شرح زاد
المستقنع للخليل ـ[شرح زاد المستقنع]ـ
المؤلف: أحمد بن محمد بن حسن بن إبراهيم الخليل
عدد الأجزاء: 6
[الكتاب مرقم آليا]
شرح المقدمة
قال الشارح حفظه الله تعالى: -.
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله
وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: -
هذا الكتاب - يا إخواني - من تأليف الشيخ/ شرف الدين موسى بن أحمد بن موسى
الحجاوي المقدسي الصالحي.
والشيخ شرف الدين من أكبر فقهاء الحنابلة بل كان في عصره هو مفتي الحنابلة
في دمشق.
ولد الشيخ - رحمه الله - في قرية تسمى حجَّه سنة 895 هـ.
نشأ في هذه القرية - رحمه الله وغفر له - وأخذ مبادئ العلوم وقرأ القراءات
ثم أكب انكباباً كاملاً على علم الفقه.
ثم بعد فترة من الزمن انتقل - رحمه الله - إلى دمشق ولازم العلامة الشويكي
في الفقه إلى أن تمكن فيه تمكناً تاماً وانفرد بتحقيق مذهب الإمام أحمد
رحمه الله.
وهنا نكتة وهي أن العلامة الشويكي له كتاب اسمه: ((التوضيح)) جمع فيه بين
المقنع والتنقيح وهذا يعني أن له عناية خاصة بكتاب المقنع وهو أصل كتابنا
هذا الذي ندرسه - إن شاء الله.
وهذا يدل على أن عناية الشيخ شرف الدين موسى بالمقنع واختصاره كانت من زمن
طويل فهو امتداد لعناية شيخه الشويكي بالمقنع.
اشتهر الشيخ - رحمه الله - أيضاً بالورع والعبادة.
التحق بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمرو ودرس فيها والتدريس في هذه المدرسة هو
بحد ذاته منزلة علمية رفيعة.
توفي الشيخ - رحمه الله - سنة 968 هـ بعد عمر حافل بالعلم والفتوى
والتأليف.
له مؤلفات كثيرة نأخذ أهم المؤلفات:
أهم مؤلف - من وجهة نظري للشيخ - كتاب الإقناع جرَّد فيه مذهب الحنابلة
يقول صاحب شذرات الذهب: ((لم يؤلف مثله في تحرير النقول وكثرة المسائل)).
وله كتاب اسمه حاشية التنقيح في تحرير أحكام المقنع وهذا أيضاً يعطي دلالة
أن الشيخ له عناية مبكرة بكتاب المقنع.
له كتاب اسمه منظومة الآداب الشرعية في ألف بيت وشرحه هو بنفسه - رحمه
الله.
أخيراً له كتاب اسمه زاد المستقنع قي اختصار المقنع ويسمى أحياناً مختصر
المقنع وهو كتابنا هذا الذي سنشرحه إن شاء الله تعالى.
وجميع الكتب التي ذكرت مطبوعة طبعات جيدة محققة على نسخ خطية نفيسة.
هذا فيما يتعلق بالمؤلف.
ثم ننتقل إلى شرح مقدمة الكتاب.
•
قال المؤلف - رحمه الله -:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
قوله: بسم الله الرحمن الرحيم ابتدأ بالبسملة لأمرين:
الأول: اقتداء بكتاب الله حيث بدأ الله سبحانه وتعالى كتابه بالبسملة.
والثاني: اقتداء بمراسلات النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان إذا راسل
الملوك والرؤساء كتب في مقدمة الرسالة بسم الله الرحمن الرحيم.
كما ثبت في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما راسل هرقل
كتب له ((بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى عظيم الروم
هرقل)).
وقوله: ((بسم الله)) جار ومجرور.
والجار والمجرور دائماً يحتاج إلى متعلق ولكن لا نجد في بسم الله الرحمن
الرحيم شيئاً يتعلق به الجار والمجرور ولذا لابد من تقديره ويقدر هنا: بفعل
متأخر مناسب.
كأنه - رحمه الله - يقول: بسم الله أؤلف.
والرحيم: يتعلق بأفعال الرب سبحانه وتعالى.
اسم الجلالة ((الله)) و ((والرحمن))
يختصان بشيء لا يشاركهما فيه غيرهما من الأسماء وهو: أنه لا يجوز أن يطلق
هذان الاسمان إلا على الرب سبحانه وتعالى.
• ثم قال المؤلف - رحمه الله -:
الحمد للَّه حمداً لا ينفد
أيضاً بدأ المؤلف كتابه بالحمد اقتداء بالكتاب العظيم لأن أول الفاتحة وهي
أول سورة في القرآن فيها {الحمد لله رب العالمين}.
والحمد هو: ذكر محاسن وصفات المحمود على وجه المحبة والتعظيم والإجلال.
ـ فإن كان هذا الذكر خالياً من المحبة فهو: مدح.
ـ وإن كرر هذا الذكر مع المحبة انتقل من الحمد ليصبح ثناء.
فعندنا الآن حمد ومدح وثناء.
- ومما يتعلق بالحمد مسألة الشكر لأن حمد الله وشكره يقترنان كثيراً.
- فالفرق بين الحمد والشكر:
- أن الشكر يكون فقط في مقابلة النعمة فإن الإنسان لا يشكر على صفاته
الذاتية بدون أن يسدي نعمة ولا الله سبحانه وتعالى - اصطلاحاً يشكر على
نعمه ويحمد على صفاته الذاتية وأفعاله.
وهناك فرق آخر وهو:
- أن الشكر يؤدى باللسان والقلب والأركان - الجوارح.
بينما الحمد لا يؤدى إلا باللسان، قيل: وبالقلب.
وذهب بعض أهل العلم إلا أنه لا يوجد فرق بين الحمد والشكر.
والتفريق هو الأقرب.
وقوله ((لله)):
اللام: للاستحقاق والاختصاص.
يعني أن الذي يستحق استحقاقاً كاملاً أن يحمد ويحب ويعظم هو الرب.
كما أنه يختص بهذا الحمد.
وأل في الحمد: للاستغراق. ما معنى الاستغراق؟
أي استغراق جميع أنواع المحامد.
وقوله ((حمداً)): مصدر مؤكد.
وقوله ((لا ينفد)): يعني لا ينقطع ولا ينتهي.
وأشار أكثر من شارح إلى أن قوله: لا ينفد هو باعتبار استحقاق الرب لا
باعتبار أداء العبد لأن حمد العبد ينتهي بسكوته أو انقطاعه أو اشتغاله بغير
الحمد.
لكن الله سبحانه وتعالى يستحق حمدا لا ينفد.
• ثم قال المؤلف - رحمه الله -:
أفضل ما ينبغي أن يحمد، وصلى اللَّه وسلم على أفضل المصطفين محمد
الصلاة من الله على نبيه تعني الثناء عليه في الملأ الأعلى فإذا قلنا اللهم
صلًّ على محمد يعني: اللهم أثن عليه في الملأ الأعلى.
وهذا التفسير ذكره أبو العالية وهو من الطبقة الأولى من السلف من التابعين
وأخرجه البخاري معلقاً.
إذا عرفنا الآن معنى أن نطلب أن الله يصلي على نبيه أي: أننا نطلب أن يثني
عليه في الملأ الأعلى.
وقوله ((وسلم)):
معنى أننا نطلب من الله أن يسلم النبي: أي: أننا نطلب له السلامة من الآفات
والعيوب.
فنطلب له السلامة من الآفات والنقائص على حدٍّ سواء.
والنقص هو: النقص الأصلي الموجود في صفة الإنسان كالبخل مثلاً أو الجبن.
والآفات يعني: الأمراض والمصائب.
فنطلب له السلامة من الجهتين.
وقوله ((المصطفين)):
جمع مصطفى وهو: أفضل وخلاصة الخلق.
فنبينا - صلى الله عليه وسلم - أفضل الخلق على الإطلاق.
فإذا أردنا أن نبدأ من الأول فنقول:
o الأنبياء والرسل هم أفضل
الخلق.
o ثم أولوا العزم منهم أفضل
من الباقين.
o ثم أفضل أولي العزم نبينا
وحبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
• ثم قال المؤلف - رحمه الله -:
وعلى آله وأصحابه ومن تعبد
الآل: مشتقة من الرجوع آل إليه يعني رجع إليه وسمي أقارب الرجل آل لأنهم
يرجعون إليه نسباً.
ولكن ما المقصود بالآل في كلام المؤلف؟
هذا محل خلاف بين أهل العلم:
ـ منهم من قال: آل النبي - صلى الله عليه وسلم - هم أهله وأزواجه وأقربائه
المؤمنين به.
ـ ومنهم من قال: بل آل الرجل هم أتباعه على دينه.
ـ ومنهم من قال: أن هذا يختلف باختلاف السياق فالسياق هو الذي يحدد هل
المقصود بالآل أقارب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أصحابه.
ولعل الأقرب والله سبحانه وتعالى أعلم أنه:
إذا عطف الأصحاب على الآل صار المقصود بالآل: أقرباء النبي - رضي الله عنه
-.
وإذا لم يعطف على الآل الأصحاب صار المقصود بالآل الأقرباء والأصحاب يعني
أتباعه على دينه من أقربائه ومن غيرهم.
= بقينا في مسألة واحدة:
من هم آل النبي الذين يقصد من أقربائه هل هم جميع الأقرباء أو جزء من
الأقرباء؟
الذي مال إليه ابن القيم - رحمه الله - أن آل النبي - صلى الله عليه وسلم -
هم: من تحرم عليهم الزكاة فقط وهم: بنو هاشم.
وقوله ((وأصحابه)):
أصحاب النبي هم كل من لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته مؤمناً به
ومات على ذلك.
فإذا لقيه وهو كافر ثم آمن بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس
بصحابي.
وإذا آمن بلا لقيا فهذا من باب أولى.
وإذا رآه وآمن به ولكنه مات كافراً فليس أيضاً من الصحابة.
• ثم قال المؤلف - رحمه الله -:
أما بعد: فهذا مختصر في الفقه
شرع الشيخ في المقصود.
وقوله ((أما بعد)):
معنى هذه الكلمة مهما يكن من شيء بعد هذه المقدمة فهذا مختصر في الفقه.
والكلام المختصر هو: كل كلام قلَّت حروفه وكلماته وكثرت معانيه.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - أوتي جوامع الكلم.
والكلام المختصر يمدح - في الأصل - ما لم يخل بالمقصود.
وقوله ((في الفقه)):
حَّددَ - رحمه الله - الفن الذي أراد أن يؤلف فيه وأن تأليفه على سبيل
الاختصار.
• ثم قال المؤلف - رحمه الله -:
من مقنع الإمام الموفق أبي محمد
الإمام الموفق أبي محمد هو/ عبد الله بن أحمد بن قدامة علم مشهور من أشهر
علماء الحنابلة حتى أنه إذا قيل الشيخ عند المتقدمين يقصد به ابن قدامة.
له مؤلفات مشهورة معروفة انتفع بها المسلمون منها كتاب المقنع.
والشيخ - رحمه الله - تعالى ألف ثلاث كتب:
الأول: العمدة وهو أخصر كتب الفقه التي ألفها على قول واحد.
ثم ألف بعده المقنع وطريقته - رحمه الله - أن يذكر فيه قولين أو وجهين أو
احتمالين ويطلق الخلاف ليتمرن طالب العلم على معرفة الاختلاف داخل مذهب
الحنابلة.
ثم ألف بعد ذلك المغني وذكر فيه الخلاف العالي بين أصحاب المذاهب مع
الأدلة.
((وبهذه المناسبة الكتاب الذي وزع عليكم
ذكر محقق الكتاب في المقدمة اختصاراً لكل ما ذكره الشيخ بكر أبو زيد في
كتابه المدخل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل.
وللشيخ بكر أبو زيد حفظه الله له كتاب المدخل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل
كتاب رائع جداً يتكلم في عن مذهب الحنابلة عن مصطلحاتهم عن ترجمة مختصرة
للإمام أحمد عن أشهر الكتب وعن أشياء كثيرة تتعلق بالمذهب.
المحقق أجاد في اختصار هذا الكتاب ذكر في المقدمة أنه اختصر هذا الكتاب
أريد من كل واحد من إخوانا أن يقرأ اختصار المحقق لكتاب الشيخ بكر المذكور
في المقدمة والاختصار أنصحكم بقراءته قراءة للانتفاع لكن ذكر موضوعين لابد
من القراءة فيهما.
الموضوع الأول: مزايا فقه الحنابلة ذكر ماذا يمتاز فقه الحنابلة وذكر
مايتعلق باهتمامهم بالدليل وأقوال الصحابة.
الثاني: ذكر موضوع أصول الإمام أحمد التي كان يعتمد عليها في تقرير الأحكام
الفقهيه)).
• ثم قال المؤلف - رحمه الله -:
على قول واحد
أفاد المؤلف - رحمه الله - أن تأليفه هذا مختصر وأنه يقتصر فيه على قول
واحد فقط ثم بين ما هو هذا القول:
• فقال - رحمه الله -:
وهو الراجح في مذهب أحمد
إذاً أراد المؤلف أن كل ما يذكره في هذا الكتاب فهو المذهب الاصطلاحي
للإمام أحمد وهو مذهب الحنابلة.
فيصح أن ننسب أي قول في هذا الكتاب فنقول هذا مذهب الحنابلة لأنه يقول: على
قول واحد وهو الراجح في مذهب أحمد.
وقد التزم - رحمه الله - هذا الأمر ولم يذكر في كتابه أي مسألة ليست
متوافقة مع المذهب الاصطلاحي للإمام أحمد فيما عدا نحو ثلاثين مسألة سيأتي
التنبيه على كل مسألة عند ذكرها.
فيما عدا هذا التزم - رحمه الله - بما ذكره من أنه سيذكر الأقوال متوافقة
مع مذهب الإمام أحمد.
- - وهنا نقطة أحب التنبيه إليه:
ذكر كثير من المعاصرين والمتأخرين أن هناك مذهب شخصي للإمام أحمد وهناك
مذهب اصطلاحي.
والفرق بينهما أن المذهب الاصطلاحي هو المذكور في كتب الحنابلة المعتمد
عليها عند المتأخرين وهو كشاف القناع ومنتهى الإرادات.
والمذهب الاصطلاحي هو المسائل والفتاوى والروايات المنقولة عن الإمام أحمد.
وأشاروا إلى أن هناك فرقاُ بين المذهب الاصطلاحي والمذهب الشخصي.
وفيما أرى وبحسب اطلاعي على أقوال الحنابلة
الاصطلاحية مع جمعها مع مسائل الإمام أحمد المطبوع - وقد طبع كما تعلمون
منها نحو سبع كتب روايات عن الإمام أحمد.
يظهر لي أن الحنابلة لا يخرجون عن روايات الإمام أحمد إلا أن الإمام أحمد
له أكثر من رواية ولكن الحنابلة - أصحاب الإمام أحمد - يعتنون حين تقرير
المذهب بروايات الإمام أحمد وأقواله واختياراته - رحمه الله - فليس هناك
فرق بين المذهب الاصطلاحي والمذهب الشخصي إلا فيما يتعلق بالروايات.
والروايات لا يمكن حصرها حيث تبلغ في بعض المسائل إلى سبع روايات لكن
الحنابلة يلتزمون بالروايات المذكورة عن الإمام أحمد.
• ثم قال المؤلف - رحمه الله -:
وربما حذفت منه مسائل نادرة الوقوع وزدت ما على مثله يعتمد
إلى هنا عرفنا عدة مزايا ذكرها المؤلف لكتابه:
الأول: أنه مختصر.
والثاني: أنه مختصر من المقنع. وهذه ميزة لأن المقنع كتاب مشهور حافل اعتنى
به الأئمة شرحاً وتهميشاً وحواشي فهو كتاب حافل جداً فكونه اختصار للمقنع
هذه بحد ذاتها ميزة.
الثالث: أنه على قول واحد.
الرابع: أنه التزم بأن يذكر في الكتاب الراجح عند الحنابلة.
الخامس: أنه حذف المسائل النادرة.
السادس: أنه زاد ما على مثله يعتمد. هذه ست مزايا لكتابنا هذا.
• ثم قال المؤلف - رحمه الله -:
إذ الهمم قد قصرت
هذا تعليل لأمرين:
الأول: أنه مختصر.
والثاني: أنه اكتفى بقول واحد.
لأن من الحنابلة من ألف كتاباً مختصراً ولم يكتف بقول واحد كالمقنع فالمقنع
يعتبر مختصراً وهو مع ذلك يذكر قولين.
• ثم قال المؤلف - رحمه الله -:
والأسباب المثبطة عن نيل المراد قد كثرت
قصور الهمم وكثرت الأسباب المثبطة لم توجد في عصر من الأعصار قطعاً بلا
تردد أكثر مما وجدت في عصرنا هذا لكثرت الملهيات وانفتاح الدنيا واشتغال
الناس بها وبالملذات وضاعت همة كثير من الناس.
وهذا يوجب للإنسان أن يحفز همته وأن يستعد وأن يبادر ويسأل الله أن يوفقه
لإتمام ما بدأ به من طلب العلم.
وإذا كان الشيخ في وقته يقول مثل هذا الكلام فكيف به لو رأى وقتنا.
وإلى وقت قريب كانت همم أهل العلم رفيعة
جداً فلنذكر مرحلة قريبة جداً ومثال واحد - كان من علماء هذا البلد - الشيخ
أبا بطين مفتي الديار يقول أحد تلاميذه قرأت عليه شرح منتهى الإرادات
مراراً مراراً - مع التحرير والبحث والمدارسة والمراجعة أثناء الدرس - تصور
- مَنْ مِنْ طلاب العلم التزم أثناء طلبه للعلم بقرءاة كتاب كبير مثل شرح
منتهى الإرادات مراراً.
هذا في وقت الشيخ أبا بطين ففي وقت المؤلف كانت الهمم أعلى.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا همة وإخلاصاً وإقبالاً.
• ثم قال المؤلف - رحمه الله -:
وهو بعون الله مع صغر حجمه حوى ما يغني عن التطويل
هذه ميزة أخرى للكتاب أنه مع أن حجمه صغير إلا أنه حوى ما يغني عن التطويل
بحيث إذا ألم الإنسان بمفردات مسائل الزاد حصل له خير عظيم وتمرس في الفقه
وأصبح طالباً ناضجاً يستطيع أن يفهم كلام أهل العلم وأهل الاختصاص في هذا
الفن.
• ثم قال المؤلف - رحمه الله -:
ولا حول ولا قوة إلاّ باللَّه وهو حسبنا ونعم الوكيل
معنى لا حول ولا قوة إلا بالله: أي أنه لا تحول ولا انتقال للعبد من حال
إلى حال إلا بقوة الله وإعانته سبحانه وتعالى.
ونلاحظ أن الشيخ - رحمه الله - شديد التضرع والإقبال على الله حتى أنه في
آخر هذه المقدمة المختصرة جداً أعاد وكرر الاستعانة والتوكل على الله.
فقال: وهو بعون الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل.
فهو إن شاء الله من العلماء الربانيين الذين لهم تعلق بالرب سبحانه وتعالى.
ونحن نسأل الله سبحانه أن يعيننا وأن يوفقنا وأن يجعلنا هداة مهتدين.
• قال المؤلف - رحمه الله -:
كتاب الطهارة
قوله: ((كتاب)):مصدر يقال كتبت كتاباً.
ونوع هذا المصدر أنه مصدر سيَّال.
وما هو المصدر السيَّال؟
هو الذي يحدث شيئاً فشيئاً فإن الأفعال تارة تحصل جملة واحدة وتارة تحصل
بالتدريج فكتابة الكتاب - مثلاً -:
هل تحصل جملة أو بالتدريج؟
بالتدريج.
والأكل والشرب يحصلان جملة أو بالتدريج؟
بالتدريج.
والخروج من الباب يحصل جملة واحدة أو بالتدريج؟
جملة واحدة.
فالكتاب هذا المصدر سيَّال يعني أنه يحصل شيئاً فشيئاً.
والمقصود من قوله: ((كتاب)):أي المكتوب يعني هذا مكتوب في الطهارة.
• قال المؤلف - رحمه الله -:
كتاب الطهارة
العلماء يبدؤون بأركان الإسلام ويبدؤون من
أركان الإسلام بالصلاة لأنها أعظم أركان الإسلام ويبدؤون من الصلاة بشرط
الطهارة لأنها مفتاح للصلاة.
وقوله ((كتاب الطهارة)): الطهارة كما تلاحظ المؤلف لم يعرفها لغة.
الطهارة في لغة العرب: هي النظافة والنزاهة من الأقذار الحسية والمعنوية.
- فالأقذار الحسية معلومة.
- والأقذار المعنوية كالشرك والذنوب.
فهذا هو معنى الطهارة في لغة العرب.
ثم ذكر الشيخ ’ تعالى تعريف الطهارة الاصطلاحي وهو المهم عندنا الآن.
• فقال ’:
وهي ارتفاع الحدث وما في معناه وزوال الخبث
ارتفاع الحدث وزوال الخبث هذان هما: عنصرا الطهارة.
إذاً الطهارة تنصرف إلى الحدث وإلى الخبث.
قوله: ((ارتفاع الحدث))
الحدث هو: وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها.
وفهم من هذا التعريف أنه ليس أمر اً حسياً وإنما هو وصف قائم بالبدن ومن
شأن هذا الوصف أن يمنع من الصلاة ونحوها.
والمقصود من كلمة ((نحوها)): كل ما تشترط له الطهارة كقراءة القرآن والطواف
عند من يرى اشتراط الطهارة للطواف.
إذاً الطهارة هي ارتفاع الحدث وما في معناه.
عرفنا الآن ما هو الحدث؟ وعرفنا أن ارتفاع هذا الحدث هو أحد عنصري الطهارة
وأن العنصر الآخر هو زوال الخبث.
قوله ((وزوال الخبث))
الخبث هو: النجاسة الحسية ولا يدخل معنا الآن النجاسة المعنوية.
إذاً ارتفاع الحدث وزوال الخبث.
لاحظ دقة الفقهاء فقد عبَّر ’:
- عن الحدث بالارتفاع لأنه أمر غير محسوس يرتفع ارتفاعاً معنوياً.
- وعن النجاسة بكلمة زوال لأنه زوال محسوس.
والخبث هنا هو النجاسة الحسية كما تقدم.
قوله: ((وما في معناه))
يعني مافي معنى الإرتفاع.
ما معنى هذه العبارة؟
إذا أحدث الإنسان ثم توضأ ارتفع الحدث ارتفاعاً حقيقياً لكن إذا كان
الانسان على طهارة ثم توضأ فهنا ارتفع ارتفاعاً معنوياً وليس حقيقياً لأن
لا يوجد أصلاً حدث يرتفع فهو في الأصل على طهارة.
إذاً ومافي معناه: الضمير إلام يعود إلى الحدث أو إلى الارتفاع؟
- إلى الارتفاع.
ذكر الحنابلة عدة صور لما يعتبر في معنى الارتفاع:
- منها هذا الذي ذكرته لك وهو من توضأ على طهارة.
- ومنها الغسلة الثانية والثالثة في الوضوء والغسل.
- ومنها عند الحنابلة التيمم لأنهم يعتبرون
التيمم مبيح وليس رافعاً.
وهذا أمر سيأتي التطرق إليه عند الكلام على التيمم.
ثم انتقل الشيخ - رحمه الله - تعالى إلى الحديث عن المياه لأنها وسيلة
الطهارة
• فقال - رحمه الله -:
المياه ثلاثة
يقصد الشيخ بقوله المياه ثلاثة أن المياه - كل المياه - في الشرع - لا
العرف ولا في العقل - تنقسم إلى ثلاثة أقسام عند الحنابلة هي:
1. طهور.
2. وطاهر.
3. ونجس.
وسيأتي تفصيل هذه المسألة حيث سيعتني بها المؤلف عناية خاصة لأن البحث في
المياه من أساسيات كتاب الطهارة.
وتقسيم المياه إلى ثلاثة هذا مذهب الحنابلة وأيضاً مذهب المالكية الشافعية
فهو مذهب الأئمة الثلاثة.
وذهب الأحناف إلى أن المياه تنقسم إلى قسمين فقط:
1. طهور.
2. ونجس.
وأن قسم الطاهر ليس له وجود في الشرع.
وهذا القول الثاني هو القول الذي تدل عليه الأدلة الشرعية فإنه ليس في
الشرع وجود لقسم اسمه طاهر وليس طهور.
وهذا القول هو اختيار كثير من المحققين منهم شيخ الاسلام بن تيمية - رحمه
الله -.
ويتضح هذا البحث - تقسيم المياه إلى ثلاثة - لطالب العلم إذا تكلمنا عن قسم
الطاهر فسنبين أنه ليس بموجود ونذكر الأدلة.
وإذا لم يكن موجوداً هذا القسم صارت المياه فقط: طهور ونجس.
ونبدأ بالطهور:
• قال - رحمه الله -:
طهور لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس الطارئ غيره
مقصوده بكلمة طهور: يعني مطهر فهو طاهر في نفسه مطهر لغيره.
وقد عرَّف الشيخ الطهور ببيان حكمه والتعريف ببيان الحكم أحياناً يكون أنفع
من التعريف ببيان الحقيقة لأن الذي يهمنا الآن هو بيان حكم الماء الطهور
وليس حقيقته وماهيته.
فقال الشيخ الطهور هو الذي لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس الطارئ غيره.
لا يرفع الحدث شيء من المائعات إلا الماء فالنبيذ والعصير وما يسمى مثلاً
بالشاهي والقهوة كل هذه الأمور مائعات لكنها لا ترفع الحدث إنما يرفع الحدث
فقط ماذا؟
الماء ليس إلا.
وكونه لا يرفع الحدث إلا الماء هذا أمر متفق عليه بين الأئمة الأربعة ولا
يحتاج إلى وقفة.
إنما ذهب الأحناف فقط إلى أن النبيذ يرفع الحدث لحديث ابن مسعود أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - توضأ بنبيذ التمر.
والجواب على هذا الاستدلال أن الحديث ضعيف جداً أو موضوع.
إذاً بقينا أنه لا يرفع الحدث إلا الماء
الطهور فقط.
• ثم قال - رحمه الله -:
ولا يزيل النجس
النجس في لغة العرب القذارة.
وفي الاصطلاح عرفوها بتعريف يقرب النجاسة التي يجب أن تزال ليحصل التطهر أو
الطهارة فقالوا: ... كل عين يحرم تناولها لا لضرر ولا لاستقذار ولا لحرمة.
ثلاثة أشياء: كل عين يحرم على الانسان أن يتناولها لا لضرر ولا لاستقذار
ولا لحرمة فهي نجسة.
فخرج بقوله ((لا لضرر)): السم.
فالسم لايجوز للإنسان أن يتناوله لا لأنه نجس ولكن لأنه مضر.
وخرج بقوله ((ولا لاستقذار)) المخاط والمني.
فإن كلَّاً منهما طاهر لكن مع ذلك لا يجوز للإنسان أن يتناولهما بسبب
الاستقذار لا بسبب النجاسة.
وخرج بقوله ((ولا لحرمتها)) صيد المحرم.
فإن صيد المحرم يعتبر ميتةً لأنه لم تتحقق في شروط التذكية. فلا يجوز
للمسلم أن يتناوله والسبب أنه محرم وليس لأنه نجس.
إذاً إذا أخذت هذا الضابط عرفت كل عين نجسة.
فعرفنا الآن أن البول نجس لأنه لا يجوز تناوله بسبب النجاسة لا لسبب من
الأسباب الثلاثة التي ذكرنا.
وكذلك الغائط والدم والميتة والخنزير والخمر فيشمل كل نجس.
وسيخصص المؤلف باباً لبيان الأعيان النجسة ولكنه الآن يريد أن يبين حكم
الأعيان النجسة هنا.
ثم لما بين الشيء المهم وهو حكم الماء الطهور انتقل إلى بيان حقيقة الماء
الطهور.
• فقال - رحمه الله -:
وهو الباقي على خلقته
وقد يكون بقاء الماء على خلقته بقاء حقيقياً وقد يكون بقاءً حكمياً.
ما الفرق بين البقاء الحكمي والحقيقي؟
البقاء الحقيقي هو: الماء الذي بقي على خلقته الأصلية لم يتغير منه لا لون
ولا رائحة ولا طعم لا بطاهر ولا بنجس كمياه الأمطار والآبار.
أما الماء الذي بقي على خلقته بقاءً حكمياً: فكالماء المتغير - الآسن - فإن
الماء إذا بقي في إناء معدني يتغير ولكنه مع ذلك يبقى طهوراً لأنه باقٍ على
خلقته وهذا التغير لا يؤثر عليه.
ثم لما بين الشيخ - رحمه الله - تعالى تعقيب الماء الطهور باعتبارين
باعتبار حكمه وباعتبار حقيقته انتقل إلى التفاصيل التي تتعلق بالماء
الطهور.
• فقال - رحمه الله -:
فإن تغير بغير ممازج
ذكر الشيخ حكم الماء إذا تغير بغير ممازج وسيذكر بعد ذلك حكم الماء إذا
تغير بممازجة.
ونبقى الآن بالماء الذي يتغير بغير ممازجة
ذكر الشيخ له عدة أمثلة.
• قال ’:
كقطع كافور
المثال الأول: إذا تغير بقطع الكافور. الكافور نوع من الطيب معروف – لكن
يشترط في هذا الطيب أن يكون قطع وهذا الشرط احترازاً من ماذا؟
من المسحوق أو الناعم لا السائل.
فإذا كان الكافور قطعاً وسقط في الماء فإنه تغير الماء بهذا الكافور هو
تغير بممازجة أو بغير ممازجة؟ بغير ممازجة. يعني بغير اختلاط فالممازجة هي
الاختلاط.
• قال ’:
أو دهن
المقصود بالدهن جميع أنواع الدهون فجميع أنواع الدهون لا تختلط بالماء إذا
وقعت فيه
• قال ’:
أو بملح مائي
الملح المائي هو: الملح المنعقد من الماء فإن الماء إذا أطلق في السباخ
انقلب إلى قطع ملح فإذا ألقي مرة أخرى في الماء ماع وانحل في هذا الماء ومع
ذلك يبقى بغير ممازجة وهذا النوع من الملح – الملح المائي - إذا وقع في
الماء فإن الحنابلة يعتبرون الماء مازال طهوراً ولكنه مكروه.
إذاً عرفنا الآن أن الماء إذا تغير بغير ممازج فإذا وقع فيه الكافور أو وقع
فيه دهن أو وقع في ملح مائي فإنه يعتبر ماء طهورا ولكنه مكروه.
وعليه نحتاج إلى الجواب عن سؤالين:
1 - لماذا بقي طهوراً؟ ... 2 - ولماذا كره؟
أما لماذا بقي طهوراً؟ فالجواب: فلأنه هذا التغير بالمجاورة وليس بالمخالطة
وقاعدة الحنابلة: أن أي تغير بالمجاورة بدون مخالطة يبقى معه الماء طهوراً.
وأما لماذا كره مادام بقي طهوراً؟ فالجواب: لأنه اختلف فيه فذهب بعض أهل
العلم إلى أنه خرج من الطهورية إلى الطاهرية فسلبت طهوريته فأصبح بدلاً من
أن يكون طهوراً طاهر فقالوا: نظراً لهذا الخلاف نحكم عليه بالكراهة.
- أما التعليل الأول وهو كونه يبقى طهوراً فهو تعليل صحيح وفقهي قوي.
- أما التعليل الثاني وهو كونه يصبح مكروها مع كونه طهوراً فهو تعليل ضعيف.
ولكن أحب أن أنبه إلى شيء:
وهو أن كثيراً من الطلاب يسمع قضية أن التعليل بالخلاف عليل وأنه ضعيف وأنه
لا يعلل الحكم الشرعي بوجود الخلاف بين أهل العلم وهذا الكلام كله صحيح
وقوي علمياً.
لكن يبقى أن يلاحظ طالب العلم أن مراعاة الخلاف والاحتياط والورع أمر مطلوب
من طالب العلم ومن العامل.
ألاحظ الآن أن مسألة الاحتياط في مسائل
الخلاف أصبحت ملغاة مع أن أكثر الذين ألفوا في القواعد الفقهية ذكروا من
القواعد الفقهية أن مراعاة الخلاف أمر مطلوب.
فإذاً نحن نقول هذا الماء ليس بمكروه لأن الكراهة حكم شرعي تحتاج إلى دليل
ومجرد وجود الخلاف ليس دليلاً شرعياً.
لكن مع ذلك ينبغي لطالب العلم أن يستشعر أن المسألة إذا كان فيها خلاف
لاسيما إذا كان الخلاف قوياً فينبغي أن يحتاط فيها الإنسان احتياطاً
واضحاً.
فبعض المسائل يكون الخلاف فيها قوي جداً إلى درجة أن عدداً من أهل العلم
يتوقف في الترجيح وفي الإفتاء.
مثال ذلك: مسائل طلاق الثلاث والطلاق في الحيض مسائل مشكلة جداً وغاية في
الإشكال حتى كان الإمام أحمد لا يمكن أن يفتي في مسائل الطلاق بالثلاث أو
في حيض وإذا طالع الإنسان الخلاف عرف أن الخلاف قوي.
المقصود الآن أن مراعاة الخلاف أمر طيب من طالب العلم على سبيل الورع
والاحتياط.
• قال - رحمه الله -:
أو سخن بنجس
إذا سخن الماء بنجاسة فإن الحنابلة يعتبرونه طهور ولكنه مكروه فنحتاج أيضاً
إلى الجواب على السؤالين:
1. لماذا بقي طهوراً؟
2. ولماذا هو مكروه؟
أما الجواب على أنه لماذا بقي طهوراً فلنفس السبب الأول وهو أن التغير هنا
بمجاورة.
وأما لماذا كره؟ قالوا: لأنه لا يؤمن أن تنتقل إليه أجزاء من الدخان
المنبعث من النجاسة فلأجل هذا الأمر جعلوه مكروهاً.
عرفنا من هذا التقرير للحنابلة أن الإناء إذا كان محكم الإغلاق لا يصبح بعد
ذلك مكروهاً لأنا نأمن من وصول الدخان إليه - مع ذلك قسم كبير من الحنابلة
يرون أنه مكروه ولو كان محكم الإغلاق.
((انتهى الدرس الأول))
بالأمس تكلمنا عن مسألة ونسينا الحقيقة
مسألة.
• فيقول المؤلف - رحمه الله -:
لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس الطارئ غيره
قوله: ((ولا يزيل النجس الطارئ غيره)):
- الحنابلة يرون أنه لا يمكن إزالة النجاسة إلا بالماء فقط وهذا أيضاً مذهب
المالكية والشافعية فهو مذهب الأئمة الثلاثة.
ويستدلون بحديث صحيح وهو: - حديث أسماء أنها سألت النبي - صلى الله عليه
وسلم - عن دم الحيض يصيب الثوب فقال: (تحته ثم تقرصه ثم تغسله بالماء).
قالوا: فنص النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن غسل النجاسة ومنها دم
الحيض يكون بالماء.
عرفنا الآن مذهب الحنابلة وهذه هي المرحلة الأولى في كل المسائل أن تفهم
مذهب الحنابلة فهماً صحيحاً وتفهم دليلهم لأننا نتدارس في كتاب من كتبهم.
- وذهب أبو حنيفة - رحمه الله - إلى أنه يمكن إزالة النجاسة بأي مزيل.
ويستدل الحنفية بأدلة قوية أيضاً.
الدليل الأول لهم: جميع أحاديث الاستجمار لأن الاستجمار عبارة عن إزالة
النجاسة بغير الماء أي: بالأحجار.
ويستدلون أيضاً بحديث صحيح أخرجه البخاري في صحيحة أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - سألته عائشة عن الدم يصيب الثوب فقالت: كنا ننزعه بالريق
والظفر.
ومن المعلوم أن إزالة الدم من الثوب بالريق والظفر إزالة للنجاسة بغير
الماء.
فصار للأحناف كم دليل؟ دليلان ولهم أدلة كثيرة هذان الدليلان أقوى الأدلة
باعتبار أنها من النصوص.
ولهم دليل ثالث وهو أن الحكم يزول بزوال علته، وعلة التنجيس وجود النجاسة
فإذا زالت بأي مزيل زال حكمها. - وهذه قاعدة مفيدة لطالب العلم.
وهذا القول اختاره عدد من المحققين واختاره بعض السلف كالفقيه المعروف ابن
أبي ليلى وهو اختيار أيضاً ابن قاضي الجبل من الحنابلة واختيار أيضاً شيخ
الإسلام ابن القيم.
وابن قاضي الجبل سيتكرر معنا باعتبار أن له
اختيارات رائعة جداً وهو من تلاميذ شيخ الاسلام ابن تيمية - رحمه الله - -
وقد انتدب بعض طلاب العلم لجمع اختيارات ابن قاضي الجبل - رحمه الله -.
وهذا القول الثاني الذي هو مذهب الحنفية هو القول الصواب وما ذهب إليه
المؤلف قول ضعيف.
بالإضافة إلى أن فيه تشديد وتعسير على الناس.
• قال - رحمه الله -:
ولا يزيل النجس الطارئ غيره
قوله ((الطارئ)): يفهم منه أن النجاسة تنقسم إلى قسمين:
1. نجاسة عينية.
2. ونجاسة طارئة.
والنجاسة التي تقبل التطهير هي: النجاسة الطارئة.
أما النجاسة العينية: فإنها لا تقبل التطهير إلا بالاستحالة وسيفرد المؤلف
كلاماً خاصاً عن الاستحالة في باب إزالة النجاسة.
مثال النجاسة العينية: العذرة والكلب والخنزير وما شابه هذه الأعيان التي
تعتبر نجسة نجاسة عينية.
مثال المعين النجس نجاسة طارئة: الثوب إذا أصيب ببول أو الأرض إذا أصيبت
بدم.
إذاً التطهير ينفع في النجس نجاسة عينية أو
في النجس نجاسة طارئة؟
الطارئة ولهذا نص المؤلف على ذلك بقوله: ولا يزيل النجس الطارئ غيره.
نرجع إلى ما توقفنا عنده.
• قال المؤلف - رحمه الله -:
((وإن تغير بمكثه))
إذا تغير الماء بمكثه يعني بسبب طول مكثه فإن يبقى طهور بلا كراهة.
والدليل: الإجماع. فإن العلماء أجمعوا أن مثل هذا الماء يبقى طهوراً.
• قال - رحمه الله -:
((أو بما يشق صون الماء عنه))
إذا تغير الماء بما يشق صونه عن الماء فإنه يعتبر طهورٌ بلا كراهة.
التعليل: قال التعليل القاعدة المتفق عليها وهي أن المشقة تجلب التيسير.
هنا يتبادر إلى الذهن سؤال:
هل يبقى الماء طهور بلا كراهة ولو خالطه هذا الذي يشق صونه عن الماء؟ حتى
لو خالطه.
الجواب: نعم. إذا سقط فيه شيء واختلط فيه ومازجه فبما أنه يشق صونه عن
الماء فإن الماء يبقى طهوراً للقاعدة السابقة.
عرف من قوله: يشق صون الماء عنه حكم مسألتين لم يذكرهما المؤلف - رحمه الله
- وأنا قلت لك في الدرس السابق أن الكتاب فيه مسائل تؤخذ من المنطوق وفيه
مسائل تؤخذ من المفهوم.
فمفهوم قوله يشق صون الماء أنه لو جاء شخص ووضع قصداً هذا الشيء في الماء
يصبح ماذا؟
طهور مكروه أو طاهر؟
- إن اختلط به صار طاهراً.
- وإن لم يختلط به صار طهور ولكنه مكروه.
وإن وقع فيه مالا يشق صون الماء عنه أيضاً يصبح طهور: ولكنه مكروه.
إذاً قوله - رحمه الله - أو بما يشق صون الماء عنه له مفهوم ومراد للمؤلف
أنه إذا كان لا يشق صون الماء فإن الماء لا يبقى طهور بلا كراهة وإنما يصبح
طهوراً مع ماذا؟ مع الكراهة.
• قال - رحمه الله -:
((أو بمجاورة ميتة))
يعني إذا كان بجوار الماء ميتة ثم تغير الماء بسبب مجاورة الميتة وغالباً
سيتغير فيه أي صفة من الصفات؟ الرائحة.
فإن هذا الماء يبقى طهور وبلا كراهة مع العلم أنك أذا تناولت هذا الماء تشم
فيه رائحة ماذا؟ الميتة.
مع ذلك يرى الحنابلة بل يرى الأئمة الأربعة بل حكي الإجماع أن هذا الماء
يبقى طهور بلا كراهة.
لكن من المعلوم أن كثيراً من الناس نفسه لا تقبل مثل هذا الماء بسبب وجود
الرائحة المؤذية لكن حكمه الفقهي أنه يبقى طهور وأيضاً بلا كراهة.
- أما أنه طهور فواضح لأنه باقي على خلقته الأصلية.
- وأما بلا كراهة فلأنه لا يوجد دليل على
الكراهة بل أجمعوا على عدم الكراهة.
• ثم قال ’:
أو سخن بالشمس أو بطاهر.
إذا سخن الماء بالشمس أو سخن بطاهر –كالحطب - فإنه يبقى طهور بلا كراهة.
الدليل على أنه يبقى طهور بلا كراهة أن الصحابة è
دخلوا الحمامات وهي الأماكن العامة التي وضعت للاغتسال واغتسلوا بالماء
الذي فيها للتنظيف والتبريد والتطهر – يعني غسل الجنابة ومن المعلوم أن
المياه التي في الحمامات العامة تسخن قبل أن يتناولها المغتسل.
وهذه الحمامات وإن كانت لا توجد في نجد إلا أنها منتشرة وبكثرة في الشام
ومصر وكثير من البلدان.
فهذه الحمامات الماء الذي فيها مسخن أو بارد؟
مسخن واغتسل فيها الصحابة وهي مسخنة.
والإمام أحمد ’ من أصوله الأخذ بما ورد عن الصحابة ولذلك كله اعتبر أن
الماء المسخن طهور بلا كراهة.
بين المؤلف قسماً من المياه تعتبر طهورة ولكنها مكروهة ثم بين قسماً من
المياه تعتبر طهورة ولكن بدون كراهة ثم رجع المؤلف مرة أخرى لقسم المياه
الطهورة المكروهة.
• فقال ’:
((وإن استعمل في طهارة مستحبة، كتجديد وضوء وغسل جمعة وغسلة ثانية وثالثة:
كره))
إذا استعمل في طهارة مستحبة فإن الماء المستعمل في هذه الطهارة المستحبة
يعتبر عند الحنابلة طهور لكن مكروه.
يلاحظ على المؤلف ’ أنه أخل بالترتيب المنطقي لأنه ذكر نوع المياه (( ....
)) المكروهة ثم انتقل إلى غير المكروه ثم رجع إلى المكروه والمفترض
والمتبادر إلى الذهن أن يجعل المكروه جملة واحدة في مكان واحد والطهور غير
المكروه في مكان واحد لكنه ’ قسمها هذا التقسيم.
إذا استعمل الماء في طهارة مستحبة ومثل المؤلف للطهارة المستحبة تجديد وضوء
وغسل جمعة وغسلة ثانية وثالثة فإن الماء يصبح طهور ولكنه مكروه وهذا مذهب
الحنابلة.
والقول الثاني في هذه المسألة: أن الماء المستعمل في طهارة مستحبة يبقى
طهور بلا كراهة لأنه لا يوجد دليل على الكراهة.
وتقدم معنا أن الكراهة حكم شرعي من الأحكام التكليفية الخمسة يحتاج إلى
دليل وبلا دليل لايمكن القول بهذا الحكم.
ولكن لماذا اعتبر الحنابلة الماء المستعمل في طهارة مستحبة مكروه؟
قالوا: لأنه اختلف العلماء في سلبه
الطهورية والحنابلة يعللون كثيراً بالاختلاف فكل مسألة يختلف فيها العلماء
يعتبرونها مكروهة وإن كانوا لم يطردوا في جميع المسائل.
• قال المؤلف - رحمه الله -:
((وإن استعمل في طهارة مستحبة))
عرفنا من هذه العبارة أنه إذا استعمل في طهارة واجبة فله حكم آخر وهذا
المفهوم صحيح وسيصرح المؤلف بحكم الماء المستعمل في طهارة واجبة.
بعد أن بين المؤلف الكلام عن الطهور بأقسامه - كما تقدم معنا الآن وعرفنا
حكم كل قسم من أقسام الماء الطهور انتقل المؤلف إلى موضوع آخر مهم وسيتكرر
معنا وهو الكلام عن الماء الكثير والماء القليل.
ولكن إذا سئل الإنسان لماذا ذكر المؤلف الماء القليل والماء الكثير؟
فالجواب: لأنه سيرتب أحكاماً كثيرة على الماء القليل والماء الكثير فاحتاج
قبل أن يذكر أحكامهما أن يبين ما هو الماء القليل وما هو الماء الكثير.
• قال - رحمه الله -:
وإن بلغ قلتين وهو الكثير - وهما خمسمائة رطل عراقي تقريباً - فخالطته
نجاسة غير بول آدمي أو عذرته المائعة فلم تغيره، أو خالطه البول أو العذرة
ويشق نزحه كمصانع طريق مكة: فطهور.
الآن نريد أن نتصور مذهب الحنابلة قبل أن ننتقل إلى قول آخر إن كان في
المسألة قول آخر.
الحنابلة يرون أن الماء إذا بلغ قلتين وخالطته نجاسة ولم تغيره فإنه يبقى
طهوراً حتى لو خالطته النجاسة بشرطين:
1. أن يكون كثير.
2. وأن لا تغيره هذه النجاسة.
إلا إذا كانت هذه النجاسة بول الآدمي أو عذرته المائعة فإن البول والعذرة
إذا وقعا في الماء ولو كان كثيراً ولو لم تغيره فإن الماء يعتبر نجساً.
نريد الآن أن نفهم مذهب الحنابلة فقط.
بقينا في تحديد الماء الكثير والقليل.
الماء الكثير هو: مابلغ قلتين.
ومعلوم أن القلتين لا يعرف الآن مقدارهما ولا نحتاج أن نخوض في الرطل
والمقاييس التي ذكرت إنما نريد أن مقياسين مشهورين في وقتنا هذا وهو الذي
يهم المسلم وهما اللتر والكيلو فإن المياه اليوم إما أن تقاس باللتر أو
تقاس بالكيلو.
فالماء الكثير بالنسبة للتر 190 لتر أو 191 كيلو.
وسيتبين لنا أنا لا نحتاج حتى معرفة مقدار الماء الكثير.
ما هو الدليل أن هذا الماء الكثير لا ينجس ولو وقعت فيه نجاسة؟
استدلوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم
-: ((إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس)) وفي رواية ((لم يحمل الخبث)).
هذا الحديث اختلف فيه الحفاظ تصحيحاً وتضعيفاً.
- فذهب إمامان حافظان إلى تصحيحه وهما ابن معين والدارقطني وهما من الأئمة
المحدثين الكبار.
- وذهب بعض العلماء إلى الحكم عليه بالوقف على ابن عمر كالحافظ المزي وشيخ
الاسلام ابن تيمية.
- وذهب بعض الحفاظ إلى أنه ضعيف كالزيلعي وابن القيم.
إذا اختلفوا في هذا الحديث على ثلاث مذاهب.
والصواب إن شاء الله أنه حديث صحيح ثابت:
أولاً: لكثرة أسانيده وصحتها.
وثانياً: لأن الذين صححوه هم أئمة هذا الشأن وهما الدارقطني وابن معين
وصححه معهما خلق لكن هؤلاء هم أبرز الذين صححوه.
أخذنا الآن الدليل على أن اعتبار القلتين كثير نحتاج إلى الدليل على
استثناء بول الآدمي وعذرته المائعة.
استدل الحنابلة على هذا الاستثناء بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لا
يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه)).
قال الحنابلة لولا أن البول في الماء الدائم يؤثر فيه بسلبه الطهورية لما
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن البول فيه.
((وبهذه المناسبة أحب أن تتنبهوا دائماً إلى وجه الاستدلال فكثير من
إخواننا يعرف الدليل ولكن ربما لو قيل له ما وجه الاستدلال من هذا الدليل
لم ينتزعه منه)).
هكذا استدل الحنابلة بهذا الحديث وهو حديث صحيح والاستدلال في الحقيقة قوي.
القول الثاني: أن بول الآدمي وعذرته المائعة كسائر النجاسات ولا يكون بول
الآدمي أشد من بول الكلب.
واستدلوا على هذا بدليل قالوا: أن في بعض ألفاظ حديث القلتين أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - سئل عن بئر بضاعة وما يلقى فيه من فضلات الناس.
قالوا: ومع كون النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عما يلقى في البئر من
فضلات الناس أخبر أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجسه شيء.
وهذا القول – الثاني – هو مذهب كثير من الحنابلة وهو القول الصواب ان شاء
الله وهو أن بول الآدمي كسائر النجاسات.
فهم من قول المؤلف أن الماء إذا بلغ قلتين
فطهور أنه إذا كان أقل من القلتين فله حكم آخر وهذا المفهوم صحيح فإن
الحنابلة وغيرهم من الفقهاء يفرقون بين القليل والكثير. ولكن ما هو الحكم
الآخر؟ سيصرح المؤلف بحكم الماء اليسير ولكن نريد الآن أن نفهم حكم الماء
الكثير.
إذاً عرفنا الآن حكم الماء الكثير وهو أنه إذا سقطت فيه النجاسة لم تنجسه
ولو ذابت فيه.
إذا أتينا بماء كثير ووقع فيه بول لكنه ماء كثير وتغير فهل هو نجس أو طهور
أو طاهر؟
الصواب: أنه إذا وقعت فيه نجاسة وغيرته أنه نجس بلا خلاف وبإجماع الأمة على
ذلك.
ويجب أن ننتبه فالشيء سهل لكنه عند التطبيق يكون صعباً فاحرص أن تفهم
المقصود على وجهه.
إذاً نعيد فنقول الماء إذا كان كثيراً وهو ما بلغ قلتين ووقعت فيه نجاسة
ولم تغيره فإنه يصبح طهوراً وقلت لكم أنه بشرطين الأول أن يكون كثيراً
والثاني لم تغيره.
من أعظم مميزات وفوائد حفظ المتن أو على الأقل استظهاره أن تتبين للإنسان
الأحكام باستظهار كلام المؤلف.
مثلاً هذا السؤال الذي سألته الآن لو أن الإنسان يستظهر قول الشيخ هنا (فلم
تغيره).
بين الشيخ أنه إذا وقع في الماء الكثير بول الآدمي أو عذرته المائعة فإن
الماء يصبح نجساً ولو لم تغيره النجاسة.
وهذا الحكم عند الحنابلة خاص بماذا؟ ببول الآدمي وعذرته المائعة.
يستثنى من هذا الحكم - يستثنى من الاستثناء إذا كان الماء مما يشق نزحه
لكثرته وتبحره فإنه يبقى طهور ولو وقعت العذرة المائعة أو البول.
إذاً هذا استثناء من الاستثناء.
وبهذا نعرف أن تقرير مذهب الحنابلة في هذه المسألة فيه صعوبة وتعقيد وصعوبة
القول وتعقيده وتداخله من علامات ضعفه.
إذاً للمرة الأخيرة نلخص مذهب الحنابلة أن الماء الكثير هو الذي يبلغ قلتين
وأنه يبقى طهور بشرطين:
1. الشرط الأول: أن يكون كثيراً.
2. الشرط الثاني: أن لا يتغير.
بهذين الشرطين يبقى طهور ولو وقعت فيه النجاسة.
يستثنى من هذا الحكم الكلي إذا وقعت في الماء الكثير عذرة الآدمي المائعة
أو بوله فإنه يعتبر نجس بمجرد الملاقاة إلا إذا كان هذا الماء كثير بحيث
يشق نزحه.
والنزح هو إخراج الماء من البئر إلى أن
يفرغ فإذا أخرجنا الماء من البئر فسيأتي ماء جديد ولكن هل تستطيع أن تنزح
البحر أو بركة طولها ثلاث كيلو في ثلاث كيلو؟ الجواب: لا فهذا البحر أو هذه
البركة إذا وقع فيها بول الآدمي أو عذرته المائعة هل يبقى طهور أو يكون
نجساً؟ يبقى طهور لمشقة نزحه.
ثم انتقل الشيخ - رحمه الله - إلى موضوع آخر:
• فقال - رحمه الله -:
((ولا يرفع حدث رجل: طهور يسير خلت به امرأة لطهارة كاملة عن حدث))
ما زال البحث الآن في الماء الطهور فجميع ما سبق من البحث في الماء الطهور
فإلى الآن لم ننتقل إلى القسم الثاني وهو الطاهر.
من أقسام الماء الطهور ماء يجوز أن تتطهر به المرأة ولا يجوز أن يتطهر به
الرجل.
ولا نحتاج أن نكرر أننا أولاً نقرر مذهب الحنابلة ولا يلزم أن يكون هو
القول الصواب.
فالحنابلة يرون أن هناك نوع من المياه يرفع حدث المرأة ولا يرفع حدث الرجل.
وهو الذي عبَّر عنه الشيخ هنا ولنتأمل عباراته - رحمه الله -:
يقول: ولا يرفع حدث رجل: طهور يسير خلت به امرأة لطهارة كاملة عن حدث.
الحنابلة يرون أن المرأة إذا خلت بماء يسير وتوضأت منه لطهارة كاملة فإن
هذا الماء لا يرفع حدث الرجل.
فقرروا عدة أمور:
أولاً: أن يكون يسيراً. نحن الآن نأخذ شروط الماء الذي لا يرفع حدث الرجل
ويرفع حدث المرأة.
والثاني: أن تخلو به المرأة.
والثالث: أن ترفع به حدثاً كاملاً لطهارة كاملة.
فهذه ثلاث شروط إذا انطبقت فإن الحنابلة يعتبرون هذا الماء يرفع حدث المرأة
ولا يرفع حدث الرجل.
واستدلوا: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور
المرأة.
هذا الحكم عند الحنابلة من المفردات. ومعنى أنه من المفردات: يعني: أنه
تفرد الحنابلة بالقول به من بين الأئمة الثلاثة.
والحنابلة أخذوا القيود من الحديث:
فقولهم: (خلت به امرأة) من أين أخذوه؟
من قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث "" خلت به امرأة "".
وقولهم (لطهارة كاملة) من أين أخذوه؟
من قوله - صلى الله عليه وسلم - "" بفضل طهور المرأة "".
وجه الاستدلال: قالوا أن الطهور عند الاطلاق في الشرع ينصرف إلى رفع الحدث
الكامل لا إلى التجديد.
بقينا في شرط عند الحنابلة وهو قول المؤلف
(خلت) فمن أين أخذوه؟
هم لم يأخذوه من الحديث وإنما أخذوه من فتاوى الصحابة فالإمام أحمد أخذ هذا
الشرط من فتاوى الصحابة.
وهنا جاءت فائدة معرفتك كطالب علم أن الإمام أحمد يعتمد كثيراً على فتاوى
الصحابة فانظر كم هي الأقوال التي مرَّت معنا كان قد اعتمد عليها - رحمه
الله - من أقوال الصحابة فإن فالصحابة هنا اشترطوا أن تخلوا المرأة به.
وهنا بحث أخير في هذه المسألة قبل أن ننتقل إلى القول الآخر:
ما هو حدُّ الخلوة؟ وما المقصود بها؟
هذه الخلوة: اختلفت الرواية فيها عن الإمام أحمد وباختصار نقول:
روي عن الإمام أحمد في تفسيرها روايتان.
الأولى: أن المقصود بالخلوة أن تتوضأ المرأة بدون أن يشاهدها أحد.
والثانية: أن تنفرد المرأة بالوضوء من هذا الإناء.
والراجح الثانية وهو أن معنى الخلوة أن تنفرد المرأة بالوضوء حتى لو بحضرة
الرجال فإنه يعتبر خلوة.
وسبب الترجيح أن هذه الرواية ألصق بالحديث فإن الحديث يشترط فيه أن تتوضأ
المرأة فقط فلم يتعرض فيه لقضية المشاهدة.
عرفنا الآن مذهب الحنابلة وشروطهم ودليلهم وتعليلاتهم لكل شرط من الشروط
فنأخذ الآن:
القول الثاني: للأئمة الثلاثة. أنه يجوز للرجل أن يتوضأ بفضل طهور المرأة.
واستدلوا على هذا الحكم: بما أخرج مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(توضأ بفضل ميمونة).
وبحديث عائشة في الصحيح (أنها كانت تغتسل هي والنبي - صلى الله عليه وسلم -
من إناء واحد)
سؤال: لماذا ذكر المؤلف - رحمه الله - هذا النوع من المياه في قسم الطهور؟
مع أنه لا يرفع حدث الرجل وقد عرف الطهور بأنه: الذي يرفع الحدث.
الجواب: لأنه يرفع حدث المرأة فهو بهذا يعتبر من أقسام الطهور.
ثم انتقل - رحمه الله - إلى القسم الثاني من أقسام المياه.
• فقال - رحمه الله -:
وإن تغير لونه أو طعمه أو ريحه: بطبخ أو ساقط فيه.
بدأ المؤلف بالقسم الثاني من أقسم المياه عند الحنابلة وهو: الماء الطاهر.
وهذا الماء الطاهر ينقسم إلى قسمين:
الأول: - أن يكون طاهراً بسبب: اختلاط الطاهرات به.
والثاني: أن يكون طاهراً بسبب: رفع الحدث به.
فكل ما سيذكره المؤلف - رحمه الله - يندرج تحت أحد هذين القسمين.
ونبدأ بالقسم الأول: - تغير الماء بالطاهرات.
فنقول: أن الماء الطاهر الذي تغير
بالطاهرات ينقسم إلى قسمين:
الأول: - أن يتغير الماء بالطاهرات مع بقاء الإسم.
الثاني: - أن يتغير الماء بالطاهرات مع ذهاب الاسم.
ومثال القسم الأول: كماء الورد.
ومثال القسم الثاني: كالمرق والصابون والشاهي.
وتنبه إلى أن المقصود بالبحث في كتب الفقهاء هو الماء الذي تغير مع بقاء
الإسم أما الماء الذي تغير مع ذهاب الاسم فهذا لا إشكال أنه لا يرفع الحدث.
الحنابلة يقولون: إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه بطبخ أو ساقط فيه أصبح
طاهراً بعد أن كان طهوراً.
ما هو دليل الحنابلة على هذا الحكم؟ - وهو حكم كبير لأنهم بذلك يخرجون
قسماً كبيراً من المياه فلا يصلح أن يتوضأ بها المسلم.
قالوا: أن الله سبحانه وتعالى نقلنا في كتابه عند عدم الماء إلى التيمم
فقال: {فلم تجدوا ماء فتيمموا} [النساء/43]
والماء في الآية مطلق والماء المتغير بالطاهرات ليس بماء مطلق فننتقل إلى
التيمم.
ودليلهم دليل وجيه كما نرى.
والقول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد.
أن الماء إذا تغير بالطاهرات فإنه يبقى طهور.
بماذا استدل أصحاب هذا القول؟
استدلوا: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر النساء اللاتي يغسلن ابنته
أن يضعن مع الماء سدراً.
ومن المعلوم أن الماء والسدر المطحون يعتبر من الماء المتغير بالطاهرات
لأنه يتغير بوضع السدر المطحون فيه فإنه يختلف ريحه وطعمه ولونه ومن
المعلوم أيضاً أن غسل الميت غسل واجب ويعتبر من الطهارات الشرعية ومع ذلك
كله أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يغسلوا ابنته بماء وسدر.
فدل هذا الحديث أن الماء إذا تغير بالطاهرات فإنه يبقى طهور.
أي الدليلين أقوى؟ ولماذا؟
- الدليل الثاني أقوى. للقائل بأن الماء المتغير بالطاهرات يبقى طهور.
ولماذا؟ لأنه أخص بالمسألة. والدليل إذا كان أخص بالمسألة فيرجح على الدليل
العام.
أما دليل الحنابلة فهو مفهوم من الآية فهماً ولا شك أن الدليل المنطوق
الأخص يقدم على المفهوم.
ننتقل الآن إلى القسم الثاني من أقسام الماء الطاهر:
• فقال - رحمه الله -:
أو رفع بقليله حدث.
الحنابلة يرون أن الماء إذا رفع بقليله حدث - والقليل هو ما دون القلتين -
فإنه يعتبر طاهراً.
- تقدم معنا أن الحنابلة يرون أن الماء إذا
استخدم في طهارة مستحبة فإن حكمه أنه: طهور مكروه.
وهنا بين المؤلف ’ أن الماء إذا رفع بقليله حدث - أي أنه استعمل في طهارة
واجبة - فإنه يكون عندهم طاهر. أي: لا يرفع الحدث.
الدليل: قالوا: أن النبي ‘ يقول: (لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو
جنب).
قالوا: لولا أن هذا الاغتسال يؤثر في الماء لم ينه عنه النبي ‘.
ولاحظ أن النبي ‘ قال: (وهو جنب). يعني: أن هذا الاغتسال: اغتسال واجب.
فقال الحنابلة: لماذا نهى النبي ‘ عن هذا الأمر؟ إلا أنه يؤثر في الماء
فيرفع عنه الطهورية ويصبح طاهر.
وهذا استدلال قوي.
ولابد أن نفهم هذا أن الحنابلة رحمهم الله يستدلون بأدلة قوية فليست أدلتهم
بالضعيفة.
القول الثاني: أن الماء إذا رفع بقليله - أو بكثيره من باب أولى - الحدث
فإنه: يبقى طهور.
استدلوا على هذا: بأن النبي ‘ (كان يغتسل هو وأزواجه جميعاً) كما تقدم معنا
في حديث عائشة بالبخاري. فكانت تغتسل هي والنبي ‘ وكانت تقول له: دع لي. دع
لي.
أي: أن الاغتسال يتم بالتدرج فتغمس يدها فتأخذ من الماء وتغتسل. ولو كان
الماء إذا رفع به الحدث يصبح طاهراً وليس بطهور لم يكن النبي ‘ يغتسل بفضل
طهور عائشة.
وهذا القول هو الصواب.
ووجه الترجيح: ما تقدم أن حديث عائشة أخص بالمسألة.
نحتاج أن نجيب عن الحديث الذي استدل به الحنابلة (لا يغتسلن أحدكم في الماء
الدائم وهو جنب) فنقول: إن هناك عدة أجوبة عنه:
- أقواها: أن النبي ‘ نهى عن ذلك لئلا يتخذ مثل هذا الفعل عادة فيؤدي ذلك
إلى تغيرالماء واستقذار الناس له ففي القديم كان الناس يعتمدون اعتماداً
كبيراً على المياه والبرك فإذا اغتسل بعض الناس في هذا الماء فقد أفسده على
الباقين.
وهذا الحمل حمل قوي في الحقيقة إذا تأمل فيه الإنسان وجد أنه تفقه قوي
فنحمل الحديث على خشية استقذار الناس لا على التنجيس.
(((ونسينا أن نقول لكم - وأنا أهتم بهذا وأريد أن تهتموا به - أن الحنابلة
استدلوا بأن النبي ‘ (نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة) وقد أجبنا عن
هذا الحديث في موضعه وبينا القول الثاني - نقول أيضاً:
أن من الأجوبة على هذا الحديث: أن البخاري
والبيهقي ضعفا هذا الحديث وهذا الجواب هو الأول: لأنه أصلاً لا يمكن
الاستدلال بحديث ضعيف وهذا هو الصواب أن هذا الحديث ضعيف وإن كان كثير من
المعاصرين يصحح الحديث لكن الإمام الحافظ البارع البيهقي يرى أن هذا الحديث
ليس بمحفوظ وقد نقل الترمذي عن البخاري في كتابه العلل الكبير - وهذا كتاب
مفيد يحسن أن يكون عند كل طالب علم - نقل عن البخاري تضعيفه لهذا
الحديث))).
القسم الثالث: من أقسام الماء الطاهر:
• قال - رحمه الله -:
أو غمس فيه يد قائم من نوم ليل ناقض لوضوء.
- كما اعتدنا نفهم أولاً مذهب الحنابلة -
فالحنابلة يرون أن الماء اليسير إذا غمس رجل قائم من نوم ليل يده فيه قبل
أن يغسلهما ثلاثاً فإن الماء ينقلب من كونه طهور إلى طاهر.
وقد ذكر المؤلف قيوداً في هذه المسألة:
- الأول: (أن يغمس يده). أما لو غمس أي جزء آخر فإنه لا يكون مؤثراً فهذا
مفهوم قوله: (يده).
- الثاني: (قائم من نوم ليل). فلو كان قائماً من نوم نهار وغمس يده فإنه لا
يؤثر.
- الثالث: (ناقض). أن يكون النوم ناقضاً.
دليل الحنابلة. ونبين كيف أخذ الحنابلة منه هذه القيود:
استدلوا: بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا استيقظ أحدكم فلا يغمس
يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)
أما استنباطاتهم منه:
- فقولهم: (أو غمس فيه يد). من قوله: (فلا يغمس يده) وهذا نص.
- وقولهم: (من نوم ليل). من قوله: (فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده).
والبيتوتة تكون بالليل كما قال الشافعي - رحمه الله -.
- وقولهم: (ناقض لوضوء). من قوله: (لايدري). لأن النائم إذا كان يدري فإن
وضوئه لا ينتقض فدل على أن النوم الذي يحدث هذا التغيير هو النوم الناقض
للوضوء.
إذاً عرفنا ما هو مذهب الحنابلة؟ وعرفنا شروطهم وتصورنا تماماً أقوالهم ثم
عرفنا دليلهم.
القول الثاني: أن غمس اليد في الإناء قبل غسلها ثلاثاً لا ينقل الماء من
الطهورية فيصبح طاهراً بل يبقى طهوراً.
وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي. فهذا يعني أن هذه المسألة من
المفردات. وهي كذلك.
دليل الجمهور: أن هذا الحديث لا تعلم له
علة وليست منصوصاً عليها بل علته تعبدية وليست للتنجيس والأصل في الماء أنه
يبقى طهور.
ومذهب الجمهور - الأئمة الثلاثة - هو الأقرب للصواب إن شاء الله.
وإن كان في الحقيقة الاحتياط في مثل هذا الماء يتعين لقوة استدلال الحنابلة
لكن من حيث البحث العملي فإن الأقرب أنه يبقى طهور.
وأن انتقال الماء من الطهورية أمر يحتاج إلى دليل قوي.
القسم الرابع - الأخير: من قسم الماء الطاهر.
• قال - رحمه الله -:
أو كان آخر غسلة زالت النجاسة بها: فطاهر.
هذا هو آخر نوع من أنواع المياه الطاهرة: فإذا غسل الإنسان النجاسة وزالت
النجاسة فالماء المنفصل بعد أخر غسلة إذا لم يكن متغيراً يصبح عند الحنابلة
طاهراً.
هذا هو الحكم.
بقينا لماذا يعتبر الحنابلة الماء الذي أزلنا به النجاسة طاهراً؟
الجواب: للأصل السابق وهو أنه مستعمل في إزالة الخبث فإذا كان مستعملاً في
إزالة الخبث فإنه يعتبر مستعملاً في طهارة واجبة وقاعدة المذهب أن الماء
إذا استعمل في طهارة واجبة فإنه يعتبر طاهراً وليس طهوراً.
• قال - رحمه الله -:
أو كان آخر غسلة زالت النجاسة بها: فطاهر.
هذا هو آخر نوع من أنواع المياه الطاهرة: فإذا غسل الإنسان النجاسة وزالت
النجاسة فالماء المنفصل بعد أخر غسلة إذا لم يكن متغيراً يصبح عند الحنابلة
طاهراً.
هذا هو الحكم.
بقينا لماذا يعتبر الحنابلة الماء الذي أزلنا به النجاسة طاهراً؟
الجواب: للأصل السابق وهو أنه مستعمل في إزالة الخبث فإذا كان مستعملاً في
إزالة الخبث فإنه يعتبر مستعملاً في طهارة واجبة وقاعدة المذهب أن الماء
إذا استعمل في طهارة واجبة فإنه يعتبر طاهراً وليس طهوراً.
وأخذنا الخلاف في مسألة الماء المستعمل في طهارة واجبة وأدلة الحنابلة
والقول الثاني ودليله وعرفنا مما سبق أن الصواب أن الماء الذي يستعمل في
طهارة واجبة يبقى طهوراً إذا لا دليل على انتقاله أن يكون طاهراً.
ولكن حكم الحنابلة بأنه يصبح طاهراً مقيد بأن ينفصل بلا تغير وسنستكمل
أقسام الماء المنفصل من محل التطهير عند قول المؤلف في قسم النجس: أو انفصل
عن محل نجاسة قبل زوالها.
وبهذا انتهى الطاهر وانتقل المؤلف - رحمه
الله - إلى قسم النجس:
• فقال - رحمه الله -:
(3) والنجس: ما تغير بنجاسة.
عرف المؤلف - رحمه الله - النجس بأنه الماء الذي تغير بنجاسة ويجب أن تحفظ
هذه العبارة - دائماً وأبداً - الماء إذا تغير بنجاسة فهو نجس.
والدليل: الإجماع وهو إجماع قوي والسبب في قوته أن ممن حكاه الإمام أحمد
فقد كان - رحمه الله - يتشدد في الإجماع كما أنه حكاه الشافعي أيضاً.
ومثل هؤلاء إذا حكوا الإجماع فلا شك أن حكايتهم له أقوى من حكاية ابن
المنذر أو ابن قدامة أو ابن عبد البر.
والماء إذا وقعت فيه النجاسة وغيرته فإنه يصبح نجساً ولو كان التغير يسيراً
فقد يكون التغير يسير جداً ومع ذلك يبقى نجس.
هذا هو النوع الأول من المياه النجسة وهو ما تغير بالنجاسة.
• النوع الثاني يقول - رحمه الله -:
أو لآقاها وهو يسير.
تقدم معنا أن الحنابلة يرون أن الماء إذا بلغ قلتين فإنه لا ينجس إلا
بالتغير فيقول المؤلف فيما سبق: وإن بلغ قلتين وهو الكثير فخالطته نجاسة
فلم تغيره فطهور: مفهوم هذه العبارة السابقة أن الماء إذا كان أقل من قلتين
فإنه إذا وقعت فيه النجاسة ينجس ولو لم يتغير وهو ما يعبر عنه الحنابلة
بقولهم ينجس بمجرد الملاقاة.
هذا المفهوم صرح به المؤلف هنا فقال: أو لاقاها وهو يسير.
ومعنى قوله: أو لاقاها وهو يسير: إذا لاقى الماء القليل النجاسة فإنه يينجس
بمجرد هذه الملاقاة وإن لم يتغير. - وهذا لابد أن تفهموه لأنه أمر مهم عند
الحنابلة وينبني عليه مسائل مهمة أيضاً.
إذاً الحنابلة يرون أن الماء إذا كان أقل من قلتين فإنه بمجرد وقوع النجاسة
فيه ينجس ولو يتغير.
يستدلون على هذا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بلغ الماء قلتين لم
يحمل الخبث وفي رواية لم ينجس يعني يستدلون بمفهوم هذا الحديث وهذا مذهب
الجمهور.
والقول الثاني في هذه المسألة: أن الكثير والقليل لا ينجس إلا بالتغير
ويستدل هؤلاء بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إن الماء طهور لاينجسه
شيء.
والأقرب القول الثاني.
ووجه الترجيح: أن حديث القول الثاني أخص من حديث القول الأول لأنه نص ودليل
القول الأول مفهوم والنص دائماً مقدم على المفهوم.
نحتاج أن نجيب على دليل القول الأول وهو حديث القلتين فالجواب عنه من
وجهين:
الأول: أنه ضعيف عند بعض العلماء - كما
تقدم معنا.
والثاني: أن الحكم أخذ منه مفهوماً وأخذ من حديث أبي سعيد منصوصاً والنص
مقدم على المفهوم.
إذا كان الحكم منطوق به في النص فهو مقدم على المفهوم.
إذاً تبين معنا الآن حكم الماء إذا تغير بالنجاسة قليلاً كان أو كثيراً
وتبين معنا بالتفصيل حكم الماء القليل إذا لاقته النجاسة من قوله أو لا
قاها وهو يسير.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو انفصل عن محل نجاسة قبل زوالها.
إذا غسل الإنسان محلاً نجساً كأن يغسل إناء أصابه بول أو دم أو يغسل
قماشاًَ أصابه بول أو عذرة مائعة أو دم أو أي عين نجسة.
إذا غسل الإنسان هذه الأعيان فإن ما يتبقى من الماء وهو ما عبر عنه الشيخ
بقوله: انفصل فله ثلاثة أنواع - وهذا يحصر لك المسألة:
الأول: أن ينفصل متغيراً بالنجاسة. يعني غسلنا هذا الإناء المصاب بنجاسة
فانفصل الماء بعد غسل الإناء متغيراً بالنجاسة التي كانت في الإناء وهذا
الماء المنفصل نجس بالإجماع كما تقدم معنا لأنه ماء تغير بنجاسة.
الثاني: أن ينفصل عن محل النجاسة قبل زوالها ولم يتغير فهذا عند الحنابلة
يعتبر نجساً لماذا؟ لأنه يسير لاقى النجاسة.
وهو يقول هنا: أو لاقاها وهو يسير.
القسم الثالث: وقد تقدم معنا: أن ينفصل عن محل النجاسة بعد زوالها ولم
يتغير فهذا عند الحنابلة طاهر.
والصواب أنه طهور.
لماذا اعتبره الحنابلة طاهراً؟ لما تقدم معنا لأنه أزيلت به النجاسة.
والماء إذا رفع به الحدث أو أزيلت به النجاسة عند الحنابلة يعتبر طاهراً
ولا يعتبر طهوراً.
إذا كم قسم للماء المنفصل عن المحل المتنجس؟ ثلاثة أقسام.
ولعلنا الآن تصورنا معنا أن ينفصل الماء يعني أن يخرج من الإناء المتنجس أو
من الثوب المتنجس أو من البساط أو من القماش أو ما شابه هذه الأمور.
انتهى المؤلف الآن من بيان القسم الثالث وهو النجس.
إذاً الماء النجس عرفنا أقسامه وما هيته عند الحنابلة والخلاف في الماء
القليل إذا لا قته النجاسة ولم تغيره.
بعد ذلك انتقل الشيخ - رحمه الله - إلى مسألة التطهير - لما بين الماء
المتنجس بين كيف نطهر هذا الماء المتنجس.
تطهير الماء المتنجس يحصل بثلاثة أمور - مختصرة وواضحة:
المكاثرة والتغير والنزح.
وهذه عناوين لما يحصل به التطهير.
فالمكاثرة تطهر الماء المتنجس سواء القليل أو الكثير. وسيأتينا هذا في كلام
المؤلف ولكن أحب أن نذكر أولاً جملة الأحكام حتى تتصور ثم نرجع إلى كلامه.
والتغير ((لعلها الزوال لأنه قال زال تغير النجس الكثير بنفسه)) يطهر
القلتين فأكثر فقط.
والنزح لا يطهر إلا ما كان أكثر من قلتين فهو أضيق أنواع التطهير والنزح لا
يؤثر في القلتين فلا يمكن أن تطهر ماء نجساً مقداره قلتين بالنزح.
ثم نأتي إلى تفصيل كلام المؤلف وهو يوضح.
• يقول المؤلف ’:
فإن أُضيف إلى الماء النجس طهور كثير. (طهر).
هذا الذي نسميه المكاثرة. ومعنى المكاثرة: أن يضاف إلى الماء المتنجس ماء
طاهراً كثيراً.
علمنا من قوله طهور كثير أنه يشترط للتطهير بالمكاثرة أن يكون الماء المضاف
كثير والكثير في عرف الفقهاء ما بلغ قلتين فأكثر.
وقوله ((فإن أضيف إلى الماء)) الماء هنا المقصود به القليل أو الكثير؟
القليل والكثير لكن الماء المضاف لابد أن يكون كثيراً.
فعندنا ماء متنجس نريد أن نطهره هذا الماء المتنجس إذا أردنا أن نطهره
بإضافة ماء آخر يجب أن يكون الماء المضاف كثير فهذا معنى قوله إن أضيف طهور
كثير.
• قال ’:
غير تراب ونحوه.
يعني أنه عند الحنابلة لا يمكن أن نطهر الماء بالتراب لماذا؟
قالوا لأن التراب لا يدفع النجاسة عن نفسه فعن غيره من باب أولى.
أما الماء فإنه يدفع النجاسة عن غيره وعن نفسه لأن الماء إذا كان يطهر غيره
فمن باب أولى أن يطهر نفسه.
إذاً إذا أردنا أن نفهم الفرق بين الماء والتراب عند الحنابلة فالفرق
بينهما واضح:
وهو أن الماء يطهر غيره فمن باب أولى أن يطهر نفسه لكن التراب لا يطهر غيره
فمن باب أولى لا يطهر نفسه.
والقول الثاني: في مسألة التراب وهو قول عند الحنابلة أنه يطهر يعني أنا
إذا وجدنا ماء متنجساً وأضفنا إليه تراب فطهر وتغير وذهبت عنه علامات
النجاسة فإنه يعتبر طاهراً حتى لو كان هذا التطهر حصل بالتراب.
وهذا القول – الثاني – هو الصواب لما تقدم معنا أن النجاسة إذا زالت زال
حكمها لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
انتهينا الآن من كيفية التطهير بالمكاثرة ننتقل إلى التطهير بالزوال
• فقال المؤلف ’:
أو زال تغير النجس الكثير بنفسه.
إذا كان عندنا ماء نجس كثير وتركناه مدة من الزمن ثم وجدناه قد تغير فزالت
عنه علامات النجاسة فالآن الطهارة حصلت بالتغير الذي قد يكون سببه المكث أو
لأي سبب آخر كاختلاف الأجواء أو شدة الحرارة فالمهم أنه تغير بنفسه بدون
إضافة ماء إليه.
فهذا الماء عند الحنابلة يكون طهوراً ولكن يشترط في الماء الذي يطهر بالمكث
أو بالزوال أن يكون كثيراً ولذلك يقول الشيخ هنا:
أو زال تغير النجس الكثير بنفسه.
- فإن كان قليلاً فإن هذا النوع من التطهير لا يصلح فيه.
- أو نزح منه فبقي بعده كثير غير متغير: طهر.
ثم انتقل المؤلف إلى النوع الثالث من التطهير وهو النزح والنزح معناه إخراج
الماء من البئر أو مما هو فيه فقد يكون بئراً أو بركةً أو أي شيء يجمع
الماء.
إذا كان عندنا ماء متجمع في بركة أو في بئر نجي فيمكن أن نطهره بأن ننزحه
أي نخرج الماء من البئر إلى أن يبقى في البئر ماء طهور لأن البئر مع النزح
يخرج فيه ماء جديد طهور ولكن يشترط في هذا الماء الذي نطهره بالنزح أن يكون
أكثر من قلتين بحيث يبقى بعد النزح قلتين.
إذاً السؤال هل يمكن أن نطهر ماء نجساً مقداره قلتين فقط بمجرد النزح؟
لا. لماذا؟ لأنه يشترط أن يبقى بعد النزح قلتان.
والنزح قد يكون يطهر الإناء بسبب أنا نخرج من خلال عملية النزح العين
النجسة قد ننزح فتخرج معنا العين النجسة فيزول تأثيرها على الماء فيصبح
الماء طهور.
وقد يكون بسبب انبعاث ماء جديد كما في الآبار.
المهم أنه لأي سبب من الأسباب إذا نزحنا الماء النجس الذي فوق قلتين وطهر
فإنه يصبح طهوراً لأن النزح وسيلة من وسائل التطهير.
إذاً صار التطهير عند الحنابلة بثلاث وسائل:
إما بالمكاثرة أو بالتغير أو بالنزح.
- فالمكاثرة تطهر الماء القليل والكثير.
- والتغير يطهر الماء الكثير فقط.
- والنزح لايطهر إلا الماء الذي فوق القلتين أي أكثر من الكثير بحيث يبقى
بعد النزح مقدار قلتين.
هذا التفصيل عند الحنابلة – عرفنا كيف نطهر الماء عند الحنابلة.
والقول الثاني في مسألة التطهير أن التطهير
يتم بأي وسيلة من الوسائل فمتى زال تغير الماء سواء كان قليلاً أو كثيراً
بأي وسيلة من الوسائل التقليدية أو الحديثة فإن الماء يصبح طهور.
وتعرفون التعليل وهو ما سبق معنا أن الحكمة يدور مع علته وجوداً وعدماً.
والنبي ‘ أمر من وجد في نعليه نجاسة إذا أراد أن يدخل المسجد أن يفركهما
بالتراب فجعل ‘ التراب مطهراً.
وتقدم معنا أن أحاديث الاستجمار تدل على أن التطهير يحصل بأي أداة.
ثم لما بين الشيخ ’ الماء الطهور والطاهر والنجس انتقل إلى مسائل تشترك
فيها هذه الأنواع الثلاثة - وبهذا نعرف دقة الفقهاء وحسن تدرجهم في المسائل
الفقيهة -
• فقال ’:
وإن شك في نجاسة ماء أو غيره، أو طهارته: بنى على اليقين. وإن اشتبه طهور
بنجس: حرم استعمالهما ولم يتحرَّ، ولا يشترط للتيمم: إراقتهما ولا خلطهما.
ذكر الشيخ في آخر هذا الباب مسألتين فقط.
1. المسألة الأولى: الشك.
2. والمسألة الثانية: الاشتباه.
لكنه فصل في الاشتباه لكثرة مسائله واكتفى في الشك بمسألة واحدة لوضوحها
وإجماع العلماء عليها.
فقال: وإن شك في نجاسة ماء أو غيره، أو طهارته: بنى على اليقين.
هذه قاعدة شرعية كبيرة وهي أن الإنسان:
- إذا شك في نجاسة ماء أصله طهور فإنه يبقى طهور.
- وإذا شك في طهارة ماء أصله نجس فإنه يبقى نجساًَ.
- وإن شك في نجاسة ماء أو غيره فإنه يبقى طهور أو شك في طهارة ماء أو غيره
فإنه يبقى نجس.
الدليل على هذه القاعدة – قاعدة أجمع عليها الفقهاء وهي من القواعد الخمس
الكبرى:
- اليقين لا يزول بالشك.
فهذه القاعدة متفق عليها لم ينازع فيها أحد من أهل العلم من حيث هي قاعدة.
دليل هذه القاعدة أن النبي ‘ قال: ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً وهو في
الصلاة فلا ينصرف حتى يجد ريحاً أو يسمع صوتاً)).
وهذا الحديث نص في دعم القاعدة أن الإنسان لا ينتقل عن المتيقن إلى المشكوك
فيه وإنما يبقى على المتيقن.
إذا هذه المسألة واضحة: إذا شك الإنسان في شيء فإنه يبقى على الأصل
واليقين.
فإذا وجدنا إناء فيه ماء أعرف أنه طهور ثم شككت في كونه نجساً فحكم الماء
في الشرع: طهور.
وإذا علمت أن الماء الذي في هذا الإناء نجس
ثم شككت أنه طهر فا الأصل أنه نجس.
وهكذا تكون أحكام المياه من حيث الشك واضحة.
ثم ننتقل إلى الاشتباه:
• يقول المؤلف ’:
وإن اشتبه طهور بنجس: حرم استعمالهما ولم يتحرَّ.
نريد الآن أن نقرر مذهب الحنابلة أولاً نفهم مذهب الحنابلة.
الحنابلة يقولون: إذا اشتبه إناء فيه ماء طهور بإناء فيه ماء نجس فلم يعد
الإنسان يعرف أيهما الطهور وأيهما النجس.
فإن الحنابلة يقولون: يترك المائين ولا يتحرا ويتيمم ولا يشترط لتيممه
للإراقة ولا الخلط.
وهذا الحكم عند الحنابلة يشترط فيه أن لا يمكن تطهير أحد المائين بالآخر
فإن أمكن فنطهر أحد المائين بالآخر.
الدليل: ما هو دليل الحنابلة؟ لماذا قرروا هذا الحكم للمياه المشتبهه؟
الدليل: قالوا: النبي ‘ يقول: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)).
هذا الحديث في إسناده ضعف لأن فيه رجلاً مجهولاً لكن الحافظ في الفتح ذكر
له شواهد كثيرة في الحقيقة يتقوى بها وإلا فإن ابن رجب يقول أنه في إسناده
مجهول لكن هذه الشواهد تقويه ويؤيده الأصول العامة.
الدليل الثاني: قالوا: أن اجتناب الماء النجس واجب في الشرع وهذا صحيح فلا
يجوز للإنسان أن يمس ماء نجساً ولا يمكن اجتناب النجس إلا بترك المائين
لأنه إذا استعمل الإنسان أحد المائين فقد يكون استعمل النجس وما لايتم
الواجب إلا به فهو واجب.
هذا التعليل ذكره الحنابلة ولكن الاستدلال بالحديث أحسن لأن الإمام أحمد له
عناية بالآثار لا بالتعليلات.
الآن عرفنا مذهب الحنابلة ودليلهم وماذا يصنع الإنسان إذا اشتبهت عليه
المياه.
القول الثاني في مسألة الاشتباه: أن الإنسان يتحرى وهذا مذهب الإمام
الشافعي.
يتحرى ويعمل على غالب ظنه.
الدليل: استدل الإمام الشافعي بحديث ابن مسعود أن النبي ‘ قال: ((إذا شك
أحدكم في صلاته فليتحر وليبن على ما استيقن)).
ما هو وجه الاستدلال من الحديث: أنه إذا أمر الإنسان بالتحري في الصلاة وهي
أعظم من الطهارة فلأن يتحرى في الطهارة من باب أولى.
وإذا تأملت في استدلال الشافعي تجد أنه
متين لأن الإنسان في الصلاة وهي الصلاة أعظم من الطهارة بكثير وعمود الدين
يجوز للإنسان أن يتحرى فيها فمن باب أولى أن يتحرى في المياه المشتبهه.
وهذا القول هو الصواب لما علمتم من قوة استدلال الشافعي.
لكن إذا تحرى الإنسان ولم يتبين له شيء فماذا يصنع؟
الشيخ الفقيه المرداوي في الإنصاف يقول: على القول بالتحري إذا تحرا ولم
يتبين له شيء فإنه يتيمم.
وشيخنا - رحمه الله - يقول بل يعمل بما استقر عليه واطمأن قلبه وإن لم توجد
قرينة ويتوضأ من أحد فإن هذا خير من التيمم.
سؤال مهم جداً: كيف يشتبه الطهور بالنجس؟ ونحن نقول أن النجس هو الماء الذي
يتغير - فإذا كان يتغير فكيف يشتبه؟ هل يتصور؟
يتصور مثلاً أن يعلم الإنسان أن هذا الإناء وقع فيه بول ليس له لون ولا
رائحة ولا طعم وهذا يوجد ويتصور جداً عند الحنابلة الذين ينجسون بمجرد
الملاقاة بالنسبة للماء القليل. المهم أنه يتصور وإن كان تصوره قليل ونادر.
• قال - رحمه الله -:
ولا يشترط للتيمم: إراقتهما ولا خلطهما.
هذا هو الصحيح من مذهب الحنابلة وممن نصر هذا القول ابن قدامة - نحن الآن
نتكلم في تفصيل داخل مذهب الحنابلة - أنه لا يشترط للتيمم الإراقة لماذا؟
لأن هذا الشخص الذي اشتبهت عليه المياه فهو غير واجد للماء شرعاً فيصدق
عليه قوله تعالى ((فلم تجدوا ماء)) لأنه الآن لم يجد ماء حساً أو شرعاً؟
شرعاً: لأنه لا يستطيع شرعاً أن يتطهر بأحد المائين للاشتباه.
فإذاً لو قلنا أن الإنسان يتيمم ولا يتحرا فلا يشترط لا الإراقة ولا الخلط.
• ثم قال - رحمه الله -:
وإن اشتبه بطاهر: توضأ منهما وضوءاً واحداً - من هذا غرفة ومن هذا غرفة -
وصلى صلاة واحدة.
هذا المسألة مفروضة على القول بتقسيم المياه إلى ثلاثة أقسام أما على القول
الثاني وهو أن المياه إما طهور أو نجس ولا يوجد في الشرع قسم ثالث يسمى
طاهر فلا تتصور أصلاً هذه المسألة.
إذا اشتبه ماء طاهر بطهور فإن الحنابلة يقولون: يتوضأ من المائين من هذا
غرفة ومن هذا غرفة ثم يصلي صلاة واحدة.
معنى هذا أنه لا يجوز له أن يتوضأ وضواءً كاملاً من هذا الماء ووضوءاً
كاملاً من الماء الآخر.
ولماذا يتوضأ غرفة من هذا وغرفة من هذا ولا
يتوضأ وضوءاً كاملاً من المائين كل واحد منهما على حدة؟
أجابوا عن هذا بأنه إذا توضأ وضوءاً كاملاً من كل إناء توضأ مع التردد وعدم
الجزم والوضوء عبادة يشترط لها النية ويشترط لصحة النية أن يكون الإنسان
جازماً بها غير متردد.
فإذا توضأ من كل إناء على حدة لابد أن يكون متردد. وجه التردد: أنه إذا
توضأ من هذا الإناء فسيتردد ربما يكون هذا الإناء هو الطهور وربما يكون
الطاهر.
وإذا توضأ من الإناء الآخر فكذلك سيتردد ربما يكون هذا الإناء طهور وربما
يكون طاهراً.
بينما إذا توضأ من هذا غرفة ومن هذا غرفة وضوءاً واحداً بنية واحدة فإن هذا
الوضوء وضوء مجزوم به بلا تردد فصح هذا الوضوء.
وذكرت لكم (بالأمس) قاعدة أن كثرت التفاصيل المتعبة في القول دليل على ضعفه
فهذه المسألة بالذات من أدلة ضعف وجود الماء الطاهر في الشرع.
• ثم قال المؤلف ’:
وإن اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة أو بمحرمة: صلى في كل ثوب صلاة بعدد النجس أو
المحرم، وزاد صلاة.
إذا اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة:
1. فإما أن يكون عدد الثياب النجسة معلوم.
2. وإما أن يكون مجهولاً.
مثال المعلوم: رجل عنده عشرة ثياب يعلم أن النجس منها ثلاثة ثياب لكن لا
يستطيع أن يحدد هذه الثلاث الثياب من بين العشرة ثياب.
فماذا يصنع عند الحنابلة؟
يصلي بعدد الثياب النجسة ويزيد صلاة واحدة.
ففي المثال كم سيصلي؟
أربع صلوات.
هذا التفصيل إذا كان عدد الثياب النجسة معلوم أو مجهول؟
معلوم.
النوع الثاني أن يكون عدد الثياب النجسة مجهولاً مثاله:
رجل عنده عشرة ثياب – نفس العدد حتى يتضح الفرق - فيها ثياب نجسة نقول له
كم الثياب النجسة التي تظن أنها نجسة؟
يقول: لا أدري.
فماذا يصنع عند الحنابلة؟
يصلي بعدد الثياب جميعاً ولو كثرت ثم يزيد صلاة واحدة.
فكم سيصلي؟
إحدى عشرة صلاة.
عرفنا الفرق.
في المسألة الأولى سيصلي أربع صلوات فقط وفي المسألة الثانية سيصلي عدد
كبير إحدى عشرة صلاة.
ما هو دليل هذا التفصيل؟
قالوا: لأنه بذلك يخرج من العهدة يقيناً فيكون مصلياً صلاةً صحيحةً يقيناً
فتبرأ الذمة.
القول الثاني: في هذه المسألة: أنه يتحرا ينظر في هذه الثياب ويتحرى من
خلال القرائن والعلامات ويصلي صلاة واحدة بثوب واحد بعد التحري.
والدليل: تقدم معنا من حديث ابن مسعود لأنه إذا كان التحري في ذات الصلاة
فلأن يتحرا في شرط الصلاة من باب أولى وستر العورة شرط من شروط الصلاة.
ففرق كبير بين قول يلزم الإنسان أن يصلي عشر صلوات أو أكثر وبين قول يلزم
الإنسان أن يصلي صلاة واحدة.
بهذا انتهى ما يتعلق بالمياه ننتقل إلى باب الآنية ... |