شرح زاد المستقنع للخليل

باب الربا والصرف
- ثم قال - رحمه الله -:
- باب الربا والصرف.
الربا في اللغة الزيادة.


وفي الشرع: الزيادة أو النسأ في أشياء مخصوصة.
وقوله: (والصرف).
الصرف: هو بيع النقد بالنقد.
وفي هذا الباب من الإشكال نظير ما في الباب السابق وقد صرح الشيخ الحافظ الفقيه المفسر ابن كثير بأن هذا الباب من أشكل أبواب البيوع، وصرح غيره من الفقهاء بأن في هذا الباب إشكالاً وخفاء.
- قال - رحمه الله -:
- يحرم: ربا الفضل.
الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى: (وأحل البيع وحرم الربا).
ومن السنة: أحاديث كثيرة: منها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عد الربا من السبع الموبقات. وهذا إيغال في التحريم.
ومنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن في الربا آكله وموكله وكاتبه وشاهديه.
وأحاديث كثيرة في السنة بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف يدل على أن الربا من أكبر الكبائر في الشرع.
* * مسألة / وكان في القرن الأول خلاف في ربا الفضل ثم استقر الأمر على تحريم ربا الفضل كتحريم ربا النسيئة، واعتبر كثير من الفقهاء هذا الخلاف منتهياً وأن الإجماع استقر على تحريمه، واعتبر بعض الفقهاء أن الإجماع غير صحيح وأن الخلاف موجود، وبكل حال:
الصحيح والذي عليه الجماهير: أن ربا الفضل محرم للنصوص الصريحة الصحيحة الثابتة التي لا مجال لمخالفتها وروي عن المخالف وهو ابن عباس - رضي الله عنه - أنه رجع. وروي أنه لم يرجع فروي عنه الأمران، لكن في الحقيقة هذه المسألة لا طائل من بحثها واستقر الأمر عند المذاهب الأربعة وفقهاء المسلمين السبعة والفقهاء المتبعين كالأوزاعي والثوري ومن لهم إتباع ولو كانوا انقرضوا وابن حزم وغيره إلى أنه استقر الأمر على أن ربا الفضل محرم كتحريم ربا النسيئة.


شرح كتاب البيع الدرس رقم (15)
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كنت تكلمت في الدرس السابق عن أول باب الربا وتقدم معنا تعريف الربا والصرف وحكم الربا وتوفقنا على قول المؤلف - رحمه الله -: (يحرم: ربا الفضل في مكيل وموزون بيع بجنسه) ومن هنا بداية الشرح إن شاء الله.
- فقوله - رحمه الله -:
- في مكيل وموزون.
إشارة من المؤلف - رحمه الله - لعلة تحريم ربا الفضل ليتمكن الطالب من معرفة الأموال الربوية في الشرع.
والأصل في هذا الباب حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد)
هذا الحديث هو أصل الأموال الربوية.
وسنأخذ في هذا الحديث عدة مباحث:
- المبحث الأول: أن الأعيان الستة المذكورة في الحديث هي من الأموال الربوبية بإجماع العلماء بلا مخالف.
- ثانياً: ما عدا هذه الأعيان الستة المذكورة في الحديث انقسم العلماء في إلى قسمين:
- منهم من يرى أن هذه الأعيان اعتبرت من الربا لعلة أرادها الشارع فقاس عليها كل الأموال التي تشبهها في العلة.
- ومنهم من رأى أن الأموال الربوية هي فقط هذه الأموال الستة المذكورة في الحديث.
فتحصل معنا الآن أن هذه المسألة اختلفوا فيها على قولين:

= القول الأول: القياس والأخذ بالعلل والمعاني وإلى هذا ذهب الأئمة الأربعة وعامة فقهاء المسلمين والجم الغفير من السلف والخلف.
واستدل هؤلاء بأدلة:
- الدليل الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الطعام بالطعام مثلاً بمثل) فقوله - صلى الله عليه وسلم - (الطعام) إشارة إلى أن المعدودات في الحديث لا يقصد الاقتصار عليها.
- الدليل الثاني للجاهير: بأن المعلوم والمعهود في الشرع اعتبار العلل والمعاني التي على وفقها جاء الشرع وتعدية الحكم إلى كل ما تنطبق فيه المعاني الموجودة في النص.
= القول الثاني: أن الأموال الربوية هي فقط الأعيان الستة.
- لأن الشارع الحكيم لو أراد تعدية الحكم إلى غير هذه الأموال الستة لقال " الربا في الموزوزنات والمكيلات " ولم يعدد الأعيان.


وإلى هذا ذهب الظاهرية واختاره من علماء المعاني والقياس ابن عقيل من الظاهرية والصنعاني من شراح الأحاديث.
والراجح إن شاء الله القول الأول: لأن المعهود في الشرع التعويل على العلل والمعاني والقياس. ولأن الشارع كثيراً ما يعلق الحكم بأسماء ونعديه إلى ما يشبه هذه الأسماء من المعاني.
- المسألة الثالثة: اتفق الذين يرون تعدية الحكم إلى غير هذه الأصناف الستة – هؤلاء اتفقوا على أن الأموال الربوية المذكورة في الحديث تنقسم إلى فئتين:
- الفئة الأولى: الأثمان: وهي الذهب والفضة.
- والفئة الثانية: بقية الأعيان الأربعة: البر والشعير والتمر والملح.
واتفقوا على أن لكل فئة الفئتين علة خاصة، ثم اختلفوا في تحديد علة الفئة الأولى علة الفئة الثانية إلى أقوال:
نبدأ أولاً بعلة الربا في الذهب والفضة.
اختلف العلماء في علة الربا في الذهب والفضة إلى أقوال:
= القول الأول: وهو المذهب وأيضاً مذهب الأحناف. أن العلة هي الوزن، فكل الموزونات يحرم فيها التفاضل، كالحديد والحرير والنحاس والرصاص وكل شيء يوزن فلا يجوز أن نبيع كيلوا حديد بكيلوين.
واستدلوا:
- بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (مثلاً بمثل، سواء بسواء) فاشترط المثلية والتساوي وهي لا تعلم إلا بالوزن فدل ذلك على أنها علة الحكم.
وأجيب عن هذا الدليل: بأن هذا الدليل غير مضطرد، ويشترط في العلة أن تضطرد.
دليل عدم الأضطراد: جواز بيع الموزونات بالذهب والفضة فيجوز أن نبيع ذهب بحديد ولو متفاضلاً ولو مؤخراً، فدل هذا على ضعف هذا التعليل.
= القول الثاني: أن العلة هي غلبة الثمنية وهي على تختص – عند هؤلاء – بجوهر الذهب والفضة فلا تتعداه إلى غيرهما من المعادن، وهذا مذهب الشافعية.
واستدلوا على هذا:
- بأن الذهب والفضة لهما صفات لا توجد في غيرهما من الأعيان.
وعلى هذا القول: لا يجري الربا في الفلوس ولا في الأوراق النقدية لأن الحكم يختص بعين الذهب والفضة.
= القول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد وقول للمالكية واختيار شيخ الإسلام بن تيمية وابن القيم وعدد كبير من المحققين: أن العلة هي مطلق الثمنية لا غلبة الثمنية.


وعلى هذا القول يتعدى الحكم إلى كل ما هو أو ما اعتبر أو ما اتخذ ثمناً للأشياء، فيدخل الأوراق النقدية والفلوس وكل ما اتخذ ثمناً للأشياء.
واستدل هؤلاء بأمرين:
- الأمر الأول: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما ذكر الذهب والفضة لأنهما أثمان الأشياء.
- والأمر الثاني: أن المعنى يدل على هذا القول لأنه يجب أن تكون أثمان الأشياء ثابتة القيمة لا تباع ولا تشترى ولا تزيد ولا تنقص لأنه بها تعرف قيم الأشياء، فإذا كانت تزيد وتنقص لم يمكن أن نعرف أقيام الأشياء.
مثال موضح: لو أن الريال صار يباع ويشترى فتارة بريالين وتارة بثلاثة وتارة بريال ثم قيل: كم قيمة هذا البيت؟ أو كم قيمة هذا الإناء؟ مثلاً: فقيل: بريال فهنا يحصل إشكال: ماذا تقصد بريال: الريال الذي قيمته ريالين أو الريال الذي قيمته ثلاثة أو الريال الذي قيمته ريال. فيختل ميزان قيم الأشياء، فدل ذلك على أن كل ما هو ثمن للأشياء يجب أن تبقى قيمته ثابتة.
وفي الحقيقة هذا الدليل هو الدليل المعول عليه في رجحان القول الثالث.
وعلى هذا القول الثالث تدخل معنا الأوراق النقدية والفلوس وكل ما وضع ثمناً للأشياء.
وعلى هذا القول الثالث العمل في باب الربا وفي باب الزكاة، لأنه إذا قيل أن الأوراق النقدية لا تدخل في الأموال الربوية فإنها كذلك لا تجب فيها الزكاة لأن الزكاة والربا كلاهما معلق بمسمى الذهب والفضة وهذه الثمرة تدل على ضعف قول الشافعية بأن الذهب والفضة يجري فيهما لذات معدنها.
الخلاصة: أن الراجح إن شاء الله هو القول الأخير وكما قلت عليه العمل وتدل عليه المعاني العامة في الشريعة.
ولا يخفى عليكم أن الصنفان الأولان: الذهب والفضة من الموزونات والأربعة المكيلات.
ثانياً: علة الربا في الأنصاف الأربعة.
اختلف الفقهاء في علة الربا في الأصناف الأربعة:
= فذهب الحنابلة والأحناف أيضاً إلى أن علة الربا الكيل فقط ولا يشترط معه أن يكون مطعوماً فكل مكيل فيه الربا سواء كان مطعوماً كالبر والشعير أو ليس بمطعوم كالأشنان، فكل مكيل فهو يجري فيه الربا فلا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلاً.
واستدل هؤلاء: وهم الحنابلة والأحناف.


- بقريب مما استدلوا به في مسألة علة الذهب والفضة وهو أن الحديث نص على التساوي وهو يعرف بالكيل.
والجواب على هذا الاستدلال: أن الحديث وإن نص على التساوي ففيه أيضاً معنى الطعام ويدل على ذلك ويؤكده قوله – صلى الله عليه وسلم -: (الطعام بالطعام مثلاً بمثل سواء بسواء) فهذا الحديث دليل على اعتبار هذا المعنى وهو وجود الطعم أي أن يؤكل.
= القول الثاني: وهو مذهب الشافعية أن العلة في الأصناف الأربعة الاقتياب والادخار، يعني: يشترطون أن يكون مدخراً مقتاتاً.
واستدلوا على هذا:
- بأن الأصناف الأربعة المذكورة في الحديث تشتمل على المعنيين أنها قوتاً ومدخرة فاعتبرنا المعنى الموجود في النص.
وإلى هذا القول ذهب ابن القيم – رحمه الله -.
والجواب عليه: أن النص ذكر ما يدخر ويقتات وما لا يدخر ولا يقتات. فمما لا يقتات: الملح، فالملح لا يعتبر من القوت وهو مذكور في الحديث، ومما لا يدخر: بعض أنواع التمر وهو النوع الذي يؤكل رطباً ولا يدخر تمراً يابساً فهذا النوع من التمر لا يدخر ومع ذلك نص الحديث على أن فيه ربا.

= القول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد – رحمه الله – واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية أن العلة هي: الطعم مع الكيل أو الوزن.
واستدل هؤلاء:
بأن هذا في هذا القول جمع بين أدلة المذاهب الأخرى ففيه اعتبار الطعم وفيه اعتبار الكيل.
هذه هي الأقوال وكما سمعت: القول الثالث ينسب لشيخ الإسلام ابن تيمية، لكني وجدت للشيخ قولاً آخر في الفتاوى غير هذا القول فيكون له في المسألة قولان:
= وهذا القول هو: أن علة الربا هي الطعم مع الاقتيات وما يصلحه، وإنما قال الشيخ – رحمه الله -: (وما يصلحه) ليدخل معنى الملح لأن الملح يتخذ لإصلاح المطعومات التي تتخذ قوتاً بل إن غالب تفريعات شيخ الإسلام – رحمه الله – ترجع لهذه العلة لا للعلة المذكورة في القول الثالث.


وأقوى الأقوال: القول الثالث والرابع، أن العلة: إما أن تكون الطعم مع الكيل أو الوزن أو تكون الطعم مع أن يتخذ قوتاً، وإن كان القول الأخير أظهر فيما يبدو لي، لأن الأعيان المذكورة في الحديث تجمع هذه الصفات وإذا كانت العلة خفية العلة من أجلها جعل الشارع هذه الأموال ربوية ليست ظاهرة ظهوراً بيناً فالواجب أن نأخذ جميع الصفات الموجودة ومن أبرز الصفات الموجودة في المطعومات الأربع أنها قوت للناس يقتاتون فاعتبار هذا الوصف في الحقيقة جيد وسليم ولو كان فيه قول يقول أن العلة هي الطعم مع الكيل والوزن والقوت لكان قولاً قوياً جداً لكني لم أقف على أحد صرح بأن العلة مرتبة من جميع صفات الأموال الأربع لكن لو قيل به لكان قولاً وجيهاً جداً ورجحانه بين في ذلك.
وعلى طريقة شيخ الإسلام الذي يقول: يجوز أن نأخذ بعض هذا القول وبعض هذا القول ولا نكون بذلك خرجنا عن الأقوال يكون هذا القول الخامس هو الراجح.
وبهذا نضيق نطاق الربا تماماً لأنه لا يوجد الربا إلا حيث توجد جميع الصفات وبهذا يستطيع طالب العلم الآن أن يعرف ما هي الأموال الربوية في تطبيق العلة أياً كانت العلة على الأموال الموجودة في تعاملات الناس فيعرف هل هي من الربا أو ليست من الربا.
فإذا قيل لك: هل يجوز بيع النحاس بالنحاس متفاضلاً؟
فستقول: - أما عند الحنابلة فلا لأن العلة عندهم هي الوزن.
- وأما على القول الراجح: فنعم. لأن العلة هي الثمنية وليست موجودة في النحاس.
إذاً هكذا يستطيع الإنسان أن يطبق العلل.
-
ثم قال – رحمه الله -:
- يحرم ربا الفضل في مكيل وموزون بيع بجنسه.
سيبين المؤلف – رحمه الله – ما مقصود الفقهاء بقولهم: (بجنسه) لكن الذي يعنينا الآن أنه إذا بيع ربوي بجنسه فإنه يحرم التفاضل فلا يجوز أن نبيع كيلو ذهب بكليوين، ولا كيلو فضة بكيلوين، وهكذا. ولا يجوز أن نبيع صاع بصاعين ولا صاع بر بصاعين وإنما يحب أن نبيع صاعاً بصاع وهو المقصود بالتساوي.
والدليل على ذلك: ما تقدم معنا من قوله: (مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد) فهذا الحديث نص على أنه يجب أن نبيع الأعيان الربوية متساوية.


وتقدم معنا في الدرس السابق أن البحث إنما هو في: ربا الفضل وسيخصص المؤلف - رحمه الله - فصلاً مستقلاً لربا النسيئة.
- ثم قال - رحمه الله -:
- ويجب فيه الحلول والقبض.
مقصود المؤلف - رحمه الله - أنه إذا اتحد الجنس فإنه يجب مع التساوي: الحلول والتقابض فمع اتحاد الجنس واتحاد العلة لابد من الحلول والتقابض ولابد من التساوي.
وإذا قال الإنسان: اتحاد الجنس فإنه لا يحتاج مع ذلك أن يقول اتحاد العلة لأنه إذا كان الجنس واحد فنحن لسنا بحاجة إلى أن نعرف العلة لأنه هو جنس واحد والجنس في المثال المذكور - مثلاً - الذهب فلا يجوز أن نبيع الذهب إلا بشرطين:
- التساوي.
- والتقابض.
والقسمة هنا في هذه المسألة رباعية لأن عندنا جنس وعندنا علة يخرج الإنسان منهما أربعة أنواع وسيأتينا حكم كل نوع، يعني:
- إذا اتفق الجنس اختلفت العلة.
- إذا اختلفت العلة اتفق الجنس.
- إذا اختلفا كلاهما.
- إذا اتفقا كلاهما.
وسيأتي في كلام المؤلف - رحمه الله - حكم كل قسم.
-
ثم قال - رحمه الله -:
- ولا بياع: مكيل بجنسه إلا كيلاً، ولا موزون بجنسه إلا وزناً.
لما بين المؤلف - رحمه الله - وجوب التساوي إذا باع ربوياً بجنسه وأنه يحرم التفاضل بين كيفية معرفة التساوي وهو: أن هذا التساوي الواجب يجب أن يعتبر بمقياسه أو بمعياره الشرعي.
ومعياره الشرعي هو: أن المكيل لا يباع إلا بالكيل، والموزون لا يباع إلا بالوزن.
فلا يجوز أن نبيع المكيلات بالوزن، ولا يجوز أن نبيع الموزونات بالكيل.
السبب: السبب أن الشارع اعتبر تساوي المكيلات بالكيل واعتبر تساوي الموزونات بالوزن فلا يجوز أن ننقل أحدهما للآخر.
ولا يخفى عليك أن المعتبر في الكيل هو الحجم والمعتبر في الوزن هو الثقل، فقد يتساوي الشيئان كيلاً ويختلفان في الوزن، وقد يحصل العكس.
الدليل على ذلك - على اعتبار الوزن في الموزونات والكيل في المكيلات، الدليل على ذلك:
- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وزناً بوزن سواء بسواء) وهذا الحديث في مسلم، فقوله: (وزنا بوزن) نص على أن أداة معرفة التساوي هي الوزن وليست الكيل.
وأما في المكيلات فالدليل عليه:


- قوله – صلى الله عليه وسلم -: (البر بالبر كيلاً بكيل).
فهذا دليل على أن المعيار الشرعي في معرفة تساوي المكيلات هو الكيل لا الوزن.
واستثنى شيخ الإسلام – رحمه الله – من هذه القاعدة الأعيان التي لا تختلف بالوزن والكيل يعني: إن كلتها وتساوت أو وزنتها وتساوت فالأمر واحد، ومثل على ذلك: بالمائعات، فإذا أراد الإنسان أن يبيع ويشتري زيتاً بزيت فإن شاء وزناً وإن شاء كيلاً لأن الأمر سيان لا يختلف في الوزن والكيل بالنسبة للمائعات، وهذا القول من حيث النظر صحيح.
لكن لو أن البائع احتاط واكتفى بالمعيار الشرعي المذكور في الأحاديث لكان أولى.
- ثم قال – رحمه الله -:
- ولا بعضه ببعض جزافاً.
لا يجوز أن نبيع الربويات بعضها ببعض جزافاً.
- لأن القاعدة الشرعية المتفق عليها أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل والعلم بالتفاضل فالجهل بالتساوي.
إذاً الجهل بالعلم كالعلم بالتفاضل والعلم بالتفاضل محرم بنص الأحاديث السابقة فلا يجوز أن نبيع جزافاً لعدم العلم بالتساوي.
- ثم قال – رحمه الله -:
- وإن اختلف الجنس: جازت الثلاثة.
المقصود بالثلاثة: الكيل والوزن والجزاف.
فإذا اختلف الجنس فإنه يجوز التفاضل، وإذا جاز التفاضل جاز لنا أن نبيع المكيلات وزناً والموزونات كيلاً وأن نبيع الجميع جزافاً، لأن التحديد بالكيل والوزن والمنع من الجزاف إنما هو لاشتراط التساوي، فإذا سقط في اختلاف الجنس سقط المعيار الشرعي تبعاً له. فإذا باع الإنسان الذهب بالفضة: هنا اختلف الجنس، فيجوز أن نبيع الذهب بالفضة كيلاً وزناً بزيادة أو بنقص أو جزافاً.
وإذا باع الإنسان البر بالشعير فكذلك يجوز أن يبيع بالوزن وبالكيل وبالجزاف لأن التساوي لا يشترط.
ثم انتقل – رحمه الله – إلى بيان الجنس المذكور في الأحكام.
- فقال - رحمه الله -:
- والجنس: ماله اسم خاص يشمل أنواعاً كبر ونحوه.
الجنس هو: الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها.
بينما النوع هو: الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها.
فالنوع: تحت الجنس.
فالبر تحته أنواع. والتمر جنس أنواع: كالسكري والبرحي وغيره من أنواع التمر.
الذهب جنس تحته أنواع لأن لكل نوع من الذهب بحسب البلدان والجودة اسم خاص فتحته أنواع.


أما النوع فهو الذي يشمل أشياء مختلفة بأشخاصها، فإذا كان عند زيد بر وعند عمرو بر فهذا البر: جنس تحته أنواع:
التمر: جنس تحته أنواع.
يقول الشارح ابن أبي عمرو: أن النوع هو الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها، فإذا كان عند عمرو تمر سكري وعند خالد تمر سكري فهذه مختلفة: بأنواعها، يعني: بأشخاصها، فهذا التمر غير هذا التمر وإن كان الجميع من نوع واحد فهي تختلف لكن لا باعتبار الحقيقة وإنما باعتبار ذاتها يعني باعتبار شخصها.
مثال آخر: الحيوان جنس تحته أنواع: الإنسان والبقر والغنم هذا عند أهل المنطق هكذا، الحيوان جنس تحته أنواع.
إذاً الإنسان بالنسبة للحيوان: نوع. وهو يختلف بأشخاصه فعمرو غير زيد خالد والجميع يعتبر من نوع واحد وهو الإنسان، إذاً: الآن عرفنا المقصود بالجنس.
ففي الأموال الربوية كل واحد من الستة يعتبر: جنس. فالذهب: جنس، والفضة: جنس، والشعير: جنس والبر: جنس، والتمر: جنس، والملح: جنس.
فإذا قيل: لا يباع الشيء بجنسه إلا متساوياً مع القبض والحلول: يعني: ما نبيع الذهب ولا البر بالبر ... إلخ.
إذاً عرفنا معنى قول المؤلف – رحمه الله -: (والجنس ماله اسم خاص أنواعاً كبر ونحوه).
- ثم قال – رحمه الله -:
- وفروع الأجناس أجناس.
فروع الأجناس أيضاً هي أجناس، لأنها تتبع الأصل فإذا كان الأصل جنسا ًفالفرع تابع للأصل فهو أيضاً جنس.
لما قرر المؤلف – رحمه الله – هذه القاعدة وهي أن فروع الأجنس أجناس مثل لها:
- فقال – رحمه الله -:
- كالأدِقة:
الأدقة: جمع دقيق.
فدقيق البر: جنس. ودقيق الشعير: جنس. لماذا؟
لأن فروع الأجناس أجناس.
فدقيق البر فرع عن البر، ودقيق الشعير فرع عن الشعير، فهي أجناس كأصولها.
- ثم قال – رحمه الله -:
- والأخباز.
فخبز البر جنس، وخير الشعير: جنس، وهي جنس بالنسبي لغيرها لا بالنسبة لأصلها.
فلا يجوز أن نبيع خبز البر بالبر إلا متساوياً.
ولا يجوز أن نبيع خبز الشعير بالشعير إلا متساوياً.
فهي أجناس (صحيح) لكن لا بالنسبة إلى أصولها وإنما بالنسبة لغيرها.
فهل خبز البر جنس بالنسبة للشعير؟ نعم. خبر البر جنس بالنسبة للشعير.
وهل دقيق البر جنس بالنسبة لعبيط التمر؟ نعم. صحيح.


وهل عبيط التمر جنس بالنسبة للتمر؟ لا. لأن الشيء لا يكون جنس بالنسبة لأصله.
إذاً عرفنا أن فروع الأجناس أجناس إلا بالنسبة لأصولها.
-
ثم قال – رحمه الله -:
- والأدهان.
الأدهان نفس الشيء، نفس القاعدة.
فدهن السمسم يختلف عن دهن العود وإن اتفقا في الاسم فكل منعهما يسمى دهناً، لكن ينظر إلى أصله ففروع الأجناس أجناس، فدهن السمسم جنس ودهن العود جنس وكل دهن جنس – مستقل – بالنسبة لأصله، يعين: أن دهن السمسم لما كان دهناً ناتجاً عن السمسم فهو أصل بينما دهن العود ناتج عن العود فهو أصل لكن لا بالنسبة لأصله.
فهو جنس بالنسبة لأصله لغيره لكن ليس الجنس بالنسبة لأصله فهل يجوز أن نبيع دهن السمسم بالسمسم؟ لا. لا يجوز إلا بشرط التساوي.
إذاً: القاعدة التي ذكرناها في الأدقة والأخباز هي نفسها في الأدهان.
- ثم قال – رحمه الله -:
- واللحم أجناس باختلاف أصوله.
وفي الحقيقة لو طبقت القاعدة السابقة لعرفت هذا الحكم، فهو يقول: أن اللحم بالنسبة لأجناسه أصول، فلحم الماعز: أصل، ولحم البقر: أصل. ولحم الإبل: أصل، ولحم الدجاج: أصل.
فاللحوم أجناس بالنسبة لأصولها.
فهل يجوز أن أبيع كيلو من لحم الغنم بكيلوين من لحم البقر؟
يجوز.
وهل يجب التقابض؟
نعم يجب التقابض. وهذا سيأتينا في ربا النسيئة.
إذاً يجب التقابض لكن يجوز التفاضل لأن فروع اللحم تعتبر أجناساً مختلفة إلا أنهم قالوا: أن الضأن والماعزم جنس واحد والقبر والجواميس جنس واحد.
أما بالنسبة لباقي اللحوم فكل لحم بالنسبة إلى أصله جنس مستقل.
إذاً هذا معنى قول المؤلف – رحمه الله -: (واللحم أجناس باختلاف أصوله).
-
ثم قال – رحمه الله -:
- وكذا اللبن:
كذلك اللبن أجناس بالنسبة لأصوله.
فلبن الماعز جنس ولبن البقر جنس ولبن الإبل جنس، ولبن كل ما يشرب جنس من المطعومات المباحة شرعاً.
بينما لبن الأتان مثلاً – هل هو جنس مستقل أو هو تابع لغيره؟ هو جنس لكنه لا يدخل معنا لأنه لا يجوز شربه.
فلا يجوز أن نبيع كيلو من حليب البقر بكيلو من حليب الأتان لا لعلة الربا وإنما لعلة أخرى وهي: أنه تقدم معنا أن من شروط المبيع أن يكون مباح النفع، إذاً هو ممنوع لهذه الجهة.
- ثم قال – رحمه الله -:


- والشحم والكبد أجناس.
لما بين – رحمه الله – اللحوم بالنسبة للحيوانات أراد أن يبين أجزاء الحيوان الواحد، فهو يقول – رحمه الله – اللحم والشحم والكبد كل واحد منهن جنس مستقل، فيجوز أن نبيع كيلو لحم بعشرة كيلو شحم، ويجوز أن نبيع كيلو من الكبد بكيلوين من الشحم، لماذا؟ لأن اللحم والكبد والشحم كل واحد منها جنس مستقل، ما الدليل؟ قالوا: الدليل على هذا أن كلاً من هذه الأشياء يستقل باسم وحقيقة مختلفة، فدل ذلك على أن كل واحد منها يستقل بجنس بالنسبة للآخر.
وهذا صحيح.
وهذا كله: على القول بأن اللحم من الأموال الربوية.
وأما على القول بأنه لابد أن يكون المال الربوي، لابد: يشترط فيه القوت، فهل يعتبر اللحم ربوياً أو ليس من الربويات؟ ليس من الربويات، إلا في مكان يقتاته الناس، والمقصود بالقوت: يعني: أن يكون قوتاً يأكل منه جميع الناس ويشتركون فيه، فهو الآن عندنا ليس بقوت لكن قد يكون من الأقوات في البلاد الباردة فاللحم يعتبر قوتاً ووجبة أساسية.
-
ثم قال – رحمه الله -:
- ولا يصح: بيع لحم بحيوان من جنسه، ويصح: بغير جنسه.
هذه المسألة هي مسألة حكم بيع اللحم بالحيوان.
= فالحنابلة يقولون: أنه يجوز بيع اللحم بالحيوان إذا كان مكن غير جنسه.
فإذا أردت أن تبيع لحم غنم ببقرة، فهل يجوز أو لا يجوز؟ جائز، لأنه بغير جنسه.
وإذا أردت أن تبيع لحم غنم بماعز فإنه لا يجوز لأنه بجنسه.
وستأتينا الأدلة بالأقوال.
= القول الثاني: أنه لا يجوز بيع اللحم بالحيوان مطلقاً بدون تفصيل.
واستدل هؤلاء بدليلين:
- الأول: مرسل سعيد بن المسيب: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – (نهى عن بيع اللحم بالحيوان).
ومر معنا مراراً أن مراسيل سعيد من المسيب من أصح المراسيل، وأثنى عليها الأئمة ثناءً كثيراً.
- الثاني: أنه روي عن أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – أنه كره بيع اللحم بالحيوان، وعقب الإمام الشافعي على هذا الأثر بقوله: ولا أعلم خلافاً عن غيره، فظاهر عبارة الشافعي أنه لا يوجد خلاف عن الصحابة أو بين الصحابة عن غير أبي بكر بالمنع. وبعبارة أوضح: لم يخالف أبو بكر أحد من الصحابة.


= القول الثالث: التفصيل، وهو: إن كان المقصود من بيع اللحم بالحيوان: اللحم فلا يجوز.
وإن كان المقصود ببيع اللحم بالحيوان غير اللحم: يعني: الحيوان. فيجوز.
مثاله: إذا باع الإنسان لحم الإبل بفرس: فإنه معلوم أن مقصوده الفرس لأن الفرس عادة تتخذ لا للحم وإنما للركوب، فهنا يجوز لأنه لا يقصد اللحم.
أما إذا باع لحماً بحيوان يقصد للحم فلا يجوز للنصوص العامة.
وظهر من القول الأخير أنهم لا يفرقون بين قضية بجنسها وبغير جنسها لم يتطرقوا إليها وإنما جعلوا الضابط: قصد اللحم وعدمه.
وهذا القول الأخير اختيار شيخ الإسلام واختيار ابن القيم – رحمهما الله -.
فإذاً عرفنا الآن الأقوال الثلاثة في المسالة وحجة كل قول.

-
قال – رحمه الله -:
- ولا يجوز: بيع حب بدقيقه.
لا يجوز أن نبيع الحب بالدقيق.
- لأن الدقيق يأخذ من المكيال مكاناً أكبر من الحبوب فتفوت المساواة وهي واجبة.
= القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد – رحمه الله – اختارها من المحققين ابن قاضي الجبل وهو أنه يجوز بيع الحب بدقيقه لأن غاية ما هنالك أنه بيع حب بحب مكسر لكن لا يباع على القول بالجواز إلا وزناً لأن التساوي متعذر كيلاً.
وهذا القول هو الصواب إن شاء الله.
وتقدم معنا أن المعتبر في المساواة كل شيء بالمعيار الشرعي، والبر معياره الشرعي الكيل، وإنما خرجنا عن المعيار الشرعي لسبب وهو أن التساوي لا يمكن تحصيله بالكيل ولذلك خرجنا عنه إلى الوزن.
وهذا إن شاء الله أقرب.
- ثم قال – رحمه الله -:
- ولا سويقه.
يعني: ولا يجوز أن نبيع الحب بسويقه، والسويق هو: دقيق البر يحمص مع السمن والزيت.
فهذا لا يجوز أن يباع والعلة أن النار تعقد وتنقص الدقيق فلا تحصل المساواة، ونحن نقول: إن كل شيء يباع بجنسه من الأموال الربوية لابد في من المساواة.
- ثم قال – رحمه الله -:
- ولا نيئه بمطبوخه.
يعني: ولا يجوز أن نبيع النيء بالمطبوخ كأن يبيع الإنسان الحنطة بالهريسة، فالحنطة حب نيء والهريسة مطبوخة.
وسبب المنع: عدم معرفة التساوي لأن الماء الذي في الطبخ يزيد من الوزن مما يجعل التساوي متعذر.
- ثم قال – رحمه الله -:
- وأصله بعصيره.
يعني: ولا يجوز أن نبيع أصل الشيء بعصيره.


فلا يجوز أن نبيع زيتون بزيت زيتون.
لأنه لا يمكن التحقق من التساوي.
-
ثم قال – رحمه الله -:
- وخالصه بمشوبه.
يعني: ولا يجوز أن نبيع الخالص بالشوب.
فلا يجوز أن نبيع صاع بر بصاع بر مشوب بشعير. لأن التساوي غير متحقق الآن.
ويستثنى من ذلك: إذا كان الشعير يسير جداً لا يؤبه له، فإذا كان يسيراً لا يؤبه له: فهو جائز.
- ثم قال – رحمه الله -:
- ورطبه بيابسه.
فلا يجوز أن نبيع العنب بالزبيب ولا الرطب بالتمر.
لأنه لا يحصل التساوي.
فهذه المسائل التي سردها المؤلف – رحمه الله – العلة فيها واحدة وهي: أنا لا نأمن من التفاضل وهو محرم.
- ثم قال – رحمه الله -:
- ويجوز: بيع دقيقه بدقيقه إذا استويا في النعومة.
يجوز أن نبيع دقيق الشيء بدقيقه، لأن التساوي حاصل الآن بشرط: أن يتساويا في النعومة.
((الأذان)).
بشرط أن يتساويا في النعومة، لأنهما إذا لم يتساويا في النعومة أخذ الحب غير المطحون تماماً حيزاً أكثر من المطحون فلم تحصل المساواة المشترطة شرعاً.
إذاً إذا استوى الدقيق مع الدقيق نعومة جاز لأنا نأمن عدم التفاضل لتساويهما في مقدرا الطحن.
- ثم قال – رحمه الله -:
- ومطبوخه بمطبوخه.
يعني: ويجوز بيع المطبوخ بالمطبوخ كسمن بسمن مطبوخ.
فيجوز أن نبيع مطبوخ الربوي بمطبوحه.
لنفس العلة: أنه إذا تساويا في الطبخ ثم كيلا وتساويا في الكيل أمنا المساواة وأنها مساواة حقيقة.
-
ثم قال – رحمه الله -:
- وخبزه بخبزه إذا استويا في النشاف.
أو في الرطوبة: فالمهم أن يستويا في الصفة.
ولكن بالنسبة للخبز تكون المساواة بالوزن لا بالكيل أيضاً كما في المسألة السابقة لأنه تتعذر المساواة بالكيل فنصر إلى الوزن. ونستطيع أن نقول هذه قاعدة أن المكيلات إذا لم نتمكن من مساواتها ببعضها كيلاً جاز لنا حينئذ فقط أن نصير إلى الوزن.
ثم قال – رحمه الله -:
وعصيره بعصيره.
يعني: عصير ربوي بعصير ربوي كزيت زيتون بزيت زيتون أو زيت سمسم بزيت سمسم فيجوز لنا أن نبيع العصير بالعصير لأن المساواة حينئذ متحققة.
وتقدم معنا أن على مذهب شيخ الإسلام بالنسبة للمائعات يجوز أن نحقق المساواة بالكيل أو بالوزن.
- ثم قال – رحمه الله -:
- ورطبه برطبه.


يجوز أن نبيع رطب الربوي برطبه كأن نبيع العنب بالعنب أو الرطب بالرطب لأن المساواة متحققة لتساويهما في الصفة وإن وجد اختلاف يسير فهو لا ينظر إليه، يعني: قد يكون الرطب من بعض بشيء يسير فهذا لا ينظر إليه.
أما إذا كان الفرق بينهما شيء واضح وكبير فلا يجوز، فلابد أن يكون مستوى الرطوبة متقارب أو متساوي.
- ثم قال - رحمه الله =:
- ولا يباع ربوي بجنسه ومعه أو معهما من غير جنسهما.
هذه مسألة مد عجوة ودرهم وتحتاج إلى وقت طويل ...
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد ...


شرح كتاب البيع الدرس رقم (16)
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
شرع المؤلف - رحمه الله - ببيان مسألة مشهورة والحاجة إليها كثيرة وصور وقوعها في المعاملات المعاصرة أيضاً كثيرة وهي مسألة كما أشرت بالأمس: مد عجوة ودرهم.
- يقول - رحمه الله -:
- ولا يباع ربوي بجنسه ومعه أو معهما من غير جنسهما.
شملت عبارة المؤلف - رحمه الله - صوراً:
ـ الصورة الأولى: أن يبيع مد عجوة ودرهم بدرهمين.
ـ الثانية: مد عجوة ودرهم بمد عجوة ودرهم.
ـ الثالثة: مد عجوة ودرهم بمدين.
وهذا معنى قول المؤلف - رحمه الله - هنا: (ومعه أو معهما من غير جنسهما)
واختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة وهو: أن يبيع الإنسان ربوي بربوي ومعه أو معهما من غير جنسهما كما في الأمثلة الثلاثة:
اختلفوا في هذه المسألة: هل هي من مسائل الربا فلا تجوز أو ليست كذلك فتجوز:
= فالحنابلة يرون: أنها لا تجوز.
واستدلوا على هذا:
- بالحديث الصحيح: أن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - قال: اشتريت يوم خيبر قلادة من خرز باثني عشر ديناراً قال ففصلتها - هكذا شدد بالتشديد في مسلم - فوجدت فيها يعني بعد الفصل اثني عشر ديناراً فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (لا. إلا أن تفصل)


قال الحنابلة هذا الحديث صريح بمنع مسألة مد عجوة ودرهم. لأنه اشترى دنانير بقلادة فيها خرز وفيها دنانير ومنع النبي - صلى الله عليه وسلم - منها فدل ذلك على أن هذه المسألة لا تجوز.
وكما ترون: النص معهم واضح وهذا الحديث في البخاري ومسلم وله روايات خارج الصحيحين.
= القول الثاني: أنها تجوز بشرط: أن يكون الذي معه غير مقصود.
واستدلوا على هذا:
- بأنه إذا كان غير مقصود فإنه يثبت تبعاً ملا يثبت استقلالاً وليس هو مقصوداً بالثمن.
وهذا القول: رواية عن الإمام أحمد - رحمه الله - وهو أحد اختياري شيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله -.
وهذا القول ضعيف: لأن حديث فضالة في بعض رواياته أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لما أبطل عليه البيع إنما أردت الخرز. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا. إلا أن تميز بين هذا وهذا)
فالحديث يدل على أنه وإن قصد غيره فإن المعاملة لا تخرج عن أن تكون ربوية.
= القول الثالث: يجوز بشروط: ـ الشرط الأول: أن لا تكون المعاملة حيلة على الربا. ـ والثاني: أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره. أو يكون مع كل منهما من غير جنسهما.
وهذا مذهب الأحناف وهو القول الثاني لشيخ الإسلام بن تيمية.
واستدلوا على هذا:
- بأن في حديث فضالة - في آخره - ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً. فقالوا: لما كانت القلادة فيها أكثر من القيمة المفردة منع منه النبي - صلى الله عليه وسلم -.
واستدلوا على هذا:
- بأنه إذا باع مد عجوة ودرهم بدرهمين فإن الدرهم مقابل للدرهم والدرهم الآخر مقابل للمد ولا ربا في ذلك. وهذا معنى قوله: أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غيره.
باقي علينا أن نبين مثالاً لقول أصحاب هذا الاتجاه أن لا يكون حيلة على الربا - صورة الحيلة المشهورة: أن يبيع كيس فيه مائة دينار بمائتي دينار ويقول: المائة دينار مقابل مائة دينار والمائة دينار الأخرى مقابل الكيس.
هذه حيلة على الربا.
فإذا كان الذي تعامل بمسألة مد عجوة ودرهم يريد التحايل على الربا فلا يجوز ولو كان المفرد أكثر. كما في المثال.


بقي علينا أخيراً: مثال يوضح الفرق بين القول الثاني والقول الثالث. أما القول الأول فهو يمنع مطلقاً فلا نحتاج إلى أمثلة للتوضيح. لكن نحتاج التوضيح للفرق بين الثاني والثالث:
فإذا باع الإنسان سيفاً فيه - في مقبضه أو في حليته - ذهب مقداره دينار: بدينار:
= فعلى القول الثاني: جائز. لأن مقصوده السيف لا الذهب. وهو يقول: إذا كان غير مقصود الذي معه فيجوز.

= وعلى القول الثالث: لا يجوز لأنهم يشترطون أن يكون المفرد أكثر.
/ إذا اشترى سيفاً فيه ذهب زنته دينار بدينارين. فما الحكم؟
يجوز على جميع الأقوال إلا القول الأول.
إذاً: هكذا نطبق القضية.
أخيراً: أشير إلى شرط ضروري وقد لا يتنبه إليه كثير من طلبة العلم وهو: أن أصحاب القول الثالث يشترطون مع ذلك أن ينقسم الثمن على أجزاء المبيع بالتساوي.
مثال ذلك/ إذا اشتريت مد عجوة ودرهم بدرهمين فالعملية جائزة بشرط أن يكون قيمة المد عجوة قيمته في السوق: درهم. لينقسم الثمن على المثمن فيكون درهم مقابل درهم ودرهم مقابل مد عجوة. لكن إذا اشترى مد عجوة ودرهم بعشرة دراهم. الآن: أليس المفرد أكثر؟ بلى. هو أكثر. لكن مع ذلك: لا تجوز هذه الصورة حتى على القول الثاني: لأن الثمن لا ينقسم. فبالتالي سيكون مقابل الدرهم أكثر من درهم ومقابل مد عجوة قيمته.
إذاً هذا الشرط لابد من اعتباره وتحقيقه لتجوز المعاملة.
الراجح والله أعلم: وهو رجحان ليس بقوي ولا ببين ولا ظاهر لكنه أرجح من الأقوال الأخرى وهو القول الثالث. والسبب في أن هذا القول رجحانه ليس قوياً السبب في ذلك: أن حديث فضالة عام لم يفصل النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل له كم كان في القلادة وكم كان معك ولم يأت في الحديث إشارة إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما منع لأجل أن الدراهم أو الدنانير التي في القلادة كانت أكثر من الدنانير التي دفعها فضالة وإنما منع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن يفصل فيشتري الخرز بالدنانير ويشتري الدنانير بدنانير مساوية لها. لذلك أقول أن هذا القول راجح وجيد لكن رجحانه ليس برجحان قوي.
ثم انتقل - رحمه الله - إلى مسائل تشبه مسألة بيع مد عجوة ودرهم. ولكن تختلف أحيانا عنه في الحكم.


- قال - رحمه الله -:
- ولا تمر بلا نوى بما فيه نوى.
يعني: ولا يجوز أن يبيع الإنسان تمر ليس فيه نوى بتمر فيه نوى.
التعليل:
- كل هذا الباب يرجع إلى العلة الأصلية في ربا الفضل وهي: الزيادة يعني: عدم التساوي. لأن التمر الذي فيه نوى أثقل من التمر الذي ليس فيه نوى كما أنه يأخذ من المكيال أكثر مما يأخذ الآخر.
فلأجل عدم التساوي منع منه الفقهاء.
- قال - رحمه الله -:
- ويباع النوى بتمر فيه نوى.
إذا باع نوى دفعه ثمناً لتمر فيه نوى فالبيع صحيح.
- لأن النوى الذي في التمر لا يقصد. وليس له حظ من الثمن. فجازت المعاملة لأنه اشترى بالنوى تمر.
وهل التمر من الأموال الربوية عند بعض العلل أو عند كل العلل؟
بالأمس ذكرنا: أن الأصناف الستة مجمع عليها ما يحتاج تقول هل ينطبق عليها علة أوم ما ينطبق عليها علة.
فإذاً قول القائل أن التمر ربوي بجميع العلل خطأ لأن التمر ربوي بالنص بغض النظر عن العلل.
إذاً: إذا باع النوى بتمر فيه نوى: جاز. والتعليل: - أن النوى الذي في التمر غير مقصود.
ثم ذكر - رحمه الله - مسألة أخرى هي نفس هذه المسألة:
- فقال - رحمه الله -:
- ولبن وصوف بشاة ذات لبن وصوف.
يجوز أن نبيع لبن وصوف مقابل شاة فيها أيضاً لبن وصوف.
والتعليل هو التعليل السابق وهو:
- أن اللبن والصوف الذي في الشاة غير مقصود. ليس له حظ من الثمن. وإنما هو أراد أن يدفع اللبن لتحصيل الشاة. وما فيها من صوف أو لبن فهو تابع غير مقصود والتابع غير المقصود لا يؤثر في الحكم.
نرجع قليلاً إلى مسألة: التمر الذي فيه نوى والتمر الذي ليس فيه نوى.
التمر التساوي التساوي فيه بالكيل أو بالوزن؟
بالكيل.
إذا كان بالكيل: فالحجم الذي سيأخذه التمر الذي ليس فيه نوى هو نفس الحجم الذي سيأخذه التمر الذي فيه نوى. ما وجه عدم التساوي؟
((ونحن نقول العبرة بالكيل والوزن ليس موجوداً الآن وغير معتبر.))
نقول: ان التمر الذي ليس فيه نوى أكثر من التمر الذي فيه نوى. ولو شغل نفس الحيز من الكيل.
لكن في الواقع التمر الذي ليس فيه نوى أكثر من التمر الذي فيه نوى. لأن النواة تشغل حيزاً من التمرة بينما هذا الحيز مملوء بالتمر بالتمر الذي ليس فيه نوى.


إذاً: هذا هو وجه عدم التساوي.
ثم انتقل - رحمه الله - إلى مسألة أخرى ختم بها الفصل:
- فقال - رحمه الله -:
- ومرد الكيل لعرف المدينة، والوزن لعرف مكة زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
لما بين المؤلف - رحمه الله - أنه يجب أن نبيع المكيلات كيلاً والموزونات وزناً أراد أن يبين كيف نعرف هل هذا الشيء المطعوم يوزن أو يكال؟ هل هذا من الموزونات أو من المكيلات؟
فبين أن العبرة بذلك أي العبرة باعتبار الأشياء موزونة أو مكيلة هو عرف الحجاز فقط.
فالكيل: كيل المدينة.
والوزن وزن مكة.
فإذاً في الكيل والوزن نرجع إلى عرف الحجاز. لكن بالنسبة للكيل نرجع إلى المدينة وبالنسبة للوزن نرجع إلى مكة.
الدليل: قالوا الدليل على هذا:
- حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: المكيال مكيال المدينة والوزن وزن مكة.
وهذا الحديث صححه عدد من الأئمة منهم ابن حبان ومنهم وعليه العمدة الدارقطني فهو حديث ثابت إن شاء الله.
والحديث يدل على أن اعتبار الأشياء موزونة أو مكيلة إنما هو في عرف أهل احجاز.
فلو صار الناس اليوم يزنون أشياء كانت تكال في مكة فهي مكيلة في عرف أهل مكة ولا نعتبر الوزن.
شيء كان يباع عداً فأصبح يباع وزناً فماذا نعتبره؟ الوزن. من أبرز الأمثلة فيه: التفاح والبرتقال.
صرح الحنابلة أنها معدودة وأنها لا ربا فيها لأنها ليست من الموزونات واليوم هي تباع بالوزن بينما كانت تباع بالعد.
إذاً - نحن نقول - لا عبرة ببيع الناس اليوم لها وزناً وليست من الأموال الربوية هذا إذا أردنا أن نفرع على مذهب الحنابلة الذين يقولون العلة هي الوزن.
إذاً المؤلف - رحمه الله - يقول هنا: (ومرد الكيل عرف المدينة. والوزن لعرف مكة زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -
والسبب في جعله الكيل للمدينة: أنهم أهل زراعة والكيل يعتد بما يكون عندهم مكيلاً لا في مكة. بينما أهل مكة أهل تجارة فاعتبر فيهم الوزن.
وهذا التعليل لتوضيح الحديث وإلا الاعتماد على الحديث.
- قال - رحمه الله -:
- وما لا عرف له هناك: اعتبر عرفه في موضعه.
الأشياء التي ليس لها عرف في مكة ولا في المدينة نعتبر عرفها في موضعها.
والدليل على ذلك:


- أن القاعدة الشرعية أن ما لم يرد محدداً في الشرع فنرجع في تحديده إلى العرف. وهذا لم يحدد في الشرع. فنرجع في تحديده إلى العرف.
= والقول الثاني: وهو وجه عند الحنابلة. أن ما لا يوجد في المدينة ومكة فإنا نرجع إلى شبيهه ونظيره مما يوجد في مكة والمدينة فنقيس عليه.
فنقول هذا الشيء ما هو أقرب الأشياء إليه في مكة موزوناً أو مكيلاً أو في المدينة؟ فإذا عرفنا أخذ حكمه.
قال الشيخ الفقيه ابن قدامه: وهذا القول: أقيس.
قلت وهو صحيح. يعني: كلامه وجيه جداً.
وجه أن هذا القول أقيس. أن عادة المتفقهين أن ما فيه نص يقاس عليه وهذه المسألة فيها نص وهي أنه اعتبر عرف المدينة ومكة هو العرف الشرعي فنقيس على ما في المدينة ومكة.
وهذا وجه كون هذا القول الثاني في مذهب الحنابلة أقيس على حد تعبير ابن قدامه.
وهذا القول الثاني صحيح أرجح وأقوى وما مال إليه ابن قدامة صحيح.
فننظر إلى أقرب الأشياء. فإذا لم نجد شيئاً مشابهاً ولا قريباً يأخذ نفس الصفات فإنا نرجع حينئذ إلى عرف المدينة الذي وجد فيه هذا الأمر.
ومن وجهة نظري أنه كلما أمكن تقليل مسألة الرجوع إلى الأعراف لكان أولى لأن الرجوع إلى الأعراف في كثير من المسائل لا ينضط.
فإذا أمكن الفقيه أن يجتهد في تحديد حد مأخوذ من النصوص الشرعية لا من الأعراف فهو دائماً أضبط وأسهل تطبيقاً بكثير. كما تقدم معنا في مسألة حد السفر.
وبهذا انتهى الكلام عن ربا الفضل. وانتقل المؤلف - رحمه الله - إلى ربا النسيئة.

فصل
[في أحكام ربا النسيئة]
- فقال - رحمه الله -:
- فصل. ويحرم: ربا النسيئة.
أراد المؤلف - رحمه الله - أن يبين في هذا الفصل أحكاماً متعلقة بالنسيئة.
- يقول - رحمه الله -:
- ويحرم ربا النسيئة.
النسيئة في لغة العرب هو التأخير. النسأ أو النساء هو: التأخير.
وينقسم ربا النسيئة إلى قسمين:
ـ القسم الأول: ربا البيوع. يعني: ربا النسيئة في البيوع. وهذا القسم هو الذي سيتكلم عنه المؤلف - رحمه الله - ويفصل فيه ويبين أحكامه.
ـ القسم الثاني: ربا القروض. وهو اشتراط زيادة مقدرة في القرض.
وعند كثير من الفقهاء اصطلحوا على أن ربا القروض يسمى ربا النسيئة وربا البيوع يسمى ربا النسأ أو النساء.


وهو اصطلاح وتسمية ليس له أثر على الأحكام الشرعية.
إذاً: عرفنا الآن أن ربا النسيئة ينقسم إلى هذين القسمين وأن المؤلف - رحمه الله - سيتكلم عن القسم الأول أما القسم الثاني فسيخصص له باباً كاملاً هو باب القرض.
- قال - رحمه الله -:
- يحرم ربا النسيئة.
ربا النسيئة محرم بالإجماع بلا خلاف وهو أشد تحريماً من ربا الفضل وهو الربا الجلي وهو ربا الجاهلية فهو الربا المقصود بالربا وهو كما قلت لكم محرم بالإجماع وأيضاً بالنص.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الربا في النسيئة)
- ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبادة: (فإذت اختلفت هذه الاصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)
فهذه النصوص والإجماعات دالة على تحريم الربا مع النص الأصلي: (وأحل الله البيع وحرم الربا) فهو أول ما يدخل في النص.
-
يقول - رحمه الله -:
- في بيع كل جنسين اتفقا في علة الربا.
كل جنسين اتفقا في علة الربا فلا يجوز فيهما التأخير فإن أخر فقد وقع في ربا النسيئة.
ونحن ذكرنا أن الأصناف الربوية تنقسم إلى قسمين: - الذهب والفضة. ولهما علة.
والأصناف الأربعة ولها علة.
وأن هذا القدر مجمع عليه بين الفقهاء أن لكل من الفئتين علة مستقلة لكن اختلفوا في تحديد العلة.
إذاً كل جنسين لهما علة واحدة في باب ربا الفضل يحرم فيهما التأخير فلا يجوز أن نبيع ذهب بفضة مع التأخير. لماذا؟ لأن كلاً من الذهب والفضة لهما نفس العلة.
ولا يجوز أن نبيع على القول الصحيح: ريال بجنيهين مع التأخير.
ولا يجوز أن نبيع ريال بدينار. وهل يجوز أن نبيع ريال سعودي بريال آخر - عماني - مثلاً -؟ هل هما جنسان أو جنس؟ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم) فهل يجوز أن نبيع ريال بريالين؟ يجوز بشرط التقابض دون التساوي. يعني جنسين. وهذا صحيح. ولو اتفقا في المسمى لأنه لا عبرة بالاسم وإنما العبرة في الحقيقة. وفي الحقيقة أن هذا الريال يختلف عن ذاك الريال.
إذاً:
- يقول - رحمه الله -:
- يحرم ربا النسيئة في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل الفضل ليس أحدهما نقداً.
المقصود بالنقد هنا: الذهب والفضة وما قيس عليهما عند من يقيس.


فإذا كان أحد العوضين هو الذهب أو الفضة فإنه يجوز التأخير. يعني: مع الأعيان الأخرى. مع غير الذهب والفضة.
المثال الموضح/ هل يجوز ان نشتري الحديد بالذهب مؤجلاً؟ نحن نتملم على وفق مذهب الحنابلة؟ الحديد ربوي. وهل له نفس العلة التي للذهب؟ نعم. العلة فيهما هي الوزن. مع ذلك يجوز لأن المؤلف - رحمه الله - يقول: يجوز إذا كان أحد العوضين هو أحد النقدين فإنه يجوز التأخير.
فيجوز أن يشتري بالذهب حديداً مؤخراً ويجوز أن يشتري بالفضة حديداً مؤخراً.
لكن لا يجوز أن يشتري بالذهب فضة ولا بالفضة ذهب.

الدليل الذي دل على استثناء النقدين في الموزونات بالتأخير: هو:
- أحاديث السلم.
لأنه لولا الجواز لانسد باب السلم كما قال الفقهاء. والسلم لا يمكن أن ينسد بابه والنبي - صلى الله عليه وسلم - فتحه بقوله: (في وزن معلوم). فقوله: (في وزن معلوم) دليل على أنه يجوز أن نبيع ونشتري الموزونات بالذهب والفضة سلم وهذا يقتضي التأخير فدل على أن بيع الموزونات بالذهب والفضة يجوز ولو مع التأخير.
ولذلك نحن نشتري بالعملة النقدية الأمتعة والقمح والدقيق والأموال الربوية مؤخراً. مع أنها أموال ربوية والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) لكن مع ذلك يجوز لهذه العلة وهي الأحاديث الدالة على جواز السلم دالة أيضاً على جميع المعاملات التي فيها تأخير ولو على غير وجه السلم.
- ثم قال - رحمه الله -:
- كالمكيلين والموزونين.
هذا تمثيل للمنع.
المكيلين: كبر بشعير.
فهذا لا يجوز التأخير فيه.
بل يجب أن يكون يداً بيد. لماذا؟ لأن كلاً من البر والشعير ينتمي إلى زمرة واحدة ذات علة واحدة.
والموزونين: كالنحاس والحديد. فلا يجوز أن نبيع نحاس بحديد إلا يداً بيد.
وهل نقول في الموزونات: وكا الذهب والفضة؟ نعم نقول وكالذهب والفضة.
لكن نقول: كالذهب والحديد؟ لأنه إذا كان أحد البدلين نقد فإنه يجوز.
إذاً عرفنا الآن المثال على المكيلين والمثال على الموزونين.
- قال - رحمه الله -:
- وإن تفرقا قبل القبض: بطل.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد)


فدل هذا هلى أن البيع مع التأخير الذي ليس فيه تقابض باطل لأنه فاسد بمقتضى الحديث.
فهذه العبارة في الحقفيقة هي تصريح بالحكم الذي ينتج عن قوله يحرم. يعني: ان هذا التحريم وهذا النهي نهي إلى الفساد.
-
قال - رحمه الله -:
- وإن باع مكيلاً بموزون: جاز التفرق قبل القبض والنساءُ.
وإن باع مكيلاً بموزون جاز البيع بلا شروط: لا التساوي ولا التقابض.
لماذا؟
لأن الجنس والعلة اختلفت.
نحن ذكرنا لكم التقسيم الرباعي. نرجع الآن إلى التوضيح وهي: الجنس والعلة.
ـ القسم الأول: إذا اتفقا في الجنس والعلة. مثل/ ذهب بذهب. فحينئذ يشترط التساوي والتقابض.
ـ القسم الثاني: إذا اتفق في العلة واختلفا في الجنس. فيشترط التقابض فقط. ومثاله/ ذهب بفضة.
ـ القسم الثالث: إذا اختلفا في الجنس والعلة. كبيع ذهب بشعير. فلا التقابض ولا التساوي.
ـ القسم الرابع: أن يتفقا في الجنس ويختلفا في العلة. وهذا القسم غير موجود وغير متصور. كيف يتفقا بالجنس ويختلفا في العلة هما جنسهما واحد فكيف يختلفا في العلة.
ولعل هذا من الأمثلة التي تدل على أنه لا يمكن استنتاج تقسيم رباعي من كل ثنائين. فليس أي ثنائين يمكن أن نستنتج منهما رباعي فالآن عندنا جنس وعلة لا نستطيع أن نخرج منهما أربع أنواع بل نخرج منهما ثلاثة أنواع لأنه إذا اتفقا الجنس ذهب وذهب فلا يمكن أن تختلف العلة. وبر وبر فلا يمكن ان تختلف العلة ومستحيل.
إذاً: التقسيم الأخير هذا غير واقع ولا متصور أصلاً.
وعرفنا بهذا التقسيم كيفية بيع الربويات من حيث التساوي ومن حيث القبض.
- قال - رحمه الله -:
- وما لا كيل فيه ولا وزن، كالثياب والحيوان: يجوز فيه النساءُ.
مقصود المؤلف - رحمه الله - بهذه العبارة - يريد أن يقول: والأموال التي ليست من الأموال الربوية يجوز فيها التأخير والتفاضل.
ولو أنه عبر بهذا التعبير لكان كالقاعدة وأوضح من ان يقول: وما لا كيل فيه ولا وزن: كالثياب والحيوان.
لو قال والأموال التي ليست ربوية.
لأن ما لا كيل فيه ولا وزن لا ربا فيه لأن العلة عند الحنابلة هي الكيل والوزن فقط.

-
ثم قال - رحمه الله -:
- كالثياب والحيوان.
الثياب ليست ربوية.
والحيوان الحي ليس بربوي.


لأنه لا مكيل ولا موزون.
فيجوز أن يبيع الإنسان ثوب بثوبين.
ويجوز أن يبيع ثوب بثوبين إلى أجل.
ويجوز أن يبيع حيوان بحيوانين إلى أجل وحال.
والدليل على مسألة بيع الحيوان بالذات:
- حديث ابن عمر الصحيح المشهور أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يأخذ البعير إلى قلائص الصدقة ببعيرين.
فكان يأخذ من الشخص بعير فإذا جاءت الصدقات أعطاه بعيرين مع الاتفاق المسبق.
فهذا دليل على أن الحيوانات ليس فيها ربا. سواء كان المقصود من الحيوان اللحم أو الزينة أو الركوب أو أي شيء مما يقصد من الحيوانات فإنه يبقى مالاً ليس بروي لا موزون ولا مكيل.
فإن قيل/ اليوم بعض الثيران الصغيرة تباع بالوزن. وهو حي.
فالجواب ماتقدم: أنه لا عبرة ما تعارف عليه الناس مما يخرج عن عرف أهل المدينة وأهل مكة.
- قال - رحمه الله -:
- ولا يجوز بيع الدين بالدين.
بيع الدين بالدين محرم وهو من الربا.
والدليل على هذا من وجهين:
- الوجه الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الكاليء بالكاليء. والكاليء هو المؤخر فلا يجوز أن نبيع مؤخر بمؤخر.
- الوجه الثاني: الإجماع. فإن الإمام أحمد - رحمه الله - سأل عن هذا الحديث: (بيع الكاليء بالكاليء) فقال: الحديث ضعيف وهو مجمع عليه. يعني: أن إسناده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يثبت ولكن المعنى الذي فيه محل إجماع. ولا أعلم أنه يوجد مخالف في هذه المسألة إلا بعض المعاصرين مما ينبغي أن لا يعول على قولهم لمخالفة الإجماع السابق المحكم.
مثال هذه المسألة:/ إذا اشترى الإنسان بخمسة أريل ثوب واتفقوا على تأخير تسليم الثوب وتأخير تسليم الثمن فحينئذ يكون من بيع الدين بالدين لأن كلاً من العوض والمعوض كلاهما مؤخر.
فهذا لا يجوز وهو مجمع على بطلانه.
أما إن كان أحد العوضين سواء كان الثوب أو الثمن مسلم في مجلس العقد فإن العقد صحيح.


((السلم سياتينا أنه يشترط فيه تسليم الثمن في مجلس العقد، الاستصناع سيأتينا: الاستصناع والتوريد مستثنى من هذه القاعدة لأدلة أخرى لأنه بالتوريد الثمن والمثمن مؤخر وفي الاستصناع الثمن والمثمن مؤخر لكن في الاستصناع المنظور إليه الصنعة لأن ما يوجده المستصنع يأتي بالتدريج شيئاً فشيئاً فهو بالإجار أشبه منه ببيع الدين بالدين. فيما عدا الاستصناع والتوريد المسألة مجمع عليها أنها لا تجوز أما الاستصناع والتوريد اففيه خلاف لعله ياتينا في السلم.
على كل حال الاستصناع والتوريد الأقرب جوازه وأنه خارج عن هذه القاعدة.

فصل
[في أحكام الصرف]
- قال - رحمه الله -:
-[فصل) ومتى افترق المتصارفان.
هذا الفصل في الصرف.
والصرف له معنى في اللغة وله معنى في الاصطلاح.
فمعناه في اللغة: منتشر وله عدة معاني لكن هذه المعاني تعود إلى رجوع الشيء.
ويمكن أن نقول تسهيلاً: أن معنى الصرف في لغة العرب إبدال الشيء بغيره.
ومقصودي بأن هذا معناه في لغة العرب يعني: الذي يعنينا في هذا الباب. وإلا له معاني كثيرة.
وأما معنى الصرف في الاصطلاح: فهو بيع نقد بنقد من جنسه أو من غير حنسه.
هذا التعريف هو تعريف للجماهير: الأئمة الثلاثة وجماهير الفقهاء.
وذهب مالك إلا: أنه إن بيع بجنسه فهو مراطلة.
وإن بيع بغير جنسه فهو صرف.
فإذا بعت ذهب بذهب: فاسمه عند الجمهور: صرف.
واسمه عند المالكية: مراطلة.
وإن بعت ذهب بفضةفاسمه عند كل أهل العلم: صرف.
ولا يظهر لي أن هذا الاختلاف في التسمية له أي أثر في الأحكام. إنما هي تسميه.
- قال - رحمه الله -:
- ومتى افترق المتصارفان قبل قبض الكل أو البعض: بطل العقد فيما لم يقبض.
إذا افترقوا قبل التقابض بطل العقد.
والدليل على هذا:
- ما أخرجه البخاري ومسلم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (بيع الذهب بالفضة ربا إلا هاء وهاء). وهذا نص في الصرف صريح جداً وهو أخص من حديث عبادة الذي فيه: (فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا يداً بيد) وإن كان هذا الحديث دليل ونص إلا أن هذا الحديث أكثر تنصيصاً على أحكام الصرف.
- الدليل الثاني: الإجماع. فإن هذه المسألة محل إجماع. أنه إذا باع النقد بالنقد لابد من التقابض.
-


يقول - رحمه الله -:
- قبل قبض الكل أو البعض: بطل العقد فيما لم يقبض.
أشار - رحمه الله - إلى أنه إن تفرقوا قبل قبض كل الثمن بطل العقد برمته.
وإن تفرقوا قبل قبض بعض الثمن بطل فيما لم يقبض وصح فيما قبض.
فإذا اشتريت أنا عشرين درهماً بدينارين: سلمته دينار وأخرت الدينار الآخر وأخذت العشرين درهم فالحكم أنه يصح في المقبوض وهو عشرة دراهم ويبطل في الذي لم يقبض وهو العشرة الأخرى.
وتصحيح هذه المسألة مفرع على مسألة تفريق الصفقة التي تقدمت معنا - فعلى القول بصحة تف ريق الصفقة تكون هذه المعاملة صحيحة وعلى القول ببطلان الصفقة وعدم تفريقها يكون البيع برمته باطل.
وتقدم معنا أن الصحيح صحة تفريق الصفقة بناء عليه نقول أيضاً يصح هذا البيع فيما قبض ويبطل فيما لم يقبض.
- قال - رحمه الله -:
- ومتى افترقا.
لم يبين المؤلف - رحمه الله - حد هذا الافتراق ولا شروطه ولا صفته والسبب في ذلك: ان هذا الافتراق كالافتراق الذي ذكر في خيار المجلس بكل تفاصيلة.
فإذاً الافتراق هنا إنما هو افتراف بالأبدان لا بالأقوال. وهو يتعلق أكثر ما يتعلق بالمكان.
فإذا أعطيتك عشرة وأخذت منك عشرة بعد ساعتين ونحن في مكان واحد فالصرف صحيح.
فكلمة التأخير هنا في باب الصرف ليست مقصودة بقدر ما هو أن يسلم العوض والمعوض في نفس المجلس ولو مع التأخير ماداموا في نفس المجلس. لأن هذا الذي تعطيه كلمة الافتراق.
هكذا قرر الفقهاء مع العلم أن الأحاديث فيها إشارة إلى خلاف هذا وأن المقصودالتسليم الفوري المباشر لأنه يقول: (هاء وهاء) يعني: خذ وأعط. وأصرح منه: (إلا يداً بيد) فكأنه لابد أن يعطي وياخذ.
لكن في الحقيقة القول بأن الأمر مربوط بالمجلس أرفق بالناس وعليه الجماهير بل إني لم أقف على خلاف في أن المقصود بالافتراق هو الافتراق في المجلس.
والمحاذير التي منع من أجلها التأخير في الصرف لا توجد في هذه الصورة.
فالأقرب إن شاء الله أن المقصود في المجلس فما داموا في المجلس فلو أخروا لوقت طويل فإنه الصرف صحيح.


وفي مسألة/ لا تظن أن إيطال الصرف أمره يسير يعني: لا تقول: إبطال الصرف أمر سهل لأنا إذا أبطلنا الصرف نقول لهم تصارفوا من جديد هذا غير صحيح لا سيما في وقتنا هذا إذ قد تختلف القيمة اختلاف كثير جداً في وقت قصير في ساعات أو في دقائق.
فإذا اشتريت بالأريل دولار أمريكي ثم بطل الصرف وأردنا أن نعيد الصرف بعد ساعتين ربما يرتفع ارتفاعاًً عظيماً جداً فيحصل اختلاف بين المتبايعين.
فليس الأمر سهلاً بالنسبة لإبطال الصرف تقول يتصارفان من جديد بل هو أعظم من البيع لأن ثبات أسعار السلع أكثر من ثبات أسعار العملات. ومن هذه الجهة فقط يكون اصرف أصعب.
- قال - رحمه الله -:
- والدراهم والدنانير: تتعين بالتعيين في العقد فلا تبدل.
يعني: إذا اشترى الإنسان لعة بهذه الدنانير المعينة التي أشار إليها فإن هذه الدنانير تتعين وتكون هي الثمن ولا يجوز أن يبدل هذه الدراهم ولا هذه الدنانير.
العلة: استدل الجمهور على ذلك:
- بأن هذه الدراهم أو الدنانير هي أحد عوضي العقد وعوض العقد لا يجوز تبديله قياساً على السلع. ولذلك قالوا: إن الدراهم والدنانير تتعين.
وهذا مذهب الجماهير: الأئمة الثلاثة لم يخالف إلا الأحناف.
((الأذان))
نتم هذه المسألة:
= القول الثاني للأحناف. أن الدراهم والدنانير لا تتعين إن عينت في العقد بل يجوز أن يبدلها ولا تأخذ أحكام المعينات.
واستدلوا على هذا:
- بأنه يجوز إطلاق الدراهم والدنانير بلا تعيين فإذا كان يجوز أن تطلق بلا تعيين كذلك يجوز أن تبدل إذا عينت.
فيقول الأحناف نحن نستطيع أن نشتري بلا تعيين. حينئذ تكون مطلقة. فقالوا كذلك إذا عينتها فلتكن مطلقة كما إذا لم تعينها لأنه في الأصل نستطيع ان لا نعين.
وإذا تأملت في الحقيقة تجد أن هذا الدليل وجيه جداَ.
وجه قوة هذا الدليل أن هذا الدليل يبين الفرق بين الدراهم والدنانير والسلع.
نحن نقول في السلعة لابد أن تعين من شروط صحة البيع العلم بالمبيع بينما الدراهم والدنانير لايجب أن تعين إنما يجب أن يعين مقدارها أما ذاتها فى يجب أن تعين.
فهي في الحقيقة من هذه الجهة تختلف عن السلع فيجوز أن لا تحدد ولا تعين بخلاف السلع يجب أن تحدد وتعين.


ففي قول الأحناف قوة في الحقيقة ووجاهة وتتأكد جداً قوى هذا القول في الورقيات لأنه وإن اختلف الدينار والدرهم في القديم ضربه وزنته وجودته وكونه مغشوش أو غير مغشوش كل هذه الأمور غير موجودة في الأوراق النقدية.
مع ذلك لو أراد البائع أو المشتري أن يشترط تحديد وتعيين أحد الأوراق النقدية بذاتها لغرض فيها فإنه يجب أن لا تبدل وتتعين بالتعيين حتى لو رجحنا قول الأحناف.
المثال المشهور/ لغرض البائع في تحديد الأوراق النقدية: أن لا يريد إلا فئة معينة. هو لا يريد إلا مقابل فئة معينة. يريد فئة مائة يريد فئة خمسمائة فئة أقل أو أكثر وله غرض صحيح في طلبه لهذه الفئة فلا يجوز أن اقول اشتريت منك هذا الشيء بخمسمائة ونعين خمسمائة من فئة ورقة واحدة ثم آتي بخمسمائة من فئة خمس ورقات.
في هذه الصورة وجيه قول الجمهور وهي انها تتعين.
أما إذا لم يوجد أي مبرر ولا سبب فقول الأحناف وجيه في الحقيقة وقوي ويتأكد في الأوراق النقدية.
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،


شرح كتاب البيع الدرس رقم (17)
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قبل أن نبدأ هذا الدرس هو آخر درس في الفصل الثالث وتتوقف الدروس بعد هذا الدرس إن شاء الله. ويكون أول درس هو أول يوم في الفصل الثاني بالنسبة لهذه السنة الدراسية والفصل الرابع بالنسبة للدورة.
- قال - رحمه الله -:
- وإن وجدها مغصوبة: بطل.
يعني: إذا صارف وكان أحد العوضين يعني أحد النقدين مغصوباً فإن المصارفة تبطل.
لأنا تبينا أنه صارف على غير ماله وإذا باع الإنسان أو اشترى بغير ماله فإن العقد باطل.
والسبب في البطلان هنا: مبني على ان النقود تتعين.
فإذا صارف ريال بريال والمشتري غصب الريال فالعقد باطل ولا نقول تأتي بريال بدل الريال بل نقول العقد باطل.
- قال - رحمه الله:
- ومعيبة من جنسها: أمسك أو رد.
يعني: إذا صارف الإنسان بنقد معيب. فالحكم:


= عند الحنابلة: كما قال المؤلف - رحمه الله -: (أمسك أو رد).
والواقع أن الإنسان إذا صارف بنقد معيب ينقسم الأمر إلى قسمين اشار إليهما الماتن حين قال هنا: (ومعيبة من جنسها)
فالصرف المعيب ينقسم إلى قسمين:
ـ أن يكون معيباً من جنسه.
ـ أن يكون معيباً من غير جنسه.
ـ * القسم الأول هو الذي أشار إليه المؤلف - رحمه الله - وهو أن يكون معيباً بجنسه. كأن يبيع دينارا صحيحاً سليماص بدينار معيب إما بان يكون أبيضاً أو خشناً أو أي عيب لكن في جنس هذا المعدن يعني في جنس الدينار.
فحينئذ المشتري مخير بين أمرين: ـ إما أن يمسك. ـ وإما أن يرد.
فإن اختار الإمساك: ففي ثبوت الأرش له تفصيل وهو ينقسم إلى قسمين: ـ إما أن يكون صارف نقداً بجنسه فحينئذ لا يبثت الارش لأن الارش يؤدي إلى الزيادة ونحن نقول: ان مبادلة الشيء بجنسه لا يجوز فيه التقابض.
ـ الثاني: أن يصارف بغير جنسه كان يصارف درهم بدينار ثم يتبين أن الدينار مغشوش بجنسه أو معيب بجنسه فحينئذ يجوز الأرش لكن بشرط أن يتم التسليم في مجلس العقد.
لأن مصارفة الذهب بالفضة يشترط فيها التقابض.
وبهذا عرفنا حكم المصارفة بنقد معيب إذا كان العيب من جنس النقد.
ـ * القسم الثاني: أن يكون من غير جنسه. كأن يوضع في الدينار نحاس. يخلط مع الدينار نحاس فحينئذ يبطل العقد لأنا تبينا أنه عقد على غير المسمى في العقد فهو أبدل دينار بدرهم والواقع أن هذا الدينار ليس ديناراً وإنما دينار فيه نحاس. فيبطل العقد من أصله.
وبهذا عرفنا كامل الحكم فيما إذا صارف بنقد معيب ولعل المؤلف - رحمه الله - اقتصر على ذكر العيب الذي من الجنس لأن العيب الذي ليس من الجنس حكمه قريب من حكم المسألة السابقة وهي المغصوب وهو ان العقد يبطل. لكن في المغصوب يبطل: لأن الثمن ليس ملكاً للمصارف وهنا يبطل لان العوض أصبح يختلف عن المسمى أثناء العقد.
- ثم قال - رحمه الله:
- ويحرم الربا: بين المسلم والحربي.
= ذهب جماهير أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من أهل العلم إلى أن الربا محرم حتى بين المسلم والحربي. فذهب إليه أحمد ومالك والشافعي وجمهور وجملة فقهاء المسلمين.
واستدلوا على هذا:


- بأن النصوص الدالة على ىحرين الربا عامة مطلقة لم تخصص أن يعامل الإنسان حربياً أو غير حربي.
= والقول الثاني: أن المسلم إذا عامل الحربي لكن بشرط أن تكون المعاملة في دار الحرب فإنه يجوز الربا.
واستدلوا على هذا بدليلين:
- الدليل الأول: أن مال الحربي هو برمته مباح فالزيادة في المعاملة من باب أولى فهو في الحقيقة أخذه لأن مال الحربي مباح ولم يأخذه بعقد ربوي.
- الدليل الثاني: مرسل عطاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا ربا بين المسلم والحربي في دار الحرب). وهذا الحديث ضعفه أهل العلم وممن ضعفه من الأمة الإمام الشافعي.
والراجح إن شاء الله القول الأول. لأن إباحة مال الحربي لا تعني أن يؤخذ بطريق محرم والربا الذي اكتسبه محرم بالنصوص الصريحة.
-
ثم قال - رحمه الله:
- وبين المسلمين مطلقاً، بدار إسلام أو حرب.
يعني: ويحرم التعامل بين المسلمين بالربا ولو كانوا في دار حرب أما في دار الإسلام فهي محل إجماع كما تقدم معنا.
وأيضاً في دار الحرب هي محرمة لأنه إذا حرم على الإنسان أن يرابي مع المسلم الحربي فمن باب أولى أن يرابي مع المسلم فهو محرم ولا يجوز.
وبهذا كمل باب الربا إن شاء الله نسأل الله أن تكونوا فهمتم ما فيه من مسائل وننتقل إلى باب أسهل بكثير من باب الربا وهو باب بيع الأصوال والثمار.