان لم ينقطع الحول لأن القيمة في الأثمان كانت
ظاهرة فاستترت في السلعة وكذلك لو باع نصاب التجارة بنصاب الأثمان لم ينقطع
الحول لذلك.
الشيخ: يعني تبادل السلع في عروض التجارة
لا يقطع الحول فلو كان عنده أراضي للتجارة وفي نصف الحول باعها بسيارات
للتجارة هل ينقطع الحول؟ لا ومتى يزكي السيارات؟ إذا تم حول الأرض ولو كان
عنده سلع من نوع وفي أثناء الحول حولها إلى نوع آخر فإنه لا ينقطع الحول
لأن الزكاة في القيمة والقيمة لم تختلف بتغيير أعيان التجارة ولو باعها
بأثمان ليس بعرض تجارة فهل ينقطع الحول؟ لا كرجل عنده أراضي للتجارة وفي
أثناء الحول باعها بدراهم قال أريد أن يكون عندي دراهم فهل ينقطع حولها؟
الجواب لا وعلى هذا فتبديل العروض بعضها ببعض لا يقطع الحول وتبديلها
بأثمان كذلك لا ينقطع الحول والعلة أن الزكاة إنما تجب في عروض التجارة
بالقيمة.
السائل: فيما إذا استبدل العرض بالأثمان والعروض مكثت عنده ستة أشهر متى
يزكي؟
الشيخ: إذا مضى للعروض سنة وجبت الزكاة مع أنه لم يمض على الدراهم إلا ستة
أشهر كما لو أبدلها بعروض أخرى.
السائل: إذا باع السلعة تخلصاً لا تجارة متى يبتديء حول الأثمان؟
الشيخ: يبتدأ حول الأثمان من البيع إنسان عنده أرض منحت له من قبل الدولة
وصار يعرضها للناس وبقيت ستة أشهر ما بيعت ثم بيعت بعد ستة أشهر يبتدأ
الحول من البيع يعني ما قبل ذلك ليست للتجارة.
فصل
القارئ: وإذا ملك للتجارة سائمة فحال الحول والسوم ونية التجارة موجودان
فبلغ المال نصاب أحدهما دون الآخر كخمس من الإبل لا تبلغ قيمتها مائتي درهم
أو أربعٍ تبلغ ذلك وجب زكاة ما وجد نصابه لوجود سببها خالياً عن معارض لها،
وإن وجد نصابهما كخمس قيمتها مائتا درهم وجبت زكاة التجارة وحدها لأنها أحظ
للفقراء لزيادتها بزيادة القيمة من غير وقص وسواء تم حولهما جميعاً أو تقدم
أحدهما صاحبه لذلك.
الشيخ: الخَمْس قيمتها مائتا درهم زكاتها ربع العشر أي خمسة دراهم وخمسة
دراهم على كلام المؤلف أكثر من الشاة ولكن هذا في زمنه والآن الشاة أكثر
لاشك فيؤخذ بالأحظ.
القارئ: وإن اشترى أرضاً أو نخلاً للتجارة
فأثمرت النخل وزرعت الأرض فكذلك في أحد الوجهين وفي الآخر يزكي الثمرة
والزرع زكاة العشر ثم يقوم الأرض والنخل فيزكيهما لأن ذلك أحظ للفقراء
لكثرة الواجب وزيادة نفعه
الشيخ: أكثر لأنه لو زكى الثمرة زكاة تجارة لكان فيها ربع العشر وإذا زكاها
زكاة ثمرة صار فيها إما العشر كاملاً وإما نصف العشر فهو أكثر.
فصل
القارئ: وتقوم السلع عند الحول بما فيها من نماء وربح لأن الربح من نمائها
فكان حوله حولها كسخال السائمة وما نما بعد الحول ضم إليه في الحول الثاني
لأنه إنما وجد فيه ويكمل نصاب التجارة بالأثمان.
الشيخ: هذا واضح أن الربح يتبع الأصل فإذا نما وقد بقي على تمام الحول شهر
واحد فالنماء تابع للأصل.
القارئ: لأن زكاة التجارة تتعلق بالقيمة فهما جنس واحد وتخرج الزكاة من
قيمة العروض لا من أعيانها لأن زكاتها تتعلق بالقيمة لا بالأعيان وما اعتبر
النصاب فيه وجبت الزكاة منه كسائر الأموال.
الشيخ: هذا هو المذهب أنه تخرج زكاة العروض من النقدين ولا تخرج من الأموال
وهذا القول لاشك أنه أحوط أولاً: لأن زكاة العروض تجب في القيمة ولا تجب في
الأعيان لأن الأعيان ليست مرادة للتاجر فالتاجر يشتري هذه السلعة اليوم
ويبيعها غداً أو في آخر اليوم ليست مرادة له مراد التاجر في عروض التجارة
القيمة فتجب الزكاة في القيمة فيخرج الزكاة من القيمة.
ثانياً: أنه لو قلنا يخرجها من المال فهل هذا المال الذي عند التاجر يكون
مرغوباً عند الفقراء قد لا يرغبه الفقير فيذهب ويبيعه بنصف قيمته أو أقل أو
يبقيه عنده بالبيت تأكله الأرضة.
ثالثاً: أنه ربما يحابي نفسه فينظر إلى
المال الكاسد عنده الذي لم يتيسر له البيع فيخرجه عن الزكاة فيكون ممن تيمم
الخبيث لذلك كان القول بإخراج النقود أولى لكن لو فرض أن الأمور اختلفت
وكان الأحب إلى الفقراء الإخراج من نفس أعيان المال فحينئذٍ يخرج منه يعني
لو أن رجلاً تاجر تمر وعروض التجارة التي عنده تمر وكان الفقراء يحتاجون
إلى التمر أكثر من الدراهم فهنا نقول أخرج من التمر لا بأس وأما إذا لم يكن
أنفع للفقراء فالإخراج من القيمة ولابد ولو أن شخصاً وجبت عليه الزكاة من
النقد وعرف أن هذا الفقير يحتاج إلى ثلاجة مثلاً أو غسالة أو حاجة أخرى
فاشتراها له فهل يجوز أو لا؟ الجواب: لا يجوز لأن الواجب أن يعطيه نقوداً
وهل له أن يقول إن لك عندي زكاة فهل توكلني أن أشتري لك بها شيئاً فيقول
نعم أنا احتاج إلى الشيء الفلاني فاشتره لي من الزكاة التي لي عندك؟ هذا
جائز لا بأس به.
القارئ: وقدر زكاته ربع العشر لأنها تتعلق بالقيمة فأشبهت زكاة الأثمان
وفيما زاد على النصاب بحسابه لذلك.
الشيخ: (لذلك) لا بأس يصلح لكن نسختي المخطوطة (كذلك).
القارئ: ويخرج عنها ما شاء من عين أو ورق لأنهما جميعاً قيمة.
الشيخ: هذا صحيح يعنى إن شاء من الذهب وإن شاء من الفضة لكن الذي يناسب
عامة الناس هو الفضة لأنه إذا كان عنده دينار وهو يحتاج إلى حاجة تساوي
درهماً ماذا يعمل؟ يشق عليه أن يصرف ثم يشتري فالغالب أن الأرفق بالفقير أن
تخرج الزكاة من الورق أي الفضة.
فصل
القارئ: وإذا تم الحول على مال المضاربة فعلى رب المال زكاة رأس المال
وحصته من الربح لأن حول الربح حول الأصل وله إخراجها من المال لأنه مؤنته
ووجبة لسببه ويحسبها من نصيبه لأنها واجبة عليه فتحسب عليه كدينه ويحتمل أن
تحسب من الربح لأنها من مؤنة المال فأشبهت أجرة الكيال.
الشيخ: الصحيح هو الأول أنه إذا أخرجها من
المال المضارب فيه فهي من رأس المال وليست من الربح لأن لو قلنا من الربح
لخسر المضارب فهذا رجل أعطى شخصاً مائة ألف قال خذ واتجر بها فاتجر بها
وربح فعلى رب المال زكاة رأس المال وزكاة نصيبه من الربح فإذا قدرنا أن
مائة ألف ربحت عشرين ألفاً صار على رب المال زكاة مئة وعشرة آلاف ويريد أن
يخرجها الآن هل يخرجها من الربح أو من رأس المال؟ نقول: يخرجها من رأس
المال ولو أخرجها من الربح لنقص عن عشرين ألفاً وصار الضرر على العامل وهذا
بخلاف أجرة الكيال لأن أجرة الكيال تتعلق بعين المال.
القارئ: وفي زكاة حصة المضارب وجهان فمن أوجبها لم يجوز إخراجها من المال
لأن الربح وقاية رأس المال وليس عليه إخراجها من غيره حتى يقبض فيؤدي لما
مضى كالدين ويحتمل جواز إخراجها منه لأنهما دخلا على حكم الإسلام ومن حكمه
وجوب الزكاة وإخراجها من المال.
الشيخ: حصة المضارب فيها خلاف هل تجب الزكاة فيها أو لا؟ والصحيح أنه إذا
تم الحول وهي لم تقسم أن فيها الزكاة لأنها ربح مال تجب زكاته فيجب عليه أن
يزكيه ولأن هذا هو الظاهر من عمل الناس من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام
إلى اليوم أنه إذا وجبت الزكاة في المال أخرجت منه ومن ربحه ثم هل تخرج من
المال أو تخرج من غيره؟ كلام المؤلف رحمه الله ذكر فيه الخلاف والظاهر أنها
تخرج من نفس المال فمثلاً إذا كان أصل المال مائة ألف وربح عشرين ألفاً
نقول على القول الصحيح أخرج زكاة مائة
وعشرين أما عشرة فواضح أنها تجب فيها الزكاة لأنها تابعت لرأس المال وأما
العشرة الثانية فزكاتها على القول الراجح واجبة أيضاً فنقول هذا المال
المضارب فيه كلما حال الحول أخرجنا الزكاة من الموجود.
السائل: المخاطب هل هو المالك يخرج عن مائة وعشرين أم المضارب في المال؟
الشيخ: سواءً قال المالك للمضارب أخرجها أو
أخرجها هو المهم أن الزكاة تجب في المائة والعشرين ويقال لكل واحد منهما
وكِّل الآخر.
السائل: نحن قلنا إن من شروط الزكاة استقرار المال وحصة المضارب غير
مستقرة؟
الشيخ: لا تم الحول الآن صحيح قبل الحول ما ندري لكن تم الآن الحول فوجبت
الزكاة وهي مستقرة.
السائل: ما هي الصورة التي لا يزكي بها المضارب حصته؟
الشيخ: المذهب لا يزكي مطلقاً حتى لو تم الحول لكن الصحيح هو ما ما ذكر
المؤلف في الوجه الثاني.
فصل
القارئ: وإذا أذن كل واحد من الشريكين للآخر في إخراج زكاته.
الشيخ: أنا عندي في المخطوط (في إخراج الزكاة).
القارئ: فأخرجاها معاً ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه لأنه انعزل عن الوكالة
بشروع موكله في الإخراج وإن أخرجها أحدهما قبل الآخر ضمن الثاني نصيب الأول
علم بإخراجه أو لم يعلم لأن الوكالة زالت بزوال ما وُكِّل فيه فأشبه ما لو
وكله في بيع ثوب ثم باعه الموكل ويحتمل أن لا يضمن إذا لم يعلم لأن المالك
غره.
الشيخ: وهذا هو الأصح وفي مثل هذه الحال نقول الأفضل والأولى أن لا يوكِّل
كل واحد منهما الآخر لأنه إذا وكَّل أحدهما الآخر فالذي يدفع الأول يكون
أبرأ ذمة الجميع فإذا أخرج الثاني بعده فقد أخرج ما ليس بواجب فيضمن فنقول
من الأصل أحدهما يوكل الآخر فقط.
فصل
القارئ: ومن اشترى شقصاً للتجارة بمائتي درهم فحال الحول وقيمته أربعمائة
فعليه زكاة أربعمائة ويأخذه الشفيع بمائتي درهم لأن الشفيع يأخذه في الحال
بالثمن الأول وزكاته على المشتري لأنه زكاة ماله ولو وجد به عيباً رده
بالثمن الأول وزكاته على المشتري.
السائل: إذا كان رب المال مسلماً والمضارب ذميّاً فالزكاة هل هي على المائة
وعشرة فقط؟
الشيخ: نعم إذا كان الشريك ليس عليه زكاة فإن الزكاة على صاحبه.
السائل: لو أن الربح لم يبلغ النصاب هل فيه زكاة؟
الشيخ: يضاف إليه لأنه لا يمكن أن يبدأ
الحول إلا إذا بلغ النصاب فمثلاً إذا أعطاه أقل من نصاب وبقي ستة أشهر لم
يزيد ثم زاد حتى بلغ النصاب بعد مضي ستة أشهر يكون أبتدأ الحول من الستة
الأشهر.
السائل: هذا رأس المال والربح بلغا النصاب لكن الربح وحده لا يبلغ النصاب؟
الشيخ: ما يضر يزكي والمضارب تزكى حصته لأن الربح تبع للأصل.
مسألة: الذي يظهر أن المضارب ما دام لم يقبض نصيبه فهو كالتابع حتى ولو
تحاسبوا يزكي نصيبه ما دام أنهم لم يقسموه وإذا أخذ قبل تمام الحول فهو
يضمه إلى ماله وإذا أخذه ملكه وانفصل عن الآخر.
باب زكاة الفطر
القارئ: وهي واجبة على كل مسلم لما روى ابن عمر قال: (فرض النبي صلى الله
عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك من
المسلمين صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير فعدل الناس به نصف صاعٍ من بر على
الصغير والكبير وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) متفق عليه.
الشيخ: زكاة الفطر هذا من باب إضافة الشيء إلى سببه يعنى الزكاة التي سببها
الفطر من رمضان وهي واجبة على كل مسلم صغيراً كان أو كبيراً حراً أو عبداً
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تؤدى
قبل خروج الناس إلى الصلاة) يعني في يوم العيد قبل أن يخرجوا إلى الصلاة
فدل ذلك على أنه لا تصرف بعد الصلاة وأنه إذا أخَّرها إلى ما بعد الصلاة
بلا عذر فإنها لا تقبل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً
ليس عليه أمرنا فهو رد) وأما قول الفقهاء رحمهم الله إنها بعد الصلاة في
يوم العيد مكروهة وبعد يوم العيد حرام فهذا قول ضعيف.
ثانياً: إذا قال قائل: إذاً امنعوها قبل
يوم العيد قلنا: نعم لو لم يكن عندنا إلا هذا الحديث لمنعناها ولقلنا إنه
لا يجزيء إخراجها قبل العيد لكن قد دلت السنة على أنه يجوز إخراجها قبل
العيد بيوم أو يومين وقوله: (صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير) إنما نص على
ذلك لأنه غالب قوتهم في ذلك العهد إما التمر وإما الشعير وفي حديث أبي سعيد
قال: (كان طعامنا يومئذٍ التمر والشعير والزبيب والإقط) ولم يكن البر في
عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كثيراً شائعاً منتشراً وإن كان موجوداً كما
يدل عليه حديث الربا فقد قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر)
لكنه ليس قوتاً عاماً للناس إنما قوتهم العام هذه الأربعة فقط التمر
والزبيب والشعير والإقط فهل المقصود أعيان هذه الأطعمة أو المقصود الجنس؟
المقصود الجنس أى أنه ما كان طعاماً للناس أجزأ فلو فرض أن الناس عدلوا عن
الشعير وصاروا لا يقتاتونه ولا يأكلونه وإنما هو للبهائم فإنه لا يجزيء حتى
وإن كان مذكوراً في الحديث لأنه إنما ذكر في الحديث بناءاً على أنه طعام
الناس أما الآن فلا وكذلك لو أن الناس صاروا يطعمون سوى هذه الأصناف كالرز
مثلاً أو الذرة في بعض الأماكن هي طعامهم فإنها تجزيء بل لو فرض أنه في أمة
لا يتغذون إلا باللحم فإنه يكون من اللحم.
القارئ: وتجب على المكاتب عن نفسه للخبر ولأنه مسلم تلزمه نفقته فلزمته
فطرته كالحر ولا تجب على كافر ولا على أحد بسببه فلو كان للمسلم عبد كافر
أو زوجة كافرة لم تجب فطرتهما لقوله (من المسلمين) ولأنها زكاة فلم تلزم
الكافر كزكاة المال وتجب على الصغير للخبر والمعنى.
الشيخ: تجب على الصغير لحديث ابن عمر (على الصغير والكبير) وقوله: والمعنى
المراد بعض المعنى وليس المعنى كله لأنه في حديث ابن عباس (فرضها النبي صلى
الله عليه وسلم طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) أي المعنيين
حصل؟ الثاني هو الذي حصل وهو طعمة المساكين.
القارئ: ويخرج من حيث يخرج نفقته لأنها
تابعة لها ولا تجب على جنين كما لا تجب في أجنة السائمة ويستحب إخراجها عنه
لأن عثمان رضي الله عنه كان يخرج عن الجنين.
الشيخ: إذا قلنا بإخراجها عن الجنين فكم يخرج صاعاً وأحداً أو صاعين؟ فيه
احتمال أنه اثنان وقد قلنا في الفرائض: إذا مات عن حمل فإنه يوقف له الأكثر
من إرث ذكرين أو انثين احتياطاً فيقال الفرق أن ذاك حق للمخلوق فلزم فيه
الاحتياط أما هذا فهو حق لله والأصل براءة الذمة فلا يخرج إلا عن جنين
واحد.
القارئ: فإن ملك الكافر عبداً مسلماً لم تجب فطرته لأن العبد لا مال له
والسيد كافر وعنه: على السيد فطرته لأنه من أهل الطهرة فلزم السيد فطرته
كما لو كان مسلما.
الشيخ: ولكن هذه المسألة مسألة فرضية لأن الكافر لا يمكن أن يملك المسلم إذ
أن بيع المسلم على الكافر لا يصح وإذا أسلم عند الكافر أجبر على إزالة ملكه
كما ذكر العلماء في كتاب البيع.
فصل
القارئ: ولا تجب إلا بشرطين أحدهما: أن يفضل عن نفقته ونفقة عياله يوم
العيد وليلته صاع لأن النفق أهم فتجب البداءة بها لقول النبي صلى الله عليه
وسلم: (ابدأ بنفسك) رواه مسلم وفي لفظ (وابدأ بمن تعول) رواه الترمذي.
فإن فضل صاعاً واحداً أخرجه عن نفسه فإن فضل آخر بدأ بمن تلزمه البداءة
بنفقته على ما نذكره في بابه إن شاء الله لأنها تابعة للنفقة فإن فضل بعض
صاع ففيه روايتان إحداهما: يلزمه إخراجه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا
أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ولأنه لو ملك بعض العبد لزمته فطرته
فكذلك إذا ملك بعض المؤدى لزمه أداؤه والثانية: لا يلزمه لأنه عدم ما يؤدي
به الفرض فلم يلزمه كمن عليه كفارة إذا لم يملك إلا بعض الرقبة.
الشيخ: الأقرب الأول وأنه إذا فضل بعض صاع فإنه يخرجه لأن هذا حق لأدمي
فوجب أن يخرج منه ما استطاع.
القارئ: فإن فضل صاعاً وعليه دين يطالب به
قدم قضاؤه لأنه حق أدمي مضيق وهو أسبق فكان أولى فإن لم يطالب به فعليه
الفطرة لأنه حق توجهت المطالبة به فقدم على ما لم يطالب به ولا يمنع الدين
وجوبها لتأكدها بوجوبها على الفقير من غير حول.
الشرط الثاني: دخول وقت الوجوب وهو غروب الشمس من ليلة الفطر لقول ابن عمر:
فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان وذلك يكون بغروب
الشمس فمن أسلم أو تزوج أو ولد له ولد أو ملك عبداً أو أيسر بعد الغروب لم
تلزمه فطرتهم وإن غربت وهم عنده ثم ماتوا فعليه فطرتهم لأنه تجب في الذمة
فلم تسقط بالموت ككفارة الظهار.
الشيخ: قوله فمن أسلم أو تزوج العبرة بالعقد.
السائل: في مسألة العقد قالوا في النفقات إنه لا يجب عليه نفقتها حتى تسلّم
نفسها؟
الشيخ: نعم لأن النفقة في مقابل الاستمتاع وأما هذا فلا ولا يشترط هنا
الدخول.
فصل
القارئ: والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة للخبر ولأن المقصود إغناء
الفقراء يوم العيد عن الطلب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أغنوهم عن
الطلب في هذا اليوم) رواه سعيد بن منصور وفي إخراجها قبل الصلاة إغناء لهم
في اليوم كله فإن قدمها قبل ذلك بيومين جاز لأن ابن عمر كان يؤديها قبل ذلك
بيوم أو يومين ولأن الظاهر أنها تبقى أو بعضها فيحصل الغنى بها فيه وإن
عجلها لأكثر من ذلك لم يجز لأن الظاهر أنه ينفقها فلا يحصل بها الغنى
المقصود يوم العيد وإن أخرها عن الصلاة ترك الاختيار لمخالفته الأمر وأجزأت
لحصول الغنى بها في اليوم.
الشيخ: هذا ضعيف جداً لأن حديث ابن عباس صريح قال: (فمن أداها قبل الصلاة
فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعدها فهي صدقة من الصدقات) فالصواب أنه يحرم
تأخيرها عن صلاة العيد وأنه لو أخرها ثم
أخرجها بعد صلاة العيد فهي صدقة من الصدقات
ويكون آثماً حتى يتوب إلى الله فإن قال إنسان: لو لم يعلم بالعيد إلا في
وقت متأخر ولم يتمكن من أدائها؟ قلنا: هذا عذر أو كان في البر وما علم
بالعيد إلا بعد صلاة العيد فهذا عذر أو كان قد أعدها لإخراجها قبل الصلاة
ثم سرقت ولم يتمكن فإذا كان لعذر فلا بأس.
السائل: بارك الله فيكم هنا يقول إنه لا يجوز إذا كان تعجل إخراجها لأكثر
من يومين فما قولكم في حديث أبى هريرة من (أن الشيطان كان يأتيه ثلاثة أيام
وكان على صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم) قالوا الظاهر أنها كانت صدقة
الفطر؟
الشيخ: هذا يجاب عنه والله اعلم بأن الرسول ليس وكيلاً للفقراء إنما وكيل
للأغنياء ولا تدفع للفقراء إلا في حينها.
القارئ: وإن أخرها عن اليوم أثم لتأخيره الحق الواجب عن وقته ولزمه القضاء
لأنه حق مال وجب فلا يسقط بفوات وقته كالدين.
فصل
القارئ: ولا يشترط لوجوبها الغنى بنصاب ولا غيره لما روى أبو داود بإسناده
عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أدوا
صدقة الفطر صاعاً من بر أو قمح عن كل اثنين صغير أو كبير حر أو مملوك غني
أو فقير أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى)،
ولأنه حق مالي لا يزيد بزيادة المال فلم يشترط في وجوبه النصاب كالكفارة.
فصل
القارئ: ومن لزمته فطرة نفسه لزمته فطرة من تلزمه مؤنته من المسلمين لما
روى ابن عمر قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن
الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون) فيجب على الرجل فطرة زوجته وعبده
وزوجة عبده لأن نفقتهم عليه فإن كان له عبد آبق فعليه فطرته لأنها تجب بحق
الملك والملك لم يزله الإباق قال: أحمد ولا يعطي عنه إلا أن
يعلم مكانه وذلك لأنه يحتمل أنه قد مات أو ارتد فلم تجب الفطرة مع الشك فإن
علم حياته بعد ذلك لزمه الإخراج لما مضى.
وإن كانت له زوجة ناشز لم تلزمه فطرتها
لأنه لا تلزمه نفقتها وقال أبو الخطاب: تلزمه فطرتها كما يلزم السيد فطرة
الآبق وإن كان لزوجته خادم تلزمه نفقته لزمته فطرته وإن كان العبد لسادة
فعليهم فطرته لأن عليهم نفقته وعلى كل واحد من فطرته بقدر ما يلزمه من
نفقته لأنها تابعة لها فتقدرت بقدرها وعنه: على كل سيد فطرة كاملة لأنها
طهرة فوجب تكميلها ككفارة القتل.
الشيخ: والصحيح الأول أن على كل واحد منهم قدر ما يملكه.
القارئ: ومن نصفه حر ففطرته عليه وعلى سيده لما ذكرنا ومن نفقته على اثنين
من أقاربه أو الآمة التي نفقتها على سيدها وزوجها ففطرته عليهما كذلك، ومن
تكفل بمؤنة شخص فمانه شهر رمضان فالمنصوص عن أحمد أن عليه فطرته لدخوله في
عموم قوله (ممن تمونون) واختار أبو الخطاب أنه لا تلزمه فطرته كما لا تلزمه
نفقته وحمل الخبر على من تلزمه المؤنة بدليل وجوبها على الآبق ومن ملكه عند
الغروب ولم يمنهما وسقوطها عمن مات أو أعتق قبل الغروب وقدمانه.
فصل
القارئ: وعلى الموسرة التي زوجها معسر فطرة نفسها لأنه كالمعدوم وإن كانت
أمة ففطرتها على سيدها كذلك، ويحتمل أن لا تجب فطرتهما لأن من تجب عليه
النفقة معسر فسقطت كما لو كانت الزوجة والسيد معسرين.
الشيخ: الصواب أنه إذا كان الزوج معسراً فإنه يجب على الزوجة أن تخرج
فطرتها بل أن ظاهر السنة أن الزوجة يجب عليها فطرتها ولو كان زوجها موسراً
لأن هذه زكاة واجبة على الإنسان نفسه وغيره متحمل عنه وعلى هذا فالمطالب
بإخراج زكاة الفطر هو الإنسان نفسه لكن لو تبرع به والده مثلاً أو كان من
عادتهم أن قيم البيت يخرج عمن في البيت جميعاً فأخرج عنهم فلا بأس.
القارئ: ومن لزمت فطرته غيره فأخرجها عن نفسه بغير إذنه ففيه وجهان أحدهما:
يجزئه لأدائه ما عليه والثاني: لا يجزئه لأنها تجب على غيره فلا يجزيء
إخراجها بغير إذن من وجبت عليه كزكاة المال.
الشيخ: والصحيح الأول أنه إذا أخرجها عن
نفسه برئت ذمته وسقط عن الآخر لأن المخاطب بها أولاً الإنسان نفسه وغيره
يتحمل عنه.
فصل
القارئ: والواجب في الفطرة صاعٌ من كل مخرج لحديث ابن عمر ولما روى أبو
سعيد قال: ... (كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام
أو صاعاً من شعير أو صاعاً من إقط أو صاعاً من زبيب فلما جاء معاوية وجاءت
السمراء قال: إن مداً من هذا يعدل مدين قال أبو سعيد: فلا أزال أخرجه كما
كنت أخرجه) متفق عليه.
الشيخ: الواجب في الفطرة صاع وهل الصاع باعتبار العرف فيختلف باختلاف
الأزمان والأماكن أو أن الصاع هو صاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟
المشهور عند العلماء هو صاع النبي صلى الله عليه وسلم وصاع الرسول عليه
الصلاة والسلام أقل من الأصواع المعروفة عندنا وهو من البر الرزين يعني
الجيد كيلوان وأربعون غراماً ويقاس على ذلك وكيفية هذا أن تتخذ إناءً يسع
كيلوين وأربعين غراماً من البر الرزين الجيد فتضعه في هذا الإناء فإذا ملأه
فكِلْ به ما سوى البر وحينئذٍ هل تعتبر بالوزن أو لا تعتبر؟ لا تعتبر
بالوزن لأن الكيل مداره الحجم لا الثقل يعنى نتخذ إناءً يسع كيلوين وأربعين
غراماً من البر الرزين الجيد ونملؤه ثم نجعله المقياس ونملؤه من كل شيء
فيكون صاعاً سواء كان أثقل من البر أو أخف من البر وكيفية الكيل ليس على ما
يعهد بعض الناس كنا نعهد أن الكيل يملأ المكيال يملأه ويزيد عليه حتى يكون
فوق المكيال بقدر ما يتماسك الحب ولكن الكيل الصحيح أن يكون على مسح أي
مستوٍ طرف الصاع وأما هذا التسنيم الذي يجعلونه فوق فهذا شيء عرفي وليس هو
الأصل.
وقوله: من كل مخرج يعني من البر والتمر
والشعير والزبيب والإقط وهنا في كلام حديث أبى سعيد الخدري صاعاً من طعامٍ
أو صاعاً من تمر أليس التمر طعاماً؟ كيف أتى بأو؟ الظاهر أنه أتى بأو
لوجهين الوجه الأول: أن العلماء قالوا المراد بالطعام هنا البر فيكون
المعنى صاعاً من بر أو صاعاً من تمر أو صاعاً شعير أو صاعاً من إقط أو
صاعاً من زبيب هذا قول أكثر الذين تكلموا على هذا الحديث وقيل إن الطعام
هنا شامل للأربعة التي بعده وأن (أو) هنا للتقسيم أى تقسيم المجمل في كلمة
طعام ونظيره قوله في الحديث الصحيح (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو
أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك)
(فأو) هنا لتقسيم المجمل في قوله (سميت به نفسك) لأن ما أنزله الله في
كتابه فقد سمى به نفسه وما علمه أحداً من خلقه فقد سمى به نفسه وما استأثر
به في علم الغيب عنده فقد سمى به نفسه وعلى هذا فيكون الطعام هو ما ذكر
فيما بعد وهو أربعة ويؤيد ذلك أنه ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد
بلفظ آخر (كنا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام وكان
طعامنا التمر والشعير والزبيب والإقط) وهذا يفسر هذا المجمل الذي بين
بالأربعة وهذا الذي أختاره على أن قوله (أو صاعاً من كذا) بعد قوله (صاعاً
من طعام) يراد به التقسيم أو بيان المجمل ويدل لذلك أيضاً أن البر في عهد
الرسول عليه الصلاة والسلام قليل جداً ما كل أحد يطعمه حتى جاءت الفتوحات
وكثر الخير فصار البر طعاماً لأكثر الناس ولهذا لما جاء معاوية رضي الله
عنه وتولى الخلاف وجاء المدينة قال: (أرى مداً من هذا يساوي مدين أو يعدل
مدين من شعير) مما يدل على أن البر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ليس
معروفاً ولا شائعاً وبقي أن يقال في وقتنا الحاضر البر طعام والتمر طعام
والشعير ليس طعاماً والزبيب ليس طعاماً والإقط كذلك حتى البادية الآن ما
تأكل الإقط على
أنه طعام فهل يقال: العبرة بالمعنى أو
العبرة باللفظ؟ إن قلنا: العبرة بالمعنى قلنا: هذه الأصناف التي ليست قوتاً
الآن لا تجزيء وإن أخذنا باللفظ قلنا: تجزيء على كل حال ويترتب على هذا
أيضاً إذا قلنا: باللفظ قلنا: غيرها لا يجزيء إلا إذا عدمت حتى لو كان أفضل
عند الناس وأطيب عند الناس كالرز مثلاً فإنه لا يجزيء إلا إذا عدمت هذه
الأصناف فما هو الأرجح؟ فيما نرى أن العبرة بالمعنى ولهذا نص الإمام مالك
رحمه الله أن الشعير لا يجزيء إلا لمن كانوا يأكلونه وأما من لا يأكله فلا
يجزيئه وكذلك الإمام أحمد رحمه الله عنه روايتان في الإقط إذا كان لا يؤكل
هل يجزيء أم لا؟ ثم إن المعروف عند العلماء أن العبرة في الأمور بمعانيها
لا بألفاظها ونحن لا نعلم معنى يعلق به الحكم في كونه شعيراً أو تمراً أو
زبيباً أو إقطاً أو براً ما له معنى إلا أنها كانت في ذلك الوقت طعاماً لهم
فإن قال قائل: يرد عليكم حديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما (فرض رسول الله
صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير) قلنا:
الجواب أن هذا سهل جداً لأن التمر والشعير في ذلك الوقت هما أساس الطعام
ولهذا لم يذكر في حديث ابن عمر الزبيب والإقط ما ذكر لأن أهل المدينة في
ذلك الوقت طعامهم الرئيس هو التمر والشعير فذكر النبي صلى الله عليه وسلم
التمر والشعير على سبيل المثال وليس على سبيل التعين وكما هو معروف عند
الفقهاء أن العبرة بالمعاني ولذلك عند ابن حزم رحمه الله لكونه ظاهرياً
محظاً يقول لا يجزيء إلا التمر والشعير فقط ولا يجزيء غيرهما لكنه غريب مع
أن في حديث أبى سعيد ذكر الزبيب والإقط.
وهل نأخذ بما قال معاوية رضي الله عنه
وتبعه الناس على ذلك أو نأخذ بما ذهب إليه أبو سعيد؟ لاشك أن الاحتياط أن
نأخذ بما قاله أبو سعيد لأن الظاهر أن التمر والشعير في عهد الرسول عليه
الصلاة والسلام مختلفان في القيمة ولو كان المقصود التقويم لقال: صاعاً من
تمر أو ما يعادله من شعير مثلاً فالصواب في هذه المسألة أن ما ذهب إليه أبو
سعيد رضي الله عنه وهو وجوب إخراج الصاع أقرب للصواب وأيضاً فيه فائدة
عظيمة وهي أن لا يختلف الناس في التقدير ربما يختلف الناس في التقدير فيقول
مثلاً: ثلثا صاع من البر يساوي صاعاً من الشعير ويأتي آخر ويقول: لا ربع
صاع من البر يساوي صاعاً من الشعير فتختلف الأمة فإذا قلنا: أخرج صاعاً من
البر أو التمر أو الشعير أو الزبيب أو الإقط اكتفينا والغريب أن شيخ
الإسلام ابن تيميه رحمه الله اختار ما ذهب إليه معاوية أنه يجزيء في الفطرة
نصف صاع من البر.
القارئ: ومن قدر على هذه الأصناف الأربعة لم يجزه غيرها.
الشيخ: المؤلف ذكر أربعة أو خمسة؟ إذا اعتبرنا أن الطعام جنساً مستقلاً
صارت خمسة طعام أو تمر أو شعير أو إقط أو زبيب.
القارئ: لأنها المنصوص عليها وأيها أخرج أجزأه سواء كانت قوته أو لم تكن
لظاهر الخبر ويجزيء الدقيق والسويق من الحنطة والشعير لقول أبي سعيد: لم
نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صاعاً من تمر أو صاعاً من
شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من دقيق ثم شك فيه سفيان بعد فقال دقيق أو
سلت رواه النسائي ولأنه أجزاء الحب يكال ويدخر فأشبه الحب.
الشيخ: وقيل لا يجزيء الدقيق لأن الحب أصبر من الدقيق يعني يبقى مدة ولا
يتغير والدقيق يفسد بسرعة لاسيما إذا لم يكن فيه ملح فإنه لا يبقى إلا
أياماً قليلة ثم يفسد وأما الحب فلا يفسد وهذا القول أقرب إلى الصواب أن
الدقيق لا يجزيء حتى ولو أن الإنسان احتاط وزاد فيه فإنه لا يجزيء لأن الحب
أصبر وأبقى.
القارئ: ويجزيء إخراج صاع من أجناس إذا لم
يعدل عن المنصوص لأن كل واحد منهما يجزيء منفرداً فأجزأ بعض من هذا وبعض من
هذا كما لو كان العبد لجماعة وقال أبو بكر: يتوجه قول آخر أنه يعطي ما قام
مقام هذه الخمسة لظاهر قوله: (صاعاً من طعام) قال: والأول أقيس.
الشيخ: والظاهر أن الثاني هو الأقيس قول أبي بكر جيد أنه يجزيء ماقام مقامه
وإن لم يكن منها مع القدرة عليه بقينا في كونه يخرج أجزاء في صاعٍ واحد
يعنى خُمُس صاع تمر وخمس صاع بر وخمس زبيب وخمس صاع شعير وخمس صاع إقط يقول
المؤلف: إن هذا جائز لكن في القلب من هذا شيء لأن الحديث (صاعاً من شعير أو
صاعاً من تمر) والشارع له نظر في اتحاد الجنس فكيف يعطى الإنسان صاعاً مكون
من خمسة أجزاء قد لا ينتفع به الفقير؟ فالظاهر هنا أن الصواب خلاف ما قال
المؤلف رحمه الله وأنه لا بد أن يكون الصاع من جنس واحد كما هو ظاهر النص.
القارئ: وفي الإقط روايتان إحداهما: يجزيء إخراجه مع وجود غيره لأنه في
الخبر والثانية: لا يجزيء إلا عند عدم الأصناف قال الخرقي: إن أعطى أهل
البادية الإقط أجزأ إذا كان قوتهم وذلك لأنه لا يجزيء في الكفارة ولا تجب
الزكاة فيه.
الشيخ: هذا قيد جيد للخرقي أن الإقط يجزيء لأهل البادية بشرط أن يكون قوتهم
وهذا نظر إلى المعنى.
القارئ: فإن عدم الخمسة أخرج ما قام مقامها من كل مقتات من الحب والتمر
وقال ابن حامد: يخرجون من قوتهم أي شيء كان كالذرة والدخن ولحوم الحيتان
والأنعام.
الشيخ: عمم ابن حامد رحمه الله حتى في
اللحم والمؤلف يقول في الأول: من كل مقتات من الحب والثمر يعني دون اللحم
والصواب ما قاله ابن حامد: إنه إذا كان مثلاً في مكان يقتاتون لحوم الحيتان
يجزيء اللحم لكن كيف يكيلون اللحم وهو موزون نقول أما إذا كان اللحم جافاً
فكيله سهل وأما إذا كان موزون فإنه يزاد في الوزن لأن اللحم إذا طري يكون
ثقيلاً فلا بد أن يزيد فإذا كان الصاع كيلوين وأربعين غراماً فليجعل أربعة
كيلوات لأن الموزون مادام المقصود الكيل يحتاج إلى زيادةٍ في الوزن.
فصل
القارئ: والأفضل عند أبي عبد الله إخراج التمر لما روى مجاهد قال: قلت لابن
عمر: إن الله قد أوسع والبر أفضل من التمر قال: إن أصحابي قد سلكوا طريقاً
وأنا احب أن أسلكه فآثر الاقتداء بهم على غيره وكذلك أحمد ثم بعد التمر
البر لأنه أكثر نفعاً وأجود.
الشيخ: يعنى ثم الباقي على السواء والأفضل إخراج ما كان أنفع للفقراء هذا
هو الصحيح لأن المقصود بها نفع الفقراء ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما:
(ن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة
للمساكين) وما كان أنفع لهم فهو أولى لكن ابن عمر رضى الله عنه من قاعدته
التحري التام للسنة حتى إنه سلك مسلكاً غريباً في الإقتداء بالرسول عليه
الصلاة والسلام وهو أنه يقتدي به صلى الله عليه وسلم حتى في الأمور التي
وقعت اتفاقاً بدون قصد حتى كان في السفر يتحين المكان الذي بال فيه الرسول
عليه الصلاة والسلام فينزل ويبول فيه من شدة تحريه لكن هذا الأصل يقول شيخ
الإسلام خالفه عليه جمهور الصحابة.
فصل
القارئ: ولا يجزيء الخبزُ لأنه خارج عن الكيل والادخار ولا حب معيب ولا
مسوس ولا قديم تغير طعمه لقول الله تعالى: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ
مِنْهُ تُنْفِقُونَ) ولا تجزيء القيمة لأنه عدول عن المنصوص.
الشيخ: هذا خلافاً لمن قال: إن القيمة
تجزيء لكنه قول ضعيف ويدل لهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم عيَّنها من
أصناف مختلفة القيمة بلا شك فالتمر والشعير والبر والزبيب والإقط تختلف
قيمها ومع ذلك فقدرها شرعاً غير مختلف وهو صاع فلما لم يختلف علمنا أن
القيمة لا أثر لها ثم إنه لو قلنا بإخراج القيمة لم تكن من الشعائر لأنها
حينئذٍ تكون خفية ولا يعلم بها ثم لو قيل بالقيمة أيضاً فمن يقدر القيمة
ربما يحابي الإنسان نفسه فيقدر الصاع بدرهم وهو يساوي درهمين مثلاً لذلك لا
ينبغي العدول عما جاءت به الشريعة وهو الصاع مما يطعم.
فصل
القارئ: والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي وهو بالرطل الذي وزنه ستمائة درهم
رطلٌ وأوقية وخمسة أسباع أوقية قال أحمد: الصاع خمسة أرطال وثلث حنطه فإن
أعطى خمسة أرطال وثلثاً تمراً فقد أوفى قيل له إن الصيحاني ثقيل قال: لا
أدري؟ وهذا يدل على أنه يجب أن يحتاط في الثقيل بزيادة شيء على خمسة أرطال
وثلث ليسقط الفرض بيقين.
الشيخ: نحن قدرناها على حسب كلام الفقهاء رحمهم الله ووجدنا أنها كيلوان
وأربعون جراماً بالبر الرزين يعني بالبر الجيد كيلوان وأربعون جراماً لكن
من احتاط وأخرج ثلاث كيلوات عن الصاع فلا بأس ولا يعد هذا إسرافاً إن شاء
الله وإن كان مالك رحمه الله كره أن يزيد على الصاع النبوي وقال: إن هذا
مقدر شرعاً فلا تنبغي الزيادة عليه لكنه يقال: نحن نزيد لا على أنها واجبة
لكن على أنها نفل.
القارئ: ومصرفها مصرف زكاة المال لأنها زكاة.
الشيخ: هكذا قال المؤلف رحمه الله وقيل لا يعطى منها إلا من تدفع حاجته في
ذلك اليوم لحديث ابن عباس (طعمة للمساكين) فلا تصرف إلا للفقراء والمساكين
فقط لا تصرف للمدين في قضاء دينه ولا تصرف في الرقاب ولا تصرف في ابن
السبيل إلا أن يكون فقيراً وهذا القول أبرأ للذمة أن لا تعطى إلا من يأخذ
الزكاة لحاجته لا للحاجة إليه.
القارئ: ويجوز إعطاء الواحد ما يلزم
الجماعة كما يجوز دفع زكاة مالهم إليه وإعطاء الجماعة ما يلزم الواحد كما
يجوز تفرقة ماله عليهم.
الشيخ: أما الأول فواضح أن الواحد يعطى فطر جماعة يعني هذا فقير له عائلة
اجتمع أهل البيت وعندهم عشرة فطر وأعطوه إياها فلا بأس حتى وإن لم يكن له
عائلة أما العكس بأن يفرق الصاع الواحد على عدة ففي النفس من هذا شيء لأن
الرسول صلى الله عليه وسلم (فرضها صاعاً من طعام) وقال ابن عباس أنها طعمة
للمساكين وما دون الصاع قد لا يكفي نعم لو قيل: يجوز تفريق الصاع على
الجماعة بشرط أن لا ينقص عن إطعامهم ذلك اليوم لكان لا بأس به وبهذه
المناسبة يجب أن نعلم أن ما يطعم للفقراء ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: قدر فيه المعطى دون المدفوع وذلك في كفارة الظهار وكفارة اليمين
وكفارة الجماع في نهار رمضان إطعام ستين مسكيناً ولم يذكر كم نطعمهم؟ وفي
كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين ولم يذكر كم نطعهم؟
الثاني: ما قدر فيه المدفوع دون المعطى كالفطرة قدر فيها المدفوع وهو صاع
لكن لم يقدر المعطى ما قيل لعشرة ولا لعشرين أو لواحد.
القسم الثالث: ما قدر فيه المدفوع والمعطى وذلك في فدية الأذى فإن الرسول
صلي الله عليه وسلم قال في الصدقة: (إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع)
فقدر المعطى وقدر المدفوع فلنمشِ على ما جاءت به السنة نقول أما الفطرة
فتدفع صاعاً لواحد أو اثنين على حسب ما سبق من التفصيل وأما كفارة اليمين
والظهار والجماع في نهار رمضان فيطعم المساكين سوءاً أعطاهم مداً من البر
أو من الرز أو صنع لهم طعاماً من غداء أو عشاء وأطعمهم فلا بأس لأن الله
قال: (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) وأما ما قدر فيه المدفوع والمعطى
فيجب التزامه فنقول: تطعم في فدية الأذى ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع.
السائل: أحسن الله إليك ذكرنا بأن دفعها
للفقير الذي يحتاج إليها في يوم العيد أبرأ لكن إذا أعطيناه عشرة فطر فمن
المعلوم أنه لن يحتاج تلك العشرة وإنما يحتاج جزءاً من واحدة فتبقى العشرة
ليس في حاجة لها؟
الشيخ: يعطى إلى نهاية السنة فالفقير يعطى من الزكاة ما يدفع حاجته كل
السنة.
السائل: ما رواه البيهقي وابن عدي (أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم) كيف
يجاب عنه؟
الشيخ: نعم نحن أغنيناهم في هذا اليوم وزيادة هذا يدل على أن أقل ما يعطون
ما يدفع السؤال في هذا اليوم.
السائل: شيخ بارك الله فيك قلنا إن الأفضل إعطاء الفقير الأنفع وكثير من
القائلين بجواز دفع القيمة يقولون إن القيمة أنفع له؟
الشيخ: لكن هل الدراهم مما نُص عليه هل هو طعام؟ الحديث طعام وهذا من حكمة
الشرع أن يعطى طعام لأنه ربما يأتي في يوم من الأيام الطعام أحب إلى الفقير
من الدراهم وربما نعطي الفقير دراهم ويذهب ويشتري بها أشياء غير مفيدة.
باب إخراج الزكاة والنية فيه
القارئ: لا يجوز إخراج الزكاة إلا بنيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(إنما الأعمال بالنيات) ولأنها عبادة محضة فافتقرت إلى النية كالصلاة ويجوز
تقديمها على الدفع بالزمن اليسير كما في سائر العبادات ولأنه يجوز التوكيل
فيها بنية غير مقارنة لأداء الوكيل ويجب أن ينوي الزكاة أو الصدقة الواجبة
أو صدقة المال أو الفطر فإن نوى صدقة مطلقة لم تجزه لأن الصدقة تكون نفلاً
فلا تنصرف إلى الفرض إلا بتعيين ولو تصدق بجميع ماله تطوعاً لم يجزه لأنه
لم ينوِ الفرض.
الشيخ: يعني لم يجزِ عن الزكاة لأنه لم ينوِ الفرض.
القارئ: ولا يجب تعين المال المزكى عنه فإن كان له نصابان فأخرج الفرض عن
أحدهما بعينه أجزأه لأن التعيين (لا يضر).
الشيخ: في نسخة المخطوطة (لايضره) هذا عنده نصابان فأخرج الفرض من أحدهما
بعينه يعني لا من الآخر فلا بأس لأنه لا يشترط أن تكون من نفس المال.
القارئ: وإن أطلق عن أحدهما أجزأه لأنه لو
أطلق لكان عن أحدهما فلا يضر التقييد به وإن نوى أنه إن كان الغائب سالماً
فهو زكاته وإلا فهو عن الحاضر صح وكان على ما نوى وإن نوى أنه زكاة أو تطوع
لم يصح لأنه لم يخلص النية للفرض وإن نوى أنه زكاة مالي وإن لم يكن سالما
فهو تطوع صح لأنه هكذا يقع فلا يضر التقييد به ولو نوى إن كان أبي قد مات
فصار ماله لي فهذا زكاته لم يصح لأنه لم يبن على أصل، وإن نوى عن ماله
الغائب فبان تالفا لم يكن له صرفه إلى الحاضر لأنه عينه عن الغائب فأشبه ما
لو أعتق عبداً عن كفارة لم يملك صرفه إلى أخرى.
الشيخ: وهذا إذا نواه عن الغائب ودفعه أما لو عزل الزكاة في مكان وقال: هذه
عن الغائب ثم تبين تالفاً فله أن يخرجها عن الحاضر لأن المال ما دام لم
يستلمه الفقير فهو ملك لصاحبه يتصرف فيه كما يشاء ولهذا لو أنه عزل شيئاً
من ماله يريد أن يتصدق به ثم بدا له أن لا يتصدق به فلا حرج لأنه لم يخرجه
عن ملكه.
فصل
القارئ: وإذا وكل في إخراج الزكاة ونوى عند الدفع إلى الوكيل ونوى الوكيل
عند الأداء جاز وإن نوى الوكيل ولم ينوِ الموكل لم يجزه لأنها فرض عليه فلم
يجزه من غير نية وإن نوى الموكل عند الدفع إلى الوكيل ولم ينوِ الوكيل عند
الدفع فقال أبو الخطاب: يجزيء لأن الذي عليه الفرض قد نوى ويحتمل أنه إن
نوى بعد الأداء من الدفع لم يجزه لأن الأداء حصل من غير نية قريبة ولا
مقارنة.
الشيخ: هذه التفاصيل في الوقع في النفس
منها شيء لأن المؤلف يرى الآن أنه لابد من نيتين نية الموكل ونية الوكيل
وأن الموكل ينوي عند دفعها للوكيل والوكيل ينوي عند دفعها لمستحقيها ولكن
لو قيل: بأن الرجل لو قال لشخص: أخرج زكاة مالي فأتى إلى المال وأخرج منه
بدون أن ينوي ذاك لو قيل: بأن هذا مجزيء لكان حقاً وهذا يقع كثيراً يكون
المال مثلاً عند المضارب ويقول له صاحب المال: إني قد وكلت في إخراج زكاة
المال ويخرجها المضارب وذاك لم يعلم متى أخرجها ولا كيف أخرجها؟ فهل نقول
لا يجزيء؟ الصواب أنه يجزيء وأهم شيء هو أن الوكيل ينوي عند أدائها إلى
مستحقيها هذا أهم شيء ثم يقال أيضاً أن الوكيل ليس بيده مال ووكل في إخراج
زكاة ثم أخرجها وليس عنده مال لكن غاب عند إخراجه إياها غاب عن ذهنه أنها
لفلان فهنا ينبغي أن يقال بالإجزاء لأن عنده نية سابقة وهي أن جميع ما في
هذا المكان هو زكاة لفلان المهم أن التشديد في النية لهذا الحد في النفس
منه شيء ويقال الأصل أن الوكيل إذا أخذ المال من الموكل يدفعه زكاةً فالأصل
أنه نواه من حين أخذه وأنه إذا سلمه لمستحقه فقد نواه عن صاحبه.
مسألة: الظاهر أن الجهات الموكلة أنها نائبة عن الفقراء وأن الإنسان إذا
سلمها لهم بريء منها.
مسألة: إذا اجتمع عند الإنسان زكوات متعددة وخلطها جميعاً فهل نقول لابد أن
تعين عند الدفع أن فلاناً له عشرة من عشرين أو عشرة من خمس عشر أو ما أشبه
ذلك أو يقال إنه لا بأس؟ فنقول أما إذا كان وكيلاً عن الفقراء مثل الجمعيات
الخيرية الآن فلا بأس أن تخرج الزكاة من المجوع عن الجميع وأما إذا كان
وكيلاً لشخص معين فلا شك أنه قد يكون هناك حرج في أن يقدر زكاة كل شخص
بعينه ويضطر هنا إلى أن يجمعها جميعاً ويخرج والله سبحانه وتعالى يعلم نصيب
كل واحد منهم.
السائل: ما معنى كلام المؤلف (أنها افتقرت إلى النية كالصلاة)؟
الشيخ: يعني أنها ليست من الأمور العادية
لأنها عبادة محضة فلابد فيها من نية (إنما الأعمال بالنيات).
القارئ: وإن دفعها للإمام بريء منها بكل حال لأن يد الإمام كيد الفقراء.
الشيخ: وأيضاً نائب الإمام مثل الإمام يعني الجمعيات الخيرية المفسوح لها
حكمها حكم الإمام فلو أن الناس أدوا زكاتهم لهذه الجمعيات ثم احترقت أو
سرقت فإنه لا ضمان يعني لا يجب على أهل الزكوات أن يضمنوها لأنها وصلت إلى
محلها ولو أن إنساناً أعطى زكاته لشخص أن يفرقها ثم سرقت من هذا الشخص فعلى
صاحبها أن يؤدي الزكاة ثم هل يضمن الوكيل أو لا؟ ينبني على التفريط وعدم
التفريط فلو أعطيتك ألف ريال وقلت: هذه زكاة فرقها ثم إن هذه الزكاة سرقت
فهل يجب على الذي أعطاها أن يخرج بدلاً عنها؟ نعم يجب أن يخرج بدلاً عنها
لأن الوكيل هنا ليس وكيلاً للفقراء بل هو وكيل لصاحبها وهل يضمن هذا الذي
سُرقت منه؟ نقول: إن كان قد تعدى أو فرط ضمن وإلا فلا ضمان.
القارئ: وإن أخذها الإمام قهراً أجزأت من غير نية رب المال لأنها تؤخذ من
الممتنع فلو لم تجزِ ما أخذت وهذا ظاهر كلام الخرقي ويحتمل أن لا تجزئه
فيما بينه وبين الله تعالى إلا بنيتها لأنها عبادة محضة فلم تجزِ بغير نية
كالمصلي كرها وهذا اختيار أبي الخطاب وابن عقيل وقال القاضي: تجزيء نية
الإمام في الكره والطوع لأن أخذ الإمام كالقسم بين الشركاء والأولى أولى.
الشيخ: الصواب أنها لا تجزيء فيما بينه وبين الله لأن هذا لم تطب بها نفسه
والإمام أخذها منه كرهاً أما ظاهراً فتجزيء فلو أن الإمام عاد إلى صاحب
الزكاة وقال أدِ الزكاة طوعاً فقال أديتها إليك. قال: هذا كرهاً، أخذتها
منك كرهاً عليك، فإن الإمام لا يملك هذا وكذلك لا يطالب بها لكن فيما بينه
وبين الله كيف نقول أنها تجزيء؟ وهو لم ينو التقرب بها إلى الله بل هو
ممتنع منها غاية الامتناع ما أخذت منها إلا والسيف فوق رأسه.
السائل: المكره على دفع زكاته إذا تاب فهل
يخرجها مرة أخرى؟
الشيخ: نعم يجب أن يدفع زكاة أخرى لأن هذه ما أجزأت لأنها أخذت منه كرهاً.
فصل
القارئ: ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل كمال النصاب لأنه سببها فلا يجوز
تقديمها عليه كالتكفير قبل الحلف ويجوز تعجيلها بعده لما روي عن علي رضي
الله عنه: (أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له في أن
يعجل الصدقة قبل أن تحل فرخص له) رواه أبو داود، ولأنه حق مال أجل للرفق
فجاز تعجيله قبل أجله كالدين ودية الخطأ وفي تعجيلها لأكثر من عام روايتان
إحداهما: يجوز لأنه عجلها بعد سببها.
والثانية: لا يجوز لأنه عجلها قبل انعقاد حولها فأشبه ما لو عجلها قبل
انعقاد وقت نصابها.
الشيخ: في نسخة المخطوطة (قبل نصابها) يعني قبل تمام نصابها وكماله
فالخلاصة الآن أنه يجوز تعجيل الزكاة بعد تمام النصاب وإن لم يتم الحول
واستدل المؤلف بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله
عليه وسلم تعجل من العباس صدقته) ولأن هذا دين عجله صاحبه قبل حلوله فلا
بأس به وأما أن يعجل قبل تمام النصاب فإنه لا يجزيء لأنها لم تجب حتى الآن
فإخراجها إخراج لها قبل وجود السبب كما لو كفر قبل أن أن يحلف والقاعدة أن
تقديم الشيء قبل سببه لاغٍ وبعد سببه وقبل الشرط جائز لكن هل الأفضل
التقديم أو لا؟ يقال: ينظر قد يكون الأفضل التقديم كما لو حدث في الناس
مجاعة أو أن أحداً من الناس احتاج حاجة خاصة فإن هنا الأفضل التعجيل أما إن
لم يكن هناك سبب فتأخيرها حتى تجب أولى ليكون الإنسان على يقين من وجوبها.
السائل: إذا عجل لسنة وزاد المال خلالها؟
الشيخ: إذا زاد المال يخرج زكاة ما زاد.
السائل: بارك الله فيك إذا عجَّل زكاته لمدة سنتين مثلاً في السنة الأولى
ثم نقص المال عن النصاب هل يرجع في الزكاة التي أخرجها؟
الشيخ: ما يرجع فيها وتكون تطوعاً.
القارئ: فإن ملك نصاباً فعجّل زكاة نصابين
عنه وعما يستفيده في الحول الآخر أجزأه عن النصاب دون الزيادة لأنه عجل
زكاة الزيادة قبل وجودها ولو ملك خمساً من الإبل فعجل شاتين عنها وعن
نتاجها فحال الحول وقد نُتجت خمساً فكذلك لما ذكرناه وإن ملك أربعين شاة
فعجل عنها شاة ثم ماتت الأمهات وبقيت سخالها أجزأت عنها لأنها تجزيء عنها
وعن أمهاتها لو كانت باقية فعنها وحدها أولى.
الشيخ: لأنها إذا كانت هي وأمهاتها باقية زكاتها شاة لأنها ثمانون
والثمانون زكاتها شاة كالأربعين.
القارئ: بخلاف التي قبلها ولو ملك عرضاً قيمته ألف فعجل زكاة ألفين فحال
الحول وقيمته ألفان أجزأه عن ألف واحد لما ذكرناها.
الشيخ: ذكر رحمه الله القاعدة أن من عجل عن شيء معدوم لم يجزيء لأنه يشترط
لتعجيل الزكاة أن يكون المعجل عنه موجوداً خذ هذه القاعدة والبقية تفريع
عليه.
فصل
القارئ: وإذا عجل الزكاة ولم تتغير الحال
وقعت موقعها وإن ملك نصاباً فعجل زكاته وحال الحول وهو ناقص مقدار ما عجلها
أجزأت عنه وإن ملك مائة وعشرين فعجل شاة ثم نُتجت أخرى قبل كمال الحول لزمه
شاة ثانية لأن المعجل كالباقي على ملكه في إجزائه من الزكاة عند الحول
فكذلك في إيجاب الزكاة وإن تغيرت الحال بموت الآخذ قبل الحول أو غناه أو
ردته فإن الزكاة تجزيء عن ربها وليس له ارتجاعها لأنه أداها إلى مستحقها
فبريء منها كما لو تلفت عند آخذها أو استغنى بها فإما إن تغيرت حال رب
المال بموته أو ردته أو تلف النصاب أو بعضه أو بيعه أو حالهما معاً فقال
أبو بكر والقاضي: الحكم كذلك لأنه دفعها إلى مستحقيها فلم يملك الرجوع بها
كما لو لم يعلمه وقال ابن حامد: إن لم يعلمه رب المال أنها زكاة معجلة لم
يكن له الرجوع عليه لأن الظاهر أنها عطية تلزم بالقبض فلم يكن له الرجوع
بها وإن كان الدافع الساعي أو رب المال لكنه أعلن الآخذ أنها زكاة معجلة
رجع عليه لأنه دفعها عن ما يستحقه القابض في الثاني فإذا طرأ ما يمنع
الاستحقاق وجب رده كالأجرة إذا انهدمت الدار قبل السكنى ثم إن وجدها بعينها
أو زائدة زيادة متصلة رجع بها لأن هذه الزيادة تدفع في الفسوخ فتبعت هاهنا
وإن زادت زيادة منفصلة فهي (للفقراء).
الشيخ: عندي في المخطوط (للفقير) ولعلها نسخة.
القارئ: لأنها انفصلت في ملكه وإن نقصت لزم الفقير نقصها لأنه ملكها بقبضها
فكان نقصها عليه كالمعيب وإن تلفت فعليه قيمتها يوم قبضها لأن ما زاد بعد
ذلك أو نقص إنما هو في ملك الفقير فإن قال المالك: أعلمته الحال فأنكر
الفقير فالقول قوله مع يمينه لأنه منكر.
الشيخ: هذا التفصيل كله لقول ابن حامد رحمه الله وهذا مما يدل على آفة
التعجيل أنه لو تغيرت الحال فماذا يصنع؟ إنسان عجل الزكاة ثم افتقر هل يرجع
إلى الفقير أو لا يرجع؟ فيها الخلاف الذي سبق
ولذلك كان الأفضل أن لا يخرج الإنسان زكاته
إلا إذا تم الحول ووجبت الزكاة لكن قد تدعو الحاجة أو المصلحة إلى التقديم
فحينئذٍ نقول لا بأس به إلا أنه بشرط تمام النصاب لابد أن يكون تمام النصاب
ولابد أن يكون في الحولين فأقل فلو عجل عن ثلاثة أحوال فإنه لا يصح إلا عن
حولين فقط.
فصل
القارئ: ولو عجلها إلى غني فافتقر عند وجوبها لم يجزه لأنه لم يعطها
لمستحقها.
الشيخ: مع أنه حين الوجوب كان مستحقاً لها لكن عند التعجيل هو غير مستحق أي
غني.
القارئ: وإن عجلها ودفعها إلى مستحقها ثم مات المالك فحسبها الوارث عن
زكاته لم يجزه لأنها عجلت قبل ملكه فأشبه ما لو عجلها هو وإن تسلف الإمام
الزكاة فهلكت في يديه لم يضمنها وكانت من ضمان الفقراء سواء سأله ربه المال
أو الفقراء أو لم يسأله الجميع لأن يده كأيديهم وله ولاية عليهم بدليل أن
له أخذ الزكاة بغير إذنهم فإذا تلفت من غير تفريطه لم يضمن كولي اليتيم.
الشيخ: أما لو فرَّط فعليه ضمان بأن عجل زكاة ماشية وألقاها في البرد
الشديد أو الحر الشديد فعليه الضمان.
السائل: مامعنى سأله رب المال أو الفقراء؟
الشيخ: يعني سأله رب المال التعجيل يعني قال للإمام: أنا أحب أن أعجل زكاتي
أو سأله الفقراء قالوا له: عجل لنا الزكاة.
فصل
القارئ: وظاهر كلام القاضي أنه لا يجوز تعجيل العشر لأنه يجب بسبب واحد وهو
بدو الصلاح في الثمرة والحب فتعجيله تقديم له على سببه وقال أبو الخطاب:
يجوز تعجيله إذا ظهرت الثمرة وطلع الزرع ولا يجوز قبله لأن وجود ذلك كملك
النصاب وبدو الصلاح كتمام الحول وأما المعدن والركاز فلا يجوز تقديم
صدقتهما قولاً واحدا لأن سبب وجوبها يلازم وجوبها ولا يجوز تقديمها قبل
سببها.
الشيخ: الظاهر أن الصواب كلام القاضي أنه لا يجوز أن تقدم الزكاة حتى يبدو
الصلاح.
باب قسم الصدقات
القارئ: يجوز لرب المال تفريق زكاته بنفسه لأن عثمان رضي الله عنه قال:
(هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه ثم ليزكِ بقية ماله) رواه سعيد بن
منصور بنحوه وأمر علي واجد الركاز أن يتصدق بخُمُسه.
وله دفعها للإمام عدلاً كان أو غيره لما روي سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال:
أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال وأريد إخراج زكاته وهؤلاء القوم على
ما ترى فقال: ادفعها إليهم فأتيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد فقالوا: مثل
ذلك ولأنه نائب عن مستحقها فجاز الدفع إليه كولي اليتيم قال أحمد: أعجب إلي
أن يخرجها وذلك لأنه على ثقة من نفسه ولا يأمن من السلطان أن يصرفها.
الشيخ: عندي في المخطوط (ولا يأمن السلطان) نسخة.
القارئ: في غير مصرفها وعنه: ما يدل على أنه يستحب دفع زكاة الأموال
الظاهرة إلى السلطان دون الباطنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه رضي
الله عنهم (كانوا يبعثون سعاتهم لقبض زكاة الأموال الظاهرة دون الباطنة)
وقال ابن أبي موسى وأبو الخطاب: دفعها إلى الإمام العادل أفضل لأنه أعرف
بالمصارف والدفع إليه أبعد من التهمة ويبرأ به ظاهرا وباطنا ودفعها إلى
أهلها يحتمل أن يصادف غير مستحقها فلا يبرأ به باطنا.
الشيخ: هذا الخلاف في الحقيقة ينبغي أن
يقال: إنه يرجع إلى المصلحة فإذا كان السلطان معروفاً بالعدالة وكان صاحب
المال لا يعرف الناس ولا يعرف المستحق ولا الأحق فهنا ينبغي أن يدفعها إلى
الإمام وإذا كان الأمر بالعكس فالأفضل ألا يدفعها ولعل هذا التفصيل تجتمع
فيه الأقوال لأن المقصود هو إبراء الذمة بيقين فمثلاً إذا كان هناك مجاهدون
أو غارمون أو فقراء في أطراف البلاد لا ندركهم ولا نعرفهم والسلطان عادل
ويعرفهم فهنا لا شك أن الدفع إليه أفضل من كونك لا تعرف إلا من حولك وربما
يتخمون من المال وأنت لا تدري أما إذا كان غير عادل فإن الأفضل أن يؤدي
الإنسان زكاته بنفسه لا سيما إذا كان يعلم أن هناك مستحقين من أقاربه فتكون
صدقة وصلة.
السائل: بعض الناس أعتاد أن يدفع الزكاة إلى أناس معينين واستمر على هذا
الحال سنين حتى ولوكان الذين يأخذون الزكاة وقد اغتنوا ثم يستمر ويقول إنهم
اعتادوا علينا ويأتون كل سنة ونستحي من ردهم أفلا يقال إن دفعها إلى الإمام
وإن كان غير عادل أولى من إعطائها إلى هؤلاء؟
الشيخ: لا بل يقال: يعطيها لمستحقها ولا يدفعها إلى الإمام ولا يعطي هؤلاء
وما ذكرت يقع كثيراً تجد هذا الرجل فقيراً وتعطيه ثم يغتني مثلاً جاءه
ميراث أو جاءه ربح من أرض اشتراها أو ما أشبه ذلك ثم يجيء ويطلب العادة
نقول ما نعطيه ونعظه نقول له: اتق الله ولا نعطيه غضب أو ما غضب لكن إذا
كان قريباً وخيف أن يكون في ذلك قطيعة رحم فأعطيه من مالك من باب الصلة
ويخلف الله عليك.
السائل: بارك الله فيكم من المعلوم أن الزوجة ليس عليها أن تنفق على زوجها
إن كان فقيراً فهل لها أن تؤدي زكاتها إلى زوجها؟
الشيخ: ابن حزم على ظاهريته يقول: إذا كانت
الزوجة غنية والزوج فقير يجب عليها أن تنفق عليه والصحيح أنه لا يجب عليها
لكن إذا كان عندها زكاة تعطيه من زكاتها هذا هو القول الراجح ولهذا لما أمر
النبي عليه الصلاة والسلام بالصدقة أتته امرأة عبد الله بن مسعود وقالت: يا
رسول الله إن عبد الله بن مسعود زعم أنه هو وولده أحق من تصدقت عليه؟ قال:
(نعم زوجك وولدك أحق من تصدقتي عليه)، وأيضاً لدينا شيء مهم أقرا آية
الزكاة: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ
وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) إلى آخره ولا يمكن أن نخرج شيئاً منها إلا
بدليل فمثلاً إذا كان الزوج فقيراً وزوجته غنية وعندها زكاة أليس داخلاً في
اسم الفقراء؟ وهل يجب عليها أن تنفق عليه حتى نقول إنها تعطيه الزكاة لتوفر
مالها؟ لا لكن لو أنها فقيرة والزوج غني وهي فقيرة تحتاج إلى طعام وكسوة
وقال أعطيها من زكاتي؟ لا يجوز لأنه يجب عليه أن ينفق عليها فإذا أعطاها من
زكاته وفر ماله ولذلك لو كان على الزوجة غرم كدين جاز أن يقضيه من زكاته
وهي زوجته أو أن إنساناً له أب عليه دين والابن غني ينفق على أبيه ولم يجد
الأب نقصاً في الإنفاق لكن على الأب دين سابق مثلاً وأراد الابن أن يقضي
دين أبيه من زكاته يجوز لأنه لا يجب عليه أن يقضي دين والده فإذا قضاه فإنه
لم يوفر ماله فأنت خذ الآية العامة: (إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ)
وأي فرد من أفراد العموم يخرج لابد عليه من دليل فآل البيت فيه دليل يخرجهم
وهو قوله صلى الله عليه وسلم (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) وهو
خارج من العموم.
(يوجد سقط صفحتين من المتن).
القارئ: فإن كان متفرقاً زكى كل مال حيث هو فإن كان نصاباً من السائمة ففيه
وجهان أحدهما: يلزمه في كل بلد من الفرض بقدر ما فيه من المال لئلا تنقل
زكاته إلى غير بلده والثاني: يجزئه الإخراج في بعضها لئلا يفضي إلى تشقيص
زكاة الحيوان.
الشيخ: وهذه المسألة الأخيرة ينبغي أن
يقال: إنها ترجع إلى رأي الساعي القابض للزكاة فإذا رأى أنها تؤخذ من أحد
المالين في أحد البلدين فلا بأس وإذا رأى على القول الراجح أن يأخذ القيمة
فلا بأس أيضاً فتبقى المسألة غير مشكلة على القول الراجح.
القارئ: وإن كان ماله تجارة يسافر بها قال أحمد رضي الله عنه: يزكيه في
الموضع الذي أكثر مقامه فيه وعنه: يعطي بعضه في هذا البلد وبعضه في هذا
وقال القاضي: يعطي زكاته حيث حال حوله لأن المنع منها يفضي إلى تأخير
الزكاة وإن كان ماله في بادية فرق زكاته في أقرب البلاد إليها.
الشيخ: قول القاضي جيد أنه يخرجه في المكان الذي تجب عليه الزكاة فيه ما
دامت عنده فإذا وجبت عليه الزكاة وهو في المدينة وهو من أهل مكة مثلاً
وعنده مال في مكة ومال في المدينة يخرجه في المدينة ولا بأس حتى لا يتضرر
بالتأخير ونقل الزكاة.
فصل
القارئ: إذا احتاج الساعي إلى نقل الصدقة استحب أن يسم الماشية لأن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يسمها ولأن الحاجة تدعوا إلى ذلك لتميزها عن (غنم
الجزية) والضوال.
الشيخ: في نسخة المخطوطة (نعم الجزية).
القارئ: ولترد إلى مواضعها إذا شردت ويسم الإبل والبقر في أصول أفخاذها
لأنه موضع صلب يَقِلُّ ألم الوسم فيه وهو قليل الشعر فتظهر السمة ويسم
الغنم في آذانها فيكتب عليها: (لله) أو زكاة.
الشيخ: الوسم معناه أن الإنسان يحمي حديدة
على النار ثم يكوي بها المكان الذي يريد أن يسم فيه وهو وإن كان فيه إيلام
لكن فيه حفظ للأموال فدل ذلك على أن إيلام الحيوان من أجل حفظه لا بأس به
ومنه ما يفعل بعض الناس الذين يشترون الحمام لابد أن ينتفوا قوادمها من
الأجنحة حتى لا تطير لأنها إذا اشتراها الإنسان سوف تطير إلى المكان الذي
كانت تألفه من قبل فيقصون القوادم وينتفونها حتى تألف البيت لأنها لا تطير
طيراناً فتألف البيت ثم بعد ذلك تخرج وتنبت من جديد لكن لو قصوها ما نبتت
بقيت مقصوصة ولا تستطيع الطيران فالمهم أن مثل هذا التعذيب إذا كان للمصلحة
فلا بأس به وإذا كان يجوز لنا أن نجرّ السكين على أوداجها ونزهق روحها
لمصلحتنا فهذا مثله لكن نتحرى الأسهل فالأسهل ولكن الوسم يكتب عليها لله
كيف نكتب عليها لله؟ يعني نضع ميسم مكتوب بشكل (لله) بدون همزة الوصل فإذا
وضع على فخذ البعير ظهر (لله) لكن فيها مشكلة (لله) قد تكون من إبل الفيء
لأن (لله) تصلح للزكاة والفيء فالذي يخصص ويعين هو كلمة (زكاة) الحروف في
كلمة (لله) ثلاثة وفي كلمة (زكاة) أربعة لايوجد فرق بيّن أما الوسم الموجود
الآن فالناس لا يَسِمُون بهذا يكون مثلاً لإبل الصدقة وسم معين
إما دائرة وإما خطان مترادفان أو متقاطعان أو ما أشبه ذلك المهم أنه ليس
على ما قاله الفقهاء رحمهم الله فيما نعلم إلا إذا كان في بعض البلاد وما
ندري والمقصود الوسم الذي يعينها ولهذا هو مأخوذ من السمة وهي العلامة.
القارئ: وإن وقف من الماشية شيء في الطريق أو خاف هلاكه جاز بيعه لأنه موضع
ضرورة وإن باع لغير ذلك فقال القاضي: البيع باطل وعليه الضمان لأنه متصرف
(في الإذن) ولم يؤذن له في ذلك.
الشيخ: عندي في المخطوط (بالإذن) في نسخة والباء أصح من (في) لأنه حقيقة ما
تصرف في الإذن إنما تصرف بالإذن فالباء للسببية.
القارئ: ويحتمل الجواز لأن قيس بن أبي حازم
روى (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء فسأل عنها
فقال المصدق: إني ارتجعتها بإبل فسكت) رواه سعيد بن منصور ومعنى الارتجاع
أن يبيعها ويشتري بثمنها غيرها.
الشيخ: وقد يقال إن هذا لا دليل فيه لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أجاز
التصرف فيكون موقوفاً على إجازة ولي الأمر إن أجاز التصرف فلا بأس وإن قال:
أنا لا أرضى وأريد أن تضمنها فله ذلك.
السائل: ماالضابط في المكان الذي لا تنقل إليه الزكاة؟
الشيخ: مسافة القصر.
السائل: إذا كان يمكن الوسم بشيء غير النار؟
الشيخ: إذا وجدنا شيئاً نستغني به عن النار فهو أحسن.
باب ذكر الأصناف الذين تدفع الزكاة لهم
القارئ: وهم ثمانية ذكرهم الله تعالى في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ
قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
الشيخ: بعد أن ذكر الله الأصناف قال (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) فما موقفنا
من هذه الكلمة؟ أن نقول: سمعاً وطاعةً ثم أعقبها بقوله: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ
حَكِيمٌ) فقطع إي حكمة يتفلسف بها أحد من الناس ما فيه فلسفة فالله تعالى
قطع فلسفة الناس بقوله: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
القارئ: ولا يجوز صرفها إلى غيرهم من بناء مساجد أو إصلاح طريق أو كفن ميت
لأن الله تعالي خصهم بها بقوله (إنما) وهي للحصر تثبت المذكور وتنفي ما
عداه.
الشيخ: هذا صحيح هذا استلال جيد ولا حجة
لمن قال إن قوله: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) يشمل كل أعمال الخير لأن سبيل
الله هو الطريق الموصل إليه نقول: هذا خطأ أولاً لأن الله ذكرها في باطن
أشياء معينة يعني لو كانت في الآخر لقلنا: تعميم بعد تخصيص أو في الأول
لقلنا: تخصيص بعد تعميم أما أن يذكرها في جوف المستحقين ويقول: (وَفِي
سَبِيلِ اللَّهِ) فهذا يدل على أن المراد (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) شيء خاص
وهو الجهاد في سبيل الله وأيضاً لو قلنا: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) عام لكل
خير لكان ذكر الحصر لغواً لا فائدة منه فالصواب ما ذكره المؤلف رحمه الله
وكما قلنا قبل قليل لا عبرة في فلسفة متفلسف بعد قول الله عز وجل:
(وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ثم إن في هذا القول تضييق على الفقراء وتضييق
لسُبُل الخير الأخرى لأن كثيراً من الناس قد يغلبه الشح ويقول أبني مسجداً
بزكاتي وأستريح فيكون في هذا تضييق لطرق الخير وتضييق على الفقراء لأن بناء
المسجد سهل ولكن صرفها إلى الفقراء يحتاج إلى تعب أولاً: البحث عن حال
الإنسان هل هو فقير أو غير فقير؟ ثم من يتولى الصرف ومن يتولى الحساب لهذا
مع كونه مخالف للآية هو أيضاً فيه ضرر على مستحقيه أعني القول بأن كلمة
(وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) عامة.
القارئ: ولا يجب تعميمهم بها وعنه: يجب
تعميمهم والتسوية بينهم وأن يدفع من كل صنف إلى ثلاثة فصاعدا لأنه أقل
الجمع إلا العامل لأن ما يأخذه أجرة فجاز أن يكون واحدا وإن تولى الرجل
إخراجها بنفسه سقط العامل وهذا اختيار أبي بكر لأن الله تعالي جعلها لهم
بلام التمليك وشرّك بينهم بواو التشريك فكانت بينهم على السواء كأهل الخمس
والأول المذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: (أعلمهم أن عليهم
صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) أمر بردها في صنف واحد وقال لقبيصة
لما سأله في حمالة: (أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) وهو صنف واحد
وأمر بني بياضة بإعطاء صدقاتهم سلمة بن صخر وهو واحد فتبين بهذا أن مراد
الآية بيان مواضع الصرف دون التعميم ولذلك لا يجب تعميم كل صنف ولا التعميم
بصدقة واحد إذا أخذها الساعي بخلاف الخمس.
الشيخ: والقول الثاني لا شك أنه خطأ وهو القول بوجوب التعميم لأن المراد
بالآية ذكر الأجناس ليس ذكر الأشخاص فهو كأنه قال: هذه هي الأجناس وإذا
صرفها في جنس واحد فلا بأس ثم السنة واضحة ظاهرة في أنه يجوز الاقتصار على
صنف واحد.
فصل
القارئ: إذا تولى الإمام القسمة بدأ بالساعي فأعطاه عمالته لأنه يأخذ عوضا
فكان حقه آكد ممن يأخذ مواساة وللإمام أن يعين أجرة الساعي قبل بعثه من غير
شرط لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر رضي الله عنه ساعيا ولم يجعل له
أجرة فلما جاء أعطاه فإن عين له أجرة دفعها إليه وإلا دفع إليه أجرة مثله.
الشيخ: وعلى هذا يعطيه ولو غنياً لأنه هنا أعطاه لمصلحة الزكاة لا لنفسه
فهو معطى للحاجة إليه لا لحاجته ولهذا يعطى مقدار أجرته ولو كان غنياً.
القارئ: ويدفع منها أجرة الحاسب والكاتب والعداد والسائق والراعي والحافظ
والحمال والكيال ونحو ذلك لأنه من مؤنتها فقدم على غيره.
الشيخ: هذا ما لم يكن هناك شيء من بيت
المال يعطى العامل ويعطى هؤلاء الذين يعملون لمصلحة الزكاة فإن كان هناك
شيء فإنهم لا يعطون من الزكاة يعني مثلاً لو كان لهم راتب شهري أو راتب عمل
مقدر بالعمل من قبل الدولة من بيت المال فإنهم لا يعطون زكاة لئلا يضيقوا
على أهلها أما إذا لم يكن لهم راتب شهري أو عملي فإنهم يعطون من الزكاة
بقدر أجرتهم كما قال المؤلف.
السائل: ما هو أقل من يدفع لهم من الزكاة على القول الثاني؟
الشيخ: في التعميم مثلاً الأصناف ثمانية كل صنف لابد أن يكون منه ثلاثة
ويكون ثلاثة في ثمانية بأربعة وعشرين فإذا كانت زكاتك أربعة وعشرين ريال
فاعطِ الفقير واحد والمسكين واحد والعاملين عليها واحد والمؤلفة قلوبهم
واحد والغارمين واحد وفي سبيل الله واحد وابن السبيل واحد وهذا لا شك أنه
غير صحيح أولاً: لأن السنة متظافرة في ذلك والثاني: في هذا مشقة عظيمة على
الناس.
السائل: هل للإمام أن يعطي العامل بالنسبة لما يجبي؟
الشيخ: إذا كان هذا أجرة مثل لا بأس فللإمام أن يقول للساعي: لك عشرة في
المائة أو خمسة في المائة بشرط أن يكون هذا أجرة مثله.
السائل: لو كان العامل يقوم بعملين كحاسب وسائق؟
الشيخ: يعطى على قدر عمله ما في مانع بشرط أن لا يخل بالعمل الآخر لو كان
حاسباً وأخل بمسألة القبض والحفظ وما أشبه ذلك فلا يجوز.
السائل: أحدهم عرض شقة للبيع فهل عليه زكاتها؟
الشيخ: الشقة التي يعرضها للبيع ما فيها زكاة يعني الإنسان ساكن في شقة
وطابت نفسه منها.
السائل: وإذا كان مشتريها للتجارة؟
الشيخ: إذا كان شراؤه لها للتجارة لازم من الزكاة.
السائل: وإذا لم يكن عنده مال يعطيه الفقراء زكاة للشقة فماذا يفعل؟
الشيخ: ينتظر حتى يبيعها يقدر القيمة الآن ويقيدها وإذا باعها أخرجها.
القارئ: والفقراء والمساكين صنفان وكلاهما يأخذ لحاجته إلى مؤنة نفسه
والفقراء أشد حاجة لأن الله تعالى بدأ بهم والعرب إنما تبدأ بالأهم فالأهم.
الشيخ: حقيقة المؤلف رحمه الله أحياناً
يقول: لأن الله بدأ بها والصواب أن يقال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(أبدأ بما بدأ الله به) هذه رواية مسلم رواية النسائي (ابدأوا بما بدأ الله
به) أحسن من قول المؤلف إن العرب تقول كذا لأن لدينا حقيقة شرعية غير
اللغوية والحقيقة الشرعية مقدمة.
القارئ: ولأن الله تعالي قال: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ
يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) فأخبر أن لهم سفينة يعملون بها ولأن النبي صلى
الله عليه وسلم استعاذ من الفقر وقال (اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا
واحشرني في زمرة المساكين) رواه الترمذي.
الشيخ: الله المستعان هذا ضعيف بل أقرب شيء أنه موضوع لأن الحقيقة أن
المساكين يحشرون في زمرته كيف هو يحشر هو في زمرتهم وعلى كل حال هو حديث
موضوع لا عبرة به إنما التعليل أن يقال أن الله بدأ بهم فنبدأ بهم كما قال
الرسول عليه الصلاة والسلام (أبدأ بما بدأ الله به) ثانياً: أن الاشتقاق
يدل على ذلك فالفقر معناه الخلو ومنه القفر المكان الخالي وهذا موافقة في
الاشتقاق الأصغر وأما المساكين فهو من قولهم: أسكنتهم الفاقة والسكون لا
يدل على الخلو فالإنسان ربما يسكن إذا كان متوسط الحال عند رجل غني فلذلك
كانت مادة الفقر ومادة المسكنة تدل على أن الفقير أشد حاجة.
القارئ: فدل على أن الفقراء أشد فالفقير من ليس له ما يقع موقعاً من كفايته
من مكسب ولا غيره والمسكين الذي له ذلك فيعطى كل واحد منه ما تتم به
كفايته.
الشيخ: الفقير والمسكين تبين لنا الآن أن
بينهما فرقاً لكن إذا ذكر أحدهما وحده صار لا فرق بينهما فقوله تعالى:
(إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) (المائدة: من الآية89) يشمل الفقراء
وقوله: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ) (الحشر: من الآية8) يشمل المساكين
فالفقير والمسكين كلمتان إذا اجتمعتا افترقتا وإن افترقتا اجتمعتا ولها
نظائر ليس هذا موضع ذكرها بقي أن يقال ماذا يعطى المسكين والفقير؟ يعطى ما
يكفيهما والكفاية إذا عرفنا أن هذا الفقير مثلاً له راتب وراتبه ألفا ريال
لكنه ينفق ثلاثة آلاف ريال هل عنده كفاية؟ لا ما عنده كفاية نعطيه ما يكفي
نعطيه في السنة اثني عشر ألفاً وعلى هذا فقس وكذلك لو كان له صنعة لكن لا
تكفيه نعطيه ما يكفيه هو وعائلته وإذا أعطيناه أعني الفقير والمسكين ثم
أغناهما الله عز وجل بإرث أو كسب فهل نسترجع ما أعطيناهما؟ لا لأنهما ملكاه
ملكاً تاماً.
القارئ: وإذا ادعى الفقر من لم يعرف بغنى قبل قوله بغير يمين لأن الأصل عدم
المال وإن ادعاه من عرف غناه لم يقبل إلا ببينه لقول النبي صلى الله عليه
وسلم: (إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل أصابته فاقة حتى يشهد له
ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى
يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش) رواه مسلم.
الشيخ: هذه البينة لابد فيها من ثلاثة
يشهدون بأن فلاناً الذي كان غنياً أصابته فاقة فلو شهد اثنان لم يقبل
والحكمة والله أعلم أن هذه الشهادة تتضمن شيئين استحقاق هذا الرجل ومضايقة
الآخرين فاحتيج إلى اثنين بالنسبة إلى استحقاقه وإلى واحد بالنسبة إلى
مضايقة الآخرين لأن هذا الرجل الذي قدرنا أن نعطيه عشرة آلاف سيحرم بقية
الفقراء من هذه العشرة فلذلك صار لابد من ثلاثة والله أعلم بحكمة شرعه لكن
هذا الذي يظهر لنا وعلى كل حال هذه البينة لابد فيها من ثلاثة رجال ما يقبل
فيها النساء ومثلها أيضاً لابد من أربعة رجال الشهادة على الزنا أما بقية
الأموال فيكفي فيها رجلان أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين مدعي.
وقوله (من ذوي الحجى) الحجى العقل يعني الذين عندهم عقل وإدراك ليس ذوي
العواطف الذي يعطف على هذا لأنه ابن أخيه أو لأنه عمه أو ما أشبه ذلك بل
رجل عاقل لا يشهد لأحد إلا وهو يستحق.
القارئ: وإن رآه جلداً وذكر أنه لا كسب له أعطاه من غير يمين لما روى عبيد
الله بن عدي بن الخيار أن رجلين أتيا رسول الله وهو يقسم الصدقة فسألاه
شيئا فصّعد بصره فيهما وصوابه.
الشيخ: صعد يعني رفع وصوبه نزل.
القارئ: وقال لهما: (إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب)
رواه أبو داود.
الشيخ: وهذا طبعاً إذا وثق منهما أما إذا لم يثق منهما ورأى عليهما علامة
الكذب فإنه لا يلزمه أن يأخذ بقولهما لأنه في عهد الرسول عليه الصلاة
والسلام إذا قال للرجل: (لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) أيظن أحد من الناس
أنهم سوف يقولون ليسوا أغنياء هذا بعيد من الصحابة لكن في وقتنا الحاضر قد
يؤول ويقول: لا حظ فيها لغني ويريد أن يكون غنياً له ملايين الدراهم لهذا
لابد من القرائن.
القارئ: وإن ادعى أن له عيالا فقال القاضي وأبو الخطاب: يقلد في ذلك (كما
قلد) في حاجة نفسه.
الشيخ: عندي (كما يقلد) نسخة.
القارئ: وقال ابن عقيل: لا يقبل إلا ببينه
لأن الأصل عدم العيال فلا تتعذر إقامة البينة عليهم.
الشيخ: قول ابن عقيل جيد يعني لو قال أنا بنفسي ما عليّ قاصر لكن عندي عشرة
أبناء فهذا لابد من البينة إلا إذا كان يتعذر إقامة البينة لكونه رجلاً
غريباً لا نعلم عنه فهذا نصدقه لكن إذا كان في البلد وقال عندي عشرة أبناء
أو عشرون ولداً نقول لابد من البينة.
القارئ: وإن كان لرجل دار يسكنها أو دابة يحتاج إلى ركوبها أو خادم يحتاج
إلى خدمته أو بضاعة يتجر بها أو ضيعة يستغلها أو سائمة يقتنيها ولا تقوم
بكفايته فله أخذ ما تتم به الكفاية ولا يلزمه بيع شيء من ذلك قل أو كثر.
الشيخ: (إذا كان لرجل دار يسكنها) تساوي
مثلاً مائتي ألف هو ليس عنده شيء من المال وله الدار التي يسكنها هل نقول
بعها واشترِ داراً بمائة ألف واستغن بالمائة الأخرى؟ لا، لأن الإنسان قد
تتغير حاله وحياته إذا اختلف منزله الذي كان يألفه كذلك (دابة يحتاج إلى
ركوبها) عنده دابة يستطيع لو باعها أن ينفق على نفسه من ثمنها كالسيارة
مثلاً هل نقول بع السيارة واستغن بها عن الزكاة؟ لا لا يبيعها وكذلك إذا
كان له (خادم يحتاج إلى خدمته) إنسان مثلاً مريض وليس له من يخدمه فاستأجر
خادماً محتاجاً إليه وقال: أنا بنفسي ما عليّ قاصر لكن الخادم يحتاج إلى
نفقة فإننا نعطيه أو (بضاعة يتجر بها) عنده مثلاً بضاعة تساوى مائة ألف
يتجر بها هذه البضاعة تدر عليه بالكسب كل شهر أقل من كفايته يعطى من الزكاة
ولا نقول له استهلك هذه البضاعة وإذا انتهت يرزقك الله لا يلزمه لأن الرجل
يقول: عليّ ضرر بهذا أنا أتجر بهذه البضاعة ومع أنها تساوي المائة ألف
وتكفيني ثلاث سنوات لكن درها الذي يأتيني منها ما يكفيني فلا يلزمه أن
يبيعها كذلك (ضيعة يستغلها) ضيعة يعنى بستان يستغله يساوي مالاً كثيراً
لكنه يستغله لينفق على أهله ومغله لا يكفي لنفقته يعطى من الزكاة ولا نقول
بع هذه الضيعة وكذلك لو كان عنده دار (عمارة) يؤجرها تساوي مالاً كثيراً
لكن غلتها ما تكفي له ولعيالها لا نلزمه بالبيع وكذلك أيضاً نقول: (سائمة
يقتنيها) رجل عنده أربعون شاة يقتنيها لدرها ونسلها يبيع اللبن ويبيع
أولادها إذا جاءوا ويأكل هو وعياله من نتاجها لا نقول بعها أو بع بعضها
واستغن به عن الزكاة لأن هذا يضره كل هذا فيه والحمد لله سعة للناس إذا
أخذنا بهذا القول والظاهر أنه قول صواب إن شاء الله.
القارئ: الصنف الرابع: المؤلفة وهم السادة المطاعون في عشائرهم وهم ضربان:
كفار ومسلمون فالكفار من يرجى إسلامهم أو يخاف شرهم.
الشيخ: عندنا في المخطوط بالإفراد (من يرجى
إسلامه أو يخاف شره) مراعاة للفظ (من) وعلى الجمع مراعاة لمعناه فهي من حيث
اللغة جائز هذا وهذا.
القارئ: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى صفوان بن أمية يوم حنين قبل
إسلامه ترغيباً له في الإسلام.
الشيخ: أولاً: المؤلفة قلوبهم المؤلف عرف ذلك بأنهم (السادة) جمع سيد
(المطاعون) في عشائرهم وبناء على ذلك لو أننا أعطينا واحداً من الناس من
الكفار تأليفاً لقلبه على الإسلام فظاهر كلام المؤلف أن ذلك لا يجزيء لأنه
لابد أن يكونوا سادة وأن يكون لهم طاعة في عشائرهم والفرق واضح لأنهم إذا
كانوا سادة مطاعين في عشائرهم فإن إسلامهم يحصل به إسلام عشائرهم غالباً
وهذه مصلحة كبيرة لا تحصل فيما إذا أعطينا فرداً لنتألفه على الإسلام لكن
قد يقال إذا كنا نعطي الفقير من الزكاة لإنقاذه من موت البدن فإعطاؤنا إياه
لإنقاذه من موت القلب من باب أولى ولاشك أن الإنسان محتاج إلى الإسلام أكثر
من حاجته إلى الطعام والشراب فلو أن الآية عُممت وأُخذت بالتعميم وقيل:
(المؤلفة قلوبهم) كل من يؤلف قلبه على الإسلام من سادة أو غير سادة لكان
هذا أولى ثم الاستدلال بإعطاء هؤلاء من الغنائم قد ينازع فيه فيقال:
الإعطاء من الغنائم أوسع من الإعطاء من الزكاة ولا يصح أن نستدل بالأعم على
الأخص لأنه لابد أن يكون الدليل أعم من المدلول وعلى كل حال فنحن لا نحتاج
إلى قضية صفوان لأن لدينا آية من كتاب الله لا نحتاج إلى هذا ونقول الدليل
على إعطاء المؤلفة قوله تعالى: (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) يبقى النظر
هل يختص في السادة المطاعين أو هو عام؟ الصحيح عندي أنه عام فكل من نرجو
إسلامه إذا كان يحتاج إلى بذل شيء من الزكاة فإننا نعطيه إنقاذاً له من موت
الدين.
القارئ: والمسلمون أربعة أضرب منهم من له
شرف يرجى بإعطائه إسلام نظيره فإن أبا بكر الصديق أعطى عدي بن حاتم ثلاثين
فريضة من الصدقة وأعطى الزبرقان بن بدر مع ثباتهما وحسن نياتهما.
الشيخ: هذا صحيح يعني يقول: سيد مطاع في عشيرته مسلماً حسن الإسلام نعطيه
لأجل أن يسلم نظيره وهذا يقع كثيراً ولنفرض أن مثلاً قبيلة صغيرة أسلم
سيدها وحولها قبيلة صغيرة أيضاً لم يسلم فأعطينا سيد القبيلة المسلمة ثم إن
سيد القبيلة الأخرى لما نظر إلى أن هذا السيد أُعطي هذا المال أسلم هذا
أيضاً يحصل به الخير وهذا تأليف للغير فيجوز.
القارئ: الثاني: ضرب نيتهم ضعيفة في الإسلام فيعطون لتقوى نيتهم فيه فإن
أنساً قال حين أفاء الله على رسوله أموال هوازن: طفق رسول لله صلى الله
عليه وسلم يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل وقال: (إني أعطي رجالاً
حدثاء عهد بكفر أتألفهم) متفق عليه.
الشيخ: هذا ليس كالأول هذا لتقوية إيمانه أما الأول فهو الكافر لدخوله في
الإسلام والثاني لتقوية إيمانه.
القارئ: الثالث: قوم إذا اعطوا قاتلوا ودفعوا عن المسلمين.
الشيخ: وإذا لم يعطوا لم يقاتلوا ولم يدافعوا هذا أيضاً من التأليف.
القارئ: الرابع: قوم إذا أعطوا جبوا الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف فكل
هؤلاء يجوز الدفع إليهم من الزكاة لأنهم داخلون في اسم المؤلفة وقد سمى
الله تعالى لهم سهما وروى حنبل عن أحمد رضي الله عنه أن حكمهم انقطع لأن
عمر وعثمان رضي الله عنهما لم يعطياهم شيئا والمذهب: الأول فإن سهمهم ثبت
بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ولا يثبت النسخ بالاحتمال وترك عمر وعثمان
عطيتهم إنما كان لغناهم عنهم والمؤلفة إنما يعطون للحاجة إليهم فإن استغني
عنهم فلا شيء لهم.
الشيخ: هذا التعليل الذي ذكره صحيح يعني أن
عمر وعثمان لم يعطيا المؤلفة ليس لأنه نسخ الحكم إذ أنه لا نسخ بعد موت
الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن لأن الحاجة إليهم زالت وهم إنما يعطون
للحاجة ومن المهم قوله في القسم الأول: كفاراً أعطوا لدفع شرهم يعنى ما
نرجو إسلامهم لكن نخشى من شرهم فنعطيهم دفعاً لشرهم وهذا قد يحتاج الناس
إليه في الوقت الحاضر يكون المسلمون ليس عندهم قدر في قتال هؤلاء الكفار
ويخشون من شرهم فيعطون لدفع الشر ولكن بشرط أن نعرف أن هذا العطاء يوجب دفع
الشر أما أن نعطيهم ونحن لا نأمن أن يمكروا بنا وأن يأخذوا ما نعطيهم
ليقاتلونا به فهذا لا نعطيهم لكن إذا عرفنا من حالهم ومجريات أعمالهم أنهم
إذا أعطوا شيئاً فإنهم يكفون شرهم عنا فلا بأس أن نعطيهم لكف الشر.
السائل: الإعطاء للمؤلفة قلوبهم هل يكون من الغنائم قبل التوزيع أم بعده
فالنبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة أعطى المؤلفة قلوبهم ولم يعط أصحابه.
الشيخ: فتح مكة ما فيه غنائم الغنائم في ثقيف بعد أن فتح مكة واستقر الأمر
فيها خرج إلى أهل الطائف فهذه الغنائم غنائم أهل الطائف.
السائل: هل يدخل في المؤلفة قلوبهم العصاة الذين يرجى رجوعهم عن المعصية؟
الشيخ: العصاة الذين يرجى رجوعهم عن المعصية وهم من المسلمين هؤلاء يقام
عليهم الحد إن كانت معصيتهم لها حد أو التعزير إن كانت معصيتهم ليس لها حد.
القارئ: الصنف الخامس: الرقاب وهم المكاتبون يعطون ما يؤدونه في كتابتهم
ولا يقبل قوله: إنه مكاتب إلا ببينة لأن الأصل عدمها فإن صدَّقه (المولى)
ففيه وجهان.
الشيخ: عندي في المخطوط (سيده) نسخة وهو أصح لأنه ما صار مولى له بعد.
القارئ: فإن صدقه سيده ففيه وجهان أحدهما: يقبل لأن السيد أقر على نفسه
والثاني: لا يقبل لأنه متهم في أن يواطئه ليأخذ الزكاة بسببه.
الشيخ: هذا صحيح فالاحتمال الثاني وارد ولو
كان ذلك شهادة لقلنا إنه يجر إلى نفسه نفعاً لكن هو يجر إلى نفسه نفعاً من
وجه وضرراً من وجه آخر لأن هذا المكاتب سوف يخرج من ملكه وحينئذٍ نقول إذا
قال العبد: إنه مكاتب وصدقه السيد نعطي السيد مال الكتابة ثم نقول للعبد
اذهب أنت الآن حر فنسد على السيد باب حيلته.
القارئ: وللسيد دفع زكاته إلى مكاتبه لأنه معه في باب المعاملة كالأجنبي
ويجوز أن يردها المكاتب إليه لأنه يأخذها وفاءاً عن دينه فأشبه الغريم.
الشيخ: هذا كاتب عبده على خمسة آلاف نصفها بعد ستة أشهر والنصف الثاني بعد
ستة أشهر فأعطى زكاته لهذا العبد والعبد ردها عليه وفاءاً نقول هذا جائز
ولا بأس كالغريم يعني كما لو كان لإنسان غريم فقير فأعطاه الطالب الذي هو
الدائن أعطاه دراهم فأوفاه بها فلا بأس إذا لم يكن هناك مواطأة فإن كان
هناك مواطأة فلا يجوز.
القارئ: ولا يزاد المكاتب على ما يوفي كتابته.
الشيخ: أنا عندي في المخطوط (على ما يؤدي في كتابته) نسخة.
القارئ: ويجوز أن يدفع إليه قبل حلول النجم لئلا يحل وهو معسر فتنفسخ
كتابتها.
الشيخ: وهل مثل ذلك المدين؟ يعنى إنسان مدين عليه دين يحل بعد ستة أشهر هل
يجوز أن يوفى دينه قبل أن يحل؟ فيه التفصيل إذا كان هذا المدين نعلم أنه لا
يستطيع الوفاء إذا حل الدين نوفي عنه ولا حرج وأما إذا علمنا أنه يستطيع
بأن يكون صاحب راتب جيد وأنه عند حلول أجل الدين سيوفي فهذا لا نعطيه لأنه
ليس بحاجة إلى إلى الوفاء.
القارئ: وهل يجوز الإعتاق من الزكاة؟ فيه روايتان إحداهما: يجوز لأنه من
الرقاب فيدخل في الآية فعلى هذا يجوز أن يعين في ثمنها وأن يشتريها كلها من
زكاته ويعتقها ولا يجوز أن يشتري ذا رحمه المحرم عليه فإن فعل عتق عليه ولم
تسقط الزكاة لأن عتقه حصل بسبب غير الإعتاق من الزكاة.
الشيخ: معناه لا يجوز أن يشتري عمه من
زكاته لأنه يعتق بدون إعتاق هكذا علل المؤلف والصواب أنه يجوز لأنه إذا كان
دفع الزكاة إلى القريب الذي من أهلها أفضل فكذلك إعتاق القريب يكون أفضل
وأما قوله: بأنه حصل بغير إعتاق نقول: فيه نظر بل هذا حصل بإعتاقه لأنه
اشترى هذا الرحم المحرم ولو أنه ما اشتراه لم يعتق فالصواب أنه يجوز أن
يشتري ذا رحم محرم منه من الزكاة ويعتق عليه بمجرد الشراء فمن هو ذا الرحم
المحرم؟ هو من يحرم عليه بنسب لو قدر أنه امرأة هذا هو ذو الرحم المحرم مثل
العم، الخال، الأخ، ابن الأخ، ابن الأخت، وأما ابن العم فلا رحم بينهما ولو
قدر أنه امرأة لجاز أن يتزوجها وأبو الزوجة ليس ذا رحم إنما هو صهر فذو
الرحم هو الذي يحرم بينهما التناكح من أجل النسب يعنى الرحم.
القارئ: ويجوز أن يفك منها أسيرا مسلماً لأنه فك رقبة من الأسر والرواية
الثانية: لا يجوز الإعتاق منها لأن الآية تقتضي الدفع إلى الرقاب لقوله:
(وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) يريد الدفع إلى المجاهدين والعبد لا يدفع إليه.
الشيخ: يقول يجوز أن ينفك منها أسير مسلم هذا صحيح لأنه داخل في الرقاب
وهذا ما يعرف في لغة العصر بالرهائن يكون رهائن من المسلمين عند الأعداء
ويقول الأعداء: لا نفكهم لكم إلا بشيء من المال فيعطون من الزكاة لفك هذه
الرهائن فلا بأس وأما قوله: الرواية الثانية: أنه لا يجوز الإعتاق منها لأن
الآية تقتضي الدفع إلى الرقاب لقوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) لو قال كقوله
(وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) لأن قوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) ليس تعليلاً
للرقاب لكن الأقرب كقوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) فيقال أيهما أولى أن نعطي
مكاتباً من الزكاة يستعين بها على الكتابة أو أن نشتري عبداً من الزكاة
أيهما أقرب إلى الدخول في قوله (وَفِي الرِّقَابِ) الثاني لاشك أنه أقرب.
ثانياً: قوله رحمه الله إن قوله (وَفِي
سَبِيلِ اللَّهِ) يريد الدفع إلى المجاهدين المقيس عليه الذي جعله أصلاً
فيه نظر لأن الآية الكريمة إذا تلوتها عرفت أنها قسمت المستحقين إلى قسمين
قسم لابد من تمليكه وقسم لا يشترط تمليكه: (لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ
وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) هؤلاء يُملّكون
لأنه قال: (لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا
وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) القسم الثاني: (وَفِي الرِّقَابِ
وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) فقال: (وَفِي
الرِّقَابِ) وهذا يدل على أن المقصود أن تصرف في الرقاب بدون أن يملكها
المعطى ولهذا نقول: لو أنه أوفى دين المكاتب دون أن يعطيه لأجزأ لأنه لا
يشترط التمليك كذلك أيضاً نقول في سبيل الله القول بأنه يعطى منها المجاهد
فقط ضعيف والصواب أنه يعطى المجاهد وتشترى منها الأسلحة وتشترى من الزكاة
الأسلحة وإن لم يملِّكها للمقاتل فقوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) تشمل شيئين
الأول: أن نملك المجاهد ونقول: خذ هذه مثلاً ألف ريال جاهد بها والثاني: أن
نشتري أسلحة ونعطيها للمجاهدين كل ذلك جائز وكل ذلك داخل في قوله: (وَفِي
سَبِيلِ اللَّهِ) لأنه جاء التعبير القرآني بغير اللام الدالة على التمليك
بل جاء بفي الدالة على الظرفية وكما أنه يجوز للإنسان إذا علم أن فلاناً
عليه دين ولا يستطيع وفاءه أن يذهب إلى الدائن ويقول يا فلان أنت تطلب
زيداً مائة ريال هذه مائة ريال وإن كان زيدٌ لم يعلم بذلك لأنها داخلة في
قوله: (وَالْغَارِمِينَ) وعلى هذا فنقول الآية تدل على أنه يجوز أن يُشترى
للمجاهدين سلاح يقاتلون به وأن تقضى الديون عن المدينين وإن لم يعلموا بذلك
وأن يُشترى العبد من الزكاة ويعتق وإن لم يعلم بذلك لكن لابد أن يعلم
بالعتق كي يتحرر.
القارئ: الصنف السادس: الغارمون وهم ضربان
ضرب غرم لإصلاح ذات البين وهو من يحمل دية أو مالاً لتسكين فتنة أو إصلاح
بين طائفيتين فيدفع إليه من الصدقة ما يؤدي حمالته وإن كان غنيا لما روى
قبيصة بن مخارق قال تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله
فيها فقال: أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ثم قال: يا قبيصة
إن الصدقة لا تحل إلا لثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم
يمسك) رواه مسلم ولأنه يأخذ لمصلحة المسلمين فجاز له الأخذ مع الغنى
كالغازي.
الشيخ: الغارمون ذكرهم الله في الآية بفي وذكر العلماء أنهم ضربان الأول:
من غرم لمصلحة الغير والثاني: من غرم لمصلحة نفسه فأما من غرم لمصلحة الغير
فلابد أن يكون غرمه لأمر مهم جداً كأن يجد قبيلتين بينهما فتنة إما بدية
قتيل بينهما أو بغير ذلك فأراد أن يصلح بين هاتين القبيلتين بمال تحمله هو
فهذا لاشك أنه أتى معروفاً كبيراً ومصلحة عظيمة فكان من محاسن الإسلام أن
يعان على الأمر وأن يساعد عليه وأن يشكر له هذا الفعل فيعطى من الزكاة بقدر
ما تحمل أما إذا كانت المسألة فردية فإنه لا يعطى إذا كان غنياً كإنسان
تحمل حمالة عن شخص أمسكه غريمه وقال أعطيني حقي وإلا حبستك الآن فجاء رجل
محسن وقال حقك علي أنا أتحمل الحق هذا لاشك تحمل حمالة لمصلحة غيره لكنه
ليس كالأول هذا لا نعطيه من الزكاة إلا إذا كان فقيراً إذا كان فقيراً تحل
له الزكاة أعطيناه لأنه صار من الغارمين لأنفسهم وأما إذا كان غنياً فلا
يعطى والفرق بينهما واضح ظاهر إذاً هذا الغارم لإصلاح الغير ولمصلحة الغير
بشرط أن تكون مصلحة لها أهميتها.
القارئ: الضرب الثاني من غرم لمصلحة نفسه
في مباح فيعطى من الصدقة ما يقضي غرمه ولا يعطى مع الغني لأنه يأخذ لحاجة
نفسه فلم يدفع إليه مع الغنى كالفقير وإن غرم في معصية لم يدفع إليه قبل
التوبة لأنه لا يؤمن أن يستعين بها في المعصية وفي إعطائه بعد التوبة وجهان
أحدهما: يعطى لأنه يأخذ لتفريغ ذمته لا لمعصية فجاز كإعطائه لفقره والثاني:
لا يعطى لأنه لا يؤمن عوده إلى المعصية.
الشيخ: الغارم لنفسه لا يعطى إلا إذا كان فقيراً لا يستطيع الوفاء واشترط
المؤلف رحمه الله أن يكون غرمه في غير معصية فيشمل ما إذا كان غرمه في واجب
أو كان غرمه في مستحب أو كان غرمه في مباح من كان غرمه في واجب كرجل أدى
فريضة الحج وهي غير واجبة عليه لكنها هي الفريضة رجل استلف لقضاء نذر عليه
هذا غرم في واجب.
الثاني: غرم في مستحب كرجل استدان من شخصٍ مالاً ليؤدي العمرة وليست واجبة
عليه هذا غرم في مستحب.
الثالث الغرم في مباح كرجل استدان شيئاً واشترى حاجة هو في غنى عنها وليست
واجبة ولا مستحبة لكنه يريد أن يكون كزملائه مثلا هذا مباح ومن ذلك أن
يشتري له بيتاً يعني عنده ما يستأجر به لكن قدر أن الرجل اشترى بيتاً فصار
عليه غرم فنعطيه ونقضي دينه وهذا من قسم المباح.
والرابع: في مكروه فظاهر كلام المؤلف أنه يعطى إذا غرم في مكروه لأنه ليس
بمعصية.
الخامس: إذا غرم في معصية فإنه لا يعطى إلا
إذا تاب وعلمنا توبته وأنه صادق فنقضي عنه مثال ذلك رجل ابتلي بشرب الخمر
والعياذ بالله واشترى خموراً كثيرة يشربها وغرم بذلك أموالاً كثيرة فهنا هو
غارم في الواقع لا شك في هذا فهل نعطيه ونقضي دينه نفك أسره أو لا؟ نقول
نعطيه إذا تاب نقول أنت الآن غارم وفي ذمتك مال كثير ونحن مستعدون أن نقضي
هذا الدين من الزكاة لكن بشرط أن تتوب فتاب إلى الله فنعطيه أولاً: لأن
الرجل حسن منهجه وثانياً: تشجيعاً له على الاستمرار في ترك المعصية أما إذا
لم يتب فإننا لا نعطيه مثاله رجل مبتلى بشرب الدخان وأكثر الديون التي عليه
بل كل الديون عليه لشرب الدخان جاء وقال: إنه فقير ما عنده ما يوفي قوائم
الدين اشترى حرام وقال اقضوا عني لا نقضي عنه إلا أن يتوب وهل بمجرد أن
يقول أتوب إلى الله نقضي عنه؟ لا خصوصاً المبتلين بهذه الأشياء التي تلزمهم
ويصعب الإنفكاك منها هؤلاء لا نقبل منهم مجرد أن يقولوا تبنا حتى ننتظر
وعلمنا أنه صادق فإن القول الراجح أن نقضي دينه وفيه وجه أنه لا يقضى دينه
لأنه يحتمل أن يرجع لكن نقول هذا الرجل رجع بعد أن تطهر من ذنوبه ولسنا
ملزمين بأن يعصم الناس في المستقبل حتى الذي غرم في مباح يمكن في يوم من
الأيام أن يستدين في شيء محرم إذاً يقضى الدين عن المدين إذا كان عاجزاً
عنه بشرط أن يكون غارماً في غير معصية فإن غرم في معصية طالبناه أولاً بأن
يتوب منها وإذا قدرنا أن هذا الرجل الغارم فقير يعني لا يستطيع أن يجد ما
ينفقه على نفسه من طعام وشراب وكسوة وهو يشرب الدخان مثلاً هل نعطيه؟ في
هذا تفصيل إن قال: أصرّف ما تعطونني في حاجة مباحة فهذا نعطيه وأما أن
نعطيه ونطلق فالمبتلى بشرب الدخان وشبهه أول ما يصرف الدراهم في الدخان ما
نعينه.
فإذا كان الرجل غير مستقيم وأنت تعرف أن
المستحق غارم أو فقير لكن قلت له: اذهب فتب إلى الله وإذا تبت فأت ونساعدك
هل هذا جائز؟ يعني بأن لا نعطيه مما يستحق إلا إذا حملناه على التوبة ربما
نقول هذا جائز وربما ليس بجائز نقول ليس بجائز لأن الرجل مستحق (لَيْسَ
عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) هو الآن استحق
أن يعطى من الزكاة وكونه مثلاً حالقاً لحيته أو مسبلاً ثوبه أو كثير الغيبة
والنميمة هذا إليه ما علينا منه وقد نقول: إنه جائز من باب الإصلاح
والتربية إذا علمنا أنه إذا قلنا له هذا الكلام استقام وصار هذا عوناً على
ترك المعصية فقد يكون هذا له وجه ولكني أخشى أنك إذا قلت هذا: ذهب ولم يرجع
ولأنه مبتلى خصوصاً المبتلى مثلاً بإسبال الثوب أو بالغيبة يعني بعض الناس
نسأل الله العافية مبتلى بالغيبة لا يمكن أن يجلس في مجلس إلا وهو يغتاب
الناس يقل جداً أن يقلع منها فهذا ربما نقول: أعطه إذا كنت تيئس أو يغلب
على ظنك أنه لن يستقيم فهنا أعطه لأنه محق وهو لن يستعين بها على المعصية
أما إذا كنت ترجو فلا بأس أن تقول: يا فلان والله أنت مستحق لكن أعينك على
نفسك أن تذهب وتتوب إلى الله عز وجل مما صنعت وأن تقلع عنه وعلى العين
والرأس هذا طيب.
القارئ: ولا يقبل قوله: إنه غارم إلا ببينه فإن صدقه الغريم فعلى وجهين.
الشيخ: يقول المؤلف: لايقبل قوله: إنه غارم
إلا ببينه لأن الغرم لا تتعذر إقامة البينة عليه ولكن الصواب أن من لم يعرف
بغنى فإنه يقبل قوله لأنه قد يتعذر إقامة البينة في المكان الذي هو فيه
الآن فإن قال قائل: هل الوثائق بينه ولا سيما إذا كانت صورة وثيقة؟ نقول:
من نظر إلى حال الناس اليوم قد يتوقف ويقول: ليس ببينة لأن كثيراً من الناس
تكتب له الوثيقة في الديون ويحتفظ بها ويوفي كثيراً منه أو أكثره ثم يأتي
بوثيقة يستجدي بها الناس فهذا يوجب الإنسان التوقف لكن المؤلف رحمه لله إذا
أردنا أن نأخذ بكلامه نقول أى واحد يقول: إنه غارم لابد أن يقيم بينه إن
صدقه الغريم هل يقبل أو لا؟ يقول المؤلف: فيه وجهان أى قولان للعلماء قول:
إنه يقبل وقول ثان إنه لا يقبل لأن الغريم متهم وسبق نظير هذه فالغريم يتهم
يمكن أن يتفق اثنان ويقول أحدهما: ادع أني أطلبك وأنا غريمك وأنا سأصدقك
والذي تحصله يكون بيننا يمكن لاسيما في البلاد الفقيرة والذين يتحايلون على
الأموال بكل شيء لكن كما قلنا: إذا غالب على ظنك صدق المدعي قُبل بلا بينة
ولا حاجة لتصديق الغريم.
القارئ: ويجوز للرجل دفع زكاته إلى غريمه وأخذها منه لما ذكرنا في المكاتب.
الشيخ: لكن بشرط أن لا يتواطآ على ذلك يعنى
مثلاً يجوز للرجل أن يدفع الزكاة إلى غريمه ولاسيما إذا كان له غرماء آخرون
فإذا أعادها عليه فلا بأس مثال ذلك أنا أطلب رجلاً عشرة آلاف ريال وعندي
زكاة عشرة آلاف ريال فأعطيته إياها والرجل حريص على إبراء ذمته وهو لم يذهب
ليشتري بها أشياء غير لازمه فأعطاني إياها يجوز لأنني أنا ما قلت له خذ
زكاتي وردها علي لاسيما إذا كان له غرماء آخرون مثل أنا أطلبه عشرة آلاف
ريال وفلان يطلبه عشرة والثالث يطلبه عشرة فجواز هذه واضح ولا إشكال فيها
لكن الذي فيه توقف وتردد إذا كنت أعرف أن الرجل حريص على إبراء ذمته وأنه
لا يطلبه أحد إلا أنا ثم أعطيته بقدر دينه عليه فهذه قد يتردد المرء في هذا
لأنني أعرف أن هذا الرجل سوف يردها لي فإن قال قائل: إذا كنت تخشى من ذلك
فأبرئه من الدين وانوه من الزكاة قلنا: هذا لا يجوز وهذا هو الذي جعلنا
نتردد في إعطائه الدين الذي يطلبه صاحب الزكاة لأنه يكون كأنه حيلة على
الإبراء.
السائل: بارك الله فيك إذا اقترض الرجل من بنك ربوي قرضاً وظن أنه يقدر على
الوفاء لكنه عجز وجاء وقال: أنا الآن تبت وندمت وأعلم سوء البنوك وأريد
قضاء هذا الدين ويريد أن يوفى عنه الدين؟
الشيخ: هنا لاشك أننا إذا علمنا أن الرجل تاب لأن كثيراً من الناس لا
يعرفون أن البنوك حرام لاسيما في بلاد لا تنتشر فيها وسائل الدعوة إذا
علمنا أنه تاب حقيقة فلا شك في جواز قضاء الدين الذي هو رأس المال مثلاً
عشرة آلاف جعلها البنك عليه اثني عشر ألفاً لا بأس أن نقضي عنه العشرة لأنه
بحق لكن الزائد هل نقضيه عنه؟ هذا مشكل لأن صاحب البنك سوف يطالبه بها
غصباً عليه فهل نعطيه أو نقول والله نحن نعطيك الشيء المباح والشيء الحرام
لك أن تقول لصاحب البنك إنه لا حق لك علي إلا رأس مالك.
مسألة: لو أن الإنسان ذهب إلى غريم المدين وأعطاه بدون علمه هل يجزيء؟ نعم
يجزيء لأن الله قال: (وَالْغَارِمِينَ).
مسألة: لو أن الغارم كان ميتاً وليس له
تركه وقُضي دينه من الزكاة يجزيء أو لا؟ لا يجزيء وحكاه ابن عبد البر وأبو
عبيد بن سلام إجماعاً وأنه لا يجزيء لكن حقيقة أن فيه وجهاً في مذهب الإمام
أحمد: أنه يجزيء والراجح عدم الإجزاء لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله
وسلم كانت الزكاة عنده وكان الميت يموت ليس له وفاء ولا يوفيه من الزكاة بل
يعمد إلى ترك الصلاة عليه ولو انكسرت قلوب أهله ولا يدفع من الزكاة ولو كان
دين الميت يجوز دفع الزكاة فيه وأعنى الدين الذي عليه لكان الرسول عليه
الصلاة والسلام أرحم الخلق بالخلق يدفع عنه ويصلي عليه ولما فتح الله عليه
وكثر المال عنده والمغانم صار يقضي الديون عن الأموات ويصلى عليهم.
مسألة: لو أبرأ الإنسان غريمه بنية الزكاة إنسان مثلاً زكاته عشرة آلاف
ريال وله غريم ضعيف مدين بعشرة آلاف ريال وقال: يا فلان إني عفوت عنك
ونواها من الزكاة لا يجزيء قال شيخ الإسلام رحمه الله: بلا نزاع ووجه ذلك
أن الدين بمنزلة الرديء في إخراج الزكاة عن الطيب لأن المال الذي بيدك
تتصرف فيه كما شئت تبرعاً وتصرفاً كل شيء والدين ليس كذلك الدين قد يكون
صاحبه لا يرجى أن يوفي ولا في المستقبل البعيد فيكون هذا كالتالف وأيضاً لا
يمكن للإنسان أن يتصرف فيه كما يتصرف في المال الذي بيده لو أراد أن يبيعه
على أحد ما صح ولو أراد أن يجعله أجرة في سكن ما صح فلذلك لا يجزيء إبراء
الغريم الفقير من الزكاة بل نقول: أعطه من زكاتك إن شاء أوفاك وإن شاء أعطى
غيرك.
القارئ: الصنف السابع: في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان
إذا نشطوا غزوا ويعطون قدر ما يحتاجون إليه لغزوهم من نفقة طريقهم وإقامتهم
وثمن السلاح والخيل إن كانوا فرسانا وما يعطون السائس وحمولتهم إن كانوا
رجالاً مع الغنى لأنهم يأخذون لمصلحة المسلمين ولا يعطى الراتب في الديوان
لأنه يأخذ قدر كفايته من الفيء.
الشيخ: أفادنا المؤلف رحمه الله أنه لا
يجوز أن نشتري سلاحاً للمجاهدين من الزكاة لكن نعطي المجاهد نقول اشترِ
سلاحاً والصواب: أنه يجوز أن نشتري الأسلحة للمجاهدين في سبيل الله ونعطيهم
إياها لكن على سبيل التمليك أم على سبيل العارية وإذا انتهوا ردوها إلى بيت
المال؟ الأقرب الأول على سبيل التمليك لأن عموم قوله: (وَفِي سَبِيلِ
اللَّهِ) يشمل هذا ويحتمل أن يقال إذا اشتريت لهم الأسلحة فإنهم إذا انتهوا
منها يردونها إلى بيت المال لأننا إذا اشتريناها لهم صارت كأنها وقف والوقف
لا يملك إذا كان على وجه عام.
القارئ: وفي الحج روايتان إحداهما: هو من سبيل الله فيعطى من الصدقة ما يحج
به حجة الإسلام أو يعينه فيها مع الفقر لما روي أن رجلاً جعل ناقة له في
سبيل الله فأرادت امرأته الحج
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (اركبيها فإن الحج من سبيل الله)
والثانية: لا يجوز ذلك لأن سبيل الله إذا أطلق إنما يتناول الغزو ولأنه لا
مصلحة للمسلمين في حج الفقير ولا حاجة به إلى إيجاب الحج عليه فلم يدفع
إليه كحج النفل.
الشيخ: الصحيح أنه لا يعطى الفقير لحج فرضه
من الزكاة لأننا نقول: إن الفقير إذا لم يكن عنده ما يحج به فليس عليه فرض
إذ من شرط الوجوب: الاستطاعة وهذا ليس بمستطيع فحج الفقير الذي لا يقدر على
الفريضة كحج النافلة تماماً لأنه حتى الآن لم يجب عليك فإن صح الحديث الذي
ساقه المؤلف فإنه لا شك أنه لابد من القول به لكن الحديث لا يتبين لي صحته
ولكن إن صح فالقول ما دل عليه الحديث وإن لم يصح فإنه لا يعطى الإنسان
الفقير لفرض حجه من الزكاة بل يقال له إنه لا فرض عليك احمد الله على
العافية وهذه مسألة صورتها إنسان عنده ما يكفيه لنفسه وعائلته مثلاً عنده
راتب ثلاثة آلاف وهو ينفق على نفسه وعلى عائلته كل شهر ثلاثة آلاف وليس
بحاجة لكنه لم يؤدِ الفريضة على قول من يقول إنه يعطى نعطيه ما يحج بها
الفريضة خمسة آلاف أو عشرة آلاف الذي يكفيه وعلى القول الثاني: لا نعطيه
وهذا القول هو الصحيح ما لم يصح الحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم فإن صح
فلا كلام.
السائل: هل يلحق بالمجاهدين في سبيل الله طلبة العلم؟
الشيخ: نعم ألحقهم بعض العلماء بالمجاهدين
وقالوا: إذا تفرغ إنسان قادر على التكسب لطلب العلم فإننا نعطيه من الزكاة
وإن كان قوياً جلداً نعطيه من الزكاة من أجل أن نفرغه لطلب العلم لأن طلب
العلم جهاد في سبيل الله إذ أن الدين الإسلامي قام بالعلم والسيف كما قال
الله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا
مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ
وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاس) فقرن
إنزال الحديد بإنزال الكتب يدل على أنهما قرينان في ظهور دين الله عز وجل
وعلى هذا فنقول: إنه إذا وجد طلبة علم قادرون على التكسب يستطيع الإنسان أن
يعمل ويحصل ما تقوم به حياته لكن يريد أن يتفرغ لطلب العلم فهل نعطيه من
الزكاة ليتفرغ لطلب العلم؟ الجواب: نعم نعطيه وهل نشتري من الزكاة كتباً
للمكتبة التي يرتادها طلبة العلم؟ على القول بأنه يجوز أن نشتري أسلحة
للمجاهدين: نعم يجوز أن نشتري كتباً لطلبة العلم أما إذا قلنا إنه لا يجوز
أن نشتري بها أسلحة فلا يجوز أن نشتري بها كتباً.
القارئ: الصنف الثامن ابن السبيل وهو المسافر المنقطع به وله اليسار في
بلده فيعطى من الصدقة ما يبلغه.
الشيخ: سمي ابن سبيل لأنه ملازم للسبيل إلى الآن وهو في طريقه ملازم له
فسمي ابن سبيل كما سمي طير الماء ابن الماء دائماً تكون على البحار والماء
فيسمونه طير الماء.
القارئ: فأما المنشي للسفر من بلده فليس ابن سبيل لأن السبيل الطريق وابنها
الملازم لها الكائن فيها والقاطن في بلده ليس بمسافر ولا له حكم السفر فإن
كان هذا فقيراً أعطي لفقره وإلا فلا، ومن كان سفره لمعصية فهل يدفع إليه
بعد التوبة ما يرجع به؟ على وجهين كما ذكرنا فيمن غرم لمعصية.
الشيخ: لكن هذا يدفع عنه من باب أولى إنسان
مثلاً وجدناها في أثناء الطريق قد سافر والعياذ بالله ليتمتع متعة محرمة في
بلد ما فلما علمنا أنه يريد هذا نصحناه أن اتق الله هذا حرام ولا يجوز
فقال: والله الآن ما معي شيء أرجع به إلى بلدي الآن تبت إلى الله سأرجع لكن
ما عندي مال فهل نعطيه من الزكاة؟ نعم نعطيه هذا أولى من مسألة الرجل إذا
تاب من المعصية لأنه واضح أنه يريد أن يرجع عن بلد المعصية.
السائل: أحسن الله إليك هل يجوز دفع الزكاة لمن أراد الزواج؟ وما حكم من
أخذها ظناً منه أنه تجوز له؟
الشيخ: إذا كان محتاجاً للزواج فلا بأس وليس عنده مهر هذه من أعظم الحاجات.
فصل
القارئ: ولا يدفع إلى واحد منهم أكثر مما تندفع به حاجته فلا يزاد الفقير
والمسكين على ما يغنيهما ولا العامل على أجرته ولا المؤلفة على ما يحصل به
التأليف ولا الغارم والمكاتب على ما يقضي دينهما ولا الغازي على ما يحتاج
إليه لغزوه ولا ابن السبيل على ما يوصله لبلده لأن الدفع لحاجة فوجب أن
يتقيد بها وإن اجتمع في واحد سببان كالغارم الفقير دفع إليه بهما لأن كل
واحد منهما سبب للأخذ فوجب أن يثبت حكمه حيث وجد.
الشيخ: ما قاله المؤلف صحيح هؤلاء
المستحقون للزكاة لا يدفع إليهم إلا بقدر الحاجة فالفقير مثلاً نعطيه ما
يغنيه لكن لم يبين المؤلف رحمه الله حد ما نعطي الفقير وقد بينه الفقهاء
وقالوا: يعطى ما يكفيه وعائلته لمدة سنة وخصوها بالسنة لأن الزكاة تجب كل
سنة لاسيما إذا كان الناس يعتادون أن يدفعوها في أول محرم كما قال المؤلف
فيما مر علينا فيعطى مثلاً ما يكفيه وعائلته إلى سنة ثم نقتصر وقد ذكرت أن
أقرب ما يمكن تمثيله في هذه المسألة رجل موظف راتبه ثلاثة آلاف ولكن لا
يكفيه وعائلته إلا خمسة آلاف فهنا نعطيه أربعة وعشرين ألفاً أما من كان
عنده مال يعني هو غير موظف وليس له مثلاً تجارة يتكسب بها ولا راتب ولا
إجارة عقارات فهذا في الحقيقة ما تستطيع أن تقول هذا يكفى لمدة سنة لماذا؟
لأنه قد يعتريه زيادة الأسعار فيكون عنده مثلاً اثناعشر ألفاً وكل شهر له
ألف لكن زادت الأسعار وصار يحتاج كل شهر ألفين لهذا نقول: أقرب مثال ما
ذكرنا ولا بأس أن نمثل نقول إنسان عنده عشرة آلاف الآن موجودة في صندوقه
تكفيه لمدة سنة نقول: هذا ما نعطيه لأن العشرة تكفيه لمدة سنة فإذا قال:
ربما يحدث علي مرض أحتاج إلى علاج ربما تزيد السلع قلنا: في هذه الحال إذا
جاءت الحاجة أعطيناه وانتهى الإشكال.
فصل
القارئ: وأربعة يأخذون أخذاً مستقراً لا يرجع عليهم بشيء الفقراء والمساكين
والعاملون والمؤلفة.
وأربعة يأخذون أخذاً مراعاً الرقاب والغارمون والغزاة وابن السبيل إن صرفوه
فيما أخذوا له وإلا استرجع منهم.
الشيخ: هؤلاء الأربعة الذين يأخذون أخذاً
مستقراً لو أنه زالت حاجتهم في أثناء السنة فإنهم لا يردون ما أخذوا فلو
أننا أعطينا فقيراً عشرة آلاف ريال بناء على أنه فقير وعشرة آلاف ريال
تكفيه لمدة سنة ثم إن الله أغناه في أثناء السنة وملك عشرات الآلاف هل يرد
ما أعطيناه؟ لايردها لأنه ملكها: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ
وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ)
وأما الغرم فلو أننا أعطينا هذا الرجل ليقضي دينه فلما ذهب بها إلى الدائن
قال الدائن: إني قد أبرأتك هل يردها أو لا؟ نعم يردها لأنه أعطيناه لقضاء
الدين وقد أبريء منه ولو أنه أعطيناه لقضاء الدين وقال غريمه: إني إبرأتك
لكنه محتاج هو نفس الفقير هل يجوز أن يصرف ما أخذه في فقره؟ لا لأنه أخذه
على أنه يقضي به الدين فيجب أن يصرفه في هذا لكن لا بأس أن يقول للذي أعطاه
الزكاة: إني قد برئت من الدين ولكني محتاج وفقير حينئذٍ له أن يقول: خذه لك
لأنه أحياناً الإنسان يقضي الدين عن الفقير ولا يعطيه للفقير لأن الفقير
إذا جاءه المال ولا سيما إن كان كثيراً أفسده لكن إذا قضينا دينه أبرأنا
ذمته وصار حراً طليقاً من الديون فكثيراً ما يختار الإنسان قضاء الدين عن
دفع الحاجة لأنه يعرف أن الفقير إذا أعطي ولاسيما إذا كان مالاً كثيراً لا
يحسن التصرف فيه لكن إذا قضينا دينه انتفع به.
القارئ: وإن فضل مع المكاتب شيء بعد أداء كتابته أو مع الغارم بعد قضاء
غرمه أو مع الغازي بعد غزوه أو مع ابن السبيل بعد وصوله إلى بلده استرجع
منهم فإن استغنوا عن الجميع ردوه وإن عجز المكاتب رجع على سيده بما أخذ لأن
الدفع إليهم لمعنى لم يوجد وقال الخرقي إذا عجز المكاتب ورد في الرق وقد
كان تصدق عليه بشيء فهو لسيده.
وأربعة يأخذون مع الغنى الغازي والعامل
والغارم للإصلاح والمؤلفة لأنهم يأخذون لحاجتنا إليهم والحاجة توجد مع
الغنى وسائرهم لا يعطون إلا مع الفقر لأنهم يأخذون لحاجتهم فيعتبر ذلك فيهم
إلا أن ابن السبيل تعتبر حاجته في مكانه وإن كان له مال في بلده لأنه غير
مقدور عليه فهو كالمعدوم ولا يستحب إعلام الآخذ أنها زكاة إذا كان ظاهره
الاستحقاق لأن فيه كسر قلبه قال أحمد: ولم يبلغه بها يعني: لا يعلمه فإن شك
في استحقاقه أعلمه كما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم الرجلين الجلدين.
الشيخ: هذا صحيح يعني إذا علمت أن الرجل أهل للزكاة لا تخبره لا تقل: هذه
زكاة وإن شككت فأخبره تقول هذه زكاة (ولا تحل لغني ولا لقوي مكتسب) فإذا
قال: إنه ليس بغني فهل يقبل قوله؟ الجواب نعم يقبل قوله ما لم تعرف أنه غير
صادق فإن عرفت أنه غير صادق فلا تقبل وإن لم تعرف فاقبل وإن ترددت فتوقف
حتى تتيقن ويكفي غلبة الظن فلو دفعت إليه تظن أنه من أهل الزكاة ثم تبين لك
أنه ليس من أهلها أجزأت عنك.
باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه
القارئ: وهم ستة أصناف: الكافر لا يجوز الدفع إليه لغير التألف لقول النبي
صلى الله عليه وسلم: (تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) ولأنها مواساة تجب
على المسلم فلا تجب للكافر كالنفقة.
الشيخ: إذاً الكفر مانع من إعطاء الزكاة إلا إذا كان للتأليف.
القارئ: الثاني: المملوك لأن ما يعطاه يكون لسيده ولأن نفقته على سيده فهو
غني بغناه.
الثالث: بنو هاشم لا يعطون منها إلا لغزو أو حمالة لأن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (إنما الصدقة أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد وآل محمد) وسواء
أُعطوا حقهم من الخمس أو منعوه لعموم الخبر ولأن منعهم لشرفهم وشرفهم باقٍ
فينبغي المنع.
الشيخ: وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إنهم
إذا منعوا الخمس واحتاجوا فإنهم يعطون لأنه لابد من دفع حاجتهم ولكن إذا
نظرنا إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنما هي أوساخ الناس) قلنا: لا
فرق بين أن يعطوا من الخمس أو ألا يعطوا وإذا نظرنا إلى أن إعطاءهم ودفع
كفايتهم أمر واجب ماذا نفعل إذا كان الناس لا يتبرعون إلا من الزكاة وهؤلاء
من آل البيت وليس لهم شيء من بيت المال هل يموتون جوعاً؟ هم إما أن يموتوا
جوعاً وإما أن يتكففوا الناس وإما أن يهدي الله أحداً من الناس يعطيهم صدقة
على أن صدقة التطوع أيضاً فيه خلاف هل تحل لهم أو لا؟ وما ذكر الشيخ رحمه
الله هو الأقرب لأنه كوننا نرى هؤلاء يموتون جوعاً وعطشاً وبرداً وحراً ولا
نعطيهم ونقول: أنتم من آل البيت مع أنهم ليس لهم من الخمس شيء هذا فيه نظر
أو نقول: خذوا من الصدقة وقد يتصدق عليهم أو لا يتصدق عليهم.
القارئ: الرابع: مواليهم وهو معتقوهم وحكمهم حكمهم لما روى أبو رافع أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة فقال
لأبي رافع اصحبني كيما نصيب منها فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فسأله فقال: (إنا لا تحل لنا الصدقة وإن مولى القوم منهم) وهذا حديث صحيح
ولأنهم ممن يرثهم بنو هاشم بالتعصيب فحرمت عليهم الصدقة كبني هاشم.
وفي بني المطلب روايتان إحداهما: تحل لهم لأن المنع اختص بآل محمد وهم بنو
هاشم فلا يلحق بهم غيرهم والثاني: يحرم عليهم لقول النبي صلى الله عليه
وسلم: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) رواه البخاري ولأنهم يستحقون
من خمس الخمس فأشبهوا بني هاشم.
الشيخ: والظاهر أنها تحل لهم وأما قول النبي عليه الصلاة والسلام (إنما بنو
هاشم وبنو المطلب شيء واحد) هذا في الخمس لأن بني المطلب ناصروا بني هاشم
ولهذا يقول أبو طالب في قصيدته المشهور
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلاً ... عقوبة شر عاجلاً غير آجل
أما بنو المطلب فكانوا معهم في النصرة
والدفاع فلذلك استحقوا معهم الخمس وصاروا شيئاً واحداً أما الزكاة فلا ولهم
أن يأخذوا منها.
السائل: إذا أوصى الرجل أبناءه ألا يأخذوا من الصدقة وليسوا من بني هاشم هل
نقول أن هذه وصية تنفذ؟
الشيخ: لا ما تنفذ هذا الرجل مات وليس من آل محمد ولهم أن يأخذوا إذا كانوا
من أهل الزكاة ولا يجب عليهم تنفيذ وصيته.
القارئ: الخامس: الغني لا تحل له الزكاة سوى من ذكرنا لقول النبي صلى الله
عليه وسلم: (لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) وقوله (لا تحل الصدقة لغني
ولا لذي مرة سوي) وهذا حديث حسن وفي ضابطه روايتان إحداهما: أنه الكفاية
على الدوام إما بصناعة أو مكسب أو أجرة أو نحوه اختارها ابن الخطاب وابن
شهاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث قبيصة: (فحلت له المسألة حتى
يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش) مدَّ إباحة المسألة إلى حصول الكفاية
ولأن الغنى ضد الحاجة وهي تذهب بالكفاية وتوجد مع عدمها والثانية: أنه
الكفاية أو ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب لما روى ابن مسعود قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم
القيامة خموشاً أو خدوشاً أو كدوحاً في وجه فقيل: يا رسول الله ما الغنى؟
قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب) قال الترمذي: هذا حديث حسن.
فعلى هذه الرواية إن كان له عيال فله أن يأخذ لكل واحد من عياله خمسين، نص
عليه ولو ملك عروضاً تكثر قيمتها لا تقوم بكفايته جاز الأخذ رواية واحدة
وإذا كان للمرأة زوج غني فهي غنية لأن كفايتها واجبة عليه وجوباً متأكدا
فأما من تجب نفقته على نسيبه فله الأخذ من الزكاة.
الشيخ: يعني على قريبه فالنسيب هو القريب.
القارئ: لأن استحقاقه للنفقة مشروط بفقره فيلزم من وجوبها له وجود الفقر
بخلاف نفقة الزوجة ولأن وجوبها بطريق الصلة والمواساة بخلاف غيرها.
الشيخ: ولأنه أيضاً ربما يقول لمن تلزمه
نفقته أعطني ولا يعطيه ويكون في هذا كسر لقلبه وخجل فيعطى من الزكاة ما
يغنيه والصواب أنها ليست مقيدة بخمسين درهماً الصواب أنها مقيدة بالكفاية
فإذا قال قائل الإنسان إذا كان عنده أموال كثيرة وقلنا: إنها تكفيه لسنة
ربما لا تكفيه لسنة ربما يجتاح ماله شيء أو يحتاج إلى إنفاق أو ما أشبه ذلك
فيقال كما قال المؤلف رحمه الله: إما صناعة وإما أجرة وإما اكتساب وفي
وقتنا
هذا في الغالب الوظيفة فإذا قدرنا أن هذا الرجل وظيفته ألفا ريال ونفقته في
الشهر على عياله ثلاثة آلاف ريال فهنا يحتاج اثني عشر ألفاً فيعطى اثناعشر
ألفاً فإن قدر أن المؤنة زادت واحتاج أكثر يعطى وإن قدر أن المؤنة رخصت
وزاد عنده شيء فهو له لأن الفقير يملك ما يعطى ملكاً مستقرا.
القارئ: السادس من تلزمه مؤنته كزوجته ووالديه وإن علوا وأولاده وإن سفلوا
الوارث منهم وغيره ولا يجوز الدفع إليهم لأن في دفعها إليهم إغناءً لهم عن
نفسه فكأنه صرفها إلى نفسه وفيمن يرثه غير عمودي نسبه روايتان إحداهما: لا
يدفع إليه لأن الله تعالى أوجب نفقته عليه بقوله: (وَعَلَى الْوَارِثِ
مِثْلُ ذَلِكَ) والثانية: يجوز لأنه ممن تقبل شهادته له فجاز الدفع إليه
كالأجانب فإن كان محجوباً عن ميراثه أو من ذو الأرحام جاز الدفع إليه وإن
كان شخصان يرث أحدهما صاحبه دون الآخر كالعمة مع ابن أخيها فللموروث دفع
زكاته إلى الوارث لأنه لا يرثه وفي دفع الوارث زكاته إلى مورثه الروايتان
وهل للمرأة دفع زكاتها إلى زوجها؟ على روايتين إحداهما: يجوز لأن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لزينب امرأة ابن مسعود: (زوجك وولدك أحق من تصدقتِ به
عليهم) رواه البخاري ولأنه لا تلزمها نفقته فلم تحرم عليه زكاتها كالأجنبي
والثانية لا يجوز لأنها تنتفع بدفعها إليه لوجوب نفقتها عليه وتبسطها في
ماله عادة فلم يجز دفعها إليه كالولد.
الشيخ: هذا المانع الأخير ينبغي أن يقال:
المدار فيه على منفعة الدافع إذا كان دفعه إلى أقاربه يحفظ ماله بذلك فإنه
لا يجزيء وإذا كان لا يحفظ ماله بذلك فإنه يجزيء وعلى هذا فلو أدى الزكاة
في غرم لأبيه أو ابنه أو زوجته أو زوجه فلا بأس لأنه لا يلزمه أن يقضي
الدين عنهم فإذا كان لا يلزمه وهم محتاجون لقضاء الديون ودفع الزكاة عنهم
فلا حرج أما إذا كان هؤلاء يجب الإنفاق عليهم وليس عندهم شيء ثم دفع الزكاة
إليهم فهذا يوفر ماله بهذا الدفع فلا يحل فيكون المدار في مسألة الأقارب هل
الإنسان في إعطائهم يوفر ماله؟ إن قلنا: نعم قلنا: لا يجزيء وإذا كان لا
يوفر ماله بمعني أنه لا يلزمه أن ينفق عليهم أو يقضي دينهم فحينئذٍ له أن
يدفع إليهم الزكاة في قضاء الدين أو النفقة ولنفرض مثلاً أن امرأةً عندها
حلي تستعمله وتحتاج إليه وفيه زكاة ولها ولد فقير أيجوز أن تعطيه هذه
الزكاة؟ نعم لأنه لا يلزمها أن تنفق عليه ليس عندها إلا هذا الحلي الذي
تحتاجه لنفسها فنفقته ليست واجبة عليها فلها أن تعطيه من الزكاة فالضابط
إذاً إذا كان الإنسان إذا دفعها إلى قريبه يوفر ماله منع وإن كان لا يوفر
ماله فلا بأس، فإذا كان قادراً على الإنفاق فلا يجوز أن يعطيهم للنفقة إذا
كانت تلزمهم نفقته وقضاء الدين لا بأس به ولا فرق بين الزوج والزوجة حتى
الزوجة لها أن تدفع الزكاة إلى زوجها إذا كان فقيراً لأن الزوجة لا يلزمها
أن تنفق على زوجها بكل حال وكونها تعطيه ثم يعود إليها مصلحة منه لا يضر
لأنها سوف تطالب الزوج أن ينفق عليها.
السائل: أحسن الله إليك كبر الولد واستقل عن أبيه في بيته وافتقر والأب
كانت له زكاة فهل يخرجها له أو نقول يجب أن ينفق عليه؟
الشيخ: يجب أن ينفق عليه إذا كان يستطيع أما لو كان الأب عنده عائلة ولا
يستطيع أن ينفق على هذا الابن فله أن يعطيه من زكاته ولو استقل لأنه ليس من
شرط وجوب الإنفاق أن لا يستقل.
السائل: الآن بعض القبائل تنتسب إلى نسب
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهل مثل هؤلاء إذا أخذوا الزكاة على جهل
ولم يدروا أنها لا تجوز لهم ثم تبين لهم هل يضمنون ما أخذوا؟
الشيخ: أولاً الآن ليس فيه خمس فإذا كانوا فقراء فالذي نرى أنه تجوز لهم
الزكاة فعلى هذا القول لا إشكال فيه أما على القول الثاني الذي لا تحل
مطلقاً فيردون ما أخذوا ولو سنين كثيرة لكنه قول ضعيف.
السائل: أحسن الله إليكم هل يلزم للآخذ أن يسأل أهذه من الزكاة أو من
الصدقة؟
الشيخ: لا يلزمه إذا كان من أهل الزكاة وإذا لم يكن من أهل الزكاة لكن ظن
الدافع أنه من أهل الزكاة فليسأل.
فصل
القارئ: ويجوز لكل واحد من هؤلاء الأخذ من صدقة التطوع لأن محمد بن علي كان
يشرب من ساقيات بين مكة والمدينة وقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة.
الشيخ: ويمكن أن يستدل لذلك بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنما هي
أوساخ الناس) لأن الذي فيه التنظيف الصدقة الواجبة كما قال تعالي: (خُذْ
مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) يعني قد
يؤخذ من هذا وكثير من العلماء يقول: إنه لا تحل لهم الصدقة الواجبة ولا
المستحبة وهذا الأثر المروي عن محمد بن علي ينظر أولاً في صحته فإن صح فهو
رأي كرأي غيره من العلماء وإن لم يصح فالأمر واضح على أن هؤلاء لا يمنعون
من الشرب من السقايات ونحوها لأنهم لا يُملِّكونها والمقصود الصدقة التي
يُملِّكونها أما هذا فهو يشرب كما يشرب الناس ويمشي فهو لم يختص بها ولم
يتملكها يعني حتى لو قلنا: بأن صدقة التطوع محرمة على آل البيت فإن مثل هذا
لا يحرم عليهم وذلك لأنهم لا يملكونه.
مسألة: من المهم فيما سبق أننا عرفنا
الأصناف الثمانية التي فرض الله لهم الصدقة فأيُّ إنسان يقول عن شخص وهو من
الأصناف الثمانية يقول عنه: لا يجزيء دفع الزكاة إليه نقول: عليك الدليل،
فمثلاً إذا قال: الوالد لا يجوز دفع الزكاة إليه والوالدة لا يجوز والأخ لا
يجوز وهو ممن اتصف بواحد من الأوصاف الثمانية نقول له: عليك الدليل، هذا هو
الأصل ومن ثم سبق لنا أنه يجوز للإنسان أن يدفع زكاته إلى والده في قضاء
الدين أو إذا كان لا يستطيع أن ينفق عليه لأن ماله قليل لا يستطيع أن ينفق
على أبيه لكن عنده زكاة وأبوه فقير يعطى حتى وإن لم يكن في قضاء الدين
فالعبرة بما لو وفّر ماله في الزكاة عليهم هذه القاعدة اعرفوها والدليل في
هذا واضح: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) فإذا قال: لا تعطي أباك
وهو فقير نقول له: هو أدرى هذا فقير مستحق بكتاب الله وهلم جرا.
ويتبين مما سبق أن ما قاله المؤلف هو الظاهر وأن المحرم على آل البيت هي
الصدقة المفروضة لقوله صلى الله عليه وسلم (إنما هي أوساخ الناس) وقال الله
عز وجل: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) فإذا كانت
الصدقة تطهر فمعلوم أن الماء الذي يطهر به سوف يتأثر من الوسخ وعلى هذا
فالقول الراجح في هذه المسألة أنه لا يحرم على آل البيت إلا صدقة الفريضة
فقط أما النافلة فلا بأس.
القارئ: ويجوز لفقراء ذوي القربى الأخذ من
وصايا الفقراء والنذور لأنها صدقة تطوع بها وفي أخذهم من الكفارة وجهان
وعنه: منعهم من صدقة التطوع لعموم الخبر والأول أظهر فإن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (كل معروف صدقة) حديث صحيح ويجوز اصطناع المعروف إليهم وروى
أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تحل الصدقة لغني إلا
لخمسة لغازٍ في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل ابتاعها بماله
أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين إلى الغني) رواه
أبو داود ولو أهدى المسكين مما تصدق به عليه إلى الهاشمي حل له لأن النبي
صلى الله عليه وسلم (أكل مما تصدق به على بريرة وقال: إنها قد بلغت محلها).
الشيخ: كل من أخذ مالاً بحق فله أن يدفعه إلى غيره بحق وإن كان هذا الثاني
لا يحل أن يأخذه بالسبب الذي أخذه الأول فالنبي صلى الله عليه وسلم لا تحل
له الصدقة لا التطوع ولا الواجبة لكنه أكل من الصدقة التي بذلت إلى بريرة
لأن بريرة أخذتها بحق ثم أخذها الرسول بحق مع أن الرسول لو أخذها بالسبب
الذي أخذته بريرة لم تحل له لكن هذه قاعدة مفيدة أن من أخذ مالاً بحق ثم
دفعه إلى آخر بحق حل للثاني وإن كان الثاني لو أخذه بالسبب الأول لم يحل
وأما أخذه من الكفارة فيه شيء عندي يعني الوجه الثاني الذي ذكره المؤلف قد
يكون أقرب إلى الصواب لأن الكفارة واجبة تشبه الصدقة فهي إلى الزكاة أقرب
من الصدقة.
فصل
القارئ: وإذا دفع رب المال الصدقة إلى غني
يظنه فقيرا ففيه روايتان إحداهما: لا يجزئه لأنه دفعها إلى غير مستحقها
فأشبه دفع الدين إلى غير صاحبه والثانية: يجزئه لأن النبي صلى الله عليه
وسلم اكتفي بالظاهر لقوله للرجلين (إن شئتما أعطيتكما منها ولاحظ فيها
لغني) وهذا يدل على أنه يجزيء ولأن الغنى يخفى فاعتبار حقيقته يشق ولهذا
قال الله تعالى: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ)
وإن بان كافر أو عبداً أو هاشميا لم تجزئه رواية وحدة لأن حال هؤلاء لا
تخفى فلم يعذر الدافع إليهم بخلاف الغني.
الشيخ: هذا الفصل معناه إذا دفع الإنسان
الزكاة إلى من ظنه أنه من أهلها وتبين أنه ليس من أهلها فإنها لا تجزئه مثل
ظن أن هذا ابن سبيل وهو ليس كذلك ظنه حراً فبان عبداً وما أشبه ذلك فإنها
لا تجزئه إلا إذا دفعها إلى غني يظنه فقيراً فإنها تجزيء الدليل استدل
المؤلف رحمه الله بما لا دلالة فيه استدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال
للرجلين الجلدين: (إن شئتما أعطيتكما ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب)
فأعطاهما فهل بان أنهما كانا قويين أو غنيين؟ لا إذاً لا يتم الاستدلال لكن
هناك دليل واضح وهي قصة الرجل الذي حدَّث عنه النبي عليه الصلاة والسلام
أنه خرج ذات يوم ليتصدق فتصدق فوقعت في يد سارق فأصبح الناس يتحدثون
تُصدِّق الليلة على سارق فقال: الحمد لله على سارق ثم خرج الليلة الثانية
فوضع صدقته في يد بغي يعني زانية والعياذ بالله فأصبح الناس يتحدثون
تُصدِّق الليلة على زانية فقال: الحمد لله على زانية ثم خرج الليلة الثالثة
فتصدق فوقعت صدقته في يد غني فأصبح الناس يتحدثون فقال: الحمد لله سارق
وزانية وغني وهو يريد أن تقع في يد فقير متعفف فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت
ممن تصدقت عليهم أما السارق فلعله يستغني مما تعطيه وكذلك الزانية تتعفف
وكذلك الغني يعتبر فيتصدق لأن نيته طيبة فربما تفيد، هذا واضح أنه إذا أعطى
زكاته إلى غني يظنه فقراً فإنها تجزيء بقينا إذا أعطاها لغير الغني ممن تحل
لهم الزكاة فبان بخلافه يقول المؤلف: إنها لا تجزيء أعطى عبداً وهو فقير
يظنه حراً فتبين أنه عبد يقول لا تجزيء ماذا يصنع؟ يأخذها من العبد وإذا
العبد أبى فيضمنها للفقراء وهذه تذهب عليه وإذا أعطاها لكافر يظنه مسلماً
ثم تبين أنه كافر والكافر لا تحل له الزكاة إلا في حال واحدة وهي التأليف
فلو تبين أنه كافر لا تجزئه ماذا يصنع؟ يسترجعها منه ولو أبى فإنه يضمنها
للفقراء ويطالب الكافر يوم القيامة وإذا أعطاها شخصاً من سائر الناس وتبين
أنه
هاشمي والهاشمي من آل البيت وآل البيت لا
تصح دفع الزكاة إليهم فماذا يصنع؟ نقول: إنها لا تجزيء استرجعها منه فإن
أبى فعليك الضمان وعلَّل المؤلف رحمه الله بعلة عليلة قال: لأن حال هؤلاء
لا تخفى فلم يعذر الدافع إليهم بخلاف الغني هذا في الواقع فيه نظر ما الذي
يعلمنا أن هذا الرجل الذي عليه ثياب متقشفة وظاهر عليه البؤس ما أدري هل هو
عبد أو حر ما الذي يعلمنا؟ كذلك أيضاً الكافر فالبلد فيه عمالة كثيرة عمال
كثيرون كثير منهم كافر فخرجت بزكاتي وأعطيت هذا الرجل لأني تبين لي حسب ظني
أنه مسلم ثم تبين أنه كافر ألا تخفي حاله؟ بلى ولذلك
يسأل كثير من الناس يقول هل أسلّم على كل من لقيت من هؤلاء العمال وأنا لا
أدري أمسلم هو أو كافر؟ فالحال تخفى كذلك أشد من هذا الهاشمي ألا تخفى
حاله؟ أين الرجل الذي يعرف أنساب الناس ثم أين الرجل الذي يعرف أن هذا من
بني هاشم فإذا أعطيت رجلاً في المسجد على أنه فقير وهو فقير لكنه من بنى
هاشم وبنو هاشم لا تحل لهم الصدقة ثم تبين لي أن هذا الرجل من بني هاشم
نقول ما تجزيء والصواب أن الزكاة تجزيء إذا دفعها إلى من يظنه أهلاً بعد
التحري عند الشك فإذا غلب على ظنه أن هذا من أهلها فأعطاها أجزأت سواء كان
المانع من إعطائه الغنى أو غيره هذا هو الصحيح لأن القياس هنا جلي واضح إذ
لا فرق بين شخص غني تظنه فقيراً وبين شخص تظنه ليس من أهل البيت فيتبين أنه
من آل البيت لا فرق فالقياس هنا جلي فإذا دلت السنة على أنه إذا تصدق على
غني يظنه فقيراً فتبين أنه غني فالصدقة مقبولة فكذلك بقية الأصناف.
فصل
القارئ: وإذا تولى الرجل إخراج زكاته استحب أن يبدأ بأقاربه الذين يجوز
الدفع إليهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقتك على ذي القرابة صدقة
وصلة) رواه الترمذي والنسائي ويخص ذوي الحاجة لأنهم أحق ومن مات وعليه دين
وزكاة لا تتسع تركته لهما قسمت بينهما بحصصهما لأنهما تساويا في الوجوب
فتساويا في القضاء.
الشيخ: المسألة الأولى واضحة أنه إذا كان
أقاربه من أهل الزكاة فهم أولى من غيرهم لأن صدقته عليهم صدقة وصله.
المسألة الثانية رجل مات وعليه زكاة ودين عليه مثلاً ألف ريال زكاة وألف
ريال دين ولم يخلف إلا ألف ريال فماذا نصنع؟ يقول المؤلف: إنها تقسم بين
الزكاة وبين الدين والمثال الذي ذكرنا تقسم نصفين خمسمائة تُعطى للزكاة في
أهل الزكاة وخمسمائة تعطى في الدين وهذا الذي ذكره رحمه الله هو الأولى
وقال بعض العلماء: يقدم حق الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقضوا
الله فالله أحق بالوفاء) وبعضهم قال: يقدم الدين لأنه حق أدمي وحق الآدمي
مبني على المشاحة فيقدم ولا أدرى أفيها قول آخر أن السابق منهما يقدم كما
لو كان الدين قد حل قبل وجوب الزكاة أو لا؟ إن كان أحد قد قال بذلك: فهذا
قول رابع وأقرب الأقوال ما مشى عليه المؤلف رحمه الله أنه يقسم بينهما لأن
كلاً منهما دين ثابت في ذمة هذا الميت فتساويا وأما قوله صلى الله عليه
وسلم: (اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) فالمعنى أنه إذا كان يقضى دين الآدمي
فدين الله أولى بالقضاء وليس فيه ذكر التزاحم وكلامنا الآن في مسألة
التزاحم.
السائل: هل يجوز للغني أن يشتري زكاته من الفقير الذي أعطاه الزكاة؟
الشيخ: لا، لا يجوز فقد حمل عمر بن الخطاب على فرس له فأضاعه الذي أعطاه
إياه فأراد عمر أن يشتريه فاستفتى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال:
(لا تأخذه وإن أعطاك بدرهم لا تعد في صدقتك فإن العائد في صدقته كالكلب
يقيء ثم يعود في قيئه) والتعليل أن هذا الفقير إذا كانت الشاة التي دفعتها
إليه تساوي مائة سوف يبيعها عليه بثمانين كي يعطيه في العام القادم لأنه
حاباه بها.
السائل: بارك الله فيك الصدقة على المدين بقدر دينه ألا يدخل في شراء
الصدقة وهو لم يشترط عليه قضاء الدين؟
الشيخ: ما في مانع أبرأ ذمته ولا يدخل في
باب الشراء لأن ما فيه محاباة هنا صاحب المال أبرأ ذمة هذا الرجل والرجل
الذي أخذها يمكن أن يعطيها غيره لأنه ما قال ردها عليّ.
باب صدقة التطوع
القارئ: وهي مستحبة لقول الله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ
قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً).
الشيخ: اليهود عليهم لعائن الله إلى يوم القيامة لما نزلت هذه الآية قالوا
للنبي عليه الصلاة والسلام: إن ربك افتقر وليس بغريب عليهم بأن يسبوا الله
ويسبوا رسوله هم آذوا موسى وسبوه وآذوا الله عز وجل وسبوا الله فيقال:
قاتلكم الله أنى تؤفكون هل الدرهم التي أنت تتصدق بها هل تصل إلى الله أو
إلى المخلوق؟ تصل إلى المخلوق لكن لكرم الله عز وجل جعل هذا كالقرض الذي
يكون لزاماً عليه أن يثيب عليه ومعروف أن الإنسان إذا استقرض من آخر فإن
لزاماً عليه أن يوفيه فجعل الله الصدقة التي ابتغى بها وجه الله جعلها
كأنها استقراض لأبد من إيفائه وهذا من كرمه والعجب أنه هو الذي منَّ بالمال
ثم يمن بالثواب عليه وهو الذي قال: (هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا
الْأِحْسَانُ) إحساننا نحن من الله عز وجل هو الذي منَّ علينا به وأحسن
علينا به ومع ذلك يقول: (هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ)
وهذا من كمال كرمه سبحانه وتعالى.
القارئ: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله
تعالى يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل
الجبل) متفق عليه.
الشيخ: لفظ الحديث (من تصدق بعدل تمرة من طيب) لكن الذين ينقلونها من
الأصول يقولون من كسب طيب والأصول فيها من طيب وهو أعم لأن من طيب يشمل ما
طاب كسباً وعيناً فهو أعم وقوله
صلى الله عليه وسلم: (ولا يصعد إلى الله
إلا الطيب) وجاء في القرآن: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).
القارئ: وصدقة السر أفضل لقول الله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ
فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ
خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن صلة الرحم
تزيد في العمر وصدقة السر تطفيء غضب الرب) رواه الترمذي وقال: حديث حسن
غريب.
الشيخ: المؤلف رحمه الله يقول: إن صدقة السر أفضل ولا شك أنها أفضل لأن
فيها فائدتين عظيمتين لا تحصلان في صدقة الجهر:
الفائدة الأولى: أنها أقرب إلى الإخلاص
والفائدة الثانية: أبعد عن كسر قلب المعطى لأنك إذا تصدقت على شخص أمام
الناس انكسر قلبه فهاتان الفائدتان لا توجدان في صدقة العلانية وإنما
توجدان في صدقة السر ولكن إذا دعي إلى الصدقة على سبيل العموم وتصدق
الإنسان مثل أن يقوم شخص يجمع للمجاهدين في سبيل الله أو لفقراء في بلد ما
فهل الأفضل أن تكون سراً أو تكون علناً؟ الثاني أفضل وهنا بالنسبة لكسر قلب
المعطى لا ينكسر قلبه لأن هذه الصدقة لا تعطى لشخص معين أمام الناس لكن
يبقى المصارعة الآن بين إعطائها سراً لأنه أشد إخلاصاً وبين إعطائها جهراً
فنقول في هذه الحال إعطاؤها جهراً أفضل وذلك من أجل أن يُقتدى بالإنسان
ولهذا لما جاء الأنصاري بِصُرةٍ معه حين دعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى
الصدقة أتى بصرة كثيرة فأخذها النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (من سن في
الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) فإذا كان
إعطاؤك الصدقة جهراً يحصل به الاقتداء وأن الناس يتسارعون إلى ذلك صارت هنا
أفضل من السر حينئذٍ نقول الصدقة سراً أفضل ما لم يكن هناك مصلحة فالعلانية
أفضل ولهذا مدح الله الذين ينفقون أموالهم سراً وعلانية ولم يذكر المؤلف
رحمه الله ما ثبت في الصحيح من (أن سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا
ظله إمام عادل وشاب نشأ في طاعة الله ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا
في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني
أخاف الله ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى
لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) الشاهد في الأخير (أخفاها حتى لا تعلم شماله
ما تنفق يمينه) هذا ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
القارئ: والأفضل الصدقة على ذي الرحم للخبر.
الشيخ: الخبر هو (أن صلة الرحم تزيد في
العمر) وهذا الحديث وأشباهه مما أشكل على بعض أهل العلم وقال كيف تزيد
الصلة في العمر والعمر محدد (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا
يُؤَخَّرُ) فكيف تزيد فيه فيقال: هذا لا إشكال فيه والحمد لله هذا جاء في
القرآن وجاء في السنة قال نوح لقومه: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ
وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى
أَجَلٍ مُسَمّىً) فجعل ذلك من أسباب تأخيرهم إلى أجل مسمى وقال: (إِنَّ
أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ) ولا تناقض بين هذا وما قبله يعنى
أن أجل الله إذا جاء بالعذاب لا يؤخر لكن إذا رجعتم إلى الله واستغفرتم
الله قبل ذلك أخركم إلى أجل مسمى وكذلك (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ
له في أثره فليصل رحمه) نقول لا تناقض والحمد لله لأن هذا الذي قاله الرسول
عليه الصلاة والسلام من باب الحث على صلة الرحم وإذا كان الله قد قدر
للإنسان أجلاً مسمى مبنياً على صلة الرحم فسوف تكون صلة الرحم وسوف يكون
تأخير الأجل لأن القدر سر مكتوم لا نعلمه فمثلاً إذا وفق الإنسان وقبل هذا
الحديث ووصل رحمه علمنا أن الله تعالى جعل له سبباً يكون به سعة الرزق وطول
العمر وإذا لم يوفق علمنا أن الله تعالى قد أنقص عمره لأنه لم يوفق لذلك
فهو قد كتب لا الذي وصل وزاد ولا الذي قطع ونقص عمره (وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ
مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَاب) فعندي أن
المسألة ما فيها إشكال حتى أننا نقول: من أراد أن يكون له أولاد فليتزوج
ممكن نقول هكذا ولا لا؟ نعم نقول هذا وإذا قدر أن يتزوج علمنا أن الله قدر
له أولاد لأنه سبب وجد فلا إشكال في قوله (صلة الرحم تزيد في العمر) وأما
محاولة بعض العلماء أن يقول المراد بالزيادة هنا البركة فلاشك أن البركة
فيها زيادة لكن ليست هي المرادة في الحديث.
القارئ: ولقول الله تعالى: (أَوْ إِطْعَامٌ
فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ) والصدقة في أوقات
الحاجة أكثر ثوابا للآية.
الشيخ: (فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) معنى المسغبة: المجاعة (يَتِيماً ذَا
مَقْرَبَةٍ) جمع وصفين اليتم والقرابة كأولاد الأخ مثلاً فأولاد الأخ إذا
مات أبوهم وهم صغار فهم أيتام وذوو مقربة.
القارئ: وكذلك على من اشتدت حاجته ولقول الله تعالى: (أَوْ مِسْكِيناً ذَا
مَتْرَبَةٍ).
الشيخ: إذا اجتمع فضيلة الوقت وحاجة الفقير يقدم حاجة الفقير فمثلاً إذا
كان عند الإنسان زكاة وقدر أن الناس أصيبوا بمسبغة قبل حلول أجلها وكان أجل
الزكاة عنده في رمضان وهو وقت فاضل ومحل للصدقة لكن اشتدت حاجة الفقراء قبل
رمضان فالأفضل أن نبادر وأن ندفع حاجة الفقراء ولدينا قاعدة تشير إلى هذا
إذا اجتمع في العبادة فضيلة تتعلق بمكانها أو زمانها أو في نفس العبادة
فأولى بالمراعاة ما يتعلق بنفس العبادة ولهذا أمثلة قال العلماء الرمل في
طواف القدوم أولى من الدنو من الكعبة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا
صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) فلو تعارض عند الإنسان أن يصلي
الصلاة في أول وقتها لكن مع مدافعة الأخبثين أو أن يؤخرها وتزول المدافعة
قلنا أخر.
القارئ: والصدقة في الأوقات الشريفة كرمضان وفي الأماكن الشريفة تضاعف كما
يضاعف غيرها من الحسنات والنفقة في سبيل الله تضاعف سبعمائة ضعف لقول الله
تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ
مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ).
الشيخ: الصواب أن التضعيف إلى سبعمائة عام
في كل الطاعات كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن عمل حسنة فإنه
يكتب له عشرة حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ولكن لا شك أن الإنفاق
في سبيل الله أفضل من الإنفاق في غيره والصدقة في رمضان أفضل من الصدقة في
غيره والصدقة في الأماكن الفاضلة كمكة والمدينة أفضل ولهذا عند الفقهاء
قاعدة تضاعف الحسنات والسيئات في زمان أو مكان فاضل وتضاعف السيئات
بالكيفية ما هو بالعدد فالسيئة ما يمكن أن تُجزى بأكثر من سيئة لكن الفرق
بالكيفية كلنا يعلم الفرق بين الضرب الشديد والضرب الخفيف.
فصل
القارئ: ومن عليه دين لا يجوز أن يتصدق صدقة تمنع قضاءه لأنه واجب (فلم
يجز) تركه.
الشيخ: عندي في المخطوط (فلا يجوز) نسخة، وهذا واضح يعني إنسان مثلاً عليه
دين والدين هذا حال وتصدق نقول: لا تتصدق اقض الدين قال: أنا سأتصدق بعشرة
ريالات وأنا علي عشرة آلاف وسأتصدق بعشرة ريالات فقط ماذا نقول له؟ العشرة
ريالات هذه اعطها الدائن ويبقى عليك عشرة آلاف إلا عشرة ريالات والمرة
الثانية كذلك وكما قال العوام: قطرة مع قطرة تأتي غديراً أو وداياً ففي هذا
الشهر عندك عشرة تتصدق بها والشهر الثاني عشرة تتصدق بها أما إذا كان الدين
مؤجلاً وإذا حل وعندك ما يوفيه فتصدق ولا حرج لأنك قادر وكذلك نفقة العيال
فهي مقدمة على الصدقة ومن نعمة الله سبحانه وتعالى أن إنفاقك على أولادك
صدقة بل إنفاقك على نفسك صدقة كما ثبت عن النبي صلي عليه الصلاة والسلام
وهذه من سعة رحمة الله فالإنسان يقضي شيئاً واجباً عليه ومع ذلك يثاب ثواب
الصدقة الواجبة لأن إنفاقك على نفسك وأولادك واجب.
القارئ: ولا يجوز تقديمها على نفقة العيال
لأنها واجبة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثما أن يضيع
من يقوت) رواه أبو داود وروى أبو هريرة قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم
بالصدقة فقام رجل فقال: يا رسول الله عندي دينار قال: (تصدق به على نفسك
قال: عندي آخر قال: تصدق به على ولدك قال: عندي آخر قال: تصدق به على زوجك
قال: عندي آخر قال: تصدق به على خادمك قال: عندي آخر قال: أنت أبصر) رواه
أبو داود.
الشيخ: وهذا واضح أن الواجب البداءة بالواجب وأول ما واجب عليك نفسك ابدا
بنفسك ثم بمن تعول ولكن قد تكون هناك أحوال تطرأ يكون تقديم غير أهلك أمراً
مؤكداً كدفع ضرورة جائع سيموت مثلاً.
إذا أنقذته بطعام وأهلك لا يموتون لو لم تطعهم الآن هنا نقدم الجائع ندفع
ضرورته.
القارئ: فإن وافقه عياله على الإيثار فهو أفضل لقول الله تعالى:
(وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ).
الشيخ: هذا وصف الأنصار رضي الله عنهم: (وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ
وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا
يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا) يعني لا يجدون في
صدورهم حاجة على المهاجرين مما آتاهم الله من فضل الهجرة والنصرة لأنه ما
عندهم حسد: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ
خَصَاصَةٌ)
القارئ: وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(أفضل الصدقة جهد من مقل إلى فقير في السر) رواه أبو داود ومن أراد الصدقة
بكل ماله وكان يعلم من نفسه حسن التوكل وقوة اليقين والصبر عن المسألة أو
كان له مكسب يقوم به وذلك أفضل له وأولى به لأن أبا بكر الصديق رضي الله
عنه تصدق بكل ماله فروي عن عمر أنه قال: أمرنا رسول الله صلي الله عليه
وسلم أن نتصدق فوافق مالاً عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً
فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قلت:
أبقيت لهم مثله فأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ فقال: الله ورسوله فقلت لا أسابقك إلى شيء ابداً)
وإن لم يثق من نفسه بهذا كره له لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس خير الصدقة ما
كان عن ظهر غني) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد: (إنك أن تدع أهلك
أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس) متفق عليه ويكره لمن لا صبر له
على الإضاقة أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة.
الشيخ: كل هذا صحيح لأن البداءة بالنفس أولى ثم بمن توجب مؤنتهم ثم
بالأجانب.
السائل: بعض الناس أحياناً يكون عليه دين ويكون لقريب أو صديق ولو تأخر عنه
لما لامه ثم يقول إنه يحرج في بعض المواقف إلى أن يتصدق؟
الشيخ: ليست المسألة أن صاحب الدين يرضى أو يوافق لأن المسألة ذمتك وإلا
كثير من الناس يستسلف من أخيه أو صديقه أو ما أشبه ذلك ويعلم أنه لا يهمه
لو مكث عشرة سنين لكن العلة هي براءة الذمة لكن قد يقال: إنه إذا صار موقف
حرج مثل ما قلت فربما يقال: إنه لا بأس به لأسيما إذا صار قريباً.
السائل: توفي شخص عن دين وتعهد آخر بسداده لصاحبه هل تبرأ ذمة الميت بذلك؟
الشيخ: هذه فيها خلاف وقصة أبي قتادة رضي
الله عنه لما تحمل الدينارين تقدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصلى
على الميت قالوا: وصلاته عليه يدل على أنه برئت ذمته لكن في بعض روايات
الحديث كان الرسول يسأل أبا قتادة حتى قال: (أديتهما قال: الآن بردت عليه
جلدته) فهذا يدل على أنه لا يبرأ
الميت منها براءة تامة حتى تقضى وذلك لأن الضامن قد يماطل وربما يعسر
والأصل أن وجوب الدين على الميت ولو تعهد خطياً أو بشهود أو برضاء صاحب
الدين.
|