تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة

باب الربا
القارئ: الربا محرم لقول الله تعالى (وَحَرَّمَ الرِّبا) وما بعدها من الآيات وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه) متفق عليه.


الشيخ: العيب في بعض الفقهاء ومنهم المؤلف أنهم يعبرون بصيغة التمريض عن الحديث الصحيح الذي لا إشكال فيه فهنا يقول (وروي) ثم يقول (متفق عليه) هذا لا يستقيم وهذا مما عيب على الفقهاء رحمهم الله وليس هذا محل شك حتى نقول الفقيه ليس عنده علم بالحديث يعني يبلغ درجة المحدثين فيعذر إذا قال وروي في حديث لا يدري عن درجته أما وهو يدري عن درجته فيقول روي ثم يقول متفق عليه فهذا لا شك عيب كبير واقتصاره على أن الربا محرم أيضاً فيه نظر بل ينبغي أن يقول وهو من كبائر الذنوب بل من موبقات الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اجتنبوا السبع الموبقات) وذكر منها أكل الربا فهو في الحقيقة من أكابر الذنوب حتى قال شيخ الإسلام رحمه الله إنه لم يرد في ذنب دون الشرك من العقوبة مثلما ورد في أكل الربا ولهذا كان يشدد رحمه الله في سد الذرائع الموصلة إلى الربا حتى إنه كان يحرم تحريماً باتّا مسألة التورق التي أختلف فيها الفقهاء وقال عنه تلميذه ابن القيم كان يراجع في ذلك


أحياناً ولكنه يأبى أن يقول إلا أنها حرام وعلى كل حال الربا من كبائر الذنوب ولا شك أن آكل الربا والعياذ بالله مشبه لليهود الذين كانوا يأكلونه وأنه فعل ما يبعد إجابة دعائه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين ذكر (الرجل يطيل السفر أشعت أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه وحرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنا استجاب لذلك) وآكل الربا مريض كمريض السرطان يعني إذا عوَّد نفسه أكل الربا لا يمكن أن يقلع عنه يصاب بمرض حتى لو تبين له التجارة المباحة الرابحة اختار باب الربا لأنه مرض والعياذ بالله وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن الذي يأكل الحرام مثل الذي يأكل ولا يشبع والذي يأكل ولا يشبع ما يستفيد من أكله يكون دائماً نهماً يطلب الأكل وقوله عليه الصلاة والسلام (لعن الله آكل الربا) يحتمل أن يكون خبراً محضاً ويحتمل أن يكون خبراً بمعنى الدعاء وعلى كلٍّ فإنه يدل على أن الربا من كبائر الذنوب لأنه رتبت عليه اللعنة إما دعاءً وإما خبراً وهذا اللعن للعموم فلا يجوز أن نشهد على شخص معين يأكل الربا بأنه ملعون لأنه قد يكون له من الحسنات ما يمحو آثار الربا لكن نقول على سبيل العموم وهكذا يقال في كل نصوص الوعيد وكل نصوص الوعد أن تقال على التعميم لا على التعيين فمثلاً نحن نقول كل من وعمل صالحاً فله جنات المأوى نزلاً لكن هل نقول لشخص معين نراه مؤمناً يعمل الصالحات أنه من أهل الجنة؟ لا إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه مسألة يجب على طالب العلم أن ينتبه لها وآكل ربا واضح أنه انتفع به انتفعاً دنيوياً أما موكله فهو خسران كذلك وموكل الربا هو الذي يعطي الربا فهو خسران فكيف كان ملعوناً مساوياً لآكله كما جاء في آخر الحديث وقال (هم سواء) نقول لأن كونه يوكل الربا يدل على رضاه به وإعانته عليه ومن أعان على فعل فهو كفاعله و (شاهديه) لأن شاهدتهما أيضاً تدل على رضاهما به وعلى إثابته وكذلك يقال في


(الكاتب) لأنه إذا كتب الربا دل على رضاه به وعلى ثبوته بكتابته وهل يستفاد من هذا الحديث أن الكاتب لا يكون شاهداً لأنه قال (شاهديه وكاتبه)؟ الجواب لا يدل على هذا بل يدل على أن الإثبات يكون بشاهدين وكاتب ولكن يجوز أن يكون الكاتب أحد الشاهدين.
القارئ: وهو على ضربين ربا الفضل وربا النسيئة.
الشيخ: تكلمنا على الربا فيما سبق وقلنا إن الربا هو الزيادة ومنه قوله تبارك وتعالى (فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَت) أي علت وأما في الشرع فهو زيادة في أشياء يحرم فيها التفاضل وليس كل زيادة تسمى ربا في الشرع فلو بعت سيارة بسيارتين فهو جائز وإن كانت قيمة السيارتين أكثر لأن السيارات ليس فيها ربا.
القارئ: وهو على ضربين ربا الفضل وربا النسيئة.
الشيخ: والأصل هو ربا النسيئة وهو الأشد ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الربا في النسيئة) يعني الربا الأغلظ هو في النسيئة يعني بالتأخير أما ربا الفضل فهو وسيلة ولذلك صار فيه خلاف في العصر الأول ولكن الحمد الله أستقر الإجماع على تحريم ربا الفضل وربا النسيئة.

القارئ: والأعيان المنصوص على الربا فيها ستة مذكورة في حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الذهب بالذهب مثلاً بمثل والفضة بالفضة مثلاً بالمثل والتمر بالتمر مثلاً بمثل والبر بالبر مثلاً بمثل والشعير بالشعير مثلاً بمثل والملح بالملح مثلاً بمثل من زاد أو ازداد فقد أربى بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يداً بيد وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يداً بيد) رواه مسلم.


الشيخ: قوله عليه الصلاة والسلام (الذهب بالذهب مثلاً بمثل) ظاهره ولو اختلفا في المعيار كواحد وعشرين وأربعة وعشرين وذلك لأن الخلط الموجود في هذا الذهب خلط لإصلاحه كخلط الملح بالبر ونحوه والنبي عليه صلاة والسلام أطلق أن الذهب بالذهب مثلاً بمثل فإذا قال قائل لا يمكن لإنسان أن يبيع ذهباً بذهب وهو دونه في المعيار؟ قلنا بلا يمكن مثل أن يكون هذا الحلي أحسن في الصنعة من الحلي الآخر وأقل منه بالنسبة للمعيار فتكون زيادته في الصنعة مقابل لزيادته في المعيار وهما سواء وأيضاً هذا الخلط ليس خلطاً مقصوداً لذاته وإنما هو مقصود لإصلاح الذهب وتقويته لأن الذهب كما يقولون إذا لم يكن فيه الخلط من النحاس فإنه يكون ليناً لا يستقيم وكذلك يقال في الفضة وقوله (التمر بالتمر) أيضاً لا يزاد أحد الجزئين على الآخر ولو اختلفا في المنافع والمذاق والبقية خذها على هذا.
القارئ: واختلفت الرواية في علة الربا ثلاث روايات.
الشيخ: العبارة ركيكة ولعل الصواب (واختلفت الرواية في علة الربا على ثلاث روايات).


القارئ: واختلفت الرواية في علة الربا فيها على ثلاث روايات فأشهرن أن علته في الذهب والفضة الوزن والجنس وفي غيرهما الكيل والجنس لما روي عن عمار أنه قال العبد خير من العبدين والثوب خير من الثوبين فما كان يداً بيد فلا بأس به إنما الربا في النساء إلا ما كيل أو وزن ولأنه لو كانت العلة الطعم لجرى الربا في الماء لأنه مطعوم قال الله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي) فعلى هذا يحرم التفاضل في كل مكيل أو موزون من جنس سواء كان مطعوماً كالقطنيات أو غير مطعوم كالإشنان والحديد ويجري الربا فيما كان جنسه مكيلاً أو موزونا وإن تعذر الكيل فيه أو الوزن إما لقلته كالتمرة والقبضة وإما دون الأرزة من الذهب والفضة وإما لعظمه كالزبرة العظيمة وإما للعادة كلحم الطير لأنه من جنس فيه الربا فجرى فيه الربا كالزبرة العظيمة وما نسج من القطن والكتان لا ربا فيه نص عليه لحديث عمار وما عمل من الحديد ونحوه إن كان يقصد وزنه جرى فيه الربا لأنه تقصد زنته فجرى فيه الربا كلحم الطير ومالا تقصد زنته لا يجري فيه الربا كالثياب.

الشيخ: هذه الرواية هي المذهب أن العلة في الذهب والفضة الجنس والوزن والعلة في غيرهما الكيل وعلى هذا فيجري الربا في كل مكيل سواء كان يؤكل أو لا يؤكل ويجري الربا في كل موزون سواء كان ذهب أو فضة لكن كوننا نقول الوزن والجنس فيه نوع من التناقض إذا قلنا يجري الربا في الحديد والرصاص والصفر وما أشبه ذلك لأن هذه جنسه ليس ذهباً ولا فضة فلو قيل الوزن فقط لكان التعميم ممكناً هذا المذهب لكن ما المرجع في الوزن والكيل يعني ما مرجع كون هذا الشيء موزوناً وكون هذا الشيء مكيلاً سيأتي إن شاء الله تعالى في آخر البحث.


القارئ: والرواية الثانية العلة في الذهب والفضة الثمنية غالبا وفيما عداهما كونه مطعوم جنس لما روى معمر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام إلا مثلاً بمثل رواه مسلم ولأنه لو كان الوزن علة لم يجز إسلام النقد في الموزونات لأن اجتماع المالين في أحد وصفي علة ربا الفضل يمنع النساء بدليل إسلام المكيل في المكيل فعلى هذه الرواية يحرم التفاضل في كل مطعوم بيع بجنسه من الأقوات والأدام والفواكه والأدوية والأدهان المطيبة وغيرها وإن لم يكن مكيلاً ولا موزونا كالبطيخ والرمان والبيض ونحوها.


الشيخ: هذه الرواية يقول المؤلف (العلة في الذهب والفضة الثمنية) لكنه قيدها بقوله (غالبا) لأننا لو قلنا الثمنية فقط لانتقض علينا بالحلي فإن الحلي من الذهب والفضة يجري فيه الربا كما في حديث فضالة بن عبيد حين أشترى قلادة فيها ذهب وخرز بثني عشر ديناراً فلما فصلها وجد فيها أكثر من أثني عشر ديناراً فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع حتى تفصل ولهذا قال غالبا وأما غير الغالب فنقول الذهب والفضة يجري فيه الربا بكل حال سواء كان ثمناً أم لم يكن أما غير الذهب والفضة إذا كان ثمناً جرى فيه الربا وبناءاً على ذلك يجري الربا في الفلوس لأنها ثمن وفي الأوراق النقدية لأنها ثمن والقول الثاني في المسألة هذه أنه لا ربا في الفلوس ولا في الأوراق النقدية لكن هذا ليس عليه عمل ولا ينبغي أن يكون عليه عمل لأننا إذا قلنا بذلك أجزنا البنوك لأنهم الآن يتعاملون بالأوراق النقدية فإذا قلنا لا ربا فيها صار عملهم حلالاً طيباً والصواب أن العلة الثمنية غالباً إلا في الذهب والفضة لأن الذهب والفضة يجري فيه الربا بكل حال وماعداهما يقول المؤلف (كونه مطعوم الجنس) فعليه يجري الربا في كل مطعوم سواء كان يكال أو لا أو يوزن أو لا أو يقتات أو لا بل حتى بين التفاحتين يجري الربا أما بين التفاحة وبرتقالة فلا يجري الربا مع أنها مطعومات لكنها ليست مطعوم من جنس واحد فهذه من جنس وهذه من جنس وقوله (لو كان الوزن علة لم يجز إسلام النقد في الموزونات) نقول إن أصحاب القول الأول انفصلوا عن هذا الإيراد وقالوا أنه يستثنى من ذلك النقدان فإنه يجوز إسلامهما في الموزون والمكيل واستدلوا لهذا بحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم).


القارئ: والرواية الثالثة العلة كونه مطعوم جنس مكيلاً أو موزونا لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام إلا مثلاً بمثل والمماثلة المعتبرة هي المماثلة في الكيل والوزن فدل على أنه لا يحرم إلا في مطعوم يكال أو يوزن ولا يحرم فيما لا يطعم كالإشنان والحديد ولا فيما لا يكال كالبطيخ والرمان.


الشيخ: هذه الرواية أقرب الروايات لأنك إذا تأملت البر والتمر والشعير وجد أنها مكيلة وفي نفس الوقت مطعومة ففيها الكيل والطعم بل فيها زائد على ذلك وهو القوت أنها قوت تقتات وتدخر والواجب ألا نلحق بهذه المذكورات المعينة في الحديث إلا ما كان مطابقاً لها تماماً لأن الأصل الحل أحل الله البيع فكل بيع فهو حلال إلا ما دلت النصوص على تحريمه ونحن لا نجزم بأن كل مكيل ففيه ربا أو كل موزون فيه ربا لا نجزم بهذا وعلى هذا فيجب أن نعتني بتحقيق المناط في مسألة الأعيان المعينة في الحديث وأن نلحق بها ما كان يماثلها تماماً فالبر والتمر والشعير كلها في الحقيقة أقوات وكلها مدخرة وكلها مكيلة فيبقى عندنا الملح والملح يقول شيخ الإسلام إنه مما يصلح به الطعام فالناس مضطرون إليه وطعام بلا ملح لا ذوق له ولا شهية له فلما كان الطعام محتاجاً إليه ولابد منه أجري مجرى الطعام وأما الذهب والفضة فالعلة كونهما ذهب وفضة بدليل جريان الربا في الحلي لكن هناك أيضاً ما يدل على أن العلة الأخرى مقصودة وهي الثمنية لأنها في الواقع أي الذهب الفضة هي أثمان الأعيان فالناس تقول بعني الدار بمائة جنيه يعني بمائة دينار أو بعني البعير بعشرة دراهم أو بدينار مثلاً فهي قيم الأشياء فالثمنية فيها واضحة ومعلوم أنها إذا كانت قيم الأشياء صارت محلاً لتلاعب التجار واستعمال الربا فيها فالظاهر أن نقول في مسألة الذهب والفضة العلة الثمنية كما قال المؤلف (غالباً) وما خرج عن الثمنية من الذهب والفضة فإن العلة فيه أنه ذهب وفضة وبعض العلماء يقول لا يقاس غيرها عليها إطلاقا وهؤلاء الظاهرية يقولون لا يمكن أن يحلق بهذه الأعيان الستة سواها لأن النبي عليه الصلاة والسلام أفصح الخلق وقد خص عليه الصلاة والسلام بأنه اختصر له الكلام وأعطي جوامع الكلم فلو كان ما ذكره هؤلاء القياسيون لكان الرسول يأتي بلفظ عام يريح الأمة من الخلاف والنزاع فلما عين هذه الأشياء وجب


أن تتعين والقياس عندهم كما هو معروف غير صحيح باطل ومن العلماء الفقهاء الذين يعتبرون القياس دليلاً شرعياً من قال يقتصر على هذه الستة كابن عقيل من فقهاء الحنابلة وعلل ذلك لأنه لما اختلفت الأمة في علة الربا وليس هناك نص فاصل وجب اطراحها لأن كل علة يحتمل أن تكون هي العلة أو تكون العلة غيرها فليست محل اتفاق وإذا لم تكن محل اتفاق فالواجب الاقتصار على النص وإلغاء العلل المظنونة التي قد تكون هي العلة في حكم الشرع وقد تكون غيرها فصار الآن امتناع إلحاق غير هذه الستة بها له وجهان الوجه الأول هو إبطال

القياس أصلاً وهذا مذهب الظاهرية والثاني عدم اتفاق العلماء على علة معينة فإذا كانت العلل مختلفة بين العلماء فلتطرح هذه العلل.
السائل: القول الذي اخترناه هل جمع بين الروايتين الثانية والثالثة أم الثالثة فقط؟


الشيخ: لا هو من الثانية والثالثة في الواقع وأنا أقول يجب أن نتدبر هذه الأعيان المنصوص عليها تدبراً تاماً حتى نحقق المناط هل إن الرسول حرم الربا في البر لأنه مطعوم أو لأنه مكيل أو لأنه جامع بين كونه مكيلاً ومطعوماً وقد يأتينا إنسان ثالث ويقول هناك علة ثالثة وهي أنه مدخر وقوت فألحقوا هذه العلة به وقولوا المكيل المطعوم القوت وكذلك الشعير فالشعير في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كان قوتاً وهو أكثر استعمالاً فالمسألة فيها شيء من التأمل وأما الذهب والفضة فجاء في الحديث الذي لم يذكره المؤلف (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) وأُورد على هذا أنه مقتضى هذا الحديث أنك لو اشتريت صاعاً من البر بدرهم فلابد من التقابض؟ ولكن هذا ليس بواجب يعني أنه يجوز أن تشتري صاعاً من البر بدرهم وإن لم تقبض والدليل على هذا هو السلم في حديث ابن عباس كان الناس يعطون دراهم لثمار لم تأتي بعد يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) المسألة هذه ليست هينة بل خطيرة جداً لأن مرتكب الربا عليه الوعيد الشديد ولأننا أيضاً إذا ضيقنا على الناس وحرمنا عليهم ما لم يحرمه الله أصبح الأمر مشكل فهذا يحتاج إلى نظر عميق وتأمل وعسى الله أن يأتي بالفتح.
السائل: اختلاف العيار في الذهب الآن بالموازين الدقيقة يمكن تحديد الفرق بالضبط ونسبة الذهب وما خلط به فهل يختلف الحكم الآن؟
الشيخ: هذا لا يضر لأن هذا كالملح في الطعام لا أثر له وهذا ظاهر السنة وظاهر كلام العلماء أنه لا فرق أما لو كان متميزاً بأن يكون هذا قد خلط فيه شيء متميز مثلاً شريط من النحاس أو شريط من الرصاص فهذا واضح.
السائل: إذاً ما هو الضابط؟
الشيخ: الضابط ما سمي ذهباً فهو ذهب.
السائل: الساعة إذا طليت بالذهب هل نقول إنها يجري فيها الربا؟


الشيخ: إذا طليت بشيء له جرم فإنها تمنع من أن تباع بذهب وإن كان ليس له جرم مجرد لون فلا بأس لأن هذا مجرد زينة.
السائل: أثر عمار (العبد خير من العبدين والثوب خير من الثوبين فما كان يداً بيد فلا بأس به) مع أن هذه الأصناف التي ذكرها ليست ربوية؟

الشيخ: نعم لكن هناك قول للعلماء أنه إذا بيع الشيء بالشيء نسيئة جرى فيه الربا ولو لم يكن ربوياً وسيأتي إن شاء الله الكلام عليه.
السائل: من أراد أن يبيع الحلي وفيه أحجار كريمة هل نلزمه بأن ينزعها منها؟
الشيخ: لا بل يبيعه بغير الذهب وينتهي الإشكال أي يبيعه بالنقد أو يبيعه بسيارة أو يبيعه بجمل لأن المشكلة إذا بيعت بعضها ببعض إما إذا بيعت بشيء آخر فلا إشكال.

فصل
القارئ: وما يجري فيه الربا اعتبرت في المماثلة فيه في المكيل كيلا وفي الموزون وزنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب وزناً بوزن والفضة بالفضة وزن بالوزن والبر بالبر كيلاً بكيل والشعير بالشعير كيلاً بكيل) رواه الأثرم ولا يجوز بيع مكيل بنجسه وزنا ولا موزوناً كيلاً للخبر.
الشيخ: لعله (ولا موزونٍ بجنس) وعلى كل حال المراد ولا موزون بجنسه كيلا هذا المراد.
القارئ: ولأنه لا يلزم من تساويهما في أحد المعيارين التساوي في الآخر لتفاوتهما في الثقل والخفة.
الشيخ: المكيل إذا بيع بجنسه لابد أن يكون البيع كيلاً والموزون لابد أن يكون وزناً لأنه يختلف قد يكون هذا البر دَجِناً ثقيلاً والآخر خفيفاً فيكون نصف الصاع من هذا الدِّجن الثقيل يوازن صاع من هذا فلا تحصل المماثلة وكذلك يقال في الموزون إذا بيع كيلاً.
القارئ: ولا يجوز بيع بعضه ببعض جزافاً من الطرفين ولا من أحدهما.
الشيخ: جزافاً يعني بلا كيل ولا وزن مثل قال أعطيك هذه الكومة وتعطيني فهذه الكومة هذا لا يجوز أو قال أعطيك صاعاً من هذا البر بهذه الكومة من البر أيضاً لا يجوز.


القارئ: لما روى جابر قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر) رواه مسلم.
الشيخ: الحديث (نهى عن بيع الصبرة) والصبرة هي الكومة من الطعام (لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر) فُهم من الحديث (لا يعلم مكيلها) أنه لو علم مكيلها وباعها بمثل هذا الكيل فإنه لا بأس بذلك ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله لو باع صبرة من طعام بصبرة من طعام مثله ثم كيلتا فكانتا سواء فالبيع صحيح لأنه حصل المقصود فإذا علم إن هذه الكومة صاع من البر وأبدلناه بصاع من البر ونحن نعلم أن

هذه كيلت قبل عشر دقائق مثلاً ولم تتغير ولم يأتها ما يرطبها فهذا لا بأس به لقوله عليه الصلاة والسلام (لا يعلم مكيلها) ولو بعنا صبرتين إحداهما بالأخرى وكيلتا فكانتا سواء فالبيع صحيح.
القارئ: ولأن المماثلة لا تعلم بدون الكيل من الطرفين فوجب ذلك ومالا يكال ولا يوزن يعتبر التمثال فيه بالوزن لأنه أحصر ومنه مالا يتأتى كيله.
الشيخ: وما يوزن يعتبر بالوزن وعمل الناس الآن أنهم انتقلوا من الكيل إلى الوزن فصاروا يبيعون البر بالوزن ولا بأس إذا كانوا لا يبيعون بعضه بعض ولا بأس أن يبيعوه جزافاً أما إذا بيع بعضه ببعض فلابد من الكيل.

فصل
القارئ: والمرجع في الكيل والوزن إلى عادة أهل الحجاز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (المكيال مكيال أهل المدينة والميزان ميزان أهل مكة) ومالا عرف له بالحجاز يعتبر بأشبه الأشياء به بالحجاز في أحد الوجهين لأن الحوادث ترد إلى أقرب الأشياء شبهاً بها وهو القياس والثاني ترد إلى عرفه في موضعه لأن مالا حد له في الشرع يرد إلى العرف كالقبض والحرز.


الشيخ: إذاً قال لنا قائل ما هو الضابط فيما يكال أو يوزن؟ نقول نرجع إلى عرف الحجاز في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فالكيل لأهل المدينة والوزن لأهل مكة وما ليس له عرف فالصحيح أنه يعتبر عرفه في موضعه فإن كان يوزن فموزون وإن كان يكال فمكيل لأن رده إلى أقرب شبهاً به في الحجاز فيه صعوبة وفيه أيضاً عدم ضبط قد يقول هذا مشابه وقد يقول الآخر غير مشابه فليرجع في ذلك إلى ما يتعارفه الناس بينهم.

فصل
القارئ: والجيد والرديء والتبر والمضروب والصحيح والمكسر سواء في جواز البيع متماثلا وتحرميه متفاضلا للخبر وفي بعض ألفاظه (الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة بالفضة تبرها وعينها) رواه أبو داود وفي لفظ (جيدها ورديئها سواء).
الشيخ: هذا صحيح التبر والمضروب التبر هو القطع من الذهب أو الفضة والمضروب هو الذي جعل دراهم أو دنانير كله سواء لابد أن يتساوى وقوله (الصحيح هو المكسور أو المكسر) الصحيح الدرهم التام والمكسر أجزاء الدرهم كالربع والنصف والثلث.

فصل
القارئ: ولا يحرم التفاضل إلا في الجنس والواحد للخبر والإجماع وكل شيئين اتفقا في الاسم الخاص من أصل الخلقة فهما جنس كأنواع التمر وأنواع البر وإن اختلفا في الاسم من أصل الخلقة فهما جنسان كالستة المذكورة في الخبر لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الزيادة فيها إذا بيع منها شيء بما يوافقه في الاسم وأباحها إذا بيع بما يخالفه في الاسم فدل على أن ما اتفقا في الاسم جنس وما اختلفا فيه جنسان.
الشيخ: ولهذا نقول الجنس متعدد بأنواعه والنوع متعدد بأفراده فمثلاً التمر جنس متعدد بأنواعه والسكري منه نوع لأنه متعدد بأفراده فالجنس اسم خاص يشمل أنواعا.


القارئ: وعنه أن البر والشعير جنس لأن معمر بن عبد الله قال لغلامه فيهما لا تأخذن إلا مثلاً بمثل (فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلاً بمثل) رواه مسلم والمذهب الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الأعيان الستة (إذا اختلفت هذه الأصناف الستة فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) رواه مسلم وقال (لا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يداً بيد) رواه أبو داود وحديث معمر لابد فيه من إضمار الجنس الواحد.
الشيخ: لا يحتاج أن يقول الجنس الواحد بل نقول عن بيع الطعام بالطعام هو عام لكنه مخصوص بما إذا كان من جنسه ويفسره حديث عبادة (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) وربما يقال لعل معمر لم يبلغه حديث عبادة وظن أن ما كان طعاماً فإنه يحرم فيه التفاضل سواء اتفق الجنس أم لم يتفق لكن المرجع هو السنة.

فصل
القارئ: والمتخذ من أموال الربا معتبر بأصله فما أصله جنس واحد فهو جنس واحد وإن اختلفت أسماؤه وما أصله أجناس فهو أجناس وإن اتفقت أسماؤه فدقيق الحنطة والشعير جنسان ودهن اللوز والجوز جنسان وزيت الزيتون والبطم جنسان وكذلك خل العنب وخل التمر وعنه أنهما جنس والأول أصح لأنهما فرعا أصلين مختلفين فكانا جنسين كالأدقة وفي اللحم ثلاث روايات إحداهن أنه كله جنس واحد لأنه أشترك في الاسم الواحد حال حدوث الربا


فيه فكان جنساً واحدا كالتمر والثانية أنه أربعة أجناس لحم الأنعام ولحم الوحش ولحم الطير ولحم دواب الماء لأنها تختلف منفعتها والقصد إلى أكلها فكانت أجناسا والثالثة أنها أجناس لأنها فروع أجناس فكانت أجناساً كالتمر الهندي والبرني وبهذا ينتقض دليل الرواية الأولى والثانية لا أصل لها فعلى هذه الراوية لحم بهيمة الأنعام كلها ثلاثة أجناس ولحم بقر الوحش والأهلية جنسان وكل ما انفرد باسم وصفة فهو جنس وقال ابن أبي موسى لا خلاف عن أحمد أن لحم الطير والسمك جنسان وفي الألبان من القول نحو مما في اللحم لأنها من الحيوانات يتفق أسمها فأشبهت اللحم.
الشيخ: الصواب أن هذه أجناس باعتبار أصولها وعلى هذا فلحم الضأن والمعز جنس واحد لأن كلها غنم فهي جنس واحد أما لحم الضأن والبقر جنسان فيجوز أن أبيع رطلاً من لحم البقر برطلين من لحم الغنم أو بالعكس وهذا إذا قلنا بجريان الربا فيه أما إذا قلنا بعدم جريان الربا في اللحم فالمسألة واضحة يجوز التافضل بكل حال وسبق أن ذكرنا اختلاف العلماء رحمهم الله في علة الربا.
السائل: ما هو القول المعتمد في هذه الأقيسة في علة الربا مثل اللحم وغيره مما ذكر لأننا لم نرجح شيئاً؟
الشيخ: هو ما رجحنا شيء لأنها ما نضجت عندي المسألة تماماً لأن عندهم كل موزون ففيه الربا واللحم عندهم موزون والحديد موزون والرصاص وما أشبه ذلك كلها موزونة لكن ما نضجت عندنا فإما أن نتبع الأصل ونقول الأصل في البيع الحل إلا ما قام الدليل على التحريم فليس هناك دليل قائم يغتنمه الإنسان.
السائل: حتى لو قلنا بقول الظاهرية لكن ليس تباعاً للظاهرية بل لاضطراب العلل عند الجمهور؟


الشيخ: لا شك أن الرز والذرة والدخن وما أشبه ذلك تلحق بالبر فهذا الإنسان يطمئن إليه اطمئناناً تاماً لكن كوننا نلحق الأشنان بالبر هذا بعيد أو نلحق اللحم أيضاً لكن نعم لو فرض أنه قوت أناس يتقوتنه وييبسونه ويكون عندهم من جنس البر لقلنا بجريان الربا أما عندنا الآن اللحم ما يعتبر مثل هذا والظاهر لي أن اللحم ما فيه ربا إلا إذا جاء دليل عن الرسول عليه الصلاة والسلام بخصوص اللحم فمعلوم أن قول الرسول هو العمدة.

فصل
القارئ: واللحم والشحم والكبد والطحال والرئة والكلية والقلب والكرش أجناس لأنها مختلفة في الاسم والخلقة قال بعض أصحابنا الشحم والألية جنسان لذلك وقالوا اللحم الأبيض والأحمر الذي على الظهر والجنبين جنس لاتفقاهما في الدسم والقصد ويحتمل أن يكون الشحم

الذي يذوب بالنار كله جنساً واحدا لاتفاقهما في اللون والصفة الذوب بالنار وقد قال الله تعالى (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا) فاستثناه من الشحم.
الشيخ: معلوم أن الشحم يكون في الأيلاء ويكون على الظهر ويكون في البطن فهل يعتبر جنساً واحداً؟ كلام المؤلف يقول أنه ليس جنساً واحداً بل هو أجناس لكن الاحتمال الأخير الذي ذكره رحمه الله أقرب وهو أن الشحم كله جنس واحد.

فصل
القارئ: ولا يجوز بيع ما فيه ربا بعضه ببعض ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسه كمد بُرٍّ ودرهم بمد ودرهم أو بمدين أو درهمين.
الشيخ: هذان مع كل منهما من غير جنسه يعني مد بر بمدين أو درهمين كذلك وتسمى هذه عند الفقهاء مسألة مد عجوة ودرهم وفيها الرواية التي سيذكرها المؤلف.
القارئ: وعنه ما يدل على الجواز إذا كان مع كل واحد منهما من غير جنسه أو كان المفرد أكثر ليكون الزائد في مقابلة غير الجنس والأول المذهب.


الشيخ: في هذه الرواية (وعنه ما يدل على الجواز إذا كان مع كل واحد منهما من غير جنسه) جعل لمقابلة غير الجنس في مقابلة الآخر مثلاً مد ودرهم بمد ودرهم يقول أجعل المد في مقابل الدرهم والدرهم في الطرف الثاني في مقابل المد ولا شك أن بيع المد بدرهم جائز سواء كان المد والدرهم الثمن أو المثمن أما الثاني إذا كان المفرد أكثر من الذي معه غيره بحيث يكون الزائد في مقابل المصاحب، قال المؤلف (أو كان المفرد أكثر ليكون الزائد في مقابلة غير الجنس) مثاله مد ودرهم بمدين الرواية تقول أنه جائز لأننا نقول مد مقابل مد والمد الزائد مقابل الدرهم لكن بشرط أن يكون المد الثاني لا يساوي أقل من الدرهم أو أكثر لأنه إن كان أقل أو أكثر دخل النقص أو الزيادة على المد بالمد ولهذا يقول (ليكون الزائد في مقابلة غير الجنس) وهذا القول وهو الرواية الثانية أصح إلا أنها يخشى منها ألا يكون هناك دقة في تقويم الزائد مقابل الطرف الآخر بمعنى أن يبيع عليه مدين بمد ودرهم لكن الدرهم يساوي مد ونصف أو لا يساوي إلا نصف مد فحينئذ تكون الزيادة أو النقص لكن إذا تيقينا أن الزائد على المد مقابل الزائد في الطرف الآخر بدون زيادة ولا نقص فهذا لا وجه للمنع منه والمثال باع عليه مدين بمد ودرهم قيمة المدين درهمان وقيمة المد الذي مع الدرهم درهماً هنا صار الدرهم في مقابل المد هذا لا إشكال فيه لكن إذا كان المد يساوي درهمين وباعه بمد ودرهم فمعناه أنه نقص من الجانب الآخر وصار هناك زيادة في الجانب الثاني

فلا يجوز لأنه ربا فالمهم أننا نقول يجوز بشرط أن يكون الزائد في الطرف الآخر في مقابل الجنس الآخر في الطرف الثاني لا يزيد عليه ولا ينقص.
السائل: إذا اختلفت الصور مثل لو أبدل ذهباً بذهب مصنوع؟


الشيخ: مسألة الصنعة ليس لها دخل هنا وربما يذكرها المؤلف إن شاء الله أو نذكرها نحن بمعنى أنه إذا كانت الزيادة في مقابل الصنعة مثلاً هذا ذهب يساوي عشرة آلاف وذهب آخر يساوي عشرة آلاف ومائة لأنه مصنوع صناعة مرغوبة وجيدة والأول ليس كذلك فمن العلماء من يقول إنه جائز إذا كانت الزيادة في مقابلة الصنعة ومنهم من يقول أنه ليس بجائز وهذا لا شك أنه أحوط.
القارئ: لما روى فضالة بن عبيد قال أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلادة في ذهب وخرز ابتاعها بتسعة دنانير فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا حتى تميز بينهما) رواه أبو داود، ولأن الصفقة إذا جمعت شيئين مختلفي القيمة أنقسم الثمن عليهما بقدر قيمتهما بدليل ما لو اشترى شقصاً وسيفا فإن الشفيع يأخذ الشقص بقسطه من الثمن وإذا قسم الثمن على القيمة أدى إلى الربا لأنه إذا باع مدا قيمته درهمان ودرهما بمدين فقيمتهما ثلاثة حصل في مقابلة الجيد مدة وثلث فأما إذا باع نوعين مختلفي القيمة من جنس بنوع واحد من ذلك الجنس كدرهم صحيح ودرهم قُرَاضة بصحيحين فقال القاضي الحكم فيها كالتي قبلها لذلك وقال أبو بكر يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الفضة بالفضة مثلاً بمثل) ولأن الجودة ساقطة فيما قوبل بجنسه لما تقدم وعن أحمد منع ذلك في النقد وتجويزه في غيره لأنه لا يمكن التحرز من اختلاط النوعين.
الشيخ: والظاهر أنه إذا لم يكن ربا فلا بأس به لعموم قول الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) فهو بيع لا ربا فيه فيكون حلالاً بأي صورة وقع.
السائل: في بعض المحلات تباع كراتين معينة فإذا فتح الكرتون وجد ثلاث ريالات فهل في ذلك شيء؟
الشيخ: لا هذه تافة وغير مقصودة.

فصل
القارئ: ولا يجوز بيع خالصه بمشوبه كحنطة فيها شعير أو زوان بخالصة أو غير خالصة.

السائل: ماهي الزوان؟
الشيخ: ما أدري ما هي الزواني.


القارئ: أو لبن مشوب بخالص أو مشوب أو عسل في شمعه بمثله إلا أن يكون الخلط يسيراً لا وقع له كيسير التراب والزوان ودقيق التراب الذي لا يظهر في الكيل لأنه لا يخل بالتماثل ولا يمكن التحرز منه.
الشيخ: الخالص بالمخلوط لا يجوز كصاع بر ليس فيه خلط بصاع بر لكن فيه شعير وهذه إذا كان الخلط كثيراً أما الخلط اليسير كحبة أو حبتين في الصاع أو عشرة حبات أو ما أشبه فهذا لا يضر لأنه لا يأخذ منه بر غالباً فالشيء اليسير الذي لا يمكن التحرز منه لا بأس به أما شيء بيِّن نصفه شعير ونصفه حنطة بصاع كله حنطة فهذا لا يجوز.

فصل
القارئ: وما اشتمل على جنسين بأصل الخلقة كالتمر فيه النوى فلا بأس ببيع بعضه ببعض لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح بيع التمر بالتمر وقد عَلِمَ أن في كل واحد نوى ولو نزع النوى ثم ترك مع التمر صار كمسألة مد عجوة لزوال التبعية.
الشيخ: إذا باع تمر بتمر يجوز مع أن في كل واحد منهما ما ليس من جنسه لكنَّ هذا تابع والنبي صلى الله عليه وسلم قال (التمر بالتمر مثلاً بمثل) ولو نزع النوى وباع التمر ونواه بتمر آخر ونواه فلا يجوز سواء نزع النوى من التمر الثاني أم لم ينزع لأنه يكون كمسالة مد عجوة ودرهم.
القارئ: ولو نزع من أحدهما نواه ثم باعه بتمر فيه نواه فكذلك وإن باع النوى بمثله والمنزوع بمثله جاز لأنه جنس متماثل وإن باع المنزوع وحده بالنوى جاز فيه التفاضل لأنهما جنسان.
الشيخ: كأن يعطيه صاعين من النوى بصاع من التمر فلا بأس سواء كان التمر فيه نواه أو كان منزوع النوى.


القارئ: وإن باع النوى بتمر فيه نواه ففيه روايتان إحداهما لا يجوز لأنه في معنى مسألة مد عجوة والثانية يجوز لأن ما فيه الربا غير مقصود في أحد الجانبين فلم يمنع كبيع دار مموهٍ سقفها بذهب وكذلك يُخرَّج في بيع شاة لبون بلبن أو ذات صوف بصوف أو لبون بمثلها فإن كانت محلوبة اللبن جاز وجهاً واحدا لأن الباقي لا أثر له فهو كالتمويه في السقف ويجوز بيع شاة ذات صوف بمثلها وجهاً واحدا لأن ذلك لو حرم لحرم بيع الغنم بالغنم قال أبو بكر يجوز بيع نخلة مثمرة بمثلها وبتمر لأن التمر عليها غير مقصود ومنعه القاضي لكون الثمرة معلومة يجوز إفرادها بالبيع بخلاف اللبن ومنع القاضي بيع اللحم بجنسه إلا منزوع العظام لأن العظم من غير جنس اللحم فأشبه الشمع في العسل ويحتمل الجواز لأن العظم من أصل الخلقة فأشبه النوى في التمر بخلاف الشمع.
الشيخ: والأخير هو الصحيح فالصحيح أنه جائز إلا إذا كان العظم كثيراً وأما ما جرت به العادة فلا بأس.

فصل
القارئ: وما فيه خلط غير مقصود لمصلحته كالماء في خل التمر والذبيب ودبس التمر والملح في الخبز والشيرج في الخبيص ونحوه لا يمنع بيعه بمثله لأنه لمصلحته فأشبه رطوبة الرطب ولا يجوز بيعه بخالص كخل الذبيب بخل العنب والخبز الرطب باليابس كما لا يجوز بيع الرطب بالتمر.


الشيخ: مر علينا أنه لا يباع الربوي بجنسه ومعه من غير الجنس أو مع الاثنين من غير الجنس وذكرنا الخلاف فيما إذا كان مع الاثنين من غير الجنس وأن بعض العلماء أجازه وأجاز أيضاً إذا بيع الربوي بمثله ومعه من غير جنسه بشرط أن يكون الثاني مساوي له في القيمة بحيث يكون زائداً على المخلوط بقدر قيمة الخليط أما الشيء الذي غير المقصود وإنما هو لمصلحة الربوي كالماء في خل التمر والزبيب وكذلك دبس التمر فهذا لا يضر فيجوز أن يبيع الإنسان التمر لا دبس فيه بتمر فيه دبس لأن هذه الدبس المخلوط مع التمر لمصلحته من أجل أن يكون رطباً ومن أجل أن يكون ألذ وأحلى ومثله أيضاً الملح في الدقيق والملح في الخبز لا يضر.

فصل
القارئ: ولا يجوز بيع نيئه بمطبوخه لأن النار تذهب برطوبته وتعقد أجزاءه فتمنع تساويهما ويجوز بيع مطبوخه بمثله إذا لم يظهر عمل النار في أحدهما أكثر من الآخر لتساويهما في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان في ثاني الحال كالخبز بالخبز والشواء والسكر والعسل المصفى بالنار بمثله.
الشيخ: النيئ بالمطبوخ لا يجوز ولو تساويا وذلك لأن النار تذهب الرطوبة من المطبوخ فلا تتحقق به المساواة وأما إذا كان مطبوخاً بمطبوخ فلا بأس لكن بشرط أن يتساويا فيما أخذته النار من كل واحد منهم.

فصل
القارئ: ولا يجوز بيع حبه بدقيقه وعنه الجواز إذا تساويا وزنا لأن الدقيق أجزاء الحب فجاز بيعه به كما قبل الطحن والمذهب الأول لأن البر ودقيقه مكيلان.


الشيخ: الصحيح الرواية الثانية أنه يجوز بيع الحب بدقيقه إذا استويا وزناً لأن استواءهما وزناً يدل على أنه لا فرق بينهما أما كيلاً فلا لأن الحب إذا طحن ازداد فتجد الصاع من الحب يكون بالدقيق صاعاً ونصف أو نحو ذلك لكن بالوزن يكون متساوي لأن الدقيق الذي في جوف الحبة لم يزد بالطحن لكن لابد أن يكون الخارج من الرحى خارجاً كله بمعنى أنه عندما نريد أن نضع صاعاً من القمح في الرحى ونطحنه ثم نبدله بصاع من القمح غير مطحون لابد أن لا يتأخر أجزأ من الطحين وإذا كنا نريد أن نزنه زال الإشكال فلابد أن نزن الدقيق بالحب الذي لم يطحن حتى يكونا سواء في الميزان.
القارئ: ولا بيع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزنا ولا يمكن التساوي في الكيل.
الشيخ: هذا أيضاً فيه خلاف وهو بيع المكيل وزناً فإن من العلماء من أجازه وقال إن الضبط بالوزن أقوى من الضبط بالكيل فيجوز أن أبيع عليك رطلاً من البر برطل من البر لكن بشرط أن يستويا وزناً بوزن وبشرط أن يستويا في النشاف والرطوبة لأنه من المعلوم أنه إذا كان أحدهما أكثر رطوبة من الآخر فسوف يكون وزنه أثقل.

القارئ: ولا بيع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزناً، ولا يمكن التساوي في الكيل، لأن الطحن فرق أجزاء الدقيق ونشرها، ويجوز بيع كل واحد من الدقيق والسويق بمثله إذا تساويا في الكيل والنعومة، لما ذكرنا في المطبوخ بمثله، ولا يجوز إذا تفاوتا في النعومة لأنه يمنع تساويهما في الكيل إلا على قولنا يجوز بيع الحب بدقيقه وزناً.

السائل: لو زدنا في وزن الحب الذي لم يطحن وكانت الزيادة في مقابل العمل للطحن؟


الشيخ: المذهب لا يعتبرون هذا ما زاد بالصنعة لا عبرة به وهذا هو الأقرب أنه لا عبرة به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال التمر الطيب الذي يأخذ الصاع منه بالصاعين من الرديء قال (هذا عين الربا) فمنع الرسول عليه الصلاة والسلام من الزيادة في مقابلة الوصف لكن لقائل أن يقول هذا زيادته بأصل الخلقة بخلاف ما زاد بالصنعة فإنه زاد بعمل آدمي ولكن مع ذلك سد الباب أولى لأننا حتى لو قلنا بجواز الزيادة مقابل الصنعة فهل نحن نضمن إن الزيادة في غير المصنوع بقدر قيمة الصنعة تماماً؟ لا ندري قد يضيفون أكثر من قيمة الصنعة لذلك نرى أن سد الباب أولى ويقال الحمد الله الأمر واسع بيع هذا الذهب الذي غير مصنع وأستلم الدراهم ثم اشتري ذهب مصنع.
السائل: المؤلف رحمه الله يقول (ولا يجوز بيع حبه بدقيقه وعنه الجواز إذا تساويا وزناً) معلوم أن المذهب هو الأول ونحن رجحنا الرواية الثانية فما وجه الترجيح في ذلك؟
الشيخ: المذهب أنه لا يجوز فالمكيل لا يباع إلا كيلاً والموزون لا يباع إلا وزناً ونحن رجحنا الرواية الثانية ووجه ذلك لأن التساوي حاصل فمادام بالوزن فالتساوي حاصل.
السائل: وفي الأشياء الأخرى مثل الحبوب الغير مطحونة ماذا يقال فيها؟
الشيخ: هناك رواية أعم من هذا وهي أن ما يباع كيلاً ويعتبر بالكيل فإنه يجوز أن يعتبر بالوزن ولا عكس لكن بشرط التساوي في الرطوبة واليبوسة.

فصل
القارئ: ولا يجوز بيع أصله بعصيره كالزيتون بزيته والسمسم بالشيرج والعنب بعصيره لأنه لا يتحقق التماثل بين العصير وما في أصله منه ويجوز بيع العصير بالعصير لما ذكرنا في المطبوخ ولا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه لما روى سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع اللحم بالحيوان) رواه مالك في الموطأ ولأنه جنس فيه الربا بيع بأصله الذي فيه منه


فلم يجز كالزيتون بالزيت وإن باع اللحم بحيوان لا يؤكل جاز لعدم ما ذكرناه وإن باعه بحيوان مأكول غير أصله وقلنا هما جنس واحد لم يجز وإلا جاز.

فصل
القارئ: ويجوز بيع اللبن باللبن حليبين كانا أو رائباً وحليبا لأن رائب لبن خالص إنما فيه حموضة ولا يجوز بيع لبن بما استخرج منه من زبد وسمن ومخيض ولا زبد بسمن لأنه مستخرج منه أشبه الزيتون بالزيت وعنه يجوز بيع الزبد باللبن إذا كان أكثر من الزبد الذي في اللبن والسمن مثله وهكذا مسألة مد عجوة والظاهر تحريمه ولا يجوز.
الشيخ: قوله (والظاهر تحريمه) يعني سداً للباب لأن ضبط كون هذا أكثر وأقل أو ما أشبه ذلك صعب فسد الباب أولى وهكذا المحرمات الشديدة تجد الشارع يسد كل طريقاً يمكن أن يوصل إليها فمثلاً الزنى سد الشارع كل طريق يوصل إليه فسد خروج المرأة متبرجة وكشف وجهها وتطيبها وما أشبه ذلك مع أن الأصل أن هذا جاز لكن خوفاً من الفتنة منع منها والربا أيضاً كمسألة العينة وهي أن يبيع شيئاً بمثن مؤجل ويشتريه بأقل نقداً سد الشارع الباب لئلا يتخذ وسيلة للربا مع أنها في صورتها الظاهرة مباحة فهي رجل باع شيئاً ثم اشتراه وعلى كل حال نقول في هذه المسائل التي ذكرها المؤلف رحمه الله مسألة عجوة ودرهم إذا كان المنفرد أكثر من الذي معه شيء نقول سد الباب أولى إبعاداً عن الربا ووسائله وذرائعه.
القارئ: ولا يجوز بيع لبن مائع بجامد لأنهما يتفاضلان ويجوز بيع السمن والزبد والمخيض واللباء والجبن والمصل بمثله إذا تساويا في الرطوبة والنشافة ولم ينفرد أحدهما بمس النار له ويجوز بيع السمن بالمخيض متفاضلا لأنه ليس في أحدهما شيء من الآخر وبيع الزبد بالمخيض نص عليه لأن اللبن في الزبد يسير غير مقصود أشبه الملح في الشيرج ولا يجوز بيع شيء من هذه الأنواع بنوع لم ينزع زبده كالجبن والمصل لما ذكرنا في بيعه باللبن.

فصل


القارئ: ولا يجوز رطبه بيابسه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع الرطب بالتمر) متفق عليه وعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل بيع الرطب بالتمر فقال (أينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم فنهاه عن ذلك) رواه أبو داود فنهى وعلل بأنه ينقص عن يابسه.

الشيخ: قول الرسول عليه الصلاة والسلام (أينقص الرطب إذا يبس) لا يخفى عليه هذا الأمر أنه ينقص لكن أراد أن يبين العلة في المنع التي يطمئن إليها حتى السائل وهذا من حسن تعليمه عليه الصلاة والسلام ونظيره أن رجلاً قال يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلام أسود وهو أبيض والمرأة بيضاء فكأنه يريد لماذا تلد غلام أسود والأب أبيض والأم بيضاء فقال له النبي عليه الصلاة والسلام وقد علم أنه صاحب إبل فقال ألك إبل قال نعم قال ما ألوانها قال حمر قال هل فيها من أورق قال نعم فهنا من أين جاء الأورق قال الأعرابي لعله نزعه عرق يمكن أجداده أو جداته فيها شيء أورق قال وأبنك هذا أو قال غلامك لعله نزعه عرق فالنبي عليه الصلاة والسلام دائماً يقرب الأحكام بما يقر به السائل حتى يكون ذلك أبلغ في الطمأنينة.


القارئ: فدل على أن كل رطب يحرم بيعه بيابسه ويجوز بيع رطبه برطبه لأن مفهوم نهيه عن بيع الرطب بالتمر إباحة بيعه بمثله ولأنهما تساويا في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان فجاز بيعه به كاللبن باللبن وذكر الخرقي أن اللحم لا يباع إلا باللحم إلا إذا تناهى جفافه فدل على أن كل رطب لا يجوز بيعه بمثله اختارها أبو حفص لأنهما لم يتساويا حال الكمال والمذهب الجواز وقال القاضي لم أجد بما قال الخرقي رواية عن أحمد فصل ويجوز بيع العرايا وهو بيع الرطب على رؤوس النخل خرصاً بالتمر على وجه الأرض كيلاً لما روى أبو هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في العرية في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق) متفق عليه وإنما يجوز بشروط خمسة أحدها أن يكون دون خمسة أوسق وعنه يجوز في الخمسة لأن الرخصة ثبتت في العرية ثم نهى عما زاد على الخمسة وشك الراوي في الخمسة فردت إلى أصل الرخصة والمذهب الأول لأن الأصل تحريم بيع الرطب بالتمر خولف فيما دون الخمسة بالخبر والخمسة مشكوك فيها فترد إلى الأصل.
الشيخ: يُعارض هذا بأن يقال الأصل في البيوع الحل فلا يحرم إلا ما تُيقن أنه حرام ولا نتيقن أنه حرام إلا إذا زادت على الخمسة واضح والنظر الذي ذكره المؤلف معارض بنظر آخر لكن يقال سلوك الاحتياط أولى وإذا كان محتاجاً فليبع تمره ويشتري الرطب.
القارئ: الثاني أن يكون مشتريها محتاجاً إلى أكلها رطبا لما روى محمود بن لبيد قال قلت لزيد بن ثابت ما عرياكم هذه فسمى رجالاً محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطباً يأكلونه وعندهم فضول من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العاريا بخرصها من التمر يأكلونها رطبا متفق عليه.


الشيخ: عندنا تعليق على قوله (متفق عليه) يقول: جاء في هامش الأصل قوله متفق عليه وهم فإن هذا الحديث لم يخرج في الصحيحين ولا في أحدهما بل ولا شيء من السنن وليس لمحمود بن لبيب عن زيد رواية في شيء من الكتب الستة بل وليس هذا الحديث في مسند أحمد ولا السنن الكبير البيهقي وقد فتشت عليه في كتب كثيرة فلم أرى له إسناداً (1) والله الموفق للصواب.
القارئ: والرخصة الثابتة لحاجة لا تثبت مع عدمها فإن تركها حتى تتمر بطل البيع لعدم الحاجة.
الشيخ: لا شك أنه إذا تركها حتى تتمر عمداً فالبيع باطل لأنه تحيل على شراء الرطب بالتمر لكن أحياناً يتركها عجزاً لمرض أو لغيره أو يقول اليوم أو غداً أو بعد غداً فهل نقول يبطل البيع؟ الظاهر أنه لا يبطل في هذه الحال وصورة المسالة رجل فقير جاء وقت الرطب وليس عنده دراهم وعنده تمر من العام الماضي فجاء إلى صاحب البستان وقال يا فلان أنا ليس عندي دراهم وأريد الرطب أتفكه به مع الناس نقول لا بأس لكن اخرص الرطب كم يأتي تمراً فقال يأتي التمر خمسين صاع فعنده الآن تمر خمسين صاع فتبادلا فهل هذا يجوز أو لا يجوز؟ الجواب يجوز لكن هذا الفقير الذي سلم التمر وأخذ الرطب تركه على النخل حتى صار تمراً فهل يبطل البيع لأنه إنما جاز الرطب بالتمر من أجل أن يتفكه هذا الفقير مع الناس والآن أتمر الرطب فهل يبطل؟ المؤلف يقول أنه يبطل البيع لأن الحاجة الآن زالت ونحن نسلم للمؤلف بهذا ونقول يبطل لكن إذا تركها عمداً أما إذا تركها لعذر فالظاهر أن البيع لا يبطل لأن الحيلة هنا بعيدة فلا ينبغي أن نبطل لا سيما أن الفلاح أخذ التمر وربما تصرف فيه ببيع أو هبة أو أكل.
القارئ: الثالث أن لا يكون له نقداً يشتري به للخبر.
__________
(1) قال الشيخ محمد بن عثيمين بعد أن كلف أحد الطلبة ببحث الحديث فلم يجده لا في البخاري ولا في مسلم وإنما وجد أصل الحديث عن العرايا فقال رحمه الله: لعل أبا محمد رحمه الله أراد الأصل.


الشيخ: قوله (للخبر) ما هو الخبر؟ (أنهم قالوا: نقد بأيديهم) كما في الحديث.
القارئ: الرابع أن يشتريها بخرصها للخبر (ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا) متفق عليه.
الشيخ: وهنا قام الخرص مقام اليقين والخرص ظن وتخمين فقام مقام اليقين لدعاء الحاجة وتعذر اليقين فاليقين متعذر لأنه رطب فكيف نعرف أنه يساوي هذا التمر كيلاً.
القارئ: ولابد أن يكون التمر معلوماً بالكيل للخبر وفي معنى الخرص روايتان إحداهما أن ينظر كم يجيء منها تمرا فيبيعها بمثله لأنه يخرص في الزكاة كذلك والثانية يبيعها بمثل ما فيها من الرطب لأن الأصل اعتبار المماثلة في الحال بالكيل فإذا خولف الدليل في أحدهما وأمكن ألا يخالف في الآخر وجب ولا يجوز بيعها برطب ولا تمر على نخل خرصاً.

الشيخ: الظاهر أنها بما تؤول إليه خرصاً لا باعتباره في الوقت الحاضر لأنها تختلف لكن بما تؤول إليه بمعنى أن يقال هذا الرطب لو كان تمراً كم يكون من صاع قال يكون خمسين صاع وهو عنده من التمر خمسون صاعا.
القارئ: الخامس أن يتقابضا قبل تفرقهما لأنه بيع تمر بتمر فاعتبرت فيه أحكامه إلا ما استثناه الشرع والقبض فيما على النخل بالتخلية وفي التمر باكتياله فإن كان حاضراً في مجلس البيع اكتاله وإن كان غائباً مشيا إلى التمر فتسلما وإن قبضه أولاً ثم مشيا إلى النخلة فتسلمها جاز واشترط الخرقي كون النخلة موهوبة لبائعها لأن العرية أسم لذلك.


الشيخ: اشتراط الخرقي رحمه الله ضعيف وإن كان العارية في الأصل الهبة لكن نقلت إلى معنى آخر في الشرع هذه الشروط خمسة الأول أن تكون دون خمسة أوسق وفيما هو خمسة أوسق روايتان والثاني أن يكون المشتري محتاجاً إلى الرطب والثالث ألا يكون عنده نقد يشتري به والرابع أن يشتريها بالخرص يعني مايكون هكذا جزافاً بأن يقول خذ هذا التمر في هذا الكيس وأعطني هذه الثمرة التي على النخلة فلابد من الخرص والخامس أن يتقابضا قبل التفرق فإن كان التمر حاضراً تحت النخلة قال خذ التمر وخلي بيني وبين النخلة وإن كان في بيته قال خلي بيني وبين النخلة ثم يمشيان جميعاً إلي البيت ويسلمه التمر والخلاصة أن العارية مستثناة من ربا الفضل لأن الأصل أنه لا يجوز بيع التمر بالرطب لأنه ينقص إذا جف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فهي مستثناة للحاجة وأخذ العلماء رحمهم الله من ذلك أن ما حرم تحريم الوسائل فإنه يجوز عند الحاجة ولا يشترط فيه الضرورة وهذه قاعدة مفيدة ما حرم تحريم الوسائل أباحته الحاجة وكذلك ما كان مشتبهاً في تحريمه تبيحه الحاجة وهذه أيضاً قاعدة مفيدة كثيرا لأن بعض المسائل يشك الإنسان في تحريمها فإذا أخذنا بهذه القاعدة وقلنا إن الحاجة تخفف التحريم لأن الأصل عدمه صارت مفيدة لك إذاً ما حرم تحريم الوسائل تبيحه الحاجة وما حرم على سبيل الاحتياط للشك فيه تبيحه الحاجة وانظر الآن مثلاً وجه المرأة محرم يحرم النظر إليه خوفاً من الفتنة المؤدية إلى الفاحشة لكن إذا احتيج إلى النظر إلى وجه المرأة كان جائزاً وإن لم يكن ضرورة حتى قال الفقهاء رحمهم الله للبائع أن يقول للمرأة إذا أرادت أن تشتري منه اكشفي وجهك لكي أعرفك إذا جاءت بالثمن ويجوز نظر الشاهد لوجه المشهود عليها ويجوز نظر الخاطب لوجه المخطوبة لأنه محرم تحريم الوسائل فالشروط الآن خمسة الأول أن يكون دون خمسة أوسق وفي الخمسة خلاف الثاني أن يكون المشتري محتاجاً إلى أكل الرطب


والثالث أن لا يكون معه نقد يشتري به الرابع أن يشتريها بالخرص بمعنى أن يخرص الرطب كم يجئ تمراً ثم يعطى صاحب النخل بمثل ذلك الخرص والخامس أن يتاقبضا قبل التفرق لئلا يقعا في ربا النسيئة ولو فرض أن المشتري يحتاج أكثر من خمسة أوسق لأنه مضياف والعائلة كثيرة ولا يكفيه خمسة أوسق نقول لا بأس يشتري من صاحب

البستان هذا خمسة ومن صاحب البستان الآخر خمسة وهكذا فالمهم أن لا يقع العقد على أكثر من خمسة وإن تعدد البائعون.
القارئ: واشترط أبو بكر والقاضي حاجة البائع إلى بيعها وحديث زيد بن ثابت يرد ذلك مع أن اشتراطه يبطل الرخصة إذا لا تتفق الحاجتان مع سائر الشروط فتذهب الرخصة فعلى قولنا يجوز لرجلين شراء عريتين من واحد وعلى قولهما لا يجوز إلا أن ينقصان لمجموعهما عن خمسة أوسق ولا يجوز لواحد شراء عريتين فيهما جميعاً خمسة أوسق لأنه في معنى شرائهما في عقد واحد.
الشيخ: هذه المسألة فيها نظر أنه لا يجوز لواحد شراء عريتين فيهما جميعاً خمسة أوسق فنقول نعم إذا كان في عقد واحد فهذا صحيح أما في عقدين مختلفين فلا مانع لأنه كما قلنا سابقاً ربما يكون المشتري يحتاج أكثر من ذلك لكثرة الضيفان عنده أو كثرة عائلته أو ما أشبه ذلك.

فصل
القارئ: قال ابن حامد لا يجوز بيع العرايا في غير ثمرة النخل لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة بيع الثمر بالتمر إلا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم وعن بيع العنب بالزبيب وعن كل ثمر بخرصه) وهذا حديث حسن ولأن غير التمر لا يساويه في كثرة اقتياته وسهولة خرصه فلا يقاس عليه غيره وقال القاضي يجوز في جميع الثمار لأن حاجة الناس إلى ربطها كحاجتهم إلى الرطب ويحتمل الجواز في التمر والعنب خاصة لتساويهما في وجوب الزكاة فيهما وورود الشرع بخرصهما وكونهما مقتاتين دون غيرهما.


الشيخ: الصحيح أن الرخصة إذا وردت في شيء فإنه يلحق به ما شابهه فقط فإذا قدرنا أن هناك أناس يقتاتون التين كما يقتاتون التمر فإنه يجوز أن يشترى التين الرطب بالتين اليابس بشروط العرايا وقد ذكر لنا آباءنا وأجدادنا أنهم كانوا هنا يقتاتون التين كما يقتاتون التمر سواءً بسواء فإذا كان كذلك فإننا نقول تجوز العرايا في كل ما شابه التمر في كونه قوتاً وكما أن الناس يحتاجون إلى التفكه في الرطب يحتاجون أيضاً إلى التفكه في العنب والتفكه في التين أما التعميم ففيه نظر والتخصيص فيه نظر يعني تخصيصها بالتمر والعنب فيه نظر وتعميمها في كل شيء فيه نظر والصواب أن يقال يتعدى الحكم إلى ما شابه المرخص فيه فقط.

فصل في ربا النسيئة
القارئ: كل مالين اتفقا في علة ربا الفضل كالمكيلين والموزونين أو المطعومين على الرواية الأخرى لا يجوز بيع أحدهما بالآخر نساءً ولا التفرق قبل القبض.
الشيخ: الفرق بين النساءً والتفرق في القبض أن نساءً اشترط فيه التأخير لأجل يومين أو ثلاثة أو أكثر وأما التفرق بالقبض هو لم يشترط فيه التأخير لكنهما لم يتقابضا.
القارئ: لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يداً بيد) وعن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير إلا هاء وهاء) متفق عليه.


الشيخ: (هاء وهاء) بمعنى خذ وأعطي فهي أسم فعل أمر وعندنا نقول هاك فهل هي متصرفة من هاء أو هي اسم فعل مستقل إذا نظرنا إلى كلام النحويين فالظاهر أنها سم فعل مستقل إذا قال قائل إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد يتناول ما إذا بيع بر بدراهم هل يجب التقابض الصنف اختلف فهي دارهم من الفضة وبر فظاهر الحديث أنه يجب التاقبض قبل التفرق؟ فنقول نعم هذا هو ظاهر الحديث لكن هذا الظاهر معارض بما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من الترخيص في السلم قال ابن عباس (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسفلون في الثمار السنة والسنتين فقال من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) والسلم تقديم الثمن وتأخير المثمن فليس فيه التقابض بل فيه نساء أيضاً فيقال كما قال الفقهاء رحمهم الله ليس أحدهما نقدا فيشترط هذا فإن كان أحدهما نقداً جاز النساء سواء فيما وافقه في العلة كالحديد على رأي من يرى أن العلة الوزن أو لم يوافقه في العلة كالمكيل فالدراهم بحديد على القول بأن العلة الوزن تجوز ودليله حديث ابن عباس (في كيل معلوم ووزن معلوم) فعلى هذا يكون الاستثناء هكذا كلما اختلفت أصناف المبيعات التي فيها الربا فإنه يجوز فيها الفضل دون النساء إلا إذا كان أحدهما نقداً فإذا كان أحدهما نقداً فلا بأس من النساء.
السائل: إذا كان صاحب الرطب محتاجاً إلى التمر فهل تجوز له مسالة العرايا؟
الشيخ: ظاهر السنة أنه لا يجوز يعني لو احتاج صاحب النخل إلى تمر فإنه لا يجوز لأنه بإمكانه أن يبيع الرطب ويشتري تمر والرطب أغلى عند الناس في وقته من التمر.
السائل: ما هو الفرق بين الحاجتين حاجة صاحب النخل وصاحب التمر؟


الشيخ: الفرق السنة والأصل منع بيع الرطب بالتمر فإذا جاءت الرخصة في شيء منه يقتصر على ما ورد فقط والقاعدة أن ما ورد فيه الرخصة وأصله التحريم أقتصر على ما ورد لأن الأصل عموم التحريم في كل صورة.

السائل: إذا أحتاج صاحب التمر إلى ثلاثة أوسق من الرطب فهل له أن يشتري أربعة أوسق؟
الشيخ: لا، لا يجوز لأن ما قيد بحاجة يتقدر بقدرها.
القارئ: وما اختلفت علتهما كالمكيل والموزون إذا لم يتفقا في الطعم جاز التفرق فيهما قبل القبض رواية واحدة وفي النساء فيهما روايتان.
الشيخ: الفرق بين التفرق والنساء أن النساء يشترط التأخير يعني يشترط أحد المتعاقدين على الآخر تأخير القبض وأما عدم القبض قبل التفرق فهذا بدون شرط.
القارئ: وما لم يوجد فيه علة ربا الفضل كالثياب والحيوان ففيه روايات أربع إحداهن تجوز النساء فيهما لما روي عن عبد الله بن عمر وقال (أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن استسلف إبلا فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى مجيء المصدق) من المسند، والثانية لا يجوز لما روى سمرة قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) قال الترمذي هذا حديث صحيح والثالثة يحرم النساء في الجنس والواحد لهذا الخبر ويباح في الجنسين عملاً بمفهومه والرابعة يباح مع التساوي ويحرم مع التفاضل في الجنس والواحد لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الحيوان اثنان بواحد لا يصلح نساءً ولا بأس به يداً بيد) قال الترمذي هذا حديث حسن وعن ابن عمر أن رجلاً قال يا رسول الله أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل فقال (لا بأس به إذا كان يداً بيد) رواه أحمد في المسند ولا خلاف في جواز الشراء بالأثمان نساءً من سائر الأموال موزوناً كان أو غيره لأنها رؤوس الأموال فالحاجة دعاية إلى الشراء بها نساء وناجزاً.


الشيخ: والصواب ما دل عليه حديث عبد الله بن عمر والأول وهو جواز النساء والتفاضل لأنها ليست من الأموال الربوية والحاجة داعية إلى أن يأخذ الواحد باثنين وأما الرواية الثانية فهذا إن صح الحديث لأنه من رواية الحسن وقد قيل أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة لكن إن صح فالمراد إذا كان المقصود اللحم فإذا كان المقصود اللحم صار كأنه بيع لحم بلحم وهو لا يجوز نسيئة والثالثة يحرم النساء في الجنس الواحد لهذا الخبر ويباح في الجنسين أيضاً هذا يؤيد هذا الحمل أنه إذا كان المراد بذلك اللحم والرابعة أنه يباح مع التساوي ويحرم مع التفاضل الحديث يظهر عليه أثر الضعف لأن مثل هذا الأسلوب بعيد من أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم وصيغة الحديث تدل على أنه موقوف والله أعلم.

فصل
القارئ: فإن تفرقا قبل القبض فيما يشترط القبض فيه بطل العقد وإن تفرقا قبل قبض بعضه بطل في غير المقبوض وفي المقبوض وجهان بناءً على تفريق الصفقة.
الشيخ: قال المؤلف (بناءً على تفريق الصفقة) وسبق أن القول الراجح تفريقها فإذا باع عبداً وحراً بمائة صح في العبد ولم يصح في الحر.
القارئ: وما وجب التماثل فيه إذا بيع عيناً بعين فوجد في أحدهما عيب من غير جنسه بطل البيع لأنه يفوت التمثال المشترط وإن كان البيع في الذمة جاز إبداله قبل التفرق وهل يجوز بعد التفرق فيه روايتان إحداهما يجوز إذا أخذ البدل في مجلس الرد لأن قبض بدله يقوم مقامه والثانية يبطل العقد برده لأنهما تفرقا قبل قبض العوض وإن كان عيبه لمعنى لا ينقص ذاته كالسواد في الفضة والخشونة فيها فالعقد صحيح وليس له أخذ الأرش لأنه يخل بالتماثل وله الخيار بين فسخ العقد أو الإمساك وليس له البدل إن كان البيع عيناً بعين وإن كان البيع في الذمة فحكمه حكم القسم الذي قبله فأما مالا يجب التماثل فيه فله أخذ أرشه لأن التفاضل فيه جائز.


الشيخ: يعني كذهب بفضة فهذا يشترط فيه القبض وأما التماثل فغير شرط فإذا باع ذهباً بفضة فوجد في أحدهما عيباً قلنا الآن لك أن تأخذ أرش العيب لكن لا تتفرق إلا بعد أخذه.
القارئ: وحكمه فيما سوى ذلك حكم ما قبله.
الشيخ: انتهى باب الربا وأقسامه.