تعليقات
ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة باب الخيار في البيع
القارئ: وهو على ضربين.
الشيخ: الخيار أسم مصدر اختار يختار اختياراً هذا المصدر والخيار اسم مصدر
اختار وهو الأخذ بخير الأمرين في نظره هذا الخيار يقال اخترت كذا أي أخذت
بخير الأمرين فيما أرى وذكر المؤلف رحمه الله أنه على ضربين
القارئ: أحدهما خيار المجلس فلكل واحد من المتبايعين الخيار في فسخ البيع
ما لم يتفرقا بأبدانهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم (البيعان بالخيار ما
لم يتفرقا) متفق عليه والتفرق أن يمشي أحدهما عن صاحبه بحيث إذا كلمه
الكلام المعتاد في المجلس لا يسمعه لأن ابن عمر كان إذا بايع رجلاً فأراد
أن لا يقيله مشى هنيهة ثم رجع وهو راوي الحديث وأعلم بمعناه ولأن الشرع ورد
بالتفرق مطلقا فوجب أن يحمل على التفرق المعهود وهو يحصل بما ذكرناه.
الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله إن
المتابيعين إذا تبايعا فكل واحد منهما بالخيار مادام لم يتفرقا بأبدانهما
وإنما نص على قوله (بأبدانهما) إشارة إلى قول من يرى أن المراد بالتفرق
التفرق بالأقوال بمعنى أن البائع لما قال بعت عليك قال المشتري قبلت فهنا
لا خيار لكن لو قال بعت ثم قال والله أنا رجعت فهذا الخيار وإلى هذا ذهب
بعض أهل العلم لكنه قول ضعيف جداً لأنه إذا حصل عدم القبول لم يكن هناك بيع
إذ أن البيع لابد فيه من إيجاب وقبول فحمل الحديث على أن المراد به التفرق
بالأقوال ضعيف جداً ولهذا جاء في لفظ الحديث (وكانا جميعاً) إشارة إلى أن
المراد مجتمعين في المكان ولكن يبقى فعل ابن عمر رضي الله عنه كونه إذا باع
شيئاً أو إذا اشترى شيئاً قام وأنصرف خطوات حتى لا يسمع صوت صاحبه من أجل
ألا يكون له الخيار فهل هذا جائز؟ الصحيح أنه ليس بجائز وأن فعل ابن عمر
رضي الله عنه من جملة ما خالف فيه النص وليس غريباً أن يخطئ الإنسان في
رأيه أو يهم في حفظه فمثلاً ابن عمر رضي الله عنه وهم في قوله إن الرسول
عليه الصلاة والسلام أعتمر في رجب كما ذكرت ذلك عائشة رضي الله عنها وقالت
وهم أبو عبد الرحمن وكذلك أيضاً في كونه إذا حج أو أعتمر قبض على لحيته وقص
ما زاد على القبضة مع أنه هو راوي الحديث فالأول خطأ في الحفظ والثاني خطأ
في الفهم وهذا أيضاً وإن كان لا أدري هل روى (ولا يحل له أن يفارقه خشية أن
يستقيله) كما جاء في الحديث لكنه رضي الله عنه في فعله نظر لأن هذا يتضمن
إسقاط حق أخيه بلا مقصود شرعي سوى الإسقاط فإن قيامه إلى مكان ما حتى يسقط
الخيار ليس له فيه مقصود شرعي وما المقصود به إسقاط الخيار وهذا حق لأخيه
البائع أو المشتري فالصواب أنه لا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله وأما
قوله رحمه الله (وهو راوي الحديث وأعلم بمعناه) فهذه جملة ترد كثيراً من
العلماء فيجاب عن ذلك أن راوي الحديث قد يخطئ في المعنى لكنه أراد بقوله
(أعلم بمعناه) أراد بقوله أنه فسره بأن
المراد بالتفرق هنا التفرق بالأبدان هذا الذي أراده المؤلف رحمه الله وهذا
حق أن المراد بالحديث ما لم يتفرقا بأبدانهما.
القارئ: فإن لم يتفرقا بل بُني بينهما حاجز أو أرخي بينهما ستر أو نحوه أو
ناما أو قاما عن مجلسهما فمشيا معاً فهما على خيارهما لأنهما لما يتفرقا.
الشيخ: هذه من الأشياء التي يلفظها الفقهاء رحمهم الله وإن كانت قليلة
الوقوع يقول المؤلف (بني بينهما حاجز) مثاله إذا كان البائع على يمين
المشتري فقال له بعتك كذا بكذا ثم جاء شخص وبنى حاجزاً بينهما فهل يبقيان
على الخيار؟ الجواب نعم لأن هذا الحاجز كرجل جلس بينهما مع أن هذا نادر لكن
في تصوير المسألة ما في مانع ثم قال (أو أرخي بينهما ستر) هذه أقرب إمكاناً
من الأول ثم قال (أو ناما) يعني أن لهما زمان لم يناما فقال البائع بعتك
عليك وقال المشتري قبلت ثم صارت رؤوسهما على صدورهما فناما نقول على كل حال
المسألة فرضية وإلا كيف سيبيع ويشتري يناما من حين ما أوجبا العقد لكن كما
قلنا الفقهاء رحمهم الله لا يريدون أن يبقى صورة في مخيلة الإنسان إلا
ذكروها من باب التمرين والتطبيق ثم قال (أو قاما عن مجلسهما فمشيا معاً)
هذا واضح وهذا كثيراً ما يقع مثلاً البائع والمشتري تبايع في هذا
المكان وقاما جميعاً من المكان ومشيا جميعاً نقول لا زالا على خيارهما
لعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ما لم يتفرقا) وإذا قدرنا أنهما في
سيارة أو في طائرة قد تبقى عشرة ساعات في الجو فإن الخيار باق وحينئذ يقال
إذا شئتما ألا يبقى فقولا لا خيار بيننا وإذا قالا لا خيار بيننا انتهى
الخيار يعني إذا خفت أن يطول المجلس وأن صحابك يندم على العقد ويفسخ فالحمد
الله الأمر واسع قل لا خيار بيننا.
القارئ: وإن فر أحدهما من صاحبه بطل
خيارهما لأن ابن عمر كان يفارق صاحبه بغير أمره ولأن الرضى في الفرقة غير
معتبر كما لا يعتبر الرضى في الفسخ وإن أكرها على التفرق ففيه وجهان أحدهما
يبطل الخيار لأنه لا يعتبر الرضى من أحد الجانبين فكذلك منهما والثاني لا
يبطل لأنه معنى يلزم به البيع فلا يلزم به مع الإكراه كالتخاير فعلى هذا
يكون الخيار لهما في المجلس الذي زال عنهما الإكراه فيه حتى يفارقاه فإن
أكره أحدهما بطل خيار الآخر كما لو هرب منه وللمكره الخيار في أحد
والوجهين.
الشيخ: مثل هذه الحالة يحسن إذا رأيا أنهما سيكرهان يحسن أن يقطع الخيار
لأن كونه يبقى على خياره إلى أن يفترقا من المجلس الذي زال فيه الإكراه قد
يكون في مضرة ومشقة قد يكرهان على التفرق لمدة يوم أو يومين أو أكثر فمثل
هذا ينبغي إذا حصل الإكراه أن يقول بعضهما لبعض لا خيار ويسقط الخيار.
السائل: المبايعة عن طريق التلفون متى ينتهي فيها الخيار؟
الشيخ: الظاهر أن المبايعة بالتلفون بمجرد الإيجاب والقبول ينتهي لأنهما
ليسا في مجلس الآن فكل واحد في مكان.
فصل
القارئ: فإن تبايعا على أن لا خيار بينهما أو قالا بعد البيع اخترنا إمضاء
العقد أو أجزنا العقد ففيه روايتان إحداهما هما على خيارهما لعموم الخبر
والثانية لا خيار لهما لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال البيعان
بالخيار ما لم يتفرقا أو يخير أحدهما صاحبه فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا
على ذلك فقد وجب البيع).
الشيخ: عجيب من المؤلف رحمه الله أن يقول لعموم الخبر مع أن الخبر الثاني
في الصحيحين ثم يعبر عن الخبر الثاني بقوله (لما روي) والصواب بلا شك أنه
يسقط الخيار لهذا الحديث والحديث في الصحيحين.
القارئ: وفي لفظ (المتبايعان بالخيار ما لم
يتفرقا إلا أن يكون البيع كان على خيار فإن كان البيع عن خيار فقد وجب
البيع) متفق عليهما وفي لفظ (أو يقول أحدهما لصاحبه اختر) رواه البخاري
وهذه زيادة يجب قبولها فإن قال أحدهما لصاحبه اختر فسكت فخيار الساكت
بحاله لأنه لم يوجد منه ما يبطله وفي خيار القائل وجهان أحدهما يبطل للخبر
ولأنه جعل الخيار لغيره فلم يبق له شيء والثاني لا يبطل كما لو قال لزوجته
اختاري فسكتت لم يبطل خياره في الطلاق.
الشيخ: الصواب بلا شك أنه يبطل كما في الحديث والقياس هنا فيه نظر ظاهر لأن
الطلاق وقوله (اختر) يملكهما الزوج وأما إذا قال لصاحبه أختر فهو يملك ولا
يملك حق صاحبه فالقياس فيه نظر مع كونه مصادم للنص.
فصل
القارئ: ويثبت خيار المجلس في كل بيع للخبر ولأنه شرع للنظر في الحظ وهذا
يوجد في كل بيع وعنه لا يثبت في الصرف والسلم وما يشترط فيه القبض في
المجلس لأنه لا يثبت فيه خيار الشرط.
الشيخ: قاس المؤلف أصلاً على فرع والصحيح
أنه يثبت في كل بيع لعموم قوله عليه الصلاة والسلام (البيعان) وقوله (إذا
تبايع الرجلان) هذا من جهة الدليل الأثري أما الدليل النظري أن الخيار شرط
للنظر في الأحظ والإنسان قد يكون مشفقاً على السلعة حريصاً عليها فإذا بيعت
عليه هبطت قيمتها عنده فمن ثم شرع الشارع له الخيار لأن كثيراً من الناس
تتعلق نفسه بشيء من الأِشياء ويرغب فيها جداً جداً فإذا بيعت عليه هبطت في
عينه وهذا يقع في السيارات ويقع في العقارات ويقع في العمارات في كل شيء
لهذا كان من الحكمة والرحمة أن شرع الخيار لطرفين مادام في المجلس وأما
قوله (وعنه لا يثبت في الصرف والسلم) نقول هذه رواية ضعيفة لأن الصرف
والسلم بيع كما قال النبي عليه الصلاة والسلام (الذهب بالذهب والفضة بالفضة
والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلاً بمثل سواء
بسواء فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم) ومن الأصناف المختلفة
الذهب والفضة وهذا هو الصرف وكونه يُثبت أن ذلك بيع يدخل في قوله (البيعان
بالخيار) ولا شك أنه يثبت فيهما خيار المجلس وأما قوله (وما يشترط فيه
القبض في المجلس لأنه لا يثبت فيه خيار الشرط) فهنا أيضاً منازعة في المقيس
عليه وهو خيار الشرط أولاً أنه لا يصح القياس لظهور الفرق بينهما وثانياً
أنا لا نسلم أن ما يشترط فيه القبض لا يجوز فيه خيار الشرط بل نقول خيار
الشرط جائز حتى فيما يشترط فيه القبض فلو أن رجلاً اشترى ذهباً من صاحب
دكان بعشرة آلاف ريال وسلم العشرة آلاف ريال وأخذ الذهب وقال لي الخيار حتى
أشاور أهلي وأراجعهم فالصحيح أن هذا جائز فإن أمضى البيع فقد حصل التقابض
وإن لم يمضه رجع وأخذ دراهمه وأعطى صاحب الذهب ذهبه.
فصل
القارئ: الضرب الثاني خيار الشرط نحو أن
يشترط الخيار في البيع مدة معلومة فيجوز بالإجماع ويثبت فيما يتفقان عليه
من المدة المعلومة وإن زادت على ثلاث لأنه حق يعتمد الشرط فجاز ذلك فيه
كالأجل.
الشيخ: خيار الشرط أن يتبايعا فيقول أحدهما للآخر لي الخيار مدة ثلاثة أيام
أو يقول كل واحد منهما لنا الخيار ثلاثة أيام فهذا جائز لكن لابد أن يكون
مدة معلومة لأن المجهولة تؤدي إلى النزاع والخصومة وما يؤدي إلى النزاع
والخصومة فإنه منفي شرعاً فالعلة لأنه يؤدي إلى الخصومة والنزاع كذلك أيضاً
يستدل لهذا بحديث ابن عباس (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم
إلى أجل معلوم).
القارئ: ويجوز شرطه لأحدهما دون صاحبه ولأحدهما أكثر من صاحبه لأنه ثبت
بشرطهما فكان على حسبه ولو اشترى شيئين صفقة واحدة وشرط الخيار في أحدهما
بعينه صح وإن شرطه في غير معين منهما أو لأحد المتبايعين غير معين لم يصح
لأنه مجهول فأشبه بيع أحد العبدين وإن شرط الخيار لأجنبي صح وكان مشترطاً
لنفسه موكلاً لغيره فيه لأنه أمكن تصحيحه على هذا الوجه فتعين.
الشيخ: مثال ذلك قال اشتريت منك هذا البيت بشرط الخيار لأبي مدة شهر وهذا
واضح إذا كان الأجنبي المراد بالأجنبي هنا ماعدا المتعاقدين وهذا واضح إذا
كان للأجنبي علاقة بالبائع لكن إذا لم يكن هناك علاقة فهذا أيضاً إن كان
هذا الأجنبي من ذوي المعرفة في البيوع والأثمان فلا بأس لأن هذا غرض صحيح
مثل أن يقول اشتريت منك هذا البيت بمائة ألف ولفلان صاحب المكتب العقاري
الخيار عشرة أيام فلا بأس بذلك لكن إذا شرطه لأجنبي لا لغرض صحيح ففي النفس
من هذا شيء مثل أن يقول الخيار لفلان وهو واحد من الناس لا علاقة له بين
البائعين ولا معرفة له في أسعار البيوت ذلك لأن هذا في الحقيقة ليس فيه غرض
صحيح يرمي إليه شرط الخيار لأجنبي فيحتاج إلي نظر في هذا هل العلماء
اختلفوا فيه أو لا.
القارئ: ولمشترط الخيار الفسخ بغير رضى
الأجنبي وللأجنبي الفسخ إلا أن يعزله المشترط.
الشيخ: ظاهر كلام المؤلف أنه إذا شرطه لأجنبي صار الخيار للشارط وللأجنبي
وأنه أي الشارط يملك الفسخ ولهذا قال (ولمشترط الخيار الفسخ بغير رضى
الأجنبي وللأجنبي الفسخ إلا أن يعزله المشترط).
القارئ: ولو شرط الخيار للعبد المبيع صح لأنه كالأجنبي وقال القاضي إن جعل
الأجنبي وكيلاً فيه صح وأن أطلق الخيار لفلان أو قال هو لفلان دوني لم يصح
لأن الخيار جعل لتحصيل الحظ للمتعاقدين بنظرهما فلا يكون لمن لا حظ له.
الشيخ: القاضي رحمه الله يقول (أو قال هو لفلان دوني لم يصح) لأن الأصل في
الخيار أنه لمصلحة المتعاقدين فإذا قال لفلان الأجنبي دوني ما حصل الغرض
وكذلك إذا أطلق فقال الخيار لفلان فإنه لا يصح على كلام القاضي أما إن جعله
وكيلاً فقال لي الخيار مدة شهر ووكيلي فلان يختار أو لا يختار فهذا واضح
أنه جائز كما لو وكله في أصل العقد وكذلك ما أشرنا إليه من قبل إذا كان هذا
المشتري جعل الخيار لأجنبي من العقد لكنه بينه وبينه صلة كأبيه وأخيه وما
أشبه ذلك فلا بأس أو جعل الخيار لمن له علم بالأسعار فلا بأس أيضاً أما إن
جعله لأجنبي بدون قصد فعلى رأي المؤلف يصح ولا على رأي القاضي لا يصح ورأي
القاضي أقرب للصواب.
القارئ: وإن كان العاقد وكيلاً فشرط الخيار للمالك صح لأن الحظ له وإن جعله
للأجنبي لم يصح لأنه ليس له توكيل غيره وإن شرطه لنفسه صح لأن له النظر في
تحصيل الحظ وإن قال بعتك على أن أستأمر فلان في مدة معلومة صح.
الشيخ: قوله (أستأمر) بمعنى أشاور.
القارئ: وله الفسخ قبل استئماره لأن ذلك كناية عن الخيار وإن لم يجعل له
مدة معلومة فهو كالخيار المجهول.
الشيخ: يعني فلا يصح.
فصل
القارئ: وإذا شرط الخيار إلى طلوع الشمس أو
غروبها أو إلى الغد أو إلى الليل صح لأنه وقت معلوم ولا يدخل الغد ولا
الليل في مدة الخيار لأن إلى للغاية وموضوعها لفراغ الشيء وانتهائه.
الشيخ: كلام المؤلف أنه إذا قال إلي غد لم يدخل الغد وعرفنا الآن أنه يدخل
والمؤلف يرى أنه متى دخل النهار انقطع خياره لأن انتهاء الغاية لا يدخل لكن
عرف الناس الآن أنه إذا قال إلي باكر أو إلى غد يريد جميع النهار فهل نتبع
المعنى اللغوي يعني الحقيقة اللغوية أو الحقيقة العرفية إذا تخالفا؟ الجواب
نغلب الحقيقة العرفية إذا اختلفت مع الحقيقة اللغوية وكذلك إذا قال (إلى
الليل) يفهم الناس أنه إلى أول الليل مثل إذا كان بينهم جلسات بعد العشاء
أو بعد المغرب فيفهم أنه إلى هذا الوقت وليس المعنى إلى غروب الشمس وعلى كل
حال إذا تعارضت الحقائق العرفية مع ما ذكره المؤلف فإننا نتبع الحقائق
العرفية.
السائل: بيع المزايدة هل يدخل فيه خيار المجلس أو لا يدخل لأنه إذا ثبت ذلك
لأنه قد يحصل مشاكل بين الناس.
الشيخ: جرى العرف بارك الله فيك أنه إذا قال نصيبك أو خذ الله يربحك انتهى
فلا خيار لكن لو تحاكما فالقاضي ينظر في الموضوع ولكن ظاهر بيع الناس إذا
قال نصيبك انتهى ولهذا إذا أعطاه إياه فإنه يبدأ ينادي على سلعة أخرى.
القارئ: وإن شرطاه ثلاثاً أو ساعات معلومة فابتدأ مدته من حين العقد لأنها
مدة ملحقة بالعقد فكان بدؤها منه ولأن جعله من حين التفرق يفضي إلى جهالته
لأنه لا يدرى متى يفترقان ويحتمل أن يكون بدء مدته من حين التفرق لأن
الخيار ثابت في المجلس حكماً فلا حاجة إلى إثابته بالشرط فعلى هذا إن جعلا
بدأه من العقد صح لأن بدايته ونهايته معلومان ويحتمل أن لا يصح لأن ثبوت
الخيار بالمجلس يمنع ثبوته بغيره وعلى الوجه الأول لو جعلا بدأه من التفرق
لم يصح لجهالته.
الشيخ: في هذا نظر فيقال نعم جهالة
الابتداء صحيح لأنهما لا يعلمان متى يفترقان لكن جهالته نفسه ليس هناك
جهالة والظاهر إن هذا أيضاً يرجع فيه إلى العرف والعرف أنه إذا لم يطل
المجلس فالناس يتساهلون فيه أما لو طال المجلس مثل بقيا نصف يوم في مكان
واحد وقد جعلا الخيار ثلاثة أيام فإذا قلنا ابتدائه من العقد كم فيبقى لهما
يومين ونصف وإذا قلنا من التفرق يبقى لهما ثلاثة أيام فنحن في مثل هذا نقول
إذا كانت المدة قليلة فالأمر في هذا واسع أما إذا كانت طويلة يعني أنهما
يعلمان أنه سوف يطول جلوسهما فلابد أن يذكرا ابتداء مدة الخيار.
فصل
القارئ: فإن شرطا خياراً مجهولاً لم يصح لأنها مدة ملحقة بالعقد فلم يصح
مجهوله كالتأجيل وهل يفسد العقد به على روايتين وعنه أنه يصح مجهولاً لقوله
عليه السلام (المسلمون على شروطهم) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
الشيخ: الصواب أنه لا يصح مجهولاً والحديث لا يدل عليه لأن قول النبي صلى
الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) له تتمة (إلا شرطاً أحل حراماً أو
حرم حلالاً) والآجال المجهولة محرمة لا يجوز اشتراطها كما في السلم (إلى
أجل معلوم)، فالصواب أنه لا يصح مجهولاً ثم الصواب أن الاستدلال بهذا
الحديث غلط وكل ما جاء مطلقاً من الكتاب والسنة فإنه يحمل على المقيد لأن
الشرع واحد فيحمل مطلقه على مقيده وعامه على تخصيصه.
القارئ: فعلى هذا إن كان الخيار مطلقاً مثل أن يقول لك الخيار متى شئت أو
إلى الأبد فهما على خيارهما أبداً أو يقطعاه.
الشيخ: يعني إلا أن يقطعاه لكن إلى متى لو قال لك الخيار أبداً أو لك
الخيار متى شئت فهذا مشكل وحتى الموت إذا قلنا إن خيار الشرط يورث فهو كذلك
مشكل فيتسلسل إلى أن تقوم الساعة فالصواب أنه لا يصح لأن هذا النزاع فيه
والخصومة ظاهرة.
القارئ: وإن قال إلى أن يقدم زيد أو ينزل
المطر ثبت الخيار إلى زمن اشتراطه أو يقطعاه قبله وإن شرطاه إلى الحصاد أو
الجذاذ ففيه روايتان أحدهما هو مجهول لأن زمن ذلك يختلف فيكون كقدوم زيد
والثانية يصح لأن مدة الحصاد تتقارب في العادة في البلد الواحد فعفي عن
الاختلاف فيه.
الشيخ: أما إذا شرطه إلى أن يقدم زيد وقدوم زيد ليس له زمن معتاد فيمكن أن
يقدم بعد سنة أو سنتين أو بعد يوم أو يومين فهنا لا يصح للجهالة وإن كان
قدوم زيد له زمن معتاد كما لو علمنا أن زيداً كان يأتي في الصيف لهذا البلد
وفي الشتاء للبلد الثاني فقلت إلى قدوم زيد فهذا معناه إلى مجيء وقت الصيف
وهذا صحيح وأما إذا كان لا يعلم فلا يصح كذلك أيضاً إذا قال حتى ينزل المطر
ونحن نعلم في الغالب أن المطر ينزل في الوقت الفلاني مثلاً هذا قريب لكن
جهالته أعظم من جهالة المسألة الأولى لأنه أحياناً لا ينزل المطر في كل
العام أما الحصاد أو الجذاذ يقول (ففيه روايتان) والصحيح أنه جائز لأن
الحصاد والجذاذ كما قال المؤلف زمنه متقارب ولو اختلف عشرة أيام أو عشرين
يوم لا يضر فلذلك الصحيح أنه يصح.
فصل
القارئ: فإن شرط خياراً مجهولاً لم يصح لأنها مدة ملحقة بالعقد فلم يصح
مجهوله كالتأجيل وهل يفسد العقد به على روايتين وعنه أنه يصح مجهولا لقوله
عليه السلام المؤمنون عند شروطهم لقوله عليه السلام (المسلمون على شروطهم)
رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح فعلى هذا إن كان الخيار مطلقا مثل أن يقول
لك الخيار متى شئت أو إلى الأبد فهما على خيارهما أبداً أو يقطعاه وإن قال
إلى أن يقدم زيد أو ينزل المطر ثبت الخيار إلى زمن اشتراطه أو يقطعاه قبله
وإن شرطاه إلى الحصاد أو الجذاذ ففيه روايتان أحدهما هو مجهول لأن زمن ذلك
يختلف فيكون كقدوم زيد والثانية يصح لأن مدة الحصاد تتقارب في العادة في
البلد الواحد فعفي عن الاختلاف فيه.
الشيخ: الصحيح في هذا أن الشرط المجهول لا
يصح وقوله عليه الصلاة والسلام (المسلمون على شروطهم) هذا المطلق يقيد بأن
لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً ولا شك أن المجهول يؤدي إلى النزاع والعداوة
والبغضاء لكن لو قال لك الخيار إلى أمد أقصاه دخول شهر رمضان يعني وجعله
مفتوحاً فهذا لا
بأس به لأن حقيقة الأمر أنه معلوم وكذلك إذا قال إلى أن يقدم زيد وكان له
عادة في القدوم كإنسان معروف أنه يبقى في بلد ستة أشهر وفي بلد آخر ستة
أشهر فهذا جائز لأنه معلوم وكذلك إذا قال إلى الحصاد أو الجذاذ لأن مدته
معلومة والخلاف فيه متقارب وحينئذ يأخذ بالوسط يعني لا بأول الحصاد ولا
بآخر الحصاد.
القارئ: وإن شرطه إلى العطاء يريد وقت العطاء صح لأنه معلوم وإن أراد نفس
العطاء فهو مجهول لأنه يتقدم ويتأخر وإن شرط الخيار شهراً يوما يثبت ويوماً
لا ففيه وجهان أحدهما يثبت في اليوم الأول لأنه معلوم يلي العقد ويبطل فيما
بعده لأنه إذا لزم لم يعد إلى الجواز ويحتمل أن يبطل الشرط كله لأنه شرط
واحد فإذا فسد في البعض فسد في الكل.
الشيخ: ويحتمل وجهاً ثالثاً وهو أن يقال إذا كان اليوم الذي يثبت فيه
الخيار هو اليوم الذي يلي العقد فلا بأس يعني يصح في اليوم الأول وإن كان
غير معين فإنه لا يصح لأنه قد يكون اليوم الأول ليس فيه خيار وصورة المسألة
أن يقول بعتك هذا ولي الخيار عشرة ريال يوم يثبت ويوم لا يثبت فهذا لا يصح
لأنه إذا ثبت في اليوم الأول ثم جاء الثاني ولم يثبت معناه أنقطع الخيار
فلا يعود مرة ثانية لكن هل يبطل من أصله أو يبطل فيما عدا اليوم الأول؟ ذكر
فيه الخلاف ولكننا نقول إنه يصح إذا جعل اليوم الأول هو الذي يثبت به
الخيار.
فصل
القارئ: ولمن له خيار الفسخ من غير حضور
صاحبه ولا رضاه لأنه عقد جعل إلى اختياره فجاز مع غيبة صاحبه وسخطه كالطلاق
ومتى انقضت مدته قبل الفسخ لزم العقد على كل حال لأنها مدة ملحقة بالعقد
فبطلت بانتهائها كالأجل ويبطل الخيار بالتخاير كما يبطل خيار المجلس به ولو
ألحقا بالعقد خياراً بعد لزومه لم يحلقه لأنه عقد لازم فلم يصر جائزاً
بقولهما كالنكاح وإن فعلا ذلك في مدة الخيار جاز لأنه جائز فجاز إبقاؤه على
جوازه.
الشيخ: قوله (ويبطل الخيار بالتخاير) يعني إذا خَيَّرَ أحدهما الآخر بطل
خياره كخيار المجلس وقوله (ولو ألحقا بالعقد خياراً بعد لزومه لم يلحقه) أي
لو أنهما بعد أن تفرقا رجع أحدهما إلى الآخر وقال اجعل لي الخيار مدة يومين
أو ثلاثة فألحقاه بالعقد المؤلف يقول لا يصح لأن العقد وقع لازماً فلا يكون
جائزاً بفعلهما إذ أنهما ليس لهما أن يغيرا الحكم الشرعي ويحتمل أن يقال
إنه يصح لأن لزوم العقد إنما هو باختيارهما ولهذا لو جعلا خياراً في أثناء
العقد جاز أما إذا فعلا ذلك في مدة الخيار فلا بأس مثل أن يقول لي الخيار
لمدة يومين وفي اليوم الثاني قبل تمامه جاء وقال أحب أن نزيد في مدة الخيار
إلى يومين آخرين فهذا لا
بأس به لأن العقد الأول مازال على اختياره يعني لم يلزم بعد فجاز زيادة
الخيار فيه وكما قلنا لكم إن الذي يظهر أنهما إذا اتفقا ولو بعد التفرق ولو
بعد لزوم البيع على أن يكون الأمر خياراً لمدة يومين أو ثلاثة فلا بأس لأن
الحق لهما.
فصل
القارئ: وينتقل الملك إلى المشتري في بيع الخيار بنفس العقد وعنه لا ينتقل
إلا بعد انقضائه لأنه عقد قاصر لا يفيد التصرف فلم ينقل الملك كالهبة قبل
القبض والأول ظاهر المذهب لأن البيع سبب لنقل الملك فنقل عقيبه كالمطلق
ولأنه تمليك فأشبه المطلق وليس منع التصرف لقصور السبب بل لتعلق حق البائع
بالمبيع.
الشيخ: قوله (بل لتعلق حق البائع بالمبيع)
هذا فيه نظر لأن الحق في الخيار للبائع وللمشتري والصواب أن الخيار إنما
شرع من أجل الفسحة للبائع وللمشتري أن يفسخا العقد لأنه إذا وجب العقد لا
يمكن أن يفسخاه ولكن من رحمة الله تعالى أن جعل لهما حقاً في تنفيذ الخيار
فهو في الحقيقة لمصلحة الطرفين وليت أن المؤلف رحمه الله استدل بالحديث
بدلاً عن هذه التعاليل التي قد تكون مسلمة وقد تكون غير مسلمة لو قال لقول
النبي صلى الله عليه وسلم (من باع عبداً له مال فماله للذي باعه ما لم
يشترط المبتاع) فإن هذا يدل على أن العبد يكون للمشتري لأن قوله (فماله
للذي باعه) أي وأما هو فللمشتري ومعلوم أن البيع ينعقد بصورة الإيجاب
والقبول فهذا الحديث أوضح من تعليله رحمه الله وهو أن يقال الملك ينتقل إلى
المشتري بمجرد تمام العقد ولو في زمن الخيار والدليل قول النبي صلى الله
عليه وسلم (من باع عبداً له مال فماله للذي باعه) يعني وأما العبد فهو
للمشتري وهذا نص صريح أو كالصريح في انتقال ملك السلعة إلى المشتري بمجرد
العقد.
القارئ: وما يحصل من غلة المبيع في مدة الخيار.
الشيخ: هذا مفرع على ما سبق في انتقال الملك هل ينتقل بمجرد العقد أو
بانتهاء مدة الخيار؟
القارئ: وما يحصل من غلة المبيع في مدة الخيار أو نمائه المنفصل فهو
للمشتري سواء فسخا العقد أو أمضياه لأنه نماء ملكه الداخل في ضمانه فيدخل
في قوله عليه السلام (الخراج بالضمان) وعلى الرواية الأخرى هو للبائع
والحكم في ضامنه كالحكم في ضمان المبيع المطلق.
الشيخ: النماء قد يقول قائل هل يمكن أن
يكون نماء بين عقد البيع وانتهاء الخيار؟ فالجواب يقال نعم خصوصاً إذا كان
الخيار خيار شرط قد يشترط المشتري أو البائع الخيار لمدة أسبوع وفي هذا
الأسبوع قد يكون هذا البيت في مكان رفيع الأجرة يعني أجرته في اليوم مائة
ريال فيكون النماء أو الكسب سبعمائة ريال وهذه مهمة وكذلك النماء مثل ما
يحصل من لبن أو صوف أو ما أشبه ذلك في هذه المدة وعلى كل
حال إن قلنا إن الملك ينتقل بالعقد فما حدث من نماء أو كسب بعد العقد فهو
للمشتري وعلى القول بأنه لا ينتقل إلا بانتهاء مدة الخيار نقول ما حصل من
نماء أو كسب بين العقد وانتهاء مدة الخيار يكون للبائع والصحيح أنه للمشتري
والحديث كما علمنا واضح بأنه للمشتري.
فصل
القارئ: وليس لواحد من المتبايعين التصرف في المبيع في مدة الخيار لأنه ليس
بملك للبائع فيتصرف فيه ولا انقطعت عنه علاقته فيتصرف فيه المشتري.
الشيخ: إذن البائع لا يتصرف فيه مثاله باع عليه سيارة ومدة الخيار أسبوع
البائع لا يمكن أن يتصرف في السيارة لا بتأجير ولا ببيع ولا برهن ولا بغير
ذلك لأننا إن قلنا إن الملك ينتقل بمجرد العقد فالسيارة ليست ملكاً له وإن
قلنا لا ينتقل إلا بتمام الخيار فلأنه تعلق بها حق المشتري وكذلك أيضاً
المشتري لا يتصرف لأننا إن قلنا بعدم انتقال الملك إليه فالمبيع ليس ملكاً
له وإن قلنا بانتقاله فقد تعلق به حق البائع فلا يتصرف أحدهما في هذا
المبيع بل يبقى معطلاً لا يتصرف فيه ولكن قد يقول قائل إن إبقائه معطلاً
فيه إضاعة للمال المنهي عنه وعلى هذا ينبغي أن يقال إنه يستغل في مدة
الخيار ويكون الكسب لمن له الملك إن قلنا الملك للبائع حتى يتم مدة الخيار
فهو له وإن قلنا للمشتري فهو له أما بقائه معطلاً لا سيما في أشياء يفوت
بها مال كثير إذا عطلت فهذا إضاعة للمال.
القارئ: فإن تصرفا بغير العتق لم ينفذ تصرفهما لذلك.
الشيخ: قوله (بغير العتق) سيأتينا إن شاء
الله التفصيل فيه لكن الصواب أن العتق كغيره وأنه إذا منع التصرف في غير
العتق منع في العتق من باب أولى لأن العتق يقع عبادة وإذا قلنا إن التصرف
حرام فهل يمكن أن يتقرب إلى الله بما حرمه الله؟ لا يمكن فالصواب أن جميع
التصرفات على قاعدة المذهب لا تجوز ولا تصح.
القارئ: وعنه في تصرف المشتري أنه موقوف إن فسخ البائع بطل وإن لم يفسخ صح
لعدم المبطل له ذكرها ابن أبي موسى.
الشيخ: هذا قول وجيه أن المشتري إذا باعه مثلاً فإننا نقف يعني بمعنى أننا
نصحح العقد لكن لا نمكن المشتري من استلامه ولا من تصرفه حتى ينتهي الخيار
ثم إن بقي البائع لم يفسخ فالتصرف صحيح وإن فسخ فالحق له.
القارئ: وإن كان الخيار للمشتري وحده صح لذلك وإن أعتق المشتري العبد عتق
لأنه عتق من مالك تام الملك جائز التصرف فنفذ كما بعد المدة فإن قلنا الملك
للبائع نفذ عتقه ولا ينفذ عتق من لا ملك له لأنه عتق من غير مالك فأشبه
الأجنبي.
الشيخ: قوله (إن أعتق المشتري العبد عتق لأنه عتق من مالك تام الملك جائز
التصرف فنفذ كما بعد المدة) هذا إذا كان الخيار للمشتري وحده فهنا لا شك
أنه إذا أعتق العبد نفذ لأنه لا منازع له ولا حق للبائع فيه وعتقه إياه يدل
على أنه أختار إمضاء البيع وقوله (فإن قلنا الملك للبائع نفذ عتقه) يعني
على الرواية الثانية أن الملك للبائع فإذا كان الملك له نفذ عتقه وقوله
(ولا ينفذ عتق من لا ملك له) يعني هذا إن قلنا أنه لا ملك للمشتري في مدة
الخيار لم ينفذ وإن قلنا لا ملك للبائع لم ينفذ وعلى هذا فينفذ من قلنا إن
الملك له لكن الصحيح أنه إذا كان الخيار للطرفين فإنه لا ينفذ عتق المشتري
ولو كان مالكاً لتعلق حق البائع فهو كالمرهون كما أن المرهون لا يصح أن
يعتقه فكذلك هذا الذي فيه الخيار.
القارئ: وفي الوقف وجهان أحدهما هو كالعتق
لأنه تصرف يبطل الشفعة والصحيح أنه لا ينفذ لأنه لا يبنى على التغليب ولا
يسري إلى ملك الغير أشبه البيع.
الشيخ: قوله (لأنه لا ينبني على التغليب ولا يسري) احترازاً من العتق لأن
العتق مبني على التغليب وأيضاً يسري إلى ملك الغير فإن الرجل لو كان له عبد
مشترك بينه وبين آخر ثم أعتق نصيبه سرى العتق إلى نصيب الآخر وضمن قيمته
لصاحبه ولكن الصحيح أنه لا ينفذ عتق فيما إذا كان الخيار لهما جميعاً أو
كان الخيار للبائع وحده ولو قلنا بانتقال الملك إلى لمشتري والخلاصة أنه
إذا كان هناك خيار شرط فالملك على القول الراجح للمشتري والتصرف حرام على
البائع وعلى المشتري أما البائع فلأنه تصرف في غير ملكه وأما المشتري فلأنه
تصرف يوجب بطلان حق صاحبه وهذا إذا كان الخيار لهما أو للبيع أما إذا كان
الخيار للمشتري فإنه ينفذ تصرفه وتصرفه يعتبر إمضاءً للبيع.
فصل
القارئ: فإن وطيء المشتري الجارية فلا حد عليه ولا مهر فإن ولدت منه فالولد
حر ولا تلزمه قيمته وتصير أم ولد لأنه وطئ مملوكته وإن وطئ البائع فعليه
المهر لأنه وطءٌ في غير ملك وإن علم التحريم فولده رقيق لأنه لا يلحقه نسبه
كما لو وطيء بعد المدة وإن جهل التحريم فلا حد عليه وولده أحرار وعليه
قيمتهم يوم الولادة لأنه يعتقد أنه يحبلها في ملكه فأشبه المغرور من أمة
ولا تصير أم ولد بحال.
الشيخ: استفدنا من قوله (وإن جهل التحريم فلا حد عليه) أنه لا يجب الحد إلا
على عالم بالتحريم فلو فرض أن رجلاً أسلم حديثاً ولم يدرِ أن الزنا حرام
وزنى بامرأة فلا حد عليه لأنه غير عالم فإن علم بالحكم ولم يعلم بالحد
فعليه الحد لأنه لا يعذر بجهل العقوبة.
القارئ: قال بعض أصحابنا وعليه الحد إن علم
التحريم وأن البيع لا ينفسخ به وذكر أن أحمد نص عليه لأن وطأه لم يصادف
ملكا ولا شبهة ملك والصحيح أنه لا حد عليه لأن أهل العلم اختلفوا في ملكه
لها وحل وطئها وهذه شبهة يدرأ الحد بها ولأن ملكه يحصل بوطئه فيحصل تمام
وطئه في ملكه فلا يجب الحد به وإن قلنا بالرواية الأخرى انعكست هذه
الأحكام.
الشيخ: الرواية الأخرى أن الملك للبائع.
فصل
القارئ: وطء البائع فسخ للبيع لأنه دليل على الاسترجاع فأشبه من أسلم على
أكثر من أربع فوطئ إحداهن كان اختياراً لها ووطء المشتري رضى بالمبيع
وإبطال لخياره لذلك وسائر التصرفات المختصة بالملك كالعتق والكتابة والبيع
والوقف والهبة والمباشرة واللمس لشهوة وركوب الدابة لسفر أو حاجة والحمل
عليها وشرب لبنها وسكنى الدار وحصاد الزرع ونحوه إن وجد من المشتري بطل
خياره.
الشيخ: الأمثلة اتي ذكرها المؤلف في بعضها نظر لكن القاعدة أن كل تصرف يدل
على الاختيار فإنه يبطل الخيار وشرب اللبن لا يدل على الاختيار لأن المشتري
إذا اشترى شاة واشترط الخيار لمدة ثمانية أيام أو عشرة أيام فلابد أن يشرب
لبنها لأنه إنما جعل الخيار لينظر في هذا اللبن هل هو كثير أو قليل وهل هي
تدر بسرعة أو لا وعلى كل حال هذه الأمثلة قد ينازع في بعضها ولكن القاعدة
العامة هي كل تصرف يدل على الاختيار فهو فسخ للخيار.
القارئ: لأنه يبطل بالتصريح بالرضى فبطل
بدلالته كخيار المعتقة يبطل بتمكينها زوجها من وطئها وإن تصرف البائع بذلك
ففيه وجهان أحدهما هو فسخ للبيع لذلك والآخر لا يكون فسخا لأن الملك انتقل
عنه فلم يكن تصرفه استرجاعاً كمن وجد ماله عند مفلس فتصرف فيه وقال أبو
الخطاب هل يكون تصرف البائع فسخاً للبيع وتصرف المشتري رضىً بالبيع وفسخاً
لخياره على وجهين وأما ركوب المشتري الدابة لينظر سيرها وطحنه على الرحى
ليختبرها فلا يبطل الخيار لأن الاختبار هو المقصود بالخيار وإن أستخدم
العبد ليختبره لم يبطل خياره لذلك وإن أستخدمه لغير ذلك ففيه روايتان
إحداهما يبطل خياره لأنه تصرف منه أشبه الركوب للدابة والثانية لا يبطل
لأنه لا يختص الملك أشبه النظر وإن قبلت الجارية المشتري لشهوة لم
يبطل خياره لأنها قبلة لأحد المتابيعين فلم يبطل خياره كقبلتها للبائع
ولأنا لو أبطلنا خياره بهذا أبطلناه من غير رضاه بالمبيع ولا دلالة عليه
ويحتمل أن يبطل خياره إذا لم يمنعها لأن إقراره عليه رضى به.
الشيخ: وهذا أقرب أنه إذا رضي بذلك وأقرَّها فهذا لا شك يدل على أنه
أختارها وإلا لمنعها.
فصل
القارئ: وإن أعتق المشتري الجارية أو استولدها أو أتلف المبيع أو تلف في
يده لم يبطل خيار البائع لأنه لم يوجد منه رضى بإبطاله وله أن يفسخ ويرجع
ببدل المبيع وهو مثله إن كان مثليا وإلا قيمته يوم أتلفه وعنه أن خياره
يبطل بذلك اختارها الخرقي لأنه خيار فسخ فبطل بتلف المبيع كخيار الرد
بالعيب.
فصل
القارئ: وإن مات أحد المتبايعين بطل خياره ولم يثبت لورثته لأنه حق فسخ لا
يجوز الاعتياض عنه فلم يورث كخيار الرجوع في الهبة ويتخرج أن يورث قياساً
على الأجل في الثمن.
الشيخ: هذا هو الصحيح أنه إذا مات في خيار
الشرط فإنه يورث أما إذا مات في خيار المجلس فإنه لا يورث لأنه بطل بالتفرق
فإن الموت أعظم تفرق فالتفصيل هذا هو الصواب أن خيار الشرط مورث وخيار
المجلس لا يورث والفرق ظاهر لأن خيار المجلس يبطل بتفرقهما ولا فرقة أعظم
من الموت وأما خيار الشرط فليس معلق بذاتيهما بل هو حق من حقوق الملك أو
المالك فيثبت ورثته من بعده.
القارئ: وإن جن أو أغمي عليه قام وليه مقامه لأنه قد تعذر منه الاختيار مع
بقاء ملكه وإن خرس فلم تفهم إشارته فهو كالمجنون وإن فهمت إشارته قامت مقام
لفظه وإن مات في خيار المجلس بطل خياره وفي خيار صاحبه وجهان أحدهما يبطل
لأن الموت أعظم التفرق والثاني لا يبطل لأن الفرقة بالأبدان لم تحصل.
الشيخ: الصواب الأول أنه يبطل خياره وخيار صاحبه.
السائل: الرجوع في الهبة إذا مات الواهب قبل أن يقبض الموهوب الهبة هل على
الورثة أن يسلمونه الهبة؟
الشيخ: إذا مات الواهب قبل أن يقبض الموهوب الهبة بطلت الهبة.
السائل: إذا علم الإنسان بأن شيئاً ما منهي عنه لكنه لا يعلم تحريمه أو
كراهته فقط فهل يرتب عليه ما رُتِّب عليه شرعاً؟
الشيخ: أما إن وصلت إليَّ فأُرتِّب عليه لأني أرى أن مجرد مخالفة الرسول
عليه الصلاة والسلام حتى في الأمر المكروه غلط وأنا قلت هذا مراراً قلت ليس
من الأدب مع الله رسوله إذا أمر الله بشيء أن تقول هل هو للوجوب أو
الاستحباب؟ أو أمر الرسول بشيء تقول هل هو للوجوب أو الاستحباب؟ أو نهى
الله ورسوله عن شيء تقول هل هو للكراهة أوالتحريم؟ هل كان الصحابة يقولون
هذا؟ هل كانوا إذا أمر الرسول يقولون يا رسول الله أنت عازم أولست بعازم؟
ما كانوا يقولون هذا لكن قلت نعم عند وقوع الشيء أي عند وقوع المخالفة
حينئذ ينظر الإنسان هل الأمر للوجوب أو للاستحباب هل النهي للكراهة أو
للتحريم؟ وهذه المسألة مهمة جداً وتمام التعبد أنك إذا سمعت الله يأمرك
تقول سمعنا وأطعنا ولا تقول هل الأمر للوجوب أو الاستحباب قل سمعنا وأطعنا
وإذا كان الصحابة لما نزلت (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو
تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّه) شق عليهم ذلك وجاءوا يشكون الأمر إلى
الرسول قال لهم قولوا سمعنا وأطعنا فكيف إذا جاء أمر صريح نهي صريح وعلى كل
حال إذا رفعت إليَّ وقال أنا أدري أن الرسول نهى عنها لكن ما أدري هل هو
للكراهة أو للتحريم أنا أرى أني أقيم عليه الحد اللهم إلا أن يكون قتلاً
فهنا قد يتوقف الإنسان. |