تعليقات
ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة كتاب التفليس
القارئ: ومن لزمه دين مؤجل لم يجز مطالبته به لأنه لا يلزمه أداؤه قبل أجله
ولا يجوز الحجر عليه به لأنه لا يستحق المطالبة به فلم يملك منعه من ماله
بسببه فإن أراد سفراً يحل دينه قبل قدومه منه فلغريمه منعه إلا برهن أو
ضمين مليء لأنه ليس له تأخير الحق عن محله وفي السفر تأخيره وإن لم يكن
كذلك ففيه روايتان إحداهما له منعه لأن قدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر
فملك منعه كالأول والثانية ليس له منعه لأنه لا يملك المطالبة به في الحال
ولا يعلم أن السفر مانع منها عند الحلول فأشبه السفر القصير وإن كان الدين
حالاً والغريم معسراً لم تجز مطالبته لقول الله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو
عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة).
الشيخ: وإن كان ذو عسرة فيها إشكال وهو رفع
ذو مع أن المتبادر أن تكون منصوبة والجواب أنها تامة فالمعنى إن كان ذو
عسرة أي إن وجد والمعنى أن المدين إذا كان معسراً فَنَظِرَة إلى ميسرة أي
فعلى الطالب نَظِرَة أي انظارٌ إلى ميسرة وحذف الخبر هنا من أجل أن يكون
الذي يبدر إلى ذهن المخاطب وسمع المخاطب هو الإنظار دون الوجوب لأن كلمة
فنظرة وقعها في النفس أعظم من قولنا فعليه نظرة وهذا من بلاغة القرآن وهنا
استفدنا أولاً الاختصار وثانياً وقوة وقع الكلام على النفس لو أن فقيراً
أتى إلى شخص وقال أريد أن تبيعني شيئاً إلى أجل لأني الآن ليس عندي شيء
فقال البائع إلى متى فقال الفقير إلى أن ييسر الله عليَّ فهل هذا الشرط
جائز مع أنه مجهول لأنه قال متى يسر الله عليَّ؟ نقول هذا الشرط جائز لا
لأنه مجهول أو معلوم لكن لأنه وهو مقتضى العقد إذ أن مقتضى العقد أن
الإنسان الفقير إذا بيع عليه فإنه لا يطالب إلا بعد الميسرة فيكون هذا
كالتأكيد ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن
رجلاً قدم ببز له من الشام فقالت له عائشة يا رسول الله لو أرسلت إلى فلان
قدم له بز من الشام فأرسله إليه وقال له في الأجل إلى ميسرة فأبى الرجل) لم
يبيع فدل ذلك على جواز شراء الفقير بأجل إلى ميسرة.
القارئ: ولا يملك حبسه ولا ملازمته لأنه
دين لا يملك المطالبة به فلم يملك به ذلك كالمؤجل فإن كان ذا صنعة ففيه
روايتان إحداهما يجبر على إجارة نفسه لما روي أن رجلاً دخل المدينة وذكر أن
وراءه مالا فداينه الناس ولم يكن وراءه مال فسماه النبي صلى الله عليه وسلم
سرقا وباعه بخمسة أبعرة وروى الدارقطني نحوه وفيه أربعة أبعرة والحر لا
يباع فعلم أنه باع منافعه ولأن الإجارة عقد معاوضة فجاز أن يجبر عليه كبيع
ماله وإجارة أم ولده والثانية لا يجبر لما روى أبو سعيد أن رجلاً أصيب في
ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم (تصدقوا عليه)
فتصدقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم (خذوا ما
وجدتم وليس لكم إلا ذلك) رواه مسلم ولأنه نوع تكسب فلم يجبر عليه كالتجارة.
الشيخ: الرواية الأولى أصح إذا صح الحديث وفيها أيضاً دليل قياس فهذا رجل
عليه دين ولكنه قادر على التكسب فهل نجبره أن يتكسب ليقضي دينه؟ الحديث
الأول يدل على ذلك لأن الرسول باعه بخمسة أبعرة وهو حر والحر لا يباع فإذا
تعذر بيع عينه تعين بيع منافعه وهذا هو الكسب ولأنه قادر على الوفاء بكسبه
فلزمه الوفاء به كالقادر على الوفاء بماله ولا فرق وأما الحديث الثاني الذي
رواه مسلم فلا يعارضه لأن الجواب عنه سهل فهذه قضية عين يحتمل أن هذا الرجل
الذي خسر في بيعاته يحتمل أنه عاجز عن التكسب فلم يجبره النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم وأما قوله (لأنه نوع تكسب فلم يجبر عليه كالتجارة)
فيقال التجارة لا يلزم بها إذا كان معسراً وهو قادر وإذا قلنا نعم ففرق
بينها وبين المنافع التجارة قد يتجر الإنسان ويخسر فيزداد دينه لكن المنافع
هو كسبان على كل حال فهو سيعطى أجرة فالقياس هنا فيه نظر والحديث لا يعارض
الحديث الأول والقياس مع الحديث الأول هو أن القادر على الوفاء بكسبه
كالقادر على الوفاء بماله ولا فرق.
فصل
القارئ: وإن كان موسراً فلغريمه مطالبته
وعليه قضاؤه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم) متفق عليه فإن
أبى فله حبسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ليُّ الواجد يحل عقوبته
وعرضه) من المسند فإن لم يقضه باع الحاكم ماله وقضى دينه لما روي أن عمر
رضي الله عنه قال إن أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته أن يقال سابق الحاج
فادَّان معرضاً فمن
كان له عليه مال فليحضر فإنا بائعو ماله وقاسموه بين غرمائه رواه مالك في
الموطأ بنحوه فإن غيب ماله حبسه وعزره حتى يظهره.
الشيخ: قوله (فادَّان) يعني تدين وقوله (عزره حتى يظهره) يفيد أنه يكرر
التعزير ولو كل يوم حتى يظهره وهذا ليس كالتعزير على فعل محرم لأن التعزير
على فعل محرم لا يكرر إذ أنه إذا عزر على فعل محرم انتهى عنه وانتهى
الموضوع لكن التعزير على ترك واجب يكرر حتى يقوم بالواجب.
القارئ: ولا يجوز الحجر عليه مع إمكان الوفاء لعدم الحاجة إليه وإن تعذر
الوفاء وخيف من تصرفه في ماله حجر عليه إذا طلبه الغرماء لئلا يدخل الضرر
عليهم.
الشيخ: المدين ينقسم إلى أقسام الأول ألا
يكون عنده شيء يوفي به فهذا يجب انظاره ويحرم طلبه ومطالبته وحبسه وتعزيره
دليل ذلك (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة) الثاني
أن يكون عنده مال يكافئ الدين أو يزيد عليه فهذا يلزم بالوفاء بدون حجر
وللحاكم أن يبيع ما شاء من ماله ويوفي به ودليله قول النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم (مطل الغني ظلم) والظلم لا يجوز إقراره إلا إذا رضي المظلوم
فالحق له والثالث أن يكون ماله دون دين يعني أن الدين أكثر فهذا يحجر عليه
إذا طلب الغرماء ذلك أو بعضهم والحجر هو أن يمنع من التصرف في ماله أي في
عين ماله سواء كان المال عيناً قائمة أو في الذمة فلا يجوز أن يبرئ من
الدين الذي في ذمة المعسر أو الغني لأن هذا يضر بالغرماء واختار شيخ
الإسلام رحمه الله أن الحجر يثبت سواء حكم به الحكم أم لا ولكن الحجر في
التبرع خاصة وأن من دينه قدر ماله يحرم عليه أن يتبرع بالمال لا بصدقة ولا
بوقف ولا بهدية ولا بهبة وأما التصرف بالبيع والشراء على وجه لا يضر به
فهذا جائز أما إذا بلغ الحاكم وحكم بالحجر عليه منع من التصرف بماله مطلقاً
فيقبض على يده فلا يتصرف لا بتبرع ولا بغيره.
فصل
القارئ: فإن ادعى الإعسار من لم يعرف له
مال فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدمه وإن عرف له مال أو كان الحق لزمه
في مقابلة مال كثمن مبيع أو قرض لم يقبل قوله إلا ببينة لأن الأصل بقاء
المال ويحبس حتى يقيم البينة فإن قال غريمي يعلم إعساري فعلى غريمه اليمين
أنه لا يعلم ذلك وإن أقام البينة على تلف المال فعليه اليمين معها أنه معسر
لأنه صار بهذه البينة كمن لم يعرف له مال وإن شهدت بإعساره فادعى غريمه أن
له مالاً باطناً لم تلزمه يمين لأنه أقام البينة على ما أدعى وتسمع البينة
على التلف وإن لم يكن ذا خبرة باطنة لأنه أمر يعرف بالمشاهدة ولا تسمع على
الإعسار إلا من أهل الخبرة بحاله لأنه من الأمور الباطنة فإن كان في يده
مال
فأقر به لغيره سئل المقر له فإن كذبه بيع في الدين وإن صدقه سلم إليه فإن
قال الغريم أحلفوه أنه صادق لم يستحلف لأنه لو رجع عن الإقرار لم يقبل منه
وإن طلب يمين المقر له احلفناه لأنه لو رجع قبل رجوعه.
الشيخ: هذه المسألة فيها نظر إذا أقر أنه
لفلان ... الخ، والصواب التفصيل أنه إذا أقر أنه لفلان وكان هناك شبهة بأن
كان فلان من أصدقائه الخاصين وكان هذا المدين لا يبالي أقضى دينه أم لا
فهنا لا يكفي الإقرار بل لصاحب الدين أن يُحَلِّفَهُ ويُحَلِّفَ مَنْ
أُقِرَّ لَهُ أيضاً لاحتمال أنه كاذب وهذه تقع كثيراً فيمن عندهم النعرة
القبلية فتجد الواحد منهم يشهد ويحلف لصاحبه وإن كان يعلم أنه كاذب لأنه من
قبيلته ولأنه صديقه وما أشبه ومثل هذه المسائل التي يذكرها الفقهاء رحمهم
الله يذكرونها على سبيل العموم وعلى سبيل الإطلاق لكن تقيد بالقرائن بلا شك
لا سيما في المعاملات نعم العبادات يتوقف فيها على ما جاءت به الشريعة لكن
في المعاملات يعمل بالقرائن ولهذا عمل شاهد يوسف بالقرينة لما قالت امرأة
العزيز حين هرب منها يوسف عليه الصلاة والسلام ووجد سيدها عند الباب
(قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ
أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) اتهمته مع أنها هي التي تدعوه إلى نفسها ثم الحاكم
حكم وقال إن كان قميصه قُدَّ من قُبُلٍ فهي صادقة وهو كاذب وإن كان قميصه
قُدَّ من دُبُرٍ فهو صادق وهي كاذبة والقرينة هنا هي شق الثوب إذا كان من
الأمام فمعناه أنه هو الذي طلبها وشقت ثوبه للفرار منه وإذا كان من الخلف
فمعناه أنه هو الذي هرب وليس منه طلب بل هي التي لحقته وجرت القميص حتى
تمزق فهذا عمل بالقرائن ومن العمل بالقرائن قصة داود وسليمان وهي قصة غريبة
خرجت امرأتان بابنين لهما فأكل الذئب ابن الكبيرة فادعت الكبيرة أن ابن
الصغيرة ابنها والصغيرة تنفي ذلك وتقول هو ابني ثم تحاكمتا إلى داود عليه
الصلاة والسلام فأخذ بدعوى الكبيرة اجتهاداً منه وقال هذه الصغيرة الشابة
يأتيها الولد في المستقبل وهذه عجوز كبيرة تحتاج إلى ولد فحكم به للكبيرة
ثم خرجت المرأتان ومرتا بسليمان ولعلهما مازالتا في نزاع فأخبرتا سليمان
بما
حكم به داود فقال لا أنا أشق الولد نصفين
ودعا بالسكين نصف تأخذه الكبيرة ونصف تأخذه الصغيرة فرحبت الكبيرة بهذا
الحكم ووافقت أما الصغيرة فقالت يا نبي الله هو لها مالي فيه دعوى فحكم به
لصغيرة كيف عرف أنه للصغيرة؟ لأنها أشفقت عليه وقالت ولدي يبقى حياً وإن لم
يكن عندي أما الكبيرة فكان ولدها قد تلف فقالت يتلف هذا معه ألا يشبه هذا
ما حدث في زماننا الآن بمحكمة التمييز؟ نقول فيها نوع شبه وعلى كل حال أنا
أقول إن القرائن يعمل بها لكن القرائن ليست مبنية على التهمة بل على
الحقيقة فالقرائن لها أثرها فما ذكره المؤلف رحمه الله في هذا الفصل من
الدعاوي هو حكم عام لكن القضية المعينة يجب أن يكون لها الحكم الذي تقضيه
القرائن والأحوال.
فصل
القارئ: فإن كان ماله لا يفي بدينه فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمته
إجابتهم لما روى كعب بن مالك (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على
معاذ وباع ماله) رواه سعيد بن منصور بنحوه عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك،
ولأن فيه دفعاً للضرر عن الغرماء فلزم ذلك كقضائهم ويستحب الإشهاد على
الحجر ليعلم الناس حاله فلا يعاملوه إلا على بصيرة.
الشيخ: تبين لنا الآن أن الدين والمال إن
كان المال أكثر فلا حجر وإن كان مساوياً فلا حجر وإن كان الدين أكثر فهنا
يثبت الحجر لكن بسؤال الغرماء أو بعضهم والحجر معناه أن نمنع المفلس من
التصرف في ماله لا في ذمته لأن ماله الآن تعلق به حق الغرماء فنقول لا تبع
ولا تشتري ولا تهب ولكن هل يثبت الحجر بمجرد أن يزيد الدين على ماله ونقول
الآن لا يجوز لك تتصرف يضر بالغرماء أو لابد من الحجر؟ فيه قولان للعلماء
والصحيح أنه لا يحل له أن يتبرع بشيء من ماله مادام دينه أكثر من ماله وذلك
لأن وفاء الدين واجب والتبرع بالمال ليس بواجب حتى وإن كان صدقة فإذا قال
أريد أن أعطي هذا الفقير عشرة ريال نقول لا تعطه عشرة ريال فإذا قال الدين
كثير مائة ألف قلنا لا تعطه عشرة ريالات ولكن أعطهن الغريم الذي يطلبك
ويبقى عليه مائة ألف إلا عشرة ريال وهلمجرا تنقص شيئاً فشيئاً حتى تنتهي.
القارئ: ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام أحدها منع تصرفه في ماله فلا يصح
بيعه ولا هبته ولا وقفه ولا غير ذلك لأنه حجر ثبت بالحاكم فمنع تصرفه
كالحجر للسفه وفي العتق روايتان إحداهما لا يصح لذلك ولأن حق الغرماء تعلق
بماله فمنع صحة عتقه كما لو كان مريضاً.
الشيخ: قوله (كما لو كان مريضاً) يعني كما لو كان السيد مريضاً مرض الموت
وأعتقه فإنه لا ينفذ منه إلا الثلث فقط.
القارئ: والثانية يصح لأنه عتق من مالك رشيد صحيح أشبه عتق الراهن.
الشيخ: هذا قياس على شيء لا يسلم المؤلف رحمه الله قال (لو أن المحجور عليه
أعتق عبداً) ولنفرض أن العبد نصف ماله فمعناه أنه ضيع على الغرماء نصف ما
يستحقون ويقول أن القول الثاني صحيح وقاسه على الراهن وهو المدين الذي رهنه
عبده ثم أعتقه فالمذهب أن العتق ينفذ والصحيح أنه لا ينفذ لا عتق الراهن
ولا عتق المحجور عليه.
القارئ: وإن أقر بدين أو عين في يده
كالقصار والحائك يقر بثوب لم يقبل إقراره لذلك ويلزم في حقه يتبع به بعد فك
الحجر عنه وإن توجهت عليه يمين فنكل عنها فهو كإقراره.
الشيخ: قوله (لذلك) يعني لتعلق حق الغرماء بماله والصورة هذه واضحة إنسان
بعد أن حجر عليه قال هذا الثوب الذي عندي لفلان فلا يقبل إقراره بالنسبة
للغرماء ويقبل إقراره بالنسبة لصاحب الثوب فيُطَالَب به بعد فك الحجر عنه
ويقول المؤلف رحمه الله (كالقصار والحائك) مع أن الغالب أن القصار صادق
والقصار هو الذي يفصل الثياب فإذا حجرنا على هذا القصار الذي يفصل الثياب
وهو يقول هذا الثوب لفلان فلا شك أن القرينة تدل على صدقه ومع ذلك يقولون
لا تقبل لكن لو أن صاحب الثوب جاء يدعيه مع إقرار القصار فهنا ينبغي أن
يقال إن الإقرار صحيح وأن الثوب يعطى لصاحبه أما على المذهب فيكون الثوب
يدخل في ماله ويباع ويُعْطَى الغرماء ويضمن لصاحب الثوب بعد فك الحجر.
القارئ: وإن تصرف في ذمته بشراء أو اقتراض أو ضمان أو كفالة صح لأنه أهل
للتصرف والحجر إنما تعلق بماله دون ذمته ولا يشارك أصحاب هذه الديون
الغرماء لأن من علم منهم بفلسه فقد رضي بذلك ومن لم يعلم فهو مفرط ويتبعونه
بعد فك الحجر عنه كالمقر له.
الشيخ: قوله (يتبعونه) أي أصحاب الديون الذين أقر لهم بعد الحجر.
القارئ: وهل للبائع والمقرض الرجوع في أعيان أموالهما إن وجداها على وجهين
أحدهما لهما ذلك للخبر ولأنه باعه في وقت الفسخ فلم يسقط حقه منه كما لو
تزوجت المرأة معسراً بنفقتها والثاني لا فسخ لهما لأنهما دخلا على بصيرة
بخراب الذمة أشبها من أشترى معيباً يعلم عيبه.
الشيخ: الصحيح أنهما يرجعان بعين مَالِهِمَا نعم لو عَلِما أنه محجور عليه
فقد فرطا أما إذا جهلا وهو رجل معروف يبيع ويشتري مع الناس ثم تبين أنه
محجور عليه فلابد أن يرجعا بمالهما.
القارئ: وإن جنى المفلس.
الشيخ: قوله (المُفَلَّسُ) يعني الذي حكم
بتفليسه بفتح اللام.
القارئ: وإن جنى المفلس جناية توجب مالاً لزمه وشارك صاحبه الغرماء لأنه حق
ثبت بغير رضى مستحقه فوجب قضاؤه من المال كجناية عبده وإن ثبت عليه حق بسبب
قبل الفلس ببينة شارك صاحبه الغرماء لأنه غريم قديم فهو كغيره.
فصل
القارئ: الحكم الثاني أنه يتعلق حقوق الغرماء بعين ماله فليس لبعضهم
الاختصاص بشيء منه سوى ما سنذكره ولو قضى المفلس أو الحاكم بعضهم وحده لم
يصح لأنهم شركاؤه فلم يجز اختصاصه دونهم ولو جُنِيَ عليه جناية أوجبت مالاً
أو ورث مالاً تعلقت حقوقهم به وأن
أوجبت قصاصاً لم يملكوا إجباره على العفو إلى مال لأن فيه ضرر بتفويت
القصاص الواجب لحكمة الأحياء.
الشيخ: مثال ذلك هذا الذي حجر عليه جنى عليه جاني وقطع يده عمداً واليد
فيها نصف الدية فقال الغرماء اعفوا إلى دية قال لا أنا أريد القصاص وهو إذا
أقتص لم يحصل على على مال فهل يلزمونه على أن يعفوا إلى المال؟ لا، لا
يلزمونه وذلك لأن الإنسان يريد القصاص للتشفي فلا يتشفى بكونه يأخذ دية.
القارئ: ولا يجبر على قبول هبة ولا صدقة ولا قرض عرض عليه ولا المرأة على
التزوج لأن فيه ضرر بلحوق المنة أو التزوج من غير رغبة ولو باع بشرط الخيار
لم يجبر على ما فيه الحظ من رد أو إمضاء لأن الفلس يمنعه إحداث العقود لا
امضاؤها وليس للغرماء الخيار لأن الخيار لم يشرط لهم وإن وهب هبة بشرط
الثواب لزم قبوله لأنه عوض عن مال فلزم قبوله كثمن المبيع ولا يملك إسقاط
ثمن مبيع ولا أجرة ولا أخذه رديئاً ولا قبض المسلم فيه دون صفته إلا بإذن
الغرماء لما ذكرناه.
الشيخ: الخلاصة أنه لا يجوز أن يتصرف تصرفاً يضر بالغرماء وأما لا يضر بهم
فلا بأس لأنه لم يحجر عليه لسفه حتى نقول إن تصرفه غير صحيح وإنما حجر عليه
لمصلحة الغرماء فما أضر بهم منع وما لم يضر بهم لم يمنع ولهذا يصح إقراره
في ذمته واستدانته في ذمته وما أشبهها.
القارئ: وإن أدعى مالاً له به شاهد حلف
وثبت المال وتعلقت حقوقهم به وإن نكل لم يكن للغرماء أن يحلفوا لأن دعواهم
لهذا المال غير مسموعة فلا يثبت بأيمانهم كالأجانب ولأنهم لو حلفوا لحلفوا
على إثبات مال لغيرهم وكذلك الحكم في غرماء الميت إذا لم يحلف الوارث لم
يحلفوا لما ذكرنا.
فصل
القارئ: والحكم الثالث أن للحاكم بيع ماله وقضاء دينه ويستحب أن يحضره عند
البيع لأنه أعرف بثمن ماله وجيده ورديئه فيتكلم عليه وهو أطيب لقلبه ويحضر
الغرماء لأنه أبعد من التهمة وربما رغب بعضهم في شراء شيء فزاد في ثمنه أو
وجد عين ماله فأخذها فإن لم يفعل جاز.
الشيخ: لكن إذا زاد أحد الغرماء في الثمن وخيف منه ألا يوفي بناءاً على أن
له ديناً على هذا المحجور عليه ففي هذه الحال لا نقبل منه الزيادة لأن هذه
الزيادة ستعود بالنقص على بقية الغرماء إلا إذا نقد الثمن أو أتى برهن أو
ضمين.
القارئ: لأن ذلك موكول إليه ويقيم منادياً ينادي على المتاع فإن عين
الغرماء أو المفلس منادياً ثقة.
الشيخ: في النسخة الأولى (فإن عين المفلس والغرماء) الواو يعني اتفق
الاثنان على منادي ثقة أما على النسخة الثانية (أو) إن عين المفلس أو
الغرماء أي أحدهما لكن إذا اختلفوا فلابد أن يتدخل القاضي.
القارئ: فإن عين الغرماء أو المفلس منادياً ثقة أمضاه الحاكم وإن لم يكن
ثقة رده لأن للحاكم نظرا فإنه ربما ظهر غريم آخر وإن اختلفوا في المنادي
قدم الحاكم أوثقهما وأعرفهما فإن تطوع بالنداء ثقة لم يستأجر لأن فيه بذل
الأجرة من غير حاجة وإن عدم بذلت الأجرة من مال المفلس لأن البيع حق عليه
ويقدم على الغرماء بها لأنه لو لم يعط لم يناد وكذلك أجرة من يحفظ المتاع
والثمن ويحمله.
الشيخ: هؤلاء مقدمون على الغرماء لأن عملهم يتعلق بنفس المال وهو لمصلحة
الغرماء فلا نقول إنهم يشاركون الغرماء في الدين ويوزع عليهم بالقسط بل
نقول يقدمون لأنهم يعملون لمصلحة الغرماء.
القارئ: ويباع كل شيء في سوقه لأن أهل
السوق أعرف بقيمة المتاع وأرغب وطلابه فيه أكثر فإن باعه في غيره بثمن مثله
جاز لأنه ربما أداه اجتهاده إلى ذلك لمصلحة فيه ويبدأ ببيع ما يسرع إليه
الفساد لأن في تأخيره هلاكه ثم بالحيوان لأنه يحتاج إلى العلف ويخشى عليه
التلف ثم بالأثاث لأنه يخشى تلفه وتناله اليد ثم بالعقار لأنه أبعد تلفاً
وتأخيره أكثر لطالبيه فيزداد ثمنه.
السائل: وإذا أقر بعد الحجر عليه بدين فهل يدخل صاحب الدين مع الغرماء؟
الشيخ: إذا ثبت في ذمته دين قبل الحجر عليه فصاحب الدين يشارك الغرماء لكن
بشرط أن تكون هناك بينة على أن الدين ثبت في ذمته قبل الحجر عليه.
السائل: لو كان لشخص دين على أحد فهل يجوز له أن يستأجره إن كان أهلاً لهذا
العمل؟
الشيخ: له أن يستأجره وإذا انتهى العمل قال مثلاً أجرتك خمسة آلاف وأنا
أطلبك خمسة آلاف لكن بشرط أن يكون عند هذا المُسْتَأجَر ما يقوم بنفقته فإن
لم يكن عنده ما يقوم بنفقته صار معسراً ويجب إنظاره.
السائل: لو كان عليه بعض الديون ولكن بعضها مؤجل بأجل بعيد فهل كل الآجال
تحل عند الفلس؟
الشيخ: إذا كان بعض الديون مؤجل وبعضها غير مؤجل أو بعضها مؤجل بأجل بعيد
فهذه ذكروا أنه لا يحل المؤجل ويبقى في ذمته حتى ييسر الله عليه.
القارئ: ومن وجد من الغرماء عين ماله فهو أحق بها ومن اكترى من المفلس دارا
أو ظهراً بعينه قبل الحجر عليه فهو أحق به.
الشيخ: قوله (من وجد من الغرماء عين ماله فهو أحق بها) عين ماله أي بأن
يكون باعه بالأمس سيارة مثلاً وحجر عليه اليوم والسيارة مازالت معه والبيع
بالأمس صحيح فهذا الذي وجد عين ماله مقدم على الغرماء لقول النبي صلى الله
عليه وسلم (من وجد عين ماله عند رجل قد أفلس فهو أحق به).
القارئ: ومن اكترى من المفلس دارا أو ظهراً
بعينه قبل الحجر عليه فهو أحق به لأنه استحق عينه قبل إفلاسه فأشبه ما لو
اشترى منه عبدا وإن اكترى منه ظهراً في الذمة فهو أسوة الغرماء لأن دينه في
الذمة أشبه سائر الغرماء وإن كان في المتاع رهن أو جانٍ قدم المرتهن
والمجني عليه بثمنه لأن المرتهن لم يرض بمجرد الذمة بخلاف سائر الغرماء وحق
المجني عليه يقدم على حق المرتهن فعلى غيره أولى وإن فضل منه فضل رده على
التركة وإن لم يف بحقهما فلا شيء للمجني عليه لأنه لا حق له في غير الجاني
ويضرب المرتهن مع الغرماء بباقي دينه لأن حقه متعلق بالذمة مع تعلقه بالعين
وإن بيع له متاع فهلك ثمنه واستحق المبيع رجع المشتري بثمنه وهل يقدم على
الغرماء فيه وجهان أحدهما يقدم لأن في تقديمه مصلحة فإنه لو لم يقدم تجنب
الناس شراء ماله خوفاً من الاستحقاق فيقل ثمنه فقدم به كأجرة المنادي
والثاني لا يقدم لأنه حق لزمه بغير رضى صاحبه أشبه أرش جنايته ثم يقسم ما
أجتمع من ماله بين الغرماء على قدر ديونهم.
الشيخ: إذا ضاق المال فإنه ينسب الموجود للدين فإذا كان الموجود نصف الدين
أعطي كل واحد نصف دينه فإذا قدرنا أن الدين عشرة آلاف والموجود خمسة يعطى
كل واحد نصف دينه قَلَّ أو كثر فمن له ألف يعطى خمسمائة ومن له ريالان يعطى
ريالاً.
القارئ: فإن ظهر غريم بعد القسمة نقضت وشاركهم لأنه غريم لو كان حاضراً
لشاركهم فإذا ظهر بعد ذلك قاسمهم كما لو ظهر للميت غريم بعد قسم ماله وإن
أكرى داره عاما وقبض
أجرتها فقسمت ثم أنهدمت الدار رجع المكتري على المفلس بأجرة ما بقي وشاركهم
فيما اقتسموه لأنه دين وجب بسبب قبل الحجر فشارك به الغرماء كما لو انهدمت
قبل القسمة.
فصل
القارئ: الحكم الرابع أن ما وجد عين ماله
عنده فهو أحق بها لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من
وجد متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به) متفق عليه وله الخيار بين
أخذه أو تركه وله أسوة الغرماء سواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو أقل أو
أكثر لأن الإعسار ثبت للفسخ فلا يوجبه كالعيب.
الشيخ: بالنسبة لمن وجد عين ماله فإن قيمة عين ماله إما أن تكون أكثر أو
أقل أو مساوية فإذا كانت أقل مثل أن يكون باعها بألف والآن تساوي خمسمائة
وقال أريد أن أخذها بخمسمائة واضرب مع الغرماء بما بقي فليس له ذلك بل يقال
له إما أن تأخذها ولا شيء لك وإما أن تضم إلى بقية المال وإذا كانت أكثر
وأراد أن يأخذها فله ذلك بأن يكون باعها بخمسة والآن تساوي عشرة فله ذلك مع
أنه سوف يكون فيه إضرار على الغرماء فلو قال الغرماء لهذا الرجل الذي وجد
عين ماله نحن ندفع لك الثمن الذي بعتها به ودعاه ندخلها مع المال حتى يكثر
فالظاهر أن لهم ذلك وأن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (فهو أحق به)
يعني عند التزاحم وضيق المال أما إذا لم يكن تزاحم ولا ضيق مال وقيل للرجل
نسلمك ما بعت به فالظاهر أنه ليس له الحق في أن يأخذ السلعة.
القارئ: ولا يفتقر إلى حاكم للخبر ولأنه فسخ ثبت بنص السنة فلم يفتقر إلى
حاكم كفسخ النكاح بالعتق تحت العبد وفيه وجهان أحدهما أن الخيار على
التراخي لأنه رجوع لا يسقط إلى عوض فكان على التراخي كالرجوع في الهبة
والثاني هو على الفور اختاره القاضي لأن في تأخيره إضرار بالغرماء لتأخير
حقوقهم ولأنه خيار يثبت في البيع لنقص في العوض أشبه الرد بالعيب.
الشيخ: الرد بالعيب سبق أن الصواب فيه أنه
على التراخي لكنه يُضْرَبُ له أجلٌ بحيث لا يضر بالغرماء فيقال له أنت الآن
أحق بسلعتك ولكن هل تريد السلعة أو تضرب مع الغرماء؟ فقال أمهلوني وكلما
قالوا له في ذلك قال أمهلوني فهنا يقال له لا يمكن بل يقال له لك يوم أو
يومان إما أن تختار هذا أو هذا.
القارئ: فإن حكم حاكم بسقوط الخيار فقال أحمد رضي الله عنه ينقض حكمه لأنه
يخالف صريح السنة ويحتمل أن لا ينقض لأنه مختلف فيه.
الشيخ: الاحتمال الثاني أصح وذلك إذا كان الذي نقضه عنده علم ونعلم أنه فعل
ذلك اجتهاداً أما إذا كُنَّا لا نعلم أو اتهمنا هذا القاضي أنه أراد
المحاباة للغرماء فلا شك أنه لا يمكن أن يسقط الخيار وهذا المثال ذكروه في
باب القضاء أن القاضي لا ينقض حكمه في هذا ولو نقل هذا الاحتمال إلى هناك
لأنه قد يغيب عن ذهن الإنسان ما ذكره الموفق هنا.
القارئ: ولو بذل الغرماء لصاحب السلعة ثمنها ليتركها لم يلزمه قبوله للخبر
ولأنه تبرع بدفع الحق من غير من هو عليه فلم يجبر المستحق على قبوله كما لو
أعسر بنفقة زوجته فبذلها غيره.
الشيخ: هذا فيه نظر لأنه كونه يأبى لا شك أن فيه إضرار على الغرماء وكذلك
الزوجة إذا أعسرت زوجها بنفقتها وقام بعض المحسنين وقال أنا أعطيك النفقة
فليس لها الفسخ لأنها أصبح الآن ليس عليها ضرر فإن قالت فيه المنة قلنا
المنة ليست عليكِ في هذه الحال بل المنة على الزوج وعلى هذا فيكون المقيس
والمقيس عليه كلاهما فيه نظر.
القارئ: وسواء ملكها المفلس ببيع أو قرض
لعموم الخبر ولو أصدق امرأة مالا وأفلست قبل دخوله بها ثم ارتدت أو طلقها
ووجد عين ماله فهو أحق بها ولو أستأجر شيئاً فأفلس قبل مضي شيء من المدة
فللمؤجر الرجوع فيه لأنه وجد عين ماله وإن كان بعد مضي المدة فهو غريم
بالأجرة وإن كان بعد مضي شيء منها فهو غريم لأن المدة كالمبيع ومضي بعضها
كتلف بعضه وقال القاضي له الفسخ فإن كان للمفلس زرع فعليه تبقيته بأجرة
مثله.
فصل
القارئ: ولا يملك الرجوع إلا بشروط خمسة أحدها أن يجدها سالمة فإن تلف
بعضها أو باعه المفلس أو وهبه أو وقفه فله أسوة الغرماء لقوله عليه السلام
(من أدرك متاعه بعينه فهو أحق به) والذي تلف بعضه لم توجد عينه فإن كان
المبيع عبدين أو ثوبين فتلف أحدهما أو بعضه ففي السالم منهما روايتان
أحدهما له الرجوع فيه بقسطه لأنه وجده بعينه والثانية لا يرجع لأنه لم يجد
المبيع بعينه أشبه العين الواحدة وإن كان المبيع شجرة مثمرة فتلفت ثمرتها
فله أسوة الغرماء لأنهما كالعين الواحدة إلا أن تكون الثمرة مؤبرة حين
البيع فاشترطها المبتاع فهما كالعينين لأن الثمرة لا تتبع الأصل فهي كالولد
المنفصل وإن نقص المبيع صفة مثل أن هُزِلَ أو نسي صناعة أو كبر أو كان
ثوباً فخلق لم يمنع الرجوع لأن فقد الصفة لا يخرجه عن كونه عين المال
فيتخير بين أخذه ناقصا أو يكون أسوة الغرماء بكل الثمن وإن فقئت عينه فهو
كتلف
بعضه وإن شج أو جرح أو افتضت البكر فكذلك في قول أبي بكر لأنه نقص جزء ينقص
قيمته فأشبه ما لو فقئت عينه وقال القاضي قياس المذهب أن له الرجوع لأنه
فقد صفة فهو كالهزال ثم إن كان لا أرش له لكونه حصل بفعل الله تعالى أو فعل
المفلس فلا شيء للبائع مع الرجوع وإن كان له أرش فللبائع إذا رجع أن يضرب
مع الغرماء بحصة ما نقص من ثمنه فينظر ما نقص من قيمته فيرجع بقسطه من
الثمن لأنه مضمون على المشتري للبائع بالثمن والأرش للمفلس على الجاني.
السائل: ذكرتم بارك الله فيكم أن حديث (من
وجد متاعه بعينه ... الخ) المراد به عند التزاحم فما المراد بقولنا عند
التزاحم؟
الشيخ: المراد تزاحم الدين والقيمة بحيث يتنازع الغرماء مع صاحب السلعة فهو
يقول هذا عين مالي أريد أخذه سواء زاد أو نقص وهم يقولون له نعطيك الثمن
ويدخل في المال والمؤلف يرى أن القول قول صاحب السلعة لظاهر الخبر ونحن نرى
أن صاحب السلعة ليس له حق وتوجيهنا للحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم
إذا لم يكن فيه ضرر فإن كان فيه ضرر على المفلس وعلى الغرماء فلا يمكن ذلك
فيقيد الحديث بقوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) فما دام أن صاحب
السلعة مثلاً قد باعها بمائة ريال وهي الآن تساوي مئتين فلا يضره شيء إذا
دفعوا له مائة.
فصل
القارئ: فإن كان المبيع زيتاً فخلطه بزيت آخر أو لتَّ به سويقاً أو صبغاً
فصبغ به ثوبا أو مسامير فسمر بها باباً أو حجراً فبنى به أو لوحاً فجعله في
سفينة أو سقف أو نحو ذلك لم يكن له الرجوع لأنه لا يقدر على أخذ عين ماله
في بعض الصور ولا يقدر في بعضها إلا بإتلاف مال المفلس ولا يزال الضرر
بالضرر.
الشيخ: كلام المؤلف هنا هو في رجوع البائع بعين ماله إذا حجر على المشتري.
القارئ: وإن كانت حنطة فطحنها أو زرعها أو دقيقاً فخبزه أو زيتاً فعمله
صابوناً أو غزلاً فنسجه أو ثوباً فجعله قميصا أو حباً فصار زرعاً أو بيضاً
فصار فرخاً أو نوىً فنبت شجراً أو نحوه مما يزيل أسمه فلا رجوع له لأنه لم
يجد متاعه بعينه لتغير اسمه وصفته.
الشيخ: وهذه هي الحكمة من كون الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال (متاعه
بعينه) معناه أنه ما تغير بزيادة ولا نقص ولا تغيير.
فصل
القارئ: وإن اشترى ثوباً فصبغه أو قصره أو
سويقاً فلته بزيت فلصاحبهما الرجوع فيهما لأن عين مالهما قائمة مشاهدة لم
يتغير أسمها ولا صفتها ويصير المفلس شريكهما بما زاد عن قيمتهما لأن ما حصل
من زيادة القيمة بالصبغ وغيره فهي للمفلس لأنها حصلت بفعله في ملكه وإن نقص
الثوب لم يمنع الرجوع لأنه نقص صفة فهو كالهزال وإن لم يزد بالقصارة سقط
حكمها لعدم أثرها في الزيادة وإن اشترى أرضاً فزرعها ثم أفلس فللبائع
الرجوع فيها لما ذكرنا ويكون الزرع مبقى إلى الحصاد بغير أجرة لأن العوض في
مقابلة الأرض لا في مقابلة المنفعة فإذا فسخ عادت إليه الرقبة دون المنفعة
المستثناة شرعاً كما لو باعه أمة فزوجها ثم رجع فيها دون منفعة بضعها.
فصل
القارئ: الشرط الثاني أن لا يكون البائع قبض من ثمنها شيئا فإن قبض بعضه
فلا رجوع له لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أيما رجل
باع سلعة فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قبض من ثمنها شيئاً
فهي له وإن كان قد قبض من ثمنها شيئاً فهو أسوة الغرماء) رواه أبو داود
ولأن في الرجوع بالباقي تبعيض الصفقة على المفلس فلم يجز كما لو يقبض شيئا.
فصل
القارئ: الشرط الثالث أن لا يتعلق بها حق غير المفلس فإن خرجت عن ملكه ببيع
أو غيره لم يرجع لأنه تعلق بها حق غيره أشبه ما لو أعتقها وإن رهنها سقط
الرجوع لذلك وإن تعلق بها أرش جانية سقط الرجوع لأنه يقدم على حق المرتهن
فهو أولى بالمنع ويتوجه أن لا يمنع لأنه لا يمنع تصرف المشتري بخلاف الرهن
فعلى هذا إن شاء رجع فيها ناقصة بعيب الجناية وإن شاء فله أسوة الغرماء فإن
كان دين الرهن أو أرش الجناية بقدر بعضه منع الرجوع في الجميع لأنه منع
الرجوع في بعضها فمنعه في جميعها كبيع بعضها وقال القاضي يرجع في باقيها
بقسطه لأنه
لا مانع فيه وإن كان المبيع شقصاً مشفوعاً
ففيه وجهان أحدهما للبائع الرجوع أختاره ابن حامد للخبر ولأنه إذا رجع فيه
عاد الشقص إليه فزال الضرر عن الشفيع لعدم شركة غير البائع.
القارئ: والثاني الشفيع أحق لأن حقه آكد بدليل أنه ينتزع الشقص من المشتري
وممن نقله إليه المشتري بخلاف البائع وإن باعه المفلس أو وهبه ثم عاد إليه
ففيه وجهان أحدهما له الرجوع للخبر ولأنه وجد عين ماله خالياً عن حق غيره
أشبه إذا لم يبعه والثاني لا يرجع لأن هذا الملك لم ينتقل إليه منه فلم
يملك فسخه.
الشيخ: الظاهر أن الثاني أصح لأنه لما باعه أولاً سقط حق صاحب العين فإذا
عاد فاشتراه فهذا ملك متجدد.
القارئ: وإن كان المبيع صيدا فوجده البائع بعد أن أحرم سقط الرجوع لأنه
تملك للصيد فلم يجز مع الإحرام كشرائه.
الشيخ: هذا فيه شيء لأنه يقال هذا ليس تملكاً جديداً ولكنه يشبه الفسخ فلو
قيل بأن له أن يعود لكنه لا يدخل ملكه بمعنى أنه يمنع من اليد المشاهدة
لكان له وجه فنقول ارجع واعطه من ليس بمحرم واجعله وديعة عنده.
فصل
القارئ: الشرط الرابع كون المفلس حياً فإن مات فالبائع أسوة الغرماء لما
روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فإن مات فصاحب المتاع أسوة
الغرماء) رواه أبو داود وفي لفظ (أيما امرئ مات وعنده مال امرئ بعينه اقتضى
من ثمنه شيئاً أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء) رواه ابن ماجه ولأن الملك
انتقل عن المفلس فسقط الرجوع فيه كما لو باعه.
فصل
القارئ: الشرط الخامس أن لا يزيد زيادة
متصلة كالسمن والكبر وتعلم صنعة فإن وجد ذلك منع الرجوع ذكره الخرقي لأنه
فسخ بسبب حادث فمنعته الزيادة المتصلة كالرجوع في الصداق للطلاق قبل الدخول
وعن أحمد رضي الله عنه له الرجوع للخبر ولأنه فسخ فلم تمنعه الزيادة كالرد
بالعيب فأما الزيادة المنفصلة كالولد والثمرة الظاهرة والكسب فلا يمنع
الرجوع لأنه يمكن الرجوع في العين دونها والزيادة للمفلس في ظاهر المذهب
لأنها نماء ملكه المنفصل فكانت له كما لو ردها بعيب أو رجعت إلى الزوج
بالطلاق ولأن قول النبي صلى الله عليه وسلم (الخراج بالضمان) رواه أبو داود
يدل على أن النماء للمشتري لكون الضمان عليه وقال أبو بكر هي للبائع قياساً
على المتصلة والفرق ظاهر لأن المتصلة تتبع في الفسوخ دون المنفصلة.
فصل
القارئ: فإن باعها حائلاً فحملت فالحمل زيادة متصلة لأنه يتبع أمه في
العقود والفسوخ ولا يمكن الرجوع فيها دونه فهو كالسمن ويحتمل أن يرجع فيها
دون ولدها يتربص به حتى تضع لأنه جزء لانفصاله غاية فأشبه الثمرة وإن أفلس
بعد وضعها فهو زيادة منفصلة له الرجوع في
الأم دون الولد إلا أن تكون أمة فلا يجوز التفريق بينهما ويخير بين دفع
قيمة الولد ليملكهما وبين بيعهما معاً فيكون له من الثمن ما يخص الأم وإن
باعها حاملاً فلم تزد قيمتها فله الرجوع وإن زادت القيمة لكبر الحمل أو
وضعه فهي زيادة متصلة وإن زاد أحدهما خرج على الروايتين فيما إذا كان
المبيع عينين فتلفت إحداهما وقال القاضي له الرجوع فيهما على كل حال ومن
جعل الحمل لا حكم له جعل حكمها حكم المبيعة حائلاً سواء.
الشيخ: لا شك أن الحامل تختلف عن الحائل وأن الحمل قد وقع العقد عليه لأنه
وإن كان متصلاً فهو في حكم المنفصل بخلاف بقية الأعضاء كاليد والرجل.
فصل
القارئ: فإن باع نخلاً حائلاً فأطلعت ثم
أفلس المشتري قبل تأبيرها فالطلع زيادة متصلة لأنها تتبع في البيع وقال ابن
حامد حكمها حكم المنفصل لأنه يمكن فصله وأفراده بالبيع بخلاف السمن وإن
أفلس بعد تأبيرها فهي زيادة منفصلة تكون للمفلس متروكة إلى الجذاذ كما ولو
اشترى النخل وكذلك الحكم في سائر الشجر وفي الأرض ينبت فيها الزرع فإن اتفق
المفلس والغرماء على تبقيته أو قطعه فلهم ذلك وإن اختلفوا وله قيمةٌ
مقطوعاً قدم قول من طلب القطع لأنه أقل غرراً ولأن الطالب للقطع إما غريم
يطلب حقه أو مفلس يطلب تبرئة ذمته فإن أقر المفلس للبائع بالطلع لم يقبل
إقراره لأنه يسقط به حق الغرماء فلم يقبل كإقراره بغريم آخر وعلى الغرماء
اليمين أنهم لا يعلمون برجوع البائع قبل التأبير لأن اليمين تثبت في جنبتهم
ابتداء وإن أقر الغرماء لم يقبل لأن الملك للمفلس ويحلف المفلس ويثبت الطلع
له ينفرد به دونهم لإقرارهم أنه لا حق لهم فيه وله تخصيص بعضهم به وقسمته
بينهم فمن أباه قيل له إما أن تأخذه أو تبرئه لأنه للمفلس حكما فقد قضاهم
ما ثبت له فلزمهم قبوله كما لو أدى المكاتب نجومه فأدعى سيده تحريمه فإن
قبضوا الثمرة بعينها لزمهم ردها إلى البائع لإقرارهم له بها وإن قبضوا
ثمنها لم يلزمهم رده لأنهم إنما اعترفوا له بالعين لا بالثمن وإن شهد
الغرماء للبائع بالطلع وهم عدول قبلت شهادتهم لأنهم غير متهمين.
السائل: ما الفرق بين المُفَلَّسِ والمُفلِس؟
الشيخ: المُفلَّسِ من حكم بتفليسه بمعنى أنه حكم عليه بالتفليس ومنع من
التصرف في ماله والمُفلِس الفقير قبل أن يحكم عليه.
السائل: رجوع البائع بحقه لو وجد عين ماله كمال هو هل يشترط له إذن الحاكم؟
الشيخ: لا يشترط لكن أصل الحجر لابد أن يكون بنظر الحاكم لأن الحاكم هو
الذي سوف يوزع المال.
السائل: إذا مات إنسان وعليه دين وله غرماء
وواحد من الغرماء له رهن عند الميت فهل يصبح الرهن له إذا جده بعينه أم أنه
يشارك الغرماء؟
الشيخ: لا له الحق في الرهن بمعنى أنه يباع الرهن ويستوفي منه وقد يكون
الرهن أكثر من دينه وقد يكون أقل فيختص هو بالرهن حتى يقضي دينه.
فصل
القارئ: وإن اشترى أرضاً فغرسها أو بنى فيها ثم أفلس فللبائع الرجوع في
الأرض ثم إن طلب المفلس والغرماء قلع الغراس والبناء فلهم ذلك وعليهم ضمان
ما نقصها القلع وتسوية الحفر لأنه نقص حصل بفعلهم لتخليص ملكهم فأشبه
المشتري مع الشفيع وإن أبوا القلع فللبائع دفع قيمته ويملكه لأنه حصل لغيره
في ملكه بحق فملك ذلك كالشفيع فإن أبى ذلك سقط الرجوع لأن فيه ضرراً على
المشتري ولأن عين ماله مشغولة بملك غيره أشبه الحجر المبني عليه هذا قول
ابن حامد وقال والقاضي يحتمل أن له الرجوع لأن شغل ملكه بملك غيره لا يمنع
الرجوع إذا كان أصلا كالثوب إذا صبغ فإذا رجع فاتفق الجميع على البيع بيع
وأعطي كل واحد حقه وإن أبى بعضهم احتمل أن يجبر عليه لأنه معنى ينفصل به
أحدهما عن صاحبه أشبه بيع الثوب المصبوغ واحتمل أن لا يجبر صاحب الأرض
ويباع الشجر وحده لأنه ممكن بخلاف الصبغ.
الشيخ: الظاهر أن مثل هذا الأولى أن تباع من بين الجميع أو يجبر صاحب الأرض
على أن يأخذ الشجر بقيمته فإذا قال أنا أريد أرضي، نقول نعم لكن لابد أن
تأخذ الشجر بقيمته وإلا تباع وإذا بيعت نقول تقوم الأرض خالية من الشجر
والبناء وتقوم وفيها الشجر والبناء وما بين القيمتين فهو نصيب المفلس
والغرماء.
فصل
القارئ: وإن اشترى غِرَاساً فغرسه ثم أفلس
فلم يزد فللبائع الرجوع فيه ويقلعه ويضمن النقص فإن أبى قلعه فبذل المفلس
والغرماء قيمته ليملكوه فلهم ذلك كالتي قبلها وإن أرادوا قلعه فلهم ذلك ولا
ضمان عليهم لأن المفلس اشتراه مقلوعاً فلم يلزمهم مع رده لذلك شيء آخر ولا
إبقاءه في أرضهم بغير استحقاق وإن زاد سقط الرجوع في قول الخرقي وعلى رواية
الميموني يحتمل ذلك أيضا لأن النماء فيه قد حصل من أرض المفلس فلم يملك
البائع أخذه ويحتمل أن له الرجوع كما لو سمن العبد من طعامه وإن اشترى من
رجل أرضاً ومن آخر غرساً فغرسه فيها فلصاحب الأرض الرجوع وفي صاحب الأرض
الغرس التفصيل الذي ذكرناه فإن رجعا معاً فالحكم فيهما كما لو كان الغرس في
أرض المفلس.
الشيخ: هذه مسائل نادرة الوقوع لكن الفقهاء رحمهم الله يذكرون أشياء قد
تكون نادرة الوقوع وبعضها قد يكون غير ممكن تمريناً للطالب على القواعد
التي تذكر والله على كل شيء قدير قد يأتي زمن يحصل فيه مثل هذه الأشياء.
فصل
القارئ: وإن أفلس وعليه دين مؤجل لم يحل.
الشيخ: قوله (لم يحل) هذه جواب لمن وليست صفة قوله (دين مؤجل) والمعنى أنه
إن أفلس فإنه لا يحل.
القارئ: لأن التأجيل حق له فلم يبطل بفلسه
كسائر حقوقه قال القاضي لا يحل رواية واحدة وقال أبو الخطاب فيه رواية أخرى
أنه يحل لأن الفلس معنى يوجب تعلق الدين بماله فأسقط الأجل كالموت فإن قلنا
لا يحل اختص أصحاب الديون الحالة بماله دونه لأنه لا يستحق استيفاء حقه قبل
أجله وإن حل دينه قبل القسمة شاركهم لمساواته إياهم في استيفائه فأشبه من
تجدد له دين بجناية المفلس عليه وإن أدرك بعض المال شاركهم فيه لذلك فإن
كان المؤجل برهن خص به لأن حقه تعلق بعينه فإن وجد عين ماله فقال أحمد يكون
موقفا إلى أن يحل فيختار الفسخ أو الترك لأن حقه تعلق بالعين فقدم على غيره
كالمرتهن فإن كان ماله سلما فأدرك عين ماله رجع فيها وإن لم يدركها وحل
دينه قبل القسمة ضرب بالمسلم فيه وأخذ بقسطه من جنس حقه إن
كان في المال وإلا اشترى به من جنس حقه ودفع إليه ولا يجوز أن يأخذ غير ما
أسلم فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم من (أسلم في شيء فلا يصرفه إلى
غيره) رواه ابن ماجه وأبو داود.
الشيخ: سبق الكلام على هذا الحديث وأنه ضعيف وأنه إن صح فالمراد لا يصرفه
إلى سلم آخر فقوله (إلى غيره) يعني إلى سلم آخر لأنه إذا صرفه إلى سلم آخر
لزم من ذلك أن يزيد فيكون هذا من باب الربا أضعاف مضاعفة.
فصل
القارئ: فإن مات إنسان وعليه دين مؤجل ففيه روايتان إحداهما لا يحل اختارها
الخرقي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من ترك حقاً فلورثته) والتأجيل حق
له فينتقل إلى ورثته لأنه لا يحل به ماله فلا يحل ما عليه كالمجنون.
الشيخ: قوله (ماله) بالفتح يعني الذي له وما اسم موصول والمعنى أنه لو كان
للميت دين مؤجل فإنه لا يحل بل يبقى على أجله للورثة فكذلك الذي عليه.
القارئ: والثانية يحل لأن بقاءه ضرر على
الميت لبقاء ذمته مرتهنة به وعلى الوارث لمنعه التصرف في التركة وعلى
الغريم تأخير حقه وربما تلفت التركة وعلى كلتا الروايتين يتعلق الحق
بالتركة كتعلق الأرش بالجاني.
الشيخ: هذه المسألة فيها روايتان والمثال إذا مات الإنسان وعليه دين مؤجل
فهل يحل أو لا يحل؟ فيه روايتان والمذهب أنه لا يحل بشرط أن يوثق الورثة
برهن محرز أو كفيله مليء فإن لم يوثقوا حل مثال ذلك رجل مات وعليه عشرة
آلاف ريال مؤجلة إلى سنة فنقول الأجل باقي لأنه حق للورثة إذ أن الورثة وجب
على مورثهم حق مؤجل فانتقل إليهم بهذه الصفة لكن بشرط أن يوثقوا لصاحب الحق
إما برهن محرز يكفي للدين وإما بكفيل مليء يعني شخص يضمن الحق إذا حل بشرط
أن يكون مليء أي قادراً على الوفاء بماله وبدنه وقوله وهذا هو المذهب وهو
الصحيح لأن في هذا القول حفظ لحقوق الجميع فإذا قال الورثة لن نأتي برهن
ولن نأتي بكفيل نقول إذاً يحل وفي هذه الحال إذا حل الدين فهل يسقط شيء من
الدين أو يحل الدين كاملاً؟ نقول يحل الدين كاملاً إلا إذا رضي صاحب الدين
مثاله إنسان توفي وعليه عشرة آلاف ريال مؤجلة إلى سنة والورثة أبوا أن
يقيموا كفيل مليء أو يوثقوا الدين برهن فماذا نقول؟ الجواب يحل الدين وتسلم
عشرة آلاف الآن من تركته لكن هل نقول تسلم عشرة آلاف كاملة أو نقول
يخصم منها الفرق بين الذي يحل بعد سنة والذي حل الآن؟ نقول بل تحل كاملة
إلا إذا وافق صاحب الدين وقال مادام أنكم تعطوني الدين حالاً فأنا أنزل لكم
منه، فله ذلك.
القارئ: وعلى كلتا الروايتين يتعلق الحق
بالتركة كتعلق الأرش بالجاني ويمنع الوارث التصرف فيها إلا برضى الغريم أو
توثيق الحق بضمين مليء أو رهن يفي بالحق إن كان مؤجلا فإنه قد يكونون
أملياء فيؤدي تصرفهم إلى فوات الحق فإن تصرفوا قبل ذلك صح تصرفهم كتصرف
السيد في الجاني ويلزمهم أقل الأمرين من قضاء الدين أو قيمة التركة لأنه لا
يلزمهم أكثر من وفاء الدين ولا أكثر من التركة ولهذا لو كانت باقية لم
يلزمهم أكثر من تسليمها وإن تلفت التركة قبل التصرف فيها والتوثيق منها سقط
الحق كما لو تلف الجاني.
الشيخ: في كلام المؤلف رحمه الله دليل على
أن الورثة لا يلزمهم قضاء الدين إذا لم يخلف المدين تركة سقط حق الغريم ولا
يلزم الورثة أن يسددوا عنه لأنه (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)
نعم لو كان الميت قريباً قرابة قوية كأبيه أو ابنه أو أخيه أو ما أشبه ذلك
فهنا ينبغي أن يسددوا عنه من أموالهم إذا كان لديهم مال وأما الوجوب فلا
يجب فإن قيل وهل يوفى من الزكاة؟ فالجواب لا، لا يوفى من الزكاة لأن الزكاة
للأحياء فقط والأموات إن كانوا أخذوا أموال الناس يريدون أدائها أدى الله
عنهم وإن كانوا أخذوها يريدون إتلافها فليسوا أهلاً للرحمة كما قال النبي
عليه الصلاة والسلام (من أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) ويدل لهذا أن بعض
أهل العلم حكى إجماع العلماء على أنه لا يقضى من الزكاة دينٌ على ميت لأن
الزكاة إنما هي للأحياء وأيضاً كان النبي صلى الله عليه وسلم تقدم إليه
جنائز وعلى أصحابها ديون فكان لا يوفيها من الزكاة لكن لما أفاء الله عليه
وكثرت الغنائم صار يوفيها عليه الصلاة والسلام ونقول أيضاً لو فتح هذا
الباب يعني قضاء الديون عن الأموات لبقي الغرماء الأحياء لا يحصل لهم شيء
لأن الناس سوف ينقبون عن الدفاتر السابقة فإذا كان عليهم دين يقضونها من
الزكوات فيبقى الغرماء من الأحياء لا يحصل لهم شيء من الزكاة ونقول أيضاً
إذا قضينا الدين عن الميت فإنما يحصل بذلك براءة ذمته فقط لكن إذا قضينا
الدين عن الحي حصل بذلك فائدتان الأولى قضاء دينه والثانية حفظ ماء وجهه
وسلامته من الذل أمام الغرماء فلا ينبغي أن نعدل عن هذا إلى هذا لكن نعم لو
فرض أنه لا يوجد غرماء أحياء فقد يتوجه القول بإخراجها في دين الأموات على
ما في ذلك من ثقلٍ عندي على أن أصناف الزكاة باقية كما هي.
القارئ: وإن قضى الورثة الدين من غير
التركة أو منها جاز وإن أبى الجميع باع الحاكم من التركة ما يقضي به الدين
وإن مات المفلس وعليه دين مؤجل فوثق الورثة للمؤجل اختص أصحاب الحالَّة
بالتركة وإن أبوا ذلك حل دينه فشاركهم لئلا يفضي إلى إسقاط دينه بالكلية.
السائل: هل يمنع الورثة من التصرف في التركة إذا كان على مورثهم دين؟
الشيخ: لا يمنعون بل لهم التصرف في عين التركة لأن الدين لم يتعلق بعين
التركة بل هو في ذمة الميت أما ما تعلق بعين التركة كالمرهون فإنهم ليس لهم
التصرف فيه.
السائل: إذا اتفق شخص ما مع بنك من البنوك على أن يشتري البنك قطعة أرض ثم
هو يشتريها من البنك بقيمة أعلى مما اشتراها به البنك فهل هذه المعاملة
جائزة؟
الشيخ: هذا لا يجوز أولاً لأنه بيع لما لا يملك وثانياً هو حيلة على الربا
فبدلاً من أن يقول أنا أقرضك قيمتها وهي الآن تساوي أربعين ألفاً قال أعطيك
أربعين ألف وتوفيها لي بعد سنة بستين ألف فهذه حيلة لكن لو كانت الأراضي
موجودة عند صاحبها وجاء إنسان وقال أريد أن أشتري هذه الأرض ستين ألف مؤجلة
فلا بأس وقولهم إنه لو شاء لردها فنقول هذه مغالطة في الواقع لأن هذا الذي
جاء وعين الأرض وقال اشترها لي وبعها عليَّ مؤجلة مقسطة لا يمكن أن يدعها
ثم لو فرض أنه تركها فإن التجار سوف يحترز من معاملته مرة أخرى ولذلك يذكر
لي أن الذين يستعملون هذه الطريقة ثم يحصل منهم تراجع عن ما تم الاتفاق
عليه فإنهم يضعونه في القائمة السوداء بمعنى أنهم لا يعاملوه بعد هذا.
السائل: بعض التجار يشتري أرضاً ويقول إنه سوف يبني عمارة مؤلفة من طوابق
متعددة ثم يبيع هذه الطوابق التي لم تبنَ بعد ويجمع أموال من المشترين فهل
هذه المعاملة جائزة؟
الشيخ: هذا لا يجوز هذا لأنه باع شيئاً مجهولاً فهو شيء مفروض في الذهن.
السائل: حتى لو ذكر المواصفات لكل طابق وما يحتويه من الشقق والغرف؟
الشيخ: حتى المواصفات مهما كانت ولهذا قال
العلماء في كتاب البيع يشترط أن يكون معلوماً برؤية أو صفة في غير الدار
ونحوها وقالوا إن الدار لا يمكن أن تباع بالصفة لابد من رؤيتها ولهذا لو
يأتي إنسان من أشد الناس وصفاً ويصف لك بيت فيه حجر وغرف وساحات وما أشبه
ذلك ما يمكن أن تتصوره كما لو شاهدته.
السائل: حتى لو أراه شيئاً قريباً من مثل ما سيباع عليه؟
الشيخ: أبداً لا يصح وهذا بيع الأنموذج وفيه خلاف ثم نقول إنه قد حصل في
هذا تلاعب وذلك أن أناس جمعوا أموالاً كثيرة على هذا الأساس وتلاعبوا
بالناس وإلى الآن ما بدؤوا بالتنفيذ والناس الآن ضاجين منهم يقولون لعبوا
بنا قالوا سننشئ عمارات في هذه الأرض ولم يفعلوا شيئاً وأخذوا أموال الناس
والله أعلم هل ترجع هذه الأموال أو لا ترجع.
فصل
القارئ: وإذا حجر على المفلس وهو ذو كسب يفي بمؤنته ومؤنة من تلزمه مؤنته
فذلك في كسبه لأن ماله لا يخرج فيما لا حاجة إلى إخراجه فيه وإن لم يف كسبه
بمؤنته كملناها من ماله وإن لم يكن ذا كسب أنفق عليه وعلى من تلزمه مؤنته
من ماله بالمعروف في مدة الحجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ابدأ بنفسك
ثم بمن تعوله) وفيمن يعوله من تكون نفقته ديناً كالزوجة وإذا قدم نفقة نفسه
على نفقة الزوجة وجب تقديمها على سائر الديون ولأن تجهيز الميت يقدم على
دينه اتفاقاً فنفقة الحي أولى لأن حرمته آكد من حرمة الميت.
الشيخ: قوله (يقدم على دينه اتفاقاً)
الظاهر أن قصده عند الحنابلة لأن بعض أهل العلم يقول إن الدين المتعلق بعين
التركة مقدم على مؤنة التجهيز لكن لعل المؤلف يريد بكلمة (اتفاقاً) أي في
مذهب الحنابلة، وهذا الفصل واضح ونمثل له فنقول إذا حجر على الإنسان فإنه
يمنع من التصرف في ماله ثم إن كان له كسب يفي بنفقته ونفقة عياله فهذا هو
المطلوب ويبقى ماله للغرماء وإن لم يكن له كسب وجب أن يُعطى من ماله الذي
حجر عليه فيه ما يقوم بمؤنته ومؤنة عياله واستدل المؤلف لهذا بقوله صلى
الله عليه وسلم (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) واستدل أيضاً بتعليل وهو أن نفقة
الزوجة دين تكون دين على الزوج إذا كان، واستدل أيضاً بتعليل وهو أن نفقة
الزوجة تكون دين على الزوج إذا كان معسراً فلو قلنا أنه لا ينفق عليها لزمه
دين لزوجته فتتراكم الديون عليه فتقدم وذكر أيضاً تجهيز الميت يقدم على
دينه اتفقاً ومراده بذلك الدين المرسل أما الدين الذي فيه رهن أو ما أشبه
ذلك ففيه خلاف أو يقال قوله (اتفاقاً) إذا أردنا أن نعمم فالمراد اتفاقاً
بين فقهاء الحنابلة وفي قوله (فنفقة الحي الأولى لأن حرمته آكد من حرمة
الميت) دليل على أن قضاء دين الميت من الزكاة لا يجوز لأننا لو فتحنا الباب
لانسد باب قضاء الدين عن الأحياء ولو قلنا إنه يجوز أن يقضى دين الميت من
الزكاة لكان الناس الآن يراجعون دفاترهم القديمة وديون آبائهم وأجدادهم ثم
يقضونها من زكواتهم ويبقى الأحياء بغير قضاء وقد ذكرنا هذا سابقاً وقولنا
فيه ثلاثة أو أربعة أوجه تدل على أن ذلك لا يجوز أي قضاء دين الميت من
الزكاة أما التبرع فلا بأس أن يتبرع أحد ليقضي دين الميت عنه.
القارئ: ويقدم نفقة من تلزمه مؤنته من أقاربه لأنهم جروا مجراه ولذلك عتقوا
عليه إذا ملكهم.
الشيخ: قوله رحمه الله (لأنهم جروا مجراه
ولذلك عتقوا عليه إذا ملكهم) فيه نظر لأنه لا يعتق عليه بالملك إلا مَنَ
كان مِنْ محارمه لا من أقاربه كعمه وخاله وأخيه وأمه وأبيه وابنه وبنته لكن
ابن عمه لو ملكه لم
يعتق عليه لأنه لو قدر أنه امرأة لجاز له أن يتزوجها والمهم أن الذين
يعتقون بالملك هم المحارم لا من تلزمه نفقتهم.
القارئ: وكذلك نفقة زوجته لأنها آكد من نفقة أقاربه وتجب كسوتهم أيضاً لأن
ذلك مما لابد منه ويكون ذلك من أدنى ما ينفق على مثلهم أو يكتسي مثلهم فإن
كانت لهم ثياب هي أرفع من كسوة مثلهم بيعت واشترى لهم كسوة مثلهم ورد الفضل
على الغرماء.
الشيخ: وكذلك نقول لو كان عنده مثلاً سيارة يحتاجها للركوب ويغني عنها ما
دونها فإنه تباع هذه السيارة ويشترى له بأقل ويكون الزائد يضاف إلى حق
الغرماء وكذلك البيت لو فرض أن له بيت يسكنه يساوي مثلاً مليون ويمكن أن
يسكن في بيت يساوي خمسمائة ألف فإنه يباع البيت الذي يساوي مليون ويشترى له
بيت بخمسمائة ألف ويوفر خمسمائة ألف للغرماء.
القارئ: وإن مات منهم ميت كفن من ماله لأنه
يجري مجرى كسوة الحي ويكفن في ثلاثة أثواب كغيره ويحتمل أن يكفن في ثوب
واحد لأن الزائد فضل يستغنى عنه ولا تباع داره التي لا غناء له عن سكناها
لأنه مما لابد منه أشبه الكسوة فإن كانت واسعة يكفيه بعضها بيع الفاضل منها
إن أمكن وإلا بيعت كلها واشتري له مسكن مثله وإن لم يكن له مسكن أستؤجر له
مسكن لأن ذلك ممالا لابد منه ورد الفضل على الغرماء ولا يباع خادمه الذي لا
يستغني عن خدمته وإن كان مسكنه وخادمه وثيابه أعيان أموال الناس أفلس بها
ووجدوها فلهم أخذها للخبر ولأن حقوقهم تعلقت بالعين فكانت أقوى من غيرها
ويحتمل أن من لم يكن له مسكن ولا خادم فاستدان ما اشتراهما به وأفلس بذلك
الدين أن يباع مسكنه وخادمه لأنهما بأموال الغرماء فتبقيتهما له إضرار بهم
وفتح باب الحيلة للمفاليس في استدانة ما يشترون به ذلك فيبقى لهم.
الشيخ: هذا الاحتمال ضعيف لأن حق الغريم في هذه الحال لا يتعلق بعين الخادم
أو المسكن لكن لو علمنا أنه متحيل فلنا أن نبيعه قطعاً لحيلته أما إذا لم
نعلم فالأصل أن ماله محترم.
فصل
القارئ: وإذا قُسِمَ ماله بين غرمائه ففيه وجهان أحدهما يزول الحجر عنه لأن
المعنى الذي حجر عليه من أجله حفظ المال وقد زال ذلك فيزول الحجر لزوال
سببه والثاني لا يزول إلا بفك الحاكم له لأنه حجر ثبت بالحاكم فلا يزول إلا
به كالحجر على السفيه وإذا فك الحجر عنه
فلزمته ديون ثم حجر عليه ثانيا شارك غرماء الحجر الأول غرماء الحجر الثاني
إلا أن الأولين يضربون ببقية ديونهم والآخرون يضربون بجميع ديونهم.
باب الحجر
القارئ: يحجر على الإنسان لحق نفسه لثلاثة أمور صغر وجنون وسفه لقول الله
تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ
آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) فدل على
أنه لا تسلم إليهم قبل الرشد وقوله (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ
أَمْوَالَكُمُ).
الشيخ: قوله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى) يعني اختبروهم بأن يعطوهم
أشياء يسيرة يبيعون ويشترون حتى تعرفوا أنهم أهل للتصرف أو لا وقوله
(حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) يعني البلوغ المعروف وقوله (فَإِنْ
آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) يعني أبصرتم منهم رشداً (فَادْفَعُوا
إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) لأن الحجر زال عنهم وقوله تعالى (وَلا تُؤْتُوا
السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) لم يقل أموالهم إشارة إلى أنه يجب أن يعتبر
الإنسان مال السفيه الذي بيده كماله يعني فكما تحافظون على أموالكم حافظوا
على أموالهم أيضاً ولا تؤتوها السفهاء.
القارئ: ولأن إطلاقهم في التصرف يفضي إلى ضياع أموالهم وفيه ضرر عليهم
ويتولى الأب مال الصبي والمجنون لأنها ولاية على الصغير فقدم فيها الأب
كولاية النكاح ثم وصيه بعده لأنه نائبه فأشبه وكيله في الحياة ثم الحاكم
لأن الولاية من جهة القرابة قد سقطت فثبتت للسلطان كولاية النكاح ولا تثبت
لغيرهم لأن المال محل الخيانة ومن سواهم قاصر الشفقة غير مأمون على المال
فلم يله كالأجنبي.
الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف يعني هل يلي هؤلاء القصر سوى الأب ووصيه
كالأم مثلاً هل تلي مال أيتامها الذين في حجرها أو لا؟ فيه خلاف والصحيح أن
غير هؤلاء يلي الأموال إذا علم منه الأمانة وحسن التصرف وجمعاً بين القولين
نقول للقريب الذي ليس بأب ولا وصي نقول له اذهب إلى الحاكم وأطلب منه
الولاية فإذا ولاه اتفق القولان في توليه مال هذا القاصر.
القارئ: ومن شرط ثبوت الولاية العدالة بلا
خلاف لأن في تفويضها إلى الفاسق تضييعاً لماله فلم يجز كتفويضها إلى
السفيه.
الشيخ: إذاً الذين يحجر عليهم لمصلحتهم هم ثلاثة الصغير والمجنون والسفيه
والمراد بالسفيه هنا البالغ العاقل لكنه سفيه لا يحسن التصرف في ماله إذا
أعطيناه المال ذهب يفسده بالألعاب النارية أو ما أشبه ذلك وهذا وإن كان
بالغاً عاقلاً فإنه يجب الحجر عليه والولي إما الأب أو وصيه أو الحاكم ولم
نقل وكيله
لأن وكيله يكون في الحياة ولا إشكال فيه والوصي يكون بعد الموت بأن يقول
الأب مثلاً وصي على أولادي فلان.
فصل
القارئ: وليس لوليه التصرف في ماله بما لا حظ له فيه كالعتق والهبة
والتبرعات والمحاباة لقول الله تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ
إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن) وقوله عليه السلام (لا ضرر ولا ضرار) من
المسند وفي هذه إضرار فلا يملكه.
الشيخ: قوله (من المسند) يعني أنه رواه الإمام أحمد قوله (المحاباة) هذا
واضح أنه لا يجوز وقوله (العتق) أي أنه لا يجوز أن تعتق من مال الصبي فإذا
قال قائل العتق فيه أجر وفيه ثواب والصدقة فيها أجر وثواب؟ قلنا لكن هذا لا
يجوز من غير المالك والمالك الآن ليس أهلاً لذلك وقوله عز وجل (وَلا
تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن) يعني أحسن في
المال وقوله (لا ضرر ولا ضرار) الفرق بينهما أن الضِّرَار مقصود فيه
الضَّرر والضَّرر حاصل بلا قصد فيجب رفع الضَّرر ويحرم الضِّرار ويرفع
أيضاً لكن الفرق بينهما أن من أضر غيره بقصد فهو ضِرَارٌ وبغير قصد فهو
ضَرَرٌ.
السائل: المحجور عليه هل له أن يسقط دينه عن غيره؟
الشيخ: لا يملك ذلك فكل التبرعات له لا تجوز سواء دين أو عين.
السائل: والوصي هل يمكن أن يكون من غير أقرباء الميت؟
الشيخ: نعم لأن الأب مثلاً قد يجد من هذا
الرجل الذي ليس من أقاربه كفاية وأمانة أكثر من أقاربه ولا أظن أحداً يريد
أن يولي على أولاده إلا من يرى أنه أنفع وأصلح.
السائل: ما هو الضابط في الذي تلزم نفقته على الشخص؟
الشيخ: الضابط هو القرآن الكريم قال تعالى (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ
ذَلِكَ) فكل من يرث شخصاً فعليه نفقته لكن بشروط معروفة وهو غنى المُنفِقِ
وحاجة المُنْفقِ عليه.
السائل: إذا كان عند إنسان زكاة ماله وهناك قريب له فقير ممن تلزمه نفقته
لكن صاحب الزكاة لا يستطيع الإنفاق على هذا القريب فهل له أن يعطيه من
الزكاة؟
الشيخ: نعم إذا كان لا يستطيع الإنفاق عليه فله أن يدفع إليه زكاته سواء
كان هذا القريب فرع له أو أصل أو حاشية.
القارئ: ولا يأكل من ماله إن كان غنيا لقوله سبحانه (وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً
فَلْيَسْتَعْفِفْ) وإن كان فقيراً جاز لقول الله تعالى (وَمَنْ كَانَ
فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوف) وليس له إلا أقل الأمرين من أجرته أو
قدر كفايته لأنه يستحقه بالعمل والحاجة معاً فلم يملك إلا ما وجدا فيه.
الشيخ: إذا كان فقيراً فقد قال الله تعالى (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوف)
والفقهاء رحمهم الله قالوا له الأقل من الأجرة أو الأكل فإذا قدرنا أن
الأجرة مائة ريال في الشهر وأكله مائتين ريال فليس له إلا مائة وإذا قدرنا
بالعكس فليس له إلا مائة ريال لكن ظاهر الآية الكريمة أن له أن يأكل ولو
زاد على أجرته لقوله (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوف) لكنه لا يسرف في الأكل
وهذا الظاهر هو الأولى والفرق بينه وبين الأجير المحض إن هذا ليس أجيراً
محضاً بل هذا ولي عنده شفقة وعنده عناية بمال السفيه فيستحق الأكل بالمعروف
سواء زاد على الأجرة أو نقص عنها لكن لو كانت الأجرة أكثر فهنا يتفق ظاهر
الآية وما ذكره الفقهاء أنه لا يستحق الزائد على الأكل بالمعروف.
القارئ: ثم إن كان أباً فلا شيء عليه لأن
له أن يأخذ من مال ولده وإن كان غيره ففيه روايتان إحداهما يضمن عوض ما
أكله إذا أيسر لأنه استباحة للحاجة فلزمه عوضه كالمضطر.
الشيخ: هذه الرواية ضعيفة جداً والقول بأنه إذا أيسر يرد ما أكله ضعيف لأن
الآية صريحة أنه يأكل على وجه الإباحة.
القارئ: والثانية لا شيء عليه لأن الله تعالى أمر بالأكل ولم يذكر عوضا
ولأنه أجيز له الأكل بحق الولاية فلم يضمنه كرزق الإمام من بيت المال وإذا
كان خَلْطُ مال اليتيم بماله أرفق له مثل أن يكون ألين في الخبز وأمكن في
الأدم خَلَطَهُ وإن كان إفراده خيراً له أفرده لقول الله تعالى
(وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ
تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ).
الشيخ: قوله (يكون ألين في الخبز) كيف يكون ألين في الخبز؟ نقول نعم لأن
الخبز إذا أردفت بعضه على بعض صار ليناً وقوله (وأمكن في الأدم) هذا فيما
إذا خُلِطَ الخبز جميعاً في إيدام واحد فهو أمكن له وعلى كل حال نقول إن
الله يقول (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ
فَإِخْوَانُكُمْ) وإذا كانوا إخواناً لنا فإننا سوف نجتهد فيما هو صَلاحٌ
لهم.
فصل
القارئ: وله أن يتجر بماله لما وري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من
ولي يتيماً فليتجر بماله ولا يتركه حتى تأكله الصدقة) رواه الترمذي ولأنه
أحظ لليتيم لتكون نفقته من ربحه كما
يفعل البالغ في ماله ولا يتجر إلا في المواضع الآمنة لئلا يغرر بماله
والربح كله لليتيم لأن المضارب إنما يستحق بعقد وليس له أن يعقد مع نفسه
لنفسه فإن أعطاه لمن يضارب له به جاز.
الشيخ: له أن يتجر بمال اليتيم لكن هذا
واجب أو مباح؟ نقول الأصل أنه مباح وأما الوجوب فقد يقول قائل إنه إذا رأى
المصلحة في الاتجار به وجب عليه وقد يقول قائل إنه لا يجب لأن الاتجار عمل
قد يكون شاقاً وقد يحلق الإنسان هم هل يربح أو لا يربح ويترتب عليه أشياء
فنقول إنه لا يمنع من الاتجار به، ثم نقول الربح لمن يكون؟ الجواب هو
لليتيم فلو قال أنا أتجر به وأخذ نصف الربح كما لو كنت مضارباً فالجواب لا،
لا يجوز لأنه ولي لكن لو أعطاه غيره مُضاربة فلا بأس إذا رأى في هذا مصلحة.
القارئ: لأن العلاء بن عبد الرحمن روى عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب
أعطاه مال يتيم مضاربة ولأن ذلك يفعله الإنسان في مال نفسه طلباً للحظ
وللمضارب من الربح ما وافقه الولي عليه لأن الولي نائبه فيما فيه مصلحته
وهذا من مصلحته فجاز كفعله له في ماله.
فصل
القارئ: ويجوز أن يشتري له العقار لأن الحظ فيه يحصل منه الفضل ويبقى الأصل
فهو أحظ من التجارة وأقل غَرَراً وله أن يبنيه لأنه في معنى الشراء قال
أصحابنا ويبنيه بالآجر والطين ليسلم الآجر عند إنهدامه والصحيح أنه يبنيه
بما جرت عادة أهل بلده لأنه أحظ وأقل ضرراً ولا يجوز تحمل ضرر عاجل لتوهم
نفع عند الهدم والظاهر أنه لا ينهدم إلا بعد زوال ملكه عنه.
الشيخ: هذه ملاحظة عجيبة لأنهم قالوا (يبينه بالآجر والطين ليسلم الآجر عند
إنهدامه) أي أنه نقض فيما بعد سلم لَبِنَ الآجر لكن ما قاله الموفق هو
الصحيح أنه يبنيه بما جرت به العادة سواء بالآجر أو بغير ذلك والآن الناس
لا يبنون بالآجر بل يبنون بالمسلح من حديد وصبات.
القارئ: ولا يجوز بيع عقاره لغير حاجة لما فيه من تفويت الحظ الحاصل به
ويجوز للحاجة قال أصحابنا لا لايجوز إلا لحاجة إلى نفقة أو قضاء دين أو
غبطة لزيادة كثيرة في ثمنه كالثلث فما فوقه والمنصوص أن للوصي بيعه إذا كان
نَظَرَاً لهم من غير تقييد بهذين.
الشيخ: وهذا المنصوص هو الصحيح فليس بلازم
أننا لا نبيعه إلا لحاجة أو لِغِبْطةٍ كثيرة قد يرى بيعه ليشتري عقار آخر
أحظ منه وإن لم يكن زائداً على الثلث مثلاً.
القارئ: وقد يكون الحظ في بيعه لغير هذا لكونه في مكان لا غلة له أو له غلة
يسيرة فيبيعه ويشتري بثمنه ما يكثر عليه أو يكون له عقاران يُعمِّرُ أحدهما
بثمن الآخر فلا وجه لتقييده بهذين.
فصل
القارئ: ولا يجوز أن يودع ماله إلا لحاجة ولا يقرضه إلا لحظه مثل أن يخاف
هلاكه أو نقصانه ببقائه فيقرضه ليستوفيه كاملاً ولا يقرضه إلا لمليء يأمن
جحده أو مطله ويأخذ بالعوض رهناً استيثاقاً له وإن لم يأخذ جاز في ظاهر
كلامه وإن أراد الولي السفر لم يكن له المسافرة بماله لأنه يخاطر به لكنه
يقرضه أو يودعه أميناً والقرض أولى لأنه مضمون بخلاف الوديعة.
الشيخ: على كل حال الوديعة القرض قد يكون أحدهما أوثق من الآخر القرض يكون
آمن من أن تسرق أو تتلف لأنه يثبت في ذمة المقترض لكن فيه آفة أخرى وهي أن
يفتقر أو يماطل أو ما أشبه ذلك وأما فهي الوديعة عرضة للتلف لكنها آمن من
جهة أن المُودَعَ سواء افتقر أو بقي غنياً هي باقية وعلى هذا فنقول ينظر
أيهما أصلح القرض أو الإيداع وأما وضعها في البنوك وما أشبه ذلك فهل هو قرض
أو إيداع؟ الجواب هو قرض وإن كان الناس يسمونه إيداعاً فهو غلط لأن الذي
يودع في البنوك يعلم أن البنك يضع هذه الدراهم في صندوقه ويبيع بها ويشتري
ويضمنها لصاحبها وهذا حقيقة القرض ولهذا قال العلماء رحمهم الله إذا أذن
للمودع أن ينفقها فهذا قرض.
فصل
القارئ: وله كتابة رقيقه وعتقه على مال
للحظ فيه مثل أن يكاتبه أو يعتقه بمثلي قيمته لأنها معاوضة فتجوز للحظ فيها
كالبيع ولا يجوز ذلك بمثل قيمته لأنه لا حظ فيه قال أبو بكر يتوجه جواز
العتق بغير عوض للحظ مثل أن يكون له جارية وابنتها تساويان مائة لأجل
اجتماعهما وتساوي إحداهما مفردة مائتين فتساوي قيمة الباقية مثلي قيمتهما
مجتمعتين.
الشيخ: المؤلف يقول إنه لا يجوز أن يكاتبه أو يعتقه على مال إلا إذا كان
فيه حظ بأن يكون يساوي مائة ويعتقه على مائتين وذكر أبو بكر يتوجه جواز
عتقه بغير عوض للحظ ومثاله ما ذُكِرَ جارية وابنتها تساويان مائة لأجل
اجتماعهما وتساوي إحداهما مفردة مائتين فتساوي قيمة الباقية مثلي قيمتهما
مجتمعتين والمعنى أنه عنده جارية وبنتها لو باعهما جميعاً أُخذا بمائة لكن
لو باع واحدة أخذت بمائتين لأن المشتري لا
يريد أن يجمع إماءً يريد أمة واحدة فيقول أمة واحدة بمائتين أحب إليَّ من
أمتين بمائة لأن أمتين بمائة سيكون عليه نفقة وتعب وأمة واحدة بمائتين أهون
عليه فيقول هنا يجوز أن يعتقها مجاناً لأن عتقها أنفع.
السائل: لماذا قلنا أنه ليس للولي أن يتأخر هو بمال من تحته مضاربة؟
الشيخ: لأنه ربما يحابي نفسه وكل إنسان وكيل أو ولي أو ناظر لا يمكن أن
يعامل نفسه بهذا الذي هو وكيلٌ عليه وهذه قاعدة عامة حتى وإن كان أميناً
لأن الأمين يجرئ غير الأمين.
السائل: الولي قلنا إنه له أن يأكل بالمعروف من مال القاصر لكن إذا كان
للولي عائلة فهل يدخلون معه في ذلك؟
الشيخ: يأكل هو بالمعروف فقط دون من تلزمه مؤنته.
السائل: إذا كان الولي هو أحد الورثة وعمل بالمال الموروث تجارةً فهل له
نصيب من ربح هذه التجارة؟
الشيخ: نعم له ربح نصيبه فقط فإذا كان له مثلاً النصف من المال فله النصف
من الربح.
فصل
القارئ: وينفق عليه نفقة مثله بالمعروف من
غير إسراف ولا إقتار لقول الله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ
يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) ويقعده في المكتب بغير إذن الحاكم ويؤدي
أجرته لأنه من مصالحه العامة فجرى مجرى نفقته ويشتري له الأضحية إن كان
موسراً لأن فيه توسعة للنفقة عليه في يوم جرت العادة بها وتطييباً لقلبه
فجرى مجرى رفيع الثياب لمن عادته ذلك.
الشيخ: الكلام هنا في المحجور عليه لحظ نفسه أي لسفه قوله (ويشتري له
الأضحية) في عرفهم سابقاً أن الأضحية شيء كبير يفرح الناس به واليتيم أو
السفيه يفرح إذا ضُحِّيَ له لكن في عهدنا الآن الصِّغار لا يأبهون بها ولا
يهتمون بها بل جرت عادة الناس قبل مدة أنه لا يضحى إلا عن الميت حتى أنه
إذا قيل لأحدهم تريد أن تضحي قال أنا لم أمت كأنه يعني أنه لا يضحى إلا عن
الأموات لكن هذا والحمد لله قد زال ولا شك لأنه اعتقادٌ خاطئ لأن أصل
الأضحية هي عن الأحياء ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه
ضحى عن الميت أبداً فقد ماتت بناته وأبنائه مات له زوجتان عليه الصلاة
والسلام وأستشهد عمه حمزة رضي الله عنه ومع ذلك ما ضحى لأحد منهم والأضحية
إنما هي للحي ولهذا جاء في الحديث (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله)
على أن هناك من العلماء من قال لا تصح الأضحية للميت ولم يكتف بقوله أنها
غير مشروعة بل قال لا تصح لأن العبادات مبناها على التوقيف ولم يرد، قالوا
وقياسها
على الصدقة على أن الصدقة وردت عن الميت هو قياس في غير محله لأن الصدقة
يقصد بها مع التقرب إلى الله محض مصلحة الفقير وأما الأضحية فأهم شيء فيها
التقرب إلى الله بالذبح.
فصل
القارئ: وللأب بيع ماله بماله لأنه غير متهم عليه لكمال شفقته وليس ذلك
للوصي ولا للحكام لأنهما متهمان في طلب الحظ لأنفسهما فلم يجز ذلك لهما.
الشيخ: المعنى لو أن الأب أراد أن يشتري من
مال ولده الذي هو وليٌّ عليه شيئاً فلا بأس بذلك لكن لو أراد الحاكم
(القاضي) أو الوصي أن يفعل ذلك فلا.
فصل
القارئ: وإذا زال الحجر عنه فأدعى وليه الانفاق عليه أو تلف ماله فالقول
قوله لأنه أمين عليه فقبل قوله كالمودع وإن ادعى أنه لا حظ له في بيع عقار
لم يقبل إلا ببينة وإن قال الولي أنفقت عليك عامين فقال ما مات أبي إلا منذ
عام فالقول قول الغلام لأن الأصل حياة أبيه وقد اختلفا فيما ليس الوصي
أميناً فيه فكان القول قول مدعى الأصل.
فصل
القارئ: وإذا بلغ الصبي وعقل المجنون ورشدا انفك الحجر عنهما من غير حاكم
ولا يفك قبل ذلك لقول الله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا
بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا
إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وقسنا عليهم المجنون لأنه في معناهم والبلوغ
للغلام بأحد ثلاثة أشياء أحدها إنزال المني لقول الله تعالى (وَإِذَا
بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا) وقول النبي
صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم) رواه أبو داود
والثاني كمال خمسة عشر سنة لما روى ابن عمر قال (عرضت على النبي صلى الله
عليه وسلم وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني في القتال وعرضت عليه وأنا ابن
خمسة عشر سنة فأجازني) متفق عليه والثالث إنبات الشعر الخشن حول القبل لما
روى عطية القرظي قال (عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة
فشكوا في فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينظر إليَّ هل أنبت فنظروا
فلم يجدوني أنبت فخلوا عني وألحقوني بالذرية) متفق عليه.
الشيخ: عندي رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح
القارئ: عندي متفق عليه في أصل نسخة الكافي وما ذكرته حاشية يا شيخ
الشيخ: راجعها تراجعها لأن بينهما فرق بين
رواية البخاري ومسلم ورواية أكتبها من الطاهر عند الشيخ هذا نعم.
القارئ: ولأنه خارج يلازمه البلوغ غالبا يستوي فيه الذكر والأنثى فكان
بلوغاً كالاحتلام وبلوغ الجارية بهذه الثلاثة وتزيد بشيئين الحيض لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار) رواه الترمذي
وقال حديث حسن ولأنه خارج يلازم البلوغ غالباً أشبه المني والثاني الحمل
لأنه لا يكون إلا من المني فإذا ولدت المرأة حكمنا ببلوغها حين حكمنا
بحملها فإن كان خنثى مشكل فحيضه علم على بلوغه وكونه امرأة وخروج المني من
ذكره علم على بلوغه وكونه رجلا لأن الحيض من الرجل ومني الرجل من المرأة
مستحيل أو نادر.
الشيخ: قوله (لأن الحيض من الرجل مستحيل) ليس قوله (من الرجل) خبرٌ لحيض
لأن هذا لا يستقيم والمعنى لأن الحيض من الرجل مستحيل ومني الرجل من المرأة
مستحيل وهذا الكلام في الخنثى الذي آلة ذكر وآلة أنثى فإذا خرج منيٌّ من
ذكره فهذا يستحيل أن يكون امرأة.
القارئ: وقال القاضي ليس ذلك بدليل لجواز أن يكون من خلقة زائدة لكن إن
اجتمعا فقد بلغ لأنه إن كان رجلاً فقد أمنى وإن كانت امرأة فقد حاضت.
الشيخ: المؤلف رحمه الله جعل الحمل من علامات البلوغ والأمر ليس كذلك لأن
علامات البلوغ في المرأة أربعة الأول تمام خمس عشرة سنة إنبات الشعر يعني
العانة والثالث إنزال المني بشهوة والرابع الحيض وأما الحمل فهو دليل على
البلوغ وليس يحصل به البلوغ ولذلك نحكم ببلوغها منذ نشأ الحمل لأنه لا يمكن
أن تحمل إلا عن إنزال فالحمل علامة على البلوغ وليس به البلوغ.
فصل
القارئ: ويستوي الذكر والأنثى في أنه ينفك
عنه الحجر برشده وبلوغه للآية ولأن المرأة أحد نوعي الآدميين فأشبهت الرجل
وعنه لا يدفع إليها مالها حتى تلد أو تتزوج ويمضي عليها حول في بيت الزوج
لأن ذلك يروى عن عمر رضي الله عنه فإن لم تتزوج فقال القاضي عندي أنه يدفع
إليها مالها إذا عنست وبرزت للرجال.
الشيخ: الصواب الأول أنها إذا بلغت وهي رشيدة يدفع إليها مالها.
فصل
القارئ: والرشد الصلاح في المال لأن ابن عباس قال في قوله تعالى (فَإِنْ
آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) قال إصلاحاً في أموالهم ولأن الحجر عليه لحفظ
ماله فيزول بصلاحه كالعدل ولأن الفسق معنى لو طرأ بعد الرشد لم يوجب الحجر
فلم يمنع من الرشد كالمرض فإن كان فسقه يؤثر في تلف ماله كشراء الخمر ودفعه
في الغناء والقمار فليس برشيد لأنه مفسد لماله.
الشيخ: ولو كان لدفعه أي المال لكان أحسن نسخة.
الشيخ: الرشد هو الصلاح في المال لا الصلاح في الدين فلو فرض أنه فاسق لكنه
لا يصرف أمواله في فسقه فهو رشيد أو كافر فهو رشيد وعلى هذا فيتامى الكفار
إذا بلغوا ورشدوا يعطون مالهم نعم لو كان فسقه يؤثر في تلف ماله فليس برشيد
وهذا الذي قاله المؤلف مشكل غاية الإشكال لأننا لو قلنا بهذا القول لزم أن
يكون شارب الدخان سفيهاً غير رشيد وأن لا يعطى ماله وهذا شيء لا يمكن أن
يعمل به الآن وقول إن الذين يشربون الدخان أو الذين يستعملون المسكرات أو
المخدرات لا يعطون أموالهم فهذا لا أظن أن أحداً تثبت قدماه على هذا القول
لكن نقول نعطيه المال ونراقبه فإذا بذله في الحرام حينئذ نعزره بما تقتضيه
معصيته وعليه فنقول أنه إذا كان يفسد ماله في هذه المحرمات لكنه رشيد يعرف
يبيع ويشتري ويتصرف مع الناس بالأخذ والعطاء فإننا لا نقول أنه غير رشيد
لأننا لو قلنا أنه غير رشيد لزم من ذلك أن نحجر عليه وأن نمنعه من ماله ولا
يمكن أن يقول به أحد.
فصل
القارئ: وإنما يعرف رشده باختباره لقول
الله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى) يعني اختبروهم واختبارهم تفويض
التصرفات التي يتصرف فيها أمثالهم إليهم من تجارة أو نيابة ويفوض إلي
المرأة ما يفوض إلى ربة البيت من استئجار الغزالات وتوكليها في شراء الكتان
والاستيفاء عليهن.
الشيخ: ما ذكره المؤلف غير موجود عندنا الآن فهل ربة البيت الآن تأتي
بالغزالات لكي يغزلن أو تأتي بالكتان وهو يشبه القطن لكي تنسج هذا غير
موجود الآن لكن يكفي أن تعرف الطبخ وتدبير المنزل وما أشبه ذلك كالتصرف في
لباسها فإذا عرفنا أننا لو أعطيناها المال راحت تشتري به كل موضة جديدة
فهذه ليست رشيدة.
القارئ: ووقت الاختبار قبل البلوغ في ظاهر المذهب لقوله سبحانه
(وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) ولأن تأخيره
يؤدي إلى الحجر على البالغ الرشيد حتى يختبره ولا يختبر إلا المراهق المميز
الذي يعرف البيع والشراء فإذا تصرف بإذن وليه صح تصرفه لأنه متصرف بأمر
الله تعالى فصح تصرفه كالرشيد وفيه وجه آخر.
الشيخ: قوله (وفيه وجه آخر) نسخة وفي نسخة أخرى (وفيه رواية أخرى) وتحتاج
إلى الرجوع للإنصاف والفرق بين الرواية والوجه أن الرواية عن الإمام أحمد
والوجه عن أصحاب الإمام أحمد من المشايخ الكبار.
القارئ: وفيه وجه آخر لا يختبر إلا بعد البلوغ لأنه قبله ليس بأهل للتصرف
لأنه لم يوجد البلوغ الذي هو مظنة العقل فكان عقله بمنزلة المعدوم وفي تصرف
الصبي المميز بإذن وليه روايتان بناءً على هذا فأما غير المأذون فلا يصح
تصرفه إلا في الشيء يسير لأن أبا الدرداء اشترى من صبي عصفوراً فأرسله.
الشيخ: لعل أبا الدرداء وجد هذا الصبي يلعب
بالعصفور لعباً يؤذيه فاشتراه فداءً له ولذلك اشتراه وأرسله ولم ينتفع به
وهذا يسمى استنقاذاً وعليه فإذا وجدت مع صبي طيراً أو شيئاً يلعب به من
الحيوانات ويؤذيه فمن الخير أن تشتريه منه وتطلقه إلا إذا خفت أنك إذا
أطلقته تبعه الصبي وأخذه مرة أخرى.
السائل: هل شراء بعض النساء بعض الفساتين التي تصل إلى خمسة آلاف أو ستة
آلاف يعد من الإسراف؟
الشيخ: هذا يرجع إلى أحوال الناس قد يكون في وقت من الأوقات إسرافاً وقد لا
يكون وقد يكون إسرافاً بالنسبة لهذه المرأة دون الأخرى.
السائل: لكن عند أوساط الناس في هذه الأيام هل يعد مثل هذا من الإسراف؟
الشيخ: الظاهر أن هذا يعد من الإسراف في وقتنا هذا لكن لا يعد من الإسراف
بالنسبة لنساء الأمراء والوزراء وما أشبه ذلك.
فصل
القارئ: ومن لم يؤنس منه رشد لم يدفع إليه ماله ولم ينفك الحجر عنه وإن صار
شيخا للآية ولأنه غير مصلح لماله فلم يدفع إليه كالمجنون وإن فك الحجر عنه
فعاود السفه أعيد عليه الحجر لما روى عروة بن الزبير أن عبد الله بن جعفر
ابتاع بيعاً فأتى الزبير فقال أني قد ابتعت
بيعاً وإن علياً يريد أن يأتي أمير مؤمنين عثمان فيسأله الحجر علي فقال
الزبير أنا شريكك في البيع فأتى علي عثمان فقال إن ابن جعفر قد أبتاع بيع
كذا فاحجر عليه فقال الزبير أنا شريكه فقال عثمان كيف أحجر على رجل شريكه
الزبير؟ وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر فتكون إجماعاً.
الشيخ: وجه الدلالة من هذا الحديث أن علي بن أبي طالب أراد من عثمان رضي
الله عنه أن يحجر على عبدالله بن جعفر ولولا أن ذلك جائز ما طلبه لكن
الزبير رضي الله عنه دفع هذا بكونه شاركه ومعروف أن الزبير رضي الله عنه
رشيد في البيع والشراء كما هو رشيد في دينه رضي الله عنه.
القارئ: ولأن السفه يقتضي الحجر لو قارن
فيقتضيه إذا طرأ كالجنون ولا يحجر عليه إلا الإمام أو نائبه لأن علياً سأل
عثمان الحجر على ابن جعفر ولم يفعله بنفسه ولأن معرفة التبذير تحتاج إلى
نظر لأن الغبن قد يكون تبذيراً وقد يكون غير تبذير فيحتاج إلى نائب الإمام
كالحجر للفلس ولأنه مختلف فيه أشبه الحجر للفلس ولا يلي عليه إلا الإمام أو
نائبه لأنه حجر ثبت به فكان هو الولي كحجر المفلس.
الشيخ: لكن الإمام إذا رأى أن يكل هذا إلى أحد من أقاربه فلا بأس والخلاصة
أن من زال سفه أعطي ماله فإن عاد إليه السفه أعيد عليه الحجر تعليل أن
الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً وهذا الأثر الذي ذكره المؤلف في قصة عبد
الله بن جعفر مع عمه أبي طالب ثم ذكر تعليلات أخرى ولكنه قال إنه إذا عاد
فلا يلي ماله إلا الإمام فلا يعود الحجر إلا بإذن الإمام ولا يليه إلا
الإمام ولكن الإمام أن يوكل من شاء.
فصل
القارئ: ويستحب الإشهاد عليه وإظهار الحجر لتجتنب معاملته فمن عامله ببيع
أو قرض لم يصح ولم يثبت به الملك فإن وجد المعامل له ماله أخذه وإن أتلفه
السفيه فهو من ضمان مالكه علم أو لم يعلم لأنه سلطه عليه برضاه.
الشيخ: معنى العبارة هذه أنه لو أن أحداً عامل السفيه بعد أن حجر عليه فباع
عليه شيئاً مثل لو باع عليه سيارة فالسفيه لن يعطيه شيئاً من المال لأن
ماله محجور عليه فإذا تلفت السيارة فلا ضمان على السفيه وإنما ضمانها على
مالكها لأنه هو الذي سلطه على ماله.
القارئ: وإن غصب مالاً أو أتلفه ضمنه لأن صاحبه لم يرض ذلك ولأن الحجر على
الصبي والمجون لا يسقط عنهما ضمان المتلف فهذا أولى وإن أُودِعَ مالاً فتلف
لم يضمنه سواء فرط في
الحفظ أو لم يفرط لأنه تلف بتفريط صاحبه لتسليمه إليه وإن أتلفه ففيه وجهان
أحدهما يضمنه لأن صاحبه لم يرض إتلافه أشبه المغصوب والثاني لا يضمنه لأن
صاحبه فرط بالتسليم إليه.
الشيخ: الراجح أنه لا يضمن بناءً على
القاعدة السابقة لأنه سلطه على ماله فهو الذي دفع ماله إليه.
القارئ: وإن أقر بمال لم يلزمه حال حجره لأنه حجر عليه لحظه فلم يقبل
إقراره بالمال كالصبي والمجنون ولأن قبول إقراره يبطل معنى الحجر لأنه
يداين الناس ويقر لهم قال أصحابنا ويلزمه ما أقر به بعد فك الحجر عنه
كالمفلس وفيه نظر لأن الحجر عليه لعدم رشده فهو كالصبي ولأن ثبوت إقراره في
ذمته لا يفيد الحجر معه إلا تأخير الضرر إلى أكمل حالتيه إلا أن يريدوا أنه
يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى فأما إن كان ثابتاً في ذمته فلا يسقط
بالحجر عليه وإن أقر بحد أو قصاص لزمه لأنه محجور عليه في ماله لا في نفسه
فإن عفا ولي القصاص إلى مال ففيه وجهان أحدهما له ذلك لأن من ثبت له القصاص
ثبتت له الخيرة كما لو ثبت ببينة والثاني لا يصح لئلا يواطئ من يقر له
بالقصاص ليعفو على مال يأخذه وإن أقر بنسب قبل لأنه ليس بمال وينفق على
الغلام من بيت المال لأن إقرار السفيه بما يوجب المال غير مقبول.
الشيخ: قوله (وينفق على الغلام) يعني الذي أقر به مثل أن يقول هذا أبني هذا
أخي وما أشبه ذلك فيقبل لأن الشارع له تشوف في ثبوت النسب وأما الأنفاق
عليه فيكون على بيت المال.
القارئ: وإن طلق امرأته صح لأن الحجر يحفظ المال والطلاق يوفره ولا يضيعه.
الشيخ: قوله (يوفره ولا يضيعه) هذا من وجه ولكن قد يلزم بأكثر لأنه إذا طلق
امرأته وكان فيه شهوة فإنه سيبتغي امرأة جديدة وعلى كل حال نقول الطلاق لا
يراعي فيه المال فإذا طلق وقع طلاقه لأن مسألة حب المرأة أو كراهتها شيء
يرجع إلى النفس لا إلى المال.
القارئ: فإن خالع جاز لأنه إذا جاز الطلاق بغير مال فبالمال أولى ولا تدفع
المرأة إليه المال فإن فعلت لم يصح القبض ولم تبرأ منه إلا بالدفع إلى وليه
وإن تلف كان من ضمانها.
الشيخ: قوله (كان من ضمانها) يعني إن تلف
المال بيد الزوج السفيه كان من ضامن المرأة والخلاصة أن السفيه الذي حجر
عليه لسفه من أعطاه ماله فلا ضمان على السفيه سواء أعطاه إياه ببيع أو
إعارة أو أي شيء وأما إذا تسلط السفيه على مال غيره فهو ضمان ولهذا قلنا إن
الراجح في الوديعة أنه لا يضمن مطلقاً حتى لو أتلفه هو أي السفيه فإنه لا
ضمان عليه.
فصل
القارئ: وإن أذن له الولي في النكاح صح منه لأن حاجته تدعوه إلى ذلك وليس
بآلة للتبذير وقال القاضي يصح من غير إذن الولي لما ذكرناه وإن أذن له في
البيع ففيه وجهان أحدهما يصح منه لأنه عقد معاوضة فصح منه بالإذن كالنكاح
والثاني لا يصح لأن المقصود منه المال وهو محجور عليه فيه ولأن الحجر عليه
لتبذيره فالإذن له إذن فيما لا مصلحة فيه وإن حلف انعقدت يمينه لأنه مكلف
ويكفر بالصوم لأنه ممنوع من التصرف في المال فأشبه العبد.
الشيخ: أما كونه يصح حلف السفيه فنعم لكن كونه يكفر بالصوم مع قدرته على
المال فهذا غير صحيح والصواب أنه يكفر بالمال لأن الله تعالى قال
(فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا
تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ
لَمْ يَجِدْ) فالصواب أنه يكفر بالمال لكن لو علمنا أن هذا السفيه كثير
الحلف دائماً يحلف ويحلف فربما يقال يحجر عليه ونقول له صم وذلك حتى لا
يعود إلى الحلف مرة ثانية.
القارئ: وإن أحرم بالحج صح لأنه من أهل
العبادات فإن كان فرضاً لزمه إتمامه ويجب الإنفاق عليه إلى أن يفرغ منه
لأنه مال يحتاج إليه لأداء الفرض فوجب وإن كان تطوعاً لا تزيد نفقته على
نفقة الإقامة أو تزيد وله كسب إذا أضافه إليها أمكنه الحج لزمه إتمامه وإن
لم يكن كذلك ففيه وجهان أحدهما على الولي تحليله لأن في إتمامه تضييعاً
للمال فيما لا يلزمه والثاني ليس له تحليله بناءً على إحرام العبد بغير إذن
سيده ويتحلل بالصوم كالعبد.
الشيخ: الصحيح أنه يلزمه الإتمام لأنه شرع فيه ولأنه من أهل الوجوب فهو
بالغ عاقل فيلزمه إتمامه سواء زادت نفقة الإتمام على نفقة الإقامة أم لم
تزد.
فصل
القارئ: وإن وجب له القصاص فله استيفاؤه لأن القصد التشفي ودرك الثأر وله
العفو على مال لأنه تحصيل فإن عفا إلى غير مال وقلنا الواجب القصاص عيناً
سقط إلى غير شيء وإن قلنا الواجب أحد شيئين وجبت الدية لأنه ليس له إسقاط
المال.
فصل
القارئ: ولا ينفذ عتقه لأنه إتلاف لماله وحكي عنه أنه يصح لأنه مكلف مالك
أشبه الراهن ويصح تدبيره ووصيته لأنه محض مصلحة لتقربه به إلى الله تعالى
عند غناه عن المال وإن نذر عبادة بدنية أنعقد نذره لأنه لا حجر عليه في
بدنه وإن نذر صدقة مال لم يصح ويكفر عن نذره بالصيام وقياس قول أصحابنا أنه
يلزمه الوفاء به عند فك حجره كالإقرار.
الشيخ: الظاهر أنه لا يلزمه الوفاء كما قال المؤلف رحمه الله وأنه يكفر
كفارة يمين.
فصل
القارئ: وهل للمرأة الرشيدة التبرع من
مالها بغير إذن زوجها فيه روايتان إحداهما لها ذلك لقوله تعالى (فَإِنْ
آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) وقول
النبي صلى الله عليه وسلم (يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن) وقبوله
لصدقتهن حين تصدقن ولأنه من وجب دفع ماله إليه لرشده نفذ تصرفه فيه بغير
إذن غيره كالرجل وعنه لا تهب شيئاً إلا بإذن زوجها ولا ينفذ عتقها لما روى
عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا يجوز لامرأة
عطية إلا بإذن زوجها) رواه أبو داود وكلام أحمد عام في القليل والكثير وقال
أصحابنا لها التبرع بالثلث فما دون وما زاد فعلى روايتين.
الشيخ: قوله (وكلام أحمد) يعني الرواية التي أشار إليها في قوله (وعنه لا
تهب شيئاً إلا بإذن زوجها) والصواب أن لها أن تهب ما شاءت إلا ما يتعلق
بالزينة لزوجها فليس لها أن تهب شيئاً لأن ذلك يضر بالمعاشرة بينها وبين
زوجها وأما قوله (ولو من حليكن) فمعلوم أن الحلي يتعلق بالزينة للزوج لكن
يجاب عن ذلك بأن المرأة قد عرفت أن زوجها يأذن بمثل هذا أو يقال إن الحلي
إذا كان كثيراً فإنه لا يضر التصدق منه وخصوصاً إذا كان الزوج هو الذي
أشترى هذه الزينة لها من أجل أن تتجمل له.
فصل
القارئ: وهل لها الصدقة من ماله بالشيء اليسير بغير إذنه فيه روايتان
إحداهما لها ذلك لأن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
(أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجرها وله مثله بما كسب ولها
بما أنفقت وللخازن مثل ذلك من غير أن ينقص من أجورهم شيء) وعن أسماء أنها
قالت يا رسول الله ليس لي شيء إلا ما أدخل عليَّ الزبير فهل
علي جناح أن أرضخ مما أدخل علي؟ قال ارضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله
عليك) متفق عليهما.
الشيخ: والوعاء هو شد فم القربة حتى لا
يخرج منها الماء والمعنى لا تحبسي النفقة لأن من أنفق أخلف الله عليه كما
جاء في الحديث (أنه في صباح كل يوم ملكان يقول أحدهما اللهم أعطي كل منفقاً
خلفاً والثاني يقول اللهم أعطي كل ممسك تلفاً).
القارئ: ولأن العادة السماح بذلك فجرى مجرى صريح الإذن والثانية لا يجوز
لما روى أبو أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تنفقن
المرأة شيئاً من بيتها إلا بإذن زوجها) قيل يا رسول الله ولا الطعام قال
(ذلك أفضل أموالنا) رواه سعيد والترمذي ولأنه تبرع بمال غيرها فلم يجز
كالصدقة بثيابه والله تعالى أعلم.
الشيخ: الجمع بين حديثين هو أنه يحمل الأول على ما جرت العادة بالسماح به
والثاني بما لم تجر به العادة أو بما نهاها زوجها لأن بعض الأزواج يقول
لزوجته لا تنفقي شيئاً من البيت حتى إن بعض الطعام يفسد وهي لا تنفقه لأنه
قد قال لها لا تنفقي، فصار الذي يقال في هذه المسألة أن ما جرت العادة
بالسماح به ولم ينه عنه الزوج فإنه يجوز للمرأة أن تتصدق به وما لم تجر به
العادة أو صرح الزوج بمنعها منه فإنه لا يجوز لها أن تتصدق بشيء منه.
|