تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة

كتاب السلم
القارئ: السلم أن يسلم عيناً حاضرة في عوض موصوف في الذمة إلى أجل.
الشيخ: السلم أن يسلم عيناً حاضرة كالدراهم في عوض موصوف بالذمة فيقول اشتريت منك مائة صاع بر بمائة ريال وينقد الريال ولابد أن يكون المسلم فيه مؤجلاً بأجل ولهذا قال المؤلف (إلى أجل) فهنا أولاً مُسلَم ومُسلَم فيه ومُسلِم ومُسلَمٍ إليه فالمُسلِم هو المشتري والمُسْلَم إليه هو البائع والمُسلم هو الثمن والمُسلم فيه هو المثمن والمثمن لابد أن يكون موصوفاً في الذمة فلا يصح الثمن في عين فلو قلت اشتريت منك هذه السيارة بعوض قدره كذا وكذا والبيع مؤجل إلى سنة لا يصح أما إذا أجل الثمن فلا بأس أما أن تكون عين حاضرة فليس هذا بسلم بل هو بيع عين بعين لابد أن يكون السلم موصوفاً في الذمة ولابد أن


يكون إلى أجل وظاهر كلام المؤلف إلى أجل قليل أو كثير لكن الفقهاء رحمهم الله قالوا لابد أن يكون لهذا الأجل تأثير في القيمة يعني له وقع في الثمن _ والمثال مرة أخرى نقول أتيت إلى فلاح عنده نخل فقلت أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع من التمر يحل بعد سنة فهذا جائز والدليل أنه قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار وأجاز ذلك وبه نعرف أن حديث عبادة بن الصامت (إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يد بيد) أنه يستثنى ما إذا كان أحدهما نقداً أي دراهم أو دنانير فإنه يجوز أن تسلم الدراهم والدنانير في بر أو تمر أو شعير أو ملح ولو إلى أجل وهل في السلم مصلحة للمتعاقدين؟ نعم فيه مصلحة للمتعاقدين فالمشتري يستفيد زيادة المثمن لأنه إذا كان الصاع بريال مثلاً نقداً فهو سيشتريه بأقل من ريال مؤجلاً والبائع يستفيد تعجيل الثمن.
القارئ: وهو نوع من البيع ينعقد بلفظ البيع والسلم والسلف وتعتبر فيه شروط البيع ويزيد بشروط ستة أحدها أن يكون مما ينضبط بالصفات التي يختلف الثمن باختلافها ظاهرا لأنه بيع بالصفة فيشترط إمكان ضبطها.
الشيخ: قوله رحمه الله (يزيد بشروط ستة) هذه إذا تأملها الإنسان لم تكن ستة فمثلاً اشتراط أن يكون منضبطاً بالصفة هذا متفرع من قولنا يشترط أن يكون المبيع معلوماً.
القارئ: فيصح السلم في المكيل والموزون والمذروع لما روى ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قدم المدينة وهم يسلفون الثمار السنتين والثلاث فقال (من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) متفق عليه.
الشيخ: السلم من العقود التي أقرها الإسلام ولكن أدخل عليها شروطاً لأن العقود في الجاهلية منها ما أنكره الإسلام كعقود الربا ومنها ما أقره الإسلام علىما هو عليه كالمضاربة ومنها ما أقره الإسلام وأدخل عليه شروطاً تصححه كالسلم.


القارئ: وقال عبد الله بن أبي أوفى وعبد الرحمن بن أبزى كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والذبيب فقيل أكان لهم زرع أم لم يكن قال ما كنا نسألهم عن ذلك رواه البخاري.
الشيخ: وهذا دليل على أنه يصح السلم في زرع أو تمر حتى إلى غير الفلاح ولكن إذا كان إلى غير الفلاح فكيف يوفي؟ الجواب يشتري إذا حل الأجل ويوفي.
القارئ: فثبت جواز السلم في ذلك بالخبر وقسنا عليه ما يضبط بالصفة لأنه في معناه ويصح في الخبز واللبأ والشواء لأن عمل النار فيه معتاد ممكن ضبطه بالنشافة والرطوبة فصح السلف

كالمجفف بالشمس وقال القاضي لا يصح في الشواء واللحم المطبوخ لأن عمل النار فيه يختلف فلا ينضبط.
الشيخ: الصحيح الأول لأنه حتى لو أختلف فالاختلاف هنا يسير والشواء معروف أنه يشوى الجزء من اللحم على وجه معروف بين الناس ولا يحتاج إلى تحرير.
السائل: ما معنى اللبأ؟
الشيخ: اللبأ هو اللبن أول ما تلد البهيمة يسمى لبأ لأنه يقع أصفر وإذا أحمي في النار تجمد.

فصل
القارئ: ولا يصح فيما لا ينضبط كالجوهر واللؤلؤ والزبرجد والياقوت والعقيق ونحوها لأنها تختلف اختلافاً متبايناً بالكبر والصغر وحسن التدوير وزيادة ضوئها ولا يمكن تقديرها ببيض العصفور ونحوه لأنها تختلف.
الشيخ: بيع هذه الأشياء يصح لأنها مرئية يراها الإنسان لكن وصفها لا يمكن فهو صعب جداً لكن السلم في الفناجين أو الأسطال أو الأباريق أو الأواني؟ يجوز لأنه يمكن يمكن ضبطها خصوصاً في عهدنا الآن.
القارئ: وفي الحوامل من الحيوان والشاة اللبون والأواني المختلفة الرؤوس والأوساط وجهان أحدهما لا يصح أن يسلم فيه لأن الصفة لا تأتي عليه والولد واللبن مجهول والثاني يصح لأن الحمل واللبن لا حكم لهما مع الأم بدليل البيع.


الشيخ: قوله (والثاني يصح لأن الحمل واللبن لا حكم لهما مع الأم بدليل البيع) هذا هو الصحيح أنه يصح في الحوامل وذوات اللبن فتقول مثلاً هذه عشرة آلاف ريال بمائة شاة حامل أو بمائة شاة لبون وما أشبه ذلك.
القارئ: والأواني يمكن ضبطها بسعة رأسها وأسفلها وعلو حائطها فهي كالأواني المربعة وما فيه خلط من غيره ينقسم أربعة أقسام أحدها ما خلطه لمصلحته وهو غير مقصود في نفسه كالأنفحة في الجبن والملح في الخبز والشيرج والماء في خل التمر فيصح السلم فيه لأنه يسير للمصلحة الثاني أخلاط متميزة مقصودة كثوب منسوج من شيئين فيصح السلم فيه لأن ضبطه ممكن وفي معناه النبل والنشاب وقال القاضي لا يصح السلم فيهما لأن فيه أخلاطاً ويختلف طرفاه ووسطه فأشبه القسي والأول أصح لأن أخلاطه متميزة ممكن ضبطها والاختلاف فيه يسير معلوم بالعادة فهو كالثياب من جنسين بخلاف القسي.

الشيخ: الأول وهو قوله (ما خلطه يسير لمصلحته) هذا لا بأس به ولا إشكال فيه كالإنفحة في الجبن الجبن هو الحليب المجبن والأنفحة هي عبارة عن اللباء الذي يكون في معدة الوليد فإذا ولدت الشاة طفلاً صغيراً وذبح حين كان يشرب اللباء وأخذت المعدة فاللباء الذي فيها جبن يعني يُجَبِّنُ الأشياء لو وضعت ملعقة صغيرة منه في كأس ثم تحميه على النار جَبَّنَهَا وصار كأنه قطعة ثلج فهذا لا يضر لأنه يسير مقصود وقد جرت العادة بالتسامح فيه وكذلك الملح في الخبز أيضاً لا يضر لأنه لمصلحته وهو يسير وقد جرت العادة به أما الثاني فيقول المؤلف (أخلاط متميزة مقصودة كثوب منسوج من شيئين) هذا أيضاً يصح السلم فيه لأنه يمكن ضبطه لا سيما إذا أراه نموذجاً منه والصحيح ما ذكره المؤلف لا ما قاله القاضي رحمه الله.
القارئ: الثالث المغشوش كالبن المشوب والحنطة فيها والحنطة فيها الزوان فلا يصح السلم فيه لأن غشه يمنع العلم بقدر المقصود فيه فيكون فيه غرر.


الشيخ: هذا صحيح لأن اللبن المشوب من يستطيع أن يقدره؟ الجواب لا أحد يستطيع، قال الشاعر يصف قوماً استضافهم:
حتى إذا جن الظلام واختلط ... جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط
يعني جاءوا بلبن مشوب حتى صار مثل.
القارئ: الرابع أخلاط مقصودة غير متميزة كالغالية والند والمعاجين فلا يصح السلم فيه لأن الصفة لا تأتي عليه وفي معناه القسي المشتملة على الخشب والقرن والقصب والغزل والتوز فلا يصح السلم فيها للعجز عن مقادير ذلك وتميز ما فيه منها وفيه وجه آخر أنه يصح السلم فيها كالثياب.
الشيخ: الواقع أن هذه الأشياء التي ذكرت في القسم الثالث والرابع إذا تطورت الصناعة وصار هذا الخلط المقصود مضبوطاً تماماً فلا بأس فلو ورد في الأسواق أخلاط من الطيب لكنها معروفة بالدقة فلا بأس والآن يوجد شيء يسمى الند وهو عبارة عن أطياب مخلوطة فإذا أسلم إليه مالاً بعيدان الند فلا بأس وإن كانت مخلوطة لكنها معروفة لا تختلف وكل هذه الشروط تُأخذ من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه (وسلم نهى عن بيع الغرر).

فصل
القارئ: وفي الحيوان روايتان أظهرهما صحة السلم فيه لأن أبا رافع قال (أستسلف النبي صلى الله عليه وسلم من رجل بكرا) رواه مسلم ولأنه يثبت في الذمة صداقاً فصح السلم فيه

كالثياب والثانية لا يصح لأنه يختلف اختلافاً متباينا مع ذكر أوصافه الظاهرة فربما تساوى العبدان في الصفات المعتبرة وأحدهما يساوي أمثال أصحابه وإن استقصى صفاته كلها تعذر تسلميه.


الشيخ: في هذا نرجع إلي ما سبق فإذا أمكن وصفه فلا بأس فالحيوان يمكن وصفه وإذا اختلف لا يختلف إلا يسيراً لكن العبيد صعب جداً فمثلاً لو قال أسلمت إليك عشرة آلاف في عبد صفته كذا وكذا فهذا لا يكفي مهما قال أولاً لأنه قد يكون نادراً وثانياً أن وجه الإنسان يختلف اختلافاً عظيماً فبعض الناس تجد وجهه مبتسماً وصدره منشرحاً وإذا رأيته سرك وبعض الناس بالعكس فمثلاً قلت أسلمت لك كذا وكذا في عبد سنه كذا وطوله كذا وعرضه كذا ولونه كذا وعيناه كذا ووجهه كذا فهل يمكن أن الإنسان يدرك أن يأتي بهذا على الوصف المطلوب؟ الجواب لا يمكن أبداً وربما كان هناك عبدان متفقان في الصفات والسن والجسم وكل شيء لكن أحدهما إذا رأيته ربما لا تنام من الحزن والآخر إذا رأيته انشرح صدرك وسررت به فهنا ينبغي أن يقال إذا كان الحيوان إنساناً فلا يصح السلم فيه لصعوبة وصفه وإن كان حيواناً فالأمر سهل حتى الحيوان إذا لم يطب لك فإن كان مما يأكل فما أحسن أن تذبحه وتأكله وإن كان لا يأكل فالبيع.
القارئ: وفي المعدود من الجوز والبيض والبطيخ والرمان والبقل ونحوه روايتان إحداهما لا يصح لذلك والثانية يصح لأن التفاوت يسير ويمكن ضبطه بعضه بالصغر والكبر وبعضه بالوزن وفي الرؤوس والأطراف والجلود من الخلاف مثل ما فيما قبله.

فصل
القارئ: الشرط الثاني معرفة قدره بالكيل إن كان مكيلا وبالوزن إن كان موزونا وللذرع إن كان مذروعاً لحديث ابن عباس ولأنه عوض غير مشاهد يثبت في الذمة فاشترط معرفة قدره كالثمن.
الشيخ: حديث ابن عباس (فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) وحتى لو فرض أنه لم يأتي هذا القيد في الحديث فإنه داخل في العموم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى عن بيع الغرر).
القارئ: ويجب أن يكون ما يقدر به معلوماً عند العامة فإن قدره بإناء أو صنجة بعينها غير معلومة لم يصح لأنه قد يهلك فيجهل قدره وهذا غرر لا يحتاج العقد إليه.


الشيخ: أي لابد أن يسلم في مكيال معلوم عند العامة كالصاع والمد وما أشبه ذلك فلو قال أسلمت إليك مائة ريال بملء هذا الإناء مائة مرة فلا يصح لأن الإناء ربما يتلف أو يسرق أو يخفيه أحدهما فيؤدي ذلك إلى التنازع فلا يصح وكذلك الصنجة أي ما يقدر الشيء به وزناً لابد أن تكون معلومة والمعلوم عندنا الآن في الوزن هو الكيلو.
القارئ: وإن أسلم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا فعنه لا يصح لأنه مبيع اشترط معرفة قدره فلم يجز بغير ما هو مقدر به كالربويات وعنه ما يدل على الجواز لأنه يخرجه عن الجهالة وهو الغرض ولابد من تقدير.
الشيخ: هذه الرواية هي الصحيحة أنه يجوز أن يسلم في المكيل وزناً وفي الموزون كيلاً وعمل الناس الآن في المكيل الوزن فصعب على الإنسان أن يكيل آلاف الأصواع ولهذا يقدرونها الآن بالوزن فالصواب أنه يجوز أن يسلم في البر وزناً وفي السكر كيلاً السكر لأن السكر يقدر بالوزن فإذا قدره بالكيل فلا بأس.
القارئ: ولابد من تقدير المذروع بالذرع فأما المعدود فيقدر بالعدد وقيل بالوزن لأنه يتباين والأول أولى لأنه يقدر به عند العامة والتفاوت يسير ويضبط بالصغر والكبر ولهذا لا تقع القيمة بين الجوزتين والبيضتين.
الشيخ: المعنى أنه لا وقع في القيمة فيقال مثلاً في البيض كل عشرة بريال وإن اختلفت بعض الشيء ولكن الحمد لله الآن مسألة المعدود أصبحت أمراً ظاهراً فهذه الأشياء الآن تقدر بألات معروفة مضبوطة تماماً فإذا قلت مثلاً مائة ساعة موديل كذا نوع كذا فهي منضبطة تماماً.
القارئ: فإن كان يتفاوت كثيراً كالرمان والبطيخ والسفرجل والبقول قدره بالوزن لأنه أضبط لكثرة تفاوته وتباينه ولا يمكنه ضبطه بالكيل لتجافيه في المكيال ولا بالحزم لأنه يختلف ويمكن حزم الكبيرة والصغيرة فتعين بالوزن لتقديره.


الشيخ: خلاصة هذا الشرط أنه لابد أن يكون معلوم القدر بالكيل في المكيل والوزن في الموزون والعد في المعدود والذرع في المذروع وإن خالف بأن جعل المكيل موزوناً أو الموزون مكيلاً فلا بأس على القول الراجح أما المعدود فإن ظهر التفاوت كثيراً فإنه لا يجوز لأنه يؤدي إلى التنازع وإن كان يسيراً فلا بأس وأما المذروع فلابد من ذرعه لا يمكن ضبطه إلا بالزرع.

فصل
القارئ: الشرط الثالث أن يجعلا له أجلاً معلوما فإن أسلم حالاً لم يصح لحديث ابن عباس.
الشيخ: حديث ابن عابس هو قوله صلى الله عليه وسلم (إلى أجل معلوم) وهذا مبني على أن هذه الجملة (إلى أجل معلوم) يعود فيها الشرط إلى المعنيين جميعاً وهما الأجل وكونه معلوماً وقال بعض العلماء إن هذا يعود إلى قوله (معلوم) فقط في قوله (إلى أجل معلوم) يعني أنه إذا كان مؤجلاً فليكن الأجل معلوماً وبناءً على هذا القول لا يشترط التأجيل فيصح السلم في الشيء الحال بأن يقول هذه مائة ريال بمائة صاع ولا يقدر أجلاً فهذا لا بأس به على القول بأن الشرط يعود إلى أن يكون الأجل معلوماً لا إلى أجل معلوم.
القارئ: ولأن السلم إنما جاز رخصة للرفق ولا يحصل الرفق إلا بالأجل فلا يصح بدونه كالكتابة فإن كان بلفظ البيع صح حالا قال القاضي ويجوز التفرق قبل قبض رأس المال لأنه بيع ويحتمل أن لا يجوز لأنه بيع دين بدين.
الشيخ: ما قاله القاضي هو الصحيح والعمل عليه الآن فتجد الرجل يقول لصاحبه أرسل لي كذا وكذا من الحاجات وهو لم يقبضها ولا يعطيه الثمن ثم بعد ذلك يعطيه الثمن فيقول مثلاً بكم تبيع الكيس من الرز فقول البائع أبيعه بمائة فيقول له أرسل لنا كيساً ولا يسلمه الثمن وكذلك البائع لم يحضر المبيع بعد فما قاله القاضي هو الصحيح وهو عليه العمل الآن.


القارئ: ويشترط في الأجل ثلاثة أمور أحدها كونه معلوماً لقول الله تعالى (إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى) وللخبر فإن جعله إلى المحرم أو يوم منه أو عيد الفطر ونحوها جاز لقول الله تعالى (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاس) وإن قدره بغير ذلك مما يعرفه الناس ككانون وعيد للكفار يعرفه المسلمون جاز لأنه معلوم لا يختلف وقال ابن أبي موسى لا يصح لأنه لا يعرفه كثير من الناس.
الشيخ: المؤلف قيد ذلك بأن يعرفه المسلمون مثل شهر كانون فلا بأس لأن كانون علم على شهر معين لكن عيد الكافر ينبغي ألا يصح الأجل إليه لأن العيد شعار ديني عند الكفار فلا يجوز أن تجعل آجال بيوع المسلمين إلى هذا الشعار الديني وإذا قال العلماء يصح أو لا يصح فهل يلزم من قولهم لا يصح أنه حرام؟ الجواب نعم إلا يلزم ذلك فكل شيء فاسد فهو حرام نص على هذا أهل العلم وهو حقيقة لأنه إذا كان فاسداً ثم إنك عملت به صار هذا مضاد للشرع فالقاعدة أن كل فاسد حرام سواء من الشروط أو العقود أوغيرها.

القارئ: وإن كان مما لا يعرفه المسلمون كالشعانين وعيد الفطير لم يصح وجهاً واحداً لأن المسلمين لا يعرفونه ولا يجوز تقليد أهل الذمة فبقي مجهولاً.
الشيخ: كلام المؤلف جيد في قوله (لا يجوز تقليد أهل الذمة) هذا جيد جداً فمثلاً عيد الميلاد معلوم عند المسلمين لكنه شعار ديني فلا يجوز أن تجعل آجل البيوع والإيجارات وما أشبهها إلى عيد الميلاد وشبهه من الأعياد الدينية عندهم.
القارئ: وإن جعلا الأجل إلى مدة معلومة كشهر معين تعلق بأولها ولو قال محله في رمضان فكذلك لأنه لو قال لزوجته أنت طالق في رمضان طلقت في أوله ولو أحتمل غير الأول لم يقع الطلاق بالشك.


الشيخ: المعنى أنه لو أحتمل غير الأول أي غير أول الشهر لكان احتماله في آخر الشهر مشكوكاً فيه ولا يقع الطلاق بالشك لكن لو أن إنسان عكس قال مادام الأمر محتملاً أن يكون في أول الشهر أو أخره فإيقاعه في أول الشهر مشكوك فيه أيضاً فلا يمكن أن نجزم إلا في آخر الشهر ولو قال قائل إذا كان محله في رمضان فقولوا في الوسط أي وسط رمضان فلا وكس ولا شطط فلا نضر البائع ولا نضر المشتري ولو قيل بهذا لكان جيداً.
القارئ: وإن جعله اسماً يتناول شيئين كربيع تعلق بأولهما وإن قال ثلاثة أشهر أنصرف إلى الهلالية لأن الشهور في لسان الشرع فإن كان أثناء الشهر كمل بالعدد ثلاثين والباقي بالأهلة.
الشيخ: والصواب أنه بالأهلة مطلقاً سواء في أثناء الشهر أو في أول الشهر ومثل ذلك قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) فالصواب أنه لا فرق بين أن يكون ابتداء المدة في أثناء الشهر أو من أوله فهي تكمل كلها بالأهلة.
السائل: البلاد التي يكون فيها المسلمون ينطقون بغير العربية يستعملون الشهور غير العربية فما الحكم؟
الشيخ: لا مانع إذا كانوا لا يعرفون إلا أشهر أخرى غير عربية فلا بأس وإن كان ينبغي أن ينقلوا إلى الأشهر العربية.
السائل: بالنسبة للآجال التي يقال فيها إلى رأس السنة مثلاً لكن هم لا يقصدون عيد الكفار؟
الشيخ: إذا لم ينص على العيد وقال على رأس السنة فلا بأس لأن حتى أعياد الكفار بالنسبة لرأس السنة تختلف بعض الأعياد تتقدم رأس السنة بأربعة أيام أوخمسة أيام وبعضها يتأخر فالمهم إذا لم يقيد بالعيد فلا بأس.

السائل: ما الفرق بين قولهم في الأجل إلى رمضان أو في رمضان؟
الشيخ: إذا قال إلى رمضان فهو يحل في آخر يوم من شعبان أو أول يوم من رمضان وإذا قال في رمضان ينبغي أن يقال أنه إذا قال في رمضان أن يحل في وسط الشهر.


القارئ: الأمر الثاني أن يكون مما لا يختلف فإن جعله إلى الحصاد والجذاذ والموسم لم يصح لأن ابن عباس قال: لا تتبايعوا إلى الحصاد والدياس ولا تتبايعوا إلا إلى شهر معلوم ولأن ذلك يختلف ويفرب ويبعد فلم يجز جعله أجلاً كقدوم زيد وعنه أنه قال أرجو أن لا يكون به بأس لأن ابن عمر كان يبتاع إلى العطاء ولأنه لا يتفاوت تفاوتاً كثيرا فإن أسلم إلى العطاء يريد به وقته وكان معلوماً جاز وإن أراد نفس العطاء لم يصح لأنه يختلف.
الشيخ: هذه المسألة في تأجيل السلم بالحصاد والجذاذ فيه روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله رواية أنه لا بأس به وراوية أخرى أنه لا يجوز والصواب أنه جائز ولا بأس به لأن وقت الحصاد معلوم والاختلاف فيه يسير ومثل هذا جرت العادة بالتسامح فيه ومثله كذلك قدوم الحجاج في الزمن الأول فإن قدوم الحجاج في الزمن الأول يكون متقارباً أما الآن فإن الحجاج يختلفون اختلافاً كثيراً فلا يصح التأجيل به وأما ما روي عن ابن عباس (لا تبايعوا للحصاد والدياس) فلعله أراد أن يبيع نفس الذي جذ ونفس الذي ديس فيكون النهي مصباً على العين لا على الأجل لأن الفلاح ربما يقول أنا أؤجل السلم حتى أحصد ويعني بذلك أنه يبيع ما حصد أو حتى أحز ويعني بذلك جذاذه وهذا لا شك أنه مجهول أما الحصاد بمعنى وقت الحصاد فالصواب الرواية الثانية عن أحمد أن ذلك جائز وكذلك إذا أسلم إلى العطاء يعني عطاء الديوان ومثله عندنا الآن في الوقت الحاضر الرواتب فهذا لا بأس به لأن الاختلاف فيها يسير أما إذا أراد نفس العطاء فهذا لا يصح لأنه قد يحصل في وقته وقد لا يحصل.
القارئ: الأمر الثالث أن تكون مدة لها وقع في الثمن كالشهر ونصفه ونحوه فأما اليوم ونحوه فلا يصح التأجيل به لأن الأجل إنما اعتبر ليتحقق المرفق ولا يتحقق إلا بمدة طويلة.


الشيخ: قوله (المرفق) يعني مكان الرفق أو ليتحقق الرفق وهذا الشرط فيه نظر وذلك لأن الحديث يقول فيه الرسول عليه الصلاة والسلام (إلى أجل معلوم) وأجل نكرة تشمل الكثير والقليل ولكن من المعلوم عادة أنه لابد أن يكون الأجل طويلاً لأن باذل الدراهم سيخفض من القيمة فإذا كان الصاع يساوي درهماً فإنه سوف يخفف من القيمة فلا يعطيه إلا درهماً إلا ربعاً مثلاً إذ أن المبيع سوف يتأخر تسليمه وهذا هو الأغلب أنه لابد أن يكون بأجل له وقع في الثمن والتمثيل بالشهر ونصفه ونحوه أيضاً يختلف فأحياناً تكون السلع غير مستقرة فيكون الأجل القليل له وقع في الثمن وأحياناً تكون مستقرة فلا يكون له وقع في الثمن إلا إذا كان في مدة طويلة وكذلك أيضاً ربما يكون عقد السلم قرب الموسم كموسم الحج مثلاً

فهنا لا شك أن المدة القليلة سيكون لها وقع في الثمن بمناسبة الموسم لأن الموسم ترتفع به الأسعار والخلاصة أن القول الراجح أنه لا يشترط الأجل ولا كونه له وقع في الثمن وأن السلم يصح حتى في الحال وسبق الكلام على هذا.
القارئ: فإن أسلم في جنس إلى أجلين أو آجال مثل أن يسلم في خبز ولحم يأخذ كل يوم أرطالاً معلومة جاز لأن كل بيع جاز إلى أجل جاز إلى آجال كبيوع الأعيان ويجوز أن يسلم في جنسين إلى أجل واحد لما ذكرنا.
الشيخ: يعني يجوز أن يسلم في جنس واحد إلي أكثر من أجل فيقول أسلمت إليك ألف ريال بمائة صاع من البر نصفها يحل في رجب والنصف الثاني في شوال فهذا جائز وكذلك العكس أن يسلم في شيئين إلى أجل واحد كأن يقول أسلمت إليك مائة ريال بخمسين صاعاً من البر وخمسين صاعاً من الشعير تحل في رجب فهذا جائز.
السائل: ما هو الجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تبع ما ليس عندك) وبين إجازتنا أن يعقد على الشيء عقد سلم وهو حال؟


الشيخ: في السلم هو على شيء موصوف في الذمة فالفرق أن قوله صلى الله عليه وسلم (لا تبع ما ليس عندك) يقصد العين أما الموصوف في الذمة فهذا غير معين ولهذا نطالب الذي باع الشيء الموصوف بالذمة نطالبه بإيجاده على كل حال وأما الشيء المعين لو تلف ما نطالبه به.

فصل
القارئ: الشرط الرابع أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله مأمون الانقطاع فيه لأن القدرة على التسليم شرط ولا تتحقق إلا بذلك فلو أسلم في العنب إلى شباط لم يصح لأنه لا يوجد فيه إلا نادراً.
الشيخ: شباط شهر إفرنجي يرافق الشتاء فلو أسلم في العنب إلى شباط فهذا لا يمكن أن يوجد فيه عنب في شباط وذلك في عصر المؤلف رحمه الله أما في عصرنا فيوجد وذلك بخزنه في المبردات والثلاجات وعلى كل حال نرجع للأصل لابد أن يكون المسلم فيه موجوداً وقد الحلول في مكانه وهذا المهم لأنه لو أسلم في شيء لا يمكن وجوده في وقته في ذلك المكان صار في هذا تعجيز ومغامرة لكن لابد أن يوجد وهنا نتعرض لمسألة يستعملها المقاولون في البناء يقول مثلاً أبني لي هذا البيت في خلال ستة أشهر فإن انتهت الستة فعليك خصم كل يوم مائة ريال أو ألف ريال أو ما يتفقان عليه فهل يجوز هذا أو لا يجوز؟ الجواب نقول إن ضرب مدة يمكن فيها انتهاء البناء فهذا جائز وإن ضرب مدة لا يمكن فيها انتهاء البناء فهذا لا يجوز

لأنه في المسألة الأخيرة يكون المقاول مغامراً ومن المعلوم أنه إذا قصر مدة الإنشاء فسيكون السعر أعلى وحينئذ يكون إما غانماً وإما غارماً وأما إذا كانت المدة في وقت يمكن أن ينتهي فيه البناء فهذا لا بأس به.
القارئ: ولا يصح السلم في ثمرة بستان بعينه ولا قرية صغيرة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسلف إليه رجل من اليهود دنانير في تمر مسمى وقال اليهودي من تمر حائط بني فلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما من حائط بني فلا ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى رواه ابن ماجه.


الشيخ: هذا الحديث ليس فيه دلالة على ما ذهب إليه المؤلف لأن كونه من حائط بني قد يكون معجوزاً عنه حين حلول الأجل لكن إذا أراد أن يسلم إليه بتمر من بستانه فإن بستانه يستطيع أن يوفي منه أما من بيع من حائط فحائط بني فلان قد يكون المسلم إليه قادراً على تحصيله وقد يكون غير قادر ولهذا ينبغي أن يكون في ذلك تفصيل فيقال إن عينه مما يملكه المسلم إليه فلا بأس به وإن كان من حائط آخر فإنه لا يجوز لأنه داخل في بيع ما ليس عنده ولا يتمكن من الوفاء وهذا القول الذي ذكرته هو الذي عليه عمل الناس اليوم وفيما سبق كان الفلاحون يأتون إلى التجار ويسلم التجار إليهم دراهم في تمر من نخيلهم أو في حب من زرعهم وهذا لا بأس به فصار في هذا على القول الراجح تفصيل وهو أنه إن عينه من بستانه الذي يملكه فلا بأس بذلك وإن عينه من بستان آخر فإنه لا يجوز لكن لو قال من حائط بني فلان أو ما يماثله فهل يجوز؟ نعم يجوز لأننا علمنا من قوله من حائط بني فلان أو ما يماثله أنه أراد هذا النوع الطيب.
القارئ: ولأنه لا يؤمن تلفه فلم يصح كما لو قدره بمكيال معين ولا يصح السلم في عين لذلك ولأن الأعيان لا تثبت في الذمة.

السائل: ما حكم السلم في العين؟
الشيخ: السلم في العين لا يصح لأنه إذا أسلم في العين ملكها المشتري وإذا ملكها فكيف تبقى؟ فنقول بدلاً من أن تقول سلم أذكر أنه بيع فقل بعت عليك هذا الشيء ويبقى عنده حسب الشرط.
السائل: السلم إذا كان إلى أجل مثلاً إلى سنة فإنه حينئذ ربما يرتفع سعر الشيء الذي أسلم فيه وربما ينخفض جداً فيكون المسلم إما غانماً أو غارماً؟
الشيخ: هذا لا بأس به وليس غانماً أو غارماً لأن الغانم والغارم بمقتضى العقد أما هذا فهو غانم وغارم بحسب السعر وكما يقول العوام حظه ونصيبه.

فصل


القارئ: الشرط الخامس أن يضبط بصفاته التي يختلف الثمن بها ظاهرا فيذكر الجنس والنوع والجودة والرداءة والكبر والصغر والطول والقصر والعرض والسمك والنعومة والخشونة واللين والصلابة والرقة والصفاقة والذكورية والأنوثية والسن والبكارة والثيوبة واللون والبلد والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك مما يقبل هذه الصفات ويختلف بها.
الشيخ: يقول المؤلف (أن يضبط صفاته التي يختلف الثمن بها ظاهراً) يعني وأما الصفات اليسيرة التي لا يختلف بها الثمن إلا قليلاً فلا يشترط قال الإمام أحمد كل سلم يختلف فلا يمكن أن تضبط الصفات ضبطاً كاملاً كأنما تشاهدها يقول المؤلف (فيذكر الجنس والنوع) والصحيح أن ذكر النوع كافي عن ذكر الجنس لأن الجنس أعم والنوع أخص فمثلاً يقول أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع من البر حنطة والبر كما هو معروف أنواع منه الحنطة والمعيَّا والصماء والقيمي والجرباء فهذه خمسة أنواع فعلى قول المؤلف لابد أن تذكر الجنس والنوع فتقول مثلاً أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع من البر حنطة لكن نحن نقول إذا ذكر الأخص شمل الأعلى فلا يشترط ذكر الجنس فيكفي ذكر النوع لأنه إذا ذكر النوع تحدد الجنس قطعاً ثم قال المؤلف يذكر (الجودة والرداءة والكبر والصغر) وهذا صحيح لابد أن يقول جيد أو رديء وكذلك في الكبر والصغر لابد أيضاً أن يذكر أنه من النوع الكبير أو من النوع الصغير أو من النوع المتوسط وقوله (الطول والقصر) هذا فيما لو أسلم بحيوان أو بإنسان رقيق أما المذروع فلابد أن يحدد الذرع وقوله (العرض والسمك) والعرض والسمك هذا فيما لو أسلم في خشب أو غيره وقوله (النعومة والخشونة) هذا مثاله القماش وقوله (اللين والصلابة ... الخ) وعلى كل حال الصحيح في هذا الشرط أن يذكر الصفات التي يختلف بها الثمن اختلافاً ظاهراً هذا هو الضابط.


القارئ: الشرط الخامس أن يضبطه بصفاته التي يختلف الثمن بها ظاهرا فيذكر الجنس والنوع والجودة والرداءة والكبر والصغر والطول والقصر والعرض والسمك والنعومة والخشونة واللين والصلابة والرقة والصفاقة والذكورية والأنوثية والسن والبكارة والثيوبة واللون والبلد والرطوبة واليبوسة ونحو ذلك مما يقبل هذه الصفات ويختلف بها ويرجع فيما لا يعلم منها إلى تفسير أهل الخبرة فإن شرط الأجود منها لم يصح لأنه يتعذر عليه الوصول إليه فإن وصل إليه كان نادرا وإن شرط الأردأ فيه وجهان أحدهما لا يصح لذلك والثاني يصح لأنه يمكنه تسليم المسلم أو خير منه من جنسه فيلزم المسلم قبوله.

الشيخ: إذا قال المسلم أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع بر أجود ما يكون فإن هذا لا يصح لتعذر الوصول إليه لأنه ما من جيد إلا وفوقه أجود والأجود فوقه أجود وإلى ما لا نهاية فيتعذر الوفاء وإن أمكن فإنه لا يكون إلا نادراً ولكن بعض العلماء قال إنه يصح أن يقول الأجود ويحمل قوله الأجود على أجود ما يكون في السوق في البلد الذي هو فيه وهذا القول هو الصحيح لأن هذا هو المتعارف عليه فأنا إذا قلت أجود ما يكون أو من أجود ما يكون فليس معناه أني أريد أن تطوف بأقطار الدنيا حتى تصل إلى شيء ليس فوقه شيء بل المراد أجود ما يكون في السوق وهذا شيء متعارف عليه ولا يختلف فيه اثنان ولهذا كان القول الراجح أنه لا بأس به فإذا أحضره المُسلَم إليه وقال هذا أجود ما يكون فقال المُسلِم لا انظر الدكان الفلاني فيه أجود منه فنقول الآن للمُسْلِم أن يطالب المُسْلَم إليه بالأجود أما إذا قال اذهب إلى السوق لن تجد أحسن منه فهذا ما الذي يمنع منه، ثم قال المؤلف رحمه الله (إذا شرط الأردأ فيه وجهان) فذكر المؤلف الخلاف في الأردأ ولم يذكر الخلاف في الأجود لما سيأتي.


وليعلم أنه إذا شرط الأردأ فإنه كالأجود في وجوده لأنه ما من رديء إلا وهناك ما هو أردأ منه إذا أحضر له ما هو أجود مما وصف فإنه يلزم المسلم قبوله لأنه أوفاه خيراً من حقه وإذا أوفاه خيراً من حقه لزمه القبول ولهذا لو أنك بعت عليه بقرة وشرط أنها ذات لبن وأنها يحلب منها في اليوم والليلة صاع فأتيت إليه ببقرة يحلب منها في اليوم والليلة صاعان وقال لا الشرط الذي بيني وبينك صاع فهل يلزمه أن يقبل ما تحلب صاعين؟ الجواب نعم يلزمه لأن الزيادة في الصفات يلزم قبولها وهذه هي جادة المذهب أن الزيادة في الصفات يلزم قبولها فإذا اتفق هو وإياه على سلم في أردأ ما يكون فهل يجوز أو لا؟ فيه وجهان المذهب أنه لا يجوز وهناك وجه آخر أنه يجوز وهو في الحقيقة مبني على المذهب لأنه إذا جاء بأردأ ما يكون في السوق فقال المسلم الذي دفع الثمن أنا أشترط عليه الأردأ فإنه لا يلزم المسلم إليه أن يطوف البلاد كلها حتى يجد ما هو أردأ لأنه من المعلوم أنه ما من رديء إلا ودونه ما هو أردأ منه لكن نقول إذا جاء بأجود مما يجب في ذمته لزم القبول حتى لو فرض أنه في البلد نفسه لم يأتِ بالأردأ فإنه يلزمه القبول لأنه إذا أتاه بما هو أجود مما وصف فهذا خير له ولا يرده إلا رجل سفيه والخلاصة الآن نقول إنه إذا أشترط الأجود فعلى كلام المؤلف لا يصح وإن شرط الأردأ ففيه وجهان والصحيح أن شرط الأردأ والأجود كلاهما جائز.
القارئ: وإن أسلم في جارية وابنتها لم يصح لأنه يتعذر وجودهما على ما وصف وإن استقصى صفات السلم بحيث يتعذر وجوده لم يصح لأنه يعجز عن تسليمه.


الشيخ: نستفيد من قولهم رحمهم الله (أنه إذا وصفه بصفات يندر وجودها ويعز وجودها فإنه لا يصح) نستفيد فائدة يستعملها الآن البناءون فيتفق المقاول والتاجر مثلاً على أن يبني له بيتاً في خلال ستة أشهر فإن لم ينجز ذلك في خلال ستة شهر خصم عليه كل يوم مائة وهذا يفعلونه حماية لهم لئلا يتلاعب المقاول لأنه ربما يتفق معه على ستة أشهر ثم يأخذ مقاولات كثيرة ولا يتمكن فهل يجوز هذا الشرط لأنه إذا جاز هذا الشرط ربما يستوعب الخصم نصف ما تمت به المقاولة أو أكثر فهل يجوز هذا الشرط؟ نقول فيه

تفصيل إن حدد مدة يمكن في العادة والعرف أن ينجزه فيها فلا بأس أما إذا حدد مدة لا يمكن فيها ذلك فهذا لا يجوز فمثلاً إذا اتفق معه على أن يبني له فيلا فيها حجر وغرف علوية وسفلية فهذه يقيناً لا يمكن أن يبينها في خلال ستة أشهر مع ذلك جعل المدة ستة أشهر فهل يجوز هذا الشرط؟ الجواب لا لأنه مغامر أما إذا كان يمكن وأنه إذا بناها بناءاً مستمراً وحسب العادة والعرف أمكن ذلك فلا بأس بهذا الشرط وهذا الحكم الذي ذكرناه يمكن أخذه من قول الفقهاء هنا (إن الأوصاف النادرة في السلم لا يجوز اشتراطها).
القارئ: الشرط السادس أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد قبل تفرقهما.
الشيخ: رأس مال هو الثمن أي الدراهم التي يبذلها المشتري.
القارئ: لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلف فليسلف في كيل معلوم) والإسلاف التقديم ولأنه إنما سمي سلماً وسلفاً لما فيه من تقديم رأس المال فإذا تأخر لم يكون سلما فلم يصح ولأنه يصير بيع دين بدين فإن تفرقا قبل قبضه بطل وإن تفرقا قبل قبض بعضه بطل فيما لم يقبض وفي المقبوض وجهان بناءً على تفريق الصفقة ويجوز أن يكون في الذمة ثم يعينه في المجلس ويسلمه.


الشيخ: الشرط هو قبض الثمن وليس تعيين الثمن فإذا قال أسلمت إليك ألف ريال بخمسمائة صاع والدراهم الآن ليست معه لكن جاء بها غلامه وهما بمجلس العقد ثم سلمها لها هل هذا جائز أو لا؟ نقول المؤلف يقول أن يقبض الثمن وليس أن يعنيه فإذا قال أسلمت إليك ألف ريال بخمسمائة صاع وليست الدراهم في يده لكن جاء بها الغلام ثم سلمها له فإن هذا جائز لأنه قبض الثمن ولو أنه قال أسلمت إليك هذه الدراهم بمائة صاع بر فهل هذا جائز أو لا؟ هذا جائز من باب أولى لأن هذه المسألة الأخيرة التي فرضناها فيها تعيين الثمن والمسالة الأولى في الذمة ثم أحضر الثمن.
القارئ: ويجب أن يكون معلوماً كالثمن في البيع فإن كان معيناً فظاهر كلام الخرقي أنه يكتفى برؤيته لأنه ثمن عرض معين أشبه ثمن المبيع وقال القاضي لابد من وصفه لقول أحمد ويصف الثمن ولأنه عقد لا يمكن إتمامه وتسليم المعقود عليه في الحال ولا يؤمن أنفساخه فوجب معرفة رأس المال بالصفات ليرد بدله كالقرض في الشركة فعلى هذا لا يجوز أن يكون رأس المال إلا ما يجوز أن يسلم فيه لأنه يعتبر ضبط صفاته فأشبه المسلم فيه.
الشيخ: عندنا الآن الدراهم والدنانير معلومة فبمجرد أن أقول لك مائة ريال سعودي مثلاً تعرف أنه على هذا الوصف أي الريال لكن فيما سبق الدراهم والدنانير تختلف صغراً وكبراً وثقلاً وخفة ولذلك لابد من وصفها والتعليل الذي ذكره القاضي جيد لأنه يخشى أن ينفسخ العقد فإذا أنفسخ العقد فالمشتري بأي ثمن

يرجع؟ فلابد من وصفه وعلى هذا فنقول لابد من وصف الثمن إذا كان يختلف أما إذا كان لا يختلف فالتعيين كافٍ.
السائل: هل يصح أن يشترط المشتري فيقول إن نفع هذا الدواء فإن العقد ينفذ وإلا رجعت عليك بثمن الدواء؟
الشيخ: هل الدواء يلزم منه الشفاء؟ لا يلزم وعليه فالشرط فاسد لأنه شرط لا يقدر عليه.

فصل


القارئ: وكل مالمين جاز النساء بينهما جاز إسلام أحدهما في الآخر وما لا فلا فعلى قولنا يجوز النساء في العروض لأنه يصح إسلام عرض في عرض وفي ثمن فإن أسلم عرضاً في آخر بصفته فجاءه به عند المحل ففيه وجهان أحدهما يلزمه قبوله لأنه أتاه بالمسلم فيه على صفته فلزم قبوله كغيره والثاني لا يلزم قبوله لأنه يفضي إلى كون الثمن هو المثمن وإن أسلم صغيراً في كبير فحل السلم وقد صار الصغير على صفة الكبير فعلى الوجهين.


الشيخ: الإسلام يكون بالنقد فيسلم النقد ويكون المسلم فيه عرضاً هذا واضح دارهم ببر وقد يسلم عرضاً في عرض مثل أن يسلم براً ببر أو تمراً بتمر فهذا صحيح لكن يبقى عندنا أن المؤلف يقول (كل مالين جاز النساء بينهما جاز إسلام أحدهما في الآخر) وعلى هذا فيكون التمثيل بغير ما يجري فيه الربا فلو أنه أسلم مثلاً ساعة بساعة فهذا عرض بعرض فعند حلول الأجل أتى بنفس الساعة التي هي العرض فهل يلزمه القبول أو لا؟ يقول المؤلف (فيه وجهان أحدهما يلزمه قبوله لأنه أتاه بالمسلم فيه على صفته فلزم قبوله كغيره والثاني لا يلزم قبوله لأنه يفضي إلي كون الثمن هو المثمن) المثال بصورة أخرى أسلمت إليك مثلاً قلم أعطيتك هذا القلم وقلت خذ القلم على أن تأتني بقلم صفته كصفة هذا القلم تماماً فلما حل الأجل وإذا القلم لم يتغير ولم يحصل عليه شيء ينقص القيمة فأتى بالقلم نفسه الذي أنا أعطيته إياه فهل يلزمني قبوله؟ هذا محل الوجهين أحدهما يلزم لأنه أتى بالمسلم فيه على صفته والثاني لا يصح لأنه كون يسلم إليه قلم بقلم يقتضي أن العوض غير المعوض فإذا رد إليَّ ما أسلمته إليه صار الثمن هو المثمن كذلك ثم قال المؤلف (وإن أسلم صغير في كبير فحل السلم وقد صار الصغير على صفة الكبير فعلى الوجهين) مثاله أسلم إليه طفلاً من الضأن وقال أسلمت إليك هذا الطفل من الضأن وله أربعة أشهر بشاة لها ثمانية أشهر والأجل بيننا أربعة أشهر فلمَّا مضت المدة فإذا الطفل الأول الذي له أربعة أشهر قد صار له ثمانية أشهر فجاء به إلي وقال هذا بيني وبينك فهل يصح أو لا يصح؟ يقول المؤلف على الوجهين ففي وجه يصح وفي وجه لا يصح والظاهر لي أنه لا يصح للتضاد والتضاد هو أن الثمن غير المثمن عند جميع الناس


فكيف يصح أن يكون الثمن هو المثمن وأي فائدة في أن أعطيك طفل الضأن ثم يكبر ثم تأتي به لي دعه عندي ويكبر فعلى كل حال القول الراجح أنه لا يصح وأن للمسلم أن يقول للمسلم إليه لا أقبل.

فصل
القارئ: ولا يشترط وجود المسلم فيه قبل المحل لا حين العقد ولا بعده لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فلم ينههم عنه وفي الثمار ما ينقطع في أثناء السنة فلو حرم لبينه ولأنه يثبت في الذمة ويوجد عند المحل فصح السلم فيه كالموجود في جميع المدة.
الشيخ: إذا أسلم براً بشعير فإنه لا يجوز لأن كل شيئين حرم النساء بينهما حرم إسلام أحدهما بالآخر لاشتراط القبض.
السائل: ما الفرق بين المَحَل والمَحِل؟
الشيخ: المَحَل هو مكان الحلول والمحِل هو زمانه.

فصل
القارئ: ولا يشترط ذكر مكان الإيفاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكره في حديث ابن عباس ولا في حديث زيد بن سعنة ولأنه عقد معاوضة أشبه البيع ويكون الإيفاء في مكان العقد كالبيع فإن كان السلم في موضع لا يمكن الوفاء فيه كالبرية تعين ذكر مكان الإيفاء ولأنه لابد من مكان لا قرينة تعين فوجب تعيينه بالقول وإن كان في موضع يمكن الوفاء فيه فشرطه كان تأكيدا وإن شرطاً مكاناً سواه ففيه روايتان إحداهما لا يصح لأنه ينافي مقتضى العقد والثانية يصح لأنه عقد بيع فصح شرط مكان الإيفاء فيه كالبيع وبهذا ينتقض دليل الأولى.


الشيخ: مكان الوفاء هل يشترط في السلم بأن يقول أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع على أن يكون الوفاء في مكة هل هذا شرط؟ نقول ليس بشرط لأن أصل وجوب الوفاء في مكان العقد فمثلاً نحن الآن في عنيزة لا يحتاج أن نقول الوفاء في عنيزة لأن عنيزة بلد يمكن الوفاء فيه فيحمل المطلق على ما يعلم بقرينة الحال ويكون الوفاء في البلد الذي عقد فيه السلم فإن أراده في غيره وقال أنا أريد أن توفيه بمكة مثلاً ففيه روايتان لكن الصحيح أنه لا بأس بذلك لكن إن عقده في مكان لا يمكن الوفاء فيه كأن يعقد في لجة البحر أو في برية فهل يشترط ذكر مكان الوفاء؟ المؤلف يقول يشترط ذكر مكان الوفاء والصحيح أن في هذا تفصيلاً فإن كنا نعلم أن هذا التاجر المُسْلِم له بلد معين تجارته فيه فلا حاجة لذكر المكان لأن قرينة الحال

تدل على أن الوفاء في مكان تجارة هذا الرجل فإذا كان الرجل من أهل المدينة وعقد السلم في البر بين مكة والمدينة وهو قد أتى من مكة إلى المدينة ومتجره في المدينة فإننا نعلم علم اليقين أن هذا الرجل لا يريد أن يكون الوفاء بالبر ولا يريد أن يكون الوفاء في مكة إنما يريد أن يكون الوفاء في المدينة فيكتفى بظاهر الحال أما إذا كان الرجل في كل مكان له تجارة فلابد أن يذكر مكان الوفاء.

فصل
القارئ: يجب تسليم السلم عند المحل على أقل ما وصف به سليماً من العيوب والغش فإن كان في البر قليل تراب أو دقيق تبن لا يأخذ حظاً من الكيل وجب قبوله لأنه لا يقنصه وإن نقص الكيل لم يلزم قبوله لأنه دون حقه وإن أحضره بصفته وجب قبوله وإن تضمن ضررا لأنه حقه فوجب قبوله كالوديعة فإن أمتنع دفعه إلى الحاكم وبرئ لذلك.


الشيخ: إذا أراد المسلم إليه أن يوفي على أقل ما وصف برئت ذمته وعلى أكثر تبرأ من باب أولى لكن إذا جاء الذي عليه الحق بأحسن مما وجب عليه فهل يلزم من له الحق القبول؟ المؤلف يرى أنه يلزم القبول وسبق الإشارة إلى هذه بقاعدة عامة وهي أن الصفات لا يشترط قبولها لكن لو فرض أن هذا الرجل الذي أتى بأكثر مما يجب عليه أنه صاحب مَن (أي أنه يمن على الناس) وخشي صاحب الحق أن يجعل من ذلك مِنَّةً عليه يقطع بها رقبته كلما حل الذكر فهنا نقول لا يجبر على القبول لما عليه من الضرر.
القارئ: فإن كان أجود من حقه في الصفة لزم قبوله لأنه زاده خيرا وإن طلب عن الزيادة عوضاً لم يجز لأنها صفة ولا يجوز إفراد الصفات بالبيع.
الشيخ: لو أن المؤلف قال لم يجب لكان أولى أما قوله (لم يجز) نقول ما المانع وأما قوله (لأنها صفة ولا يجوز إفراد الصفات بالبيع) فيقال نعم هي صفة تزيد بها القيمة فإذا جاء بأجود وقال هذا أجود مما اتفقنا عليه ولكني أريد أن تعطيني عوضاً عنه لأن ما اتفقنا عليه الصاع بدرهم واحد وهذا الصاع بدرهم ونصف فأريد أن تعطيني عوضاً عن زيادة الصفة المؤلف يقول لا يجوز والصحيح أنه جائز ما المانع لكن لا يجب المعاوضة فهنا ثلاثة أشياء فهل يجب على المُسْلِم أن يعطي المُسْلَم إليه إذا أتاه بأجود أن يعطيه معاوضة على الزائد؟ الجواب لا يجب وهل يلزمه قبوله؟ على المذهب يلزمه القبول ثم هل يجوز أن يأخذ المسلم إليه عوضاً عن هذه الصفة الجيدة؟ المؤلف يرى أنه لا يجوز والصحيح أنه يجوز لأن الصفة الجيدة لابد أن تزيد بها القيمة وكلام المؤلف ضعيف في هذه المسألة والصواب أن يقال لم يجب قبوله ولكن لو قبل وأعطاه زيادة فلا بأس.

السائل: لم أفهم صورة المسألة؟


الشيخ: أنا مثلاً أعطيتك مائة ريال على مائة صاع بر من الوسط تسلمها لي بعد سنة فلما حل الأجل أعطيتني بر من الجيد فأنا أقبل هذا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى خياراً رباعياً لكن لو قلت أنت أنا أعطيتك من الجيد فأريد أن تعطيني الفرق بين الجيد والوسط فعلى كلام المؤلف لا يجوز والصحيح أنه جائز.
القارئ: وإن جاءه بأردأ من حقه لم يجب قبوله وجاز أخذه وإن أعطاه عوضاً عن الجودة الفائتة لم يجز لذلك ولأنه بيع جزء من السلم قبل قبضه.
الشيخ: هذه المسالة فيها نظر وقوله (إذا جاءه بأردأ من حقه لم يجب قبوله) هذه واضحة يعني كأن الشرط أنه بر من أجود أنواع البر فجاءه ببر رديء فلا يجب عليه أن يقبل لأن العقد خالي ما اتفق عليه الطرفان لكن إذا قال خذ هذا الرديء وأعطيك الفرق بين الجيد والرديء فعلى كلام المؤلف لا يجوز وهذه عكس المسألة التي قبلها والصحيح أنه يجوز فإذا قال ما عندي إلا هذا وأنا لا أشك إن هذا أقل مما اتفقنا عليه لكن خذه وأعطيك الفرق فالمؤلف يرى أنه لا يجوز والصواب أنه جائز لأنه ليس فيه ظلم ولا غرر ولا ربا.
القارئ: وإن أعطاه غير المسلم فيه لم يجز أخذه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) رواه أبو داود ولأنه بيع للسلم قبل قبضه فلم يجز كما لو أخذه عنه ثمناً وقال ابن أبي موسى فيه رواية أخرى فيمن أسلم في بر فرضي مكانه شعيراً مثل كيله جاز ولعل هذا بناءً على رواية كون البر والشعير جنسا والصحيح غيرها.


الشيخ: الصحيح في هذه المسألة أنه يجوز أن يصرف السلم إلى غيره وأنه إذا أعطاه غير المسلم فيه واتفقا على ذلك فلا بأس لكن إذا كان يجري بينه وبين المسلم فيه الربا وجب القبض قبل التفرق مثال ذلك رجل أسلم في مائة صاع بر وعند حلول الأجل قال المسلم إليه أنا ليس عندي بر لكن أعطيك بدله تمراً واتفقا على ذلك فعلى ما مشى عليه الأصحاب العقد باطل ولا يجوز وهو الذي قاله المؤلف وعلى القول الراجح العقد صحيح لكن يجب أن يقبض التمر في مجلس العقد لماذا؟ لأن التمر والبر يجري بينهما ربا النسيئة فلو اتفقا على العقد ثم لم يقبض التمر إلا بعد مجلس العقد صار ذلك باطلاً ودليل هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم حين سأله ابن عمر قال (كنا نبيع الإبل بالدراهم ونأخذ عنها الدنانير ونأخذها بالدراهم ونبيعها بالدنانير فقال صلى الله عليه وسلم لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيئا) وهذا بيع دين بدين لكن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترط فنقول دين السلم كغيره فيجوز أن يأخذ عن البر تمراً لكن بشرط التقابض قبل التفرق وألا يكسب يعني ألا يأخذ تمراً عوضه أكثر


من البر لأنه إذا أخذ تمراً عوضه أكثر من البر فقد كسب فيما لم يدخل في ضمانه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن، فإن قال قائل بماذا تجيبون عن حديث (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره)؟ قلنا الحديث إن صح فعلى العين والرأس وإن لم يصح فلا حجة فيه لكن إذا صح فإن معنى قوله (فلا يصرفه إلى غيره) أي في سلم غيره والسياق واضح (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) أي إلى سلم غيره لأن هذا لا يمكن أن يصرفه إلا بزيادة وإذا صرفه بزيادة صار هذا فعل الجاهلية إما أن توفي وإما أن تربي مثال ذلك أسلم مائة ريال بمائة صاع وحل الأجل فالواجب على المسلم إليه الآن مائة صاع قال عندك مائة صاع سنصرفه إلى سلم آخر فاجعل المائة ريال التي أعطيتك في مائة صاع رز فهذا لا يجوز لأنه لا يمكن أن يعمل بهذه المعاملة إلا بزيادة لأنه سوف يتأخر التسليم وهو سيأخذ عن هذا التأخير زيادة فيكون هنا أولاً أنه ربح فيما لم يدخل في ضمانه وثانياً أنه يشبه ربا الجاهلية الذي يقولون فيه إما أن تقضي وإما أن تربي والخلاصة أنه إذا صح الحديث فالجواب عنه أي فلا يصرفه إلي سلم آخر لأنه في هذه الحال لابد أن يزيد فيكون داخلاً في الربا من وجه ورابحاً فيما لم يدخل في ضمانه من وجه آخر وكلاهما منهي عنه وأما إذا صرفه في الحاضر قال بدل التمر أعطيك بر أو بدل البر أعطيك تمراً فما المانع وليعلم أن الأصل في البيوع الحل إلا ما قام الدليل على منعه لقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) فأي صورة من البيع يقول لك فيها إنسان ما إنها حرام فإنك تقول له أين الدليل لكن أي صورة تقول إنها حلال فليس عليك دليل يعني لا تطالب بالدليل لأن الأصل الحل والقاعدة أن كل ما كان الأصل فيه شيئاً معيناً فما خرج عن الأصل فعلى من أخرجه الدليل.


القارئ: وإن أعطاه غير نوع السلم جاز قبوله ولا يلزم وقال القاضي يلزم قبوله إذا لم يكن أدنى من النوع الذي شرطه لأنه من جنسه فأشبه الزائد في الصفة من نوع واحد والأول أصح لأنه لم يأتِ بالمشروط فلم يلزم قبوله كالأدنى بخلاف الزائد في الصفة فإنه أحضر المشروط مع الزيادة ولأن أحد النوعين يصلح لما لا يصلح له الآخر بخلاف الصفة.
الشيخ: إذا أتاه بشيء من نوعه لكن الجنس واحد التمر أنواع فإذا أسلم إليه في تمر سكري لكنه أحضر له تمر شقر فالنوع الآن اختلف فإن كان تمر الشقر أردأ فلا شك أنه لا يلزم المُسْلِم أن يقبله لأنه دون حقه وإن كان مثله أو أحسن فإن القول الراجح كما رجحه المؤلف أنه لا يلزمه القبول لأنه اختلف النوع حتى وإن كان هذا النوع أغلى من النوع الذي شُرط لأنه قد يصلح هذا النوع من التمر لشيء والنوع الآخر لا يصلح فالتمور الآن منها مالا يصلح أن تكنزه يعني تجبنها ومنها ما يصلح فتختلف والمهم أنه إذا جاءه بنوع غير ما شرط فإنه لا يلزمه القبول وإن قبله فلا بأس.

فصل
القارئ: فإن أحضره قبل محله أو في غير مكان الوفاء فاتفقا على أخذه جاز وإن أعطاه عوضاً عن ذلك أو نقصه من السلم لم يجز لأنه بيع الأجل والحمل وإن عرضه عليه فأبى أخذه لغرض صحيح مثل أن تلزمه مؤنة لحفظه أو حمله أو عليه مشقة أو يخاف تلفه أو أخذه منه لم يلزم أخذه وإن أباه لغير غرض صحيح لزمه لأنه زاده خيراً فإن أمتنع رفع الأمر إلى الحاكم ليأخذه لما روي أن أنساً كاتب عبداً له على مال فجاءه به قبل الأجل فأبى أن يأخذه فأتى عمر رضي الله عنه فأخذه منه وقال أذهب فقد عتقت ولأنه زاده خيراً.
الشيخ: خلاصة ذلك أن المدين إذا أتى بالدين قبل حلوله فهل يلزم الدائن أن يقبله؟ الجواب يلزمه إلا أن يكون في ذلك ضرراً عليه.

فصل


القارئ: وإذا قبضه بما قدره به من كيل أو غيره برئ صاحبه وإن قبضه جزافا قدره فأخذ قدر حقه ورد الفضل أو طالب بتمام حقه إن كان ناقصا وهل له التصرف في قدر حقه قبل تقديره على وجهين أحدهما له ذلك لأنه قَدْرُ حقه وقد أخذه ودخل في ضمانه والثاني ليس له ذلك لأنه لم يقبضه القبض المعتبر.
الشيخ: والظاهر الأول فالظاهر أن له أن يتصرف في مقدار حقه فإذا أتى إليه بكيس وقال خذ حقك منه وأردد الباقي فله أن يتصرف بقدر حقه ويعتبر تصرفه قبضاً فمثلاً هو يطلبه عشرون صاعاً وهذا الكيس يبلغ ثلاثين صاعاً فله أن يبيع منه عشرة أصواع أو خمسة عشر صاعاً لأنه على قدر حقه.
القارئ: وإن اختلفا في القبض فالقول قول المسلم لأنه منكر وإن اختلفا في حلول الأجل فالقول قول المسلم إليه لأنه منكر.

فصل
القارئ: وإن تعذر تسليم السلم عند المحل فللمسلم الخيار بين أن يصبر إلى أن يوجد وبين فسخ العقد والرجوع برأس ماله إن كان موجودا أو مثله إن كان مثليا أو قيمته إن لم يكن

مثليا وقيل ينفسخ العقد بالتعذر لأن السلم في ثمرة هذه العام وقد هلكت فأنفسخ العقد كما لو أشترى قفيزاً من صبرة فهلكت والأول أصح.
الشيخ: قوله (الأول أصح) ما هو الأول؟ الجواب أي أنه يخير المسلم بين الفسخ أو الصبر لأنه حقه فإن شاء فسخ وإن شاء صبر فإذا كان الأنفع له أن يفسخ فسخ وأخذ الثمن وإن كان الأنفع له أن يصبر صبر


القارئ: لأن السلم في الذمة لا في عين وإنما لزمه الدفع من ثمرة هذا العام لتمكنه من دفع الواجب منها فإن تعذر البعض فله الخيرة بين الصبر بالباقي وبين الفسخ في الجميع وله أخذ الموجود والفسخ في الباقي في أصح الوجهين لأنه فسخ في بعض المعقود عليه أشبه البيع وفي الآخر لا يجوز لأن السلم يقل فيه الثمن لأجل التأجيل فإذا فسخ في البعض بقي البعض بالباقي من الثمن وبمنفعة الجزء الذي فسخ فيه فلم يجز كما لو شرطه في ابتداء العقد وتجوز الإقالة في السلم كله إجماعا وتجوز في بعضه لأن الإقالة معروف جاز في الكل فجاز في البعض كالإبراء وعنه لا يجوز لما ذكرنا في الفسخ والأول أصح لأن باقي الثمن يستحق به باقي العوض فإذا فسخ العقد رجع بالثمن أو ببدله إن كان معدوما وليس له صرفه في عقد آخر قبل قبضه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) وقال القاضي يجوز أخذ العوض عنه لأنه عوض مستقر في الذمة فأشبه القرض فعلى هذا يصير حكمه حكم القرض على ما سيأتي.
الشيخ: سبق الكلام على هذا الحديث وأنه يجوز أن يأخذ عوض السلم ما شاء إلا أنه إذا كان يجري بينهما ربا النسيئة وجب القبض قبل التفرق.
السائل: لو أسلم في بر وأعطاه شعيراً؟
الشيخ: لا يجوز لأن الشعير والبر صنفان.

فصل
القارئ: ولا يجوز بيع السلم قبل قبضه (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام قبل قبضه وعن بيع ما لم يضمن) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ولفظه لا يحل.
الشيخ: الصواب جواز بيعه لكن على نفس المسلم إليه أما على غيره فإنه لا يجوز لأنه قد يتعذر القبض فإذا أسلمت مائة ريال بمائة صاع بر في ذمة رجل ثم جاء الرجل وقال إنني لم أحصل البر فبعه عليَّ أشتريه منك فالصواب أن هذا جائز لأنه ليس فيه غرر ولا ربا ولا ربح فيما لم يضمن وأما إذا باعه على غيره فهذا لا يجوز لأنه قد يتعذر الاستيفاء.

السائل: لو باعه على المسلم إليه فهل يشترط عدم الربح؟


الشيخ: نعم يشترط ألا يربح وأن يقبضه في مجلس العقد إذا كان يجري بينهما النساء.
القارئ: ولأنه مبيع لم يدخل في ضمانه فلم يجز بيعه كالطعام قبل قبضه ولا تجوز التولية فيه ولا الشركة لما ذكرنا في الطعام ولا الحوالة به لأنها إنما تجوز بدين مستقر والسلم بعوض الفسخ.
الشيخ: الصواب جواز الحوالة به والحوالة به أن يكون للمسلم إليه دين في ذمة شخص فيقول المُسْلَم إليه للمُسلِم أحلتك بما في ذمتي لك على فلان فلا مانع في ذلك وأما قوله أنه دين غير مستقر فيقال جميع الديون غير مستقرة فمن يضمن أن فلان الذي عليه الدين يوفني على كل حال؟
القارئ: ولا تجوز الحوالة على من عليه سلم لأنها معاوضة بالسلم قبل قبضه.
الشيخ: الصحيح جواز الحوالة عليه وليست بيعاً حتى الناس لا يسمون الحوالة بيع فإذا كان لإنسان على شخص مسلم إليه مائة صاع وآخر يطلب المُسلِم مائة صاع فقال أحلتك بالمائة صاع على ما في ذمة المسلم إليه فلا مانع في ذلك إذا قبل.
القارئ: ولا يجوز بيع السلم من بائعه قبل قبضه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) ولأنه بيع للمسلم فيه فلم يجز كبيعه من غيره.
الشيخ: سبق لنا أن الصحيح جواز بيعه ممن هو عليه لكن بشرط ألا يربح وشرط آخر هو التقابض قبل التفرق إذا باعه في شيء يجري بينهما ربا النسيئة وذكرنا قاعدة وهي أن الأصل في البيوع الحل فأي إنسان يقول هذا حرام نقول هات الدليل وذكرنا أيضاً سابقاً أن الأصول التي ينبني عليها النهي في البيوع ثلاثة وهي الغرر والظلم والربا والربا من الظلم لكن قد يأتي أحياناً ربا بلا ظلم.

فصل
القارئ: وإذا قبضه فوجده معيبا فله رده وطلب حقه لأن العقد يقتضي السلامة وقد أخذ المعيب عما في الذمة فإذا رده رجع إلى ما في الذمة وإن حدث به عيب عنده فهو كما لو حدث العيب في المبيع بعد قبضه على ما مضى.


باب القرض
القارئ: ويسمى سلفاً وأجمع المسلمون على جوازه واستحبابه للمقرض.
الشيخ: القرض هو أن يعطي مالاً ويأخذ عوضه على سبيل الإحسان والإرفاق لا على سبيل المعاوضة وإنما هو إحسان وإرفاق وجوازه من محاسن الشريعة لأنه يحتاج إليه المستقرض وينتفع به المقرض فهو مصلحة محضة وليس كما زعم بعض الناس أنه على خلاف القياس بل هو على القياس وأعلم أنه لا يوجد شيء ثبت في الشريعة ويكون على خلاف القياس أبداً بل كل ما في الشريعة فهو على وفق القياس ولا يخرج عن نظائره إلا لسبب وأما قول المؤلف أجمع المسلمون على جوازه هذا باعتبار المستقرض يعني أجمعوا على أنه يجوز للإنسان أن يقول للشخص يا فلان أقرضني كذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف البشر استقرض ولو كان في هذا دناءة أو سؤال للغير ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام وأما بالنسبة للمقرض مستحب بالإجماع لدخوله في قوله تعالى (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) وهذا إحسان.
القارئ: وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة) رواه ابن ماجه.
الشيخ: لكن هذا الحديث ضعيف والضعيف لا يحتج به ويكفينا عنه ما ذكرناه من الآيات الكريمة (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
القارئ: ويصح بلفظ القرض وبكل لفظ يؤدي معناه نحو أن يقول ملكتك هذا على أن ترد بدله فإن لم يذكر البدل فهو هبة وإذا اختلفا فالقول قول المملك لأن الظاهر معه لأن التمليك بغير عوض هبة.
الشيخ: قوله (نحو أن يقول ملكتك هذا على أن ترده بدله) نقول عندنا شيئان التمليك واشتراط الرد البدل فإن لم يذكر البدل فهو هبة فإذا اختلفا فالقول قول المُمَلَّك.


القارئ: ويثبت الملك في القرض بالقبض لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض فوقف الملك عليه كالهبة ولا خيار فيه لأن المقرض دخل على بصيرة أن الحظ لغيره فهو كالواهب ويصح شرط الرهن فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (رهن درعه على شعير أخذه لأهله) متفق عليه.
الشيخ: يعني أنه لو قال المقرض لا أقرضك إلا برهن ففعل فلا بأس وأما استدلال المؤلف فهو استدلال يحتاج إلى نظر وهو أن الذي وقع من الرسول صلى الله عليه وسلم كان بعقد البيع لكن يقال القياس ظاهر فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذه بعقد البيع ثبت في ذمته الثمن والمقترض أيضاً يثبت في ذمته الثمن فيقال إذا صح الرهن في الدين الثابت في الذمة بالبيع فليكن كذلك في الدين الثابت بالذمة في

القرض فإن قال قائل لو أشترط المقرض الرهن وقال لا أقرضك حتى ترهنني بيتك ففعل فهل يصح القرض؟ نعم يصح ولا تتوهم أن هذا قرضاً جر نفعاً لأن المقرض لم ينتفع بشيء غاية ما هنالك أنه وثق ماله بالرهن وإذا أوفى المقترض فإنه سيوفيه ما أقرضه بدون زيادة وبهذا التقرير يندفع ما ظنه بعض الناس فيما يسمونه بالجمعية والجمعية أن يقوم مجموعة من الموظفين مثلاً ويتفقون على أنهم يقتطعون من رواتبهم جزءاً الأول منهم في الشهر الأول وللثاني في الشهر الثاني والثالث في الشهر الثالث وهلم جرا لكن بعض الناس يظن أن هذا قرض جرّ نفعاً فيقال أين النفع الذي جراه فهذا الرجل أقرض ألفاً ورد عليه ألف والقرض الممنوع هو الذي ينتفع به المقرض فقط أما إذا كان الانتفاع من الطرفين فلا بأس به ولهذا صرح بعض العلماء أنه لو قال أنا لا أقرضك حتى تكون مزارعاً في أرضي لأن المالك يريد أن تعمر الأرض فإذا قال ذلك واتفقا عليه فلا بأس مع أن المالك الآن أنتفع والمقترض أنتفع أيضاً وحينئذ خرج عن الربا لأن الربا إنما يكون فيه الزيادة لآخذ الربا فقط أما هنا فالانتفاع للجميع.


القارئ: وإن شرط فيه الأجل لم يتأجل ووقع حالا لأن التأجيل في الحال عدة وتبرع فلا يلزم كتأجيل العارية.
الشيخ: الصواب في هذا أنه يتأجل فإذا استقرض منه وقال إلى مدة شهر أو سنة فإنه يتأجل ولا يجوز للمقرض أن يطالب به قبل الأجل ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ودليله من السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم (كل شرط ليس في كتاب فهو باطل) وهذا في كتاب الله لأنه لم يستحل حراماً ولم يحرم حلالاً ودليل آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (آية المنافق ثلاثة _ ومنها _ إذا وعد أخلف) فالصواب أنه إذا أؤجل يتأجل إلى الأجل الذي عيناه ولأننا لو قلنا بعدم صحة الشرط لكان يلزم عليه ضرر كبير على المستقرض فإن الإنسان قد يستقرض مثلاً عشرة آلاف ليشتري بيتاً ويقول للمقرض أجله إلى سنة ثم إذا اشترى البيت قال التأجيل غير صحيح وأريدك أن تعطيني مالي الآن فيلزم من هذا ضرر كبير والضرر منفي شرعاً وعلى هذا فالصواب أنه يلزم بالتأجيل وأما قياسه على العارية فنحن نمنع الأصل وإذا منعنا الأصل منعنا الفرع فنقول العارية تتأجل بالتأجيل أيضاً فلو جاء شخص لإنسان وقال أعرني هذا الإناء ثلاثة أيام لأنه سيأتيني ضيوف فيقول نعم خذه ثلاثة أيام ثم بعد ساعة أو ساعتين قال له هات العارية فهذا لا يجوز فالصواب أن العارية تتأجل والقرض يتأجل إذا أشترطه الطرفان لعموم الأدلة ولا دليل على المنع.
القارئ: وإن أقرضه تفاريق ثم طالبه به جملة لزم المقترض ذلك لما قلناه فإن أراد المقرض الرجوع في عين ماله وبذل المقترض مثله فالقول قول المقترض لأن الملك قد زال عن العين بعوض فأشبه البيع اللازم وإن أراد المقترض رد عين المال لزم المقرض قبوله لأنه بصفة حقه فلزمه قبوله كما لو دفع إليه المثل.

فصل


القارئ: ويصح قرض كل ما يصح السلم فيه لأنه يملك بالبيع ويضبط بالصفة فصح قرضه كالمكيل إلا بني آدم فإن أحمد رضي الله عنه كره قرضهم فيحتمل التحريم أختاره القاضي لأنه لم ينقل ولا هو من المرافق ولأنه يفضي إلى أن يقترض جارية يطأها ثم يردها ويحتمل الجواز لأن السلم فيهم صحيح فصح قرضهم كالبهائم.
الشيخ: القول يمنع قرض الآدمي أصح لما ذكره المؤلف مما يترتب عليه من المفاسد ومادام أن المؤلف قال في الفصل الذي قبله إذا رد عين ما أقترضه لزم المقرض قبوله فهنا ربما يقترض جارية ويستمتع بها قل في غير الوطئ فيستمتع بها بالتقبيل والمباشرة وغير ذلك وإذا صار في الصباح ردها عليه وقال هذا مالك وهذا شيء غريب فلو فتح الباب فما أكثر الذين يلجونه ويفسدون به فالصواب منع قرض بني آدم ويقال إذا كنت تريد أن تستقرضه فهناك طريق آخر وهو الشراء اشتري بثمن مؤجل ويكون ملكك
السائل: أذا طلب الشخص من تاجر أن يشتري له سيارة ويسجلها عليه دين بأكثر فما حكم هذا البيع؟


الشيخ: صورة المسألة أن شخص يقول أنا أريد السيارة الفلانية من المعرض الفلاني فيقول التاجر نعم ثم يذهب التاجر ويشتريها من المعرض ثم يبيعها على هذا الشخص بدراهم مؤجلة زائدة عن الثمن فإن هذا تماماً هو القرض بعينه لأن حقيقته أنه أقرضه الثمن بزيادة فلو اشتراها نقداً بخمسين ألف مثلاً وباع على هذا الإنسان بستين ألف إلى سنة وهو لا يريد تملكها ولا طرأ على باله ذلك ولولا هذا الذي طلبها ما اشتراها فيكون هذا الشراء وسيلة إلى زيادة القرض الذي أعطاه ولهذا نحن نرى أن هذا أشد مما لو قال أعطني خمسين ألف بستين ألف إلى أجل فهذا أشد لأن هذا فيه حيلة وأعلم أن الحلية على المحرم تجعله أشد تحريماً لأنه يتضمن الوقع في مآثمه ومضاره وزيادة الخديعة والخيانة ولهذا كان كفر المنافقين أعظم من الكفر الصريح قال أيوب السختياني رحمه الله إنهم يخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون وصدق رحمه الله لأن الذي يأتي الربا صريحاً على وجهه يعرف أنه عصى الله فيقع في قلبه الخجل من الله عز وجل ويحدث توبة لكن إذا كان يرى أن هذا العمل حلال وخديعة ماذا يكون؟ لا يتوب ويستمر في عمله ويرى أنه خرج من الحرام والعبرة في الأمور بمقاصدها لا بصورها ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام (أنه يأتي أناس يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها) وهي الخمر والآن الخمر تسمى بغير اسمها فيسميها المستحلون لها المشروبات الروحية وما أقدرها حتى تكون روحية نعم اللهم عافنا.
السائل: ما الحكم فيما لو اقترض الإنسان ديناً وهو يعلم أن دخله المادي لا يساعده على تسديد هذا الدين؟


الشيخ: هذا لا يجب نقول أنه حرام من جهة القرض لكن نقول كل إنسان يجعل على نفسه وهو غير قادر عليه فإنه إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة ولهذا لم يأذن الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أراد أن يتزوج المرأة وليس عنده شيء والقصة معروفة فلم يقل له استقرض فدل هذا على أن الرسول لا يريد من الإنسان أن يشغل ذمته بالديون.
القارئ: فأما مالا يصح السلم فيه كالجواهر ففيه وجهان أحدهما لا يجوز ذكره أبو الخطاب لأن القرض يقتضي رد المثل وهذا لا مثل له والثاني يجوز قاله القاضي لأن مالا مثل له تجب قيمته والجواهر كغيرها في القيمة.
الشيخ: قول القاضي هو الصحيح أنه يجوز ثم إن أمكن أن يرد القرض على صفة ما أقترض فهذا الواجب وإن لم يمكن فالقيمة ولكن متى نقدر القيمة أنقدرها بوقت القرض أم وقت الوفاء؟ الظاهر بوقت القرض لأنه من حين أن دخلت ملك المقترض صارت ثابتة في ذمته قيمتها.
القارئ: ولا يجوز القرض إلا في معلوم القدر فإن أقرضه غضة لا يعلم وزنها أو مكيلاً لا يعلم كيله لم يجز لأن القرض يقتضي رد المثل وإذا لم يعلم لم يتمكن من القضاء.
الشيخ: هذا معلوم أنه لابد من معرفة القدر لأنه إذا لم يعرف القدر حصل النزاع والشقاق بين المقرض والمقترض.

فصل


القارئ: ويجب رد المثل في المثليات لأنه يجب مثله في الإتلاف ففي القرض أولى فإن أعوز المثل فعليه قيمته حين أعوز لأنها حينئذ ثبتت في الذمة وفي غير المثلي وجهان أحدهما يرد القيمة لأن ما أوجب المثل في المثلي أوجب القيمة في غيره كالإتلاف والثاني يرد المثل لما روى أبو رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم أستسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل للصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بَكْرَهُ فرجع إليه أبو رافع فقال يا رسول الله لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً فقال (اعطه إياه فإن من خير الناس أحسنهم قضاء) رواه مسلم ولأن ما يثبت في الذمة في السلم يثبت في القرض كالمثلي بخلاف الإتلاف فإنه عدوان فأوجب القيمة لأنه أحصر والقرض ثبت للفرق فهو أسهل فعلى هذا يعتبر مثله في الصفات تقريبا فإن قلنا يرد القيمة اعتبرت حين القرض لأنها حينئذ تجب.
الشيخ: الخلاصة أنه يرد المثل في المثليات فإن أعوز المثل بمعنى تعذر الوصول إليه فله القيمة وقت الإعواز يعني وقت التعذر ووجه ذلك أن المثل ثبت في ذمة المقترض إلى أن تعذر فتجب القيمة حين التعذر أما لو

أقترض غير مثلي فإن الواجب القيمة وتكون حين القرض لأنه من حين القرض انتقل ملك هذا المتقوم إلى المقترض فلزمته القيمة وقت القرض فالفرق أن المثلي إذا أعوز وجبت قيمته حين الإعواز والمتقوم تجب قيمته حين القرض والفرق بينهما أنه في المثلي ثبت المثل في ذمة المقترض إلى وقت الإعواز أما المتقوم فإنه من حين أقترض ثبتت القيمة.
السائل: ما معنى قوله (لأنه أحصر)؟
الشيخ: أحصر يعني أقرب إلى طلب المثل لأن المثل ربما تطول المدة فيقول هذا مثله أو يقول هذا غير المثل.

فصل


القارئ: ويجوز قرض الخبز ورد مثله عدداً بغير وزن في الشيء اليسير وعنه لا يجوز إلا بالوزن قياساً على الموزونات ووجه الأول ما روت عائشة قالت قلت يا رسول الله إن الجيران يقترضون الخبز والخمير فيردون بزيادة ونقصان فقال (لا بأس إنما ذلك من مرافق الناس) وعن معاذ أنه سئل عن اقتراض الخبز والخمير فقال سبحان الله إنما هذا من مكارم الأخلاق فخذ الكبير واعط الصغير وخذ الصغير واعط الكبير خيركم أحسنكم قضاء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك رواهما أبو بكر في الشافي.
الشيخ: يجوز اقتراض المطعوم فيقترض الخبز ويرد مثله ويقترض التمر ويرد مثله لكن هل يرد الخبز وزناً أو يردها عدداً؟ نقول الأمر في هذا واسع لأنه من المرافق فإذا ردها عدداً فلا بأس وإن ردها وزناً فلا بأس حسب ما يتفق المقرض والمقترض مثلاً الشابورة يجوز اقتراضها لكن هل تكون عدد أو وزنا؟ نقول إذا كانت متساوية فبالعدد وإلا فبالوزن.

فصل
القارئ: فإن أقرضه فلوساً أو مكسرة فحرمها السلطان وتركت المعاملة بها فعليه قيمتها يوم أخذها نص عليه لأنه منع إنفاقها فأشبه تلف أجزائها فإن لم تترك المعاملة بها لكن رخصت فليس له إلا مثلها لأنها لم تتلف إنما تغير سعرها فأشبهت الحنطة إذا رخصت.
الشيخ: هذه المسألة فيما إذا أقرضه فلوساً والفلوس مثل القروش المعدنية فهذه فلوس وقوله (أو مكسرة) يعني مجزئه لأن الدراهم والدنانير كانت تجزأ في الوقت السابق فإذا حرمها السلطان أي منع المعاملة بها فحينئذ سوف لا تساوي شيئاً فماذا يجب على المقترض؟ يقول المؤلف رحمه الله (فعليه قيمتها يوم أخذها)


هكذا قال رحمه الله وفي هذا نظر ظاهر بل يجب أن نقول عليه قيمتها حين حرمها السلطان كما قلنا فيما سبق في المثلي عليه قيمته وقت إعوازه فالصواب أن له القيمة حين حرمها السلطان لكن لو حرمها إلى بدل يعني جعل بدل الريال ريال فله البدل لأن هذا البدل هو قيمة ما حرم وقت التحريم فيلزمه البدل وعلى هذا فإذا أستقرض إنسان مائة ريال فضة ثم حرمها السلطان وحولها إلى أوراق وأراد أن يوفي فهل نقول كم قيمة الفضة أو يدفع بالورق؟ الجواب يدفع بالورق لأن الورق هو قيمتها وقت التحريم فهو الواجب لكن ماذا لو لم يمنع السلطان المعاملة بها ولكنها رخصت فماذا يصنع؟ يقول المؤلف أنه يعيدها بنفسها ولو رخصت وسبب ذلك يقول المؤلف (لأنها لم تتلف إنما تغير سعرها فأشبهت الحنطة إذا رخصت) لكن نقول هذا قياس مع الفارق لأنه إذا حرمت المعاملة بها لم تكن نقداً الآن بل صارت كأنها سعلة من السلع كأنها ثوب أو كأنها إناء فالصواب أنه إذا حرمت المعاملة بها فله القيمة وقت المعاملة سواء رخصت أو زادت أو بقيت على سعرها.
السائل: إذا أصبحت العملة لا قيمة لها فما هو الحكم؟
الشيخ: هذا يكون مثل المثلي إذا تعذر يعني لو فرض أن نقد الدولة أوراق ثم حرمت المعاملة بها ولم ترد الدولة بدلها للناس أصبحت لا قيمة لها فتعتبر كالمثلي إذا أعوز أو سقطت الدولة وصار النقد لا يساوي شيئاً أو كانت حروب أهليه تنقص العملة فهذه ينظر ما قيمتها وقت إلغائها.

فصل
القارئ: ولا يجوز أن يشترط في القرض شرطاً يجر به نفعا.
الشيخ: قوله (ولا يجوز أن يشترط) أي المقرض (شرطاً يجر به نفعاً) أي لنفسه أي أن المقرض يشترط شرطاً على المقترض يعود بالنفع لنفسه فلا يجوز ذلك لأنه إذا فعل ذلك صار معاوضة ولم يكن إرفاقاً.


القارئ: مثل أن يشترط رد أجود منه أو أكثر أو أن يبيعه أو أن يشتري منه أو يؤجره أو يستأجر منه أو يهدي له أو يعمل له عملاً ونحوه (لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وسلف) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وعن أبي ابن كعب وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم أنهم نهوا عن قرض جر منفعة ولأنه عقد إرفاق وشرط ذلك يخرجه عن موضوعه.
الشيخ: إذا شرط منفعة له فواضح أنه أراد المعاوضة والمتاجرة والقرض عقد إرفاق ولهذا يجوز أن يقرضه دينار اليوم ولا يوفيه إلا بعده عشرة أيام ولو أنه باعه دينار على أن يرد بدله بعد عشرة أيام لكان البيع حراماً.

القارئ: وإن شرط أن يوفيه في بلد آخر أو يكتب له به سفتجة إلى بلد في حمله إليه نفع لم يجز لذلك فإن لم يكن لحمله مؤنة فعنه الجواز لأن هذا ليس بزيادة قدر ولا صفة فلم يفسد به القرض كشرط الأجل وعنه في السفتجة مطلقاً روايتان لأنها مصلحة لهما جميعا وإن شرط رد دون ما أخذ لم يجز لأنه ينافي مقتضاه وهو رد المثل فأشبه شرط الزيادة ويحتمل إلا يبطل لأن نفع المقترض لا يمنع منه لأن القرض إنما شرع رفقاً به فأشبه شرط الأجل بخلاف الزيادة.
الشيخ: هذا الاحتمال هو الصحيح لأن المقترض لابد أن ينتفع وإلا فما فائدته في القرض أما السفتجة فتسمى في عرف الناس الحوالة مثل أن يكون شخص له مال في مكة وهو في المدينة فاقترض من شخص مالاً وأحاله به على ماله في مكة فهذا لا بأس به ويسمى سفتجة والصحيح أنه لا بأس بأخذ عمولة عليها لأن فيها مصلحة للطرفين فالمحيل يستفيد السلامة سلامة ماله الآخر يستفيد الأجرة.
القارئ: وكل موضع بطل الشرط فيه ففي القرض وجهان أحدهما يبطل لأنه قد روي (كل قرض جر منفعة فهو ربا) والثاني لا يبطل لأن القصد إرفاق المقترض فإذا بطل الشرط بقي الإرفاق بحاله.


الشيخ: هذا يعتبر ضابط وهو كل موضع بطل الشرط فيه ففي القرض وجهان والصواب أنه إن أخرجه عن موضعه وهو الإرفاق بطل وإن لم يخرجه فإنه لا يبطل ومعلوم أن المنفعة الخاصة بالمقرض تخرجه عن موضوعه لأن المقرض في هذه الحال لم يقرضه تقرباً إلى الله ولا إحسان إليه وإنما أقرضه للمصلحة المالية فيكون كالمعاوضة تماماً.

فصل
القارئ: وإن وفى خيراً منه في القدر أو الصفة من غير شرط ولا مواطأة جاز لحديث أبي رافع وإن كتب له به سفتجة أو قضاه في بلد آخر أو أهدى إليه هدية بعد الوفاء فلا بأس لذلك وقال ابن أبي موسى إن زاده مرة لم يجز أن يأخذ في المرة الثانية وجهاً واحداً.
الشيخ: إن وفى خير منه فلا بأس يعني بأن أقترض منه صاعاً من البر رديئاً فأعطاه جيداً أو أقترض جيداً فأعطاه أجود فلا بأس وكذلك في القدر لو أقترض منه درهمين فأعطاه ثلاثة بدون شرط فلا بأس بذلك وقال بعض أهل العلم أنه لا تجوز الزيادة في القدر إلا بعد أن يوفيه ثم يعود إليه مرة ثانية ويعطيه ما شاء وعللوا ذلك بأن الهدية لا تجوز إلا بعد الوفاء فإذا قارنت الزيادة الوفاء فإنه حرام ولا شك أن الأولى بالمقرض إذا زاده في القدر أن يرده لئلا يكون ذلك سبباً للربا ومأخذ ابن أبي موسى رحمه الله مأخذ جيد

أنه إذا زاده مرة لم يجز أن يأخذ منه في المرة الثانية لأنه إذا زاده مرة صار متشوفاً إلى الزيادة فإذا جاء يستقرض منه فهو متشوف إلى أن يزيده فيكون تشوفه إلى هذه الزيادة كالاشتراط.
القارئ: ولا يكره قرض المعروف بحسن القضاء.
الشيخ: المعنى أنه إذا كان هناك إنسان معروف بأنه رجل كريم يوفي أكثر وأحسن مما وجب عليه فلا يكره أن يقرضه ولذلك لم يكره قرض النبي عليه الصلاة والسلام مع أنه أحسن الناس وفاءً.


القارئ: وذكر القاضي وجهاً في كراهته لأنه يطمع في حسن عادته والأول أصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان معروفاً بحسن القضاء فلم يكن قرضه مكروها ولأن خير الناس أحسنهم قضاء ففي كراهة قرضه تضييق على خير الناس وذوي المروآت.
الشيخ: التعليل الذي ذكره المؤلف جيد فالصواب أن من عرف بحسن القضاء والكرم فيه فإنه لا يكره إقراضه وإن كان الإنسان قد يتشوف إلى حسن القضاء والزيادة فيه لكن إذا قلنا بكراهة ذلك صار الرجل المعروف بالبخل الذي إن لم ينقصك لم يزدك يستحب إقراضه والثاني الرجل الكريم المعروف بحسن القضاء يكره إقراضه وهذه مشكلة.

فصل
القارئ: وإن أهدى له قبل الوفاء من غير عادة أو أستأجر منه بأكثر من الأجرة أو أجره شيئاً بأقل أو استعمله عملاً فهو خبيث إلا أن يحسبه من دينه لما روى الأثرم أن رجلاً كان له على سماك عشرون درهما فجعل يهدي إليه السمك ويقومه حتى بلغ ثلاثة عشر درهما فسأل ابن عباس فقال أعطيه سبعة دراهم.
الشيخ: السماك هنا يهدي للرجل من أجل أن يؤجل ولا يطالبه بالدين وقد يكون أهدى إليه من أجل أنه أسدى إليه معروفاً فصار يهدي إليه لكن يجب على المقرض في هذه الحال أن يقيد كل ما أهداه إليه المستقرض ثم يقومه وينزله من دينه.
القارئ: وروى ابن ماجه عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أقرض أحدكم قرضاً فأهدي إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك) فإن كان بينهما عادة بذلك قبل القرض أو كافأه فلا بأس لهذا الحديث.
الشيخ: قوله (كافأه) يقصد المقرض أي أن المستقرض أهدي إليه هدية وليس من عادته أن يهدي إليه فكافأه بأن أعطاه ما يقابلها مثل أن يهدي إليه ساعة تساوي عشرين فيكافأه بأن يهدي إليه قلماً يساوي


عشرين وإلا فلا يأخذ ومن ذلك ما يوجد الآن بعض التلاميذ يهدي إلى الأستاذ هدية فالأفضل أن يردها الأستاذ مادام يدرسه وإن خاف أن ينكسر قلبه فليأخذها وليكافأه بدلاً عنها.

فصل
القارئ: فإن أفلس غريمه فأقرضه ليوفيه كل شهر شيئاً منه جاز لأنه إنما انتفع باستيفاء ما يستحق استيفاؤه.
الشيخ: هذه تقع مثلاً يكون الغريم أفلس فأقرض قرضاً يتجر به وكلَّما حصل من الربح جاء به إلى المقرض فلا بأس لأن هذا المقرض لم يستفيد زيادة بل هو أحسن إلى صاحبه وصاحبه أبرأ ذمته ومن هنا نعرف أن ما يسميه الناس الآن بالجمعية لا تدخل في القرض الذي جر نفعاً لأن جميع المقرضين ما انتفعوا بزيادة كل واحد منهم أقرض الآخر وسيوفيه بدون زيادة وصفتها أن يجتمع عشرة أو أكثر أو أقل ويخصموا من راتبهم شيئاً معيناً يعطونه واحداً منهم ثم في الشهر الثاني يعطون آخر في الشهر الثالث يعطون ثالثاً فهذا لا بأس ولا حرج به إطلاقاً بل هو إحسان وقضاء حاجة لأن الإنسان ربما يحتاج في بعض الشهور أكثر من راتبه.
القارئ: ولو كان له طعام فأقرضه ما يشتريه به ويوفيه جاز لذلك.
الشيخ: هذا في الحقيقة نادر لأنه إذا كان سيقرضه ما يوفيه به فإنه يؤجله وينظره ولا حاجة أن يقرضه فإذا قال قائل ربما يحتاج الطعام الذي كان أقرضه من قبل؟ قلنا إذا احتاج الطعام الذي كان أقرضه من قبل يشتريه بنفسه.
القارئ: ولو أراد تنفيذ نفقة إلى عياله فأقرضها رجلاً ليوفيها لهم فلا بأس لأنه مصلحة لهما لا ضرر فيه ولا يرد الشرع بتحريم ذلك قال القاضي ويجوز قرض مال اليتيم للمصلحة مثل أن يقرضه في بلد ليوفيه في بلد آخر ليربح خطر الطريق وفي معنى هذا قرض الرجل فلاحه حباً يزرعه في أرضه أو ثمناً يشتري به بقراً وغيرها لأنه مصلحة لهما وقال ابن أبي موسى هذا خبيث.


الشيخ: الصحيح أنه جائز لأنه مصلحة لهما فالزارع استفاد الزرع وصاحب الأرض استفاد زرع أرضه وهذا ما أشرنا إليه من قبل وقلنا إن القرض الذي يحرم هو الذي يجر نفعاً يختص به من المقرض أما إذا كان لهما جميعاً أو للمقترض وحده فلا بأس.

فصل
القارئ: وإذا قال المقرض إذا مِتُّ فأنت في حل فهي وصية صحيحة.
الشيخ: هي وصية صحيحة بشرط ألا تزيد على الثلث فإن زادت على الثلث وقفت على إجازة الورثة.
القارئ: وإن قال إن مِتَّ فأنت في حل لم يصح لأنه إبراء علق على شرط.
الشيخ: الصحيح أنه صحيح وأن الإبراء على شرط لا بأس به فلو كان لشخص دين في ذمة رجل وقال له إن فلعت كذا فقد أبرأتك فلا حرج وما المانع فهو شرط لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً ولا يوقع في ربا ولا في ظلم فالصواب أن الإبراء المعلق على شرط جائز وليس فيه بأس.
القارئ: وإن قال اقترض لي مائة ولك عشرة صح لأنها جعالة على ما بذله من جاهه.
الشيخ: هذا صحيح ولا مانع في ذلك.
القارئ: وإن قال تكفل عني بمائة ولك عشرة لم يجز لأنه يلزمه أداء ما كفل به فيصير له على المكفول فيصير بمنزلة من أقرضه مائة فيصير قرضاً جر نفعا.
الشيخ: إذا قال تكفل عني بمائة ولك عشرة فالذي قال هذا كان الدين الذي عليه مائة فكفله هذا الرجل ثم إن هذا الرجل طالبه الدائن بالوفاء لأن الكفيل يلزم بالوفاء عن مكفوله فإذا أوفاه فسيوفيه مائة ويأخذ من المكفول مائة وعشرة فيكون حينئذ قرضاً جرا نفعاً فلا يجوز.
القارئ: ولو أقرضه تسعين عدداً بمائة عدداً وزنهما واحد وكانت لا تتفق برؤوسهما فلا بأس به لأنه لا تفاوت بينهما في قيمة ولا وزن وإن كانت تتفق في موضع برؤوسهما ما لم يجز لأنها زيادة.
الشيخ: هذا ليس موجود عندنا الآن لأن التعامل عندنا بالعدد لا بالوزن.

فصل


القارئ: فإن أقرضه نصف دينار فأتاه بدينار صحيح وقال خذ نصفه وفاء ونصفه وديعة أو سلماً جاز وإن أمتنع من أخذه لم يلزمه لأن عليه ضرراً في الشركة والسلم عقد يعتبر فيه الرضى ولو أقرضه نصفاً قراضة على أن يوفيه نصفاً صحيحاً لم يجز لأنه شرط زيادة والله أعلم.
الشيخ: مثل هذا لو جاء إنسان إلى شخص يطلبه خمسين ريالاً وجاء الغريم ليوفيه وليس معه إلا مائة وقال هذه مائة وخمسين تبقى عندك وديعة فلا بأس لكن لو صارفه مصارفة وقال أصرف لي المائة قال ما عندي

إلا خمسين فلا يجوز لأن المصارفة بيع نقد بنقد أما المسألة الأولى فهو وفاء ويبقى الباقي عند الموفى وديعة فلا يكون مصارفة.
السائل: إذا قال الرجل لأخيه أقرضني وكما علمت من حسن قضائي وأنا أبذل لمن أقرضني إهداء ونحو ذلك فهل يجوز؟
الشيخ: الظاهر أنه يجوز إذا لم يكن هناك شرط فإن فهم من هذا أنه شرط وقال أقرضني عشرة ملاين مثلاً وأنا تعرفني أني رجل وفي ورجل أعطي أكثر مما آخذ فإذا علم إن هذا مثل الشرط فهذا لا يجوز أما إذا قصد بذلك تشجيعه على أن يقرضه وليس من نيته أن يوفيه أكثر فلا بأس والأعمال بالنيات.
السائل: بالنسبة للجمعية التي تكون بين الموظفين مثلاً هل يلزم كتابة ورقة إثبات بين أطراف الجمعية؟
الشيخ: قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ) فأمر بالكتابة لأن الإنسان ما يدري ما يعرض له قد ينسى هو أو ينسى المدين أو يموت أحدهما.
السائل: قد يأتي إنسان إلى صاحب دكان يريد أن يصرف عنده فيقول ما عندي مثلاً إلا أربعين فيقول صاحب المال لصاحب الدكان يبقى عندك وديعة فهل هذا جائز؟
الشيخ: لا يصح هذا لأنه لو قيل بهذا لكان كل واحد يريد ربا النسيئة يتخلص بهذا.
السائل: فإن اشترى من صاحب الدكان سلعة وكان معه مائة ريال ولم يكن عند صاحب الدكان صرف فقال المشتري الباقي اجعله وديعة عندك؟


الشيخ: هذا لا بأس به والفرق بينهما أن السلع مع النقود ليس بينها ربا نسيئة وليست مصارفة فإذا قال المشتري هذه مائة ريال وهو اشترى بخمسين فإن الخمسين تبقى وديعة لأن هذه الخمسين ليس لها عوض بالنسبة لصاحب الدكان.
السائل: في حال أراد المصارفة ولم يجد غير هذا الدكان وصاحب الدكان ليس عنده ما يكفي للصرف مثلاً عنده مائة ويريد صرفها وهو محتاج لخمسين فما العمل؟
الشيخ: يقول لصاحب الدكان خذ هذه المائة واجعلها رهناً عندك وأقرضني خمسين ريالاً.

باب الرهن
القارئ: وهو المال يجعل وثيقة بالدين ليستوفى منه إن تعذر وفاؤه من المدين ويجوز في السفر لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) وفي الحضر لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً ورهنه درعه متفق عليه ولأنه وثيقة جازت في السفر فتجوز في الحضر كالضمان والشهادة.


الشيخ: التوثيقات أنواع منها أن يتوثق الإنسان بالكتابة لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ) هذه التوثقة لابد أن يكون الكاتب معروف الخط وإلا لضاعت فائدته ثانياً التوثقة بالشهادة لقوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) والثالث الإيستيثاق بالرهن لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) والرابع الإستيثاق بالضمان لقوله تعالى (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) ويدخل في الضمان الكفالة لكن الفرق بينهما أن الكفيل يلتزم بإحضار بدن المكفول لا بالدين الذي عليه والضمان يلتزم بالدين الذي عليه سواء أحضره أم لم يحضره فهذه التوثيقات كلها حماية لحقوق الناس والرهن هو أن الغريم الذي عليه الدين يعطي صاحبه ما يستوثق به وقد يكون أكثر وقد يكون أقل وقد يكون مساوي يعني الرهن قد يكون أقل من الدين وقد يكون أكثر وقد يكون مساوياً وقد يكون حين الرهن أقل من الدين وعند الوفاء أكثر من الدين كما لو رهنه أرضاً على دين مقداره ألف وكانت الأرض عند الرهن لها تساوي خمسمائة وعند الوفاء تساوي ألفين فهي عند عقد الرهن أقل من الدين وعند الوفاء أكثر وقد يكون بالعكس والمهم أنه لابد أن يكون هناك توثقة سواء كان الرهن أكثر من الدين أو أقل أو مساوي ويجوز في الحضر والسفر كما قاله المؤلف رحمه الله وأما قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) فهذا بيان لحال لابد منه وهو أنه إذا كان تعامل رجلان في سفر وليس عندهما كاتب وخاف صاحب الحق أن يضيع حقه فهنا يكون الرهن لأن هذه حاجة واضحة ولذلك أشترط الله عز وجل أن يكون مقبوضاً فقال


(فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) وفي غير السفر لا بأس ألا يقبض كما سيأتي إن شاء الله تعالى أنه القول الراجح وأما الدليل على جواز الرهن في الحضر؟ فما ذكرته عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم أشترى من يهودي طعاماً ورهنه درعه) وفي هذا الحديث جواز معاملة اليهود بالبيع والشراء وفيه أيضاً جواز رهنهم لآلات الحرب لأن الدرع من آلات الحرب لكن عند الأمن من مكرهم أما إذا خيف مكرهم يعني يستعملوا هذا الرهن الذي كان من آلات الحرب في حرب المسلمين فهؤلاء لا يجوز أن يرهنوا.

فصل
القارئ: ويجوز الرهن بعوض القرض للآية وبثمن المبيع للخبر وكل دين يمكن استيفاؤه منه كالأجرة والمهر وعوض الخلع ومال الصلح وأرش الجناية والعيب وبدل المتلف قياساً على الثمن وعوض القرض.
وفي دين السلم روايتان إحداهما يصح الرهن به للآية والمعنى والأخرى لا يجوز لأنه لا يأمن هلاك الرهن بعدوان فيصير مستوفياً حقه من غير المسلم فيه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من أسلم في شيئاً فلا يصرفه إلى غيره).
الشيخ: الصحيح بلا شك أنه يجوز الرهن بدين السلم وأما كونه إذا هلك أستوفي من الرهن فلا بأس ولا مانع من ذلك وحديث (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره) سبق أنه ضعيف وأنه إن صح فالمعنى لا يصرفه إلى سلم آخر فالمعنى (إلى غيره) أي من أنواع السلم.

فصل
القارئ: ولا يجوز الرهن بمال الكتابة لأنه غير لازم فإن للعبد تعجيز نفسه ولا يمكن استيفاؤه من الرهن لأنه لو عجز صار هو والرهن لسيده.


الشيخ: ما ذكره المؤلف رحمه الله في الكتابة واضح لكن ما هي الكتابة؟ الكتابة أن يشتري العبد نفسه من سيده بمال مؤجل وهي جائزة بل واجبة إذا طلبها العبد وعلمنا أن فيه خيراً كما قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) فيأتي العبد ويقول لسيده أنا أريد أن أشتري نفسي منك فيجيبه السيد فلا بأس بل هو مأمور بذلك إن علم فيه خيراً والخير قال العلماء الصلاح في الدين والقدرة على الكسب فإذا حصلت الكتابة وقال السيد للعبد أعطني رهناً يقول المؤلف لا يصح لأننا إذا فرضنا أن العبد عجز فإنه يرجع الرهن والعبد للسيد فلا فائدة وهذا واضح لكن يشكل عليه من أين للعبد المال حتى يرهنه؟ لأن المال الذي في يده لسيده فيقال ربما يتبرع أحداً من الناس ويعطيه ما يرهنه للسيد فإذا كانت الصورة هذه فالصحيح جواز الرهن لأننا إذا قدرنا أن العبد عجز للسيد أن يستوفيه من الرهن الذي تبرع به الرجل الآخر وإذا استوفاه عتق العبد ولا يملك تعجيز نفسه في هذه الحال فلهذا تصوير هذه المسألة فيه صعوبة وذلك لأننا نقول إن كان الرهن من العبد فهذا غير ممكن لأنه لا يملك وإن كان من غيره فما المانع فإذا قالوا أنه يمكن أن العبد يعجز نفسه ويقول عجزت فلا يثبت العتق؟ نقول إذا قال عجزت وكان الرهن من غيره فإن السيد يستوفي من هذا الرهن ويعتق العبد.

السائل: لو استوفى السيد المال من الرهن الذي تبرع به رجلٌ آخر للعبد فلمن يكون الولاء؟
الشيخ: يكون الولاء للسيد لأنه هو الذي أعتقه والرهن إنما جعل للاستيفاء فقط إلا إذا باعه عليه فهذا شيء آخر.
القارئ: ولا يجوز بما يحمل العاقلة من الدية قبل الحول لأنه لم يجب ولا يعلم أن مآله إلى الوجوب فإنه يحتمل حدوث ما يمنع وجوبه ويجوز الرهن به بعد الحول لأنه دين مستقر.


الشيخ: العاقلة هي العصبة أو ذكور العصبة الذين يحملون الدية فيما إذا قتل الإنسان خطاءاً يعني لو إنسان دهس رجلاً فإن الدية تكون على عاقلته فإذا قال أولياء الميت المقتول نحن نريد أن تعطونا رهناً فإنه لا يلزمهم ولا يصح الرهن لأنه ربما في أثناء السنة يفتقر أحدهم أو يموت أما بعد تمام الحول واستقرار الدية على العاقلة فإنه يجوز الرهن لأن العاقلة تؤجل عليهم الدية ثلاث سنوات فمثلاً إذا مضى سنة ثبتت الدية فإذا جاء أولياء المقتول وطالبوا بها وقالوا أعطونا إياها قالوا ليس عندنا الآن شيء لكن نعطيكم رهناً يجوز أو لا؟ يجوز لأن الدية الآن ثبتت واستقرت فأما إذا كان قبل السنة فلا يجوز لأنهم يقولون لا يلزمنا أن نسلم قبل السنة لأنه ربما يوجد مانع يمنع من وجوب الدية علينا.
القارئ: ولا يجوز بالجعل في الجعالة قبل العمل لعدم الوجوب ويجوز بعده وقال القاضي يحتمل جواز الرهن به قبل العمل لأن مآله إلى الوجوب.
الشيخ: قول القاضي أصح لأنه إن وجب الجعل فالرهن يُؤَمِّن وإن لم يجب فإنه يعاد الرهن لصاحبه.
القارئ: ولا يصح الرهن بما ليس بثابت في الذمة كالثمن المتعين والأجرة المتعينة والمنافع المعينة نحو أن يقول أجرتك داري هذه شهرا لأن العين لا يمكن استيفاؤها من الرهن ويبطل العقد بتلفها.
الشيخ: قوله (لا يصح الرهن بما ليس بثابت في الذمة كالثمن المتعين) الثمن المتعين مثل أن يقول اشتريت منك مائة صاع بهذه السيارة فهنا لا حاجة لأن السيارة الآن أصبحت ملكاً للبائع فلا حاجة إلى الرهن كذلك (الأجرة المتعينة) بأن قال استأجرت منك هذه الدار بهذه الدراهم لكنها ما تثبت إلا بعد استيفاء المنفعة فلا يصح أن نجعل فيها رهناً لأنها هي عينها ثابتة للمؤجر.
السائل: نريد توضيحاً للمسألة الأولى؟


الشيخ: توضيحاً للمسألة الأولى نقول إذا اشترى منه شيئاً بثمن مؤجل وهذا الثمن المؤجل هو هذه السيارة التي عينها لكن لا يسلمها إلا بعد سنة لأنها ثمن مؤجل نقول لا حاجة للرهن هنا لأن نفس الثمن معين وسيبقى للبائع ملكاً له لكن لا يجب تسلميه على المشتري إلا إذا تمت المدة.

القارئ: وقياس هذا أنه لا يصح الرهن بالأعيان المضمونة كالمغصوب والعارية والمقبوض على وجه السوم لتعذر استيفاء العين من الرهن.
الشيخ: الصواب جواز الرهن بالأعيان المضمونة كالمغصوب فلو أن رجلاً أقر بالغصب وقال إنه قد غصب السيارة الفلانية فقال صاحبها أدني إياها قال الآن هي ليست حاضرة لكن آتي بها بعد أسبوع مثلاً فقال صاحب السيارة لا أطلقك حتى ترهنني شيئاً فهنا لا مانع في الواقع من ذلك لأن الأصل الضمان وكذلك العارية فالعارية سبق أنها على المذهب من الأعيان المضمونة بكل حال فإذا جاء إنسان وقال أعرني كذا وكذا فقال لا أعيرك إلا إذا رهنتني فالمؤلف يقول لا يصح الرهن والصواب أنه يصح وكذلك يقول المؤلف في المقبوض على وجه السوم أنه لا يصح الرهن فيه والصواب أنه يصح فعلى هذا يكون الرهن صحيح سواء وثق لدين أو وثق لعين وهذا هو الأرجح أن الأعيان المضمونة لا بأس أن يكون فيها رهن وكذلك الديون في الذمم لا بأس أن يكون فيها رهن.
القارئ: وإن جعله بقيمتها كان رهناً بما لم يجب ولا يعلم أن مآله إلى الوجوب وقال القاضي قياس المذهب صحة الرهن بها لصحة الكفالة بها.
الشيخ: ما قاله القاضي وهو الصحيح كل شيء تصح به الكفالة يصح به الرهن لأن المقصود بالرهن هو التوثقة.

فصل


القارئ: ويصح الرهن بالحق بعد ثوبته لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ) إلى قوله (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) ومع ثبوته وهو أن يشترط الرهن في عقد البيع أوالقرض لأن الحاجة داعية إليه فإنه لو لم يشترطه يلزم الغريم الرهن وإن رهن قبل الحق لم يصح في ظاهر المذهب اختاره أبو بكر والقاضي لأنه تابع للدين فلا يجوز قبله كالشهادة واختار أبو الخطاب صحته فإذا دفع إليه رهناً على عشرة دراهم يقرضها إياه ثم أقرضه لزم الرهن لأنه وثيقة بحق فجاز عقدها قبله كالضمان.
الشيخ: قول أبو الخطاب هو الصواب وعلى هذا فيجوز الرهن قبل ثبوت الحق وبعده ومعه لكن إذا كان بعده فإنه لا يلزم المدين يعني لو قال الدائن بعد أن ثبت الدين في ذمة المدين لو قال أعطني رهناً وكان الدين مؤجلاً فقال المدين لا أعطيك فله الحق لكن لو اتفقا على الرهن فلا بأس.

فصل
القارئ: ولا يلزم الرهن من جهة المرتهن.
الشيخ: الراهن هو الذي أعطى الرهن وهو المدين والمرتهن هو الذي أخذ الرهن وهو الدائن والرهن لا يلزم في حق المرتهن لأن الحق له فإذا شاء بعد أن يرهن الشيء قال للراهن خذ رهنك أنا لا أريد الرهن ذمتك تكفيني.
القارئ: لأن العقد لحظه وحده فكان له فسخه كالمضمون له ويلزم من جهة الراهن لأن الحظ لغيره فلزم من جهته كالضمان في حق الضامن ولأنه وثيقة فأشبه الضمان
الشيخ: صحيح هذا فيكون هذا العقد لازم من طرف جائز من طرف آخر.
القارئ: ولا يلزم إلا بالقبض لقول الله تعالى (فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) ولأنه عقد إرفاق فأفتقر إلى القبض كالقرض وعنه في غير المكيل والموزون أنه يلزم بمجرد العقد قياساً على البيع والأول المذهب لأن البيع معاوضة وهذا إرفاق فهو أشبه بالقرض.


الشيخ: الصواب أنه يلزم بمجرد العقد إذا كان المرهون معيناً بأن قال رهنتك بيتي أو سيارتي أو ما أشبه ذلك فإنه يلزم وإن كان الراهن ساكناً للبيت أو مستعملاً للسيارة وهذا الذي عليه العمل من قديم الزمان وأما الآية الكريمة فإن الآية في قضية معينة خاصة (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) بل إن الآية تدل على أنه لا يشترط القبض في الرهن لكن في هذه الحال المعاملة في سفر وليس هناك كاتب فمتى تكون التوثقة؟ هل بمجرد الرهن أو لابد من القبض؟ لابد من القبض لأننا لو قلنا بأن الرهن يفيد بلا قبض لقلنا لا نحتاج إلى رهن لأن المدين مادمنا واثقين منه فإننا لا نحتاج إلى رهن فالآية ليس فيها دليل لأن الآية في قضية معينة فهي فيمن تداين في سفر فطلب صاحب الدين رهناً فقال المدين أرهنك سيارتي ولكن السيارة معه لا يستفيد لأنه لو كان يريد أن يثق به في رهن لم يقبض لو وثق به من الأول ولا يحتاج إلى رهن فلا تتم التوثقة في هذه الصورة إلا إلا بقبض الرهن والله سبحانه وتعالى أرشدنا إلى شيء نتوثق به ولا يمكن أن نتوثق في هذه الصورة إلا بالقبض فالصواب أن القبض ليس شرطاً للزوم ويدل على ذلك عموم قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وهذا عقد الرهن عليه فيجيب عليه الوفاء به ولا فرق بين أن يكون مكيلاً أو موزوناً أو غيرهما وأما مسألة القرض فالقرض إذا لم يقبض فهو عِدة إذا قال أنا أقرضتك مثلاً مائة ريال ولم يسلمه إياها فهذه عِدة والعِدة على المذهب لا يلزمه الوفاء بها كما لو أراد أن يتصدق بدراهم جعلها في يده ليتصدق بها على فقير ثم لما رأى الفقير لم يتصدق فهل هذا جائز أو لا؟ هذا جائز لأن الفقير لم يقبض المال والفرق بين القرض وبين الرهن واضح جداً الرهن المقصود به التوثقة وهي حاصلة سواء قبض أم لم يقبض لكن لا نشك أن من كمال التوثقة أن يقبضه وهذا لا إشكال فيه


لكن إذا

كان لم يقبضه وكان الرهن واضحاً مثل أن رهن الإنسان بيته وهو ساكن فيه فالمذهب لا يلزم الرهن ويجوز لصاحب البيت أن يبيع البيت وأن يتصرف فيه بما شاء لكن لو قلنا بهذا القول لفسدت معاملة الناس لأن أكثر الناس الآن يرهنون بيوتهم وسياراتهم وهم ساكنون في البيت ومستعملون للسيارة فلو قلنا إن هذا الرهن لا يلزم لتلاعب الناس قال أرهنك بيتي بمائة ثم إذا فارق المجلس باع البيت هذا غير صحيح والمهم أن الصواب أنه لازم بالعقد والجواب عن الآية أن الله سبحانه وتعالى ذكر أعلى التوثقة في سورة معينة والدليل على لزومه بالعقد قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).
القارئ: وإذا كان الرهن في يد الراهن لم يجز قبضه إلا بإذنه لأنه له قبل القبض فلا يملك المرتهن إسقاط حقه بغير إذنه كالموهوب.
الشيخ: المذهب أنه إذا كان الرهن بيد الراهن والراهن هو المطلوب فإنه إذا قال المرتهن للراهن أعطني الرهن لأني لا أثق بك ولا آمنك فرفض الراهن يقول المؤلف (لم يجز قبضه إلا بإذنه) وهذه مشكلة لأنه إذا قال لا أعطيك إياه فإنه يحتاج أن يرفع الأمر للقاضي فتحدث خصومة ونزاع فإذا قلنا باللزوم بدون قبض استراح الجميع حتى نفس الراهن يصبح لا يهمه أن يكون الرهن بيده أو بيد هذا المرتهن إذا كان لا ينتفع بالرهن كما لو رهن الرجل ساعة أو رهنت المرأة حليها وما أشبه ذلك.
القارئ: وإن كان في يد المرتهن فظاهر كلامه لزومه بمجرد العقد لأن يده ثابتة عليه وإنما يعتبر الحكم فقط فلم يحتج إلى قبض كما لو منع الوديعة صارت مضمونة وقال القاضي وأصحابه لا يلزم حتى تمضي مدة يتأتى قبضه فيها.
الشيخ: قوله (فظاهر كلامه) يعني كلام الإمام أحمد وعلى كل حال على ما قلنا فالصواب أنه يلزم بمجرد العقد ولا يحتاج أن نقول تمضي مدة يمكن أن يقبضه فيها أو لا.
القارئ: ولو كان غائباً لا يصير مقبوضاً حتى يوافيه هو أو وكيله.


الشيخ: إذا كان غائباً فإنه لا يكون مقبوضاً حتى يوافيه هو أو وكيله وهذه واضحة.
القارئ: وقال القاضي وأصحابه لا يلزم حتى تمضي مدة يتأتى قبضه فيها ولو كان غائباً لا يصير مقبوضا حتى يوافيه هو أو وكيله ثم تمضي مدة يمكن قبضه فيها لأن العقد يفتقر إلى القبض ولا يحصل القبض إلا بفعله أو إمكانه ثم هل يفتقر إلى إذن الراهن في القبض على وجهين أحدهما لا يفتقر إليه لأن إقراره عليه كإذنه فيه والثاني يفتقر لأنه قبض يلزم به عقد غير لازم فافتقر إلى الإذن كما لو لم يكن في يده.

السائل: إذا اشترط القبض في السفر فهناك إشكال فمثلاً زيد وعمرو سافرا إلى مكان معين وأقترض زيد من عمرو مبلغ على أن يرهنه سيارته فإذا اشترطنا القبض وأخذ عمرو السيارة فإنه انتفع بها والقاعدة أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا؟ فما الجواب على هذا الإشكال؟
الشيخ: لا هو لن ينتفع بها وعلى المذهب تبقى السيارة معطلة وإذا استعملها فإنه يكتب عليه أجرتها وتكون الأجرة تابعة للرهن.
السائل: قلنا بأن الرهن لا يحتاج إلى قبض وإنما يكفي فيه مجرد العقد الآن أحسن الله إليك صندوق التنمية العقاري ما يحصل فيه قبض ما يحصل فيه قبض ومع هذا تضيع الحقوق الناس ما يسددون الناس لا يسددون فتضيع الحقوق؟
الشيخ: لو اشترطنا القبض للزم من ذلك أن البنك العقاري يقبض جميع هذا البيوت التي دفعها.
مسألة: إذا أذن صاحب الحق في بيع الرهن سواء كان الرهن بيت أو سيارة أو أي شيء فإن أشترط أن تكون قيمته رهناً بدله صارت رهناً فتؤخذ القيمة وتوضع مثلاً في بنك أو غيره وتبقى تحت تصرف المرتهن وإن لم يشترط ذلك فإن أذنه في البيع فسخ للرهن.

فصل
القارئ: وإذا أذن في القبض ثم رجع عنه قبل القبض أو قبل مضي مدة يتأتى القبض فيها لما في يده فهو كمن لم يأذن لأن الإذن قد زال.


الشيخ: هكذا قال المؤلف رحمه الله ولكن سبق لنا أن القبض ليس بشرط وإذا لم يكن شرطاً صار فرضه على المسألة لا حاجة إليه لكن على القول بأنه شرط نقول هل يجوز أن يمتنع من الأذن بعد أن أذن أو لا؟ الجواب لا يجوز لأنه لما أذن صار كالعقد المشروط فيه القبض فلا يجوز له أن يرجع.
القارئ: وإن أذن فيه ثم جن أو أغمى عليه زال الإذن لخروجه عن كونه من أهله ويقوم ولي المجنون مقامه إن رأى الحظ في القبض أذن فيه وإلا فلا.
الشيخ: وفي الإغماء إذا زال الإغماء فإنه يأذن من جديد.
القارئ: وإن تصرف الراهن في الرهن قبل قبضه بعتق أو هبة أو بيع أو جعله مهراً بطل الرهن لأن هذه التصرفات تمنع الرهن فأنفسخ بها وإن رهنه بطل الأول لأن المقصود منه ينافي الأول.

الشيخ: يخشى أن هذا المتحيل إذا رهنه وأذن في القبض ثم رجع فيه ثم رهنه آخر فالرهن الأول يبطل فيُخشى أيضاً أن الرهن الثاني يبطل ثم يحصل بذلك تلاعب بالناس فهذا القول الذي بنى عليه المؤلف قول ضعيف والصواب أنه إذا أذن في القبض فليس له أن يرجع.
القارئ: وإن دَبَّرَهُ أو أجره أو زوَّج الأمة لم يبطل الرهن لأن هذه التصرفات لا تمنع البيع فلا تمنع صحة الرهن وإن كاتب العبد وقلنا يصح رهن المكاتب لم يبطل بكتابته لأنه لا ينافيها وإن قلنا لا يصح رهنه بطل بها لتنافيهما.

فصل
القارئ: وإن مات أحد المتراهنين لم يبطل الرهن لأنه عقد لا يبطله الجنون أو مآله إلى اللزوم فلم يبطله الموت كبيع الخيار ويقوم وارث الميت مقامه في الإقباض والقبض فإن لم يكن على الراهن دين سوى دين الرهن فلوارثه إقباضه وإن كان عليه دين سواه فليس له إقباضه لأنه لا يملك تخصيص بعض الغرماء برهن وعنه له إقباضه لأن المرتهن لم يرض بمجرد الذمة بخلاف غيره والأول أولى لأن حقوق الغرماء تعلقت بالتركة قبل لزوم حقه فلم يجز تخصيصه به بغير رضاهم.
الشيخ: وعلى القول بأنه لا يشترط القبض يثبت حق المرتهن بالرهن ولو كان هناك غرماء.


القارئ: كما لو أفلس الراهن فإن أذن الغرماء في إقباضه جاز لأن الحق لهم فإذا قبضه لزم سواء مات قبل الإذن في القبض أو بعده.

فصل
القارئ: وإن حجر على الراهن قبل القبض لم يملك إقباضه فإن كان الحجر لسفه قام وليه مقامه كما لو جن وإن كان لفلس لم يجز لأحد إقباضه إلا بإذن الغرماء لأن فيه تخصيص المرتهن بثمنه دونهم.
الشيخ: الفرق بين الحجر لسفه والحجر لفلس أن السفه زوال الرشد مثل أن يختل عقل هذا الرجل فيحجر عليه لسفه والفلس كثرة الديون بحيث تكون الديون أكثر من ماله الموجود فهنا يحجر عليه بطلب الغرماء.

فصل
القارئ: ومتى امتنع الراهن من إقباضه وقلنا إن القبض ليس بشرط في لزومه أجبره الحاكم وإن قلنا هو شرط لم يجبره وبقي الدين بغير رهن وهكذا إن انفسخ الرهن قبل القبض إلا أن يكون مشروطاً في بيع فيكون للبائع الخيار بين فسخ البيع وإمضائه لأنه لم يُسَلَّم له ما شَرَطَ فأشبه ما لو شرط صفة في المبيع فبان بخلافها وإن قبض الرهن فوجده معيبا فله الخيار لأنه لم يُسَلَّم له ما شَرَطَ فإن رضيه معيبا فلا أرش له لأن الرهن إنما لزم فيما قبض دون الجزء الفائت وإن حدث العيب أو تلف الرهن في يد المرتهن فلا خيار له لأن الراهن قد وفى له بما شرطه فإن تعيب عنده ثم أصاب به عيباً قديما فله رده وفسخ البيع لأن العيب الحادث عنده لا يجب ضمانه على المرتهن وخرجه القاضي على الروايتين في البيع وإن علم بالعيب بعد تلفه لم يملك فسخ البيع لأنه قد تعذر عليه رد الرهن لهلاكه.

فصل


القارئ: ولا ينفك شيء من الرهن حتى يقضي جميع ديونه لأنه وثيقة به فكان وثيقة بكل جزء منه كالضمان فإن رهن شيئاً من رجلين أو رهن رجلان رجلاً شيئا فبريء أحدهما أو برئ الراهن من دين أحدهما انفك نصف الرهن لأن الصفقة التي في أحد طرفيها عاقدان فلا يقف انفكاك أحدهما على إنفكاك الآخر كما لو فرق بين العقدين وإن أراد الراهن مقاسمة المرتهن في الأولى أو أراد الراهنان القسمة في الثانية ولا ضرر فيها كالحبوب والادهان أجبر الممتنع عليها وإن كان فيها ضرر لم يجبر عليها كغير الرهن ويبقى الرهن مشاعا.

فصل
القارئ: واستدامة القبض كابتدائه في الخلاف في اشتراطه للآية ولأنها إحدى حالتي الرهن فأشبهت الابتداء فإن قلنا باشتراطه فأخرجه المرتهن عن يده باختياره إلى الراهن زال لزومه وبقي كالذي لم يُقْبَض مثل أن أجره إياه أو أودعه أو أعاره أو غيرِ ذلك فإن رده الراهن إليه

عاد اللزوم بحكم العقد السابق لأنه أقبضه باختياره فلزم به كالأول وإن أزيلت يد المرتهن بعدوان كغصب ونحوه فالرهن بحاله لأن يده ثابتة حكما فكأنها لم تزل.
الشيخ: هذه ربما قد يكون فيها خديعة الراهن أقبض المرتهن الرهن ثم جاءه يوم من أيام على سرعة وقال يا فلان أعرني هذا وهو قد رهنه إناءً ثم قام المرتهن فأعطاه إياه إعارةً لأنه ظن أنه حين جاء بهذه العجلة أنه في ضرورة فحينئذ يزول لزوم الرهن ويبقى الرهن بالخيار إن شاء أذن له ورد عليه وإن شاء أبقاه ومثل هذه الحيلة لا يمكن الحياد عنها إلا إذا قلنا بالقول الراجح أنه لا يشترط للزومه القبض.

فصل
القارئ: والرهن أمانة في يد المرتهن إن تلف بغير تعد منه لم يضمنه ولم يسقط شيء من دينه لما روى الأثرم عن سعيد بن المسيب قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرهن لا يَغْلَق، والرهن ممن رهنه.
الشيخ: هنا لو قلنا بأنه يسقط الدين لكان أغلق.


القارئ: ولأنه وثيقة بدين ليس بعوض عنه فلم يسقط بهلاكه كالضامن وإن كان الرهن فاسداً لم يضمنه لأن مالا يضمن بالعقد الصحيح لا يضمن بالعقد الفاسد وإن وقت الرهن فتلف بعد الوقت ضمنه لأنه مقبوض بغير عقد وإن رهنه مغصوبا لم يعلم به المرتهن فهل للمالك تضمين المرتهن؟ فيه وجهان أحدهما لا يُضَمِّنُهُ لأنه دخل على أنه أمين والثاني يُضَمِّنُهُ لأنه قبضه من يد ضامنه فإذا ضمنه رجع على الراهن في أحد والوجهين لأنه غرَّه والثاني لا يرجع لأن التلف حصل في يده فاستقر الضمان عليه.
الشيخ: قاعدة المذهب في هذا أنه له أن يُضَمِّنَ هذا وهذا لكن يستقر الضمان على الراهن لأنه هو الذي غصبه وهو بيد المرتهن أمانة.
القارئ: وإن ضمن الراهن فهل يرجع على المرتهن؟ على وجهين إن قلنا يرجع المرتهن لم يرجع الراهن وإن قلنا لا يرجع ثَمَّ رجع هاهنا وإن أنفك الرهن بقضاء أو إبراء بقي الرهن أمانة لأن قبضه حصل بإذن مالكه لا لتخصيص القابض بنفعه فأشبه الوديعة.
الشيخ: رحم الله الفقهاء ما أبقوا للقضاة شيء فكل شيء مذكور.
السائل: المرتهن بعد ما قبض الرهن من الراهن حصل حجر على الراهن لفلسه فهل له أن يوفي دينه أو يسترد خلال أمواله؟
الشيخ: يستحق أن يستوفي دينه من الرهن لأن الرهن الآن رهن صحيح وقبضه المرتهن فصار لازماً.

فصل
القارئ: إذا حل الدين فوفاه الراهن أنفك الرهن وإن لم يوفه وكان قد أذن في بيع الرهن بيع واستوفي الدين من ثمنه وما بقي فله وإن لم يأذن طولب بالإيفاء أو ببيعه فإن أبى أو كان غائبا فعل الحاكم ما يراه إجباره على البيع أو القضاء أو بيع الرهن بنفسه أو بأمينه والله أعلم.
الشيخ: هذه هي فائدة الرهن أنه إذا حل الدين ولم يوفِ يباع الرهن ويستوفى من ثمنه.

باب
ما يصح رهنه وما لا يصح
القارئ: يصح رهن كل عين يصح بيعها لأن مقصود الرهن الاستيثاق بالدين باستيفائه من ثمنه عند تعذر استيفائه من الراهن وهذا يحصل مما يجوز بيعه.


الشيخ: أما مالا يجوز بيعه كما لو رهنه كلب صيد فإنه لا يصح الرهن مع أن كلب الصيد ربما يكون عند الراهن أغلى من آلاف لكن يقولون لا يصح رهنه لماذا؟ لأنه لا يباع فلا تحصل فائدة للمرتهن بذلك، كذلك لو رهنه ولده الصغير قال أعطيك ولدي رهناً قالوا لا يصح لأن الولد لا يمكن بيعه فلو قَبِلَ لكان معناه أنه يغذي له ولده مجاناً.
القارئ: ويصح رهن المشاع لأنه يجوز بيعه فجاز رهنه كالمفرز.
الشيخ: المفرز يعني الذي أفرز من غيره يعني قُصِدَ فيشبه كلمة المقصود.
القارئ: ثم إن اتفقا على جعله في يد المرتهن أو يد عدل وديعة للمالك أو بأجرة جاز وإن اختلفا جعله الحاكم في يد عدل وديعة لهما أو يؤجره لهما محبوسا قدر الرهن للمرتهن وإن رهن نصيبه من جزء من المشاع وكان مما لا ينقسم جاز وإن جازت قسمته احتمل جواز رهنه لأنه يصح بيعه واحتمل أن لا يصح لاحتمال أن يقتسماه فيحصل المرهون في حصة الشريك.
الشيخ: الصواب الجواز بلا شك.
القارئ: ويصح رهن العبد المرتد والجاني لأنه يجوز بيعهما وفي رهن القاتل في المحاربة وجهان بناءً على بيعه.
الشيخ: قوله (رهن القاتل في المحاربة) نقول في هذه الحال سوف يقتل على كل حال لكن الفقهاء يصورون الأِشياء البعيدة والأشياء التي قد تكون مستحيلة.

القارئ: ويصح رهن المدبر في ظاهر المذهب لظهوره في بيعه ويصح رهن من علق عتقه بصفة توجد بعد حلول الدين لإمكان استيفائه من ثمنه وإن كانت الصفة توجد قبل حلول الدين لم يجز رهنه لأنه يمكن استيفاؤه من ثمنه وإن كانت تحتمل الأمرين احتمل أن يصح رهنه لأن الأصل بقاء العقد والعتق قبله مشكوك فيه فهو كالمدبر واحتمل أن لا يصح رهنه لأنه يحتمل العتق قبل حلول الأجل وهذا غرر لا حاجة إليه.


الشيخ: مثل أن يعلق عتق العبد بنزول المطر والدين مؤجل مثلاً إلى ستة أشهر فهنا لا يدري متى ينزل المطر قد ينزل المطر قبل تمام الستة أشهر فيعتق ولا يتمكن المرتهن من استيفاء الحق وسبق لنا في مثل هذه الأمور بالنسبة للرهن أنها جائزة لأنه إما غانم وإما سالم اللهم إلا في بيع شُرِطَ فيه الرهن فهنا لا شك أنه سيكون غارماً إذا لم يحصل مقصوده.
القارئ: فإن مات سيد المدبر وهو يخرج من الثلث أو وجدت الصفة عتق وبطل الرهن، ولا يصح رهن المكاتب لتعذر استدامة قبضه ويتخرج أن يصح إن قلنا استدامة القبض غير مشترطة وأنه يصح بيعه ويكون ما يؤديه من نجوم كتابته رهناً معه وإن عتق بقي ما أداه رهناً.
الشيخ: الصحيح أن استدامة القبض في الرهن غير مشترطة وعمل الناس اليوم على هذا فتجد الفلاح يستدين من الرجل على ثمره والنخل بيده والرجل يرهن سيارته وهي في يده فالعمل الآن على أن القبض ليس بشرط وهو الصحيح.
القارئ: وإن عتق بقي ما أداه رهناً كالقن إذا مات بعد الكسب وجميع هذه المعاني عيوب لها حكم غيرها من العيوب.

فصل
القارئ: ويصح رهن ما يسرع إليه الفساد لأنه مما يجوز بيعه وإيفاء دينه من ثمنه فأشبه الثياب فإن كان الدين يحل قبل فساده بيع وقضي من ثمنه وإن كان يفسد قبل الحلول وكان مما يمكن إصلاحه بالتجفيف كالعنب جفف ومؤنة تجفيفه على الراهن لأنه من مؤنة حفظه فأشبه نفقة الحيوان وإن كان مما لا يجفف فشرطا بيعه وجعلا ثمنه رهناً فعلا ذلك وإن لم يشرطاه ففيه وجهان أحدهما يصح الرهن ويباع كما لو شرطاه لأن الحال تقتضي ذلك لكون المالك لا يعرض ملكه للتلف فحمل مطلق العقد عليه كما يحمل على تجفيف العنب والثاني لا يصح لأن


البيع إزالة ملكه قبل حلول الحق فلم يجبر عليه كغيره وإن شرط أن لا يباع فسد وجهاً واحدا لأنه إن وفى بشرطه لم يمكن إيفاء الدين من ثمنه وإن رهنه عصيراً صح لذلك فإن تخمر خرج من الرهن لأنه لا قيمة له فإن عاد خلاً عاد رهنا لأن العقد كان صحيحاً فلما طرأ عليه معنى أخرجه عن حكمه ثم زال المعنى عاد الحكم كما لو ارتد أحد الزوجين ثم عاد في العدة عادت الزوجية وإن كان استحالته قبل القبض لم يعد رهنا لأنه ضعيف فأشبه الردة قبل الدخول.
الشيخ: والصواب أنه يعود رهناً لأن المانع زال وسبق أيضاً أن الصحيح عدم اشتراط القبض وإذا لم يشترط فكأنه استحال بعد القبض.

فصل
القارئ: ويصح رهن الثمرة قبل بدو صلاحها والزرع الأخضر مطلقا وبشرط التبقية لأن الغرر يقل فيه لاختصاصه بالوثيقة مع بقاء الدين بحاله بخلاف البيع قال القاضي ويصح رهن المبيع المكيل والموزون قبل قبضه لأن قبضه مستحق للمشتري فيمكنه قبضه ثم يقبضه وإنما منع من بيعه لئلا يربح فيما لم يضمنه وهو منهي عنه وإن رهنه ثمرة إلى مَحِلٍ تحدث فيه أخرى لا تتميز فالرهن باطل لأنه مجهول حين حلول الحق فلا يمكن إمضاء الرهن على مقتضاه وإن رهنها بدين حال أو شرط قطعها عند خوف اختلاطها جاز لأنه لا غرر فيه فإن لم يقطعها حتى اختلطت لم يبطل الرهن لأنه وقع صحيحا لكن إن سمح الراهن ببيع الجميع أو اتفقا على قدر منه جاز وإن اختلفا وتشاحا فالقول قول الراهن مع يمينه لأنه منكر.

فصل
القارئ: ويصح رهن الجارية دون ولدها لأن الرهن لا يزيل الملك فلا يحصل التفريق فيه فإن احتيج إلى بيعها بيع ولدها معها لأن التفريق بينهما محرم والجمع بينهما جائز فتعين وللمرتهن من الثمن بقدر قيمة الجارية منه وكونها ذات ولد عيب لأنه ينقص من ثمنها.

فصل
القارئ: ولا يصح رهن مالا يجوز بيعه غير ما ذكرنا.

الشيخ: قوله (غير ما ذكرنا) أي الثمرة والزرع قبل بدو صلاحه والزرع قبل اشتداد حبه ورهن الجارية بدون ولدها.


القارئ: كالوقف وأم الولد والكلب ونحوها.
الشيخ: أم والولد غير مسألة المملوك مع الجارية لأن المملوك مع الجارية كلاهما ملك أما أم الولد فهي التي أتت بولد من سيدها والولد حينئذ حرٌ لا يمكن بيعه.
القارئ: لأنه لا يمكن إيفاء الدين منه وهو المقصود ولا يصح رهن مالا يقدر على تسلميه ولا المجهول الذي لا يجوز بيعه لأن الصفات مقصودة في الرهن لإيفاء الدين كما تقصد في البيع للوفاء بالثمن.
الشيخ: وسبق أن القول الراجح في هذه الأمور الجواز إلا في بيع شرط فيه الرهن فمثلاً ما لا يقدر على تسلميه إن قدرنا على التسليم فالمرتهن غانم وإن لم نقدر فليس بغارم لأن ثمن المبيع لم ينقص ولم يتضرر فمثلاً إذا قال أنا أرهنك الحمام التي تطير في الجو وهي ملكه تأوي إلى بيتها في آخر النهار فالمذهب لا يصح والصواب أن هذا جائز لأنه ليس عليه ضرر فإما أن ينتفع المرتهن وإما أن لا يتضرر.
السائل: الجارية لو وضعت بيد المرتهن فإنه قد يطأها فما الحكم في ذلك؟
الشيخ: توضع عنده وإذا كان المرتهن غير ثقة فإنها توضع عند آخر أمين أما إذا كان المرتهن ثقة ومعروف بالصلاح والعفة وعنده أهله وأولاده والجارية ستكون عنده في البيت فلا مانع ومع ذلك إذا خيف فإنه تكون عند إنسان أمين وسبق لنا وعلى القول الراجح أن الجارية يمكن أن تبقى عند سيدها.
السائل: أم الولد إذا مات ولدها أو كبر فهل يجوز أن يرهنها؟
الشيخ: يجوز أن يرهنها إذا قلنا بجواز بيعها وإن قلنا بعدم الجواز لا يجوز الرهن لأنه لا يستفيد.
السائل: وضع البطاقة الشخصية أو وضع الرخصة رهناً ما حكمه؟
الشيخ: لو رهن بطاقته الشخصية أو نحوها مما ليس بمال لكن الإنسان محتاج لها فالمذهب لا يصح والقول الثاني أنه يصح لأننا نقول عقود التوثقة يسامح فيها بالغرر وذكرنا هذا في القواعد الفقهية وشرحناه.


السائل: قول المؤلف رحمه الله (إن احتيج إلى بيعها بيع ولدها معها لأن التفريق بينهما محرم والجمع بينهما جائز) كيف يكون التفريق محرم والجمع جائز؟
الشيخ: قصده أنه غير ممنوع قصده ومعلوم أن عدم التفريق بينهما واجب.
السائل: قول المؤلف (وإن اختلفا جعله الحاكم في يد عدل وديعة لهما أو يؤجره لهما) من المقصود بقوله (يؤجره)؟

الشيخ: المعنى يؤجره الحاكم لأن الرهن لا يمكن أن يكون بيد المرتهن ولا بيد الراهن أما إذا أمكن أن يكون بيد المرتهن وجب.
السائل: ما حكم بيع أمهات الأولاد؟
الشيخ: الصحيح أنه يجوز بيع أمهات الأولاد.

فصل
القارئ: ولا يصح رهن مالا يجوز بيعه غير ما ذكرنا كالوقف وأم الولد والكلب ونحوها لأنه لا يمكن إيفاء الدين منه وهو المقصود ولا يصح رهن مالا يقدر على تسلميه ولا المجهول الذي لا يجوز بيعه لأن الصفات مقصودة في الرهن لإيفاء الدين كما تقصد في البيع للوفاء بالثمن.
الشيخ: سبق أن الصحيح جواز رهن مالا يقدر على تسلميه لأن المرتهن إن حصل له الرهن فقد غنم وإن لم يحصل فقد سلم أما الوقف وأم الولد والكلب فلا فائدة في رهنها أصلاً لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبيعها أما الذي لا يقدر على تسلميه أو المجهول فهو إذا قدر عليه باعه.
القارئ: ولا رهن مال غيره بغير إذنه ويتخرج جوازه ويقف على إجازة مالكه كبيعه.
الشيخ: هذا التخريج جيد لأن الصحيح جواز تصرف الفضولي في كل شيء إلا مالا يمكن شرعاً فلو بعت سيارة أخيك أو بيته أو أجرته ورضي بذلك فالعقد صحيح.
القارئ: فإن رهن عيناً يظنها لغيره وكانت ملكه ففيه وجهان أحدهما يصح لأنه صادف ملكه والثاني لا يصح لأنه عقده معتقداً فساده.
الشيخ: والمذهب الصحة لأن العبرة بما في نفس الأمر فلو أن إنسان رهن بيتاً لحي ثم تبين أن هذا الحي قد مات وأن وارثه هو هذا الذي رهن البيت فالرهن صحيح لأنه تبين ملكه.


القارئ: ولا يصح رهن المرهون من غير إذن المرتهن لأنه لا يملك بيعه في الدين الثاني فإن رهنه عند المرتهن بدين آخر مثل أن رهنه عبداً على ألف ثم استدان منه ديناً آخر وجعل العبد رهناً بهما لم يصح لأنه رهن مستحق بدين فلم يجز رهنه بغيره كما لو رهنه عند غير المرتهن.
الشيخ: الصحيح في هذه المسألة الجواز فالصحيح أنه يجوز زيادة دين الرهن المسألة الأخيرة هذه يعبر عنها بزيادة دين الرهن والصواب أنه جائز فلو أن شخصاً استدان من آخر عشرة آلاف وأرهنه سيارته ثم استدان منه خمسة آلاف وأرهنه السيارة فالصواب جواز هذا لأن السيارة مشغولة برهن المرتهن نفسه فإذا رضي أن يزيد في الدين فلا بأس وهذا هو الذي عليه عمل الناس من قديم ولهذا يأتي الفلاح ويستدين من

التاجر ويحرث ثم يحتاج ويستدين أخرى ويقول هذا داخل في الرهن السابق والحكام عندنا يحكمون بهذا بأن الرهن صحيح.

فصل
القارئ: ولا يصح رهن مالا يجوز بيعه من أرض الشام والعراق ونحوهما مما فتح عنوة في ظاهر المذهب لأنها وقف وما فيها من بناء من ترابها فحكمها حكمها وما جدد فيها من غراس وبناء من غير ترابها إن أفرده بالرهن ففيه روايتان إحداهما لا يصح لأنه تابع لما لا يجوز رهنه فهو كأساسات الحيطان والثانية يجوز لأنه مملوك غير موقوف وإن رهنه مع الأرض بطل في الأرض وفي الغراس والبناء وجهان بناءً على تفريق الصفقة.
الشيخ: هذا أظنه نسخ من زمان والظاهر أنه مازال أهل الشام والعراق يتبايعون الأراضي بيع المال وهو الذي عليه عمل الناس من قديم الزمان حتى من وقت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
السائل: قوله (من غير ترابها) ما معناه؟
الشيخ: يعني أنهم يحفرون الأرض ثم يأتون بتراب من الخارج ويزرعون عليه لكن هذا غير ممكن.

فصل


القارئ: وفي رهن المصحف روايتان كبيعه وإن رهنه أو رهن كتب الحديث أو عبداً مسلماً لكافر لم يصح لأنه لا يصح بيعه له ويحتمل أن يصح إذا شرطا كونه في يد مسلم ويبيعه الحاكم إذا أمتنع مالكه لأن الرهن لا ينقل الملك إلى الكافر بخلاف البيع ولا يجوز رهن المنافع لأنها تهلك إلى حلول الحق ولو رهنه أجرة داره شهراً لم يصح لأنه مجهول.
الشيخ: الصحيح أنه يصح رهن المنافع لأنه يجوز عقد العوض عليها فتؤجر العين المرهونة وتجعل أجرتها رهناً وأما قوله (إن رهنه أجرة داره شهراً لم يصح) ففيه نظر أيضاً لأن الغالب أن الأجرة معلومة وإذا كانت مجهولة فكما قلنا فيما سبق أن رهن المجهول صحيح.
القارئ: ولو رهن المكاتب من يعتق عليه لم يصح لأنه لا يملك بيعه.

طالب: عندي يا شيخ لأنه لا يملك بيعه.

الشيخ: يملك بيعه في احتمال لأنه يملك بيعه لأنه إذا رهنه وهو يعتق عليه فإنه لم يتملكه المرتهن والمكاتب يجوز بيعه نصححها لأنه يملك بيعها أحسن أنتظر ولو رأى المكاتب من يعتق عليه تحتاج إلي مراجعة راجعها راجعها كلما تريد تجدها في المغني ولا في الشرح الكبير لابد نتكلم عليها أنت صاحب القراءة راجعها.

باب
ما يدخل في الرهن وما لا يدخل وما يملكه الراهن وما لا يملكه
وما يلزمه وما لا يلزمه
القارئ: جميع نماء الرهن المنفصل والمتصل يدخل في الرهن ويباع معه لأنه عقد وارد على الأصل فثبت حكمه في نمائه كالبيع أو نماء حادث من غين الرهن أشبه المتصل ولو أرتهن أرضاً فنبت فيها شجر دخل في الرهن لأنه من نمائها سواء نبت بنفسه أو بفعل الراهن ويدخل فيه الصوف واللبن الموجودان والحادثان لدخولهما في البيع وإن رهنه أرضاً ذات شجر أو شجراً مثمراً فحكمه في ذلك حكم البيع وإن رهنه داراً فخربت فأنقاضها رهن لأنها من أجزائها وإن رهنه شجراً لم تدخل أرضه في الرهن لأنها أصل فلا تدخل تبعا.


الشيخ: هذا ما لم يكن العرف على خلافه والعرف عندنا أنه إذا رهنه نخلة أو باع عليه نخلاً أو ما أشبه ذلك يريدون النخل والأرض فإذا كان العرف على خلاف ما قاله الفقهاء فإنه يأخذ به إذا كان مطرداً.

فصل
القارئ: ولا يملك الراهن التصرف في الرهن باستخدام ولا سكنى ولا إجارة ولا إعارة ولا غيرها بغير رضى المرتهن ولا يملك المرتهن ذلك بغير رضى الراهن فإن لم يتفقا على التصرف كانت منافعه معطلة تهلك تحت يد المرتهن حتى يفك لأن الرهن عين محبوسة على استيفاء حق فأشبهت المبيع المحبوس على ثمنه وإن اتفقا على إجارته أو إعارته جاز في قول الخرقي وأبي الخطاب لأن يد المستأجر والمستعير نائبة عن يد المرتهن في الحفظ فجاز كما لو جعلاه في يد عدل ولا فائدة في تعطيل المنافع لأنه تضييع مال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وقال أبو بكر لا يجوز إجارته فإن فعلا بطل الرهن لأن الرهن يقتضي الحبس عند المرتهن أو نائبه فمتى وجد عقد يقتضي زوال الحبس بطل الرهن وقال ابن أبي موسى إن أجره المرتهن أو أعاره بإذن

الراهن جاز وإن فعل ذلك الراهن بإذن المرتهن فكذلك في أحد الوجهين وفي الآخر يخرج من الرهن لأن المستأجر قائم مقام الراهن فصار كما لو سكنه الراهن.
الشيخ: على القول الراجح أنه لا يشترط القبض نقول إذا تصرف فيه الراهن تصرفاً لا يؤثر على الرهن فهو صحيح كالإجارة مثلاً فالإجارة لا شك أنها من صالح الطرفين من صالح الراهن ومن صالح المرتهن أما كونها من صالح الراهن فلأنه قد تكون هذه الإجارة تقضي دينه أو بعضه وأما كونه من صالح المرتهن فلزيادة التوثقة لأنه سوف يضم إلى الرهن قيمة الإجارة أي الأجرة فإن أبى المرتهن وأبى الراهن فلا شك أنهما سفيهان وحينئذ ينتقل الأمر إلى الحاكم ويُؤْجِرُهُ عليهما.

فصل


القارئ: ولا يمنع الراهن من إصلاح الرهن كمداواته بما لا يضر وفصده وحجمه عند حاجته إليه وودج الدابة وتبزيغها وإطراق الإناث عند حاجتها لأنه إصلاح لماله من غير ضرر فلم يمنع منه كالعلف وإن أراد قطع شيء من بدنه لخبيثة فيه وقال أهل الخبرة الأحوط قطعها فله فعله وإن ساووا الخوف في قطعها وتركها فامتنع أحدهما من قطعها فله ذلك لأن فيه خطراً بحقه.
الشيخ: قوله (وقال أهل الخبرة الأحوط قطعها فله فعله) لأنه من مصلحة الطرفين.
القارئ: وللراهن مداواة الماشية من الجرب بما لا ضرر فيه كالقطران بالزيت اليسير وإن خيف ضرره كالكثير لم يملكه وليس له قطع الأصبع الزائدة والسلعة لأنه يخاف منه الضرر وتركها لا يضر.
الشيخ: الصحيح أن له ذلك خاصة في وقتنا هذا فله ذلك لأنه ليس فيه ضرر إطلاقاً ولهذا نقول إن قول الفقهاء يحرم قطع الأصبع الزائدة هذا بناءً على ما كان في وقتهم كما حرم بعضهم قطع البواسير والآن أصبح قطع البواسير شيئاً يسيراً كأنها شوكة نقشت فكذلك قطع الأصبع الزائد أصبح الآن ليس فيه خطر فالصواب أن ذلك جائز وأنه إذا طلبه الراهن لم يملك المرتهن أن يمنعه قوله (السلعة) في عبارة عن مادة خبيثة تنطلق من الرأس أو الصدر أو الظهر وتتعلق وقد رأيناها في بعض الناس قديماً.
القارئ: وليس له الختان إن كان لا يبرأ منه قبل محلِّ الحق لأنه ينقص ثمنه وإن كان يبرأ قبله والزمان معتدل لم يمنع منه لأنه يزيد به الثمن ولا يضر المرتهن وليس للمرتهن فعل شيء من ذلك بغير رضى الراهن.
الشيخ: لأن المرتهن ليس مالكاً والراهن مالك فالراهن له فعل ذلك والمرتهن ليس له فعله.

السائل: قول المؤلف (وإن رهنه داراً فخربت فأنقاضها رهن) هل الأنقاض تباع يافضيلة الشيخ؟
الشيخ: إذا لم يكن الانتفاع بها إلا بالبيع فإنها تباع وتكون قيمتها رهناً أما إذا كان يمكن الانتفاع بها مثل أن تكون لبنات تكسرت ويمكن إعادتها وبناء البيت من جديد فإنها لا تباع.


(تنبيه: نقص في فصل ولا يملك الراهن بيع .... ص 106)
القارئ: فلم يصح كتزويج العبد.
الشيخ: الصحيح منع التزويج لكن لو اتفق المرتهن والراهن على التزوج يجوز لأن الحق له.

فصل
القارئ: ولا يجوز له عتق الرهن لأن فيه إضراراً بالمرتهن وإسقاطَ حقه اللازم فإن فعل نفذ عتقه نص عليه لأنه محبوس لاستيفاء حق فنفذ فيه عتق المالك كالمحبوس على ثمنه وعنه لا ينفذ عتق المعسر لأنه عتق في ملكه يبطل به حق غيره فاختلف فيه الموسر والمعسر كالعتق في العبد المشترك فإن أعتق الموسر فعليه قيمته تجعل مكانه رهنا لأنه أبطل حق الوثيقة بغير إذن المرتهن فلزمته قيمته كما لو قتله.
الشيخ: ما ذكره المؤلف وما فرَّع عليه غير صحيح نقول عتق المرهون حرام ولا ينفذ والغريب أن المؤلف يقول لا يجوز ثم يقول أنه ينفذ وهذا مخالف لقول الرسول عليه الصلاة والسلام (أيُّ شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) ومخالف للقاعدة المتفق عليها أن ما عاد التحريم فيه إلى ذاته فهو باطل لا يصح فالصواب أنه لا يصح ولا فرق بين المعسر والموسر والرواية الثانية عن أحمد أن المعسر لا ينفذ عتقه لتعذر أخذ القيمة منه لأنه فقير والموسر ينفذ عتقه لأنه يمكن أن تؤخذ قيمة العبد المُعْتَق من هذا الموسر وتكون رهناً بدله والصواب أنه لا يعتق لا الموسر ولا المعسر أي لا ينفذ عتق الموسر ولا عتق المعسر.
القارئ: فإن أعتق المعسر فالقيمة في ذمته إن أيسر قبل حلول الحق أخذت منه رهنا وإن أيسر بعد حلول الحق طولب به خاصة لأن ذمته تبرأ به من الحقين معاً وتعتبر القيمة حين الإعتاق لأنه حال الإتلاف.
الشيخ: المعسر سبق أنه على المذهب تكون القيمة في ذمة المعسر.

فصل


القارئ: وليس للراهن وطء الجارية وإن كانت لا تحبل لأن من حرم وطؤها يستوي فيه من تحبل ومن لا تحبل كالمستبرأة فإن وطئ فلا حد عليه لأنها ملكه فإن نقصها لكونها بكرا أو أغضاها فعليه ما نقصها إن شاء جعله رهناً وإن شاء جعله قصاصاً من الحق وإذا لم تحمل منه فهي رهن بحالها كما لو استخدمها وإن ولدت منه فولده حر وصارت أم ولد له لأنه أحبلها بحر في ملكه وتخرج من الرهن موسراً كان أو معسراً رواية واحدة لأن الإحبال أقوى من العتق ولذلك ينفذ إحبال المجنون دون عتقه وعليه قيمتها يوم إحبالها لأنه وقت إتلافها وإن تلفت بسبب الحمل فعليه قيمتها لأنها تلفت بسبب كان منه.

فصل
القارئ: وكل ما منع الراهن منه لحق المرتهن إذا أذن فيه جاز له فعله لأن المنع منه لحقه فجاز بإذنه فإن رجع عن الإذن قبل الفعل سقط حكم الإذن فإن لم يعلم بالرجوع حتى فعل فهل يسقط الإذن؟ فيه وجهان بناءً على عزل الوكيل بغير علمه فإن تصرف بإذنه فيما ينافي الرهن من البيع والعتق ونحوهما صح تصرفه وبطل الرهن لأنه لا يجتمع مع ما ينافيه إلا البيع فله ثلاثة أحوال أحدها أن يبيعه بعد حلول الحق فيتعلق حق المرتهن بالثمن ويجب قضاء الدين منه إلا أن يقضيه من غيره لأن مقتضى الرهن بيعه واستيفاء الحق من ثمنه الثاني أن يبيعه قبل حلول الحق بإذن مطلق فيبطل الرهن ويسقط حق المرتهن من الوثيقة لأنه تصرف في عين الرهن تصرفاً لا يستحقه المرتهن فأبطله كالعتق الثالث أن يشترط جعل الثمن رهنا أو تعجيل دينه من ثمنه فيصح البيع والشرط لأنه لو شرط ذلك بعد حلول الحق جاز فكذلك قبله وإن أذن له في الوطء والتزويج جاز لأنه منع منه لحقه فجاز بإذنه فإن فعل لم يبطل الرهن لأنه لا ينافيه فإن أفضى إلى الحمل أو التلف فلا شيء على الراهن لأنه مأذون في سببه وإن أذن له في ضربها فتلفت به فلا ضمان عليه لأنه تولد من المأذون فيه كَتَوَلُّدِ الحمل من الوطء.

فصل


القارئ: ويلزم الراهن مؤنة الرهن كلها من نفقة وكسوة وعلف وحرز وحافظ وسقي وتسوية جذاذ وتجفيف لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الرهن لمن رهنه له غنمه وعليه غرمه) وهذا من غرمه ولأنه مُلكُهُ فكانت نفقته عليه كالذي في يده فإن احتاج إلى دواء أو فتح عرق لم يلزمه لأن الشفاء بيد الله تعالى وقد يحيا بدونه بخلاف النفقة.
الشيخ: ينبغي أن يقال في مسألة الدواء إذا عُلِمَ أو غلب على الظن أنه ينتفع به فإنه يلزمه لما في ذلك من حفظ ماله وحفظ حق المرتهن وأما كون الشفاء بيد الله فهذا لا شك فيه لكن الرهن عبداً وهذا العبد مريض مرضاً نعلم أنه إذا دوي شفاه الله حسب التقرير الطبي أو يغلب على الظن شفاؤه فالصواب أنه يلزمه.
القارئ: ولا يجبر على إطراق الماشية لأنه ليس مما يحتاج إليه لبقائها وليس عليه ما يتضمن زيادة الرهن فإن احتاجت إلى راعٍ لزمه لأنه لا قوام لها بدونه فإن أراد السفر بها ليرعاها ولها في مكانها مرعى تتماسك به فللمرتهن منعه لأن فيه إخراجها عن يده ونظره وإن أجدب مكانها فللراهن السفر بها لأنه موضع حاجة فإن اتفقا على السفر بها واختلفا في مكانها قدمنا قول من يطلب الأصلح فإن استويا قدم قول المرتهن لأنه أحق باليد.

فصل


القارئ: وليس للمرتهن أن ينتفع من الرهن بشيء بغير إذن الراهن لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه) ومنافعه من غنمه ولأن المنافع ملك للراهن فلم يجز أخذها بغير إذنه كغير الرهن إلا ما كان مركوباً أو محلوبا ففيه روايتان إحداهما هو كغيره لما ذكرنا والثانية للمرتهن الإنفاق عليه ويركب ويحلب بقدر نفقته متحرياً للعدل في ذلك سواء تعذر الإنفاق من المالك أو لم يتعذر لما روى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الرهن يركب بنفقته ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة) رواه البخاري وفي لفظ (فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته ويركب) فإن أنفق متبرعاً فلا شيء له رواية واحدة وليس له استخدام العبد بقدر نفقته وعنه له ذلك إذا أمتنع مالكه من الإنفاق عليه كالمركوب والمحلوب قال أبو بكر خالف حنبل

الجماعة والعمل على أنه لا ينتفع من الرهن بشيء لأن القياس يقتضي ذلك خولف في المركوب والمحلوب للأثر ففي غيره يبقى على القياس.
الشيخ: الصواب أنه يجبر الممتنع منهما فيما إذا طلب أحدهما تأجير البيت أو غيره مما يمكن تأجيره بلا ضرر فإنه يجبر الممتنع لأن في عدم ذلك إضاعة للمال وضرراً على المالك وعلى المرتهن أما لو كانت المسألة على خطر أن يتلف الرهن أو ينقص نقصاً أكثر من أجرته فحينئذ للمرتهن أن يمتنع وكذلك للراهن.
السائل: لو أنه رهنه سيارته فهل للمرتهن أن يزودها بالوقود والزيت على حساب الراهن وينتفع بها أم ماذا؟
الشيخ: لا يفعل لأن الفرق بين المركوب والسيارة السيارة تبقى معطلة ولا تموت لكن المركوب والمحلوب لو لم ينفق عليه لهلك.
السائل: لو أن المرتهن أنفق على المحلوب فشرب وزاد حليبه فهل له بيعه؟


الشيخ: لا بل بقدر النفقة فمثلاً إذا كان ينفق عليها عشرة ريالات في اليوم ويبيع منها حليب بعشرين فله عشرة والشعرة الأخرى تبقى رهناً لأنها من نماء الرهن.
السائل: هل يجوز للمرتهن وطء الجارية إذا كانت رهناً عنده؟
الشيخ: على كل حال من المعلوم أن المرتهن لا يطء الجارية لكن إذا أذن له صاحبها وأحبلها فإن قلنا بجواز بيع أمهات الأولاد فلا إشكال وإن قلنا بعدم الجواز فحينئذ يبطل الرهن.
السائل: السيارة المرهونة إذا كان على المرتهن كُلفةً في المكان الذي يوقف فيه السيارة فهل يباح لها ركوبها؟
الشيخ: لا، لأن هذه الكلفة تكون على مالكها.
السائل: ماذا لو لم يرض مالكه بدفع هذه الكُلفة؟
الشيخ: إذا أبى أن يدفع فربما يقال في هذه الحال تؤجر السيارة بقدر النفقة.
السائل: هل للمرتهن أن يركبها؟
الشيخ: لا ليس له أن يركب إلا بإذن الراهن.

فصل
القارئ: وإن أنفق المرتهن على الرهن متبرعاً لم يرجع وإن أنفق بإذن الراهن بنية الرجوع رجع بما أنفق لأنه نائب عنه فأشبه الوكيل وإن أنفق بغير إذنه معتقداً للرجوع نظرنا فإن كان مما لا يلزم الراهن كعمارة الدار لم يرجع بشيء لأنه تبرع بما لا يلزمه فلم يرجع به كغير المرتهن وإن

كان مما يلزمه كنفقة الحيوان وكفن العبد فهل يرجع به؟ على روايتين بناءً على من قضى دينه بغير إذنه.
الشيخ: هذا تفصيل واضح وجيد.

فصل
القارئ: فإذا أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع به بغير عوض والرهن في قرض لم يجز لأنه يصير قرضاً جر منفعة وإن كان في غير قرض جاز لعدم ذلك.


الشيخ: هكذا قال المؤلف والصحيح العموم أنه لا يجوز إذا كان في ذمته دين لأحد أن ينتفع بشيء من ماله إلا إذا نوى مكافئته أو احتسابه من دينه لأننا لو قلنا يجوز صار هذا الدائن يستمتع بشيء من ماله ويسقط لا يستوفي وحينئذ يكون كالذي يزيد الدين بمرور الأيام فلا يحل فالصواب أن غير دين القرض كدين القرض ولا فرق وقد كان بعض الناس فيما سبق يستدين الفلاحون منهم ثم فإذا أرادوا أن يخرجوا للنزهة ونحو ذلك أرسلوا للفلاح وقالوا أعطنا الحمار نريد أن نخرج عليه في نزهة فيعطيهم الحمار كل أسبوع مرة أو كل شهر مرة وهذا حرام لأن منفعة الحمار الآن صارت زائدة عن الدين الذي وجب على المدين وكما قلت أن ذلك يفضي إلى أن يسكت الدائن عن المدين في مقابل أن ينتفع بماله أو ما أشبه ذلك.
القارئ: وإن أذن له في الانتفاع بعوض مثل أن أجره إياه فإن حاباه في الأجرة فهو كالانتفاع بغير عوض.
الشيخ: قوله (كالانتفاع بغير عوض) أي في التحريم وإلا فبينهما فرق ولا شك لأن الانتفاع بغير عوض لا يستفيد المطلوب شيئاً وبأجرة أقل يستفيد لكن قصده قوله (فهو كالانتفاع بغير عوض) أي في التحريم.
القارئ: وإن لم يحابه فيها جاز في القرض وغيره لكونه ما انتفع بالقرض إنما انتفع بالإجارة وقال القاضي ومتى استأجره المرتهن أو استعاره خرج من الرهن في مدتهما لأنه طرأ عليه عقد أوجب استحقاقه في الإجارة برضاهما فإذا انقضى العقد عاد الرهن بحكم العقد السابق والصحيح أنه لا يخرج بذلك عن الرهن لأن القبض مستدام فلا تنافي بين العقدين لكنه في العارية يصير مضمونا لكون العارية مضمونة.
الشيخ: كلام الموفق أصح كلام القاضي رحمه الله.

فصل
القارئ: وإن انتفع به بغير إذن الراهن فعليه أجرة ذلك في ذمته فإن كان الدين من جنسها تقاصت هي وقدرها من الدين وتساقطا وإن تلف الرهن ضمنه لأنه تعدى فيه فضمنه كالوديعة.


الشيخ: في هذه المسألة إذا أنتفع به بغير إذنه وبدون إجارة فإنه إذا تلف ضَمِنَهُ لأنه متعدى.

باب
جناية الرهن والجناية عليه
القارئ: إذا جنى الرهن على أجنبي تعلق حق المجني عليه برقبته وقدم على المرتهن لأنه يقدم على المالك فأولى أن يقدم على المرتهن فإن سقط حق المجني عليه بعفو أو فداء بقي حق المرتهن لأنه لم يبطل دائما وإنما قدم حق المجني عليه لقوته فإذا زال ظهر حق المرتهن وإن كان الحق قصاصاً في النفس اقتص منه وبطل الرهن وإن كان في الطرف اقتص له وبقي الرهن في باقيه وإن كان مالاً أو قصاصاً فعفي عنه إلى مال فأمكن إيفاء حقه ببيع بعضه بيع منه بقدر ما يقضي به حقه وباقيه رهن وإن لم يمكن إلا ببيع جميعه بيع فإن استغرق ثمنه بطل الرهن وإن فضل منه شيء تعلق به حق المرتهن وإن كان أرش الجناية عليه أكثر من ثمنه فطلب المجني عليه تسلميه للبيع وأراد الراهن فداؤه فله ذلك لأن حق المجني عليه في قيمته لا في عينه ويفديه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته في أحد الوجهين لأن ما يدفعه عوض عنه فلم يلزمه أكثر من قيمته وفي الآخر يلزمه أرش الجناية كلها أو تسلميه لأنه ربما رغب فيه راغب فاشتراه بأكثر من قيمته فينتفع به المجني عليه وإن أبى الراهن فداؤه فللمرتهن فداؤه بمثل ما يفديه به الراهن وحكمه في الرجوع بذلك حكم ما يقضي به دينه فإن شرط جعله رهناً بالفداء مع الدين الأول لم يصح لأنه رهن فلم يجز رهنه بدين سواه وأجازه القاضي لأن المجني عليه يملك إبطال الرهن بالبيع فصار كالجائز قبل القبض والزيادة في دين الرهن قبل لزومه جائزة ولأن الحق متعلق به وإنما ينتقل من الجناية إلى الرهن بخلاف غيره.


الشيخ: سبق لنا أن الصحيح جواز زيادة الدين في الرهن يعني مثلاً لو رهن داراً بعشرة آلاف ريال ثم استدان من المرتهن وقال هذا الدين يلحق الدين السابق فالمذهب أنه لا يجوز والصواب أنه جائز لأن هذا لا يبطل حق أحد إذ أن العين المرهونة الآن مرهونة لواحد في الدين الأول وفي الدين اللاحق.

فصل
القارئ: فإن جنى على سيده جناية لا توجب قصاصاً فهي هدر لأنه مال لسيده فلا يثبت له مال في ماله كما لو لم يكن رهناً.
الشيخ: هذه القضية لا نحب أن يطلع عليها العبيد لأنهم لو اطلعوا عليها لجنوا على أسيادهم فبدل من أن يقطع يد سيده يشق بطنه مثلاً لأن شق البطن على المذهب ليس فيه قصاص وهذه مشكلة فلعلهم لا يطلعون على هذا.
القارئ: وإن كانت موجبة للقود فيما دون النفس فَعَفَى على مال سقطت مطلقاً لذلك وإن أحب القصاص فله ذلك لأن القصاص يجب للزجر والحاجة تدعو إلى زجره عن سيده.
الشيخ: لكن الضرر سيكون على السيد فمثلاً لو أن العبد قطع يد سيده قطعاً يوجب القصاص فقال أريد أن تقطع يده نقول أقطع يده وإذا قطع يده سوف تنقص قيمته كثيراً لكن ربما يقول السيد أنا أريد أن أتشفى من هذا العبد الذي كفر النعمة لأني أنفق عليه بكسوة ونفقة وسكن وغير ذلك وهو يفعل هكذا أنا أريد التشفي.
القارئ: وإن كانت على النفس فللورثة القصاص وليس لهم العفو على مال في أحد الوجهين لما ذكرنا في السيد ولأنهم يقومون مقام الموروث ولم يكن له العفو على مال فكذلك وارثه والثاني لهم ذلك لأن الجناية حصلت في ملك غيرهم فأشبه الجناية على أجنبي.
الشيخ: ما هي الفائدة على هذا القول؟ نقول الفائدة تتعلق بذمة العبد فمتى عتق بأي سبب من الأسباب ألزم بأرش الجناية أو بالدية مادام أن المسألة قتل.

فصل


القارئ: فإن جنى على موروث سيده ولم ينتقل الحق إلى سيده فهي جناية على أجنبي وإن انتقل إليه وكانت الجناية موجبة للقصاص في طرف فمات المجني عليه فللسيد القصاص والعفو على مال لأن المجني عليه ملك ذلك فملكه وارثه وإن كانت على النفس فكذلك في أحد الوجهين والثاني ليس له العفو على مال كما لو كانت الجناية على نفسه وأصلهما هل يثبت للمورث ثم

ينتقل إلى الوارث أم للوارث ابتداء؟ فيه روايتان فإن قلنا يثبت للوارث ابتداء فليس له العفو على مال كالجناية على طرف نفسه وإن قلنا يثبت للموروث فله العفو على مال لأن الحق ينتقل إليه على الصفة التي كان لموروثه لكون الاستدامة أقوى من الابتداء وإن كانت الجناية موجبة للمال أو كان الموروث قد عفي على مال ثبت ذلك للسيد لذلك فيقدم به على المرتهن.

فصل


القارئ: وإن جنى على عبد لسيده غير مرهون فحكمه حكم الجناية على طرف سيده وإن كان مرهوناً عند مرتهن القاتل بحق واحد والجناية موجبة للمال أو عفا السيد على مال ذهبت هدرا كما لو مات حتف أنفه وإن كان رهناً بحق آخر تعلق دين المقتول برقبة القاتل إن كانت قيمة المقتول أكثر من قيمة القاتل أو مساوية لها وإن كانت أقل تعلق برقبة القاتل بقدر قيمة المقتول فأي الدَّيْنَين حل أولاً بيع فيه فيستوفى من ثمنه وباقيه رهن بالآخر وإن كان المقتول رهناً عند غير مرتهن القاتل وكانت الجناية موجبة للقصاص فللسيد الخيرة بين القصاص والعفو على مال لأنه يتعلق به حق غيره ويثبت المال في رقبة العبد فإن كان لا يستغرق قيمته بيع منه بقدر أرش الجناية ويكون رهناً عند مرتهن المجني عليه وباقيه رهن بدينه وإن لم يمكن بيع بعضه بيع كله وقسم ثمنه بينهما على حسب ذلك وإن كانت الجناية تستغرق قيمته فالثاني أحق به وهل يباع أو ينقل فيجعل رهناً عنده؟ فيه وجهان أحدهما لا يباع لعدم الفائدة في بيعه والثاني يباع لأنه ربما زاد فيه مزايد فاشتراه بأكثر من قيمته فكل موضع قلنا للسيد القصاص أو لوارثه فاقتص فقال بعض أصحابنا عليه قيمته تجعل مكانه لأنه أتلف الرهن باختياره ويحتمل أن لا يجب عليه شيء لأنه اقتص بإذن الشارع فلم يلزمه شيء كالأجنبي.

فصل
القارئ: وجنايته بإذن سيده كجنايته بغير إذنه إلا يكون صبياً أو أعجمياً لا يعلم تحريم الجناية فيكون السيد هو الجاني يتعلق به القصاص والدية كالمباشر لها ولا يباع العبد فيها وقيل يباع

إذا كان معسراً لأنه باشر الجناية والأول أصح لأن العبد آلة ولو تعلقت به الجناية بيع فيها وإن كان سيده موسراً.


الشيخ: قصد المؤلف رحمه الله لو أن السيد قال لهذا للعبد أقتل هذا الرجل والعبد لا يدري عن قتله أنه حرام كأعجمي أو لا يعلم التحريم فهنا المخاطب السيد لأن العبد عند سيده بمنزلة الآلة فيكون هو المخاطب أي السيد وهذه المسألة تحتاج إلى تحرير وبحث لأنها يتعلق بها مسائل مثل لو أن السلطان أمر بالقتل من لا يعلم ظلمه فيه؟ وغير ذلك من المسائل التي ذكرها العلماء.

فصل
القارئ: وإن جُنِيَ على الرهن فالخصم الراهن لأنه مالكه ومالك بدله فإن كانت الجناية موجبة للقصاص فله أن يقتص أو يعفو فإن اقتص ففيه وجهان أحدهما عليه قيمته تجعل مكانه لأنه أتلف مالاً استحق بسبب إتلاف الرهن فغرم قيمته كما لو كانت الجناية موجبة للمال والثاني لا شيء عليه لأنه لم يجب بالجناية مال ولا أستحق بحال وليس على الراهن السعي للمرتهن في اكتساب مال وإن عفا على مال أو كانت الجناية موجبة للمال كان رهناً مكانه فإن عفا الراهن عن المال لم يصح عفوه لأنه محل تعلق به حق المرتهن فلم يصح عفو الراهن كما لو قبضه المرتهن وقال أبو الخطاب يصح وتؤخذ منه قيمته وتكون رهناً لأنه أتلفه بعفوه وقال القاضي تؤخذ قيمته من الجاني فتجعل مكانه فإذا زال الرهن ردت إلى الجاني كما لو أقر على عبده المرهون بالجناية وإن عفا الراهن عن الجناية الموجبة للقصاص إلى غير مال انبنى على مُوجَبِ العمد فإن قلنا أحد شيئين فهو كالعفو عن مال وإن قلنا القصاص فهو كالاقتصاص فيه وجهان.

فصل


القارئ: إذا أقر الراهن أن العبد كان جنى قبل رهنه فكذبه المرتهن وولي الجناية لم يسمع قوله وإن صدقه ولي الجناية وحده قُبِلَ إقراره على نفسه دون المرتهن فيلزمه أرش الجناية لأنه حال بين المجني عليه وبين رقبة الجاني بفعله فأشبه ما لو قتله فإن كان معسراً فمتى أنفك الرهن كان المجني عليه أحق برقبته وعلى المرتهن اليمين أنه لا يعلم ذلك فإن نكل قضي عليه وفيه وجه آخر أنه يقبل إقرار الراهن لأنه غير متهم لأنه يقر بما يخرج الرهن من ملكه وعليه اليمين لأنه

يبطل بإقراره حق المرتهن فيه وإن أقر أنه كان أعتقه عتق لأنه يملك عتقه فملك الإقرار به فيخرج العبد من الرهن ويؤخذ من الراهن قيمته تجعل مكانه ولا يقبل قوله في تقديم عتقه لأنه يسقط به حق المرتهن من عوضه.

فصل
القارئ: وإن أقر رجل بالجناية على الرهن فكذبه الراهن والمرتهن فلا شيء لهما وإن صدقه الراهن وحده فله الأرش ولا حق للمرتهن فيه لإقراره بذلك وإن صدقه المرتهن وحده أخذ الأرش فجعل رهناً عنده فإذا خرج من الرهن رجع إلى الجاني ولا حق للراهن فيه والله وسبحانه وتعالى أعلم.

باب الشروط في الرهن
الشيخ: الشروط في الرهن تخالف شروط الرهن تخالفها من وجهين الأول الشروط في الرهن من وضع المتعاقدين وشروط الرهن من وضع الشرع ثانياً شروط الرهن شروطٌ لصحته والشروط في الرهن شروطٌ للزومه لأن من فات غرضه بفوات الشرط فله الخيار وهذه في جميع العقود.


القارئ: يصح شرط جعل الرهن في يد عدل فيقوم قبضه مقام قبض المرتهن لأنه قبض في عقد فجاز التوكيل فيه كقبض الموهوب ومادام العدل حاله فليس لأحدهما ولا للحاكم نقله عن يده لأنهما رضياه ابتداء وإن اتفقا على نقله جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما وإن تغيرت حاله بفسق أو ضعف عن الحفظ أو عداوة لهما أو لأحدهما فمن طلب نقله منهما فله ذلك لأنه متهم في حقه ففي بقائه في يده ضرر ثم إن اتفقا على من يضعانه عنده جاز وإن اختلفا وضعه الحاكم في يد عدل وإن اختلفا في تغير حاله بحث الحاكم وعمل بما يظهر له وإن مات العدل لم يكن لوارثه إمساكه إلا بتراضيهما لأنهما ما ائتمناه وإن رده العدل عليهما لزمهما قبوله لأنه متطوع بحفظه فلم يلزمه المقام عليه فإن أمتنع أجبرهما الحاكم فإن تغيبا أو كانا غائبين نصب الحاكم أميناً يقبضه لهما لأن للحاكم ولاية على الغائب الممتنع من الحق وإن دفعه الحاكم إلى أمين من غير امتناعهما ولا غيبتهما ضمن الحاكم والأمين معاً لأنه لا ولاية له على غير الممتنع

والغائب فإن امتنعا أو غابا فلم يجد حاكماً فتركه عند عدل آخر لم يضمن لأنه حال حاجة وإن أودعه مع قدرته على الحاكم ضمن لأنه يقوم مقامهما.
الشيخ: قوله رحمه الله (وإن دفعه الحاكم إلى أمين من غير امتناعهما ولا غيبتهما ضمن الحاكم والأمين معاً) نقول أما ضمان الحاكم فواضح لأنه تصرف تصرفاً لا يملكه لكن الأمين كيف نضمنه والأمين إنسان يغلب على ظنه أن تصرف الحاكم صحيح فكيف نضمنه فهذا حاكم معروف بالعدالة أعطى أمينه هذا الرهن ثم نقول إذا تلف ضمن الحاكم والأمين هذا فيه نظر! نعم لو علم الأمين أن الحاكم تصرف تصرفاً لا يملكه حينئذ نقول يظهر أنه يشارك الحاكم الضمان أما إذا كان لا يعلم فالضمان على الحاكم فقط ويؤيده قولهم في باب الجنايات إن أمر به الحاكم أي بالقتل ظلماً من لا يعرف ظلمه فيه فالضمان على الحاكم.


القارئ: وكذلك لو أودعه من غير امتناعهما ولا غيبتهما ضمن هو والقابض معاً وإن امتنع أحدهما ولم يجد حاكماً لم يكن له دفعه إلى الآخر فإن فعل ضمن لأنه يمسكه لنفسه والعدل يمسكه لهما فإن رده إلى يده زال الضمان.
الشيخ: كل هذا مبني على أن قبض الرهن شرط للزوم أما على القول الذي رجحنا سابقاً أنه يجوز أن يكون الرهن عند الراهن ويبقى لازماً فكل هذه التفريعات تنتهي ويقال إن الحاكم يجعله عند المرتهن أو عند الراهن ولا حرج بل للاثنين جميعاً أن يتفقا على جعله إما عند المرتهن أو عند الراهن وإذا كان هناك عرف مطرد كما هو موجود عندنا الآن بأن الرهن يكون في يد الراهن اتبع العرف لأن الإنسان الآن يرهن سيارته وهو يعمل عليها يعمل ويرهن بيته وهو ساكنه وهذا الذي عليه العمل وهو الصواب.

فصل
القارئ: وإن شرط جعله في يد اثنين صح الشرط ولم يكن لأحدهما الانفراد بحفظه لأن المتراهنين لم يرضيا إلا بحفظهما معا فلم يجز لأحدهما الانفراد به كالوصيين فإن سلمه أحدهما إلى صحابه ضمن نصفه لأنه القدر الذي تعدى فيه فإن مات أحدهما أو تغير حاله أقيم مُقَامُهُ عدل.

فصل
القارئ: وكل من جاز توكيله جاز جعل الرهن على يديه مسلماً كان أو كافراً عدلاً أو فاسقا ذكراً أو أنثى لأنه جاز توكيله في غير الرهن فجاز فيه كالعدل ولا يجوز أن يكون صبياً أو


مجنوناً لأنه غير جائز التصرف فإن فعلا كان قبضه له وعدمه واحداً وإن كان عبداً فله حفظه بإذن سيده ولا يجوز بغير إذنه لأن منافعه لسيده فلا يجوز تضييعها في الحفظ من غير إذنه وإن كان مكاتباً وكان بغير جعل لم يجز لأنه ليس له التبرع وإن كان بجعل جائز لأنه له الكسب بغير إذن سيده فإن لم يشرط جعله في يد أحد فهو في يد المرتهن لأنه المستوجب للعقد فكان القبض له كالمتهب فإن قبضه ثم تغيرت حاله في الثقة أو الحفظ أو حدث بينهما عداوة فللراهن دفعه إلى الحاكم ليزيل يده ويجعل في يد عدل لأنه لم يرض بحفظه في هذه الحال وإن اختلفا في تغير حاله بحث الحاكم وعمل بما بان له وإن مات المرتهن نقل عن الوارث إلى عدل لأن الراهن لم يرض بحفظه.

فصل
القارئ: إذا شرط أن يبيعه المرتهن أو العدل عند حلول الحق صح شرطه لأن ما صح توكيل غيرهما فيه صح توكيلهما فيه كبيع عين أخرى فإن عزلهما الراهن صح عزله لأن الوكالة عقد جائز فلم يلزم المقام عليها كما لو وكل غيرهما أو وكلهما في بيع غيره ولو مات المرتهن لم يكن لوارثه البيع لأنه لم يؤذن له ويتخرج أنه لا يملك عزلهما لأنه يفتح باب الحيلة فإن عزل المرتهن العدل عن البيع لم يملكه إلا في الحال الذي يملكه الراهن لأنه وكيله خاصة وإن أذنا في بيع الرهن فتلف بجناية وجعلت قيمته مكانه فقال القاضي قياس المذهب أن له بيعها لأنه يجوز له بيع نمائه تبعا فيبع قيمته أولى والصحيح أنه لا يملك بيعها لأنه لم يؤذن له فيه ولا هي تبعاً لما أذن فيه بخلاف النماء.
الشيخ: لكن إذا جعلت قيمته مكانه فالقياس أن له أن يبيعه لأنه لما أتلف العبد مثلاً أو الشاة أو البعير وضمنت بالقيمة صارت القيمة تحل محل الأصل.
السائل: ما الفرق بين قولنا (المُوجِب) وقولنا (المُوجَب)؟
الشيخ: المُوجِب ما أَوجَبَ الشيء والمُوجَب ما أَوجَبَه غيره فالدليل مُوجِب والحكم مُوجَب مثل قولنا المُقتضِي والمُقتضَى.
السائل: حكم بتضمين الأمين؟


الشيخ: كما قلنا سابقاً تضمين الأمين إن علم فلا بأس أن يُضَمَّن لكن إذا لم يعلم فالأصل أن تصرف الحاكم تصرف جائز.

فصل
القارئ: وإن إذنا له في البيع بنقد لم يكن له خلافهما لأنه وكيلهما وإن أطلقا أو اختلفا باع بنقد البلد لأن الحظ فيه فإن كان فيه نقود باع بأغلبها فإن تساوت باع بما يرى الحظ فيه لأن الغرض تحصيل الحظ.
الشيخ: الذي ينبغي إذا اختلفت النقود أن يبيع بجنس الدين لأنه أخصر وأسلم من الخسارة فمثلاً إذا كان الدين فضة فإنه لا يبيع بذهب وفي الأوراق النقدية إذا كان الدين بالدراهم السعودية فإنه لا يبيع بالدولار وإذا كان بالدولار فإنه لا يبيع بالدراهم السعودي والمهم أنه إذا كان هناك نقود متعددة فإنه يبيع بجنس الدين، وقوله رحمه الله (إن أذنا له) الضمير في (له) يعود على العدل الذي بيده الرهن والفاعل في (أذنا) يعود على الراهن والمرتهن.
القارئ: فإن تساوت باع بجنس الدين لأنه يمكن القضاء منه فإن لم يكن فيها جنس الدين عين له الحاكم ما يبيع به وحكمه حكم الوكيل في وجوب الاحتياط في الثمن على ما سنذكره فإذا باع وقبض الثمن فتلف في يده من غير تعد فلا ضمان عليه لأنه أمين.
الشيخ: قوله (من غير تعد) يجب أن يضيف فيقول ولا تفريط والفرق بين التعدي والتفريط أن التعدي فعل مالا يجوز والتفريط ترك ما يجب إلا أن يقال يمكن أن يحمل كلام المؤلف رحمه الله بقوله (من غير تعد) أي من غير عدوان فيشمل التفريط والتعدي لكن على كل حال المعنى أي من غير تعدٍ ولا تفريطٍ.
القارئ: وهو من ضمان الراهن لأنه ملكه فإن أنكر الراهن تلفه فالقول قول العدل مع يمينه لأنه أمين فهو كالمودع فإن قال ما قبضته من المشتري فالقول قول العدل لذلك ويحتمل أن لا يقبل قوله لأن هذا إبراء للمشتري وإن خرج الرهن مستحقا فالعهدة على الراهن دون العدل لأنه وكيل.


الشيخ: الاحتمال الذي قاله المؤلف ضعيف والصواب أنه يقبل قوله وكونه يستلزم إبراء المشتري يقال هذا مقتضى الأمانة.
القارئ: وإن استحق بعد تلف الثمن في يد العدل رجع المشتري على الراهن دون العدل لأنه قبض منه على أنه أمين في قبضه وتسلميه إلى المرتهن وإن كان الثمن باقياً في يد العدل أو المرتهن رجع المشتري فيه لأنه عين ماله قبض بغير حق وإن وجد المشتري بالمبيع عيباً فرده بعد قبض المرتهن ثمنه لم يرجع عليه لأنه قبضه بحق ولا علىلعدل لأنه أمين ويرجع على الراهن إلا أن يكون العدل لم يُعلِم المشتري أنه وكيل فيكون رجوعه عليه ثم يرجع هو على الراهن فإن

تلف المبيع في يد المشتري ثم بان مستحقا فلمالكه تضمين من شاء من الراهن والعدل والمرتهن لأن كل واحد منهم قبض ماله بغير حق ويستقر الضمان على المشتري لأن التلف حصل في يده ويرجع على الراهن بالثمن الذي أخذ منه وإذا باع العدل الرهن بيعاً فاسداً وجب رده فإن تعذر رده فللمرتهن تضمين من شاء من العدل والمشتري أقل الأمرين من قيمة الرهن أو قدر الدين لأنه يقبض ذلك مستوفياً لحقه لا رهنا فلم يكن له أكثر من دينه وما بقي للراهن يرجع به على من شاء منهما وإن وفى الراهن المرتهن رجع بقيمته على من شاء منهما ويستقر الضمان على المشتري لحصول التلف في يده.

فصل
القارئ: وإذا ادعى العدل دفع الثمن إلى المرتهن فأنكره ففيه وجهان أحدهما القول قول العدل لأنه أمين فإذا حلف برئ ويرجع المرتهن على الراهن والثاني القول قول المرتهن لأنه منكر والعدل إنما هو أمينه في الحفظ لا في دفع الثمن إليه فإذا حلف رجع على من شاء منهما فإذا رجع على العدل لم يرجع العدل على الراهن لأنه يقر ببراءة ذمته منه ويدعي أن المرتهن ظلمه وغصبه وإن رجع على الراهن رجع الراهن على العدل لتفريقه في القضاء بغير بينة إلا أن يكون قضاؤه بحضرة الراهن أو ببينة فماتت أو غابت فلا يرجع عليه لعدم تفريطه.


الشيخ: الصحيح أنه إذا فرط رجع عليه كما هو المذهب لكن إذا كان الشيء يسيراً لم تجر العادة بالإشهاد عليه فإنه لا يعد مفرطاً لأنه ليس من الممكن إذا أوفى مائة ريال لرجل ذي شرف وسيادة أن يشهد عليه وحينئذ لا يعد مفرطاً.
القارئ: وعنه لا يرجع على العدل بحال لأنه أمين ولو غصب المرتهن الرهن من العدل ثم رده إليه زال الضمان لأنه رده إلى وكيل الراهن في إمساكه فأشبه ما لو أذن له في دفعه إليه ولو كان الرهن في يده فتعدى فيه ثم زال التعدي لم يزل الضمان لأن استئمانه زال بذلك فلم يعد بفعله.
الشيخ: هذه قاعدة في كل شيء حتى في المُودَع لو أنه أخرج الوديعة من حرزها ثم ردها إلى الحرز لم يكن أميناً لأنه تعدى في الأول وكل أمين تعدى فإن ائتمانه يزول وتكون يده يد غاصب.

فصل
القارئ: وإذا رهن أمةً رجلاً وشرط جعلها في يد امرأة أو ذي رحم لها أو ذي زوجة أو أمة جاز لأنه لا يفضي إلى الخلوة بها وإن لم يكن كذلك فسد الرهن لإفضائه إلى خلوة الأجنبي بها.
الشيخ: بهذا نعرف خطورة ما يفعله بعض الناس اليوم في الخدم تجده يأتي بالخادم عنده في البيت وتكون امرأته موظفة في تدريس أو غيره ثم يخلو معها في البيت وهذا خطر فهو في الحقيقة نار وضع فيها ملح لابد أن يكون هناك شر فالواجب الحذر من هذا والتحذير منه أيضاً.
القارئ: ولو اقترض ذمي من مسلم مالاً ثم رهنه خمراً لم يصح لأنها ليست مالا وإن باعها الذمي أو وكيله وأتاه بثمنها فله أخذه فإن امتنع لزمه وقيل له إما أن تقبض أو أن تبرئ لأن أهل الذمة إذا تقابضوا في العقود الفاسدة جرى مجرى الصحيح.
الشيخ: هذا صحيح ومن ذلك مسائل الخلاف بين العلماء فمثلاً إذا قبضها الإنسان معتقداً حلها ثم أعطاها أحداً فهي له حلال.

فصل


القارئ: فإن شرط ما ينافي مقتضى الرهن نحو أن يشترط أن لا يسلمه أو لا يباع عند الحلول أو لا يستوفى الدين من ثمنه أو شرط أن يبيعه بما شاء أو لا يبيعه إلا بما يرضيه فسد الشرط لأن المقصود مع الوفاء به مفقود وإن شرط أنه متى حل الحق ولم توفني فالرهن لي بالدين أو بثمن سماه فسد لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يغلق الرهن) رواه الأثرم ومعناه استحقاق المرتهن له لعجز الراهن عن فكاكه ولأنه علق البيع على شرط مستقبل فلم يصح كما لو علقه على قدوم زيد.
الشيخ: الصحيح في هذه المسألة جواز ذلك وفعله الإمام رحمه الله حيث رهن نعليه عند رجل وقال له إن جئتك بحقك في وقت كذا وإلا فالنعلان لك وهذا ليس فيه محظور شرعي وهو من مصلحة الطرفين ومن المعلوم أن الراهن لا يمكن أن يقول إن النعلين لك وهو يرى أنهما أكثر من دينه هذا لا يمكن أن يكون وكذلك أيضاً صاحب الدين الذي له الدين لن يقبل هذا إلا وهو يعلم أن هذا الرهن الذي قيل له إن لم يأتِ بالدين صحابه فهو لك إلا وهو يعلم أنه سيكفيه فالصواب أن ذلك جائز ولا محظور فيه إطلاقاً ثم إن قياسه على البيع المعلق أيضاً هو قياس على شيء متنازع فيه وشرط القياس أن يتفق الطرفان على حكم

الأصل وإلا فلا يصح القياس فالصواب في هذا أيضاً وهو البيع المعلق أنه جائز إذا علق بشيء معلوم مضمون.
القارئ: وإن قال أرهنك على أن تزيدني في الأجل لم يصح لأن الدين الحال لا يتأجل وإذا لم يثبت الأجل فسد الرهن لأنه في مقابلته.
الشيخ: الصحيح جواز هذا فإذا حل دينه وقال الدائن أعطني الدين فقال المدين ما عندي شيء لكن أرهنك وتؤجل الدين مرة ثانية فلا بأس وليس في هذا محظور إطلاقاً بل فيه مصلحة للطرفين المدين يُنَفَّسُ له بزيادة الأجل والدائن يكون له توثقة.


القارئ: وإن شرط أن ينتفع المرتهن بالرهن في دين القرض لم يجز وإن كان بدين مستقر في مقابلة تأخيره عن أجله لم يجز لأنه بيع للأجل وإن كان في بيع فعن أحمد جوازه إذا جعل المنفعة معلومة كخدمة شهر ونحوه فيكون بيعاً وإجارة وإن لم تكن معلومة بطل الشرط للجهالة وبطل البيع لجهالة ثمنه وماعدا هذا فهو إباحة لا يلزم الوفاء به، وإن قال رهنتك ثوبي هذا يوما ويوماً لا أو وقته فالرهن فاسد لأنه ينافي مقتضاه وكل شرط يسقط به دين الرهن يفسده ومالا يؤثر في ضرر إحداهما كاشتراط جعل الأمة في يد أجنبي عزب لا يفسده وفي سائر الشروط الفاسدة وجهان أحدهما يفسد بها الرهن والآخر لا يفسد بناءً على الشروط الفاسدة في البيع ويحتمل أن ما ينقص المرتهن يبطله وجهاً واحداً وفي سائرها وجهان أحدهما يبطل الرهن لأنه شرط فاسد فأبطله كالأول والثاني لا يبطله لأنه زائد فإذا بطل بقي العقد بأحكامه.
الشيخ: الصواب ما بينه الرسول عليه الصلاة والسلام في القاعدة العظيمة (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) وفي كتاب الله أن جميع الشروط جائزة إلا ما دل الدليل على منعه لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وهذا يشمل الوفاء بأصل العقد وبوصفه وهو الشروط ولقوله تعالى (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) ولقوله في مدح عباد الله الصالحين (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا) فالصواب أن الأصل في الشروط الحل والصحة واللزوم إلا ما دل دليل على منعه وهذه الأمثلة التي ذكرها المؤلف منها ما هو مُسَلَّم ومنها ما هو غير مُسَلَّم وإذا شككنا في الأمر في كل شيء نرجع إلى الأصل.
السائل: الأمين إذا فرط أوتعدى فهل يزول وصفه بالأمانة على الإطلاق أم في هذه الأمانة فقط؟


الشيخ: لا بل في هذه الأمانة فقط فلو فرضنا أن شخصاً أعطاك وديعة صرة من ذهب فحفظتها وصرة من فضة فاستنفقتها فهنا زالت الأمانة في صرة الفضة فقط.

باب خلاف المتراهنين
القارئ: إذا قال رهنتني كذا فأنكر أو اختلفا في قدر الدين أو قدر الرهن فقال رهنتني هذين قال بل هذا وحده أو قال رهنتني هذا بجميع الدين قال بل نصفه أو قال رهنتنيه بالحال قال بل بالمؤجل فالقول قول الراهن لأنه منكر والأصل عدم ما أنكره ولأن القول قوله في أصل العقد فكذلك في صفته.
الشيخ: كلها هذه واضحة المسائل ولا يخفى أن كل مَنْ قلنا القول قوله فلابد من اليمين.
القارئ: فإن قال رهنتني عبدك هذا قال بل ثوبي هذا لم يثبت الرهن في الثوب لرد المرتهن له.
الشيخ: الاختلاف في رد الدين قلنا فيما سبق أنه إذا أدعى أحدهما ما كان بعيداً فلابد من البينة أما مالا يحتمل فهو أصلاً مرفوض لا تسمع الدعوة فيه.
القارئ: فإن قال رهنتني عبدك هذا قال بل ثوبي هذا لم يثبت الرهن في الثوب لرد المرتهن له وحلف الراهن على العبد وخرج بيمينه وإن قال أرسلت وكيلك فرهن عبدك على ألفين قبضها مني فقال ما أذنت له في رهنه إلا بألف سئل الرسول فإن صدق الراهن حلف على أنه ما رهنه إلا بألف ولا قبض غيرها ولا يمين على الراهن لأن الدعوى على غيره وإن صدق المرتهن حلف الراهن وعلى الرسول ألف لأنه أقر بقبضها ويبقى العبد رهناً على ألف واحدة ومن توجهت عليه اليمين فنكل فهو كالمقر سواء.
الشيخ: يقصد أنه يقضى عليه بالنكول كأنه أقر إذ أنه لا يندفع الحق عنه إلا باليمين قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (اليمين على من أنكر).

فصل
القارئ: فإن قال رهنتني عبدك هذا بألف فقال بل بعتكه بها أو قال بعتنيه بألف فقال بل رهنتكه بها حلف كل واحد منهما على نفي ما أدعي فسقط ويأخذ السيد عبده وتبقى الألف بغير رهن.

فصل


القارئ: وإن قال الراهن قبضت الرهن بغير إذني فقال بل بإذنك فالقول قول الراهن لأنه منكر وإن قال أذنت لك ثم رجعت قبل القبض فأنكر المرتهن فالقول قوله لأن الأصل عدم الرجوع وإن كان الرهن في يد الراهن فقال المرتهن قبضته ثم غصبتنيه فأنكر الراهن فالقول قوله لأن الأصل معه وإن أقر بتقبيضه ثم قال احلفوه لي أنه قبض بحق ففيه وجهان أحدهما يحلف لأن ما ادعاه محتمل والثاني لا يحلف لأنه مكذب لنفسه وإن رهنه عصيراً ثم وجد خمرا فقال المرتهن إنما اقبضني خمرا فلي فسخ البيع وقال الراهن بل كان عصيرا فقال أحمد رضي الله عنه فالقول قول الراهن لأنه يدعي سلامة العقد وصحة القبض فظاهر حال المسلم استعمال الصحيح فكان القول قول من يدعيه كما لو اختلفا في شرط يفسد المبيع ويحتمل أن القول قول المرتهن بناءً على اختلاف المتبايعين في حدوث العيب.


الشيخ: وهذه قاعدة مفيدة وهي أنهما إذا اختلفا في صحة العقد أو فساده فالقول قول من يدعي الصحة لأن الأصل في عقود المسلمين السلامة لكن اختلفوا فيما إذا أدعى أحد المتعاقدين أنه عقد وهو صغير لم يبلغ فقال بعضهم إن القول قول من يدعي الصِّغَر لأن الأصل عدم البلوغ وقال بعضهم القول قول من يدعي الصحة لأن الأصل السلامة وهذا فيما إذا كان الصغير حين الإدعاء بالغاً أما إذا كان صغيراً فالأمر ظاهر لا يزال صغيراً لكن لو قال أنا بعتك سيارتي وأنا لم أبلغ فقال بل إنك بالغ فمنهم من يقول القول المشتري لأنه يدعي سلامة العقد وصحته وهذا هو الأصل في عقود المسلمين ومنهم من يقول القول قول البائع الذي يدعي الصِّغَر لأن الأصل عدم البلوغ وهنا الاختلاف في شرط سابق أما لو كان الاختلاف في شرط لاحق مثل أن يقول بعتنيه بعد آذن الجمعة الثاني فلا يصح والثاني قال بل قبله فيصح فالقول قول من يدعي أنه قبله لأن الأصل الصحة والسلامة والراجح عندي في مسألة الصغر أنه ينظر إلى القرائن إذا كانت مدة العقد بعيدة ويمكن أن يكون قد باعه قبل أن يبلغ فالقول قول من يدعيه وأما إذا كانت قريبة والاحتمال قوي فالأصل الصحة.
القارئ: ولو كان الرهن حيواناً فمات واختلفا في حياته وقت الرهن أو القبض فحكمه حكم العصير وإن أنكر المرتهن قبضه فالقول قوله لأن الأصل معه وإن وجده معيباً واختلفا في حدوثه ففيه وجهان مبنيان على الروايتين في البيع.

فصل
القارئ: إذا كان لرجل على آخر ألف برهن وألف بغير رهن فقضاه ألفا وقال قضيت دين الرهن فقال هي عن الألف الآخر فالقول قول الراهن سواء اختلفا في لفظه أو نيته لأنها تنتقل منه فكان القول قوله في صفة النقل وهو أعلم بنيته ولو دفعها بغير لفظ ولا نية فله صرفها إلى أيهما شاء كما لو دفع زكاة أحد الألفين فإن أبرأه المرتهن من أحدهما فالقول قول المرتهن لذلك وإن أطلق فله صرفها إلى أيهما شاء ذكره أبو بكر.


الشيخ: من أوضح ما يكون طيب هذا الراهن قضاء ألف وكان عليه ألفان أحدهما برهن والثاني بغير رهن فقال الدائن أنت دفعت الألف الذي بغير رهن ليبقى الألف الثاني برهن ويكون الرهن عند المدفوع إليه عند الدائن وقال الدافع وهو الراهن بل قضيت الألف التي فيها الرهن من أجل أن يفك الرهن ويأخذ رهنه فالقول قول الراهن لأنه هو الغارم ولأنه أعلم بنيته وعكس هذه المسألة إذا كما لو كان للمرتهن دينان أحدهما برهن والرهن في يد المرتهن والثاني بلا رهن فأبرأه من أحد الألفين ثم قال المرتهن بعد ذلك أبرئتك من الألف التي ليس فيها رهن ليبقى الألف الباقي برهن وقال الراهن بل ابرئتني من الألف التي فيها الرهن لأجل أن يفك رهنه فالقول قول المرتهن لأنه هو الذي أبرئه فالقول قوله فإذا قال أنا أريد الدين الذي فيه رهن قلنا القول كقولك ويبقى الدين الثاني في مقابل الرهن.

فصل
القارئ: وإن كان عليه ألفان لرجلين فأدعى كل واحد منهما أنه رهنه عبده بدينه فأنكرهما حلف لهما وإن صدق أحدهما أو قال هو السابق سلمه إليه وحلف للآخر وإن نكل والعبد في يد أحدهما فعليه للآخر قيمته تجعل رهنا لأنه فوته على الثاني بإقراره للأول أو بتسليمه إليه وقال القاضي هل يرجح صاحب اليد أو المقر له يحتمل وجهين فإن قال لا أعلم المرتهن منهما أو السابق حلف على ذلك والقول قول من هو في يده منهما مع يمينه وإن كان في أيديهما أو يد غيرهما فالحكم في ذلك كالحكم فيما إذا ادعيا ملكه.

فصل
القارئ: فإن ادعى على رجلين أنهما رهناه عبدهما بدينه فأنكراه فالقول قولهما وإن شهد كل واحد منهما على الآخر قبلت شهادته لأنه لا يجلب بهذه الشهادة نفعاً ولا يدفع بها ضرراً وإن أقر أحدهما وحده لزم في نصيبه وتسمع شهادته على صاحبه لما ذكرناه.

فصل


القارئ: وإن ادعى المرتهن هلاك الرهن بغير تفريط فالقول قوله لأنه أمين فأشبه المودع وإن ادعى الرد ففيه وجهان أحدهما يقبل قوله لذلك والثاني لا يقبل لأنه قبضه لنفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستأجر.
الشيخ: هذا فيه إشارة لمن يقبل قوله في الرد والذي يقبل قوله في الرد إن كانت العين عنده لمصلحة مالكها المحضة فالقول قوله في الرد كالوديعة وإذا كانت لمصلحة القابض المحضة فلا يقبل قوله كالعارية فالعارية بيد المستعير لمصلحة المستعير فإذا أدعى الرد لم يقبل قوله والثالث أن تكون لمصلحتهما جميعاً كالعين المستأجرة فالعين المستأجرة فيها مصلحة للمؤجر وهو مالك العين وفيها مصلحة للمستأجر وهو مالك المنفعة فهل يقبل قوله في الرد؟ فيه قولان في المذهب منهم من رجح بأن القول قول من هي بيده ومنهم من قال بالعكس ومثل هذا ينبغي أن يقال إنه ينظر إلى القرائن ولو ضعفت فمن شهدت له قرينة بالصدق قبل قوله فالأحوال ثلاثة.
القارئ: وإن أعتق الراهن الجارية أو وطئها فأدعى أنه بإذن المرتهن فأنكره فالقول قول المرتهن لأن الأصل معه فإن نكل قضي عليه وإن صدقه فأتت بولد فأنكر المرتهن مدة الحمل فالقول قوله لأن الأصل عدمها وإن وطئها المرتهن بإذن الراهن وادعى الجهالة وكان مثله يجهل ذلك فلا حد عليه لأن الحد يدرأ بالشبهات ولا مهر لأنه حق للسيد فسقط بإذنه والولد حر يلحقه بنسبه لأنه من وطء شبهة ولا تصير أم ولد لأنه لا ملك له فيها وإن لم تكن له شبهة فعليه الحد والمهر وولده رقيق.
السائل: إذا اتفقت القرائن فكيف نرجح بين أقوال المدعين؟
الشيخ: لا يمكن أن تتفق القرائن أبداً فلابد أن أحدهما يكون أقوى أمناً وإيماناً من الآخر واتفاقها نادر جداً.

السائل: لو تلفت العارية واتفقا في سبب التلف لكن اختلفا هل حدث ذلك بتفريط أو لا فما هو الحكم؟


الشيخ: المذهب في العارية أنه ضامن بكل حال سواء فرط أم لم يفرط والصحيح أن العارية كغيرها من الأمانات إن تعد أو فرط ضمن وإلا فلا ضمان عليه.
السائل: فإن اختلفا في السبب هل يعد تفريطاً أو لا فإلى ماذا نرجع؟
الشيخ: إذا اختلفا في كون هذا الشيء تفريطاً أم لا واتفقا على ما حصل لكن أدعى الذي عنده أنه ليس تفريط وأدعى المالك أنه تفريط فإننا نرجع إلى العرف.