شرح زاد
المستقنع للخليل باب الهدي والأضحية
- قوله - رحمه الله -
باب الهدي والأضحية.
الهدي: هو ما يهدى إلى الحرم من بهيمة الأنعام وغيرها، فليس في مكة مما
يذبح إلا وهو هدي وليس بأضحية. ومن سماه أضحية فقد أخطأ.
والأضحية: هو ما يتقرب به إلى الله من بهيمة الأنعام في أيام مخصوصة، وهي
أيام عيد الأضحى.
- قال - رحمه الله -:
أفضلها: إبل ثم بقر ثم غنم.
أفادنا المؤلف - رحمه الله - أن الأضاحي لا تكون إلا ببهيمة الأنعام.
- لقوله تعالى: - (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ
بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) -[الحج/34].
- ولأنه لم ينقل لا بحديث صحيح ولا ضعيف ولا بأثر صحيح ولا ضعيف لا عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه ولا عن التابعين أن أحداً منهم
ضحى بغير بهيمة الأنعام.
= والقول الثاني: أنه يجوز التضحية بكل ما
يؤكل سواء مشى على الأربع أو طار بجناحه. وإلى هذا ذهب ابن حزم - رحمه الله
-.
وهو قول شاذ مستنكر وضعيف جداً مخالف لعمل وهدي الصحابة والسلف ومخالف
لظاهر القرآن. والله تعالى إنما امتن ببهيمة الأنعام ولو كان غيرها يكفي
ويضحي لذكره النص.
- قال - رحمه الله -:
أفضلها: إبل ثم بقر ثم غنم.
ظاهر كلام المؤلف - رحمه الله - أن الأفضل في الهدي والأضحية الإبل ثم
البقر ثم الغنم.
ـ أما في الهدي: فهذا بلا إشكال: أن الأفضل: الإبل ثم البقر ثم الغنم.
ولا أظن أن في هذه المسألة خلاف أصلاً في هذا الترتيب هذا بالنسبة للهدي
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدى إبلاً فلا إشكال وذبح عن زوجاته
البقر وذبح عامة أصحابه الشياه فلا إشكال في هذا من حيث أقوال أهل العلم
ولا من حيث النصوص.
ـ المسألة الثانية: هذا الترتيب حتى في الأضاحي:= وإليه ذهب الجمهور: أن
الأفضل الإبل البقر ثم الغنم حتى في الأضاحي.
واستدلوا على هذا:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذبح الإبل في مكة.
- وأيضاً استدلوا بأنها أنفس وأغلى وأنفع للفقراء.
= القول الثاني: وهو للإمام مالك أنه في الأضاحي أفضل بهيمة الأنعام
(الشياه) الجذع الضأن.
- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى به. والله سبحانه وتعالى يختار
لرسوله - صلى الله عليه وسلم - الأفضل والأحب إليه ولو كان الأفضل أن يضحي
بالإبل لصنع ذلك كما صنع في الحج.
فهو يقول: جنس الغنم في الأضاحي خاصة أفضل فهو يخالف بهذا الجمهور.
في الحقيقة في هذه المسألة تردد فإذا نظر الإنسان من جهة قال: الشياه خير
لاختيار الله لنبيه، وإذا نظر من جهة قال الإبل لأنها أنفع وأفضل، ففيها
إشكال.
((الأذان)).
الأضاحي لا تجزئ في الشرع إلا بشروط:
- الشرط الأول انتهينا منه وهو: الجنس الذي يجزئ في الأضاحي.
- الشرط الثاني: السن. وعبر عنه:
- بقوله - رحمه الله -:
ولا يجزئ فيها: إلاّ جذع ضأن وثنيّ سواه، فالإبل خمس سنين والبقر سنتان
والمعز سنة والضأن نصفها.
يشترط في بهيمة الأنعام لتجزئ أن تبلغ سناً معينة فإن لم تبلغها فإنها لا
تجزئ.
والدليل على هذا الشرط:
- قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا
تذبحوا إلا مسنة إلا إن عسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن) وهذا الحديث في
مسلم ولا إشكال في ثبوته.
إذاً: الحديث نص في اشتراط بلوغ سن معينة لهذه البهيمة لتجزئ في الأضاحي.
والحديث يتوافق مع ما قاله المؤلف - رحمه الله -:
- فهو يقول - رحمه الله -:
((ولا يجزئ فيها: إلاّ جذع ضأن)).
وجذع الضأن هو ما بلغ ستة أشهر.
- ثم قال - رحمه الله -:
وثنيّ سواه.
يعني سواء كان من الماعز أو من الإبل أو من البقر، فالماعز: سنة. إلا أن
يكون من الضأن فستة أشهر كما تقدم، والإبل خمس سنين: ومعنى قول المؤلف -
رحمه الله -: (خمس سنين): يعني: ما تم خمس سنوات ودخل في السادسة لا ما تم
أربع ودخل في الخامسة بل لابد أن يتم خمس سنوات، وكذلك يقال في البقر لابد:
أن يتم سنتين، وكذلك في المعز لابد أن يتم سنة، فإن نقص عن هذا السن فإنه
لا يجزئ، فإن ذبحه فعليه أن يذبح آخر مكانه لعدم وجود الشروط المشترطة
شرعاً، وهذا هو الشرط الثاني وهو بلوغ السن المجزئة، ونتوقف هنا ...
شرح كتاب المناسك الدرس رقم (17)
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
تقدم معنا آخر الدرس السابق الكلام عن السن المشترط في الأضحية لتجزئ وتبين
معنا أنه يشترط في جميع الأضاحي أن تكون مسنة إلا ما يتعلق بالضأن فيجوز أن
يكون جذعاً.
وهذا معنى قول المؤلف - رحمه الله -: (ولضأن نصفها) وتقدم معنا الدليل من
السنة الصريحة الصحيحة في صحيح مسلم.
ثم بدأ المؤلف - رحمه الله - ببيان ما تجزئ عنه الشاة والبدنة.
- فقال - رحمه الله -:
وتجزئ الشاة عن واحد.
يقول المؤلف - رحمه الله - أن الشاة تجزئ عن واحد وهذا بإجماع أهل العلم،
فإنه لم يخالف أحد من أهل العلم أن الشاة تجزئ عن واحد.
واستدلوا على هذا الحكم:
- بما أخرجه الإمام مسلم عن عائشة أن النبي
- صلى الله عليه وسلم - أتي بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في
سواد فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أضحية ثم أخذه فأضجعه وذبحه
وقال: (بسم الله. اللهم تقبل من محمد وآل محمد وتقبل من أمة محمد).
هذا الحديث في صحيح مسلم وهو نص في إجزاء الذبيحة عن واحد. لأنه ضحى بكبش
وهو في مسلم مصرح بأنه ذبحه أضحية، ولذلك ختم الحديث بقوله: فذبحه أضحية،
وتجزئ الشاة عن الشخص الواحد وعن أهل بيته:
- للحديث السابق الذي ذكرناه.
- ولما روي عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا: كان الرجل
منا يذبح الشاة عنه وعن أهل بيته.
-
ثم قال - رحمه الله -:
والبدنة والبقرة عن سبعة.
البقرة والبدنة تجزئ عن سبعة عند الجماهير من أهل العلم من طبقة الصحابة
والتابعين ومن بعدهم.
واستدل الجماهير على هذا الحكم:
- بقول جابر - رضي الله عنه - ذبحنا ونحرنا يوم الحديبية البقرة عن سبعة
والبدنة عن سبعة.
والهدي في الحديبية هدي واجب حكمه حكم الأضحية.
= وذهب ابن عمر إلى أن البدنة لا تجزئ إلا عن واحد والبقرة لا تجزئ إلا عن
واحد. وقال: لا تكون النفس الواحدة إلا عن نفس واحدة، فالنفس الواحدة يعني
من الإبل أو من البقر لا تكون إلا عن نفس واحدة، وهذا عجيب جداً من ابن عمر
إن صح عجيب من جهتين:
- الجهة الأولى: أنه خالف النص.
- الجهة الثانية: أنه استعمل الأقيسة في خلاف النص وهذا بعيد عن ابن عمر -
رضي الله عنه - جداً.
ويبعد أن نقول أنه لم يعلم بقصة الحديبية لأنها مشهورة وواقعة عرفها كل
الصحابة لما فيها من صد المسلمين عن الكعبة، فإما أن نقول أنه لم يصح عن
ابن عمر أو نقول أنه في هذا الموضع رأى هذا الرأي وإن كانت ليست له بطريقة.
والراجح مذهب الجمهور بلا إشكال فإن الحديث صحيح وصريح في المسألة.
* * مسألة / سبع البدنة وسبع البقرة يجزئ عن الواحد ولو أراد البقية اللحم
ولم يريدوا القربة.
والدليل على هذا:
- أن الجزء المجزئ من البقرة أو من البدنة لا ينقص بإرادة الآخرين اللحم
دون القربة.
= وذهب الأحناف: إلى أنه يشترط في البقر
والإبل ليجزئ أن يريد الجميع بهذه الذبيحة القربة سواء كانت قربة واجبة أو
قربة مندوبة.
والراجح مع الجمهور وأنه لا ترابط بين إرادة بعضهم اللحم وإرادة بعضهم
التقرب إلى الله بالأضحية أو بالهدي.
-
- ثم قال رحمه الله -
ولا تجزئ: العَوْراء.
شرع المؤلف - رحمه الله - في بيان العيوب التي إذا اتصفت بها الذبيحة فإنها
لا تجزئ في الذبح الواجب سواء كان أضحية أو هدي أو دم واجب لترك أحد واجبات
الحج، فالمهم أي ذبيحة واجبة.
- يقول - رحمه الله -:
العوراء.
المقصود بالعوراء هنا: العوراء البين عورها، وهي التي أصيبت بخسف العين أو
بروز العين، فهذا معنى العور البين، فإن كانت العين قائمة يعني ليست منخسفة
ولا بارزة لكن البهيمة لا تبصر بها فهذه البهيمة تسمى عوراء لأنها تبصر
بعين ولا تبصر بالأخرى، ومع ذلك هذه العوراء من البهائم تجزئ لأن عورها ليس
عوراً بيناً، والعور المانع من الإجزاء هو العور البين، وهو يتلخص بـ: -
الخسف. - والبروز. فإن كانت البهيمة عمياء لم تجزئ من باب أولى. فإذا منعنا
العوراء فالعمياء من باب أولى.
والدليل على المنع:
- ما رواه البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم
- قال: (أربع لا تجوز في الأضحية: العوراء البين عورها والمريضة البين
مرضها والعرجاء البين ضلعها والعجفاء التي لا تنقي).
فهذه أربعة عيوب إذا اتصفت بأحدها الذبيحة لم تجزئ في الأضحية.
- ثم قال - رحمه الله -:
والعَجْفاء.
العجفاء هي الهزيلة التي لا تنقي، فيشترط في الذبيحة لكي تعتبر عجفاء: أن
تكون هزيلة ولا تنقي في نفس الوقت، ومعنى لا تنقي: يعني: لا يوجد في عظمها
مخ. لأن النقي هو مخ العظام، فإن اتصفت بإحدى الصفتين فإنها تجزئ بأن كانت
سمينة وليس في عظامها مخ فهذا النوع من الأضاحي يجزئ لأمرين:
- الأمر الأول: أن المقصود الأساس من الأضاحي هو اللحم. وإذا كانت سمينة
فإنه لا يعنينا أن تكون العظام خالية من المخ.
- الأمر الثاني: أن العجفاء اشترط فيها أن تكوت هزيلة ولا تنقي وهذه ليس
هزيلة لا تنقي وإنما سمينة وإن كانت لا تنقي.
فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - نص
على النقاء فقال: (العجفاء التي لا تنقي) ولم يتعرض - صلى الله عليه وسلم -
لمسألة أن تكون هزيلة أو سمينة.
فالجواب: والله أعلم: أن المراد بهذه العبارة أن تكون هزيلة لأنها إذا هزلت
من قلة الأكل قل المخ في عظامها وأصبحت هزيلة من اللحم ومن المخ في العظام
فالأظهر والله أعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد بهذه العبارة
الهزيلة، بدليل: أن معرفة ما في العظام من مخ غير متهيئ من النظرة الأولى
وإنما نعرف أن العظام ليس فيها مخ إذا رأينا البهيمة هزيلة فكأنه أشار بهذا
إلى أنها ليست سمينة.
- ثم قال - رحمه الله -:
والعَرْجاء.
العرجاء: يقصد بها البين عرجها، ويعرف العرج بأنه بين بما ذكره الفقهاء من
أنها لا تستطيع أن تمشي مع السليمة وإنما تتخلف عنها فإذا تخلفت عنها وصلت
السمينة إلى المرعى قبلها وأكلت المرعى وصار هذا سبباً في أن تكون العرجاء
هزيلة هكذا يقرر الفقهاء أن هذا معنى العرجاء وأن هذا سبب المنع، وظاهر هذا
التعليل من الفقهاء أنه إذا كانت العرجاء إذا وصلت إلى المرعى وجدت ما تأكل
وأبقت لها السليمة ما تأكل ولم تصبح هزيلة وبقيت سمينة أنه لا حرج. هذا
ظاهر تعليل الفقهاء.
والصواب: أن العرج هو بذاته عيب فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعله
عيباً سواء تمكنا من إطعام العرجاء إلى أن سمنت وأصبحت سمينة وجيدة المظهر
أو صار العرج سبباً في أن تكون هزيلة ففي الصورتين لا يجوز أن نضحي
بالعرجاء.
- ثم قال - رحمه الله -:
والهَتْماء.
الهتماء هي التي سقطت ثناياها من أصولها فهذه لا تجزئ:
- لأن هذا نقصاً مخلاً بكمال الذبيحة.
= والقول الثاني: أن الهتماء تجزئ.
- لأن هذا العيب لم يذكر في حديث البراء مع أنه وارد في تعداد العيوب التي
تمنع الإجزاء.
- ولأن هذا العيب ليس مقيساً على أحد العيوب المذكورة في حديث البراء.
وهذا والله أعلم هو الأقرب: أن الهتماء تجزئ.
فإن قال قائل: أن الهتماء لا تستطيع أن تأكل أكلاً جيداً فتصير عجفاء
فالجواب: إذا صارت عجفاء منعناها لأنها عجفاء لا لأنها هتماء.
- ثم قال - رحمه الله -:
والجَدَّاء.
الجداء هي التي نشف ويبس ضرعها، وغالباً ما
يكون هذا بسبب قلة الأكل. وقد يكون بسبب كبر السن.
= والقول الثاني: أنها تجزئ.
- لأنه لا دليل على منع هذا النوع من بهيمة الأنعام من الإجزاء. والأصل في
بهيمة الأنعام أنها تجزئ في الأضاحي ما لم يدل الدليل الصريح الواضح على
خلاف ذلك. وليس في الأدلة ما يدل على خلاف ذلك.
والراجح: أنها تجزئ.
- ثم قال - رحمه الله -:
والمريضة.
المريضة المقصود بها البين مرضها يعني: التي يظهر على حالها علامات المرض.
فهذه لا تجزئ، ومن أمثلتها: الجرباء. فإن الجرب مرض بين ومن أمثلتها: ما
يسمى بالطالوع والطالوع يصيب جنساً من بهيمة الأنعام وهو الشياه النجدية
وإذا رأيت الشاة النجدية التي فيها طالوع أو اثنين أو ثلاثة تجدها على أحسن
ما يرام وعلى أطيب ما يكون من الشكل ثم إذا ذبحها الإنسان فوجئ بوجود
الطالوع، وفي الحقيقة الفقهاء يقولون: النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
(المريضة البين مرضها). وهذه إذا رأيتها ورأيت سمنها وحسن شكلها يخطر ببالك
أنها مريضة لكن الطالوع مرض ولا إشكال في أنه مرض، وأيضاً هو مرض بين لكن
يمنع من رؤيته الشعر. بمعنى: أنه يمنع من رؤيته أمر عارض وإلا فهو أمر
ظاهر، ولذلك جرى كثير من الناس على أن الطواليع تمنع من الإجزاء.
وسألت بعض الأطباء البيطريين عن مسألة وهي: الطالوع هل هو عبارة عن تجمع
المادة الصفراوية ولا يؤثر على لحم الذبيحة أو هو تجمع يؤثر على لحم
الذبيحة ولم أأخذ جواباً واضحاً يركن إليه الإنسان لكن خلاصة كلامه أنه
يميل إلى أن هذا المرض يؤثر على اللحم، فإن كان هذا المرض يؤثر على اللحم
فلا إشكال أنه لا يجزئ. وقد نص الفقهاء على أن الأمراض التي تؤثر على
اللحوم تمنع من الإجزاء وأنها تدخل دخولاً أولوياً في قول النبي - صلى الله
عليه وسلم - المريضة البين مرضها، لكن يبقى البحث الآن في ما إذا لم يثبت
أن له أي تأثير على اللحم بحيث يمكن أزالته قبل الذبح ولا يؤثر على اللحم
ولا ينشق أثناء الذبح وينسكب على اللحم فمثل هذه الصورة تحتاج إلى بحث إذا
ثبت أنه لا يؤثر.
والأصل الآن أنه مرض يمنع من الإجزاء.
-
ثم قال - رحمه الله -:
والعضباء.
العضباء هي البهيمة التي ذهب أكثر من نصف
القرن أو الأذن لها.
واستدل الحنابلة على أنها هذا النوع من العيوب يمنع من الإجزاء:
- بقول علي - رضي الله عنه - نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أن نضحي
بمشقوقة الأذن أو مكسورة القرن.
وهذا الحديث إسناده ضعيف. ولا يصح أبداً مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه
وسلم -.
= والقول الثاني: أن مكسورة القرن أو مقطوعة الأذن تجزئ.
واستدلوا بدليلين:
- الدليل الأول: أن الراوي لحديث البراء قال للبراء - رضي الله عنه - فإني
أكره النقص في الأذن والذنب. فقال له البراء: ما كرهته فدعه ولا تضيق على
الناس، وفي لفظ آخر: ما كرهته فامتنع عليه ولا تحرم على الناس مباحاً.
جواب البراء: جاء بلفظين: اللفظ الأول واللفظ الثاني والأجوبة كلها تدل على
أن النقص في القرن والأذن لا يمنع من الإجزاء.
- الدليل الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكره مع الأربع التي
لا تجزئ والأصل السلامة والإجزاء.
وهذا الثاني: هو الراجح. ويؤيده أن النقص في القرن والنقص في الأذن ليس له
أي تأثير على اللحم. فهذا إن شاء الله هو الأقرب.
وقبل الانتقال إلى البتراء: العضباء عند الحنابلة لا تجزئ إذا كان النقص
أكثر من النصف. فإن كان النصف فأقل فهي تجزئ مع الكراهة وسوف يذكر المؤلف -
رحمه الله - ما يتعلق بذلك.
- ثم قال - رحمه الله -:
بل البتراء خِلقة.
البتراء: مقطوعة الذنب، فإن كانت بتراء خلقة: أجزأت، وإن كانت بتراء قطعاً
للذنب - يعني: مقطوعة الذنب من قبل الآدمي - فإنها: لا تجزئ.
= والقول الثاني: أن البتراء تجزئ خلقة أو مقطوعة.
- لأنه لا دليل على المنع.
- وروي عن ابن - رضي الله عنه - السماح بذلك. أي أن البتراء تجزئ.
* * مسألة / هذا حكم الذنب. أما حكم الإلية فيختلف. وحكم الإلية:
= عند الحنابلة: كحكم الأذن تماماً. فإن كان مقطوع أكثر من النصف فإنها لا
تجزئ. وإن كانت مقطوعة النصف فأقل فإنها تجزئ كالتفصيل الذي في الأذن.
= وذهب الشافعية إلى أن مقطوع الإلية إن كان خلقة فإنه يجزئ. وإن كان قطعاً
فإنه لا يجزئ.
وهذا القول أقرب. فنفرق بين ما ولد بلا الإلية وبين ما ولد بإلية ثم قطعت.
- ثم قال - رحمه الله -:
والجَمَّاء.
الجماء هي البهيمة التي تولد بلا قرن، وهي: تجزئ بإجماع الأئمة الأربعة.
- لأنها لم تذكر في حديث البراء.
- ولأن هذا الأمر ليس له أي تأثير على جودة وكثرة اللحم.
- ثم قال - رحمه الله -:
والخصيّ غير المجبوب.
الخصي هو ما قطعت خصيتاه أو سلتا أو دقتا يعني: ما ذهب بخصيتيه بأي طريقة
ولو بغير هذه الطرق الثلاث التي ذكرها الفقهاء، فالخصي يجزئ وحكي فيه
الإجماع.
والدليل على إجزائه:
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى بكبشين موجوئين. والوجاء: رض
الخصيتين.
- والدليل الثاني: أن الذهاب بالخصيتين بأي طريقة له أثر جميل وحسن على
اللحم ولذلك قال بعض السلف: ما جاء الذبيحة من الشحم واللحم خير مما ذهب
منها. يعني: من الخصيتين.
- ثم قال - رحمه الله -:
غير المجبوب.
الخصي: إذا كان مجبوباً أي مقطوع الذكر فإنه لا يجزئ.
- قياساً على قطع الأذن.
- ولأن هذا نقصاً في خلقته. وذهاب بعضو ينتفع به.
= والقول الثاني: أن مقطوع الذكر يجزئ.
- أولاً: أن المقيس عليه الأذن والأذن تقدم أنها تجزئ.
- ثانياً: لأنه لم يذكر في حديث البراء.
- ثالثاً: لأنا إذا أجزنا الخصاء فإن الذكر يبقى بلا فائدة فهو إذهاب لعضو
لا فائدة فيه. فمن يجوز الخصاء يجب أن يجوز المجبوب.
- ثم قال - رحمه الله -:
وما بأذنه أو قرنه قطع أقل من النصف.
ظاهر عبارة المؤلف - رحمه الله - أنه يجزئ إذا كان أقل من النصف ولا يجزئ
إذا كان النصف فأكثر، وتقدم معنا أن مذهب الحنابلة المعتمد هو أنه: إذا كان
النصف فأقل فإنه يجزئ مع الكراهة. وإنما الذي لا يجزئ هو ما كان أكثر من
النصف.
والدليل على كراهة هذا الأمر:
- ما روي عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا: (أمرنا أن
نستشرف العين والأذن) والاستشراف هو: تدقيق النظر تفادياً للعيوب.
وهذا الحديث اختلف فيه الحفاظ حتى المتقدمين منهم اختلفوا:
= فذهب ابن عبد البر إلى أن إسناده حسن ومقبول ويحتج به.
= وذهب الدارقطني إلى أنه موقوف ولا يصح مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه
وسلم -
والراجح: أنه موقوف ومع ذلك يصلح للاستدلال على كراهية ما قطع منه الأذن أو
القرن.
ثم انتقل المؤلف - رحمه الله - إلى كيفية
الذبح.
- فقال - رحمه الله -:
والسنة: نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى.
الدليل على هذا:
- ما ثبت عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه رأى رجلاً أناخ بدنته لينحرها
فقال: (أقمها قياماً معقودة أو مربوطة سنة محمد - صلى الله عليه وسلم -).
وأما الدليل على ربط اليد اليمنى وأن تقف على ثلاث:
- فما في سنن أبي داؤد أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يربطون
القائمة اليسرى وحملها الفقهاء على اليد.
فالسنة إقامة البدنة على ثلاث: الرجلين واليد. والسنة أن نربط اليد اليسرى
وليست اليد اليمنى.
فإن نحرها على غير هذه الصفة أجزأ إجماعاً.
* * مسألة / فإن خشي الذابح أن لا يتمكن من السيطرة عليها وهي قائمة فإن
الأحسن أن يذبحها وهي جالسة لأن الضرر المتوقع منها إذا انطلقت أكبر من
تحقيق السنة من ذبحها وهي قائمة.
وهذا يحصل أحياناً فينبغي إذا علم الإنسان من نفسه أنه لا يعرف الذبح أو لا
يحسن الذبح قائماً أن يذبحها وهي جالسة.
- يقول - رحمه الله -:
فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر.
يعني: أن النحر يكون في أسفل العنق. في الوهدة التي بين العنق والصدر، وهذا
هو الفرق بين النحر والذبح، فإن النحر يكون في أسفل العنق والذبح يكون في
أعلى العنق، هذا الفرق بينهما فقط.
والحكمة من الذبح في هذا الموضع: لأن لا يعذب الذبيحة البدنة لأنه إذا
ذبحها من أعلى العنق تأخر خروج الدم وتألمت الذبيحة إلى أن تموت. بخلاف إذا
ذبحها من أسفل العنق فإن القلب يدفع الدم بسرعة مما يعجل في موت هذه
الذبيحة.
* * مسألة / فإن نحرها من أعلى العنق. - رجل لا يعرف - وذبح البدنة في موضع
قريب من الرأس فإن الذبيحة وصحيحة ومجزأة.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل)
فهذا أنهر الدم وذكر اسم الله فيأكل.
وروي عن الإمام أحمد أنه إن ذبح ما ينحر
فإنه لا يؤكل. بخلاف إن نحر ما يذبح فالأمر أسهل لكن إن ذبح ما ينحر فإنه
لا يؤكل، وهو قول - في الحقيقة - ضعيف جداً ومصادم للنص ولعل الإمام أحمد -
رحمه الله - ذكره على سبيل الكراهة والاحتياط لا على سبيل التحريم والمنع
فإن حديث ما أنهر الدم صريح في الجواز.
- ثم قال - رحمه الله -:
ويذبح غيرها.
أي: أن النحر للبدنة خاصة والذبح لما عداها سواء كان ما عداها من بهيمة
الأنعام أو من غير بهيمة الأنعام، فالذبح يكون للشياه وللماعز وللبقر
وللغزال وللأرنب ولكل ما عدا بهيمة الأنعام، وأقول أنا: تفقهاً: (لم أطلع
على كلام أهل العلم). إلا الزرافة. لأنها تشبه في البعير ولأن العلل التي
ذكروها تجتمع في الزرافة بل الزرافة أولى لأنها أطول على القول بجواز أكل
الزرافة.
-
ثم قال - رحمه الله -:
ويجوز عكسها.
يجوز أن تذبح ما ينحر أو أن تنحر ما يذبح.
- للحديث السابق: (ما أنهر الجم وذكر اسم الله عليه فكل).
وهذا يدل على أنه إذا قطع العروق وسال الدم جاز الأكل مع التسمية بأي طريقة
تمت هذه الإراقة، وهذا معنى قوله - رحمه الله -: (ويجوز عكسها).
- ثم قال - رحمه الله -:
ويقول: ((بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ)).
يقول: بسم الله والله أكبر.
ـ أما بسم الله: فهي واجبة.
ـ وأما الله أكبر: فهي سنة.
الدليل على التسمية:
- ما تقدم معنا في حديث عائشة حيث قالت: ثم ذبحها وسمى وقال: (اللهم تقبل
من محمد وآل محمد وتقبل من أمة محمد).
وأما البسملة مع التكبير فدليله:
- حديث أنس - رضي الله عنه - وهو في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم
- أتي بكبشين أقرنين فوضع قدمه - صلى الله عليه وسلم - على صفاحهما وذبحهما
وقال: (بسم الله. والله أكبر) وذبحه بيده. هكذا قال أنس - رضي الله عنه -
ونص على أنه ذبحه بيده.
فقال العلماء: أن التسمية واجبة. لقوله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله
عليه} [الأنعام/121].
والتكبير سنة: لحديث أنس - رضي الله عنه -. ولعلهم أيضاً استدلوا على أنه
سنة أنه مذكور في حديث أنس ولم يذكر في حديث عائشة.
-
ثم قال - رحمه الله -:
((اللَّهُمَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ)).
الأحاديث التي فيها ذبح النبي - صلى الله
عليه وسلم - ثلاثة:
- حديث عائشة الذي ذكرت لك وفيه: (اللهم تقبل من محمد وآل محمد .. الخ.
- وحديث أنس - رضي الله عنه - وليس فيه دعاء خاص وإنما قال: بسم الله والله
أكبر وذبح.
- وحديث جابر وفيه هذا الدعاء: اللهم هذا منك وإليك. لكن حديث جابر - رضي
الله عنه - ضعيف.
فالأقرب والله علم أنه لا يسن أن يقول: اللهم هذا منك وإليك. لأنه لا دليل
على هذا وإنما يسن أن يقول: اللهم تقبل مني ومن آلي. إذا كان يذبح عن نفسه
وأهل بيته، لأن هذا ثابت في صحيح مسلم بينما حديث جابر - رضي الله عنه -
إسناده ضعيف ولا يصح إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعلوم أن الذبح من
أعظم العبادات التي يجب أن تقيد فيها بالسنة.
- ثم قال - رحمه الله -:
ويتولاها صاحبها.
معنى: يتولاها هنا: يعني: يذبح بيده، هذا هو معنى التولي في عبارة المؤلف -
رحمه الله -، وليس المقصود أن يصرف الأمر ويدبر الذبح ويأمر به وإنما
المقصود أن يتولى الذبح بيده.
- وهو سنة. لما استفاض عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يذبح بيده
الشريفة - صلى الله عليه وسلم -:
ـ فذبح في الحج ثلاثاً وستين من الإبل.
ـ وثبت في حديث أنس أنه ذبح بيده.
ـ وثبت في حديث عائشة أنه ذبح بيده.
فلا إشكال أن السنة المتواترة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتولى
الإنسان الذبح بيده، وهذا ما فهمه أنس حيث نص - رضي الله عنه - على ذلك
بقوله: وذبحها بيده، فالسنة للإنسان أن يتولى ذبح الهدي والأضحية بيده ما
أمكن واستطاع فإن لم يتمكن من الذبح في سنة من السنوات فإنه ينبغي أن لا
يترك الذبح في كل السنوات، فإذا كان برنامجه أو من هو معهم من الحجاج أو
الحملة التي هو معهم لا يتمكن معها من الذهاب إلى المسالخ والذبح ينبغي على
الأقل ويتأكد أن يتولى الذبح ولو لمرة واحدة حتى يطبق هذه السنة التي
استفاضت بها النصوص.
-
ثم قال - رحمه الله -:
أو يوكل مسلماً ويشهدها.
يعني: يجوز للإنسان أن يوكل غيره من المسلمين في ذبح الأضاحي والهدايا، وهو
جائز بالإجماع بالنسبة لتوكيل المسلم.
- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكل
علياً كما في الحديث الصحيح ليتم ذبح ما غبر من الهدي الذي جاء به النبي -
صلى الله عليه وسلم -.
ـ فإن وكل ذمياً: ففيه خلاف:
= فعند الحنابلة: يجزئ مع الكراهة.
دليل الإجزاء عند الحنابلة:
- أن الكتابي ذبيحته جائزة وإذا جاز أن يذبح في غير الأضاحي والهدايا جاز
فيها.
= والقول الثاني: أنه يشترط فيمن يوكل في ذبح الهدايا والأضاحي خاصة أن
يكون من المسلمين. فإن كان من أهل الكتاب وجب على من وكله أن يذبح بدلها.
واستدل هؤلاء:
- بأن هذا الذبح ذبح عبادة وتقرب إلى الله والذمي ليس من أهل العبادة.
وهذا القول هو الصواب. لأنا نقول: كما أن الكتابي لا يجوز أن ينوب عن
المسلم في أي عبادة أخرى فكذلك في هذه العبادة: أنه لا يجوز أن يصوم عنه
ولا أن يصلي عنه - على القول بجواز أن ينوب أحد عن أحد في الصلاة - فكذلك
لا يجوز أن يذبح عنه لأن هذا عبادة ونسك كالصلاة (فصل لربك وانحر). فكيف
نقول: يجزئ أن يذبح الكتابي.
فالأقرب دليلاً أنه لا يجزئ إذا ذبح الكتابي.
- ثم قال - رحمه الله -:
ويشهدها.
يعني: أن السنة لمن لم يتمكن من الذبح لعدم معرفته أو لمرضه أو لأي سبب من
الأسباب فإن السنة أن يشهد الذبح وأن يحضر عند الذبح.
- لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث فاطمة - رضي الله عنها
- ومن حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن (من شهد أضحيته غفر له مع أول
قطره). هذا الدليل من النص:
والدليل من التعليل:
- أن حضوره للذبح يستشعر معه التقرب والخضوع لله ويحصل معه مقصود العبادة.
ثم انتقل المؤلف - رحمه الله - للكلام عن الوقت المجزئ في الذبح:
- فقال - رحمه الله -:
ووقت الذبح: بعد صلاة العيد.
قوله: (وقت الذبح). يعني: ذبح الأضاحي والهدايا.
وقوله: (بعد صلاة العيد). يعني: ولو قبل الخطبة.
فإن الواجب مضي قدر العيد فقط.
= وهذا مذهب الحنابلة: أنه لا يجوز الذبح إلا بعد صلاة العيد.
واستدل الحنابلة:
- بالحديث الصريح الصحيح الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
(من ذبح قبل صلاة العيد فليذبح بدلاً عنها) وهذا نص صريح.
وعلى هذا القول: الجواز يتعلق بأداء الإمام
الصلاة لا بالوقت. بمعنى: لو تأخر الإمام عن أداء الصلاة فإنه لا يجوز
للإنسان أن يذبح.
= القول الثاني: أن وقت جواز الذبح يبدأ بمضي قدر وقت الصلاة. يعني: ولو لم
يصل.
واستدل هؤلاء بدليلين:
- الدليل الأول: أن آخر زمن الذبح حدد بالوقت فكذلك يجب أن يحدد أوله
بالوقت لا بفعل الصلاة.
- الدليل الثاني: القياس على الذين لا تقام فيهم صلاة العيد فإن أهل العلم
أجمعوا على أنه إذا لم تقم صلاة العيد في منطقة لأي سبب من الأسباب فإن وقت
الجواز يبدأ بمضي قدر الوقت الذي تؤدى فيه الصلاة.
وهذه التعليلات قوية لكن لا عبرة بها ولا ينظر إليها في مقابلة النص الصريح
الذي نص على أن البداية بعد الصلاة.
((الأذان)).
نحن بدأنا بأول الوقت فننهيه ونتوقف على آخر الوقت فيكون في الدرس القادم.
باقي في أول الوقت:
- قول المؤلف - رحمه الله -:
(أو مضي قدره).
مقصود المؤلف - رحمه الله - بقوله: (أو قدره) خاص عند القوم الذين لا تقام
فيهم الصلاة، فالقوم الذين لا تقام فيهم صلاة العيد لا يمكن اعتبار الصلاة
لأنها لا توجد فاعتبر مضي قدر الوقت، فإذا مضى وقت يتسع للصلاة جاز لهم أن
يذبحوا، وهذا لا إشكال فيه لأنه لا يمكن أن نعتبر الصلاة حداً في مكان لا
تصلى فيه. لأن هذا يؤدي إلى أن لا يضحوا لأنا نقول لهم انتظروا إلى ما بعد
ولا توجد صلاة. فإذاً هذه الصورة لا إشكال فيها.
من الأسئلة:
- إذا ذبح عن غيره: يعني وكل عن غيره: فإنه لا يقول شيئاً. ولا يسمي هذا
الغير وإنما ينوي فقط. والتسمية الآن تكون في المُوَكَّلِ والشروط يجب أن
تتوفر في المُوَكَّلِ لا في المُوَكِّلِ.
- عندما يقول: (اللهم عن فلان وآل فلان) فيدخل في (آل فلان) أهل بيته فقط
الذين يتحدون في النفقة فإذا كان له أبناء يستقلون بمنازل خاصة لهم فإن على
كل واحد منهم أضحية لأنهم يتفرقون في النفقات.
- من فاته الحج بمرض ثم مات: فلا شيء عليه. ولذلك الرجل الذي وقصته الناقة
لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه بشيء.
- ما حكم رش ماء زمزم على الجسم بقصد البركة والدواء؟
لا بأس. استخدام ماء زمزم استخداماً خارجياً واستخدامه استخداماً داخلياً
لا حرج فيه لأنه ماء مبارك بالسنة الثابتة.
- هل يشرع للنساء أن يسعين السعي الشديد بين العلمين؟
لا يشرع لهن السعي بالإجماع. إلا قولاً شاذاً لا عبرة به فلا يشرع لهن
السعي ولا يجوز لأمرين:
ـ أولاً: لأنه بدعة. فإنه لم ينقل عن نساء الصحابة أنها أسرعت بين العلمين.
ـ ثانياً: أن هذا السعي يؤدي إلى انكشاف المرأة.
- يشترط في الذابح شروطاً ستاتينا في كتاب الأطعمة فإن المؤلف - رحمه الله
- سينص عليها وليس من المناسب ذكرها الآن.
شرح كتاب المناسك الدرس رقم (18)
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
انتهى الكلام بنا بالأمس إلى بيان متى يبدأ وقت ذبح الأضحية وتوقفنا عند
النهاية:
- فالمؤلف - رحمه الله - يقول:
يومين بعده.
= ذهب الحنابلة رحمهم الله إلى أن أيام الذبح ثلاثة: يوم النحر، وفي يومين
بعده دون اليوم الثالث عشر.
واستدلوا على هذا:
- بقول الإمام أحمد - رحمه الله - عن خمسة من أصحاب النبي - صلى الله عليه
وسلم -. يعني: أنهم اعتبروا وقت الذبح ينتهي باليوم الثاني عشر.
= والقول الثاني: وهو مذهب الشافعية واختيار شيخ الإسلام بن تيمية واختيار
ابن القيم: أن أيام الذبح أربعة: يوم النحر، وثلاثة بعده.
واستدلوا على هذا:
- بأنه روي عن علي بن أبي طالب التحديد بهذا.
- والدليل الثاني: استدلوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كل أيام
التشريق أيام ذبح).
- واستدلوا: بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أيام التشريق أيام أكل
وذكر لله).فالإشارة بقوله: (أكل). إلى الذبح.
- واستدلوا: بأن أيام التشريق تشترك في أحكام كثيرة: - فهي أيام للذكر. -
ولا يجوز أن تصام - وهي أيام للرمي. فإذا اشتركت في أحكام كثيرة كيف تفترق
في الذبح.
والجواب عن أدلة القول الثاني:
- أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - روي
عنه التحديد بأربعة أيام ولكن روي عنه أيضاً ما يوافق قول الصحابة.
- وأما حديث: (كل أيام التشريق أيام ذبح). فهو حديث ضعيف لا يثبت.
- وأما حديث: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله) فليست صريحة بجواز
الذبح.
وإذا تأمل المنصف اللبيب أدلة كل قول. وجد أن أدلة القول الثاني وجيهة في
الحقيقة لا سيما القياس على اتحاد الأحكام في أيام التشريق، لكن مما يحول
بين الإنسان وبين الجزم بصحة هذا القول الآثار المروية عن أصحاب النبي -
صلى الله عليه وسلم - فإنها مشكلة جداً بل إن الإمام أحمد - رحمه الله - في
رواية قال: عن خمسة. وفي رواية قال: عن فلان وفلان وعدد ستة، فهؤلاء
الصحابة الذين نقل عنهم هذا القول فإن الإنسان لا يجترئ العدول عن قولهم في
الحقيقة، ونحن قررنا قاعدة مراراً وتكراراً: أن لقول الصحابي منزلة عندنا
وأنها من أقوى المرجحات لا سيما على طريقة ابن قدامة إذا روي عنهم قول ولم
يخالفوا من قبلهم. أما مخالفة علي فهي ملغاة بموافقته إياهم في الرواية
الأخرى.
لذلك نقول الأحوط: ما ذهب إليه الإمام أحمد وأن الإنسان ينبغي أن ينتهي من
الذبح في اليوم الثاني عشر أي قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر.
- ثم قال - رحمه الله -:
ويكره في ليلتهما.
= ذهب الحنابلة إلى أنه يجوز الذبح في الليل لكن مع الكراهة.
أما دليل الكراهة:
- فهو الخلاف في جواز الذبح ليلاً.
والحنابلة يعللون بالخلاف كثيراً. وتقدم معنا أن الخلاف ليس دليلاً شرعياً
تؤخذ منه الكراهة.
وأما دليل الجواز فمن عدة أوجه:
- الوجه الأول: القياس على جواز الرمي ليلاً.
- والوجه الثاني: أن ليالي أيام التشريق داخلة في جملة وقت الجواز. لأنا
نقول أن وقت الجواز ثلاثة أيام فالليالي من هذه الحيثية داخلة في جملة
الوقت.
= والقول الثاني: أنه لا يجوز الذبح ليلاً فإن ذبح فعليه أن يعيد. لأنه ليس
وقتاً للذبح.
واستدلوا على هذا أيضاً بأمرين:
- الأمر الأول: قوله تعالى: - (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ
مَعْدُودَاتٍ) -[البقرة/203]. قالوا: والأيام اسم للنهار.
- الأمر الثاني: أنه يغلب على الذابح في
الليل عدم التمكن من توزيع اللحم فصار الذبح ليلاً يخل بمقصود أساس من
مقاصد الأضحية.
والراجح: أن الذبح ليلاً جائز بلا كراهة. وإن تجنبه الإنسان احتياطاً
للأضحية فهو حسن.
- ثم قال - رحمه الله -:
فإن فات قضى واجبه.
يعني: إذا خرج وقت جواز الذبح فإنه يقضي هذا الذبح.
وهذه المسألة تنقسم إلى قسمين:
ـ القسم الأول: أن يفوت وقت الذبح الواجب. كأن يكون نذر نذراً أنه يذبح.
فحينئذٍ: = ذهب الجمهور إلى أنه يجب عليه أن يذبح وأن يصنع في ذبيحته كما
كان يصنع لو ذبح في الوقت المشروع تماماً. ويعتبر الذبح والتوزيع قضاءً
وليس بأداء.
ـ القسم الثاني: أن تكون الذبيحة تطوع. فإذا كانت من التطوعات فحكمها أنه
مخير بين أن يمسك فلا يذبح وبين أن يذبح وَيُوَزِّعُ: فإذا ذبح ووزع فإن
اللحم الذي يوزع لحم صدقة وليس لحم أضحية.
(فصل)
- ثم قال - رحمه الله -:
(فصل) ويتعينان بقوله: ((هَذَا هَدْيٌ أَوْ أُضْحِيَةٌ)).
يريد المؤلف - رحمه الله - أن يبين أحكام التعيين لما يترتب على التعيين من
ثمرات فقهية كثيرة سيذكرها المؤلف - رحمه الله -.
- فالمؤلف - رحمه الله - يقول:
ويتعينان بقوله: ((هَذَا هَدْيٌ أَوْ أُضْحِيَةٌ)).
إذا قال الإنسان على ذبيحة من الذبائح هذا هدي أو أضحية تعينت هذه الذبيحة
للهدي أو للأضحية وصارت معينة لا يجوز التصرف فيها كما سيأتينا.
والدليل على هذا:
- أن هذا اللفظ موضوع شرعاً لإفادة هذا الحكم. فأفاده لما أطلقه. يعني:
فأفاد الحكم لما أطلقه الإنسان.
واستفدنا من قول المؤلف - رحمه الله -: (بقوله) أن النية المجردة لا تعين
الهدي ولا الأضحية بل لابد من التلفظ بأن يقول: هذه أضحية، فإن اشترى ذبيحة
ناوياً بها الهدي أو الأضحية واكتفى بالشراء فقط فإنها لا تتعين بذلك.
- ثم قال - رحمه الله -:
لا بالنية.
النية المجردة كما قلت الآن لا تفيد التعيين إلا في صورة واحدة وهي: إذا
اقترن بالنية إشعار أو تقليد.
والتقليد: هو أن يعلق على البدنة ما يدل على أنها من الهدايا.
والإشعار: هو شق سنام البعير الأيمن شقاً يسيراً حتى يدمي.
فإذا اقترن بالنية إشعار أو تقليد تعينت بذلك.
والسبب: أن عند أهل العلم قاعدة مفيدة
وستتكرر معنا وهي: ((أن النية مع العمل تقوم مقام اللفظ))، فإذا نوى
وقَلَّد فكأنه قال: هذه أضحية أو هدي.
وهذا سيأتينا في أبواب متكررة وهي استعمال هذه القاعدة: (أإن النية مع
الفعل تقوم مقام اللفظ) كما سيأتينا في الوقف مثلاً: فإن الإنسان إذا فتح
باب مزرعته وجعلها مقبرة ناوياً التوقيف صارت هذه المزرعة مقبرة لا باللفظ
ولكن بالعمل المقترن بالنية - كما سيأتينا في أبواب أخرى.
* * مسألة / فإن اشترى ناوياً: فقد تقدم معنا أن الذبيحة لا تتعين بالشراء
بنية بدون لفظ.
= والقول الثاني: أنه إذا اشترى بنية تعينت هدياً ولو لم يتلفظ. وهذا
اختيار شيخ الاسلام - رحمه الله - ونصره: بأن هذا الشراء وهو العمل مع
النية قام مقام القول.
والراجح والله أعلم مذهب الحنابلة واختيار الشيخ - رحمه الله - هنا ليس
بقوي: لأن طريقة الشارع أن الإنسان إذا هم بالصدقة ولم يخرجها فإنها لا
تتعين بذلك. فلو اشترى عبداً ليعتقه فإنه لا يجب عليه بالإجماع أن يعتق هذا
العبد فإذا غير نيته وأمسك العبد فلا حرج عليه، وعلى هذا تبين أن الشراء
بالنية لا يقوم مقام اللفظ.
* * مسألة / النية مع الإشعار والتقليد يُعَيِّنُ الهدايا دون الضحايا. لأن
من شأن الهدايا التقليد والإشعار دون الضحايا.
فتبين من هذه المسألة الأخيرة أن الأضحية لا يمكن أن تتعين إلا بالقول. إلا
ما سيأتينا بعد قليل: مسألة الذبح فإن الذبح تتعين به لكن إذا ذبحت فحكمها
حكم آخر، لكن الآن قبل الذبح لا تتعين الأضحية إلا بالقول فقط.
- ثم قال - رحمه الله -:
وإذا تعينت: لم يجز بيعها ولا هبتها.
هذا الحكم الأول لأنها تعينت وهو: أنه لا يجوز البيع ولا الهبة، وهذا
بإجماع أهل العلم أن الأضحية أو الهدي إذا تعين لا يجوز أن يباع ولا أن
يوهب ولا أن يهدى.
والدليل على ذلك:
- أنه أخرجها لله فلم يجز له الرجوع فيها.
- وثانياً: القياس الجلي على الوقف. فإن الأضحية إذا تعينت صارت من جنس
الوقف.
فإن عَيَّنَ الأضحية ثم مات قبل أن تذبح فإنه لا يجوز للورثة أن يتصرفوا
فيها تصرف الملاك بل يجب عليهم أن يذبحوها كأضحية لأنها تعينت والبيع
والهبة حكمهما واحد.
-
ثم قال - رحمه الله -:
إلاّ أن يبدلها بخير منها.
أفاد المؤلف - رحمه الله - بقوله: (إلا أن يبدلها) أنه يجوز للإنسان أن
يبدل الأضحية بخير منها وأنه لا حرج في هذا العمل.
واستدلوا على هذا الحكم:
- بأن هذا الإبدال هو في الحقيقة زيادة في الأضحية. وهو زيادة معنوية لا
حسية لأن الزيادة ليس في نفس الأضحية ولكن في أخرى.
- واستدلوا: بأن المقصود من الأضحية تحقق في الإبدال مع زيادة نفع الفقراء.
وظاهر كلام المؤلف - رحمه الله - أن الإبدال جائز دون البيع. فإذا أراد أن
يبيع الأضحية ليشتري خيراً منها فإنه لا يجوز وإذا أراد أن يبدل جاز،
فالإبدال جائز دون البيع.
= والقول الثاني: أن الإبدال والبيع كلاهما جائز. يعني: ليشتري خيراً منها.
- لأن المبادلة هي نوع من البيع.
- ولأن العلل التي ذكروها في جواز المبادلة موجودة في البيع.
وهذا القول الثاني هو الصواب: أن الإبدال والبيع يجوز إلا لمن خشي أن لا
يقوم بالواجب بعد البيع، فإذا ظن أنه لن يقوم بالواجب فإنه يحرم عليه
البيع. (فإذا ظن أنه سيأخذ المال ولن يشتري ذبيحة أخرى خيراً منها فإنه
يحرم عليه البيع، ويحرم عليه البيع أيضاً إذا ظن أنه إذا باع وبحث لن يجد
خيراً منها فإنه لا يجوز له أن يبيع، فصار الجواز مجدد في صورة واحدة وهي:
أن يعلم أنه إذا باع سيشتري وسيشتري أضحية خيراً من التي باع، ففي هذه
الصورة يجوز أن يبيع الإنسان أضحيته ويشتري خيراً منها.
- قال - رحمه الله -:
ويجزُّ صوفها ونحوه: إن كان أنفع لها ويتصدق به.
المؤلف - رحمه الله - يريد أن يبين بهذه العبارة ما هي الأشياء التي يجوز
لنا أن ننتفع بالأضحية بها.
وذكر مسألة واحدة وهي: جَزُّ الصوف، فنقول: يجوز للإنسان أن يركب وأن يشرب
اللبن وأن يجز الصوف. فيجوز له أن ينتفع من الأضحية بهذه الثلاثة أمور.
لكن لكل واحد شرط:
- فشرط جز الصوف: أن يكون الجز أنفع لها.
- وشرط شرب اللبن أو الحليب: أن لا يضر ذلك بابنها. ولا نقول: (أن لا يضر
بها) لأن أخذ الحليب من بهيمة الأنعام لا يضرها أبداً.
- وشرط الركوب: أن لا يضرها وينقص منها.
فإذا توفرت هذه الشروط جاز الانتفاع بهذه الأوجه الثلاثة.
والدليل على ذلك:
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى
رجلاً يسوق هدايا فقال له: اركبها. فقال: إنها من الهدايا. فقال له النبي -
صلى الله عليه وسلم -: ثلاثاً – (اركبها). فدل هذا الحديث على أنه للإنسان
أن ينتفع بالمعروف بالأضحية والهدي.
- قال - رحمه الله -:
ويتصدق به.
إذا جز الصوف فإنه يتصدق به لكن على سبيل الندب لا الوجوب: عند الحنابلة،
فإذا جزه فله أن ينتفع هو به وله أن يتصدق به ولكن التصدق أفضل ليكون تبرع
أو تصدق بجميع هذه الأضحية ليصدق عليه أنه تصدق أو تبرع بكل هذه الأضحية
لكن لا يجب عليه.
ودليل عدم الوجوب:
- أن الانتفاع بالصوف من جنس الانتفاع باللبن أو الحليب ومن جنس الانتفاع
بالركوب فله أن ينتفع لكن إن تصدق: فالجمهور يرون أنه أفضل.
- ثم قال - رحمه الله -:
ولا يعطى جازرها: أُجرته منها.
لا يجوز أن يعطي المضحي والهادي أجرة الجازر - وهو من يقوم بذبح الضحايا
والهدايا - منها. سواء كان أعطي من اللحم أو من الجلد أو الرأس أو أي شيء
من الهدايا أو الضحايا.
والدليل على عدم الجواز من وجهين:
- الوجه الأول: الإجماع. فإنهم أجمعوا على أنه لا يجوز أن يعطى.
- والوجه الثاني: ما أخرجه البخاري ومسلم عن علي - رضي الله عنه -:أن النبي
- صلى الله عليه وسلم - قال له: (لا تعطه منها نحن نعطيه من عندنا). فدل
هذا على عدم جواز أعطائه وهذا لا إشكال فيه لأنه محل إجماع كما سمعت.
* * مسألة / ويجوز أن يعطى منها من اللحم أو من غيره على سبيل الهدية أو
الصدقة لأن الجازر لا يخرج عن جملة المسلمين الذين يجوز أن يعطوا من
الهدايا والضحايا على سبيل الصدقة أو على سبيل الهدية.
- ثم قال - رحمه الله -:
ولا يبيع جلدها ولا شيئاً منها، بل ينتفع به.
لا يجوز أن يبيع الإنسان الجلد ولا أي شيء من الهدايا أو الضحايا إلا أنه
يجوز له أن ينتفع بالجلد، فيجوز له الانتفاع دون البيع.
ودليل جواز الانتفاع:
- أنه يجوز للإنسان أن يأكل من الهدي وأن يأكل من الأضحية. والانتفاع
بالجلد بعد الذبح من جنس الأكل من لحمها بل إن اللحم بالنسبة للهدايا
والضحايا أنفس وأفضل وأغلى من الجلد فإذا جاز الانتفاع باللحم أكلاً
فالانتفاع بالجلد استعمالاً من باب أولى.
فإذاً: لا إشكال في أنه يجوزك للإنسان أن
ينتفع بالجلد ولا يبيع منها شيئاً.
- ثم قال - رحمه الله -:
وإن تعيبت: ذبحها وأجزأته.
إذا تعيبت ومقصود المؤلف - رحمه الله - بعد التعيين فإنه يجوز أن يذبحها
وإذا ذبحها فإنها تجزئ عنه.
وحكم هذه المسألة فيه تفصيل: وهي تنقسم إلى قسمين:
ـ القسم الأول: أن تتعيب بتعديه أو تفريطه. فحينئذ يجب عليه وجوباً أن
يستبدلها بأخرى ويذبح ما يجزئ في الأضاحي من حيث الشروط لأنه متعد مخل
بالأمانة.
ـ القسم الثاني: أن تتعيب بلا تعد ولا تفريط. ففي هذه المسألة خلاف:
= فالحنابلة يرون أنه لا يضمن هذه الأضحية ويذبحها وتجزئ عنه.
- لأن يده يد أمانة ولا ضمان على يد الأمانة إلا بالتعدي والتفريط.
= والقول الثاني: أنه يجب عليه أن يذبح ما يجزئ ولا تجزئه هذه المعيبة.
وهذا مذهب القائلين بوجوب الأضحية. فكل عالم يقول بوجوب الأضحية فإنه يقول:
إذا تعيبت فإنه يجب أن تستبدلها بخير منها. لأنه إذا قال تجب الأضحية صارت
واجبة في الذمة. وما يجب في الذمة فيجب أن يذبح سليماً من العيوب.
والراجح: أنه إذا لم يتعد ولم يفرط فإنه لا يضمن. لأن هذا مقتضى أن يده يد
أمانة.
-
ثم قال - رحمه الله -:
إلاّ أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين.
إذا كانت واجبة في ذمته قبل التعيين فإنها إذا تعيبت فيجب أن يذبح أخرى
سليمة، ومثال التي تجب في الذمة قبل التعيين: كالمنذورة فإذا قال رجل: لله
علي نذر أن أضحي هذه السنة وجب في ذمته أضحية سليمة بخلاف الواجبة بالتعيين
فإنها لا تجب في ذمته وإنما تجب بالتعيين.
يعني: أن الوجوب يتعلق بعين هذه البهيمة بينما الواجب في الذمة فالوجوب
يتعلق بذمته ولا تبرأ الذمة إلا بأداء هذا الواجب الذي في ذمته فإذا كانت
واجبة في الذمة وتعيبت فيجب عليه أن يذبح أخرى سليمة لأن الذمة لا تبرأ إلا
بأداء سليمة.
والدليل على هذا من وجهين:
- الوجه الأول: القياس على من أراد أن يقضي الدين بمبلغ عينه ثم سرق.
فإذا خرج الإنسان بمبلغ يريد أداء دين عليه ثم هذا المبلغ سرق فهل يجب عليه
أن يسدد دين الرجل وإلا يقول سرق المال الذي كنت ناوياً تسديدك به؟ الجواب:
يجب أن يسدد. لماذا؟ لأنه واجب في الذمة.
بينما إذا أودع عندك إنسان مبلغاً من المال
وديعة وأصبحت يدك يد أمانة فإنه إذا ضاعت هذه الوديعة بدون تفريط ولا تعدي
فإنه لا يجب عليك أن تؤدي هذا المبلغ لصاحبه.
كذلك هنا: الفرق بين الأضحية التي لا تجب في الذمة ولكنها وجبت بالتعيين
وبين الأضحية التي وجبت في الذمة.
إذاً يجب أن يؤدي أخرى سليمة لتبرأ ذمته فإن ذبح فإن ذمته مشغولة ولم تبرأ
ويجب عليه أن يذبح أخرى.
- ثم قال - رحمه الله -:
والأُضحية سنة.
= ذهب الجماهير من أهل العلم: الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد إلى أن
الأضحية: سنة.
واستدل هؤلاء الفقهاء عليهم رحمة الله ورضوانه:
- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي
فلا يمسن من بشرته ولا من شعره شيئاً).
وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (وأراد أحدكم) فعلق
الأضحية بالإرادة ولو كانت الأضحية واجبة لقال: (إذا دخلت العسر فلا يمسن
أحدكم).
- الدليل الثاني: أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -
كانا لا يضحيان السنة والسنتين خشية أن يظن أن ذلك واجباً
- وروي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مثل ذلك.
= القول الثاني: وهو مذهب الأحناف ونصره شيخ الإسلام - رحمه الله - واستدل
له بأدلة وهو: أن الأضحية واجبة وجوباً عينياً على كل مستطيع.
واستدل بأمور:
- الأول: أن الله تعالى قال: - (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) -[الكوثر/2].
فقرن الصلاة بالنحر وكلاهما واجب.
- واستدل أيضاً: بأن الأضحية من شعائر الإسلام الظاهرة وشعائر الإسلام
الظاهرة واجبة.
واستدل بعض القائلين بالوجوب:
- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن
مصلانا) وهو نص في الوجوب.
وهذا الحديث حديث منكر الإسناد واللفظ ولا يصح أبداً عن النبي - صلى الله
عليه وسلم -.
بقينا في الراجح: الراجح والله أعلم
وبوضوح: أنها سنة واختيار شيخ الإسلام في هذه المسألة ضعيف جداً، كيف نعتبر
الأضحية واجبة وأبو بكر وعمر لا يضحيان، والإشكال أنهم لا يضحون دفعاً
للوجوب. فإنهم صرحوا أنه خشية أن يرى أن ذلك واجب. فكيف نقول عن مثل هذا
القول أنه مرجوح وشيخ الإسلام يقول: وليس مع الذين رأوا سنية الأضحية إلا
ظاهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا دخلت العشر وأراد أحدكم) ونحن
نقول: أن هذا الظاهر كفاية وفيه غنى وهذا الظاهر تأيد بالآثار والآثار
المروية عن أفقه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر الصديق وعمر
بن الخطاب فلا شك أن اختيار الشيخ ضعيف ولو أنه لم يخالف الآثار في مثل هذه
المسألة لكان أولى وأجدر به لا سيما وأن في المسألة نص وهو يستدل
بالعمومات: عموم الآية وظاهرها ودلالة الاقتران تقدم معنا أنها دلالة ضعيفة
وأنه لا يؤخذ منها حكم مستقل وإنما تتأيد بالقرائن الأخرى وليس هنا قرائن
أخرى. فكلام الشيخ - رحمه الله - فيما يظهر لي في هذه المسألة ليس بقوي.
-
ثم قال - رحمه الله -:
وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها.
ذبح الأضحية أفضل وأولى وأحب إلى الله من الصدقة بثمنها.
لدليلين:
- الأول: أن المقصود في الأضحية إنهار الدم لله وهذا لا يحصل أبداً في
الصدقة. فاستبدال الأضحية في الصدقة إخلال بالمقصود الأساس وهو التقرب إلى
الله بذبح البهيمة.
- ثانياً: أن هذا مخالف لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهدي أصحابه -
رضي الله عنهم - حيث كانوا كلهم يجمعون بلا خلاف أن يضحوا ولا يعدلوا إلى
الصدقة.
فمن زعم أن الصدقة بقيمة الأضحية خير من الذبح فقد صادم عمل السلف وقوله
شاذ وضعيف جداً.
- يقول - رحمه الله -:
ويسن أن يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثاً.
يريد المؤلف - رحمه الله - أن يبين كيفية توزيع لحوم الهدايا والضحايا،
فالسنة أن يقسم الإنسان الهدي والأضحية إلى ثلاثة أقسام:
- قسم يأكله.
- وقسم يتصدق به.
- وقسم يهديه.
واستدلوا على هذا التقسيم بأمرين:
- الأمر الأول: أن هذا التقسيم جاء منصوصاً مصرحاً به عن اثنين من فقهاء
الصحابة: ابن مسعود وابن عمر - رضي الله عنهما -.
- والأمر الثاني: قوله - صلى الله عليه
وسلم -: (كلوا وتصدقوا وادخروا).
نعم. الإهداء ليس مذكوراً في الحديث لكن عمل عليه الصحابة فهؤلاء اثنين من
الصحابة ولا يعلم لهما مخالف.
= القول الثاني: أن لحوم الأضاحي والهدايا السنة فيها أن تقسم إلى قسمين:
- نصف يؤكل.
- ونصف يتصدق به.
وهو مذهب للشافعي أظنه القديم - لكن نسيت الآن -.
واستدل:
- بقوله تعالى: - (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ
وَالْمُعْتَرَّ) -[الحج/36].
فقسم الله سبحانه وتعالى الهدي والأضاحي إلى قسمين.
والقانع هو: السائل. والمعتر هو: الذي يتعرض لأخذ الصدقة ولكنه لا يسأل.
= القول الثالث: أنه ليس في تقسيم الهدي والأضاحي شيء مخصوص ولا حد مقدر بل
يصنع كيفما تيسر وكيفما أراد وهو مذهب الإمام مالك.
- لأنه ليس في النصوص ما يدل على التقسيم.
والراجح: الأول. لأن معهم ظواهر النصوص المؤيدة بالآثار عن الصحابة. وهو
أقوى مما استدل به أصحاب القول الثاني والثالث.
- قوله - رحمه الله -:
وإن أكلها إلاّ أُوقية تصدق بها.
أفادنا المؤلف - رحمه الله - أنه يجوز للإنسان: أن يأكل جميع الأضحية وجميع
الهدي إلا مقدار الأوقية وأنه لو استغرقها أكلاً إلا هذا المقدار فلا بأس.
واستدلوا على هذا الحكم:
- بأن الله تعالى قال: - (فَكُلُوا مِنْهَا) -[الحج/36].فأطلق ولم يقيد.
وهذا يتناول كل الذبيحة إلا مقدار أوقية.
فإن أكلها ولم يبق شيئاً وجب عليه أن يخرج ما يقع عليه الاسم. يعني: اسم
الصدقة. لأن الله أمر بالأكل والصدقة وأقل ما يقع عليه الاسم: أوقية،
والأوقية مذكورة على سبيل التمثيل، يعني: أن يخرج نحواً من هذا المقدار وهو
أقل ما يقع عليه اسم الصدقة.
والدليل هو ما قلت لك:
- أن الله أمر بالأمرين سبحانه وتعالى: الأكل والصدقة.
-
قال - رحمه الله -:
وإن أكلها إلاّ أُوقية تصدق بها. جاز وإلاّ ضمنها.
يعني: إن أكلها كلها ولم يخرج منها شيء ضمن هذا المقدار وهو: الأوقية.
- لأن الله أمر بالصدقة ولم يفعل هو.
- ولأن ظاهر الآثار: أنه لابد من الصدقة.
* * مسألة/ والواجب عند الصدقة التمليك لا
الإطعام. (الواجب إذا أراد الإنسان أن يتصدق من الهدايا والضحايا التمليك
لا الإطعام.
فإن أخذ اللحم وطبخه وأطعمه الفقراء فإنه لا يجزئ بل يجب أن يملك الفقراء
اللحم نيئاً.
- لأنه إذا أطلق التمليك فإنه ينصرف إلى ذلك. والتمليك شيء والإطعام شيء
آخر.
ولا يخفى على أحد أن التمليك أنفع للفقير من الإطعام وهو أنفع بكثير.
- ثم قال - رحمه الله -:
ويحرم على من يضحي. أن يأخذ في العَشر: من شعره أو بشرته شيئاً.
إذا دخلت العشر وأراد الإنسان أن يضحي أو دخلت العشر وأراد في أثنائها أن
يضحي ففي الصورتين فإنه يحرم عليه أن يمس شيئاً من شعره وبشرته وأظفاره.
وإلى هذا: = ذهب الجمهور.
واستدلوا:
- بالحديث الصحيح الذي تقدم ذكره وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
(إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمسن من شعره ولا بشرته) وفي
رواية في مسلم (ولا أظفاره شيئاً).
فهذه ثلاثة أشياء لا يجوز للإنسان أن يمسها إذا أراد أن يضحي.
= القول الثاني: أنه لا يجب الإمساك عن هذه الأشياء لمن أراد أن يضحي بل
يجوز له أن يفعل ما يفعل غيره ممن لم يرد الأضحية
واستدل على ذلك:
- بأن المضحي لا يمنع من تغطية الرأس ولا من الطيب ولا من لبس المخيط فكذلك
لا يمنع من تقليم الأظافر وحلق الشعر.
وهو استدلال غاية في الضعف والتهافت. كيف نعارض النصوص بمثل هذه الأقيسة.
= والقول الثالث: أن الأخذ مكروه ولا يحرم. وهذا تبناه الإمام الشافعي.
واستدل على الكراهة دون التحريم:
- بأنه ثبت في الحديث الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يرسل
الهدي إلى مكة ولا يحرم عليه شيئاً كان جائزاً قبل الإرسال.
وقرر الاستدلال بقوله: أن إرسال الهدايا إلى مكة أعظم من الأضحية فإذا لم
يجب الإمساك عند إرسال الهدايا ففي الأضحية من باب أولى. فقال: نجمع بين
النصين بأن النهي إنما هو للكراهة لا للتحريم.
والراجح والله أعلم أنه يحرم.
والجواب عن استدلال الإمام الشافعي - رحمه الله -: أن القاعدة الفقهية
الأضبط من قاعدة الشافعي هي: (أنه يجب أن نستعمل النصوص كل نص في موضعه).
فنحن نقول: من أرسل الهدايا لا يجب عليه أن
يمسك. ومن أراد أن يضحي فيجب عليه أن يمسك. فنستعمل كل نص في موضعه ولا
نضرب النصوص بعضها ببعض ولا نرى أنها متعارضة. فإن هذا التعارض إنما وجد في
ذهن هذا الفقيه أو ذاك دون حقيقة الأمر.
كذلك هنا نقول: لا تعارض بين حديث إرسال الهدايا وبين حديث وجوب الإمساك
للمضحي.
فالراجح إن شاء الله أنه لا يجوز له أن يأخذ شيئاً من هذه الثلاثة أشياء
إذا أراد أن يضحي.
* * مسألة / فإن أخذ فهو آثم وعليه التوبة ولا كفارة. ويجوز له ويجزئ أن
يضحي. لأن هذا الإمساك ليس شرطاً في صحة الأضحية.
(فصل)
- ثم قال - رحمه الله -:
(فصل).
خصص المؤلف - رحمه الله - هذا الفصل لبيان أحكام العقيقة.
- يقول - رحمه الله -:
فصل تسن العقيقة.
العقيقة في اللغة: القطع والشق.
وفي الإصطلاح: هي الذبيحة التي تذبح عند قدوم المولود شكراً لله.
وأجمع العلماء - رحمهم الله - على مشروعيتها.
واختلفوا في حكمها:
= فالقول الأول: أنها سنة. وإلى هذا ذهب الجماهير.
واستدلوا:
- بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (من أحب أن ينسك نسيكة فليذبح عن
الغلام شاتين وعن الجارية شاة).
- وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم -
أن نعق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة).
وإذا جمعنا بين الحديثين دلَّا على أن الأمر للندب لا للوجوب.
= والقول الثاني: أنه يجب وهو مذهب الظاهرية وبعض الفقهاء.
واستدلوا:
- بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عائشة قالت: (أمرنا).
- واستدلوا: بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في البخاري: (اذبحوا عنه
ذبيحة وأميطوا عنه الأذى). فقوله: (اذبحوا) أمر.
= والقول الثالث: أن العقيقة مباحة.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من أحب منكم أن ينسك .. ).
وإذا تأملت وتدبرت فستجد إن شاء الله أن القول الأول هو الراجح وأن القول
الأخير ضعيف جداً.
-
ثم قال - رحمه الله -:
عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة.
تقدم معنا في حديث عائشة - رضي الله عنها -
أنها قالت: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يذبحوا عن الغلام شاتين
وعن الجارية شاة).فدل هذا على أن السنة أن نذبح عن الغلام هذا المقدار وعن
الجارية هذا المقدار.
* * مسألة/ ويجوز أن نذبح عن الغلام شاة واحدة.
- لحديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ذبح
عن الحسن والحسين شاة شاة).
لكن الاستدلال بحديث ابن عباس فيه نظر لأنه في رواية في سنن النسائي:
(شاتين شاتين). ثم الحديث في أصله في ثبوته خلاف.
لكن مع ذلك الراجح أنه يجوز أن نذبح عن الغلام شاة. لقول النبي - صلى الله
عليه وسلم -: (كل غلام مرتهن بذبيحته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى) وإذا
كان مرتههن بذبيحته فإن ذبح شاة واحدة يفي بفك الارتهان.
وإلى هذا القول - وهو جواز الاكتفاء بشاة واحدة - ذهب ابن القيم وهو القول
الصحيح إن شاء الله.
- ثم قال - رحمه الله -:
تذبح يوم سابعه.
تذبح يوم سابعه:
- لحديث سمرة - رضي الله عنه - أنه قال: (كل غلام مرتهن بذبيحته تذبح عنه
يوم سابعه). وحديث سمرة حديث صحيح ثابت إن شاء الله. وهو يدل على أن الذبح
يكون في اليوم السابع.
* * مسألة / ويدخل في حساب اليوم السابع يوم الولادة. والأحوط أن لا يحسب
إذا كان مولوداً في الليل أما إذا كان مولوداً في النهار فإنه يحسب في
السبعة أيام وهو ما ذهب إليه الإمام أحمد.
* * مسألة / ويسن أن يسمى في اليوم السابع إلا إن كان الأب أعد في نفسه
اسماً قبل الولادة فإن السنة أن يسميه في يوم الولادة
إذاً على هذا التفصيل:
- إن كان لم يعد اسماً ويبحث فإنه يسن أن يؤخر التسمية إلى اليوم السابع.
- وإن كان أعد اسماً فإنه يسميه في يوم الولادة. لأن النبي - صلى الله عليه
وسلم - سمى ابنه إبراهيم في يوم ولادته.
* * مسألة / التسمية واجبة بالإجماع وهي واجبة على الأب وهي في نفس الوقت
حق من حقوق الأب فإذا تنازع الأب والأم أو الأب والجد أو الأب والجدة فإن
الأب هو الأحق بالتسمية.
فهي واجبة عليه وهي حق من حقوقه.
- ثم قال - رحمه الله -:
فإن فات ففي أربعة عشر، فإن فات ففي إحدى وعشرين.
الدليل على اعتبار الأسبوع الثاني والأسبوع
الثالث:
- أن هذا جاء منصوصاً مروياً عن عائشة رضي الله عنها فإنها ذكرت أنه في
اليوم السابع أو في الأسبوع الثاني أو في الأسبوع الثالث.
قال ابن قدامة - رحمه الله -: ولا يكون هذا منها إلا توقيفاً ثم إذا تعدى
الاسبوع الثالث فإنه يذبح في أي يوم كان ولا يراعي التسبيع.
* * مسألة / إذا فات اليوم السابع: فاختلف الفقهاء هل يعق أو لا يعق:
= فذهب الجمهور إلى أن وقت العقيقة يستمر ولا ينتهي بفوات اليوم السابع.
واستدلوا على هذا:
- بأنه لا دليل على التوقيت وإنما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - على
سبيل الاستحباب بدليل أن التوقيت باليوم السابع لم يذكر في حديث عائشة. ولم
يذكر في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
= وذهب الإمام مالك إلى أنه بغياب شمس اليوم السابع انتهى وقت العقيقة. فإن
ذبحها فهو كمن ذبح الأضحية في اليوم الخامس عشر فلا عبرة بها ولا ينظر
إليها.
والراجح: مذهب الجمهور وهو اختيار ابن القيم إذ لا دليل على التحديد بل
ظواهر النصوص الاطلاق.
* * مسألة / على القول بأنه لا يتحدد باليوم السابع فإلى متى ينتهي؟
= ذهب الجماهير والجم الغفير من أهل العلم إلى أنه يستمر إلى البلوغ. فإذا
بلغ فقد انتهى وقت العقيقة.
فإن أراد أن يعق عن نفسه بعد البلوغ صارت مسألة أخرى: وهي مسألة: هل يعق
الكبير عن نفسه أو لا يعق وهي مسألة في خلاف وفيها أقوال:
== فالقول الأول: أنه يستحب له أن يعق حتى ولو كان كبيراً ومقصودهم بالكبير
هنا: ما بعد البلوغ مباشرة فإنه يعتبر كبيراً. وإلى هذا ذهب الإمام أحمد في
رواية:
- لأنه لا دليل على التأقيت.
- ولأن هذا الغلام مرتهن. فلكي يفك الرهن عن نفسه فليذبح ولو كان كبيراً.
== والقول الثاني: أنه لا يصح ولا يجزئ أن يذبح من كان كبيراً.
- لأن ذبح العقيقة واجب على الأب ولا يصح من غيره.
والأقرب: القول الأول وهو أنه له أن يضحي ولو كان كبيراً إذ لا دليل على
المنع وظواهر النصوص تؤيد الاستمرار ولو كان الإنسان كبيراً في السن.
* * مسألة/ ويسن أن يحلق المولود: وحلق المولود موجود في الأحاديث الصحيحة
فلا إشكال في ثبوته في البخاري وغيره.
لكن هل يشرع إذا حلق أن يتصدق بوزنه فضة؟
فيه خلاف:
= القول الأول: أنه يشرع.
- لأنه نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بذلك.
= والقول الثاني: أنه لا يشرع.
- لأنه لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث ثابت في وزن شعر الصبي
والتصدق به فضة.
= والقول الثالث: وهو الذي مال إليه الإمام أحمد: أنه لا بأس به. قال
الإمام أحمد: قيل أن فاطمة حلقت رأس الحسن وتصدقت به فضة. وهذا الحديث مرسل
حتى عن فاطمة. يعني ولا يثبت ولا عن فاطمة لكن الإمام أحمد يقول: قيل أنها
فعلت هذا. ثم قال الإمام أحمد - رحمه الله -: ولا بأس أن يتصدق الإنسان.
وهذا القول هو الراجح: أنه لا بأس. فلا نقول أنه سنة ولا نقول أنه لا يشرع
ولكن نقول: لا بأس.
((الأذان)).
- ثم قال - رحمه الله -:
وينزع جُدولاً ولا يكسر عظمها.
معنى جدولاً: أي أعضاء. فنأخذ اليد ونأخذ الرجل ولا نكسر عظماً للعقيقة.
والدليل على هذا:
- أنه روي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها نهت عن كسر العظام.
والحديث الذي فيه النهي عن كسر العظام هو نفس الحديث الذي فيه التوقيت في
الأسبوع الثاني والثالث. يعني السابع والأربع عشر والأسبوع الثالث.
لكن هذه الزيادة مدرجة من قول عطاء ولم تفت بها عائشة. وصدر الأثر الذي فيه
التوقيت بالأسبوع الثاني والثالث ثابت وأما النهي عن كسر العظام فهو مدرج
ولا يثبت عن عائشة.
لذلك:
= القول الثاني: للإمام مالك أنه لا بأس بكسر عظم العقيقة.
لأمرين:
- الأمر الأول: أنه لم يثبت النهي لا بأثر صحيح ولا بحديث مرفوع.
- الأمر الثاني: أن في كسر العظام مصلحة أكثر وانتفاع بالعقيقة على وجه
أكمل. فلذلك جاز ولا حرج فيه.
وهذا القول الثاني: وهو مذهب مالك هو الصواب.
- ثم قال - رحمه الله -:
وحكمها كالأُضحية.
حكم العقيقة كالأضحية في كل شيء: في التثليث - تثليث اللحم وفي أنه لابد من
شروط الإجزاء في مسألة جواز البيع أو عدم جوازه والتفصيل الذي قيل في
الأضحية يقال تماماً في العقيقة.
- ثم قال - رحمه الله -:
إلاّ أنه لا يجزئ فيها شرك في دم.
= ذهب الجمهور: إلى أنه لا يجزئ الاشتراك في العقيقة وأن سبيلها ليس كسبيل
الأضحية والهدايا.
واستدلوا على هذا:
- بأن المقصود من العقيقة هي فداء النفس
وفداء النفس يكون بالنفس مقابل النفس. هذا أمر.
- والأمر الآخر وهو الأقوى: أنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
ولا عن أحد من أصحابه أنهم أجازوا التشريك في العقيقة وإن كان جاء عنه -
صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه التشريك في الأضحية.
فدل هذا على أن بينهما هذا الفرق في الحكم.
- ثم قال - رحمه الله -:
ولا تسن: الفَرَعة، ولا العتيرة.
- الفرعة هي: نحر أول ولد للناقة. وكانوا ينحرونه تقرباً لأوثانهم فنهى عنه
الشارع.
- والعتيرة هي: ذبيحة العشر الأول من رجب.
والدليل على النهي:
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا فرع ولا عتيرة) فنهى عنهما.
لكن الجمهور يرون أن هذا النهي لا للكراهة وإن أراد أن يذبح لا تقرباً
للأصنام ولكن تقرباً لله ولا قصداً لهذا الزمان بعينه يعني: رجب فإنه لا
بأس بالذبح في هذا المكان.
أخيراً: ذهب الجمهور إلى أن الأفضل في العقيقة أن يذبح شاتاً ثم بدنه ثم
بقرة على خلاف الترتيب الذي مر علينا في الأضحية.
وبهذا انتهى كتاب المناسك.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد.
|