شرح زاد المستقنع للحمد

باب سجود السهو
أي السجود المشروع بسبب السهو وهو النسيان والذهول الواقع في الصلاة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (يشرع)
__________
(1) في أبي داود: أن ابن عياش حدثهم عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي عن زهير.. "
(2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب (201) من نسي أن يتشهد وهو جالس (1038) قال: حدثنا عمرو بن عثمان والربيع بن نافع وعثمان بن أبي شيبة وشجاع بن مخلد، بمعنى الإسناد أن ابن عياش حدثهم، عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي عن زهير - يعني ابن سالم العنس - عن عبد الرحمن بن جبير ابن نُفير، قال عمرو وحده: عن أبيه عن ثوبان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لكل سهو سجدتان بعدما يسلم) ولم يذكر " عن أبيه " غير عمرو.


أي يشرع السجود، وهي لفظة تعم الواجب والمستحب وقد تقدم بيان الراجح في مسألة السجود لترك سنة وأنه لا يشرع السجود لترك سنة، بل هو إما سجود واجب تبطل الصلاة بتركه وإما غير مشروع فلا يجوز في الصلاة.
فقوله: " يشرع " بناء على المشهور في المذهب من استحباب سجود السهو لترك سنن الأقوال والأفعال أو ترك سنن الأقوال على قول.
" لزيادة ": في الصلاة بقيام أو قعود أو ركوع ونحوه.
" ونقص ": إما بترك سجدة أو التشهد الأول أو نحو ذلك.
" أو شك ": إما شك استوى طرفاه، وإما شك مع عليه لأحد الطرفين.
فيشرع لثبوت ذلك الأحاديث فيه، فقد ثبتت الأحاديث في هذه الأنواع الثلاثة.
قال: (لا في عمد)
فلو تعمد عمل فعل من جنس الصلاة فزاد قياماً أو قعوداً أو نحو ذلك أو نقص أو نحو ذلك، فالصلاة تبطل، بالإجماع كما تقدم.
قال: (في الفرض والنافلة)
فسجود السهو مشروع أو واجب – على ما تقدم صحة خلافاً للمذهب – في الفرض والنفل، فكما أن الفريضة يشرع فيها السجود فكذلك في النافلة، وهذا باتفاق أهل العلم.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم – كما في مسلم – من حديث ابن مسعود: (فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) (1) وهذا الحديث عام في الفريضة والنافلة، وهذا الحديث يستدل به على المسألة السابقة وهي أنه لا يسجد في عمد لقوله: " فإذا نسي " فالسجود إنما شرع للنسيان، ومفهوم المخالفة لهذا الحديث أنه لا يشرع إلا فيه، والأصل عدم ثبوته إلا لوروده فكرره إلا فالنسيان فلا يشرع في التعمد.
فسجود السهو مشروع فرضاً ونفلاً، لأن ما ثبت فرضاً فهو ثابت نفلاً إلا بدليل على تخصيص أحدهما.
__________
(1) أخرجه مسلم في كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة (572) بلفظ: " إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس … "


ولذا نص الإمام أحمد: على أن من كان يصلي لليل مثنى مثنى فقام إلى الثالثة ساهياً فيجب عليه أن يسجد سجدتين لأن صلاة الليل مثنى، وهذا مذهب جمهور العلماء لأنه قد فعل ذلك ناسياً أو ساهياً وصلاة الليل مثنى، وهذا هو المشهور في المذهب.
والمشهور في المذهب أنه إن فعل ذلك في الصلاة في السفر فصلاها أربعاً فالحكم ليس لذلك بل يتم أربعاً، وهذا ضعيف، فإن حكمها واحد.
فإن فعل النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة في السفر ركعتين ركعتين لم يثبت عنه سوى ذلك فهو بمنزلة قوله: (صلاة الليل مثنى مثنى) (1) فكأنه قال: " صلاة السفر مثنى مثنى) وعليه فالقياس على المذهب: أن يقال: إنه قام إلى الركعة الثالثة في صلاة في السفر فإنه يجب عليه أن يجلس فيسجد سجدتي سهو.
فإن قالوا: إنه إن زاد زيادة جائزة، فإن صلى الصلاة في السفر أربعاً كصلاة صحيحة كما هو مذهب جماهير العلماء.
قلنا: وكذلك في صلاة الليل فإنه لو صلاها خمساً أو سبعاً أو تسعاً أو إحدى عشرة فذلك يصح لورود السنة فيه. وهذا الالتزام أولى – فيما يظهر لي – وهو أن يقال: أنه قام إلى ركعة يصح أن يصليها فلا يجب عليه أن يسجد للسهو فلو أنه قام – وهو يريد أن يوتر باثنين – قام إلى الثالثة فإنها تصح فيه ولا يسجد للسهو، لأن هذه الركعة صحيحة في هذه الصلاة ولا غيره بنيته والعلم عند الله تعالى.
قال: (فمتى زاد فعلاً من جنس الصلاة قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً بطلت، سهواً يسجد له)
فمتى زاد فعلاً من جنس الصلاة أن يكون من جنس الصلاة فلو لم يكن من جنسها بأن كان فعلاً خارجاً عن الصلاة، كحركة ليست من أفعال الصلاة فحكمها من التقدم من التفصيل السابق منها، وأنها متى كانت كثيرة عرفاً أبطلت الصلاة وأما إذا زاد فعلاً من جنس الصلاة قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً بطلت وهذا بالإجماع.


(وسهواً يسجد له) فيسجد سجدتي السهو، فإذا زاد سجدة أو قياماً أو ركوعاً أو نحو ذلك سهواً فإنه يجبر هذا سجود السهو.
وظاهر قوله: (قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً) وأن قل. فلو أنه جلس بقدر جلسة الاستراحة ولم ينوها كذلك فإن الصلاة تجبر بالسهو فيجب عليه أن يسجد سجدتين لأنه قعود هذا هو المشهور في المذهب واختار طائفة من الحنابلة كالزركشي وغيره، وذكره وجهاً في المغني: أن الصلاة لا تبطل به ولا من الفعل اليسير، قالوا: لأنه لا يبطل على وجه التعمد، فكذلك لا يبطل على وجه السهو فلو أنه جلس جلسة للاستراحة ولم ينوها السنة، فإنها لا في صلاته أن فعلها عمداً فكذلك أن فعلها سهواً وهذا هو القول الراجح فإن هذا الفعل اليسير في الصلاة وأن كان قعوداً لكنه فعل يسير لو فعله عمداً لم يغيره فكذلك إذا فعله على وجه السهو ومثله العمل اليسير، فإنه إذا كان خارجاً عن الصلاة ليس من جنسها، فإذا فعله فلا يبطل صلاته، فمثله ما كان من أفعال الصلاة وكان يسيراً، فلا يجب سجود السهو فيها، ولا تبطل إذا تعمدها.
قال: (وأن زاد ركعة فلم يعلم حتى فرغ منه سجد)
رجل صلى الظهر خمساً أو الفجر ثلاثاً أو المغرب أربعاً فلما أنصرف من صلاته علم أنه زاد في صلاته ركعة سهواً فإنه يسجد بعد أن يفرغ وهذا لا شك فيه فإنه لا يمكنه إلا أن يفعل ذلك لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (صلى الظهر خمساً فقيل له: أزيد في الصلاة قال: وما ذاك قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلم)
قال: (وإن علم فيها جلس في الحال فتشهد أن لم يكن تشهد وسلم)
رجل صلى الظهر خمساً فلما كان في الخامسة، فلما انتصف قائماً أو هو راكع وهو رافع من الركوع أو وهو ساجد أو وهو بين السجدتين أو نحو ذلك علم أنه قد زاد في الصلاة جلس في الحال، فتترك الركن الذي هو مشتغل فيه وعاد إلى التشهد ليسلم.


فإن لم يجلس في الحال بطلت صلاته لأنه يكون بفعل أفعالاً عمداً وزيد في الصلاة ما ليس منها عمداً فما تبطل الصلاة به.
فيجب عليه أن يعود إلى الجلوس بغير تكبير، فيجلس لتسلم من صلاته. " فيتشهد إن لم يكن تشهد " وإلا فيكفيه التشهد الذي قد تشهده.
فلو أنه تشهد ثم قام يظن أنه التشهد الأول وهو في الحقيقة التشهد الثاني، فإنه يعود فيجلس ويكفيه التشهد الذي تشهده سابقاً.

قال: (تشهد وسجد وسلم)
إذن: السجود هنا قبل السلام فهنا زادت الصلاة فإن قام إلى ركعة خامسة في رباعية فعليه سجود قبل السلام هذا المشهور في المذهب.
وقاعدة المذهب في سجود السهو: أن السجود مشروع قبل السلام مطلقاً إلا ما وردت به الشريعة، وهي المواضع التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم سجدها بعد السلام فإنها تسجد بعد السلام، سواء كان ذلك زيادة أو نقصاً أو شكاً.
والراجح – الذي يدل عليه الأحاديث – ما ذهب إليه الإمام مالك من الزيادة يكون السجود لها بعد السلام والنقص قبله. واختاره ابن تيميه لكن ظاهر مذهب مالك استحباب ذلك، واختار شيخ الإسلام وجوبه وهو الراجح. لقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فوجب أن يسجد كما سجد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسجد للزيادة بعد السلام وللنقص قبله، وسيأتي ذكر الأحاديث التي تدل على ذلك.
وفيها: حديث أبي هريرة – المتفق عليه – أن النبي صلى الله عليه وسلم: (صلى إحدى صلاتي الظهر ركعتين، فسلم واتكأ على خشبه معروضة في المسجد فقام رجل يقال له: ذو اليدين فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة فقال: لم أنس ولم نقصر فقال: بلى قد نسيت فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر فقالا – ومن معهما – بلى يا رسول الله، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك ثم سلم ثم سجد سجدتين) فهنا النبي صلى الله عليه وسلم قد زاد سلاماً فسجد بعد الكلام لهذه الزيادة.


قال: (وأن سبح به ثقتان فأصر ولم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته)
فلابد أن يكون ثقتين لا ثقة واحد.
(فإذا سبح به ثقتان فأصر ولم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته) فإذا سبح بالإمام ثقتان من المأمومين أو غيرهم، ونيته على أن الصلاة فيها سهو لكنه أصر ولم يجزم لصواب نفسه.
فإذا جزم بصواب نفسه وتيقن أن الصلاة على صواب فإن الصلاة لا تبطل ولا يستجب لتسبيحهما لأنه متيقن واليقين لا يزول بمثل هذا، فإن غاية تسبيح التيقن غلبة ظن، وعنده يقين.
فإن لم يتيقن وسبح به ثقات سواء غلب على ظنه صدقهما أو غلب على ظنه خطؤهما – فأصر فالصلاة تبطل وذلك لأن غلبة ظن الاثنين أعظم وأرجح من غلبة ظن الواحد – فعلى ذلك يجب عليه أن يستجب لتسبيحهما فإن لم يفعل بطلت صلاته وأن كان في قلبه غلبة ظن أنه على صواب فتبطل صلاته، لنه يجب عليه أن يستجب لتسبيحهما وحيث لم يستجب فقد ترك واجباً في الصلاة متعمداً وترك الواجب على جهة التعمد يبطل الصلاة. فسواء كان عنده غلبة ظن أو سك أو غلبة ظن لصوابها لكنه لم يقبل تسبيحهما فقد ترك واجباً في الصلاة.
فإذا سبح به ثقة فلا يعتمد حينئذ إلا إذا غلب على ظنه صدقه ولا تسبيح ذلك الرجل بل لغلبة الظن، فوجب عليه أن يتبع غلبة الظن الواقعة في قلبه.
وعليه فإن سبح به ثقات ولم يغلب على ظنه صدقه أو غلب على ظنه عدم صدقه فإنه لا يستجيب لتسبيحه ولا يضر ذلك صلاته. فتسبيح الثقة لا يبطل الصلاة، لما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الصحابة بعد إخبار ذي اليدين له ولم يكتف بخبره فدل على أن الصلاة هنا لا يقبل فيها خبر الواحد، وإنما يقبل فيها خبر الاثنين فأكثر.
قال: (وصلاة من تبعه عالماً)
إمام قام إلى متبعة بعض المأمومين، فما حكم صلاتهم؟


فتبطل الصلاة أن تبعه عالماً بمعنى قام وهو يعلم أن هذه زيادة في الصلاة وأن الإمام ناسي فتبطل صلاته لأنه قد زاد في الصلاة فيها، وفعل في الصلاة من زيادة على المشروع على وجه لتعمد فتكون الصلاة باطلة وأما إن كان جاهلاً أو ناسياً ساهياً كالإمام فلا تبطل صلاته لحديث ابن مسعود، فإن الصحابة قاموا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم إما جاهلون وإما ساهون فمنهم الناسي والساهي ومنهم الجاهل فلم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة.
قال: (ولا من فارقه)
فلا تبطل صلاة من فارق الإمام.
بمعنى: قام الإمام إلى الخامسة فجلس بعض المأمومين فتشهدوا وسلموا فهنا فارقوا الإمام.
قالوا: لأنهم معذورون بالمفارقة، فإن الإمام قد فعل في الصلاة ما ليس منها ففارقوه معذورين فكان كالمسألة المتقدمة فيمن فارق الإمام فصلى منفرداً بعذر قالوا: فكذلك هنا.

والمشهور في المذهب أن المفارقة وإتمام الصلاة والتسليم واجب، فيجب عليه إذا قام الإمام للخامسة أن يجلس فيتشهد ويسلم، هذا قول في المذهب وهو المشهور فيه.
وهناك أقوال هي روايات عن الإمام أحمد:
القول الأول: أنه يفارقه في موضعه الذي خالف فيه لكنه ينتظره، وهذا الانتظار هل هو واجب أو مستحب أو مباح ثلاث روايات عن الإمام أحمد أصحها وجوب الانتظار، لأن المتابعة للإمام واجبة في فعل أركان الصلاة كلها، وحيث وقع الإمام في مخالفة في الصلاة فإنه ينهي مسابقته وتنتظره حتى تتابعه في بقية الصلاة وإلا فليزم من ذلك أن الإمام لو اختل في الركعة الأولى فزاد فيها فإن للمأموم أن ينفرد عنه وحينئذ ينفتح باب واسع نهى عنه الشارع.
مسألة:
مسبوق إذا زاد الإمام خامسة، وكان معه مسبوقون فتابع الإمام فيها ساهياً أو جاهلاً فهل يعتد بها أم لا؟


القول المشهور في المذهب: أنه لا يعتد بها لأنها زيادة لاغية لا قيمة لها، فإنها في حق الإمام لا قيمة لها فهي زيادة لا غية.
والقول الثاني في المذهب وهو اختيار الموفق: أن هذه الركعة معتد بها للمأموم لأنها وإن كانت لا غية في حق الإمام لكنها ركعة صحيحة في حق المأموم فوقعت في محلها وإن كان الإمام هذه الركعة لاغية له لأن الحكم هنا إنما هو في حق المأموم لا في حق الإمام.
كما أنه لو صلى الإمام وثبت له بطلان صلاته لفعله ما يبطلها فإن صلاة المأموم صحيحة لأن هذه الركعات باطلة بالنسبة إلى الإمام وهي صحيحة بالنسبة إلى المأموم.
فعلى ذلك هذه الركعة يعتد بها - إن كان ساهياً أو جاهلاً بخلاف إذا كان عالماً – فإذا علم أنها زيادة فلا يتابعه بل يفارقه لأنه قد ثبت له أن الإمام يزيد في الصلاة ما ليس منها فلا يحل له والحالة هذه أن يتابعه لأن الإمام يفعل ما ليس من الصلاة، وما كان ليس من الصلاة في اعتقاد المأموم فإنه لا يحل له متابعته عليه فالبحث فيما إذا كان ساهياً أو جاهلاً. فلو أتى وقد بقي ركعة من الصلاة فزاد الإمام ركعة ناسياً وتابعه المأموم ساهياً أو جاهلاً فإن الركعة يعتد بها ويسلم معه، وتنتهي بذلك صلاته.
والحمد لله رب العالمين

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وعمل مستكثر عادة من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وشهده
هذا هو المشهور في المذهب وتقدم ترجيح أن العمل الكثير في الصلاة سهواً لا يبطل الصلاة فإذا فعل فعلاً كثيراً من غير جنس الصلاة ساهياً جاهلاً فلا يبطل الصلاة بذلك.
قال: (ولا يشرع ليسره سجود)
هذا الشاهد في باب سجود السهو، أنه لا يشرع ليسره سجود.
تقدم أن الفعل اليسير وهو ظاهر قول المؤلف هنا – أن اليسر لا يبطل الصلاة فمن فعل فعلاً من غير جنس الصلاة وكان يسيراً كفتح باب ولبس ثوب ولف عمامة ونحو ذلك فلا يبطل الصلاة، وهل يشرع له سجود سهو أم لا؟


قال هنا: (ولا يشرع ليسره سجود) لعدم وروده مع ثبوت داعيه، فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل فعلاً يسيراً في الصلاة كفتح الباب ولم يثبت أنه سجد سجدتي السهو، ولأن هذا يقع من المكلف كثيراً فيشق الأمر بالسجود له.
قال: (ولا تبطل يسير أكل أو شرب سهواً ولا نفل يسير شرب عمداً)
هذه المسألة في مبطلات الصلاة، وقد ذكرت للمنا.
وهي: أن الصلاة لا تبطل يسير أكل أو شرب سهواً وإذا أكل أو شرب في الفريضة عامداً فالصلاة باطلة بالإجماع مثل ذلك أو كثر عرفاً والصلاة – كما تقدم – أن إنها لا تبطل أن أكل أو شرب في الفريضة أو النافلة يسيراً سهواً لأن الله تجاوز عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، في قوله صلى الله عليه وسلم: (أن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) فالسهو نسيان، والجهل من الخطأ وهنا قيده باليسير لأنه أن كان كثيراً، فإنه عمل كثير والعمل الكثير تقدم أنه يبطل الصلاة عمداً وسهواً - على المذهب – وتقدم الراجح.
وعن الإمام أحمد: أن الكثير كذلك للسهو – وهو الراجح – فعلى ذلك يقيد هذه المسألة باليسير تقييد رجوح والراجح عدم تقييده.
فالمشهور في المذهب: أن اليسير من الأكل والشرب لا يبطل الصلاة، أما الكثير مبطلها، ذلك لأن الفعل الكبير وأن كان سهواً يبطل الصلاة والأكل والشرب الكبير كذلك.
والصحيح في هذه المسألة والتي ألحقوها، أن السهو يعذر في المكلف فلا يبطل به الصلاة – وهو رواية عن أحمد.
(ولا نفل يسير شرب عمداً) فالنفل أن شرب فيه يسيراً كأن يشرب أو نحو ذلك، عامداً فلا يبطل الصلاة وهو مروي عن ابن الزبير.
قالوا: لأن النافلة يستحب إطالتها وحيث شرب فيها فإن هذا على إطالتها، والصلاة النافلة يتسامح فيها ما لا يتسامح في غيرها.


وظاهره أن الأكل اليسير عمداً يبطل النافلة كما يبطل الفريضة للفارق بين الأكل والشرب فيما تقدم، فإن المصلي يحتاج إلى شرب مالا يحتاج إلى الأكل.
والقول الثاني في المذهب وهو رواية عن الإمام أحمد أن الأكل كذلك، وأن الأكل والشرب اليسير في النافلة جائز وهو قول إسحاق بن إبراهيم.
وحجتهم: أنه أكل يسيراً أو شرب يسير فأشبه العمل اليسير في الصلاة لكن هذا منتقض فإن العمل اليسير جائز في الفريضة أيضاً، والأكل لا الشرب اليسير لا يجوز فيها مع أن العمل اليسير لا يؤثر فيها فالحكم على النافلة – هنا – يجوز الأكل والشرب اليسير لأن العمل اليسير جائز فهنا يقال: مقتضاه أن الفريضة يجوز الأكل والشرب اليسير فيها، لأن العمل اليسير جائز أيضاً ومقتض الإجماع المتقدم خلاف هذا، فأن فيه أن الأكل والشرب مبطل مطلقاً قل أو كثر.
لذا ذهب الإمام أحمد في رواية أخرى، قال الموفق فيها: (وهي الصحيح من المذهب، وهو مذهب الجمهور – أن الأكل والشرب اليسير عمداً في النافلة مبطل لها وهذا هو الذي يقتضيه القياس، فأن ما أبطل الفريضة فإنه مبطل النافلة إلا أن يدل دليل على تخصيص أي منهما بحكم، وحيث لا دليل على تخصيص فأنا نبقى الحكم على عمومة فيشمل الفريضة والنافلة.
فالراجح: أنه لا يجوز له مطلقاً الأكل والشرب في النفل واحد كان يسيراً خلافاً للمشهور عند المتأخرين من الحنابلة وهو الصحيح في المذهب كما قال الموفق: وهو مذهب جمهور العلماء.
قال: (وأن أتى بقول مشروع في غير موضعه كقراءة في سجود وقعود وتشهد في قيام، وقراءة سورة في الأخير تبين لم تبطل ولم يجب له سجود بل يشرع) .
إذا أتى بقول مشروع كالفاتحة في غير موضعه، كأن يقرأ الفاتحة في ركوعه أو سجود أو نحو ذلك، أو يقول: " سبحان ربي العظيم " في غير موضعه كالسجود – مع قيامه بما وجب عليه.


فمثلاً: قرأ الفاتحة فقام بالواجب عليه لكنه قال ذكر مشروعاً في قيامه لا يشرع فيه القيام – فلا تبطل الصلاة بذلك وأن كان عامداً – ولا خلاف بين أهل العلم في ذلك.
(أو لم يجب له سجود بل يشرع له) فيشرع له السجود من غير وجوب أما كونه يشرع له فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا نسى أحدكم فليسجد سجدتين) قالوا: وهذا نسيان في الصلاة وأما كونه غير واجب، فلأنه جبر لما لا يجب، ففي الأصل لا يجب عليه ألا يفعل ما فعل، وإنما يستحب له ويشرع له ألا يفعل ذلك فعلى ذلك سجوده ليس بواجب – هذا هو المشهور في المذهب وعن الإمام أحمد أنه لا يشرع له مطلقاً أن يسجد، وهذا هو الراجح ذلك، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم السجود في هذا الموضع ولم يرد أيضاً السجود فيما هو بمعناه، فإن السجود الوارد عن البيهقي في فعل يبطل الصلاة كأن يعهدمما ترك تشهد تبطل الصلاة ويتركه عمداً ونحو ذلك، وهنا ليس الأمر كذلك فقد سهى في أمر أن فعله متعمداً لا يؤثر في صلاته ولا يبطلها، أما سجود السهو فإنه جبر لما لو تعمده يتطلب الصلاة لكنه لم يتعمد فوجب عليه سجدة السهو.
أما هنا فالأمر خلاف ذلك. فأنه يسجد فهو لما لو تركه تعمداً لم تبطل صلاته وليس هذا في معنى المشروع ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومثله لا يبعد وقوعه.
قال: (وأن سلم قبل إتمامها عمداً بطلت)
إذا سلم قبل إتمام الصلاة عمداً فالصلاة باطلة لأنه تحلل منها قبل محل التحلل وقبل أن تصح منه وتتم على المشروع وهذا باتفاق أهل العلم.
قال: (وإن كان سهواً ثم ذكر قريباً أتمها وسجد)


رجل سلم من ركعتين والصلاة رباعية – ساهياً، ثم ذكر ذلك قريباً في العرف فليس هناك فاصل طويل عرفاً وأن خرج من المسجد أو دخل منزله لكن الفاصل قريب عرفاً فحينئذ يتمها ويسجد بعدها، لحديث ذي اليدين المتقدم وثبت من حديث عمران بن حصين – في مسلم – قال: (سلم النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام إليه رجل بسيط اليدين فقال: أقصرت الصلاة فخرج مغضباً فصلى الركعة التي كان ترك ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم) فهنا النبي صلى الله عليه وسلم دخل الحجرة وهذا يعتبر فاصلاً، ومع ذلك فأن النبي صلى الله عليه وسلم أتم الصلاة ولم يستأنفها.
وسيأتي كلام شيخ الإسلام في مسألة قريبة من هذه المسألة وهي مسألة من سها في صلاته فنسى سجود السهو فطال الفاصل أو قصر فما حكم ذلك؟ سيأتي الكلام عليه أن شاء الله.
فأذن: أن قصر الفاصل عرفاً وأن خرج من المسجد ودخل منزله ونحو ذلك فإنه لا يؤثر في صلاته بل يتمها – ما لم يحدث – فإن أحدث فهو مبطل للصلاة باتفاق العلماء، لأن الصلاة في حكم المتصل فإن أحدث فقد قطعها.
قال: (فأن طال الفصل عرفاً أو تكلم لغير مصلحتها بطلت)
" تكلم في غير مصلحتها " كأن يكون تكلم مع أحد من الناس في غير مصلحة الصلاة – كما كان محتملاً من النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قد خرج فيحتمل أنه سلم على أهله ونحو ذلك – فإذا تكلم لغير مصلحتها بطلت.
أما لو تكلم لمصلحتها كأن يتكلمون في السهو ويسأله المأمومون عنه فتباحث معهم في ذلك فأن هذا لا يؤثر لكن المؤثر هو أن يتكلم فيما هو خارج عن مصلحتها لكنه فعل ذلك على سبيل السهو أو الجهل " وسيأتي البحث في هذه المسألة الدرس القادم أن شاء الله " وترجيح أن الكلام في الصلاة سهواً أو جهلاً لا يبطلها وسيأتي دليل على ذلك.


وحينئذ فأن الحكم في هذه المسألة كذلك، وعليه فإذا تكلم جاهلاً أو ناسياً بعد أن سلم فإن الصلاة لا تبطل لذلك وأن كان في غير مصلحتها لأنه وأن كان في حكم المصلين لكنه تكلم ساهياً أو جاهلاً فيكون معذوراً – هذا هو الراجح –
أما على المذهب: أنه إذا طال الفصل أو تكلم في غير مصلحة الصلاة فإنها تبطل.
مسألة: الطعام الذي يكون في الفم، ما حكمه؟
له ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يضع الطعام في فيه من غير أن يمضغه فيكره ذلك في الصلاة.
فلو أن رجلاً وضع لقمة في فيه فصلى مع إمكان القراءة ونحوها فالصلاة صحيحة مع الكراهية.
الصورة الثانية: أن يضع في فمه شيئاً يتحلل قالوا: كسكر ونحوه فتحلل ودخل، فالصلاة باطلة بالاتفاق لأن هذا أكل.
الصورة الثالثة: أن ما يكون بين أسنانه ونحوه فله صورتان:
الأولى: أن يكون مما يجري في الريق، يعني: شيء متحلل بين الأسنان لكنه يجري في الريق فهذا لا يؤثر قولاً واحداً في المذهب وذلك لمشقة التحرز منه.
الثاني: أن يكون يحتاج إلى دفع، فقولان في المذهب:
القول الأول: أنه يبطل الصلاة، فإذا دفعه فدخل في الجوف فأن الصلاة تبطل به، لأن أكل فلا يشق التحرز منه.
القول الثاني: أنه لا يبطلها فهو له حكم ما يجري بالريق والأظهر والأحوط القول الأول: لأنه في الحقيقة أكل، ولا يشق التحرز منه.
مسألة: رجل صلى مع الإمام، فسها الإمام فصلوا ثلاثاً في رباعية، فلما أراد أن يخرج أخبره رجل أنهم صلوا ثلاثاً فكبر وهو قائم وأتى بركعة فما حكم ذلك؟
الحنابلة قالوا: تبطل صلاته لأنه ترك النهوض بل يجب عليه أن يجلس ثم يقوم وهذا غير معتبر وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم - في حديث ذي اليدين – لم ينقل عنه أنه جلس ولو كان ذلك تنقل إلينا.


والتعطيل بذلك: أن يقال: أن هذا الانتقال ليس مقصوداً لذاته، بل المقصود القيام، فهو وسيلة إليه، فما دام أنه وصل إلى القيام بعد ذلك مع العذر فلا بأس بذلك وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي.
والحمد لله رب العالمين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (بطلت ككلامه في صلبها)
الكلام في الصلاة يبطلها هذا في الجملة – وذلك بإجماع أهل العلم – فالكلام في الصلاة عمداً بغير مصلحتها يبطل الصلاة.
ودليل ذلك: ما ثبت في الصحيحين من حديث زيد بن أرقم قال: (كنا نتكلم بالصلاة يكلم أحدنا صاحبه إلى جنبه نزلت: {وقوموا لله قانتين} فأمرنا بالسكوت) زاد مسلم: (ونهينا عن الكلام) وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: (كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فيرد علينا، فقلنا يا رسول الله إن كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا، فقال: (أن في الصلاة لشغلاً) وفي مسلم: (أن هذه التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) فهذه الأحاديث مستند إجماع العلماء على أن من تكلم في الصلاة عامداً لغير مصلحتها ولغير واجب وجب عليه ولا خروج منه إلا بالكلام فيبطل صلاته إجماعاً، وقد اختلف أهل العلم في مسائل ذكرها المؤلف لقوله: (ككلامه في صلبها) فهذا لفظ عام فيه أن الكلام في الصلاة مبطل لها مطلقاً سواء كان لمصلحتها أو لإنقاذ مسلم من هلكة أو كان عن جهل أو إكراه أو نسيان أو نحو ذلك فكله مبطل لها ودليلهم: عموم الأحاديث المتقدمة، فعموم الأحاديث تدل على هذا، وأن الكلام لا يصلح في الصلاة مطلقاً وأن كان عن نسيان أو جهل أو إكراه سواء كان من إمام أو مأموم وسواء كان لمصلحة الصلاة أو لغير مصلحتها أو كان إنقاذاً أو لم يكن فكله مبطل لها ما دام في صلبها.


وقوله: (في صلبها) احترازاً من الكلم بعد السلام عند السهو فيه، فإذا سهى مسلم قبل وقته فتكلم في مصلحة الصلاة فسيأتي استثناؤه وأما ما سواها فكله إلى عدم البطلان بما تقدم: الإكراه والنسيان والإنقاذ والجهل ".
أما النسيان: فإذا تكلم في صلب الصلاة ناسياً فما حكم صلاته؟
فالصحيح ما ذهب إليه الشافعية في أن النسيان لا يبطل الصلاة.
ودليل ذلك: حديث ذي اليدين المتقدم فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بعد السلام ناسياً وتكلم أصحابه وهذا أمر ظاهر فإن المتكلم ناسياً ليس كالمتعمد، فأن المتعمد مناقض لأمر الشارع مخالف له، وأما الأخر فلا.
والحقيقة: أن هذا الفارق إنما هو مؤثر في الإثم، بخلاف الإعادة، فلا مانع أن يؤمر الناس بالإعادة مع رفع الإثم عنه لأنه غير مناقض للشرع، لكن لما كان النسيان يقع من المكلف كثيراً فشق إبطال الصلاة به، والمشقة تجلب التيسير شرع هذا الحكم فأن الناسي إذا تكلم في صلاته فلا تبطل صلاته – وهذا هو الراجح –
أما المكره: ففيه قولان:
القول الأول: وهو المشهور في المذهب: أن الصلاة تبطل إذا أكره على الكلام.
القول الثاني: أنها لا تبطل وهو مذهب الشافعية.
ودليلهم: قياس المكره على الناسي فأن الشارع لم يفرق بينهما في قوله: (أن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)
أما القول الأول فإن الصلاة تبطل به وهو الراجح، وذلك لأن الشارع قد جمع بين الإكراه والنسيان في رفع الحرج والإثم، فالمكره لا حرج عليه لكنه يؤمر بالإعادة فلا يؤثم على كلامه في الصلاة كما أن الناسي لا يؤثم أما مسألة إبطال الصلاة فهي مسألة خارجة عن هذا الحديث.
والقياس المتقدم قياس مع الفارق، والفارق بين الإكراه والنسيان: أن النسيان يكثر فيشق التحرز فيه، وأما الإكراه فيقل بل يندر، فعلى ذلك يرفع عنه الإثم ويبقى عليه إعادة الصلاة.


أما إنقاذ الهالك: كأن يتكلم رجل في الصلاة لينبه من هو في طريق هلكه، ولا يمكن تنبيهه إلا بذلك فما الحكم؟
الشافعية قالوا: لا تبطل الصلاة بذلك، لأن المصلي هنا قد تكلم بما يجب عليه، كما ثبت في الصحيحين من كلام الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم تكلموا فيما يجب عليهم من بيان سهو النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته وهم في الصلاة ليسوا بناسين ولا ساهين، فمن تنبهه من الصحابة فإنه يعلم أنه ناسي فينتبه.
والحنابلة: قالوا تبطل الصلاة.
وأجابوا عن استدلالهم بكلام الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
فقالوا: أن هذا الكلام خارج عن هذا الباب، فالكلام الوارد عن الصحابة إنما لمصلحة الصلاة، أما هنا فليس لمصلحتها، فإن من مصلحة المأموم إصلاح صلاة إمامه، وعلى ذلك فلو أن المأموم لم يمكنه أن ينبه إمامه إلا بقوله: (أركع أو أسجد) فإنه يفعل ذلك ولا حرج عليه.
أما إذا نبه خارج الصلاة، فإن الصلاة تبطل بذلك للفارق بين المسألتين.
فأن تنبيه الصحابة كان لواجب يتعلق بصلاتهم، وأما هنا فهو واجب أخر يخرج عنها.
فعلى ذلك: يجب عليه تنبيه هذا الذي هو في طريقه إلى الهلكة لكن صلاته تبطل بذلك.
أما الجاهل: فلو تكلم رجل في الصلاة جاهلاً فما حكم صلاته؟
قال الحنابلة: تبطل الصلاة، لأنه كلام داخل في عموم الحديث.
وقال الشافعية: لا تبطل الصلاة.


واستدلوا بما روى مسلم في صحيحه: أن معاوية بن الحكم السلمي قال: (بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: (وأثكل أماه، ما شأنكم تنظرون إلى فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فرأيتهم أنهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، والله ما نهرني " أي قهرني " ولا ضربني ولا شتمني، قال: (أن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) فهذا الحديث ظاهر في هذه المسألة ترجيح لمذهب الشافعية.
فالراجح: إذا تكلم في الصلاة جاهلاً فلا تبطل الصلاة.
فالراجح: أن الصلاة لا تبطل بالكلام عن النسيان أو جهل وإنما تبطل بالتعمد أو الإكراه أو التنبيه على أمر خارج عن الصلاة.
قال: (ولمصلحتها أن كان يسيراً لم تبطل)
والمراد إن كان خارجاً عن صلبها، في المسألة المذكورة سابقاً وهي ما إذا سلم قبل إتمام صلاته ساهياً فبعد السلام تكلم هو والمأمومون لمصلحة الصلاة فهذا يستثنى عند الحنابلة بشرط أن يكون يسيراً لأن ما ثبت العفو عنه إنما هو التيسير.
والراجح: ما تقدم وأن الكلام مطلقاً لمصلحة الصلاة سواء كان يسيراً أو كثيراً ما دام لمصلحتها فإنه لا يبطل الصلاة.
لكن متى ثبتت للإمام أن الصلاة ناقصة ويجب إتمامها فلا يجوز أن يستمر في الكلام مع المأمومين وأن كان في مصلحة الصلاة، بل يكون ذلك بقدر ما يحتاج إليه لمعرفة الخطأ في صلاته.
قال: (وقهقهة ككلام)
القهقهة: هو الضحك الذي يخرج منه الصوت.
فهو مبطل للصلاة بالإجماع، وذلك لمنافاته للصلاة وقد قال جابر: (القهقهة تنقض الصلاة ولا تنقض الوضوء) رواه الدارقطني مرفوعاً وصوب وقفه، فالصواب أنه موقوف.


وأما التسبيح فلا يبطل الصلاة بالاتفاق لأنه ليس مناف للصلاة ولا دليل يدل على بطلان الصلاة به.
قال: (وأن نفخ أو انتحب من غير خشية الله تعالى، أو تنحنح من غير حاجة فبان حرفان بطلت)
" أن نفخ " أي قال: " أف " في الصلاة.
" أو انتحب " أي رفع صوته بالبكاء.
أو تنحنح من غير حاجة فبان حرفان بطلت الصلاة أي خرج منه، من تنحنحه أو نفخ أو بكاء أو أنين أو تأوه أو نحو ذلك فإنه – أن كان من غير حاجة فأن الصلاة تبطل به.
وعليه أن كان وقع منه عن غلبة فإنه لا يؤثر، فلو تنحنح أو نفخ عن غلبة فلا يؤثر.
وعلة هذه المسألة: أن الكلام يثبت بالحرفين " لا " و " نعم " و " أب " و " أخ " فالكلام يقع من حرفين فأكثر، فإذا تنحنح فخرج منه حرفين أو أكثر فذلك يكون كلاماً فيكون مبطلاً للصلاة.
والراجح وهو رواية عن الإمام أحمد، ومذهب الإمام مالك أن الصلاة لا تبطل كذلك، لأن مثل ذلك ليس بكلام فالنفخ والنحنحة ونحوها ليس بكلام وأن بان فيها حرفان.
فالكلام – من حيث كلماته ومفرادته – وهو ما أفاد معنى. والكلام المحذور في الصلاة ما أفاد معنى مخاطباً به الآدمي فلفظه " نعم أو " لا " وليس في لغة العرب أن النحنحة أو البكاء أو النفخ – أن ذلك يعد كلاماً –
فالراجح: أنه ليس بكلام فإذا وقع ذلك منه سواء كان عن غلبة أو لم يكن عن غلبة وسواء كان عن حاجة أو عن غير حاجة فأن ذلك لا يبطل الصلاة – وقد روى – أبو داود والترمذي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر قال: فكأن يقول في سجوده " أف، أف " فلم يكن هذا مبطلاً للصلاة ولا مؤثراً فيها ومعلوم أن الكلام وأن احتاج ومعلوم أن الكلام وأن احتاج إليه المصلي –


كما هي قاعدة المذهب – لا يبطل الصلاة فكيف جعلوا هذا كلاماً ولا يبطلها مع الحاجة، وما تقدم يبطلها ولو كان ذلك لمصلحتها أو لمصلحة من يجب تنبيهه بما بها تصل إلى الضرورة في المسائل المتقدمة، ومع ذلك ابطلوا الصلاة بها، واعتبروا هذا كلاماً وأجازوه في لحاجة فهذا مما يبين ضعف هذه المسألة عندهم.
والقاعدة: أنه لو ثبت أنه كلام لكان حكمه كحكم الكلام تماماً لا فرق بينهما فيبطل به الصلاة ضرورة أو حاجة ما لم يكن مما يستثنى كما تقدم في المذهب.
وقد تقدم حديث علي في تنحنح النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة لكن الحديث ضعيف، وما ذكر كاف فيه وهو أنه ليس بكلام ولا دليل على إبطال الصلاة فيه مع أنه يقع من المصلي كثيراً فيشق أن تبطل الصلاة به.
مسألة: إذا قرأ في الصلاة آيةً أو جزءاً منها مخاطباً ونحو ذلك، كأن يطرق عليه الباب فيقول: " أدخلوها " أو نحو ذلك؟
قال شيخنا: (هذا لا يخلو – فيما يظهر لي – من حالتين وما أتذكر كلاماً لأهل العلم في ذهني الآن)
الحالة الأولى: أن يكون قد جمع بين هذا وبين خطاب الله فاكتفى بآية خاطب بها الله وخاطب بها الآدمي.
فحينئذ: لا يعدو الأمر ألا أن يكون إسماعاً للآدمي بما يخاطب الله به مما يكون مناسباً للآدمي فحينئذ لا يبطل به الصلاة.
الحال الثانية: أن يخاطبه بغير نية خطاب الله والتعبد له، فحينئذ: تبطل به الصلاة، لأن هذا لا يعتبر قرآن، بدليل أن قرأ الآية وهو جنب، وقلنا أن الجنب لا يجوز أن يقرأ القرآن كما هو مذهب الجمهور. فالجمهور يقولون: لا يضر لأنه ليس قرآن، لأنه خرج عن أن يكون قرآن. فهذه الطريقة – من كونه يخاطب به آدمي لمقصد حادث – أخرجه عن أن يكون قرآن فحينئذ يبطل الصلاة.
ثم ذكر لنا – شيخنا بعد ذلك أن هذا ما يقرره الشافعية فقد قرره الشيرازي في كتابه " المهذب " الذي شرحه النووي في المجموع.
والحمد لله رب العالمين.


قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ومن ترك ركناً فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت التي تركه منها، وقبله يعود وجوباً فيأتي به وبما بعده)
من ترك ركناً من أركان الصلاة غير التحريمة فإنها لا تدخل في هذا الباب، لأن الصلاة لا تصح إلا بتكبيرة فمن صلى بلا تكبيرة إحرام فالصلاة باطلة وأن كان عن سهو فالصلاة لا تنعقد إلا بها فمن ترك ركنا سوء تكبيرة الإحرام، كأن يترك سجوداً أو ركوعاً أو نحو ذلك.
مثال: رجل صلى وهو في الركعة الأولى سجد الأولى فقام إلى الركعة الثانية فترك ركعتين الجلسة بين السجدتين والسجدة الثانية فلهذه المسألة صورتان: ذكرهما المؤلف:
الأولى: أن يذكر السهو الواقع منه بعد قيامه وقبل أن يشرع في القراءة.
الثانية: أن يذكره بعد شروعه في القراءة.
أما في الصورة الأولى: وهي ما إذا ذكر ذلك قبل شروعه بالقراءة فأنه يرجع وجوباً – هذا الإجماع كما حكاه المجد ابن تيميه وقال الموفق: (لا نعلم فيه مخالفاً) فيرجع ويجلس بين السجدتين ويسجد السجدة الثانية وما بعده وما قامه فإنه لأنه وقع في غير محله وموضعه.
أما الصورة الثانية: وهي ما إذا ذكره بعد شروعه بالقراءة ,
فقال: (فذكره بعد شروعه في ركعة أخرى بطلت التي تركه فيها)
فتبطل الركعة وتلغو لأنه قد ترك ركناً منها، فتكون الصلاة صحيحة لكن هذه الركعة باطلة، فتقيم الركعة الثانية مقام الركعة الأولى – هذا هو المشهور في المذهب – وهناك قول في المذهب – وهو مذهب الشافعية – أنه يجب عليه الرجوع وأن شرع في القراءة ما لم يصل إلى الركن الذي يقابل الركن الذي تركه، فإذا وصل إليه فإنه يقوم مقامه وهذا القول أرجح، لأنه لا دليل على التعريف بين ما إذا ذكره قبل الشروع وبين ما إذا ذكره بعد الشروع.


قالوا: أن تذكره له أثناء شروعه بالفاتحة قد شرع في ركن مقصود وأما قبل ذلك فالقيام ركن غير مقصود لكن هذا ليس بصحيح، فأن القيام ركن مقصوداً أيضاً بدليل وجوبه على من لم يكن قائماً، فيجب عليه القيام، فالقيام ركن، وهو قد شرع في ركن، فكما أوجبنا عليه وقد شرع في الركن الذي هو القيام قبل القراءة، فكما أوجبنا عليه الرجوع في هذا، فكذلك يجب عليه أن يعود إذا شرع في القراءة فليس هناك فرق مؤثر ثم أنه يلزم من القول الأول إبطال ما ثبت صحته فأنه قد كبر وقرأ الفاتحة وركع وسجد كل ذلك أوقعناه صحيحاً له وليس هناك ما يدل على بطلانه.
وكوننا نلغي الركعة كما ذكر الحنابلة، فيه إبطال لما وقع صحيحاً ثابتاً ولم يرد دليل على إبطاله
وكذلك فيه إثبات لزيادة لم تقع سهواً، فإنه لما قام في الركعة الأولى وركع وسجد كل ذلك – كان عمداً لا سهواً، فإذا ألغيناه فقد أثبتنا في الصلاة زيادة قد تعمدها صاحبها.
لذا الراجح ما ذهب إليه الشافعية وهو أحد القولين في المذهب وأنه يجب عليه الرجوع مطلقاً ما لم يصل إلى الركن المقابل إلى الركن المتروك فحينئذ يقوم مقام الذي ترك.
وهنا صورة ثالثة لم يذكرها المؤلف: وهي ما إذا ذكره أثناء الركعة فأنه يجب عليه الرجوع بالإجماع كرجل كبر للصلاة وركع ثم سجد مباشرة ساهياً، وذكر في أثناء الركعة فإنه يرجع إليه وجوباً.
قال: (وأن علم بعد السلام فترك ركعة كاملة)
أي أنه لما سلم علم أنه ترك سجوداً، يقيناً لا شكاً (فترك ركعة كاملة) لأن هذه الركعة قد اختلت بترك ركن من أركانها وتبطل ولا تصح لأنه قد ترك فيها ما هو من قوامها مما لا تصح إلا به، فتكون الصلاة صحيحة وما تركه من الركن يجبره بفعل ركعة كاملة ويسجد للسهو أما قبله أو بعده على الخلاف المتقدم.
والقول الثاني في المذهب: وهو قول غير مشهور في المذهب: أنه يأتي بالركن الذي تركه وما بعده.


فإذا ترك مثلاً السجدة الثانية من الركعة الأولى، فإنه يكبر فيأتي بالسجدة وما بعدها.
وهذا هو الأرجح لأن ما فعله قبل ذلك الركن قد ثبت صحيحاً وهذا الركن المتروك وما بعده باطل أما المتروك فظاهر لأنه لم يفعل، وأما ما بعده فلأنه لم يقع في موقعه: فكان الواجب عليه أن يأتي بالركن وما بعده من الركعات فعلى ذلك: إذا كان سهوه في الركعة الأولى فإنه يأتي بما بعدها من الركعات.
فإن كان الركن الذي تركه ليس متعلقاً بركعة من الركعات وإنما هو ركن منفرد بنفسه كالتشهد الثاني، فإذا تركه فأنه يأتي به فقط ويسلم.
قال: (وأن نسى التشهد الأول ونهض لزمه الرجوع ما لم ينصب قائماً فإن قائماً كره رجوعه، وأن لم ينصب لزمه الرجوع) .
إذا نسى التشهد الأول فنهض فيلزمه الرجوع وهو في حالة النهوض ما لم يصل إلى القيام، فيجب عليه الرجوع لأنه ترك واجباً يجب عليه فعله، ولم يشتغل بركن، ولا ترتب على فعل الواجب الذي فعله فإنه زيادة ركن في الصلاة – وهذا مذهب الجمهور – وقد روى أبو داود بإسناد فيه جابر الجعض وهو ضعيف – من حديث المغيرة بن شعبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شك أحدكم فقام في الركعتين فاستتم قائماً فلا يعود وليسجد سجدتين فأن لم يستتم قائماً فليجلس ولا سهو عليه) وهذا حديث ضعيف لكن المعنى المتقدم يدل عليه، فقد ترك واجباً ولم يشتغل بعد بركن فوجب عليه أن يأتي به إذ هو متعلق في ذمته ويمكن فعله من غير بدل ولا ترتيب زيادة في الصلاة ولا ترك ركن بسبب فعله.


(فأن استتم قائماً كره رجوعه) فإذا استتم قائماً فيكره رجوعه، لكن لو رجع تصح لكنه مكروه لأن النبي صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيحين من حديث عبد الله ابن قال: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأولين ولم يجلس فقام الناس معه حتى قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه وكبر وهو جالس وسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم) فهنا النبي صلى الله عليه وسلم قام من الجلوس، وظاهر لفظة (قام) أنه قد ثبت قيامه وقد قال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فإنما يكره لمخالفته السنة. ولذا فالراجح أن استمراره بالقيام واجب، فلا يجوز له الرجوع كما هو قول في المذهب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وكان يجب عليه أن يجلس فتركه للوجوب يدل على أنه لا يجوز فعله، وقد استتم قائماً فلم يرجع ولأنه قد اشتغل بركن لا يجوز تركه، فإنه قد اشتغل بالقيام، فهو كما لو اشتغل بالقراءة، وقد اتفق العلماء على أنه لو اشتغل بالقراءة فلا يجوز له أن يرجع ولا فرق بين الصورتين لأن القيام ركن والقراءة ركن.
فالراجح: أنه إذا استتم قائماً سواء شرع في القراءة أم لم يشرع فلا يجوز له الرجوع.
قال: (وأن لم ينصب لزمه الرجوع) هذا تكرار للمسألة السابقة في قوله: (وأن نسي التشهد الأول لزمه الرجوع)
قال: (وأن شرع في القراءة حرم الرجوع)
لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم، وهو مما اتفق عليه أهل العلم.
واعلم أن القاعدة: أنه إذا مضى فيما يجب عليه الرجوع فيه أو رجع فيما يجب عليه المضي فيه عامداً فالصلاة باطلة.
مثال: ما إذا مضى فيما يجب عليه الركوع: كرجل قبل أن يستتم قائماً مضى مع علمه بالوجوب فإن الصلاة تبطل لأنه ترك واجباً من واجبات الصلاة.


(وإذا رجع فيما يجب عليه المضي فيه) كأن يرجع بعد أن يشرع في القراءة فإذا رجع فصلاته تبطل أن كان عامداً عالماً بالحكم أما الجاهل والناسي فلا شيء عليه.
واعلم أن الإمام إذا استتم قائماً فسُبح به فرجع فأنه يكون مخطئاً وعليه فإن المأمومين في خطئه أما إذا قاموا فنتصبن، ورجع الإمام قبل أن يستتم قائماً لكنهم سبقوه بالانتصاب فإنه يجب عليهم الرجوع لأن الإمام مصيب بفعله ويجب عليهم أن يتابعوه، لأن الإمام يتابع حيث كان مصيباً أو ساهياً سهواً نتابع بمثله وأما متابعته في القيام عن ترك التشهد فأن السنة قد دلت عليه كما في حديث ابن بحينة المتقدم، فالنبي صلى الله عليه وسلم ترك التشهد وقام مقام الصحابة وراءه وفي ابن خزيمة: (فسبحوا به فمعنى) فهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ساهياً في عن هذا الواجب ولم يفارقوه بل تابعوه ولم ينكر ذلك عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بل أمرهم عليه.
لذا اتفق أهل العلم على أنه الإمام إذا سهى فتركه الجلسة للتشهد فإن المأمومين يتابعونه.
مسألة:
ترك التشهد ترك واجب من واجبات الصلاة، فهل غيره من الواجبات كغيره في هذا الحكم – كالتسبيح والتحميد وغيرها من الأذكار الواردة في الأركان؟
الجواب: فارق بين مسألة القيام عن التشهد الأول وبين ترك التسبيح والتحميد ونحوها من الواجبات التي في الأركان في تلك الجلوس للتشهد تبع للتشهد وإنما شرع له وأما هنا فإنه إذا رجع إلى الواجبات ليأتي بها وأن لم يصل إلى الركن فإنه يلزم فيه أن يأتي بالركن مرة أخرى، فيكون في الصلاة زيادة متعمدة. لذا هذه الواجبات إذا خرج عن محلها فأنه لا يعد ويجبرها بالسجود، وأن لم يصل الركن الذي بعدها، لأنه برجوعه يفعل الركن مرة أخرى.
أما في التشهد: فإنه لو جلس للتشهد ولم يتلفظ بالتشهد فقام فإنه يرجع لأن الجلوس مشروع للتشهد أما هذا فالركوع ركن وهذه الأذكار واجبة فيه، وهي أركان مقصودة بذاتها.


قال: (وعليه السجود للكل)
للمسألتين، والسجود – كما تقدم في المذهب – قبل السلام.
أما المسألة الثانية فالحديث الصحيح يدل عليها وهو حديث عبد الله بن بحينة، والقاعدة تدل عليها فإنها نقص في الصلاة.
وأما المسألة الأولى فهي زيادة في الصلاة، فقد زاد في الصلاة أركاناً على سبيل السهو. فالواجب أن يكون سجد بعد السلام، لأن ما كان عن زيادة فإنه بعد السلام على الراجح كما تقدم – وهو مذهب مالك واختاره شيخ الإسلام ابن تيميه رحمهما الله جميعاً.
والحمد لله رب العالمين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ومن شك في عدد الركعات أخذنا بالأقل)
من شك في عدد الركعات، فلا يدري أصلى ثلاثاً أم أربعاً فإنه يبني على اليقين فيأخذ بالأقل.
واستدلوا بما ثبت في مسلم من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً له صلاته وأن كان صلى تماماً كانتا ترغيماً للشيطان) ومثله لو شك وقد ركع هل أدرك الإمام في ركوعه أم لا، كأن يأتي متأخراً فيسجد الإمام راكعاً فيركع ثم يشك هل رفع الإمام رأسه قبل أن يدركه أم بعد أن أدركه ومثل ذلك لو شك في ركن هل فعله أم لا؟ فأنه يبني على اليقين وهو أنه لم يفعل أو لم يزدهن الزيادة.
وظاهر كلام المؤلف مطلقاً سواء كان إماماً أو منفرداً، وسواء كان الشك مع علته ظن أو مع استواءت الطرفين.
فظاهر كلام المؤلف أن الصورتين كليهما داخلة في البناء على التيقن وهو رواية عن الإمام أحمد وهو مذهب الجمهور.
والرواية الأخرى عن الإمام أحمد وهي ظاهر مذهبه (أي المشهور فيه) .
التفريق بين الإمام والمنفرد:


أما المنفرد فإنه يبني على اليقين مطلقاً فلا يحكم عليه ظنه وأما الإمام فإنه أن أمكنه غلبه ظن تسبيح الناس خلفه فإنه يعمل به، وأن لم يمكنه ذلك إما بأن يختلف المأمومون أو لا ينتبه أحد منهم – فإنه يبني على اليقين.
واستدلوا: بما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم يسجد سجدتين) وفي رواية البخاري: (فليتم ثم يسلم ثم يسجد) فهذا الحديث فيه أن من أمكنه أن يتحرى الصواب فإنه يتم عليه ويسجد بعد السلام.
وقد حمل الحنابلة هذا الحديث على الإمام الذي يمكنه أن يتحرى الصواب بنية المأمومين.
فإن لم يمكنه تحري الصواب كأن يختلف المأمومون أو لا يحدث تنبيه مع الشك الواقع فيه فإنه – حينئذ يبني الإمام على اليقين.
وهناك رواية ثالثة عن الإمام اختارها شيخ الإسلام: وهي الراجحة إلى أن الإمام والمنفرد كليهما على غلبة الظن ويتحرى الصواب فأن لم يكن هناك صواب يتحراه فإنه يبني على اليقين وهذا هو القول الراجح لعمومات الأحاديث.
فأن حديث أبي سعيد الشك عام من الإمام والمنفرد: (إذا شك أحدكم في صلاته) سواء كان إماماً أو منفرداً فإنه يبني على اليقين مادام الشك مع استواء في الطرفين كما أن حديث ابن مسعود حديث عام في الإمام والمنفرد ثم إن غلبة الظن يحصل من المنفرد كما حصل من الإمام، فغلبة الظن التي تحصل بنيته المأمومين يمكن أن يحصل هذا الغلبة للمفرد وأن لم يكن هناك تنبيه فإن يكون الواقع في قلبه أنه صلى ثلاثاً أو أربعاً أو نحو ذلك، وهذا هو المقصود، فأن تنبيه المأمومين لا يعدوا إلا أن يكون وسيلة إلى غلبة الظن، فإذا حصلت غلبة الظن بدون تنبيه من المأمومين فيحكم بها لأنها هي المقصودة في الحكم.
تقدم أن المذهب أن غلبة الظن يحصل للإمام دون المنفرد في هذه المسألة، بسبب تسبيح المأمومين.


وعليه: فإذا كان الإمام ليس وراءه إلا مأموم واحد فإن هذا المأموم لا يرجع إلى قوله – كما تقدم – في المشهور من المذهب.
وعليه فأن هذه المسألة السابقة: حيث كان مع الإمام مأمومان فأكثر يحصل بتسبيحها الظن الغالب أما إذا سبح به واحد أو لم يكن وراءه إلا مأموم فأن الإمام لا يحكم بغلبة ظنه هنا، لأن المأموم واحد، والواحد لا يرجع إلى قوله – كما تقدم – هذا تقرير المذهب –
وعليه – وهو على المذهب – إذا شك المأموم في صلاة إمامه فأن المأموم يبني على اليقين لأن الإمام لا يرجع إليه لكونه واحداً – وهذا خلاف الظاهر، لأن الشارع قد أمر بمتابعة الإمام ما لم يثبت في صلاته خلل، ومجرد الشك لا تعارض الظاهر.
فالظاهر أن صلاة الإمام صحيحة يجب على المأموم أن يتابعه عليها، وحيث شك المأموم فأن شكه لا تعبير لأنه مخالف للظاهر.
هذان التفريقان على مذهب الحنابلة – وألا فالراجح – كما تقدم – هو اعتبار غلبة الظن مطلقاً للإمام والمنفرد.
قال: (ولا شك في ترك ركن فكتركه)
فإذا شك في ركن فلما لو تركه، كأن يشك هل ركع أم لا؟ فهو كما لو ترك الركوع.
وقد تقدم حكم ترك الركن – وأنه في المشهور من المذهب إذا شرع في القراءة في الركعة الثانية لم يرجع إليه وقامت الركعة الثانية فقام الركعة الأولى التي سقط ركنها نسياناً.
وإذا لم يشرع فإنه يعود إلى الركن فيأتي به.
كذلك إذا شك، فقبل الشروع بالقراءة يرجع إلى الركن فيأتي به، لأن الأصل أنه لم يأت به فهذا ركن إيجادي يجب إيجاده فالأصل عدمه، فما دام أنه شك فإننا نبقى على الأصل وهو عدم فعله منه وقد تقدم الكلام إذا ترك ركناً من أركان الصلاة، فكذلك إذا شك في تركه فإنه يعطي حكم الترك مطلقاً.
وظاهر كلامه – إنقاذ – أنه يبني على التيقن مطلقاً واليقين هنا أنه لم يفعل هذا الركن، فعليه أن يرفع إليه قبل الشروع بالفاتحة، وإذا شرع بطلت الركعة التي شك في ركن من أركانها.


والقول الثاني: في المذهب أنه يبني على غلبة الظن إن كان هناك غلبة ظن.
كان يشك هل ركع أم لا، ويمكنه ظنه أنه ركع، فحينئذ حكمه أنه أتى به فيتم الصلاة على أنه قد أتى بهذا الركن ثم إذا سلم سجد سجدتين وهذا هو الراجح – كما تقدم –
فالراجح في هذه المسألة – كالراجح في المسألة المتقدمة استدلالاً ودليلاً، فإن هذه المسألة داخلة في عمومات الأحاديث، فينظر في شكه فأن كان عنده غلبة ظن فأنه يعمل به، ويسجد سجدتين بعد السلام وإلا بنى على اليقين وسجد قبل السلام – واليقين هنا – أنه لم يفعل –
قال: (ولا يسجد لشكه في ترك واجب أو زيادة)
لما رفع من الركوع شك هل سبح فيه أم لا؟
والشك: المعتبر هو الذي لا يقع عن وسوسة من الشيطان وهو الذي يكثر في الصلاة وبتحديث كثيراً فيعلم أنه من الشيطان.
وكذلك الشك بعد السلام ليس بمعتبر، فإذا صلى وشك هل تركت الركن أو هل صليت ثلاثاً أم أربعاً أو هل تركت الواجب – فهذا ليس بمعتبر اتفاقاً لأن الظاهر أن الصلاة قد تمت وصحت فلا يفارقها هذا الشك الوارد إليها.
فإذا شك من ترك واجب، فلا يشرع له السجود سواء عنده غلبة ظن أو لا.
قال: لأن الأصل عدم السجود وقد شك في سببه، لكن هذا ضعيف، لأن المسائل المتقدمة، كذلك فأن الأصل عدم سجود السهو وقد شك في السبب، لما تقدم في حديث: (فلم يدر كم صلى أثلاثاً أم أربعاً) فإنه شك والأصل عدم السجود، فالصحيح الشك في ترك الواجب كالشك في ترك الركن وهو قول في المذهب، لأن الأصل عدم فعل الواجب، فلما شك ما استوى الطرفان رجعنا إلى الأصل وهو عدم الفعل، لأنه واجب إيجادي كما تقدم في الركن وأنه ركن إيجادي، فالأصل أنه لم يفعله، فما دام أنه لم يتيقن أو أنقلب على ظنه فعله فإنا نحكم أنه لم يفعل وهذا القول هو الراجح.
وعليه: ترك الواجب كترك الركن، لكن تقدم أن ترك الركن يرجع إليه.


لكن هنا نقول: يبنى على إنه لم يفعل مطلقاً، فلا يرجع لأن الرجوع ممتنع ويسجد قبل السلام.
إلا إذا كانت عنده غلبة ظن، كأن يشك في التسبيح في الركوع ويغلب على ظنه قوله فإنه يسجد بعد السلام وإلا فإنه يسجد قبله.
إذن: إذا كان عنده شك في فعل الواجب – وكان شكاً فاستوى الطرفين فالسجود قبل السلام.
وإذا كان مع ترجيح الفعل فإنه يسجد بعد السلام.
قال: (أو زيادة)
فإذا شك في زيادة فلا يشرع له أن يسجد، كأن يشك هل صلى أربعاً أم خمساً أو يشك أنه ركع في ركعة ركوعين أو ثلاث سجودات أو نحو ذلك فهذا شك زيادة فلا يشرع له السجود لأن الأصل عدم الزيادة وعدم السجود.
فحينئذ: نبني على الأصل، فلا يشرع له أن يسجد لأن هذا الشك الوارد شك زيادة والأصل عمها والأصل عدم السجود: فلا يشرع له أن يسجد.
كما أنه لا يشرع له السجود إذا زال شكه وزال موجب سجوده وكأن يشك رجل هل صلى ثلاثاً أم أربعاً فبنى على اليقين، فلما شرع في الرابعة تيقن أنه لم يكن مخطئاً وأنه ليس هناك شك وإنه مجرد خاطر وقع في قلبه فحينئذ: لا يشرع له السجود لأنه موجبة الشك وقد زال الموجب، فلا يشرع له السجود – كما ذكر ذلك الحنابلة وهو قول ظاهر، ودليله ما تقدم من زوال موجبة وهو الشك.
والحمد لله رب العالمين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ولا سجود على مأموم إلا تبعاً لإمامه)
فإذا سهى المأموم فلا يسجد للسهو إلا تبعاً لإمامة فإذا سهى ووافق سهوه سهو الإمام، أو سهى الإمام فإنه يسجد معه.
ويستثنى من ذلك: ما إذا كان السهو للمأموم في حال القراءة عن إمامه، كأن يكون مسبوقاً، فيقع السهو منه في حال إتمامه للصلاة، لأنه لإمام إنما يحتمل سهوه حيث كان تبعاً له متصلاً به مأموماً، وأما والحالة هذه فإنه يسجد ولا يحتمل عنه الإمام لأن صلاته التي وقع فيها السهو ومنفرداً فيها عن إمامه.


فإذا سهى المأموم مع إمامه فلا يسجد للسهو إلا في الصور المتقدمة – هذا مذهب جماهير العلماء حتى حكاه إسحاق وابن المنذر إجماعاً وأن المأموم إذا سهى خلف إمامه متى تابع فيه إمامه فإنه لا يسجد – وهو مذهب عامة أهل العلم.
وذهب طائفة من أهل العلم وهو مذهب الظاهرية ومذهب الشوكاني والصنعاني من المتأخرين إلى أنه يسجد للسهو الذي وقع منه خلف إمامه.
استدل أهل القول الأول:
بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر من تكلم جاهلاً خلفه – لم يأمره بالسجود فلو كان السجود واجباً خلف الإمام لأمره بالسجود وهذا استدلال ضعيف لأنا لا نسلم أصلية السجود في مثل هذا وأن الإمام والمأموم إذا تكلم ساهياً أنه يسجد بل الظاهر أنه لا يسجد لعدم الدليل الدال على مشروعية السجود هنا وليس بمعنى ما ورد به النص.
واستدلوا: بحديث رواه الدارقطني لكن إسناده ضعيف جداً من حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على من خلف الإمام سهو فإذا سهى الإمام فعليه وعلى من خلفه) .
واستدل بعضهم: بأن الصحابة يبعد جداً ألا يقع منهم السهو خلف النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل لنا أن أحداً منهم سجد مع النبي صلى الله عليه وسلم سهو وقع منه.
وأجيب عن هذا: بأن عدم النقل ليس نقلاً للعدم، والصحابة لا يشترط أن يثبت لنا أنهم طبقوا عموماً من العمومات أما إذا خالفوه فنعم، فإن هناك من العلماء من يرى التخصيص بعملهم أو قولهم.


واستدلوا – وهو أصح أدلتهم – بأن الإمام يتابعه المأموم في سجوده وهذه زيادة في الصلاة أوجبنا على المأموم أن يتابع إمامه فيها، كما أن الإمام يتحمل عنه عمده، فإن الإمام إذا قام عن التشهد الأول ساهياً وجب على المأموم أن يتابعه فيقوم عمداً، والنقص مثل ذلك، فإن السجود إنما هو جبر لنقص حدث في الصلاة ترك يبطل الصلاة عمداً، وقد وقع من المأموم سهواً وهناك كذلك، فإن الزيادة في الصلاة مبطلة لها ومن أجل متابعة الإمام وألا يحدث في الصلاة خلاف بين المأمومين وإمامهم – من أجل ذلك أمر الشارع المأموم أن يريد في صلاته هاتين السجدتين لمتابعة الإمام، فهذه زيادة وترك السجود نقص فكان هذا قياساً ظاهراً.
وأما أهل القول الثاني: فاستدلوا بعمومات الأدلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا نسى أحدكم فليسجد سجدتين) فهذا حديث عام في الإمام والمنفرد والمأموم لكن الصحيح ما تقدم من باب القياس الصحيح المذكور فإن الإمام يتحمل عن مأمومه الزيادة في الصلاة " في سجدتين السهو " ومتابعة في تعمد ترك واجب من الواجبات فيقوم عن التشهد متعمداً ليتابع إمامه كل ذلك ليحصل الموافقة بين صلاة المأموم وصلاة إمامه.
فالراجح أنه لا يشرع للمأموم أن يسجد للسهو خلف إمامه إلا تبعاً لإمامه.
وهنا مسائل:
المسألة الأولى: - لعدم ذكرها – وهو أنه إذا سهى المأموم خلف إمامه فيما انفرد به من الصلاة فإنه يجب عليه السجود قولاً واحداً.
المسألة الثانية: وإذا سهى الإمام فيجب على المأموم أن يتابعه في السجود كما تقدم – وحينئذ – فأن كان المأموم مسبوقاً في صلاته وكان الإمام عليه سجود لسهواً قبل السلام أو يعده، فكيف يتابعه؟ هل يجب عليه أن يتابعه عند سجوده أو يجب عليه أن يؤخر ذلك؟
قولان لأهل العلم:


القول الأول: وهو مذهب الحنابلة: أنه يجب عليه أن يسجد مع إمامه، سواء كان سجوده قبل السلام أو بعده فإذا سلم الإمام قام فأتم صلاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا سجد فاسجدوا) فإذا سجد الإمام للسهو وجب على المأمومين عامة أن يسجدوا سواء من كان منهم مسبوقاً أو لم يكن مسبوقاً.
فالمسبوق: أن كان السجود قبل السلام فلا أشكال فإنه يسجد مع الإمام فإذا سلم قام فأتم صلاته وأما إذا كان بعد السلام فإنه لا يسلم مع الإمام، فإذا سلم الإمام وكبر سجد للسهو سجد معه ثم إذا سلم الإمام قام فأتم صلاته ويجزئه ذلك عن السجود.
القول الثاني: وهو مذهب الشافعية والمالكية: إذا كان قبل السلام فإنه يسجد مع الإمام، لحديث: (وإذا سجد فاسجدوا) وهو عموم.
وأما إذا كان بعد السلام فإن المأموم يقوم بعد سلام الإمام من الصلاة ولا يسجد معه سجدتي السهو، ويتم صلاته ويسجدهما بعد السلام.
قالوا: لأن هاتين السجدتين إنما هما مشروعتان خارج الصلاة فتمام المتابعة للإمام أن يفعلا خارجها، فكان المشروع للمسبوق ألا يسجد مع إمامه بل يسجدهما بعد السلام وهذا القول أرجح.
وهناك قول ثالث: بالإطلاق وأنه لا يسجد مع الإمام مطلقاً سواء كان السجود قبل السلام أو بعده وهو قول الأوزعي بل يسجد بعد إتمام صلاته سواء كان بعد السلام أو قبله.
والراجح مذهب أهل القول الثاني: وأنه يسجد معه أن سجد قبل السلام لعموم قوله: (وإذا سجد فاسجدوا) وكونه ينتظر ولا يسجد معه مفارقة للإمام والواجب أن يتابعه، أما بعد السلام فإنه يتم صلاته ولا يتابع الإمام في سجدتي السهو ثم يسجدهما بعد سلامه وهذه هي المتابعة فأن السجدتين إنما شرعاً بعد السلام فلا يشرع للمأموم أن يتابع إمامه فييفعلهما في صلب صلاته.


وإذا قلنا بالمذهب: فهنا مسألة متفرعة وهي: ما إذا كان على الإمام سجدتين للسهو فقام المأموم قبل أن يشرع في القراءة أن يسجدهما ساهياً، فينظر أن انتصب قائماً لم يجز له الرجوع، وأن لم ينتصب قائماً فيجب عليه الرجوع.
هذا على المذهب المرجوح، وألا فالراجح أن المأموم لا يتابع إمامه في هذا الموضع وسجدتي السهو واجبتان فكان حكمهما كحكم من قام عن التشهد، فإنه إذا شرع في القيام فقد شرع في ركن فلا يجوز له أن يدعه إلى الواجب فيعود بل ينتصب قائماً ثم يسجد بعد ذلك.
- المسألة الثالثة: إذا سهى الإمام في صلاته ولم يسجد فهل يسجد المأموم أم لا؟
قولان لأهل العلم:
أ – قال جمهور أهل العلم: يجب على المأموم أن يسجد لأن الصلاة قد وقع فيها نقص من جهة الإمام فيلحق هذا النقص المأمومين، ويجبر ذلك بالسجود ولم يحدث ذلك من الإمام فكانت الصلاة فيها نقص من جهة المأمومين فوجب عليهم السجود.
ب- القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد: أنه لا يسجدون لأن سجود المأموم تبع لسجود إمامه، فالأصل أنه لا يشرع للمأموم أن يسجد هاتين السجدتين، إنما يسجدهما تبعاً لسهو إمامه فهو لم يقع فيه سهو بل وقع من الإمام لكنه شرع له تبعاً لإمامه فإذا لم يوجد موجب السجود فإنه لا يسجد له تبعاً لإمامه فإذا لم يوجد فوجب السجود فإنه لا يسجد وموجبة هو وقوع ذلك من الإمام، فحيث لم يقع ذلك من الإمام فإنه لا يشرع له السجود ألا أن يكون السهو منهم فهي مسألة أخرى، أما ما تقدم فالكلام على ما إذا كان السهو واقعاً من الإمام فحسب.
فالراجح أنه إذا لم يسجد لم يشرع للمأمومين السجود لزوال الموجب.
قال: (وسجود السهو لما يبطل عمده واجب)


والأحاديث ظاهرة في وجوب سجود السهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا نسى أحدكم فليسجد سجدتين) وظاهر الأمر الوجوب وهنا ذكرها قاعدة وهي: أن ما يبطل عمده يجب السجود له لكن هذا ليس على إطلاقه، فأن الكلام يبطل الصلاة عمده ومع ذلك فالراجح أنه لا يشرع له السجود فهي قاعدة ليست مطلقة بل حيث ورد الدليل فالأصل عدم السجود ألا أن يرد دليل يدل عليه أو يرد صوره بمعنى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم السجود فيه.
قال: (وتبطل بترك سجود أفضليته قبل السلام فقط)
هنا ثلاث مسائل:
الأولى: أن من ترك السجود الذي أفضليته قبل السلام فالصلاة باطلة فإذا ترك السجود قبل السلام في شك قد استوى طرفاه وهو مستحب له السجود قبل السلام، فإذا ترك السجود فإن الصلاة تبطل، لأنه يكون تاركاً لواجباً من واجباتها وترك الواجب عمداً تبطل الصلاة.
الثانية: إذا ترك سجوداً للسهو مشروعاً بعد السلام فأن الصلاة لا تبطل به – هذا هو المشهور في المذهب – لكنه يكون آثماً لتركه واجب.
قالوا: هو يشبه – حينئذ – ما هو واجب خارج الصلاة، كالإقامة والأذان فأنها من واجبات الصلاة التي هي خارجة عنها، فالسجود بعد السلام هو واجب لكنه خارج عنها فاشبه الإقامة والأذان وقد تقدم أن من ترك الأذان والإقامة مع وجوبهم فأن الصلاة تصح ويكون آثماً لتركه هذا الواجب.
وهناك قول في المذهب اختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي أن الصلاة – تبطل بذلك، لأن السجود متمم للصلاة جابر لها فالصلاة ناقصة دونه، وإنما شرع بعد السلام لا لكونه شبهاً للإقامة والأذان وإنما شرع بعدها لأن الأليق في حقه أن يكون بعدها، فإنه يكون عن زيادة فإذا شرع قبل السلام اجتمع في الصلاة زيادتان، وأما إذا شرع بعده فلا يجتمع في الصلاة زيادتان ومع ذلك فإنه يبقى بلفظ الزيادة ويذهب أثرها.
وهذا القول أرجح، لأنه واجب متصل بالصلاة وأن كان خارجاً عنها، متمم لصلبها فهو منها.


الثالثة: قوله: (أفضليته) هذا المشهور في المذهب حكى ذلك إجماعاً وهو أن السجود في كونه قبل السلام أو بعده أنه وأن كان السجود واجباً فإن كونه قبل السلام أو بعده هذا ليس على الوجوب بل على الاستحباب فمثلاً إذا شك في الصلاة استحب أن يكون سجوده قبل السلام فإن سجد بعده أجزأه ذلك.
وإذا سلم قبل تمام الصلاة استحب له – عندما يتم الصلاة - أن يكون سجوده بعد السلام وأن سجد قبله أجزأه.
وقد تقدم أن الراجح وهو اختيار شيخ الإسلام ورواية عن الإمام أحمد أن النقص يجب أن يكون سجوده قبل السلام: (وهو ظاهر كلام أحمد " وقال الزركشي " وهو ظاهر كلام أبي محمد – يعني الموفق – وأكثر أصحابنا) لكن المصرح به في كتب الحنابلة أن ذلك على الاستحباب.
والراجح وجوبه وهو الذي تقتضيه الأدلة الشرعية لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقد أمر بذلك كما قوله: (فليسجد سجدتين) وهذا أمر وهو للوجوب.
قال: (وأن نسيه وسلم سجد أن قرب زمنه)
إذا نسى السجود سواء كان قبل السلام أو بعده، فإنه يسجد أن قرب زمنه عرفاً، والمشهور في المذهب مادام في المسجد أو في موضعه الذي صلى فيه فإنه في حكم المسجد وهناك رواية عن الإمام أحمد: أنه لا فرق بين المسجد وغيره وإنما العبرة بطول الزمن عرفاً أو قصره.
وعن الإمام أحمد رواية ثالثة اختارها ابن تيميه أنه يسجد وأن بعد الزمن أي لو تذكر سجود السهو بعد أيام فإنه لا يعيد الصلاة بل يسجد سجدتي السهو.
قال شيخ الإسلام: (لأن تحديد ذلك يختلف في عادات الناس وأعرافهم) فليس له حد معروف عندهم، فكوننا نربط الناس به يكون فيه مشقة بل لا يمكنهم معرفة ذلك لأن الناس يختلفون في حده عرفاً أو ليس له حد في أعرافهم.
وقال أيضاً: (وليس لهذا أصل في الشريعة) فليس هناك دليل يدل على التفريق بين طول الزمان وقصره وهذا القول هو الراجح.


وظاهر كلام ابن تيميه: كذلك في المسألة السابقة وهي من ترك شيئاً من الصلاة ناسياً كأن يسلم من ثلاث ركعات فإنه يأتي بها وأن طال الزمن.
وقد استدل شيخ الإسلام بحديث عمران بن حصين المتقدم وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حجرته فأخبر ما في المسجد فأتم الصلاة) – وظاهر ذلك أن هذا طويل عرفاً ولا فرق بين هذه المسألة والتي قبلها وأن كان شيخ الإسلام لم ينص على المسألة التي قبلها لكن في حكم هذه المسألة دليلاً واستدلالاً.
فالراجح: أنه وأن طال الزمن فإنه يأتي بما ترك – وحينئذ – تكون الموالاة الواجبة قد سقطت عند العذر، فعذر النسيان اسقط الموالاة الواجبة في إتمام الصلاة فمن ترك شيئاً واجباً في الصلاة فالواجب أن يكون موالياً للصلاة لكن النسيان عذر اسقط الموالاة وقد دلت الشريعة على اعتباره – كما تقدم – لكون النبي صلى الله عليه وسلم مع فرضية الموالاة يأتي حجرته فيتحر فيأتي فيصلي ركعة، فهنا الموالاة منتفية والعذر موجود.
أما من ترك سجود السهو متعمداً أي ترك الموالاة فيه ففعله متأخراً فالصلاة تبطل به لأن الواجب هو الموالاة وحيث تركها عمداً فتبطل الصلاة.
قال: (ومن سها مراراً كفاه سجدتان)
رجل سهى في الصلاة، مرتين أو أكثر فما الحكم؟
فيه تفصيل:
أما أن كانا – أي السهوان – من جنس واحد، والمراد بذلك أن يشرع لهما سجود أما قبل السلام أو بعده أي هما من نوع واحد أما بالنقص أو زيادة.
فحينئذ: لا خلاف بين أهل العلم أنه يكفيه سجود واحد، فإذا كانا زيادة فيسجد بعد السلام سجدتين وتكفيه عنهما، وكذلك إذا كانا نقصاً فيسجد قبل السلام ويكفيه عنهما، وهذا باتفاق أهل العلم.
وإنما اختلفوا فيما إذا كانا من نوعين: أي أحدهما يشرع له السجود قبل السلام والأخر بعده.


مذهب جمهور أهل العلم أنه يكتفي بسجدتين قبل السلام لأنه هو الأحق بذلك فهو المتقدم ويكون ذلك أي سجوده قبل السلام استحباباً، والراجح وجوبه كما تقدم.
وذهب الأوزعي إلى أنه أن كان السهو من جنس واحد فيكفيهما سجود واحد بعد السلام أو قبله فقد وافق الجمهور وخالفهم فيما إذا كان الأمر على خلاف ذلك وهو ما إذا كان السهوان من جنس مختلف.
واستدل: بما رواه أبو داود وغيره من حديث ثوبان: (لكل سهو سجدتان) لكن تقدم أن الحديث ضعيف. والصحيح ما ذهب إليه الجمهور لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا نسى أحدكم فليسجد سجدتين) وهذا عام فيما إذا كان موضعه قبل السلام أو بعده، وسواء كان ذلك في موضعين أو موضع واحد، سواء كان منه سهوان أو أكثر من ذلك فهو حديث عام.
مسألة: إذا كان السجود بعد السلام فهل يشرع له تشهد أم لا؟
ذهب جمهور أهل العلم إلى أن يشرع له التشهد فإذا كبر للسجدتين – كما في حديث أبى هريرة – وسجد السجدتين وجب عليه التشهد.
واستدلوا: بحديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم: (سها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم) رواه أبو داود والترمذي.
وذهب محمد بن سيرين وهو اختيار ابن تيميه وقال إليه الموفق إلى أنه لا يشرع له التشهد لظاهر حديث ابن مسعود وأبي هريرة الواردين في السجود بعد السلام وليس فيهما ذكر التشهد.
قالوا: وقياساً على سجدة التلاوة فهي سجدة خارج الصلاة كما أن هاتين السجدتين خارج الصلاة، فكما أن سجدة التلاوة لا يشرع لها تشهد فكذلك سجدتا السهو.
وأجابوا عن حديث عمران: بأنه حديث ضعيف شاذ وقد ضعفه ابن المنذر والبيهقي وابن عبد البر وشيخ الإسلام ضعفوه وتفرد اشعث بن عبد الملك الحمراني وهو ثقة وقد تفرد به عن عامة الرواة عن ابن سيرين وهو المحفوظ عنه فلم يذكروا التشهد فتفرد اشعث بذكر التشهد.


والمحفوظ من حديث ابن سيرين عدم ذكر التشهد بدليل أن مذهبه عدم القول بالتشهد ولو كان عنده رواية يقال بها.
فالحديث شاذ لذا قال عنه الترمذي: (حديث غريب) والصواب ما ذهب إليه أهل القول الثاني وأنه لا يشرع التشهد لأن حديث ابن مسعود وحديث أبى هريرة ليس فيه ذكر التشهد مع توفر الهمم والدواعي لذكره، فإنه طويل لو كانا ثابتاً لذكر، فلما لم يذكره مع توفر الهمم والدواعي لنقله فهو لهذا طويل، فدل ذلك على عدم ثبوته ,
وأما حديث عمران فهو حديث شاذ كما تقدم.
والحمد لله رب العالمين.


باب سجود السهو

قوله: [يشرع - سجود السهو- لزيادة ونقص وشك]
إذاً عندنا ثلاثة أحوال: 1- زيادة. 2- وعندنا نقص. 3- وعندنا شك.
زيادة: كأن يصلي الظهر خمسا.
نقصا: كأن يقوم في الركعتين، فلا يجلس للتشهد الأول.
شك: كأن لا يدري هل صلى ثلاثا أم أربعا.
وسيأتي تفاصيلها إن شاء الله.
قوله: [لا في عمد]
إذاً السجود في سهو لا في عمد، أما في ترك واجب أو ركن عمداً، فإن الصلاة تبطل كما تقدم، وهذا باتفاق العلماء، وإن كان القول بأن هناك واجب هذا من مفردات المذهب، فترك الواجب عندهم كترك الركن، فمن ترك واجبا أو ترك ركناً بطلت صلاته إن كان عمداً، ولأنه لم يفعل ما أمره الله به فلم يصل كما أمر الله، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من عمِل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) (1) .
إذاً سجود السهو خاص بالسهو، ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما صحيح مسلم: (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) (2) .
قوله: [في الفرض والنافلة]
يعني يُشرع في الفرض، ويُشرع في النافلة، أما الفرض فظاهر، وأما النفل؛ لأن ما ثبت فرضاً فهو ثابت نفلاً، ولعمومات الأدلة، فقوله: (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) ، هذا عام في الفرض وفي النفل. فإذا سها في سنة الظهر أو سنة الضحى ونحو ذلك، فإنه يسجد للسهو.
__________
(1) أخرجه البخاري في الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، ومسلم في الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة [1718] ، زاد المعاد [5 / 224] .
(2) أخرجه مسلم باب السهو في الصلاة من كتاب المساجد، وابن ماجه باب السهو في الصلاة من كتاب إقامة الصلاة، المغني [2 / 418] .


وهنا فرق بين هذه المسألة والتي قبلها، هناك يصلي فرضاً أو نفلاً، ثم يترك سنة في هذه الصلاة، فنقول: لا يسجد للسهو، لكن هنا يترك ركناً أو واجباً سهواً في صلاة نفل، كأن يترك التسبيح في الركوع أو التسبيح في السجود في سنة الفجر مثلاً، فإنه يسجد؛ لأن ما ثبت فرضاً فهو ثابت نفلاً، ولعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) .
ومن صور السجود في النفل:
لو قام لثالثة في الليل، وصلاة الليل كما قال عليه الصلاة والسلام: (مثنى، مثنى) ، فإذا قام لثالثة سهواً، فإنه يجلس ويسجد سجدتين للسهو؛ لأن صلاة الليل مثنى مثنى، وأما إذا كان في النهار فقام إلى ثالثة، فله أن يُتم أربعاً، وفي صلاة الليل له أن يصلي خمساً أو سبعاً أو تسعاً، لكن ليس له أن يصلي أربعاً. فإذا دخل على أن يصلي مثنى مثنى، فصلى فقام إلى ثالثة، فإنه يجلس ويسجد للسهو، لأن صلاة الليل مثنى مثنى.
قوله: [فمتى زاد فعلاً من جنس الصلاة]
قيَّد الفعل بكونه من جنس الصلاة، فلو كان الفعل من غير جنسها، فإنه يدخل في المسألة السابقة، وهي مسألة الأفعال الكثيرة، أو مسألة الفعل في الصلاة، ما الذي يُبطل الصلاة منه؟ تقدم هذا، وأن الذي يبطله ما كان بحيث من يراه يقول: إنه لا يصلي، لكن هنا الكلام إذا كانت الزيادة من جنس الصلاة، وأما إذا كان الزيادة من غير جنس الصلاة، فننظر، إذا كانت كثيرة، فإنها تبطل الصلاة، وهي التي بحيث إذا رُئي المصلي قيل: إنه لا يصلي، وأما إذا كانت يسيرة، فإنها لا تبطل الصلاة، كما تقدم تقريره، ولذا قيد هنا المسألة بقوله: " من جنس الصلاة ".
قوله: [قياماً]
أي زاد قياما، كأن يقوم إلى ركعة خامسة.
قوله: [أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً عمداً بطلت، وسهواً يسجد له]


قوله هنا " أو قعوداً " أي قعوداً في غير محل القعود، لكن إن كان القعود في محل القعود فإن هذا لا يجب له سجود السهو.
مثاله: جلس في محل التشهد يظن أنه جالسٌ بين السجدتين، فتذكر. هل نأمره بالسجود؟
الجواب: لا نأمره بالسجود، لأن هذا في محله، وليست الزيادة ظاهرة – فليست هناك زيادة -، غاية الأمر أنه تذكَّر أن هذا القعود ليس هو القعود الذي نواه، فكان يظن أنه في قعود للجلسة بين السجدتين، فتبين أنه في قعود للتشهد، فهنا القعود الآن في محل القعود، فقعد في محل قعود، لا في محل قيام.
لكن لو أنه جلس بعد أن رفع من السجدة الثانية في الركعة الأولى، فلما أراد أن يقوم للركعة الثانية جلس وأطال الجلوس، يظن أن هذا هو التشهد الأول، - يظن أنه قد صلى ركعتين، وهو لم يصل إلا ركعة واحدة -، فتذكر فقام، أو نُبِّه، فهل يجب عليه سجود؟
الجواب: نعم، يجب عليه سجود؛ لأنه ليس في محل قعود.
لكن لو كان في محل قعود، فغاية الأمر أن يكون قد نوى غير ما هو واجب عليه، ثم عاد فنواه، فلا يؤثر ذلك. وهذا التقييد في المذهب.
هنا ظاهره أيضاً: أنه ولو كان ذلك بقدر جلسة الاستراحة، فلو أن رجلاً لا يرى جلسة الاستراحة، لما قام من الركعة الأولى جلس بقدر هذه الجلسة، ثم قام، فظاهر كلام المؤلف، وهو المذهب أنه عليه سجود السهو.


والقول الثاني، وذكره صاحب المغني وجهاً في المذهب، واختاره الزركشي من الحنابلة، وهو القول الثاني في المسألة: أنه لا يسجد له. وهذا هو الراجح، وذلك لأن تعمده لا يبطل الصلاة، فلو تعمد رجل هذه الجلسة اليسيرة، فهل نبطل صلاته؟ لا نبطل صلاته، فكذلك إذا سها؛ لأن المسائل السابقة إذا فعلها تعمداً بطلت صلاته، وإذا فعلها سهواً سجد، فهنا هذه الجلسة لو أن رجلاً جلس عجزاً أو تثاقلاً، ثم قام، وهو لا يرى استحبابها، فهل تبطل صلاته؟ الجواب: لا تبطل، حتى في المذهب، فكذلك إذا زادها سهواً. إذاً الراجح أنه لو جلس بقدر هذه الجلسة اليسيرة، ما دام أنها بنحو جلسة الاستراحة، فإنها لا تؤثر.
قوله: [وإن زاد ركعة ولم يعلم حتى فرغ منها سجد]
إن زاد ركعة في الصلاة، كأن يصلي خمسا، فلم يعلم حتى فرغ منها، سجد.
رجل صلى الظهر خمسا، فلما سلّم نُبِّه، فما الواجب عليه؟
أن يسجد سجدتين، لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر خمساً، فقيل له عليه الصلاة والسلام: أزيد في الصلاة؟ قال: (وما ذاك؟) قالوا: إنك صليت خمساً، فقام عليه الصلاة والسلام فسجد سجدتين بعد ما سلّم. إذاً المذهب أنه إذا صلى الظهر خمساً، ثم علم بعد الصلاة أنه قد زاد خامسة، فإنه يسجد للسهو بعد السلام، وتكون حال ضرورة، لأن الواجب عندهم أن يسجد قبل السلام، لكن هنا لم يعلم إلا بعد السلام، فتكون حال ضرورة.
وتحرير مذهب الإمام أحمد في هذه المسألة: أنه يجب سجود السهو قبل السلام إلا ما ورد به النص، وهو في ثلاثة صور.
إذاً الأصل عنده أن السجود قبل السلام، لأن السجود يتمم الصلاة، فكان قبل الصلاة، ولم يستثن إلا ثلاث صور قد وردت بها الأحاديث:
الصورة الأولى: هذه الصورة، وهي أن يزيد في الصلاة، فيعلم بعد السلام، فيسجد بعد السلام، لأنها حال ضرورة.


الصورة الثانية: أن يَنقص من الصلاة ركعة فأكثر، فيسلِّم، ثم بعد أن يسلم الواجب عليه أن يتم صلاته، قالوا: ويسجد للسهو بعد السلام.
يعني إذا صلى الظهر ثلاثا، فسلم أو صلى الظهر اثنتين، فسلم، فهنا نقص ركعة فأكثر، فيجب عليه أن يتم صلاته، ثم يسجد للسهو بعد السلام، لحديث عمران وأبي هريرة، وحديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى إحدى صلاتي العَشيِّ ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد، فقال له رجل يقال له ذو اليدين: يا رسول الله، أنسيت أم قُصرت الصلاة؟ قال: (لم أنس ولم تقصر) ، لما قال له ذلك، علم الرجل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يُوح إليه بوحي جديد يوجب قصر الصلاة، فقال: بلى قد نسيت، وفي القوم أبو بكر وعمر، وقد هابا أن يكلماه، فلما سألهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: صدق ذو اليدين، فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى ما ترك، ثم سلم، ثم سجد سجدتين " إذا كان السجدتان للسهو بعد السلام. إذاً الصورة الثانية أن يُنقص من صلاته ركعة فأكثر، يعني يسلم قبل تمام الصلاة، فيجب عليه أن يتم ثم يسلم، ثم يسجد للسهو بعد السلام.
الصورة الثالثة: أن يشك، فيتحرى.
يعني يكون عنده شك، يقول: ما أدري هل صليت ثلاثاً أم أربعاً، فيتحرى، فيترجح عنده أنه قد صلى أربعاً، فهنا قال: يسجد للسهو بعد السلام، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه، وسيأتي إن شاء الله.
إذاً الإمام أحمد استثنى هذه الصور الثلاث.


وفي هذه المسألة ستة أقوال لأهل العلم أوردها الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في فتح الباري، وأصح هذه الأقوال ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وهو قريب من مذهب مالك: أن الصلاة إن كان فيها نقص، فإن السجود يكون قبل السلام، وإن كان فيها زيادة، فإن السجود يكون بعد السلام، وهنا يوافقه الإمام مالك في هاتين الصورتين، والصورة الثالثة في الشك، فالإمام مالك عنده الشك قبل السلام، وأما شيخ الإسلام فيقول: إن كان الشك عند تحر، فبعد السلام فيوافق مذهب الإمام أحمد في هذا، وإن كان بلا تحر – يعني شك يستوي فيه الطرفان – فإنه يكون قبل السلام. إذاً الإمام مالك ليس عنده القول بالتحري، ويرى السجود قبل السلام. إذاً شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يختار، - وهو أصح الأقوال - أنه إن كانت في الصلاة زيادة، فالسجود بعد السلام؛ لئلا يجتمع في الصلاة زيادتان، لأنه قد زاد، فإذا أوجبنا عليه السجود قبل السلام، كان فيه زيادتان، ولأن المقصود من هاتين السجدتين ترغيم الشيطان، فشُرع ذلك بعد السلام، ليكون إرغاماً للشيطان، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما صلى الظهر خمساً، سجد بعد السلام، ولو كان السجود قبل السلام، لنبه الصحابة، ولقال لهم: إذا صليتم فاسجدوا قبل السلام، وإنما سجدت بعده لأن هذه حال ضرورة، فلما لم ينبههم عليه الصلاة والسلام لهذا عُلم أن هذا هو المشروع، فإن كان نقصاً فإنه يكون قبل السلام، فلو ترك التشهد الأول، فالواجب عليه أن يسجد قبل السلام، لأن السجود إنما يشرع الآن لتتميم الصلاة، وتتميمها إنما يكون قبل الفراغ منها، لأن الصلاة فيها نقص، فيسجد للسهو قبل السلام ليتمم نقصها، فكان جبرانا، فكان المشروع إن كان عن نقص أن يكون قبل السلام، وأما إذا كان مع تحر، فإنه يكون بعد السلام، لأنه قد تحرى، وغلب على ظنه صحة صلاته، وأن الصلاة على هذه الصورة، فكان


سجوده بعد السلام ترغيماً للشيطان، وأما إذا كان بلا تحري، فلأنه يُحتمل أن يكون قد زاد، فيحتمل أن يكون قد صلى خمسا، فتكون هاتان السجدتان تشفعان له صلاته. إذاً الراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وهو قريب من مذهب مالك، وما خالف فيه مذهب مالك، فهو موافق فيه مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى.
وهنا: هل لو سجد قبل السلام لِمَا السجود مشروع بعده، فهل يجزئه؟ وهل إذا سجد بعد السلام لِما السجود مشروع قبله، هل يجزئه ذلك؟ وهل خلاف أهل العلم المتقدم في الإجزاء أم في الأفضلية؟
يعني رجل نقص، فلو سجد بعد السلام هل يجزئه؟ ورجل زاد، فهل لو سجد قبل السلام – هذا على القول الراجح، وكذلك على الأقوال الأخرى –هل يجزئه؟
اختلف أهل العلم في هذا الخلاف:
فمن أهل العلم كابن عبد البر من قال: إن خلاف أهل العلم فيما هو دون الإجزاء، هذا هو معنى كلامهم رحمهم الله تعالى، وأنهم لا يختلفون في أنه لو سجد قبل السلام لِما كان السجود مشروعا له بعده، أجزأه، وكذلك إذا سجد بعد السلام لما كان السجود مشروعا له قبله، فلا بأس، وهذا أيضا مذهب طائفة من أهل العلم.
وذهب طائفة من أصحاب الإمام أحمد، وأصحاب الإمام الشافعي إلى: أن هذا الخلاف ليس في الأفضلية، وإنما في الإجزاء. وهذا هو ما قرره أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأن أصح القولين كما قال رحمه الله في مذهب أحمد وغيره أنه يجب السجود قبل السلام لِما شُرع السجود له قبل، ويجب بعده لما شرع بعده، قال: " وهو أصح القولين في مذهب أحمد وغيره " قال: " وعليه يدل كلام أحمد وغيره من الأئمة ".


إذاً عندنا بين أهل العلم خلاف، والذي يترجح هو القول الثاني، وأن هذا الخلاف في الإجزاء، وعلى ذلك فلو سجد قبل السلام لما يجب السجود فيه بعده، لم يجزه، وكذلك العكس، وهذا هو القول الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى لورود السنة في ذلك، والسنة متنوعة على حسب ما تقدم تقريره، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ، وقال في بعض الأحاديث: (فليسجد سجدتين بعدما يسلم) ، إلى غير ذلك، وهذا القول هو القول الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، وهو أحد القولين في مذهب الإمام أحمد وغيره.
قوله: [وإن زاد ركعة فلم يعلم حتى فرغ منها سجد، وإن علم فيها جلس في الحال]
إن علم بالزيادة فيها – أي في الركعة – فإنه يجلس في الحال.
رجل وهو قائم في الخامسة، علم أنه في زيادة، فالواجب عليه أن يجلس في الحال، ولو استمر لبطلت صلاته؛ لأنه يكون قد زاد أفعالاً عمداً.
قوله: [فيتشهد إن لم يكن تشهد]
إذا لم يكن تشهد، نقول: تشهد.
هل يُحتمل أن يكون قد تشهد؟
يحتمل، فقد يجلس في التشهد الأخير، ويظن أنه في التشهد الأول، فيتشهد ثم يقوم يظن أن هذا هو التشهد الأول، فإذا لم يكن تشهد، نقول: تشهد.
قوله: [وسجد وسلَّم]
وتقدم أن الراجح هنا: أنها لما كانت زيادة، فالواجب عليه أن يكون السجود بعد السلام. والله أعلم. انتهى الدرس الأول من باب سجود السهو في ليلة الاثنين التاسع من شهر رجب لعام 1420 للهجرة.
قوله: [وإن سبَّح به ثقتان فأصر ولم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته]
إن سبح به ثقتان لا فاسقان؛ لأن الفاسق لا يقبل خبره.
فإن سبح به ثقتان ولو امرأتان فكذلك؛ لأن هذا خبر ديني فلا فرق فيه بين الذكر والأنثى.


إذاً لو سبح به ثقة فلا يرجع إلى قوله، وإنما يرجع إذا سبح به ثقتان أو أكثر، خلافا لما ذهب إليه إسحاق وأبو حنيفة من أنه يرجع إلى تسبيح الثقة. إذاً المذهب وهو مذهب الجمهور أن الإمام إنما يرجع بتسبيح ثقتين،لا بتسبيح ثقة. وهذا هو الراجح، ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرجع إلى قول ذي اليدين حتى سأل القوم وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وهذا الحديث المشهور وهو حديث ذو اليدين الثابت في الصحيحين وهو: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى إحدى صلاتي العشي ركعتين، ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، فقام رجل يقال له ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أنسيت أم قُصرت الصلاة؟ فقال: (لم أنس ولم تُقصر!) فقال ذو اليدين: بلى قد نسيت، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، فلما قال له ذو اليدين ما قال، قالوا: بلى يا رسول الله، - أي لقول ذو اليدين – فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى ركعتين، ثم سلم ثم سجد سجدتين بعدما سلَّم) ، واحتج الحافظ ابن حجر بهذا الحديث على ما يقرره أهل العلم من أهل الحديث في باب العلل من رد تفرد الثقة عن الثقات، وأنه لا يُقبل ما تفرد به الثقة عن الثقات، قال: " لاسيما إذا كان مجلس سماعهم واحدا "، فهنا الأصل قبول خبر الواحد، لأنه خبر ديني، كما يُقبل الحديث الذي يتفرد به الراوي، لكن لما تفرد أحد المأمومين عن سائر المأمومين كان ذلك مظنة الخطأ والريبة في خبره، ومن ثم لم يقبل الواحد حتى يعضده خبر ثان.
هنا إن سبح به ثقتان:
فقد يكون يترجح عنده خطؤه.
وقد يترجح عنده صوابه.
وقد يتيقن أنه على صواب.
إذاً هذا الإمام الذي سبح به ثقتان:
إما أن يترجح عنده خطؤه، فهنا يجب عليه أن يرجع إلى خبر الاثنين.
الحال الثانية: أن يترجح عنده صوابه، فهنا كذلك يجب عليه أن يرجع، لأن ظن الاثنين أقوى من ظن الواحد.


لكن هنا استثنى المؤلف الصورة الثالثة: وهي ما إذا تيقن صواب نفسه يعني إذا كان يتيقن أنه على صواب، وخبرهما غايته الظن، وهو ظن غالب، ولكن لا يصل إلى اليقين، وعلى ذلك فلا يرجع إلى قولهما لأن قولهما ظن، وما يحصل في نفسه يقين.
إذاً إن لم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته، لكن إن جزم بصواب نفسه، فإن صلاته لا تبطل، بل لا يجوز له أن يرجع إلى قولهما وهو يرى أنه على صواب.
قوله: [بطلت صلاته]
إن لم يرجع هذا الإمام الذي قام خامسة يظنها رابعة، فسبح به ثقتان، ولم يعتقد صواب نفسه، فهنا إن لم يرجع فصلاته باطلة، لأنه واجب عليه الرجوع، فإذا ترك هذا الواجب عمدا فصلاته باطلة.
قوله: [وصلاة من تبعه عالما لا جاهلا أو ناسيا]
عالما: بحيث يعلم أن الإمام زاد خامسة، ويعلم أن الواجب على المأموم ألا يتابع الإمام إذا زاد خامسة، فإذا قام وهو يعلم أن ذلك لا يجوز، فإن صلاته أيضا تبطل، لأنها زيادة في الصلاة متعمدة.
قال " لا جاهلا أو ناسيا ": إذا قام جاهلا، يظن أن عليه أن يتابع الإمام إذا زاد. أو ناسيا: قد حصل له من السهو ما حصل لإمامه، فهنا صلاته صحيحة. إذاً إذا تابعه ناسيا ساهيا أو تابعه جاهلا، فإن صلاته صحيحة. والذين تابعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما زاد خامسة في حديث ابن مسعود الذي تقدم، منهم من هو جاهل بالحكم، ومنهم من هو ناس، فلم يبطل النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاتهم.
هل للمسبوق أن يتابع الإمام إذا زاد خامسة؟
الجواب: ليس له أن يتابعه، بل يفارق؛ لأنها زيادة لاغية.
فإن تابعه ساهياً أو جاهلاً، فهل يعتد بهذه الركعة؟
- المذهب: أنه لا يُعتدُّ بهذه الركعة؛ لأنها زائدة لاغية في حق الإمام، فكذلك في حق المأموم.


- والقول الثاني، وهو الراجح، وهو قول في المذهب، واختاره الموفق ابن قدامة: أنه يعتد بهذه الركعة؛ وذلك لأنه لم يعتقدها زائدة، فهذا المأموم تابع الإمام على اعتقاده، فكما لو صلى الإمام وهو لم ينو إقامة الصلاة، فلو أن إماماً صلى وهو لم ينو، كأن يكون محدثا، لكن صلى بالناس، فصلاته باطلة، لكن المأمومين – كما تقدم، وكما سيأتي في الكلام على الإمامة - صلاتهم صحيحة، فكذلك هنا. إذاً الراجح أن المسبوق إذا تابعه ناسياً أو جاهلاً، فإنه يعتد بهذه الركعة؛ لأنها وإن كانت زائدة لاغية في حق الإمام، لكنه قد تابعه على وجه يُعذر فيه، فاعتد بهذه الركعة.
قوله: [وعمل مستكثر عادة من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه]
تقدم هذا، وأن الفعل الكثير يبطل الصلاة، عمده وسهوه. والراجح أن سهوه لا يبطل الصلاة، وذلك لما تقدم في غير ما مسألة من أن باب المنهيات إن فُعل على جهة النسيان، فإن العبد يكون معذوراً لا يؤاخذ وتكون العبادة صحيحة، وهنا الرجل عمل أعمالا كثيرة، لكن على جهة النسيان والسهو، فتحرَّك مثلا حركات كثيرة على جهة السهو، وعلى ذلك فيكون معذورا، وعليه فالصلاة صحيحة، لأن باب المنهيات كما تقدم، لا تُعاد العبادة عند النسيان والجهل، كما تقدم تقريره من الفرق بين باب المنهيات وباب المأمورات.
قوله: [ولا يشرع ليسيره سجود]
رجل الباب بجواره، فطرق الباب طارق، ففتح الباب، أو تحرك بحركات يسيرة لا تبطل الصلاة، قال هنا: لا يشرع له سجود السهو؛ لعدم وروده عن النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى ذلك فلا يشرع له أن يسجد للفعل اليسير الذي لا يبطل الصلاة. إذاً مراده بالفعل اليسير هو الذي لا يبطل الصلاة، قال: فلا يشرع له سجود، وهو كما قال.
قوله: [ولا تبطل بيسير أكل وشرب سهواً أو جهلاً، ولا نفل بيسير شرب عمداً]


قال: لا تبطل الصلاة بيسير أكل، فقال " بيسير "، وهذا القيد يُخرج الكثير.
لِمَ قيَّد هنا باليسير؟
لأن الأكل الكثير عملٌ كثير، والعمل الكثير في المذهب يستوي فيه السهو والخطأ، فإذا أكل كثيرا سهوا، فالصلاة تبطل.
والراجح وهو رواية عن أحمد: أنه لا فرق بين يسير ولا كثير، فكما أن الكثير في الفعل لا يبطل الصلاة سهوا، فإن الأكل الكثير سهوا لا يبطل الصلاة.
إذاً قوله " بيسير " احتراز من الكثير، فهي فرع عن المسألة، وقد تقدم أن الفعل الكثير يُعذر فيه المكلف بالنسيان، وتُصحَّح عبادته بالسهو، فكذلك الأكل الكثير.
أما لو أكل يسيرا أو كثيرا عمدا، فإن صلاته تبطل بالإجماع؛ لمنافاة ذلك للصلاة، فإن الأكل والشرب ينافي الصلاة، وعلى ذلك فتبطل به الصلاة، وهذا بإجماع العلماء.
وهنا إذا وضع طعاما في فيه، فلا يخلو من حالين:
إما أن لا يمضغه، فهنا لا تبطل الصلاة مع الكراهية، فهذا لا يُعدُّ آكلاً، ولو وضع عِلْكاً في فيه لكنه لم يمضغه، فإن صلاته لا تبطل بذلك.
فإن كان الطعام وضعه في فيه بحيث يتحلل، كما لو وضع سُكَّراً أو نحو ذلك في فيه، فيتحلل هذا السكر، فيدخل جوفه، فإن هذا يُعدُّ آكلاً، وعلى ذلك: فتبطل صلاته.
وأما ما يكون في الأسنان، كأن يطعم ثم يُكبِّر للصلاة، وهناك شيء من الطعام بين أسنانه، فهنا إن كان يجري مع الريق فيدخل الجوف، فإنه لا يبطل الصلاة؛ لأن هذا يشق التحرز منه، وأما إن كان هذا الطعام الذي يكون بين الأسنان يحتاج إلى دفع، يعني لا يجري مع الريق، بل يدفعه ثم يدخله إلى جوفه، ففيه قولان:
والمذهب: أنه يبطل الصلاة. وهذا هو الأظهر؛ لأن هذا أكلٌ، فإذا أخرج ما بين أسنانه ثم ابتلعه، يعني دفعه بريقه حتى دخل جوفه، ففيه قولان لأهل العلم، أظهرهما أنه يبطل الصلاة.
إن أكل يسيرا على سبيل الجهل أو النسيان، فإن صلاته لا تبطل.
قوله: [ونفلٌ بيسير شرب عمدا]


فلو كان يصلى النفل، فشرب عمدا شربا يسيرا، واليسير هنا يرجع إلى العرف، فإن صلاته لا تبطل إن كانت نفلا. وقوله " شرب " يعني سواء كان ماء أو لبنا مما هو شرب ولا يحتاج إلى مضغ.
وأما الأكل اليسير فإنه يبطل النافلة؛ لأن الأكل يحتاج إلى تحريك فم.
إذاً المذهب أنه إن شرب يسيرا في العرف، فإن صلاته لا تبطل إن كانت نفلا لا فرضا، إذاً الفرض لا فرق فيه بين الأكل والشرب، فكلاهما يبطل الصلاة، وأما النفل فقالوا: إن الأكل يبطل الصلاة، وأما الشرب فلا يبطل الصلاة إن كان يسيرا؛ قالوا: لأن النفل يُتسامح فيه ما لا يتسامح في الفرض، ولأن هذا مما يقويه على إطالة التطوع، فبعض الناس يصلي الليل ويطيل، فيحتاج إلى أن يشرب شيئا من الماء، قالوا: فلا بأس بذلك، وذكروا ذلك عن ابن الزبير رضي الله عنه، ولم يعزوه، ولم أقف على هذا الأثر.
وقال جمهور العلماء: بل الصلاة تبطل، قال الموفق: " وهو الصحيح في المذهب " إذاً هو أحد القولين في مذهب الإمام أحمد، وهو الصحيح في المذهب عند الموفق، وهو مذهب الجمهور، أن ذلك يبطل الصلاة؛ لأن ما ثبت فرضا فهو ثابت نفلا. وهذا هو القول الأرجح في هذه المسألة، وقد يُتردَّد حيث كانت الصلاة طويلة كقيام الليل، فقد يقال بما ذهب إليه الحنابلة تسامحا وترغيبا في التطوع، لاسيما لمن يحتاج إلى الشرب، فإن بعض الناس قد لا يصبر، كأن يكون مريضا ويحتاج إلى تكرار الشرب. والله أعلم.
قوله: [وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه، كقراءة في سجود وقعود، وتشهد في قيام وقراءة سورة في الأخيرتين]
قرأ مثلا الفاتحة في السجود أو الركوع.
" وقعود ": قرأ القرآن مثلا في القعود.
" وقراءة سورة في الأخيرتين " وهذا على القول بأنه لا يشرع، وتقدم أنه يستحب أحيانا.


هنا إذا أتى بقول مشروع في الصلاة، لكنه في غير موضعه، كأن يقرأ القرآن في غير القيام، أو أن يتشهد في غير الجلوس في الركعتين، والجلوس في آخر الصلاة، وكأن يسبح في القيام والرفع في من الركوع أو يحمد الله في ركوعه أو سجوده أو غير ذلك، فهنا أتى بقول مشروع في غير موضعه، فلا تبطل الصلاة به.
قوله: [ولم يجب له سجود بل يُشرع]
فالصلاة لا تبطل، لأن الأصل أن الصلاة صحيحة، ولا دليل يدل على بطلانها، لكن هل عليه سجود سهو أم لا؟
قال هنا " ولم يجب له سجود، بل يشرع "، يعني لا يجب أن يسجد، لكن يستحب له السجود.
وعن الإمام أحمد: أنه لا يستحب، يعني لا يشرع أيضا. وهذا هو الراجح؛ لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن أحاديث سجود السهو، ليس فيها السجود عن قراءة أو ذكر في غير موضعهما – ليس ذلك في سجدات النبي عليه الصلاة والسلام -، فليس بمنصوص عليه، وليس بمعنى المنصوص – يعني ولا مُلحقاً بالمنصوص عليه -.
إذاً المذهب لا يجب السجود، لكنه يشرع، إذاً جعلوها كالمسألة السابقة فيما لو ترك بعض المستحبات، فلو ترك مستحبا من المستحبات فإنه لا يجب السجود، لكن يشرع، وتقدم أن الراجح أنه لا يشرع. إذاً لا يشرع له سجود سهو، فالسجود إنما ورد بالأفعال، ولم يرد في باب الأقوال، يعني في باب الزيادة.
قوله: [ولم سلَّم قبل إتمامها عمدا بطلت]
إن سلم قبل إتمام الصلاة عمدا، بطلت، وهذا باتفاق العلماء، وهذا واضح، كما لو تكلَّم عمدا، فهنا قد تحلَّل من صلاته حيث لم يؤمر، وصلى صلاة على غير هدي النبي عليه الصلاة والسلام، وكل ما كان على غير هديه وأمره، فهو رد.
قوله: [وإن كان سهواً ثم ذكر قريبا أتمها وسجد]


سلَّم في الظهر عن ركعتين أو ثلاث، سهوا، فهنا أتمها وسجد، كما تقدم في حديث ذي اليدين. إذاً إن سها فسلَّم قبل إتمامها، فإن الواجب عليه أن يتم الصلاة وأن يسجد بعد السلام كما تقدم.
لكن قال هنا " ثم ذكر قريبا " يعني قريبا في العرف، فلو أن الإمام سلَّم في صلاة العشاء مثلا عن ركعتين، ثم إنه جلس يذكر الله، وكلّمه بعض الناس ببعض الشيء، ثم قال له اثنان من المصلين: إنك قد سلمت عن ركعتين، ولم يتيقن صواب نفسه، هل هذا قريب في العرف؟ هذا قريب في العرف، وعلى ذلك: يصلي ركعتين ثم يسجد سجدتين ثم يسلم، فإن خرج إلى بيته، وتذاكروا بعد خروجه، أو أخبروه لما حضر إلى الصلاة الأخرى، فالواجب عليهم هنا الإعادة؛ لأنهم لم يذكروا قريبا – في العرف – يعني بعد ساعة أو ساعتين أو ثلاث ساعات، فإن هذا بعيد في العرف. هذا هو مذهب جمهور العلماء. إذاً جمهور العلماء قالوا: إن ذكرها قريبا، فإنه يتمها ويسجد، وإن لم يذكر قريبا، فإنه يعيد.


وذهب طائفة من السلف، وهو قول الأوزاعي ومكحول، وهو منقول عن الإمام أحمد رحمه الله، يعني نُقل عن الإمام أحمد ما يدل عليه، كما قال ذلك ابن رجب، قالوا: إنه يتمها ولو طال الفاصل عرفا، فلو صلوا العشاء مثلا ثلاث ركعات، فلما أتوا الفجر، نبههم بعض المصلين، فإنهم يتمونها، ولا تجب عليهم الإعادة. وهذا هو ظاهر حديث عمران في صحيح مسلم، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سلَّم في ثلاث ركعات من العصر، ثم قام فدخل الحُجرة، فقام إليه رجلٌ بسيط اليدين، فقال: يا رسول الله أقصرت الصلاة؟ فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مُغضَباً، فصلى الركعة التي كان ترك، ثم سجد سجدتين، ثم سلَّم " فهنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج من المسجد ودخل حجرته، ثم قام إليه هذا الرجل، وفي الغالب يكون في ذلك تأخر، لما عُلم من الصحابة من هيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وترددهم لعل الصلاة تكون قد قُصرت، ثم خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حجرته وأتم صلاته ولم يستأنفها عليه الصلاة والسلام. وهذا القول هو الأقرب. وجمهور العلماء على أنه إن كان ذلك قصيرا في العرف، فإنه يبني وإلا فإنه يستأنف.
فإن دخل في صلاة، كأن يصلى ثلاث ركعات، ثم وهو يتنفل تذكر أنه صلى ثلاث ركعات، أو علم الإمام فنبه المأمومين، فقاموا ليصلوا: فيُبطل الصلاة الذي هو فيها ويقطعها؛ لأنه ما زال في الصلاة الأولى، فيقطع الصلاة التي هو فيها، ثم يتم صلاته التي لم يتمها. إذاً: إذا شرع في صلاة، فإنه يقطعها ويتم الصلاة التي قد نسي منها.
قوله: [فإن طال الفصل – عرفا بطلت – أو تكلم لغير مصلحتها بطلت]
الإمام بعد أن سلَّم من ثلاث ركعات، قال: يا فلان أطفئ الميكرفون، فهذا لغير مصلحتها، ثم قالوا له: إنك لم تصل إلا ثلاث، وثبت له ذلك، فأراد أن يقوم ليصلي؟
نقول: لا، عليك أن تستأنف؛ لأنه تكلم لغير مصلحتها.


والراجح خلاف هذا، كما سيأتي في باب الكلام، وأن من تكلم سهوا فإن صلاته لا تبطل، وكذلك هنا، ولذا قال المؤلف:
[ككلامه في صلبها]
لو أن رجلا سها في الصلاة، فمر عليه أحد أولاده، فناداه سهوا، أو قال يا فلان سهوا، فهنا الكلام ليس لمصلحة الصلاة. فيبطلها في المذهب. والراجح أنه لا يبطلها كما سيأتي، فكذلك هنا، فلو قال: أطفئ الميكروفون، أو افعل أو لا تفعل، فإن الصلاة لا تبطل؛ لأن ذلك على سبيل السهو، لكن إن علم، فهل له أن يتكلم بعد، علم أن في الصلاة نقص، فتكلم عالما، فالصلاة تبطل؛ لأنه لما سلَّم قبل، ما زال في الصلاة حتى يتمها. إذاً الكلام هنا لغير مصلحتها سهوا، لكن لو تكلم على سبيل العمد، فإن الصلاة تبطل بذلك، وهذا واضح.
إذا تذكر الإمام أنه لم يصل الرابعة؟
– فالمذهب: أنه يجب أن يقعد ثم يقوم فيتم الرابعة؛ لأن الواجب عليه أن ينتقل من الركن إلى الركن، فإن هذا الرجل سلم من ثلاث، فالواجب عليه إذا أراد أن يتم الرابعة أن يقعد، ثم يقوم، ليأتي بالانتقال إلى الرابعة.
– والقول الثاني في المسألة، واختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: أنه لا يجب ذلك، ولا يشرع، بل يتمها عن قيام، يعني إذا كان قائما، فإنه يتمها عن قيام، لأن هذا الانتقال ليس مقصودا لذاته، ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث عمران وحديث أبي هريرة لم يثبت أنه قعد ثم قام، ولو كان ذلك ثابتا لنقل لنا.
قوله: [ككلامه في صلبها]


الكلام السابق ليس في صلبها، فإنه قد سلم، ثم نُبِّه فتنبه، لكن إذا تكلم في صلبها، فإن الكلام في الجملة يبطل الصلاة، على خلافٍ في التفاصيل. ويدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: " كنا نتكلم في الصلاة، يكلم أحدنا صاحبه عن جنبه، حتى نزلت {وقوموا لله قانتين} فأُمرنا بالسكوت ونُهينا عن الكلام " متفق عليه، وقوله " ونهينا عن الكلام " تفرد بهذه الزيادة مسلم، وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة نسلِّم عليه فيرد علينا، فلما أتينا من الحبشة سلمنا عليه، فلم يردَّ علينا، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن في الصلاة لشغلا) ، وقال كما في صحيح مسلم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) ، فالكلام مبطل للصلاة في الجملة باتفاق العلماء، لكن الخلاف في تفاصيل ذلك. والمذهب - كما قال المؤلف هنا " ككلامه في صلبها " -: أن الكلام مطلقا يبطل الصلاة، مطلقا يعني سواء كان سهوا أو عمدا، سواء كان عالما أو جاهلا، سواء كان كلامه واجبا أم لم يكن واجبا. واجبا: كما لو كان لانقاذ من يُخشى عليه الهلكة، أو لم يكن ذلك، سواء كان مكرها أم لم يكن مكرها، قالوا: فإن الصلاة تبطل بذلك. هذا هو المشهور في المذهب.


والراجح في هذه المسألة، وهو مذهب الشافعية: أن من تكلم جاهلاً أو ساهياً أو مكرهاً أو لانقاذ من يخشى هلكته – يعني كان كلامه واجباً -، فإن الصلاة لا تبطل، ويدل على هذا حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه، فإنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي إذ عطس رجل من القوم، فقال: الحمد لله، فقلت: يرحمك الله؛ لأنه كان حديث عهد بالإسلام، قال: فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: وا ثُكْل أُمِّياه، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ قال: فجعلوا يضربون على أفخاذهم، فعلمتُ أنهم يصمِّتونني، لكني سكتُّ " يعني كدتُ أن أتكلم وأن أقابلهم بشيء من الكلام لكني سكت، قال: " فلما سلَّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فبأبي وأمي، ما رأيت معلِّماً قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، والله ما كَهَرَني – أي ما قهرني - ولا شتمني ولا ضربني، ولكن قال: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) ، قالوا: فهذا يدل على أن الجاهل لا تبطل صلاته إن تكلم، قالوا: والجاهل هو الذي يكون حديث عهد بإسلام أو نحوه، كالذي يكون في بادية، كبعض الأعراب، وأما إن لم يكن كذلك، فصلاته تبطل لتقصيره في التَّعلُّم. إذاً يُعذر بالجهل حيث لم يكن مفرِّطا في التعلم.
قالوا: وإن كان يتكلم، وهو يعلم أن الكلام حرام، لكنه يخفى عليه أنه يُبطل الصلاة، فإنه صلاته تبطل، كما لو زنى وهو لا يعلم حدَّ الزنا، فإنه يقام عليه الحد.
وأما النسيان والسهو، قالوا: فالأحاديث المتقدمة، لما سلَّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تكلم مع أصحابه، وكان ذلك سهوا، فلم يُبْطِل الصلاة.


قالوا: ويقاس عليه المُكرَه، إذاً يقاس الناسي على الجاهل، ويقاس المكره على الجاهل. ويقاس أيضا من تكلم كلاما واجبا، كأن يكون هناك رجل أعمى يريد أن يسقط في بئر أو طفل يريد أن يمس الكهرب، فينادي هذا المصلي أمَّ هذا الطفل لتحمله، فهنا هذا الكلام لانقاذ من تُخشى هلكته، قالوا: والكلام هنا واجب، والمتكلم هنا معذور، فيكون ككلام الجاهل والناسي. وهذا القول هو الراجح في هذه المسألة. فالراجح ما ذهب إليه الشافعية في هذه المسائل، وأن كلام الجاهل والناسي والمكره وكلام من لابد له من الكلام لانقاذ من تُخشى هلكته، فلا يكفي التنبيه والتسبيح، بل لابد من الكلام، فتكلم، فلا حرج عليه.
قوله: [وإن كان لمصلحتها إن كان يسيراً لم تبطل]
هذا إذا كان الكلام في غير صلبها، وأما إذا كان في صلبها، فإن الصلاة تبطل، في المذهب. يعني الكلام هنا راجع إلى المسألة السابقة، يقولون: إذا تكلَّم لمصلحتها يسيرا لم تبطل، وإن تكلم لمصلحتها كثيرا بطلت، هذا فيمن سلَّم يظن أن الصلاة قد تمت.
قوله: [وقهقهة ككلام]
القهقهة: هي الضِّحكة التي يكون معها صوت، فهذه تبطل الصلاة، وفي الدارقطني عن جابر مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (القهقهة تنقض الصلاة، ولا تَنْقُض الوضوء) ، ولا يصح مرفوعا، بل الصواب وقفه على جابر، ولا يُعلم لجابر مخالف، وهذا هو مذهب عامة العلماء، وأن القهقهة تبطل الصلاة.
* لكن إن غلبه ذلك، ولم يكن ذلك عن اختيار، فهل تبطل الصلاة أم لا تبطل؟
الذي يترجح أنها لا تبطل، كما لو سبقه الكلام، حتى في المذهب.


رجل وهو يقرأ القرآن في رمضان، ردوا عليه، فالذي اعتاد على التسميع، قد يتكلم، فيقول: لا، أو: نعم، فهذه كلمة، لكنها سبق لسان، غلبت عليه، فهنا لا تبطل الصلاة حتى في المذهب، لأن هذا يشق التحرز منه كبعض الناس يمشي طفل أمامه فيريد أن يسقط، فيقول: لا، أو نحو ذلك، فتخرج على غلبة لا عن اختيار، فهذه لا تبطل حتى في المذهب، فكذلك أيضا في القهقهة.
وأما التبسم، فإنه لا يبطل الصلاة عند عامة العلماء، وليس هناك ما يدل على الإبطال.
قوله [وإن نفخ – قال: أُف في الصلاة – أو انتحب – يعني رفع صوته بالبكاء – من غير خشية الله تعالى]
يعني لم يكن ذلك من خشية الله تعالى، فإذا انتحب من غير خشية الله تعالى أو قال: أُف، من غير خشية الله.
قوله: [أو تنحنح من غير حاجة فبان حرفان بطلت]
فإن قال: أُف، بان الآن حرفان، أو تنحنح، بان أيضا حرفان، هما الهمزة والحاء، أو انتحب، يعني بكى، فخرج شيء من الصوت، وكان ذلك حرفين، فإن الصلاة تبطل. وهذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد.


والقول الثاني في المسألة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وإحدى الروايتين عن الإمام مالك، بل هو ظاهر مذهب مالك، كما قال شيخ الإسلام، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: إن ذلك لا يبطل الصلاة؛ لأن هذا ليس بكلام، فإن كلمة أف، أو التنحنح أو نحو ذلك، ليس بكلام في لغة العرب، وإنما هو بالطبع دال على المعنى، يعني بالطبع يدل على المعنى لا بالوضع، ولذا تجد أن اللغات تتفق عليه، فكل البشر يتفقون على النحنحة والتأفيف، كالبكاء يدل على التحسر، وكالضحك يدل على الاستبشار، فكذلك هذه الأصوات، فهي ليست كلاماً بالوضع، وإنما هي كلام بالطبع، وعلى ذلك يكون لها حكم الحركات، ومعلوم أن الحركات اليسيرة لا تبطل الصلاة، وقد روى أبو داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في سجوده في صلاة الكسوف: أف، أف، وإن كان هذا من خشية الله، والحنابلة لا يربطون بذلك، لكن الحجة والعمدة على ما تقدم تقريره، ولذا فإنهم يقولون: " أو تنحنح من غير حاجة "، نقول: لو قال رجل " لا " عمدا لحاجة، فهل تبطلون صلاته؟
صلاته تبطل في المذهب، وإذا تنحنح لحاجة، قالوا: لا تبطل صلاته، فإذا كان كلاما، فلا ينبغي التفريق بينهما، ما دام أن كليهما كلام فلا يصح التفريق بينهما، فهذا التفريق يدل على ترجيح القول السابق. إذاً الراجح أن النحنحة أو التأوُّه، وهو قول: آه، بالمد أو الأنين وهو بالهمزة والهاء يعني بالقصر " أه " يعني يئنُّ، فإن هذا ليس بمبطل للصلاة كما تقدم تقريره. والله أعلم. انتهى الدرس الثاني في ليلة الاثنين السادس عشر من رجب لعام 1420 للهجرة.
فصل

قوله: [ومن ترك ركنا فذكره بعد شروعه في قراءة أخرى بطلت التي تركه منها، وقبله يعود وجوبا فيأتي به وبما بعده]


هذه المسألة فيمن ترك ركنا من أركان الصلاة، ويستثنى من ذلك تكبيرة الإحرام، لأن تكبيرة الإحرام لا تنعقد الصلاة إلا بها، فمن نسي تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته.
فإذا نسي ركنا سوى التكبيرة، كركوع أو سجود أو قيام أو غير ذلك من أركان الصلاة، فإما أن يذكر ذلك بعد أن يشرع في قراءة الفاتحة من الركعة الثانية، وإما أن يذكر ذلك قبلُ:
مثال للصورة الثانية: لو أنه ترك السجود الثاني، يعني سجد سجدة ثم قام ولم يجلس للفصل بين السجدتين، ولم يسجد السجدة الثانية، فتذكر قبل أن ينتصب قائما أو تذكر بعد أن انتصب قائما ولم يشرع في قراءة الفاتحة فما الحكم؟ هذه الصورة الثانية، فهذه الصورة أجمع أهل العلم، كما حكى الإجماع المجد ابن تيمية رحمه الله تعالى، وقال الموفق: " ولا أعلم في هذه المسألة مخالفا "، على أنه يرجع إلى الركن الذي تركه، فيأتي به. فقبل أن يستتم قائما تذكر أنه إنما سجد سجدة واحدة، فنقول له: ارجع فاجلس للفصل بين السجدتين، ثم اسجد السجدة الثانية، وكذلك إذا تذكره وقد انتصب قائما قبل أن يشرع في الفاتحة، فنقول أيضا: ارجع، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم. لو ترك مثلا الركوع، وهو منتصب قائما حصل له سهو، فسجد ولم يركع، فتذكر أنه لم يركع وهو ساجد، نقول له: ارجع فاركع، ثم اعتدل قائما، وإذا تذكره وهو في الجلسة بين السجدتين، نقول له: ارجع فاركع. إذاً الواجب عليه أن يرجع ما لم يشرع في الفاتحة، هذا بالإجماع.
فإن شرع فما الحكم؟


قال الحنابلة: إن شرع لغت التي قبل، وقامت التي بعدُ مكانها، فتلغى الركعة وتقوم الأخرى مكانها. لمّا شرع في فاتحة الكتاب تذكَّر أنه ترك سجدة أو ركوعا في الركعة التي قبل، فنقول له: تقوم الركعة الثانية مقام الركعة الأولى، ولو تذكر في الركعة الثالثة أو الرابعة، تكون رابعته ثالثة، وتكون ثالثته ثانية، وهكذا، يعني هذه تقوم مقام هذه وإن لم ينو، فلو تذكر في الركعة الثالثة أنه ترك سجدة في الركعة الأولى، فنقول له: قد قامت الثانية مقام الأولى، وقامت الثالثة مقام الثانية، إذاً تَلغى الركعة التي سها فيها وترك ركنا، إذا شرع في قراءة التي بعدها.


وقال الشافعية، وهو قولٌ في المذهب: بل لا تلغو هذه الركعة، وإنما إن وصل إلى الركن الذي يقابلها، قام هذا الركن الذي يقابل، مكان الركن الذي ترك، وإما إن لم يصل فيجب عليه الرجوع وإن شرع في الفاتحة، فعلى المثال المتقدم في الذي ترك الفصل بين السجدتين وترك السجدة الثانية، فلمَّا شرع في الفاتحة تذكَّر، فيقول الشافعية: ارجع فائتي بالجلسة بين السجدتين والسجود الثاني، وإذا ذكره وهو راكع نقول كذلك: ارجع، وإذا ذكره بعد أن رفع من الركوع، نقول كذلك: ارجع، وإذا ذكره وهو في السجدة الأولى، نقول كذلك: ارجع، فلما وصل إلى الفصل تذكَّر يعني لما جلس بين السجدتين في الركعة الثانية تذكر أنه لم يكن جلس للفصل بين السجدتين في الركعة الأولى، فنقول: قام هذا الجلوس مقام الذي تركت، وأما ما حصل بين ذلك، قد وقع في غير موقعه، فيكون لاغيا , وهذا القول أصح، وذلك لأن القول بأن الركعة تلغو فيه إبطال لما قد وقع في موقعه وصح، لأنا على ذلك سوف نبطل فاتحته وركوعه والرفع من الركوع وسجدته الأولى، فهذه كلها وقعت في موقعها وكانت صحيحة، وأما على مذهب الشافعية فإنهم يصححون ما وقع في موقعه، وأما الذي لم يقع في موقعه، فإنهم يقولون إنه باطل. أيضا نقول: ما الفرق بين ما إذا انتصب قائما وبين ما إذا شرع في القراءة؟
تقدم لكم أنه إن انتصب قائما، فإن الإجماع على أنه يرجع إلى الركن الذي تركه، فما هو الفرق بين القيام وبين ما إذا شرع؟


قالوا: إن القيام ركن غير مقصود. وهذا فيه نظر، بل القيام ركن مقصود، بدليل أن من لم يكن قارئا يجب عليه القيام. إذاً الراجح ما ذهب إليه الشافعية، وهو قول في مذهب أحمد: أنه إن ترك ركنا في ركعة، فنقول: إن وصل إلى هذا الركن في الركعة التي بعد، قام هذا الركن مقام الذي ترك، وأما إذا لم يصل، فيجب عليه الرجوع، فإذا لم يتذكر إلا بعد، فكما تقدم في ما ذكره الحنابلة، فإذا لم يتذكر إلا في آخر الصلاة، كأن يتذكر في الركعة الرابعة أنه لم يكن قد سجد ولم يكن قد جلس للفصل في الركعة الأولى، نقول: أنت الآن في الركعة الثالثة.
قوله: [وقبله يعود وجوبا]
يعني قبل الشروع في القراءة يعود وجوبا.
[فيأتي به وبما بعده]
قوله: [وإن علم بعد السلام فكترك ركعة كاملة]
رجل لما سلّم، ذَكَر– وليس شكا، لأن الشك بعد العبادة لا يؤثر اتفاقا – أنه قد ترك ركنا من أركان الركعة الأولى، أو من أركان الركعة الثانية، فما الحكم؟
قال هنا " يأتي بركعة كاملة "، فإذا تذكر مثلا أنه لم يكن قد سجد السجدة الثانية، ولا الجلوس التي بعده في الركعة الرابعة، يعني سجد السجدة الأولى، ثم جلس فتشهد فسلّم، فقالوا: يأتي بركعة كاملة.


والقول الثاني في المسألة، وهو قول في المذهب: أنه يأتي بما ترك وما بعده، فنقول له: اجلس الجلسة بين السجدتين، ثم اسجد، ثم اجلس فتشهد، وكذلك ما لو ترك ذلك في الركعة الأولى، فتكون الجلسة في الركعة الثانية، والسجود الذي بعدها قام عن الركعة الأولى، والثالثة قام عن الثانية، والرابعة قام عن الثالثة، فأصبح النقص راجع إلى الرابعة، وإن كان في الأولى؛ لأن كل ركعة تقوم مقام التي قبلها حتى نصل إلى الركعة الرابعة. وهذا القول أصح، وعلى ذلك: فنأمره أن يأتي بما ترك، لأنه إنما ترك شيئا من الركعة، ولم يترك الركعة كاملة، فيصلي ما ترك، ويسجد سجدتين للسهو. إذاً الراجح أنه يأتي ما ترك وما بعده، أما الذي قبله فلا يأتي به؛ لأنه قد وقع موقعه، فإذا قلنا بأن الركعة كاملة تلغو، فإن في ذلك إبطالا لما وقع في موقعه، بل نأمره بأن يأتي بما ترك؛ لأنه لم يفعله، وأن يأتي بما بعده؛ لأن ما بعده ترتب على خطأ فوقع في غير موقعه. إذاً الراجح أنا نأمره بأن يفعل ما ترك، وما بعده، لكن كما تقدم يُتنبه أن كل ركعة تقوم مقام التي قبلها، فالخلل الذي يكون في الركعة الأولى يُسدُّ بالركعة الثانية، والنقص الذي حصل في الثانية يُسدُّ في الثالثة، ويلغو ما بين ذلك، حتى نصل إلى الرابعة.
قوله: [وإن نسي التشهد الأول]
وتقدم أن التشهد الأول على الراجح واجب من واجبات الصلاة.
قوله: [ونهض]
بأن فارق فخذاه ساقيه، وأما إن لم ينهض كأن يتهيأ للقيام، ثم يتذكر، فهذا لا شيء فيه، لكن الكلام هنا حيث نهض، ففارق الفخذان الساقين، ونهض للقيام.
قوله: [لزمه الرجوع ما لم ينتصب قائماً، فإن استتم قائما كره رجوعه، وإن لم ينتصب - قائما – لزمه الرجوع، وإن شرع في القراءة حرُم الرجوع]
إذاً أصبح عندنا ثلاثة أحوال، ولك أن تقول أربعة أحوال:


الحال الأولى: ألا ينهض، كأن يتهيأ للقيام ثم يتذكر، فهذا لا شيء فيه، ولا يلزم سجود سهو.
الحال الثانية: أن ينهض ولا يصل إلى القيام.
الحال الثالثة: أن ينتصب قائما.
الحال الرابعة: أن يشرع في القراءة.
فقالوا: إذا شرع في القراءة، فليس له أن يرجع. وهذا بالاتفاق.
الحالة التي قبلها، انتصب قائما، وقبل أن يشرع في القراءة تذكر أنه قد ترك الجلوس للتشهد، فما الحكم؟
قال هنا: " كُره الرجوع "، لكن لو رجع، فلا بأس بذلك.
الحال التي قبلها: أن يكون في الحالة النهوض ولم ينتصب بعد – لم يصل إلى القيام -، فهنا يجب عليه الرجوع.
إذاً باستثناء الحالة السابقة التي لم ينهض فيها، نقول: إذا نهض ولم يستتم قائما بعد، فيجب عليه الرجوع، فإن انتصب قائما، كره الرجوع، فإن شرع في القراءة حرم الرجوع.
أما ما ذكروه في أنه يحرم الرجوع إذا شرع في القراءة، فقد تقدم لكم أن هذا بالاتفاق.
وأما ما ذهبوا إليه من أنه إذا انتصب قائما، فليس له الرجوع، فهذا هو المشهور في المذهب، فإذا انتصب قائما كره الرجوع، ولم يحرم الرجوع، هذا قول في المذهب، وهو المشهور فيه.


والقول الثاني في المسألة، وهو قول في المذهب: أنه يحرم الرجوع أيضا. وهذا هو الراجح؛ وذلك لأنه اشتغل بركن، لأن القيام ركن، فاشتغل بركن، كما لو اشتغل بالقراءة، فإنه إذا اشتغل بالقراءة فليس له الرجوع، فكذلك إذا انتصب قائما، لأنه شرع في ركن. وأما التفريق بينهما بأن القيام ركن غير مقصود، وأن القراءة ركن مقصود، فهذا فيه نظر كما تقدم، وعلى ذلك فالراجح أنه ليس له أن يرجع، وقد ثبت في الصحيحين، وهو الأصل في هذه المسألة التي يذكرها المؤلف هنا من حديث عبد الله بن بُحينة رضي الله تعالى عنه قال: " صلى بنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الظهر فقام في الركعتين ولم يجلس، وقام الناس معه، فلما قضى صلاته، وانتظر الناس تسليمه، كبَّر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم ثم سلَّم " فهذا الحديث هو الأصل في هذه المسألة، وهنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام، ولم يرجع، وهذا القيام عام فيما إذا قام ولم يشرع في القراءة بعد، وفيما إذا شرع في القراءة. إذاً الراجح أنه إذا انتصب قائما فليس له الرجوع. أما إن لم ينتصب قائما فهنا لا إشكال أنه يرجع، لأنه لم يشتغل بركن، فيجب أن يرجع ويأتي بالواجب الذي تركه؛ وذلك لأنه لم يدخل في ركن، لأنه إذا دخل في ركن ثم رجع، كان في ذلك زيادة هذا الركن الذي اشتغل فيه، ثم تركه ثم عاد إليه. إذاً على ذلك نقول: أنه إن تذكر قبل أن ينتصب قائما فإنه يجب عليه الرجوع، وأما إذا انتصب قائما فليس له الرجوع على الصحيح، سواء شرع في القراءة أو لم يشرع فيها.
قوله: [وإن شرع في القراءة حرم الرجوع]
فإن رجع عمدا بطلت صلاته، لأن القاعدة أنه إن مضى حيث يجب الرجوع، أو رجع حيث يجب المضي، فإنه يكون تاركا للواجب، ومن ترك الواجب عمدا بطلت صلاته:


يعني إذا كان بحيث يجب عليه الرجوع، مضى، - ويجب عليه الرجوع فيما إذا لم يستتم قائما – عامدا وعالما بالحكم، فنقول: إن الصلاة تبطل، لأنه ترك واجبا في الصلاة عمدا.
وإذا رجع حيث يجب المضي، فكذلك: فإذا استتم قائما أو شرع في القراءة، فإنه يجب عليه المضي، فإذا رجع فإنه يكون قد رجع حيث يجب المضي عامدا، فتبطل الصلاة.
وهذه المسألة، وهي ترك التشهد الأول، يُلحق فيها ترك كل واجب، فإذا ترك التسبيح في الركوع، فتذكر قبل أن يستتم قائما، فنقول له: راجع فسبِّح، فإن استتم قائما، فنقول: لا ترجع. إذا ترك قول: رب اغفر لي، في الجلسة للفصل بين السجدتين، فتذكر أن قبل أن يصل إلى السجود، نقول له: ارجع، فإن تذكر وقد وصل إلى السجود، نقول له: لا ترجع. إذاً هذه المسألة عامة في ترك كل واجب، كما هو الصحيح في المذهب.
قوله: [ومن شك في عدد الركعات أخذ بالأقل]
إذا شك في عدد الركعات، فلا يدري أصلى ثلاثا أم أربعا، قال: " أخذ بالأقل "؛ لما ثبت في الصحيحين، وهذا لفظ مسلم، وفيه زيادات ليست في البخاري، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر أصلى ثلاثا أم أربعا، فليطرح الشك وليبن على ما استيقن – والمتقين هو الأقل -، ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته – أي شفعت هاتان السجدتان له صلاته – وإن كان صلى تماما كانتا ترغيما للشيطان) ، إذاً يأخذ بالأقل.
ولا فرق في هذه المسألة بين الإمام والمنفرد، وظاهر المذهب أن ذلك في المنفرد، وأما الإمام فإنه إنما يأخذ بالأقل حيث لم يكن عنده تحري، وأما إذا كان عنده تحري فإنه يأخذ بما تحراه.
ظاهر المذهب التفريق بين المنفرد وبين الإمام.
وظاهر كلام المؤلف هنا، هو قول في المذهب أنه لا فرق بين الإمام ولا المنفرد.


وأما ظاهر مذهب الإمام أحمد فإنه قال في الإمام: أنه يتحرى، فإذا كان الشك يستوي فيه الطرفان، فيأخذ بالأقل، وأما إذا كان هناك تحرٍّ بتسبيح المأمومين خلفه، لكن لم يكن عنده يقين، بأن يسبِّح واحد فقط بحيث لا يجب عليه الرجوع، فحصل عنده تحر، فرجَّح أحد الطرفين، فهنا يبني على ما تحرى.
كأن يقول الإمام: أنا أشك، هل صليت ثلاثا أم أربعا؟ لكنه لما جلس للثالثة سبَّح به المأموم الذي خلفه، فأصبح عنده ترجيح أنه قد شك، وأنه إنما صلى ثلاثا، فهنا يصلي رابعة، ويكون سجوده بعد السلام، لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا شك أحدكم في صلاته فيتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين) ، متفق عليه، وفي رواية للبخاري (فليتم ثم يسلَّم ثم يسجد) (1) ، إذاً السلام قبل السجود.
واختار شيخ الإسلام، وهو رواية عن أحمد: أن لا فرق بين منفرد ولا إمام، وهذا هو الراجح، وعلى ذلك تكون القاعدة واضحة وهي: أنه إن كان عنده تحر، سواء كان منفردا أم إماما، فإنه يعمل بتحريه وليسجد سجدتين بعد السلام، وإما إذا كان ليس عنده تحري، فليبن على الأقل، وليسجد سجدتين قبل أن يسلم.
__________
(1) قال ابن حجر في الفتح: " تنبيه لم يقع في هذه الرواية تعيين محل السجود ولا في رواية الزهري التي في الباب الذي يليه، وقد روى الدارقطني من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد مرفوعاً: " إذا سها أحدكم فلم يدر أزاد أو نقص، فليسجد سجدتين وهو جالس ثم يسلم " إسناده قوي، ولأبي داود من طريق ابن أخي الزهري عن عمه نحوه بلفظ: " وهو جالس قبل التسليم "، وله من طريق ابن إسحاق، قال حدثني الزهري بإسناده، وقال فيه: " فليسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم يسلم " قال الملائي: هذه الزيادة في هذا الحديث بمجموع هذه الطرق لا تنزل عن درجة الحسن المحتج به، والله أعلم ".


شك وهو في الرابعة، هل هي الثالثة أم الرابعة؟ فترجَّح في نفسه أنها الرابعة، سواء كان منفردا أم إماما، فنقول: اجعلها الرابعة، ولا تبن على الأقل، وسلِّم، ثم اسجد سجدتين بعد السلام. إذاً الراجح وهو اختار شيخ الإسلام، وهو رواية عن الإمام أحمد: أنه لا فرق بين الإمام والمنفرد. فإذاً عندنا الشك نوعان:
شك مع استواء الطرفين، وشك مع الترجيح.
فإذا كان مع استواء الطرفين، فيبني على الأقل، ويسجد سجدتين قبل السلام.
والثاني: شك مع التحري، يعني مع الترجيح، فهنا: يبني على ما تحرى ويسجد سجدتين بعد السلام.
ويُلحق بذلك المأموم الذي أتى والإمام راكع، فشك وقد كبَّر تكبيرة الإحرام، هل أدرك الإمام راكعا أم لا؟
نقول له: هل عندك تحرٍّ؟ فإن قال: نعم، نقول: ابن على تحريك. وإن كان عنده شك بلا ترجيح، فنقول: ابن على أنك لم تدرك الإمام، وعلى ذلك فلا تحسب هذه ركعة لك.
إذا شك المأموم الواحد؟
رجل خلف إمام، وهو واحد، فشك هل صلى إمامه ثلاثا أم أربعا، فشك هذا المأموم في صلاة إمامه، فما الحكم؟
المذهب: أن المأموم لا يرجع إلى إمامه، فلو سلَّم الإمام والمأموم عنده شك، فنقول له: ابن على الأقل، وقم وصل ركعة.
والقول الثاني وهو الصواب: أنه يرجع إلى قول إمامه، ولو كان المأموم واحدا، أما لو كان مع المأموم مأموم آخر، لحصل له بسكوت المأموم الآخر عن التسبيح زوال للشك، لكن هنا المأموم واحد. فنقول: بل يرجع إلى الإمام ولو كان واحدا؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الإمام ضامن) ، وعلى ذلك فيرجع إلى قوله.
إذا حصل تيقن بعد؟
رجل شك، وأثناء الصلاة زال الشك وحصل اليقين، فهنا لا عبرة بهذا الشك، ولا يسجد للسهو؛ لأنه لما زال الشك، زال موجَبُه، فموجب الشك السجود، فلما زال الشك زال موجَب الشك وهو السجود. وهذا واضح.
قوله: [وإن شك في ترك ركن فكتركه]


رجل شك، هل ترك الركن أم لم يتركه؟
نقول له هذا كتركه؛ لأنه يُبنى على الأقل كما تقدم في المذهب، والأقل – المتيقَّن – هو الترك، وعلى ذلك نقول: ارجع إليه إن لم تكن قد شرعت في القراءة، هذا على المذهب.
وعلى القول الثاني، نقول: ارجع إليه ما تصل إلى الركن الذي بعده.
يعني لما انتصب قائما قال: أنا لا أدري هل سجدت وجلست للفصل بين السجدتين أم لا – عنده شك -، نقول له: ارجع، وكذلك إذا شرع في القراءة على الصحيح.
والراجح أيضا أنه إن كان عنده تحري، فإنه يرجع إلى تحريه، وذلك لعموم الحديث، فيقول: هل جلست للفصل وسجدت أم لا، لكن الراجح عندي أني جلست وسجدت، فنقول له: ابن على ذلك، واسجد سجدتين بعد السلام. إذاً الراجح أن هذه المسألة داخلة أيضا في عموم حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
قوله: [ولا يسجد لشكه في ترك واجب أو زيادة]
إذا شك في ترك واجب، فقال: أنا لا أدري هل جلست للتشهد الأول أم لا؟ أو قال: لا أدري هل سبَّحتُ في الركوع أم لا؟
فيقول هنا " ولا يسجد لشكه في ترك واجب؛ قالوا: لأن الأصل عدم السجود.
إذاً قالوا: إذا ترك الركن، فهذا كترك الركن، لكن إن شك في ترك واجب، فهل يكون كترك الواجب؟
قالوا: ليس كترك الواجب، وعلى ذلك: فإنه لا يسجد، لأن الأصل عدم السجود.
والقول الثاني في المسألة، وهو قول في المذهب: أن الشك في ترك الواجب كتركه أيضا، وهذا هو الراجح؛ لعمومات الأدلة.
وأما قولهم " الأصل عدم السجود "، فنقول لهم أيضا: الأصل عدم فعل الواجب مع الشك، رجل شك، يقول: لا أدري أجلست للتشهد الأول أم لا، فما هو الأصل؟
الأصل أنه لم يجلس، وعلى ذلك فنبني على هذا الأصل، ونوجب عليه سجود السهو.


إذاً المذهب: أن من شك في ترك ركن فكتركه، ومن شك في ترك واجب فليس كتركه، لكن الراجح أنهما سواء، فمن شك في ترك ركن فكتركه، ومن شك في ترك واجب فكتركه أيضا، فيجب السجود في المسألتين جميعا.
قوله: [أو زيادة]
هنا شك، قال: لا أدري أصليت أربعا أم خمسا؟ فالشك هنا في الزيادة، الحديث الذي تقدم قال فيه (ثلاثا أم أربعا) ، لكن هنا شك، فلا يدري أصلى أربعا أم خمسا، أو شك هل ركع ركوعا أو ركوعين، أو هل سجد سجودين في الركعة أم ثلاث سجودات، فحصل له شك، لكن الشك هنا في الزيادة؟
فهنا لا يجب عليه السجود، لأن الأصل عدم الزيادة، والأصل أيضا عدم السجود. هناك في النقص قلنا: عدم الفعل، لكن هنا نقول: الأصل عدم الزيادة، ولذا إذا شك، لما جلس للتشهد حصل عنده شك يقول: لا أدري هل صليت خمسا أم أربعا؟
فنقول له: لا تسجد؛ لأن الأصل عدم الزيادة. والله أعلم. اتنهى الدرس الثالث من سجود السهو في ليلة الأحد الثاني والعشرين من رجب لعام 1420 للهجرة.
قوله: [ولا سجود على مأموم إلا تبعا لإمامه]
هنا مسألتان:
المسألة الأولى: فيما إذا سها الإمام، فيجب على المأموم أن يتابعه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وإذا سجد فاسجدوا) ، فإذا سها الإمام فيجب على من خلفه السجود، سواء حصل منهم سهو مع الإمام أم لم يحصل منهم، فهذا لا خلاف فيه، لقوله عليه الصلاة والسلام (وإذا سجد فاسجدوا) .
فإن لم يسجد الإمام وقد حصل منه ما يوجب السجود، فإذا لم يسجد وكان واجبا عليه السجود، فهل يجب على المأموم - حيث ترك الإمام السجود – السجود؟


قال جمهور العلماء: يجب عليه السجود؛ وذلك لأن الصلاة فيها نقصٌ، لأنه لما سها الإمام حصل في الصلاة نقص، وعلى ذلك: فلابد من جبران هذا النقص، لأن صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام، فإذا حصل سهو من الإمام، كأن يقوم إلى خامسة مثلا، فلا يتابعه المأمومون، ثم إنه جلس، فيجب على المأموم هنا سجود سهو، فإذا لم يسجد الإمام، فهل يسجد من خلفه أم لا؟ قال جمهور العلماء: يجب، لأن الصلاة فيها نقص، وعلى ذلك فيجب جبران هذا النقص. وهذا القول قول ظاهر، لكن يستثنى من ذلك على الصحيح ما لو كان الإمام لا يرى وجوب السجود عليه، كأن يكون ممن يختار عدم السجود في هذا الموضع، فحينئذ لا يجب على المأموم أن يسجد، وذلك لأنه لا نقص في الصلاة، فلا نقص في صلاة الإمام، وإنما يكون فيها نقص حيث ترك سجودا يجب عليه أن يسجده.
إذاً: إذا حصل من الإمام سهو فلم يسجد، وكان يرى وجوب السجود، فإن في صلاته نقصا، وهذا النقص يلحق المأموم، وعلى ذلك: إن لم يسجد الإمام، فيجب على المأموم أن يسجد، لأن في الصلاة نقصا، فلابد من جبره. وهذا هو مذهب جمهور العلماء.
فإن كان المأموم مسبوقا، فسجد الإمام قبل السلام، فإنه يتابعه اتفاقا، لقوله عليه الصلاة والسلام: (وإذا سجد فاسجدوا) .
فإن كان سجوده بعد السلام، يعني سلَّم الإمام، فسجد سجدتين بعد السلام، وهذا المأموم مسبوق، فهل يسجد معه، بمعنى أنه لا يسلم إذا سلم الإمام، فإذا سجد الإمام سجدتين، سجد، فإذا سلَّم الإمام السلام الثاني قام فأتم، أم أنه يقوم فيتم صلاته، ثم يسجد سجدتين بعد السلام؟ قولان لأهل العلم:


فالمذهب: أنه يتابعه، وعلى ذلك: فلو أنه نهض، إذ بالإمام – قبل أن يستتم المأموم قائما – يسجد، فنقول: عليك أن ترجع فتسجد مع الإمام سجدتين، وأما إذا شرع المأموم في القراءة، فليس له أن يرجع. وهذا هو المذهب، قالوا: لعموم قوله: (وإذا سجد فاسجدوا) .
والقول الثاني، وهو قول المالكية والشافعية، قالوا: إذا سها الإمام فسجد بعد السلام، فإن المسبوق لا يتابعه، وإنما يسجد بعد سلامه؛ قالوا: لأن تمام المتابعة للإمام أن يكون سجوده بعد السلام، لأن هذا السجود إنما يشرع بعد السلام، فتكون متابعته للإمام بسجوده هاتين السجدتين، بعد سلام إمامه. وهذا القول هو الأرجح، فالأقرب والأرجح في هذه المسألة أنه ينهض، فيتم صلاته، فإذا سلَّم سجد سجدتين، لأن هاتين السجدتين إنما يشرعان بعد السلام، وعلى ذلك: فيكون من تمام متابعته للإمام أن يكون سجوده بعد السلام. هذا هو القول الراجح.
إذاً: إذا سها الإمام فعليه وعلى من خلفه السجود، فإذا لم يسجد، فإن على المأموم أن يسجد؛ لأن في ذلك نقصا في الصلاة، فإن كان سجوده قبل السلام تابعه فسجد حيث يسجد الإمام، وأما إذا سلَّم الإمام فسجد بعد السلام، فإنه لا يسجد معه، وإنما يسجد بعد أن يتم صلاته؛ لأن هذا هو تمام المتابعة في أصح القولين. هذا هو الشق الأول.
الشق الثاني: فيما إذا سها المأموم خلف الإمام، فلسهوه حالتان:
الحالة الأولى: أن يكون مسبوقا قد سها فيما انفرد به، يعني لما قام ليتم الصلاة سها، فهنا يجب عليه السجود قولا واحدا، فالإمام لا يتحمل، وعلى ذلك: فعليه السجود، لعموم الحديث: (فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) . إذاً المسبوق إذا سها فيما انفرد به، فإن عليه السجود.
الحالة الثانية: أن يسهو خلف إمامه، سواء كان مسبوقا أم غير مسبوق، فهنا قد حصل له سهو حال اقتدائه بإمامه، لا حال انفراده عنه؟


فذهب العامة والجماعة من أهل العلم: على أنه لا يجب عليه السجود، وأن الإمام يتحمل ذلك عنه.
وقال أهل الظاهر، وهو قول مكحول: بل يجب على المأموم السجود.
استدل أهل القول الثاني بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) ، قالوا: وهذا عام، فيدخل فيه فيما إذا سها خلف إمامه.
وأما أهل القول الأول، فاستدلوا بأدلة منها:
أن الإمام يتحمل عن المأموم عمده، يعني عمده في النقص وعمده في الزيادة.
يتضح هذا بمثالين، المثال الأول: فيما إذا قام الإمام من الركعتين تاركا للتشهد، فهنا المأموم يتابعه ويترك التشهد، فيكون قد ترك التشهد الأول، وترك التشهد الأول عمده يبطل الصلاة، وقد تركه عمدا متابعة للإمام، وقد تحمل الإمام عنه ذلك.


المثال الثاني: وهو تحمل الزيادة عمدا: فيما إذا سها الإمام، فسجد الإمام سجدتين، والمأموم لم يسهو، كأن يترك الإمام التسبيح في الركوع أو السجود، فإن الإمام يسجد، وهذا السهو قد حصل من الإمام، ولم يحصل من المأموم، ويجب على المأموم أن يتابع إمامه، لقوله عليه الصلاة والسلام: (وإذا سجد فاسجدوا) ، وهذه زيادة في الصلاة، قالوا: فإذا ثبت هذا في عمده، فأولى من ذلك سهوه، وعلى ذلك: فنقيس السهو هنا على العمد، وهذا القياس الصحيح يخصص عموم قوله عليه الصلاة والسلام: (وإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) ، فإن في ذلك تحصيل لمقصود الشرع من متابعة الإمام. قالوا: وأيضا إن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يصلون خلفه، ولا يخلو ذلك من سهو، فلابد أن يقع من أحد منهم سهو في الصلاة، ولم ينقل لنا أن أحدا من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام سجد للسهو خلفه، ولو كان ذلك واقعا، لنقل لنا نقلا بينا. يعني لابد أن يقع من المأمومين سهو خلف الإمام، لاسيما في القديم، لأن الصوت مع كثرة المصلين قد لا يبلغهم، فيحصل شيء من السهو من المأمومين، وقد يترك المأموم بعض التسبيحات، ونحو ذلك، ولم ينقل لنا أن ذلك قد وقع منهم، ولو كان ذلك واقعا لنقل لنا نقلا بينا، وعلى ذلك فهذا القول هو القول الراجح، فإذا سها المأموم خلف إمامه، فإنه لا يسجد للسهو، وأما ما رواه الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا سها الإمام فعليه وعلى من خلفه، وإذا سها المأموم فلا سجود عليه) ، فهذا الحديث إسناده ضعيف جدا، فلا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام.
قوله: [وسجود السهو لِمَا يبطل عمده واجب]
سجود السهو لما يبطل عمده، إن كان من جنس الصلاة، فإذا حصل سهوا فعل ما يبطل عمدا، فلا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يكون هذا من جنس الصلاة، كأن يزيد قياما أو ركوعا أو سجودا، فهذا فيه السجود.


الحال الثانية: ألا يكون من جنس الصلاة، كأن يتكلم في الصلاة مثلا، أو يفعل أفعال كثيرة في الصلاة سهوا، فهل تبطل الصلاة بذلك؟ لا تبطل، لكن هل عليه سجود سهو؟ ليس عليه سجود سهو كما تقدم تقريره.
إذاً هنا نقيِّد هذه القاعدة بقيد، وهو أن يكون ذلك من جنس الصلاة كما تقدم. إذاً سجود السهو لما يبطل عمده إن كان من جنس الصلاة، فإن لم يكن من جنس الصلاة، كأن يفعل أفعالا ليست من جنس سهوا وتكون كثيرة، فإنها لا يشرع لها سجود السهو، كذلك لو تكلم، فإنه لا يشرع له سجود.
قوله: [وتبطل بترك سجود أفضليته قبل السلام]
هنا مسألتان:
المسألة الأولى: قوله " أفضليته قبل السلام "، وعلى ذلك فالسجود الذي يشرع قبل من باب الأفضلية، والذي يشرع بعد، هذا من باب الأفضلية، وتقدم الكلام على هذه المسألة، وأن الراجح أن ما شُرع قبل السلام، فيجب قبل السلام، وما شرع بعد السلام فيجب بعد السلام، وأن هذا هو اختيار شيخ الإسلام ورواية عن أحمد، وأحد القولين في المذهب، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد كما قال شيخ الإسلام، وقال الزركشي: " وهو ظاهر كلام أبي محمد " يعني الموفَّق رحمه الله تعالى. وهذا هو القول الراجح. إذاً المذهب: أن المسألة أفضلية، فإن كان زيادة، فإن له أن يسجد قبل السلام أو بعده، وإن كان نقصا فله أن يسجد قبله أو بعده، وإن كان عن شك، فله أن يسجد قبل أو بعده، لكن الأفضلية على ما تقدم تفصيله في المذهب في درس سابق، ولكن الراجح ما تقدم من أن من شُرع قبل السلام فيجب قبله، وما شرع بعد السلام فيجب بعده.


الثانية: أنه إن ترك السجود الذي أفضليته قبل السلام، فإنه يبطل الصلاة، وأما إذا كانت الأفضلية بعد السلام فلا يبطل الصلاة، فإذا كان عنده شك مع تحر، تقدم أنه يشرع بعد السلام، فلو تركه فلم يسجد، فلا تبطل صلاته، والشك إذا كان بلا تحر، فإنه له السجود قبل السلام، فإذا تركه عمدا تبطل صلاته، وإذا كان عن زيادة، تقدم أن الراجح أنه يكون بعد السلام، فإذا تركه فلا تبطل الصلاة، ولو كان عمدا، وإذا كان مما يشرع قبل السلام، فتركه عمدا، فإن الصلاة تبطل. هذا هو المشهور في المذهب، قالوا: مع الإثم، كما لو ترك الأذان أو الإقامة، لأنه مشروع خارج الصلاة، فأشبه الأذان والإقامة، يقولون: ما يشرع بعد السلام، هذا إنما شُرع خارج الصلاة، فأشبه الأذان والإقامة، ولو ترك الإذان والإقامة، تصح صلاته، لكن مع الإثم، قالوا: فكذلك إذا ترك هذا السجود الذي يشرع بعد السلام.
والقول الثاني في المسألة، وهو قول في المذهب واختاره الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: أنه إن ترك ما أفضليته بعد السلام – وعلى الراجح ما هو واجب بعد السلام – يبطل الصلاة أيضا، وهذا أصح، وذلك لأن الصلاة ناقصة، وهذا السجود جبرانها، وإنما شرع خارج الصلاة لأن المناسب واللائق أن يكون كذلك؛ لئلا يجتمع في الصلاة زيادتان - زيادة قبل، ثم نسجد للسهو قبل -. إذاً القول الثاني في المسألة وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي أن ترك سجود السهو سواء كان مشروعا قبل السلام أو بعده – تركه – عمدا يُبطل الصلاة، والمذهب أن ما كان مشروعا قبل الصلاة فإن تركه عمدا يبطل الصلاة، وإن كان مشروعا بعد السلام فإن تركه عمدا لا يبطلها.
قوله: [وإن نسيه سجد إن قرُب زمنه]
في المسألة السابقة تعمد، وهنا الكلام في السهو.
إذا نسيه، سواء كان قبل السلام أو بعده، قال: " سجد إن قرب زمنه " فإن قرُب زمنه عرفا، فإنه يسجد.


فلو أنه بعد أن سلَّم ذُكِّر، فتذكَّر فسجد سجدتين، فإن صلاته تتم بذلك، سواء كان مشروعا قبل السلام أو بعده.
لكن لو أنه ذُكِّر بعد زمن طويل عرفا، فإنه لا يبني، وإنما يستأنف الصلاة من جديد، هذا إذا كان السجود قبل السلام، وأما إذا كان بعدها، فإن تركه عمدا لا يبطل الصلاة. هذا هو المذهب.
قالوا: وإذا خرج من المسجد أيضا، فإنه يستأنف الصلاة، وعلى ذلك يشترط أن يكون الزمن قريبا عرفا، ويشترط أن يكون في المسجد أيضا، فإذا خرج من المسجد، ولو كان الزمن قصيرا – سلَّم فخرج، فذُكِّر وهو خارج المسجد – فعليه أن يستأنف الصلاة من جديد.
وعن الإمام أحمد، وهو أصح، أنه لا فرق بين كونه في المسجد أو خارج المسجد ما دام الزمن قريبا.
وأصح من القولين كليهما ما اختاره شيخ الإسلام، وهو رواية عن الإمام أحمد، وتقدم ذكر ما يدل عليه من حديث عمران: وهو أنه يسجد ولو طال الزمن عرفا، سواء كان في المسجد أو لم يكن في المسجد، فإن حديث عمران في مسلم فيه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل الحجرة بعد أن صلى العصر ثلاثا، ثم قام إليه رجل بسيط اليدين، فقال: أنيست أم قصرت الصلاة؟ ، فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مغْضَباً، فصلى عليه الصلاة والسلام ما ترك، ثم سلَّم، ثم سجد سجدتين بعد أن سلَّم، ثم سلَّم " كما تقدم، فهنا الزمن طويل عرفا، وقد خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد. هذا هو القول الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام هنا، وهو رواية عن الإمام أحمد. إذاً الراجح أنه لو ترك سجود السهو سواء كان قبل السلام أو بعده، ثم تذكر، فإن يسجد سجدتين ولو كان الزمن طويلا. لما أتى الإمام ليقيم صلاة العصر أخبروه أنه حصل سهو في صلاة الظهر، وأنه لم يسجد قالوا: إنك قد قمت عن التشهد ولم تسجد، فيسجد سجدتين ولا شيء عليه. إذاً الراجح ولو طال الزمن عرفا، فإنه يبني.


قوله: [ومن سها مرارا كفاه سجدتان]
إذا سها مرارا، حصل منه في الصلاة أكثر من سهو، زاد في الصلاة ونقص، أو نقص ونقص، أو زاد وزاد، فقد يكون سها فزاد مرتين أو ثلاثا، أو سها فنقص مرتين أو ثلاثا أو سها فجمع بين زيادة ونقص، فهنا حصل من الإمام أكثر من سهو، سها مرتين أو أكثر، فهنا لا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون الموجِب لسجود السهو غير مختلف، يعني مما يشرع فيه السجود إما قبل السلام، وإما بعده.
رجل قام عن التشهد الأول، فالواجب عليه أن يسجد للسهو قبل السلام، وترك تسبيح الركوع أو السجود، فالواجب عليه السجود قبل السلام كذلك، وشك، هل صلى ثلاثا أم أربعا ولم يرجح، فهنا حصل له نقص، وكل هذه المسائل فيها سجود قبل السلام، فهنا الواجب عليه أن يسجد قبل السلام، لأن موجِب السجود هنا غير متفرق وغير مختلف، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم.
المسألة الثانية: أن يكون هناك موجِب مختلف، فيكون هناك ما يوجب السجود قبل السلام، وما يوجب السجود بعده.
قام فترك التشهد الأول، فالواجب عليه أن يكون قبل السلام، ثم شك هل صلى ثلاثا أم أربعا، ورجَّح أنه صلى أربعا، فالواجب عليه السجود بعد السلام، فهنا هل يكفيه سجدتان كما قال المؤلف هنا، أم لا يكفيه ذلك، قولان لأهل العلم:
فقال الجمهور: يكفيه سجدتان، كما هو قول المؤلف هنا.
وقال الأوزاعي: بل يجب عليه سجود قبل السلام، وسجود بعده، يعني يشرع له سجدتان قبل السلام، وسجدتان بعد السلام.
والقول الأول هو الراجح، استدل أهل القول الأول بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) ، قالوا: وهذا الحديث عام، سواء كان السجود واحدا أم متكررا، وإذا كان متكررا، سواء كان موجَبه واحدا أو كان موجَبه مختلفا.


وأما أهل القول الثاني فاستدلوا بحديث (لكل سهو سجدتان) ، وتقدم لكم أن الحديث ضعيف، وعلى ذلك فالراجح هو القول الأول، وعلى ذلك: فيسجد قبل السلام، ويكون سجوده قبل السلام يجزئه عن السجود بعد السلام، هذا هو الراجح، وهو مذهب جمهور العلماء، خلافا للأوزاعي، وقول الأوزاعي أيضا هو وجه في مذهب أحمد.
مسألة: هل يشرع لسجدتي السهو بعد السلام تشهد أم لا؟
يعني إذا سلَّم فسجد سجدتين، فهل يُشرع أن يتشهد أم لا؟
قال الجمهور: يشرع له أن يتشهد، يعني يسلم ثم بعد أن يسلم يسجد سجدتين ثم يتشهد، ثم يسلم، إذاً يستحب للسجدتين بعد السلام التشهد. واستدلوا بما رواه أبو داود والترمذي من حديث أشعث بن عبد الملك الحُمْراني عن محمد بن سيرين عن عمران، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تشهد ثم سلم.
والقول الثاني في المسألة، وهو اختيار شيخ الإسلام، ومال إليه الموفق ابن قدامة، وهو قول محمد بن سيرين: أنه لا يشرع التشهد. استدلوا بحديث أبي هريرة، وحديث ابن مسعود، فإن الرواة لم يذكروا تشهدا، وقد تقدم سياق حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين وحديث عمران بن حُصين في قصة بسيط اليدين، وكذلك في حديث ابن مسعود في التحري، وليس فيها ذكر التشهد، والتشهد كما تعلمون طويل، فلو كان ثابتا لنقل، فهذا مما تتوافر الدواعي على نقله.
يبقى الجواب عن حديث عمران في أبي داود والترمذي؟


هذا الحديث حديث شاذ، فهذه الزيادة (ثم تشهد) معلولة، وقد أعلَّها ابن المنذر والبيهقي وابن عبد البر وشيخ الإسلام ابن تيمية. وهذا التعليل هو الصواب، فإن الزيادة معلولة، فقد تفرد بها أشعث بن عبد الملك عن محمد بن سيرين، وغيره من الرواة لم يذكروها، وهذا هو المحفوظ عن محمد بن سيرين، أي عدم ذكر التشهد، فقد تفرد بها أشعث بن عبد الملك، فهو وإن كان ثقة، لكنه تفرد عن غيره من الثقات، وعلى ذلك فهذه الزيادة معلولة، ولذا استغرب – أي ضعّف – هذا الحديث الترمذي أيضا بعد أن رواه. وعلى ذلك فالراجح أن التشهد لا يشرع، وهو رأي محمد بن سيرين الذي قد روى عنه أشعث هذه الزيادة، ولو كانت مروية له لما خالفها، هذا أيضا مما يقوي التعليل المتقدم.والله أعلم
تم بحمد الله شرح باب سجود السهو من زاد المستقنع في ليلة الاثنين الثالث والعشرين من رجب لعام 1420 للهجرة، شرحه فضيلة الشيخ / حمد بن عبد الله الحمد، …حفظه الله تعالى.
فهرس الأحاديث والآثار
إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ... ….. 1
فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ... … 1
من عمل عملاً ليس عليه أمرنا ... ... 1