شرح زاد
المستقنع للحمد بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
باب الطلاق في الماضي والمستقبل
قوله: [إذا قال: أنت طالق أمس أو قبل أن أنكحك، ولم ينو وقوعه في الحال لم
يقع]
إذا قال الزوج لامرأته: " أنت طالق أمس " أو نحو ذلك فإن الطلاق لا يقع،
وكذلك إذا قال: " أنت طالق قبل أن أنكحك " فالطلاق لا يقع، وذلك لأن فيه
رفعاً لاستباحة النكاح في المضي، وذلك ليس للمكلف، فالمكلف إنما له رفع
الاستباحة في الحال أو في المستقبل، وأما رفع إباحة الفرج وغيره مما يباح
في النكاح في المضي فليس له ذلك.، قوله:" ولم ينو وقوعه في الحال لم يقع "
هذا قيد في عدم الوقوع لكن لو نوى الوقوع في الحال فإن الطلاق يقع، فإذا
قال: أنت طالق أمس " وهو ينوي الوقوع في الحال أي أن الطلاق واقع عليها في
الحال استناداً إلى وقوعه في المضي فإنه يقع، والقول الثاني في المسألة:أنه
لا يقع وهو أظهر وذلك لأن النية لا يحتملها لفظه، فهو ينوي وقوع الطلاق في
الحال، ولفظه في المضي، فكما لو كانت النية مجردة، والنية المجردة لا يقع
معها الطلاق.
قوله: [وإن أراد بطلاق سبق منه أو من زيد وأمكن قُبل]
الذي لا يقع - فيما تقدم – هو إنشاء الطلاق، لكن لو كان مخبراً، فقال لها:
" أنت طالق أمس " من باب الإخبار وليس من باب الإنشاء، فإذا قال: " أنت
طالق أمس " وقال أريد بذلك طلاقاً سابقاً مني أو طلاقاً سابقاً من غيري،
وأمكن هذا، وذلك بأن يكون صادقاً في قوله فقد طلقها هو قبل، أو طلقها زوج
آخر قبله، فإنه يقبل لأن لفظه يحتمله، وأما إذا لم يكن ذلك، وذلك بأن لا
يكون طلقها قبل ذلك ولا يكون لها زوج قبله فإن الطلاق يقع، وذلك لأنه
حينئذٍ يكون قد أخبر عن قول له فيكون في ذلك إقرار يتعلق به حق غيره وهو
المرأة وحينئذٍ لا يقبل في الحكم، لكنه يديّن بنيته التي يدعيها فيما بينه
وبين ربه.
قوله: [فإن مات أو جُنّ أو خرس قبل بيان
مراده لم تطلق]
إذا قال لها: " أنت طالق أمس " ثم جن أو مات أو خرس قبل بيان مراده فإنها
لا تطلق إعمالاً للمتبادر من لفظه أنه إنشاء، والإنشاء للطلاق في المضي لا
يقع منه الطلاق، وأيضاً عصمة النكاح ثابتة فلا تزال بالشك، فإذا قال: " أنت
طالق أمس " من باب الإخبار وادعى أنه ينوي بذلك طلاقاً سابقاً وقد كان
طلقها طلاقاً سابقاً، لكنه قال لها ذلك في حالة غضب أو عند سؤالها الطلاق
فإنه لا يقبل قوله وذلك لوجود قرينة الحال التي تكذب قوله.
قوله: [وإن قال: طالق قبل قدوم زيدٍ بشهر]
إذا قال لها: " أنت طالق ثلاثاً قبل قدوم زيدٍ بشهر " ولا يدري متى يقدم
زيد، فيحتمل أن يقدم بعد شهر من اليوم ويحتمل أن يكون بعد شهر من الغد،
ويحتمل أن يكون بعد شهرين، وعليه تبقى المرأة معلقة ولا يحل له أن يطأها
وذلك لأنه في كل يوم يحتمل أن يكون هو اليوم الذي يكون قدوم زيدٍ بعده
بشهر، وعليه فلا يحل له أن يطأها إن كان الطلاق يبينها وتجب لها النفقة
لأنها محبوسة لأجله.
قوله: [فقدم قبل مضيه لم تطلق]
فإذا قال:" أنت طالق قبل قدوم زيدٍ بشهر " فقدم زيد بعد أسبوع، فإن المرأة
لا تطلق، وذلك كما لو قال:" أنت طالق أمس " لأن طلاقه يكون في المضي، لأن
زيداً قدم بعد أسبوع فحينئذٍ يكون الطلاق قد وقع في المضي، لأن قبل قدوم
زيد بشهر مضياً.
قوله: [وبعد شهرٍ وجزءٍ تطلق فيه يقع]
أي إذا جاء بعد شهر وجزء أي لحظة يقع فيها قول " أنت طالق " فإذا جاء بعد
شهر وجزء فإنه يقع الطلاق عليها وذلك لوجود الصفة المذكورة.
قوله: [فإن خالعها بعد اليمين بيومٍ، وقدم بعد شهرٍ ويومين صح الخلع، وبطل
الطلاق]
إذا قال: " أنت طالق قبل قدوم زيدٍ بشهر "
وبعد يوم خالعها، ثم قدم زيد بعد شهر ويومين، فتبين لنا أن المرأة كانت في
عصمته حين المخالعة، فعلى ذلك الخلع صحيح لثبوت الزوجية ويبطل الطلاق لأنه
صادف امرأة بائناً في الخلع.
قوله: [وعكسها بعد شهر وساعة]
أي لحظة يقع بمثلها الطلاق، فإذا قال لها: " أنت طالق قبل قدوم زيدٍ بشهر "
ثم خالعها وبعد شهر وساعة قدم زيد، فالمخالعة هنا صادفت بينونة، وعليه
فالطلاق صحيح والخلع باطل، والخلع إنما يصح حيث لم يكن حيلة، أما إذا كان
حيلة فإنه لا يصح كما تقدم.
قوله: [وإن قال: طالقٌ قبل موتي طلقت في الحال]
إذا قال لزوجته: " أنت طالق قبل موتي " فإنها تطلق في الحال، وذلك لأنه ما
من وقت إلا وهو قبل موته، أما لو قال: " قبيل موتي " فإن هذا الجزء يفيد
التصغير فيكون في الجزء الذي يليه الموت أي في آخر لحظات عمره.
قوله: [وعكسه معه أو بعده]
فلوا قال لامرأته: " أنت طالق مع موتي أو بعد موتي " فإن الطلاق لا يقع
وذلك لأن البينونة تحصل بالموت فإذا مات الزوج بانت منه امرأته، لذا تعتد
وتنكح زوجاً آخر بعده، وعلى ذلك فإن هذا الشرط يصادفها بائناً والبائن لا
يقع عليها الطلاق.
فصل
قوله: [وأنت طالقٌ إن طرتِ أو صعدت السماء أو قلبتِ الحجر ذهباً ونحوه من
المستحيل لم تطلق]
إذا قال لامرأته: " أنت طالق إن طرت إلى السماء أو صعدت السماء أو قلبت
الحجر ذهباً " ونحوه من المستحيل فإنها لا تطلق وذلك لأن هذه الصفة لا
توجد، فهذه الصفة التي علق الطلاق عليها لا توجد، والطلاق إنما يقع حيث
وجدت هذه الصفة والصفة هذه لا توجد لأنها من المستحيلات.
قوله: [وتطلق في عكسه فوراً]
إذا قال " أنت طالق إن لم تستطيعي أن تصعدي السماء " فقد علق الطلاق على
عدم فعل المستحيل، وعدم فعله معلوم في الحال، فيعلم تحققه في الحال فيقع
الطلاق فوراً.
قوله: [وهو النفي في المستحيل مثل لأقتلن
الميت أو لأصعدن السماء ونحوهما]
فهذه أمور مستحيلة، فالميت لا يمكن قتله، وكذلك لأصعدن السماء ونحوهما، ففي
مثل هذه المسائل يقع الطلاق في الحال لأنه علق طلاقه على عدم فعله للمستحيل
وعدم فعله للمستحيل معلوم في الحال كما لو قال أنت طالق لأقتلن الميت أو إن
لم أقتل الميت.
قوله: [وأنت طالق اليوم إن جاء غدٌ لغو]
إذا قال رجل لامرأته " أنت طالق اليوم إن جاء غدٌ " فإن ذلك يكون لغواً،
قالوا: لأن مقتضى لفظه إيقاع الطلاق في هذا اليوم حيث جاء الغد فيه، ومعلوم
أن مجيء الغد في اليوم أمر لا يمكن، وعليه فإن هذا يكون من باب اللغو.
والقول الثاني في المسألة وهو قول القاضي من الحنابلة أن الطلاق يقع في
الحال لأن مجيء الغد معلوم قطعاً فالراجح أنه يكون طلاقاً اليوم وذلك لأن
مجيء الغد أمر معلوم.
قوله: [وإذا قال: أنت طالق في هذا الشهر أو اليوم طلقت في الحال]
إذا قال الرجل لامرأته " أنت طالق في هذا الشهر " أو " هذا اليوم " أو " في
هذه السنة " فإن الطلاق يقع في الحال، وذلك لأنه جعل اليوم وجعل الشهر وجعل
السنة ظرفاً لطلاقه وهذا يحصل في كل جزء من أجزاء اليوم وفي كل جزء من
أجزاء الشهر وفي كل جزء من أجزاء السنة.
قوله: [وإن قال: في غدٍ أو السبت أو رمضان طلقت في أوله]
إذا قال " أنت طالق في السبت أو في غدٍ أو في رمضان " فإنها تطلق في أوله،
وذلك لأن جعل رمضان ظرفاً لطلاقه فكل جزء من رمضان يصح أن يكون ظرفاً لهذا
الطلاق وهذا هو ظاهر لفظه.
قوله: [وإن قال: أردتُ آخر الكل دُين وقبل]
فإذا قال " أنا لم أرد أوله وإنما أردت
آخره " قُبل منه في الحكم ودين بنيته فيما بينه وبين ربه، وذلك لأن نيته
يحتملها لفظه، وذلك لأن وسط الشهر وآخره منه وعليه فلا تطليق عليه إلا في
آخر الشهر، لكن إذا قال " أنت طالق غداً " أو " يوم السبت " ولم يقل " في "
فهنا قد جعل الطلاق في غدٍ كله فلا بد وأن يشمل اليوم كله الطلاق، وعليه
فلا يحكم عليه بالظاهر في نيته، لأن نيته تخالف ظاهر لفظه ولا يحتملها
اللفظ، فإذا قال " أنت طالق غداً أو يوم السبت " وقال أردت آخر النهار، فإن
ذلك لا يقبل منه وذلك لأن مقتضى لفظه وقوع الطلاق عليها في اليوم كله وأنها
في كل جزء من أجزاء ذلك اليوم طالق وعليه فنيته تخالف ظاهر لفظه، وعلى ذلك
فلا يقبل قوله في الحكم، والمشهور في المذهب؛ أنه لا يُدّن به فيما بينه
وبين ربه، والذي يترجح وهو قول في المذهب أنه يدين فيما بينه وبين ربه
بنيته وذلك لأن اللفظ يحتمل ذلك من باب المجاز، أي أنت طالق بعض غدٍ أو بعض
يوم السبت.
قوله: [وأنت طالق إلى شهرٍ طلقت عند انقضائه]
إذا قال لها " أنت طالق إلى شهر " أو " إلى سنة " فإن المرأة تطلق عليه عند
انقضاء الشهر وعند انقضاء السنة، وذلك لأنه جعل للطلاق غاية وهي قوله " إلى
شهر" والطلاق لا غاية لآخره كما هو معلوم فتعين أن تكون الغاية لأوله، فعلى
ذلك قوله " إلى شهر " أي ابتداءً للطلاق بعد مضي الشهر، وكذلك إذا قال "
أنت طالق سنة ".
قوله: [إلا أن ينوي في الحال فيقع]
فإذا نوى ذلك في الحال فإن الطلاق يقع.
قوله: [وطالقٌ إلى سنةٍ تطلق باثني عشر شهراً]
إذا قال " أنت طالق إلى سنة " فإن المرأة تطلق عليه بمضي اثني عشر شهراً.
قوله: [فإن عرفها باللام طلقت بانسلاخ ذي الحجة]
فإذا قال " أنت الطلاق إذا قضت السنة " أو
قال " إذا مضى الشهر "، فإذا مضى الشهر الذي هو فيه أو مضت السنة التي هو
فيها وإن كان في آخرها فإنها تطلق عليه، فلو أن رجلاً قال لامرأته وهو في
العاشر من ذي الحجة " أنت طالقة إذا مضى الشهر " فهنا " أل " هي " أل "
العهدية الحضورية وعليه فتطلق المرأة، إذا مضى هذا الشهر الذي هم فيه، كذلك
إذا قال في شهر ذي القعدة " أنت طالق إذا مضت السنة " فتطلق عليه إذا مضت
السنة التي هو فيها وذلك بانسلاخ شهر ذي الحجة، وإن قال أردت اثني عشر
شهراً قُبِلَ حكماً.
فائدة:
إذا قيل له قد زنت امرأتك فقال: " هي طالق "، ثم تبين أنها لم تكن زنت،
فقال أبي عقيل: لا تطلق وجعل السبب كالشرط اللفظي وهو قول عطاء وهو الظاهر
كأنه قال إن زنت فهي طالق.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم |