شرح زاد
المستقنع للخليل باب جزاء الصيد
جزاء الصيد هو: ما يجب على من أتلفه سواء
كان الإتلاف بمباشرة أو بتسبب وهذا الواجب يشترط فيه كما تقدم معنا
المماثلة والمشابهة في الصورة لا في الثمن.
وتقدم معنا أيضاً أن معرفة المثل ينقسم إلى قسمين:
- إما أن يكون بحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أعلم الآن أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - حكم في حديث صحيح إلا في الضبع وقد تقدم معنا أن
الإمام أحمد والإمام البخاري صححا هذا الحديث وهو النبي - صلى الله عليه
وسلم - جعل في الضبع شاة.
وأما فيما عدا الضبع فجميع المروي في الباب هو عن أصحاب النبي - صلى الله
عليه وسلم -. والذين كثرت فتواهم في جزاء الصيد هم أربعة: عمر بن الخطاب
وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وابن عباس - رضي الله عنهم -، فهؤلاء
الأربعة هم أكثر من روي عنهم التقدير والتمثيل وروي أيضاً عن ابن مسعود لكن
شيء قليل وروي عن ابن عمر لكن شيء قليل، أما عمر وعثمان وعلي وابن عباس
فروي عنهم التقدير كثيراً.
- يقول - رحمه الله -:
في النعامة بدنة.
يعني: يجب على من قتل النعامة أن يذبح بدنة بدلاً عنها، والذي حكم بهذا
الحكم هم الأربعة: عمر وعثمان وعلي وابن عباس - رضي الله عنهم -.
والشبه بين النعامة والبعير ظاهر من حيث الخلقة لا من حيث الثمن، فشكل
النعامة يشبه شكل البعير ولذلك حكم به الصحابة - رضي الله عنهم -.
- ثم قال - رحمه الله -:
وحمار الوحش وبقرته والإيِّل والثَّيْتَل والوَعْل: بقرة.
هذه خمسة أشياء:
- الثلاثة الأول: حمار الوحش وبقرته والأيل: هذه حكم بها الأربعة الذين
تقدم ذكرهم من الصحابة، فقد حكموا أن في هذه الحيوانات بقرة والشبه بينها
وبين البقرة واضح وجلي.
بقينا في:
- الثيتل والوعل: وهما من أنواع الأيل. فيدخلان في فتوى الصحابة في نفس
المسمى وليس قياساً. فلا نقول قياساً لكن في نص فتوى الصحابة لأن الأيل ما
هو إلا نوع من أنواع الوعل يختلف هذا عن هذا بالشكل.
وقيل: في القرون وقيل فيه أقوال أخرى.
والمهم أنه اتفق أهل اللغة أن هذه الثلاثة حيوانات حيوان واحد بينها اختلاف
في الشكل والهيئة ومكان الحياة .. إلخ، فالمهم أنها شيء واحد وقد حكم
الصحابة في الأيل يشمل الثيتل والوعل.
- ثم قال - رحمه الله -:
والضبع كبش.
حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: أن في الضبع كبش،
والكبش هو الذكر من الضأن.
ووجه الشبه أيضاً ظاهر بين الكبش والضبع من حيث الخلقة الخارجية - من حيث
الشكل والحجم عموماً، فيجب على من قتل ضبعاً أن يذبح كبشاً.
- ثم قال - رحمه الله -:
والغزالة عنز.
الغزال فيها عنز، والذي حكم بهذا الحكم هم: عمر وعلي وابن عباس دون عثمان
فلم نجد لعثمان فتوى في قتل الغزال، فهؤلاء الثلاثة حكموا أن الغزال فيه
عنز والشبه أيضاً بينهما ظاهر في شيئين:
- الشيء الأول: شكل الشعر الخارجي.
- والشيء الثاني: شكل الذنب والذيل.
فقال الفقهاء أن العنز والغزال يتشابهان في هذين الأمرين ولذلك حكم الصحابة
في الغزال بعنز.
- ثم قال - رحمه الله -:
والوبر والضب جدي.
كان ينبغي أن يقول المؤلف - رحمه الله - والضب والوبر جدي لا والوبر والضب
جدي، يعني: كان ينبغي أن يقدم الضب، والسبب: أن الضب هو الذي فيه فتاوى
والوبر مقيس عليه، فالضب أفتى فيه: عمر وزيد بن ثابت أن فيه جدي، فإذاً
حكموا عليه بهذا الحكم، ولا يوجد تشابه ظاهر في الشكل بين الضب والجدي ومع
ذلك جعل الصحابة الجدي يقارب للضب لعله من جهة كمية اللحم.
وبعد التأمل لم يتبين لي وجه الشبه بين الجدي والضب فإن الحيوانات التي
تقدمت وجه الشبه فيها واضح لكن بين الجدي والضب لا أدري لماذا حكم عمر بن
الخطاب وزيد بن ثابت بهذا الحكم، وتقدم معنا أن الصحابة إذا حكموا بحكم فإن
الصواب أن من جاء بعدهم ليس له أن يجتهد فلو جاءنا رجل يجتهد فإنه على
الصواب اجتهاده مرفوض ويجب أن نجعل في الضب جدي، والجدي هو ما بلغ ستة أشهر
من الماعز خاصة، فيجب على من قتل ضباً أن يذبح هذا الجدي جزاء عن الصيد،
والوبر قاسه الفقهاء على الضب.
-
ثم قال - رحمه الله -:
واليربوع جفرة.
الجفرة: هي ما أتمت أربعة أشهر من الماعز. ففي اليربوع جفرة. والشبه بينهما
واضح وهو أن اليربوع - وهو الذي تسميه العامة الجربوع - يجتر كاجترار
الماعز تماماً فتشابها في هذا الشيء والذي حكم بهذا الحكم هم: عمر بن
الخطاب وابن مسعود.
- ثم قال - رحمه الله -:
والأرنب عناق.
العناق هو ما فوق الجفرة ودون الجدي، وقال بعض الفقهاء بل هو ما تحت
الجفرة، يعني ما هو أصغر من الجفرة من الماعز، لكن الصواب أن العناق أكبر
من الجفرة.
- بدليل: أن الأرنب أكبر من اليربوع فالمناسب أن نذبح فداء الأرنب عنزاً
أكبر مما نذبح فداء لليربوع.
والذي حكم في الأرنب هو - حسب ما وقفت عليه - هو عمر بن الخطاب - رضي الله
عنه -.
- ثم قال - رحمه الله -:
والحمامة شاة.
الحمامة فيها شاة، والذين حكموا فيها هم: عمر وابنه وابن عباس، فهؤلاء رأوا
أن في الحمامة شاة.
واختلفوا في الحمامة هل يقصد بها الحمامة المعينة أو كل طير يشبه الحمامة؟
وهذا الاختلاف لا يضر في حكم المسألة، فنقول: المقصود بالحمامة هنا كل ما
عب الماء من الطير وهدر، فكل طير يعب الماء عبا ويهدر بصوت كصوت الحمامة
فيأخذ نفس حكم الحمامة، وعب الماء هو أن يكرع الطير فيه تكريعاً ولا يشرب
كشرب الدجاج نقطة فنقطة، فإن الحمام لا يشرب كشرب الدجاج إنما يكرع في
الماء ويشرب، بينما الدجاج يأخذ من الماء نقطة نقطة، فنجد أن شرب الحمام
يشبه شرب الشياه، ولهذا جعل الصحابة في الحمامة شاة، ونقول كل طائر يشبه
الحمامة سواء سمي حمامة أو لم يسمى بهذا الاسم فمادام يشرب بهذه الطريقة
ويصدر صوتاً يشبه صوت الحمامة فله نفس الحكم: أن فيه شاة. سواء أدخلنا باقي
الطيور في مسمى الحمام أو قلنا الحمام اسم لطير خاص ونقيس عليه باقي الطيور
فالأمر واضح، وبهذا انتهى المؤلف - رحمه الله - من بيان ما حكم به الصحابة،
ثم: أي حيوان أو طير لم يحكم به الصحابة فإنه يندب إليه عدلان من أهل
الخبرة وينظر ماذا يشبه من الحيوانات من بهيمة الأنعام خاصة كما تقدم معنا
فإن لم نجد له شبيهاً وحكم أهل الخبرة أنه لا شبيه له انتقلنا إلى قيمة
الصيد على ما تقدم معنا في الباب السابق. |