شرح زاد المستقنع للخليل

باب الفدية
- ثم قال - رحمه الله -:
باب الفدية.

الفدية مصدر فداه ومعناه: دفع فدية عنه، هذا من حيث اللغة.
ومن حيث الاصطلاح الفقهي: هو ما وجب بسبب إحرام أو حرام.
فكل ما يجب على الإنسان بسبب الإحرام أو بسبب الحرم فهو فدية سواء كان طعام أو صيام أو ذبح.
والفدية تنقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: الفدية التي على سبيل التخيير. وهو نوعان:
1 - فدية الأذى.
2 - وفدية جزاء الصيد.
- القسم الثاني: ما هو على الترتيب وهو ثلاثة أنواع:
1 - دم المتعة والقران.
2 - ودم الوطء.
3 - ودم الإحصار.
فهذه ليست على التخيير وإنما على الترتيب.

- قال - رحمه الله -: مبيناً تفصيل الأحكام:
يخيّر بفدية حلق وتقليم وتغطية رأس ...... الخ.

أفادنا المؤلف - رحمه الله - بهذه العبارة مسألتين:
- المسألة الأولى: التخيير.
- والثانية: وجوب الفدية في هذه الأمور التي ذكرها.
إذاً: تجب فيها فدية وأيضاً هي على سبيل التخيير.
- الأول: وجوب الفدية. أما وجوب الفدية في حلق شعر الرأس. فدليله:
- - النص. - والإجماع. وتقدم معنا.
فإذا حلق الإنسان شعر رأسه وجبت عليه الفدية بالنص والإجماع لم يخالف في هذا أحد من أهل العلم:
- لحديث كعب الذي سيأتينا وصريح الآية.
الثاني: سائر محظورات الإحرام المذكورة في هذا القسم: من الطيب وتغطية الرأس ولبس المخيط وأخذ الشعور عدا شعر الرأس.
= فالجماهير يرون أن الفدية تلزم في هذه المحظورات.
- قياساً على فدية شعر الرأس.
= والقول الثاني: أنه لا فدية في هذه الأمور وإنما عليه التوبة والإنابة والإقلاع.
- لعدم وجود دليل خاص يدل على وجوب الفدية في هذه المحظورات.
والراجح مع جماهير فقهاء المسلمين الذين رأوا صحة قياس هذه المحظورات على شعر الرأس.
إذاً انتهينا الآن من المسألة الأولى: وهي وجوب الفدية.


المسألة الثانية: التخيير.
فدية هذه الأشياء التي ذكرها المؤلف على التخيير وليست على الترتيب بل الإنسان مخير فيختار ما شاء مما سيذكره المؤلف - رحمه الله - والدليل على ذلك:
- ما أخرجه البخاري ومسلم أن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - لما تأذى من هوام رأسه شكى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو انسك شاة) وعبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله (أو) في الحديث.
وفي بعض الألفاظ التي في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولاً قال له (أتجد شاة) ثم قال له بعد ذلك وأمره بالصيام والإطعام، وهذا اللفظ يحمل على الألفاظ الأخرى التي بينت أن النبي - صلى الله عليه وسلم –خيره، لكنه يدل على أنه ينبغي للإنسان إذا استطاع أن يبدأ بالذبح.

- قال - رحمه الله -:
بين صيام ثلاثة أيام.

الأول: من أنواع الفدية صيام ثلاثة أيام. وصيام ثلاثة أيام لا يشترط فيه أن تكون هذه الأيام متتالية:
- لعدم وجود دليل على اشتراط هذا الشرط. هذا أولاً.
ثانياً: يجوز أن يصوم في أي مكان في الحرم وخارج الحرم بإجماع أهل العلم. فليس للصيام مكان خاص:
- للإجماع.
- ولأن منفعة الصيام خاصة للصائم ولا تتعداه إلى غيره.

- ثم قال - رحمه الله -:
أو إطعام ستة مساكين. لكل مسكين: مدُّ بُر أو نصف صاع من تمر أو شعير.

تقدم معنا أن: الحنابلة يرون أن الكفارات مد من البر أو نصف صاع من غيره من الأطعمة، وذلك لنفاسة البر بالنسبة لغيره من الأطعمة.
= والقول الثاني: أن عليه نصف صاع مهما كان نوع الطعام. بدليل:
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع) وهذا في البخاري ولم يفرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين البر وبين غيره من الأطعمة.


فإذاً تبين أن الصواب أنه نصف صاع فمجموعها سيكون ثلاثة آصع على من وقع في محظور من المحظورات واختار أن يطعم أن يخرج ثلاثة آصع بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم -،وهي تقدر بالكيلوات المعاصرة - بالأوزان المعاصرة - = (ستة كيلوات ومائة وعشرون جرام)، ومعلوم أن إخراج ستة كيلوات ومائة وعشرون جرام من أي نوع من الأطعمة مهما ارتفع فسيكون أقل من الذبح بكثير، لأن ستة كيلو سواء كان من الرز الجيد أو من البر أو من أي نوع من الأطعمة أو من التمر فلن يكون بقيمة ذبيحة مهما كان، ولذلك من الرفق بالحاج الفقير أن يرشد إلى هذا الأمر، ولعل من حكمة الشارع التخيير لأجل هذا. ((((الأذان)))).
قال الشارح حفظه الله:
نتم قبل أن نأخذ الأسئلة مسألة الأنواع المخير فيها.
- قال - رحمه الله -: بعد أن بينا الصواب في مقدار كفارة إطعام ستة مساكين:
أو ذبح شاة.
يشترط في هذه الشاة التي تذبح أن تتوفر فيها شروط الأضحية.
والشاة في لغة العرب: تطلق على الذكر والأنثى وعلى الماعز وعلى الضأن.
فالعرف الآن الموجود عندنا يختلف عن اللغة لأن العرف أن الشاة تطلق على الضأن لكن في لغة العرب يطلقون الشاة حسب ما وقفت عليه تصريحاً في كتب اللغة أنها على الماعز والضأن والذكر والأنثى.
إذاً: الخيار الثالث أن عليه ذبح شاة إذا اختار هذا الخيار من الأنواع الثلاثة.
وهل هذا التخير على سبيل المصلحة أو على سبيل التشهي؟
الصواب: أنه على سبيل التشهي وليس على سبيل المصلحة.
يعني: لا ننظر إلى مصلحة الفقير أو نقول يجب عليك أن تنظر إلى مصلحة الفقير وإنما يختار من وقع في أحد هذه المحظورات ما شاء من الأنواع الثلاثة التي هي الإطعام والصيام والذبح.
انتهى الدرس،،،


شرح كتاب المناسك الدرس رقم (7)

قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

باب الفدية
تقدم معنا أن الفدية على قسمين:
- فدية تجب على الترتيب. - وفدية تجب على التخيير. وأن المؤلف - رحمه الله - بدأ بالفدية التي تجب على التخيير وأخذنا أنواعاً من الفدية التي تجب على التخيير وبقي النوع الأخير من محظورات الإحرام التي تجب فيها الفدية على التخيير.

- فيقول - رحمه الله -:
وبجزاء صيد: بين مثل إن كان، أو تقويمه.

الصيد تقدم معنا أنه من محظورات الإحرام والمؤلف - رحمه الله - يريد أن يبين كيفية جزاء الصيد، وذكر - رحمه الله - الترتيب الذي يجب على من قتل الصيد.
ودليل الترتيب:
- - قوله تعالى: - (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) -[المائدة/95].
فبينت الآية الترتيب الذي يجب على من كَفَّرَ في جزاء الصيد.

- يقول - رحمه الله -:
وبجزاء صيد: بين مثل إن كان ... الخ ..

الصيد ينقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: المثلي.
والمقصود به: ما له شبيه ونظير من النعم.
والمقصود بالنعم: البقر والغنم والإبل.
والتشابه المقصود في هذا القسم هو: التشابه في الشكل والصورة لا بالثمن.
- القسم الثاني: ما ليس له نظير من الصيد. وهو ما ليس له نظير ولا شبيه من النعم.
هذه المسألة الأولى.
المسألة الثانية: كيفية تحديد المثل:
إذا قتل المحرم الصيد فكيف نحدد المثل؟
تحديد المثل: على أنواع:
- النوع الأول: أن يحكم به النبي - صلى الله عليه وسلم -.
كما ثبت في الحديث الصحيح الذي صححه البخاري وأحمد وغيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل في الضبع كبشاً.
فإذا وجدنا أن الصيد حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه لا يجوز أن نخرج عن حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإجماع.
- النوع الثاني: أن يحكم به الصحابة - رضي الله عنهم -.
فإذا حكم الصحابة ثم قتل محرم شيئاً نظير ما حكم به الصحابة فاختلف الفقهاء على قولين:
= القول الأول: أنه يجب المصير إلى مثل ما قدرت به الصحابة هذا الصيد.
= والقول الثاني: أنه يجتهد اجتهاداً جديداً.
والصواب مع الذين قالوا: نكتفي بحكم الصحابة.


- النوع الثالث: أن لا يحكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الصحابة - رضي الله عنهم - وحينئذ نرجع إلى قول عدلين عارفين بصفات الصيد ليحكما بالمثل من النعم.
إذاً عرفنا الآن كيف نعرف المثل بالنسبة للصيد إذا صاده المحرم.

- قال - رحمه الله -:
وبجزاء صيد: بين مثل إن كان، أو تقويمه.

إذا قتل المحرم الصيد فنقول: أنت مخير:
- إما أن تخرج المثل.
- أو تقوم المثل - سيأتينا الخلاف في مسألة التقويم - فإذا قومت المثل فتشتري به طعاماً وتطعم المساكين لكل مسكين - على المذهب - مد أو تصوم بقدر هذه الأمداد أياماً.
في هذه المسائل خلاف سيأتينا لكن المقصود الآن أن يتصور الإنسان كيف يكون جزاء الصيد.
إذاً نقول: أنت مخير إذا عرفنا المثل فإما أن تخرج المثل - تذبح المثل - أو تقيم المثل وتشتري به طعاماً فتطعم كل مسكين مد أو تصوم بقدر هذه الأمداد، فإذا قدرنا أن قيمة المثل يستطيع أن يشتري بها صاعاً من طعام واختار الصيام فكم سيصوم؟
أربعة أيام. لأن الصاع أربعة أمداد.
إذاً الآن تصورنا، ونأتي إلى الخلاف الذي في تفصيل المسائل.

- قال - رحمه الله -:
وبجزاء صيد: بين مثل إن كان، أو تقويمه.

التقويم عند الحنابلة يكون للمثل لا للصيد.
واستدلوا على ذلك:
- بقوله تعالى: - (أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا) -[المائدة/95] والإشارة في الآية إلى المثل لا إلى الصيد. فإذاً الحنابلة يرون أنه يقوم المثل.
= القول الثاني: أن التقييم يكون للصيد.
- لأنا إنما عدلنا إلى المثل بدل، فإذا سقط البدل رجعنا إلى الأصل والأصل الصيد.
والصواب مع الحنابلة: لظاهر الآية.

- ثم قال - رحمه الله -:
بدراهم يشتري بها طعاماً فيطعم كل مسكين مداً.

= الحنابلة: يرون أنه يطعم عن كل مسكين مدا إذا كان من البر، أو مدين إذا كان من غيره من الطعام، كما تقدم معنا في الصيام والزكاة.
= والقول الثاني: أنه يطعم كل مسكين نصف صاع.
واستدلوا:
- بأن ابن عباس - رضي الله عنه - هكذا حكم جعل في الطعام نصف صاع.
- واستدلوا أيضاً بالقياس على كفارة فدية الأذى وفيه حديث أبي بن كعب وهو صحيح وقد مر معنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (أو تطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع).


وهذا القول الثاني هو الصواب: أنه نصف صاع مطلقاً.
ومما يستأنس به لترجيح هذا القول: أنه أيسر من جهة الصيام، - فأيهم أكثر أن يصوم على قول الحنابلة أو أن يصوم بعدد الأيام على القول الثاني؟
على القول الثاني بلا إشكال لأنا إذا قدرنا أن قيمة الطعام يشترى بها صاع فعند الحنابلة سيصوم بدل الصاع أربعة أيام وعلى القول الثاني الذي يعضده أثر ابن عباس سيصوم يومين فقط، وهذا مما يستأنس به وليس من المرجحات وإنما رجحنا هذا القول لأثر ابن عباس.

- ثم قال - رحمه الله -:
أو يصوم عن كل مد يوماً.

- لقوله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} -[المائدة/95].
* * مسألة/ إذا قدر المثل بقيمة وأراد أن يشتري طعاماً فلم يجد طعاماً يستغرق جميع الثمن فهل يجوز أن يشتري بهذا المال بعض الطعام ويصوم عن الباقي؟ أو يجب أن ينتقل إلى الصيام ولا يجمع بين الصيام والإطعام.
الجواب: ذهب الإمام أحمد واختاره ابن المنذر وغيره من المحققين إلى أنه لا يجمع في مثل هذه الصورة بين الإطعام والصيام، بل ينتقل مباشرة إلى الصيام إن لم يجد يكفي ليشتريه، نص الإمام أحمد على هذا واختاره ابن المنذر وهذا هو الصواب.
وتكاد هذه المسألة في وقتنا أن لا تقع وذلك لوفرة الطعام ولله الحمد وتتالي النعم ولكنها في القديم قد يتصور بحيث لا يجد الإنسان في منى ولا في عرفة ولا في مكة طعاماً يشتريه.

- ثم قال - رحمه الله -:
وبما لا مثل له: بين إطعام وصيام.

إذا لم يكن للصيد مثل بأن أتينا بأهل الخبرة العدول وقالوا: بأن هذا الصيد ليس له نظير من بهيمة الأنعام فحينئذ هو مخير بين الإطعام والصيام، وفي مثل هذه الصورة سيكون التقويم بلا شك لأنه لا يوجد مثل نقومه أصلاً، لكن هل نقوم الصيد وننظر في ثمنه - إذا اختلفت القيمة - في محل الصيد أو في مكة؟
الجواب: أنا ننظر إلى قيمة الصيد في مكان الصيد الذي صيد فيه لا في مكة مهما اختلف الثمن:
- لأن مكان الصيد هو المكان الذي وقع فيه المحظور ففيه يقوم الصيد.

- وقوله - رحمه الله -:
وبما لا مثل له: بين إطعام وصيام.


كما سبق على التفصيل السابق في كيفية حساب الطعام: لكل مسكين نصف صاع وعلى المذهب مد. وفي كيفية الصيام على ما تقدم تماماً.
وبهذا انتهى المؤلف من الكلام عن الفدية التي على التخيير وانتقل إلى الكلام عن الفدية التي هي على الترتيب.

- ثم قال - رحمه الله -:
وأما دم متعة وقران: فيجب .... الخ.

تقدم معنا أن هذا الباب يتكلم فيه عما وجب بسبب الحرم أو بسبب الإحرام، ودم المتعة والقران وجبا بسبب الإحرام وهما دم شكران، يعني: شكر على نعمة إتمام النسك لا جبران: يعني: بسبب الإخلال بالنسك.
فدم المتعة والقران يجبان:
أولاً: دم المتعة يجب على المتمتع أن يهدي بإجماع المسلمين بلا خلاف.
- لقوله تعالى: - (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) -[البقرة/196].
فوجوب الهدي في المتعة دل عليه النص من القرآن وإجماع أهل العلم والسنة المتواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
- ثم يقول: وقران.
= ذهب الجماهير - وحكي إجماعاً - إلى وجوب الدم على القارن.
واستدل الجمهور - رحمهم الله - بدليلين:
- الأول: ما استفاض واشتهر ونقل عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يدخلون القارن في مسمى المتمتع. فدل ذلك على استوائهما في وجوب الهدي.
- الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذبح عن عائشة بقرة وقد كانت قارنة.
- الثالث: أن كلاً من المتمع والقارن ترفه بترك أحد السفرين والإتيان بالنسكين في سفر واحد فإذا استويا في هذه الجهة استويا في وجوب الهدي.
= والقول الثاني: وينسب لداود الظاهري أنه لا يجب على القارن هدي.
- لأن الآية نصت على المتمتع.
وهو قول غاية في الضعف مخالف لفقه الصحابة وهي ظاهرية وجمود غير محمود في هذه المسألة لأنه خالف الجمهور - أو الإجماع كما حكي - ثم خالف ما روي عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم.

-
قوله - رحمه الله -:
وأما دم متعة وقران: فيجب الهدي.

يجب الهدي بالآية وبالنصوص الأخرى بالنسبة للقارن، وفي وقت وجوب الهدي خلاف بين أهل العلم سيأتينا في صفة الحج، والقول الأقرب الذي يذكر الآن أنه فجر يوم العيد فإذا طلع الفجر فقد وجب الهدي.


- ثم قال - رحمه الله -: مبيناً الترتيب - لأننا قلنا أنه بدأ ببيان ما يجب ترتيباً:
فإن عدمه.

أي أنه لا يجوز الانتقال عن الهدي والذبح إلا إذا لم يستطع سواء كان لم يستطع لعدم وجود الأضاحي والهدي أو لم يستطع لعدم وجود المال بحوزة الحاج أو لم يستطع لأي سبب كان فإذا لم يستطع فإنه ينتقل إلى المرتبة الثانية.

- قال - رحمه الله -
فإن عدمه: فصيام ثلاثة أيام.

صيام ثلاثة أيام هذا منصوص عليه في الآية - (.فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) -[البقرة/196].
فوجوب صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع لأهله محل إجماع إذا عدم الهدي أو إذا لم يستطع أن يذبح المتمع أو القارن لكن تتعلق بهذه الثلاثة أيام بعض المسائل:
- المسألة الأولى: متى يجوز للحاج الذي عدم الهدي أن يشرع في الصيام؟
الجواب: وقت جواز بداية الصيام ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون قبل الإحرام بالعمرة - ونحن نتكلم عن المتمتع والقارن - فقبل الإحرام بالعمرة لا يجوز بالإجماع أن يصوم الإنسان الثلاثة أيام التي بدل هدي التمتع إلا رواية عن الإمام أحمد - رحمه الله - وهي خطأ قطعاً على الإمام أحمد ولذلك يقول ابن قدامة: نزه الله الإمام أحمد عن هذه الرواية - وصدق لأن هذه الرواية خطأ وهو قول خطأ مخالف للإجماع إذ كيف يشرع بأعمال الحج وهو لم يحرم بالعمرة أصلاً فالخطأ من الذي نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد - رحمه الله -.
إذاً تكون المسألة إذا زيفنا هذه الرواية: إجماع.

القسم الثاني: بعد العمرة.
فاختلف الفقهاء في هذه المسألة: في متى يجوز بداية الصيام بعد العمرة على أقوال:
= القول الأول: أنه من بداية الإحرام بالعمرة، وهذا مذهب الحنابلة واختاره شيخ الإسلام.
واستدلوا على هذا:
- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) فإذا دخلت العمرة في الحج صارت الأعمال الخاصة بهما تفعل من حين الإحرام بالعمرة.
= والقول الثاني: أنه لا يجوز البداية بالصيام إلا بعد إتمام نسك العمرة.
= والقول الثالث: أنه لا يجوز أن يبدأ الإنسان بالصيام إلا إذا شرع في أعمال الحج.
واستدلوا:


- بالآية: (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ). فالآية صريحة أن الصيام لهذه الثلاثة أيام يكون في الحج لا في العمرة.
والراجح بلا إشكال إن شاء الله مع الحنابلة وهو أنه من حين يحرم بالعمرة التي يريد أن يتمتع بها إلى الحج فإنه يجوز له أن يبدأ بصيام ثلاثة أيام لأن العمرة دخلت في الحج ولأنه بدأ في نسك الحج متمتعاً، فمذهب الحنابلة والذي اختاره شيخ الإسلام هو القول الصواب.
ثم انتقل المؤلف - رحمه الله - لبيان ما هي الأيام التي يستحب تخصيصها بالصيام فـ
- قال - رحمه الله -:
والأفضل كون آخرها يوم عرفة.

الأفضل:
= عند الحنابلة أن يصوم الحاج اليوم السابع والثامن والتاسع فيبدأ الصيام من اليوم السابع، ويستحب على هذا عندهم أن يحرم بالحج استحباباً من اليوم السابع:
- خروجاً من الخلاف في متى يجوز البداية بصيام الثلاثة الأيام؟.
= القول الثاني: أنه يبدأ باليوم السادس فيصوم اليوم السادس والسابع واليوم الثامن.
واستدلوا:
- بأن هذه الأيام هي أفضل الأيام لأن لا يصوم في اليوم التاسع والشارع الحكيم لا يحب الصيام في اليوم التاسع بل نهى عنه ولكن في حديث ضعيف، لكن كون الشارع لا يحب الصيام في هذا اليوم هذا بالإجماع ولا إشكال فيه، وعلى هذا استحب أصحاب هذا القول أن يبدأ بالإحرام في اليوم السادس ليخرج من الخلاف السابق.
= القول الثالث: أن المستحب للحاج أن يصوم في أيام التشريق.
- لقول عائشة - رضي الله عنها - لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي، وإلى هذا القول مال شيخنا - رحمه الله - ورأى أن هذا القول متوجه إن قيل به.
والأقرب والله أعلم: القول الثاني وهو البداية في اليوم السادس بالصيام لا بالإحرام لأن المعروف والمشهور عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة أنهم أحرموا في اليوم الثامن.


وإذا كان الراجح أنه يجوز للإنسان أن يبدأ بالصيام من بعد إحرامه بالعمرة فيصوم في اليوم السادس ولو لم يحرم وفي اليوم السابع ولو لم يحرم وفي اليوم الثامن وهو محرم، ويكون هذا القول هو أرجح الأقوال وهو أنه يستحب أن يبدأ في السادس ولو لم يحرم بل ربما نقول يستحب أن يصوم في اليوم السادس وأن لا يحرم إلا في اليوم الثامن لأن الظاهر من آثار الصحابة أنهم صنعوا كذلك لأن عدداً كبيراً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرموا متمتعين وكثير منهم لم يكن واجداً للهدي فالظاهر من حالهم أنهم - رضي الله عنهم - أنهم صاموا في اليوم السادس والسابع والثامن، وعلى هذا يدل أثر ابن عمر وعائشة وغيرهما من الآثار المروية عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الصيام يكون في اليوم السادس والسابع والثامن، فهذا القول هو الراجح.
وأما القول الذي ذكره شيخنا - رحمه الله - فالذي يظهر لي أنه ضعيف من جهتين:
- الجهة الأولى: أنه لا قائل بهذا القول فلا أعلم أن أحداً من الفقهاء قال باستحباب الصيام في أيام التشريق بل اختلفوا على القولين الذين ذكرتهما لك.
- الثاني: أنه يفهم من حديث عائشة أن صيام أيام التشريق رخصة وليس بعزيمة فهي تقول: (لم يرخص) والأصل في أيام التشريق أنها أيام أكل وشرب وذكر لله، فكأنه رخص لبعض الصحابة الذين لم يصوموا في اليوم السادس والسابع والثامن أن يصوموا أيام التشريق وفرق بين أن نقول هذا رخصة وبين أن نقول أنه هو الأفضل.
وقد أشار شيخنا - رحمه الله - في الممتع إلى أنه يقول: إن قيل بهذا القول أو إن كان قيل بهذا القول فكأنه هو أيضا - رحمه الله - لم يمر عليه أحد قال بهذا القول.
وعلى كل حال الراجح هو القول الثاني وأن الأفضل صيام السادس والسابع والثامن لوجود الآثار الصحيحة الدالة على هذا الأمر ولأنه يفهم من حديث عائشة عدم استحباب الصيام.

-
ثم قال - رحمه الله -:
وسبعة إذا رجع إلى أهله.


السبعة يصومها الحاج إذا رجع إلى أهله، والآية صريحة في ذلك: - (وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) والفقهاء أجمعوا على أن هذا هو المندوب بأن يصوم سبعة إذا رجع إلى أهله، واختلف الفقهاء: هل الشارع العظيم أمر بصيام السبعة عند الأهل تخفيفاً أو هو نسك مقصود؟ اختلفوا على قولين:
= القول الأول: أنه سبحانه وتعالى أمر بهذا تخفيفاً.
وبناء عليه: إذا أراد الحاج أن يصوم سبعة أيام في مكة قبل أن يرجع إلى أهله فلا حرج عليه ويكون بريء الذمة من هذه السبعة الأيام.
= والقول الثاني: أن هذه الأيام السبعة لا يجزئ صيامها إلا إذا رجع إلى أهله.
واستدلوا على ذلك:
- بالآية.
- واستدلوا عليه أيضاً: بقول النبي - صلى الله عليه وسلم – (من لم يجد الهدي فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله) وهو حديث صحيح.
والصواب والله أعلم أن الصيام يجوز في مكة وإذا رجع إلى أهله:
- لأن الظاهر من النصوص أن هذا الحكم شرع تخفيفاً على المسلمين.
- ويدل عليه أيضاً كما سيأتينا قريباً أن أهل العلم أجمعوا على أن الصيام في كفارات المحظورات يجوز في أي مكان من الحل والحرم، فإجماعهم على تلك المسألة يعطي تصوراً أن الصيام في الحج أمر شرع فيه التخفيف والمطلوب من الحاج أن يصوم هنا أو هناك، لكن الشارع خفف عليه بتأخير سبعة أيام إلى أن يرجع إلى أهله.
- ثم قال - رحمه الله -:
والمحصر إذا لم يجد هدياً: صام عشرة أيام ثم حلّ.
دلت عبارة المؤلف - رحمه الله - أن المحصر عليه هدي: وهذا بإجماع أهل العلم.
- ودلت عيه الآية: - (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) -[البقرة/196].
- ودل عليه الإجماع ولا إشكال فيه ثبوته.
ثم إذا لم يتمكن فعليه أن يصوم عشرة أيام على مذهب الحنابلة وهذا وجه الترتيب، إذاً: عليه أن يذبح إذا أحصر فإن لم يستطع فعليه أن ينتقل إلى المرتبة الثانية وهي الصيام، وسيفرد المؤلف - رحمه الله - باباً خاصاً بحكم الإحصار وسنذكر الخلاف في مسألة وجوب الصيام على من لم يجد الهدي في بابه إن شاء الله.

- ثم قال - رحمه الله -:
ويجب بوطء في فرج: في الحج بدنة.


إذا وطء الإنسان في الحج فعليه بدنه، ومقصود المؤلف - رحمه الله - إذا كان قبل التحلل الأول.
والدليل على وجوب البدنة:
- الآثار المستفيضة عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم معنا: عمر وابنه وابن عباس وأبو هريرة وعدد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهذه البدنة تذبح في القضاء لا في سنة ارتكاب المحظور، فإذا حج من قادم ذبح هذه البدنة ولا يذبحها في سنة ارتكاب المحظور.
والدليل على ذلك:
- آثار الصحابة - رضي الله عنهم -.
- فإن كان الوطء بعد التحلل الأول: فالواجب عليه:
= عند الحنابلة: شاة.
- لأن الوطء بعد التحلل الأول أخف من الوطء قبل التحلل الأول فلا يقاس عليه.
= القول الثاني: أنه يجب عليه بالوطء بعد التحلل الأول بدنه.
والدليل على ذلك:
- أثر ابن عباس - رضي الله عنه - حيث أفتى أن من وطئ ولو بعد التحلل الأول فعليه بدنه، قال شيخ الإسلام ولا يعلم لابن عباس مخالف، يعني من الصحابة
وهذا القول الثاني هو الراجح، وإذا كنا أوجبنا على المباشر الذي باشر وأنزل بدنه على القول الصواب فكيف بمن وطئ ولو بعد التحلل الأول.
* * مسألة/ - مهمة جداً -:
مقصود الفقهاء بقولهم: التحلل الأول: أي بعد رمي جمرة العقبة سواءً قلنا أن التحلل يحصل بالرمي وحده أو يحصل بالرمي ومعه شيء آخر فعلى القولين المقصود به هو رمي جمرة العقبة، وهذا تنبيه مهم جداً قد يغفل عنه من يفتي في هذه المسألة، وهذا هو مذهب الحنابلة واختيار شيخ الإسلام.

-
ثم قال - رحمه الله -:
وفي العمرة شاة.

إذا وطئ الإنسان في العمرة فعليه شاة:
= وإلى هذا ذهب الجمهور: سواء كان الوطء قبل الطواف، أو بعده، وقبل السعي، أو بعد الطواف والسعي وقبل التحليق، في أي موضع من مواضع العمرة فعليه شاة.
= والقول الثاني: أن عليه بدنه وهو وجه للشافعية.
والصواب أن عليه شاة:
- لأن ابن عباس أفتى من وطئ في العمرة أن عليه شاة فقط وكما أخذنا قوله في البدنه نأخذ قوله في الشاة بالنسبة للعمرة.
* * مسألة/ يجب بالوطء بالعمرة ما يجب بالوطء في الحج من:
- فساد النسك.
- ووجوب المضي.
- وأن عليه الإثم.
- وأن عليه الفدية وهي على الصواب شاة كما تقدم معنا.


وإلى هذا ذهب الجماهير - الأئمة الأربعة - على خلاف بينهم في مسألة أخرى، لكن من حيث فساد العمرة بالوطء فقد اتفق الأئمة الأربعة على أن فيه ما في إفساد الحج.
* * مسألة /
- فإن كان الوطء قبل الطواف والسعي فهو بإجماع الأئمة الأربعة أنه يترتب عليه ما ذكرنا.
- وإن كان بعد الطواف والسعي فيفسد عند الحنابلة فقط ولا يفسد عند الحنفية ولا عند المالكية.
- وإن كان بعد الطواف وقبل السعي فسد عند الجميع إلا الأحناف.
وأضعف الأقوال مذهب الأحناف.
وأقوى الأقوال وألصقها بفقه الحج والعمرة مذهب المالكية وهو أنه إذا كان بعد الطواف والسعي ولم يبق عليه إلا التحليق فإنه لا يفسد النسك لأنه في الحقيقة شرع في التحلل وانتهى من جملة الأنساك بالنسبة للعمرة فلم يبق إلا التقصير، وإذا أردنا أن نقارنه بالحاج نجد أن الحاج يحصل له التحلل الأول بعد الرمي مع بقاء مناسك كثيرة، فهنا من باب أولى، ولا أذكر في هذه المسألة - أنه مر علي - آثار , نعم. أفتى الصحابة في العمرة لكن أنه يفسد بعد الطواف أو بعد الطواف والسعي بهذ التفصيل فلا أذكر الآن آثار لكن من حيث النظر مذهب المالكية هو أقوى الأقوال.

- ثم قال - رحمه الله -:
وإن طاوعته زوجته لزمها.

إذا طاوعت الزوجة الزوج فعليها مثل ما على الزوج تماماً، جميع الأحكام الخمسة ..
= والقول الثاني: أنها وإن طاوعته فالفدية على الزوج دون الزوجة لأنه جماع واحد فلا يوجب كفارتين.
والصواب مع الجمهور الذين يرون أن عليها كفارة إذا طاوعته.
- وإذا أكرهها فإن على الزوج كفارة وليس على الزوجة كفارة وليس على الزوج أن يخرج كفارة أخرى عن زوجته التي أكرهها، لأن هذا يقال فيه جماع واحد لا تجب فيه كفارتان.
(فصل)
يعني في بيان بعض الأحكام التفصيلية للفدية.
- يقول - رحمه الله -:
ومن كرر محظوراً من جنس ولم يفد: فدى مرة.

إذا كرر الإنسان محظوراً من جنس واحد كأن يتطيب ثم يتطيب مرة أخرى ثم يتطيب مرة ثالثة سواء كان هذا الطيب في عضو واحد أو في أعضاء فهو ينقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: أن يفدي قبل أن يكرر.


فحينئذ يجب عليه فدية أخرى لأنه سبب آخر كما لو أقسم يميناً ثم حنث وكفر وأقسم يمينا آخر، وكما لو اقترف حداً ثم أقيم عليه العقوبة ثم اقترف هذا الحد مرة أخرى.
- القسم الثاني: أن يكرر المحظور الذي من جنس واحد قبل أن يكفر.
فحينئذ تجب عليه كفارة واحدة فقط. لأن الله تعالى أوجب في حلق الرأس فدية واحدة مطلقاً ولو تكررت فيؤخذ من الآية أن هذه الفدية تجب ولو تكرر المحظور.
إذاً عرفنا الآن الحكم إذا كرر المحظور الذي هو من جنس واحد سواء كرره قبل أو بعد أن يفدي.
- ثم قال - رحمه الله -:
بخلاف صيد.
فالصيد يجب بعدده كفارات ولو كثر.
- لقوله تعالى: - (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ) -[المائدة/95].
كل ما تقتل ففيه جزاء ولو كان القتل الجماعي للمصيد تم بإطلاق واحد فإنه يجب بعدد المقتول كفارات، وهذا لا إشكال فيه لأن الآية صريحة بأنه يجب في كل مقتول من الصيد فدية خاصة، ولا يستثنى من هذه القاعدة وهي ارتكاب محظور من جنس واحد عدة مرات إلا في الصيد فقط.

- ثم قال - رحمه الله -:
ومن فعل محظوراً من أجناس: فدى لكل مرة.

إذا فعل محظوراً من أجناس فهو ينقسم إل قسمين:
- القسم الأول: أن يكون لكل جنس كفارة مختلفة: كأن يلبس المخيط ويجامع.
فهذان المحظوران لكل منهما كفارة وحينئذ يجب عليه أن يكفر بعدد المحظورات قولاً واحداً عند الحنابلة، ولا إشكال.
- القسم الثاني: أن يكرر محظوراً من أجناس لكن كفارته واحده كأن يغطي رأسه ويلبس المخيط ويتطيب ويحلق شعره، هذه الأفعال لها كفارات من جنس كفارة واحدة ففي هذا القسم الأخير خلاف:
= فالمذهب: أنه يجب عليه بعدد المحظورات فإذا غطى رأسه وتطيب فعليه كفارتان.
واستدلوا:
- بالقياس على إقامة الحد في المعاصي التي فيها حدود وعلى كفارة اليمين إذا تكررت.
= والقول الثاني: أنه إذا فعل محظورات من أجناس لها كفارة واحدة فتكفيها كفارة واحدة ولو تعددت فإذا غطى وتطيب ولبس فكفارة واحدة.
والصواب مع القول الأول مع الحنابلة:
- لأن هذه أجناس تختلف.


- ولأن الاتحاد في الكفارة لا يعني أن تتداخل ولذلك لو أقسم الإنسان أن لا يسافر وأن لا يكتب وأن لا يقرأ ثم خالف في الجميع فالكفارة واحدة ومع ذلك يجب عليه الكفارة في كل يمين فاتحاد جنس الكفارة لا أثر له.
لذلك نقول أن الراجح إن شاء الله مع الحنابلة وهو أنه يجب أن يكفر كفارات بعدد ما ارتكبه من المحظورات.

- ثم قال - رحمه الله -:
رفض إحرامه أو لا.

رفض الإحرام هو نية الخروج من النسك بلا مبرر شرعي، ولا يستطيع الإنسان أن يخرج من النسك أبداً في الشرع إلا بثلاث طرق:
- أن يتم أعمال النسك.
- أن يحصر فيتحلل.
- أن يشترط في أول الإحرام ثم يقع ما اشترط منه فيتحلل.
فيما عدا هذه الثلاثة الأنواع لا يمكن للإنسان أن يخرج من الإحرام مطلقاً.
فإذا رفض المحرم الإحرام فإنه لا يقبل منه إجماعاً، ويترتب على هذا: أن ما فعله من محظورات الإحرام تبقى فيها الفدية ولو كان رفض الإحرام لأن رفضه للإحرام مرفوض إجماعاً، إذاً عرفنا الآن معنى رفض الإحرام وكيف ينتهي الإنسان من النسك وماذا يجب على من ارتكب محظورات الإحرام بعد أن رفض الإحرام.

- ثم قال - رحمه الله -:
ويسقط بنسيان: فدية.

المقصود بالنسيان هنا: الأعذار سواء كانت نسياناً أو جهلاً أو إكراهاً أو أي عذر معتبر شرعاً.
يريد المؤلف - رحمه الله - أن يبين هنا الأشياء التي تسقط بالأعذار الشرعية من كفارات محظورات الإحرام والأشياء التي لا تسقط.
الحنابلة يقسمون محظورات الإحرام إلى قسمين:
- القسم الأول: ما ليس فيه إتلاف وهو الذي بدأ به المؤلف - رحمه الله -.
- القسم الثاني: ما فيه إتلاف وهو الذي ثنى به المؤلف - رحمه الله -.
نأخذ القسم الأول: إذا ارتكب الإنسان محظوراً ليس فيه إتلاف كاللبس والطيب وتغطية الرأس فقد:
= ذهب الجماهير: أنه لا فدية عليه إذا كان ارتكبه بعذر من نسيان أو جهل أو إكراه.
- لقوله تعالى: - (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) -[البقرة/286].
- ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
= القول الثاني: أنه لا يعفى عن كفارة محظورات الإحرام ولو فعلت نسياناً.
((الأذان)).


قال الشارح حفظه الله:
نتم ما ليس فيه إتلاف ونترك ما فيه إتلاف إلى الدرس القادم.
إذاً القول الثاني: أنه إذا فعل الإنسان ما ليس فيه إتلاف ولو كان معذوراً فعليه الفدية.
واستدل هذا:
- بأن قال: أن الشارع الحكيم رفع عن المعذور الإثم دون على ما يترتب


شرح كتاب المناسك الدرس رقم (8)
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تقدم معنا بالأمس الكلام عن سقوط فدية محظورات الإحرام إذا كان هناك عذر وأخذنا الخلاف والراجح.
واليوم نبدأ بالمحظورات التي فيها إتلاف كالصيد والحلق وتقليم الأظافر وكل محظور فيه إتلاف، ففدية هذه المحظورات فيها خلاف بين أهل العلم - رحمهم الله -:
= القول الأول: ذهب إليه الأئمة الأربعة فقد اتفق الأئمة الأربعة على أن هذا النوع من المحظورات لا تسقط فديته بالعذر.
واستدلوا:
- بأن ما ذهب بسبب هذا المحظور ذهب على وجه لا يمكن استدراكه فإذا حلقالإنسان شعره فلا يمكنه أن يستدرك هذا المحظور بأن يعيد الشعر - مثلاً، بينما إذا لبس المخيط فيمكن أن يستدرك هذا المحظور بأن ينزع هذا المخيط، فعرفنا الآن أن الأئمة الأربعة يرون أن المحظور لا يسقط ولو بالعذر في ما فيه إتلاف.
= القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد نصرها شيخ الإسلام - رحمه الله - أن المحظورات وإن كان فيها إتلاف فإن الفدية تسقط بالعذر سواء كان العذر جهلاً أو نسياناً أو خطأً.
واستدلوا:
- بقوله تعالى: - (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا) -[المائدة/95].
وهذه الآية في جزاء الصيد واشترطت التعمد مع أن الصيد من محظورات الإحرام التي فيها إتلاف، والآية نص في العذر غير المتعمد كالناسي والمخطئ والجاهل والمكره بأنه لا يدخل في الآية، ولا يمكن أن نستدل الآن بحديث يعلى بن أمية لأن المحظورات التي فيه ليس فيها إتلاف.
والأقرب والله أعلم هذه الرواية الثانية: - لظاهر القرآن.


والأحوط بلا شك ولا إشكال أن من اقترف محظوراً فيه إتلاف أن يفدي احتياطاً لاتفاق الأئمة الأربعة على هذا المذهب وعامة أهل العلم وإنما هي رواية عن الإمام أحمد كما قلت، لكن من حيث الدليل فالراجح إن شاء الله الراجح عدم وجوب الفدية إذا كان ارتكاب المحظور خطأ.
- ثم قال - رحمه الله -:
دون وطء وصيد وتقليم وحلاق.

هذه المحظورات التي فيها إتلاف وتقدم معنا الكلام عليها مفصلاً.

ثم بدأ المؤلف - رحمه الله - بالكلام على مكان الهدي يريد أن يبين مكان الهدي:
- فيقول - رحمه الله -:
وكل هدي أو إطعام: فلمساكين الحرم.

مقصود المؤلف - رحمه الله - (وكل هدي أو إطعام): يعني: وكل هدي أو إطعام وجبا بسبب الحرم أو الإحرام فمكانه في الحرم كفدية الأذى إذا كانت في الحرم وكفدية ترك الواجب وكهدي المتمتع وكهدي القارن وكفدية جزاء الصيد ونحو ذلك، فهذه يجب أن تكون في الحرم.
وقول المؤلف - رحمه الله - (وكل هدي أو إطعام: فلمساكين الحرم): يشمل مسألتين يجب أن نفرق بينهما:
- المسألة الأولى: مكان الذبح.
- المسألة الثانية: بالنسبة للهدي والإطعام -: مكان التوزيع.
ـ ونبدأ بالمسألة الأولى: وهي مكان الذبح.
اتفق الأئمة الأربعة وحكي إجماعاً أن الذبح لا يجزئ إلا في الحرم فإن ذبح في الحل لزمه أن يذبح هدياً آخر.
واستدلوا بعدة أدلة:
- منها قوله تعالى: - (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) -[البقرة/196] يعني: الحرم.
- وبقوله سبحانه وتعالى: - {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} -[المائدة/95] في جزاء الصيد.
- وبقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم عن جابر: (نحرت ههنا ومنى كلها منحر).
فهذه الأدلة من الكتاب والسنة تدل على أن النحر لا يجزئ إلا في الحرم.
= القول الثاني: وهو لبعض الشافعية: أن النحر خارج الحرم يجزئ بشرط أن يوزع في الحرم.
واستدل هؤلاء:
- بأن المقصود من الذبح والنحر هو إطعام الفقراء فإذا حصل هذا المقصود أجزأ الذبح ولو كان خارج الحرم.

والجواب على هذا الاستدلال:


- أن المقصود من الهدي ليس توزيع اللحم فقط وإنما الذبح تقرباً إلى الله في المناسك فالذبح مقصود كما أن التوزيع مقصود ولكن قصد الذبح أكبر وأعظم وأهم.
وعرف من سياق هذا الخلاف أنه إذا ذبح خارج الحرم ووزع خارج الحرم فبإجماع العلماء لا يجزئه وعليه أن يذبح هدياً آخر.
ـ المسألة الثانية: توزيع لحوم الأضاحي:
توزيع لحوم الأضاحي اختلف فيه الفقهاء على قولين:
= القول الأول: أنه لا يجزئ إلا في الحرم.
واستدلوا على هذا:
- بأن المقصود من الإلزام بذبح الهدي في الحرم التوسعة على فقراء الحرم فإذا وزع خارج الحرم ذهب هذا المقصود وذهبت الفائدة التي من أجلها أوجب الشارع الذبح في الحرم.
= والقول الثاني: جواز التوزيع في أي مكان من الحل أو الحرم. إنما الشرط عند هؤلاء أن يذبح أما التوزيع ففي أي مكان.
واستدلوا على هذا:
- بأنه لا يوجد دليل صريح على وجوب توزيع الهدي في الحرم.
والراجح: القول الأول وهو مذهب الحنابلة:
- لأن الظاهر والله أعلم من الإلزام من الذبح في الحرم أن من مقاصده التوسعة على فقراء الحرم.
وعلم من الخلاف: أن إيقاع الذبح في الحرم أهم من التوزيع أما الخلاف في التوزيع فهو خلاف متكافئ حتى من حيث العدد بين الفقهاء فمنهم من ذهب إلى الجواز ومنهم من ذهب إلى وجوب توزيعه داخل الحرم.

- ثم قال - رحمه الله -:
وفدية الأذى واللبس ونحوهما.

يعني حيث وجد سببه، ففدية الأذى واللبس ونحو هذه الأشياء التي فيها الفدية التي تقدمت معنا حيث وجد السبب سواء وجد السبب في الحل أو في الحرم.

استدل الحنابلة على هذا:
- بأن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - لما اشتكى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يفدي وكانت القصة وقعت في الحديبية ولم يأمره - صلى الله عليه وسلم - بأن يذهب إلى الحرم لأداء الفدية وإنما وقعت الفدية خارج الحرم، فدل الحديث على أن الفدية تكون حيث وجد السبب ولو في الحل.
= والقول الثاني: أنه يلزم من فعل محظوراً خارج الحرم أن يفدي داخل الحرم.
لنفس العلة السابقة وهي:
- أن ينتفع فقراء الحرم.
والراجح بلا إشكال إن شاء الله مع الحنابلة:


- لأن معهم حديثاً صحيحاً صريحاً وهو إذنه - صلى الله عليه وسلم - لكعب أن يذبح في الحديبية وهي من الحل.

- ثم قال - رحمه الله -:
ودم الإحصار: حيث وجد سببه.

دم الإحصار يعني: الدم الواجب بسبب الإحصار وهو المنع من دخول مكة لأداء النسك يجب حيث وجد سببه.
- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أحصر ذبح في الحديبية وتقدم معنا أن الحديبية من الحل، فدل هذا على أنه يجوز ذبح دم الإحصار في المكان الذي وجد فيه الإحصار.
= وذهب بعض الفقهاء إلى أنه يجب عليه أن يسير الهدي إلى داخل الحرم إن استطاع.
والراجح مع القول الأول: - لصريح السنة التي استدلوا بها.
لكن مع ذلك كما قلت: يستحب للإنسان خروجاً من الخلاف في فدية الأذى والإحصار أن يرسل الهدي والكفارة إلى الحرم ليوزع على فقرائه خروجاً من الخلاف وأيضاً توسعة على فقراء الحرم.

-
ثم قال - رحمه الله -:
ويجزئ الصوم بكل مكان.

الصوم الواجب كفارة والصوم الواجب بدل هيي التمتع: يجوز أن يكون في كل مكان وهذا محل إجماع بين الفقهاء بين أهل العلم فلم يختلفوا في هذا.
والسبب والعلة في جواز الصيام في كل مكان أن فائدة الصيام تقتصر على الصائم ففي أي مكان صام أجزأه.

- ثم قال - رحمه الله -:
والدّم: شاة أو سُبع بدنة، وتجزئ عنها بقرة.

قوله: (والدم) يعني والدم المذكور في هذا الباب هو إما شاة أو سبع بدنه أو سبع بقرة.
والدليل على هذا:
- أن ابن عباس لما قرأ - (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) -[البقرة/196]. قال: شاة أوشرك في دم.
بناء على هذا من وجب عليه ذبح سبع شياه أجزأت عنه بدنه واحده أو بقرة.
إذاً المؤلف - رحمه الله - يريد أن يبين ما المقصود بالدم وما هي الأشياء التي تجزئ وبين أنها شاة أو سبع بدنه أو سبع بقرة.
والدليل على البقرة أنها تجزئ عن البدنة:
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذبحها بدل البدنة.
- وأيضاً عموم أثر ابن عباس وهو قوله: (شرك في دم) يشمل دم البدنة ودم البقرة.

وبهذا انتهى الباب وانتقلنا إلى باب جزاء الصيد.