شرح زاد
المستقنع للخليل الدرس: (1) من الوصايا
كتاب الوصايا
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال - رحمه الله -:
كتاب الوصايا.
الوصايا: جمع وصية.
وهي اسم بمعنى المصدر ويراد بها غالباً الموصى به.
والوصية في الاصطلاح الشرعي: هي التبرع بمال أو تصرف بعد الموت.
وهي مشروعة في الكتاب والسنة والإجماع.
فلم يختلف الفقهاء في مشروعية الوصية.
- أما الكتاب فعدة آيات منها: ـ {من بعد وصية توصون بها أو دين}
[النساء/12]. وذكر أحكام الوصية دليل على مشروعيتها.
- وأما من السنة فقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما حق امرئ مسلم له شيء
يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده).
- وأما الإجماع فكما قلت: أجمع الفقهاء على مشروعية الوصية. وسيأتينا
حكمها.
نريد أن نضيف إضافة تتعلق بالتعريف. التعريف: التبرع لكن الأدق أن نقول
الأمر بالتصرف لأن التصرف ليس بتبرع. أو بالتبرع بالمال بعد الموت.
فإذا أمر بأحد هذين الأمرين: إما التصرف أو التبرع فقد أوصى.
والمقصود بالتصرف في التعريف نحو قضاء الدين أو تقسيم التركة أو العناية
بالأيتام الصغار ونحو ذلك من التصرفات التي ينيطها الموصي بالموصى إليه.
وسيخصص لها المؤلف - رحمه الله - باباً.
قال - رحمه الله -:
يسن لمن ترك خيراً.
أفادنا المؤلف - رحمه الله - أن الوصية سنة.
والوصية تنقسم إلى قسمين:
ـ القسم الأول: أن يوصي بدين واجب عليه أو بودائع واجبة ليس عليها شهود
يؤدون الحق فهذا واجب بالإجماع. وهو خارج محل الخلاف.
ـ القسم الثاني: الوصية بما سوى ذلك: = فذهب الجماهير من علماء المسلمين
والصحابة إلى أنها سنة.
واستدلوا على أنها سنة بأدلة من الكتاب والسنة:
- أما من الكتاب فقوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا
الوصية} [البقرة/180]. وقالوا: المنسوخ في هذه الآية الوجوب دون الاستحباب،
كما أن المنسوخ أن تكون لوارث دون الأقرباء غير الوارثين.
- الدليل الثاني: الحديث الذي تقدم معنا:
(ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده).
فهذان دليلان على السنية.
- وأما الدليل على عدم الوجوب فهو: - أن غالب أصحاب النبي - صلى الله عليه
وسلم - لم يوصوا.
وعلى هذا جماهير الفقهاء.
= والقول الثاني: أن الوصية للأقرباء غير الوارثين واجبة.
واستدلوا على هذا:
- بأن الآية أمرت بالوصية وعبرت عن ذلك بكتب والمنسوخ في الآية ليس الوجوب
وإنما الوصية للوارثين فيبقى ما عداهم على أصل الوجوب.
ورجحوا هذا بأن النسخ لا يصار إليه مع إمكانية الجمع كما درستم في أصول
الفقه. لا يمكن أن نصير إلى النسخ مع إمكانية الجمع.
وهنا نستطيع أن نجمع بين النصوص التي فيها الحث على الوصية والأمر بها وبين
الآية بأن المنسوخ ما يكون في حق الورثة لاسيما مع قوله - صلى الله عليه
وسلم -: (لا وصية لوارث).
والراجح: أن الوصية سنة بلا إشكال ولا تردد وذلك أنه ما كان لنا أن نقول
الوصية واجبة وغالب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوصوا كأنهم
تركوا واجباً ومهما قيل من اعتذار عن هذا الدليل فليس بقوي ما دام أصحاب
النبي - صلى الله عليه وسلم - سادت الخلق وأتقاهم وأورعهم وأفضلهم وأقربهم
وأعرفهم بكتاب الله وسنة رسوله غالبهم لم يوصوا فلا مجال للقول بالوجوب.
ممن رجح القول بالوجوب: ابن عباس وابن جرير الطبري وهما ممن لا تخفى
منزلتهما في العلم لكن مع ذلك نقول إن الراجح إن شاء الله مذهب الجماهير من
أئمة المسلمين أخذاً بهذا الدليل.
يقول - رحمه الله -:
يسن لمن ترك خيراً وهو المال الكثير.
ذهب المؤلف - رحمه الله - إلى أنه لا تسن الوصية إلا لمن ترك مالاً كثيراً
وهو مذهب الجماهير.
= والقول الثاني: أن الوصية تسن لمن ترك قليلاً أو كثيراً. يعني: مطلقاً.
وفسروا إن ترك خيراً يعني قالوا: مالاً.
والراجح مذهب الجماهير، وهو أنه تسن لمن ترك خيراً يعني: مالاً كثيراً.
لكن من قال بهذا القول من الفقهاء اختلفوا في حد الكثير. ما هو الكثير؟ على
أقوال كثيرة: الراجح منها: أن الكثير هو ما يعتبر كثيراً عرفاً.
فنرجع إلى العرف في تحديد القليل والكثير
أن الآية لم تبين ولا في السنة ما يبين حد الكثير من القليل.
وقال ابن قدامة: أن من ترك ما لا يكون معه الورثة أغنياء لا يشرع له
الوصية.
يعني: بعبارة أخرى: إن كانت الوصية لن تجعل الورثة أغنياء فإنها لا تشرع:
إن تسببت في النقص من هذا.
والراجح أنه إذا كان عنده مال كثير عرفاً فالمشروع أن يوصي.
يقول - رحمه الله -:
أن يوصي بالخمس.
أفادنا المؤلف - رحمه الله - بهذه العبارة حكم مسألتين:
ـ المسألة الأولى: أنه يسن وينبغي أن لا يصل الإنسان بالوصية إلى الثلث بل
ينبغي ويسن أن ينقص عنها.
وإلى هذا ذهب الجمهور.
= والقول الثاني: أن الوصية ينبغي أن تنقص عن الثلث إذا لم يكن غنياً فإن
كان غنياً وصاحب ثروة فلا يشرع أن ينقص عن الثلث.
والراجح مذهب الجمهور لأن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - لما استفتى
النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سيأتينا في الحديث أمره أن يوصي بالثلث
فقال الثلث كثير وسعد من الأغنياء ومع ذلك أمره النبي - صلى الله عليه وسلم
- أن ينقص عن الثلث بقوله: (الثلث والثلث كثير).
إذاً الراجح من حيث الأصل: أنه ينبغي للإنسان أن نقص عن الثلث.
لكن بقينا في: ـ المسألة الثانية: إذا نقص فكم يكون؟
المؤلف - رحمه الله - وهو المذهب: يرون أنه ينقص إلى الخمس.
فيقول هنا: (أن يوصي بالخمس). استدلوا على هذا:
- بأنه مروي عن أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - أنهما
كانا يوصيان بالخمس.
ولكن في أسانيد هذه الآثار شيء من الضعف.
= القول الثاني: الربع. وهو مروي عن بعض الصحابة.
= القول الثالث: العشر. وهو مروي عن بعض الصحابة.
والراجح المذهب: والسبب في الترجيح: أن الشعبي - رحمه الله - يقول: كانوا
يستحبون النقص إلى الخمس. وتقدم معنا مراراً أن كبار التابعين إذا قال
كانوا فهم يشيرون إلى الصحابة.
وهذا الأثر يؤيد ويقوي مذهب الحنابلة أنه ينقص إلى الخمس.
ثم قال - رحمه الله -:
ولا تجوز: بأكثر من الثلث لأجنبي.
لا يجوز للإنسان أن يوصي بأكثر من الثلث:
وذلك:
- لأن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -
استفتى النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه وذكر أن له مالاً كثيراً وليس
له إلا ابنة ترثه فأراد أن يوصي فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - .......
((الأذان)).
فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أن يتصدق بثلثي ماله فقال النبي -
صلى الله عليه وسلم -:لا. قال - رضي الله عنه - (( ..... )) فقال النبي -
صلى الله عليه وسلم -:لا. فقال فالثلث. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
الثلث والثلث كثير.
فأخذ الفقهاء من هذا الحديث أنه لا يجوز للإنسان أن يوصي بأكثر من الثلث.
وسيأتينا الحكم إذا أوصى بأكثر من الثلث ماذا يكون حكم هذه الوصية؟
ثم قال - رحمه الله -:
ولا لوارث بشيء.
لا يجوز أن يوصي لوارث بشيء من التركة.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا وصية لوارث).
هذا الحديث فيه ضعف مع شهرته لكن الاحتجاج به صحيح لأمور:
ـ الأمر الأول: أنه صح أن ابن عباس أفتى به.
ـ الثاني: أن الأمة تلقته بالقبول والعمل على وفقه، وهذا من أقوى ما يشد من
أزر الأحاديث الضعيفة.
ولهذا نقول العمل به إن شاء الله صحيح فلا وصية لوارث بنص هذا الحديث.
يقول - رحمه الله -:
إلاّ بإجازة الورثة.
هذا راجع إلى الأمرين: الوصية بأكثر من الثلث. والوصية لوارث. والسبب:
- أن المنع إنما هو لحق الورثة فإذا أجازوا فقد أسقطوا حقهم وثبتت الوصية
سواء كانت بأكثر من الثلث أو لوارث.
فإن أجازوا ملكها وصحت.
هذا والله أعلم ولى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
((انتهى الدرس)).
الدرس: (2) من الوصايا
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بالأمس توقفنا عند قوله: (ولا لوارث بشيء).
ثم قال - رحمه الله -:
إلاّ بإجازة الورثة.
يعني: أنه يجوز أن يوصي لوارث أو لأجنبي بأكثر من الثلث وذلك إذا أجاز
الورثة.
وعلة الجواز عند إجازة الورثة:
- أن المنع كان لحقهم فإذا أجازوا فلا يوجد مانع من أن يوصي لوارث أو بأكثر
من الثلث لأجنبي.
وهذا الحكم لا إشكال فيه.
ثم قال - رحمه الله -:
لهما بعد الموت.
قوله: (بعد الموت) فيه إشارة إلى أن القبول
أو الرد من الورثة لا يعتبر إلا بعد الموت فإن أجازوا أو ردوا قبل الموت
فليس بشيء.
وهذا هو مذهب الحنابلة.
والعلة في ذلك:
- أنه قبل الموت لم يثبت لهم حق حتى يجيزوا أو يردوا، فلا عبرة بإجازتهم
ولا بردهم، كما أن المرأة لو أسقطت حقها من المهر قبل العقد فإنه لا عبرة
بإسقاطها لأن الحق لم يثبت لها.
= القول الثاني: أن إسقاطهم قبل الموت معتبر وصحيح.
- لأن هذا الحق لهم فإذا أسقطوه سقط.
= والقول الثالث: وسط بين القولين: وهو أنهم إن أسقطوه في حياته لكن في مرض
الموت وإن أسقطوه في حياته في غير مرض الموت لم يصح ولم يعتبر.
وهذا القول ظاهر القوة وهو اختيار شيخ الإسلام وهو الأقرب إن شاء الله،
ففيه الجمع بين القولين، فنقول: لا تصح إلا بعد الموت إلا إن كانت في مرض
الموت المخوف.
ثم قال - رحمه الله -:
فتصح تنفيذاً.
يعني: ولا تعتبر هبة مبتدأة بل تعتبر من التنفيذ.
والسبب في ذلك:
- أن وصية الموصي صحيحة معتبرة إلا أنها متوقفة على إجازة الورثة فإذا
أجازوا فقد أنفذوا تلك الوصية الصحيحة الموقوفة على إجازتهم.
وهذا هو مذهب الحنابلة.
ونحن نتكلم الآن عما إذا أوصى لوارث أو بأكثر من الثلث لأجنبي.
= القول الثاني: أنهم إذا أجازوا تعتبر هبة مبتدأة يشترط لها شروط الهبة
وتأخذ حكم الهبة.
والراجح مذهب الحنابلة وهو أنها تعتبر إجازة وليست عطية مبتدأة.
ثم قال - رحمه الله -:
وتكره: وصية فقير وارثه محتاج.
يعني: ويكره أن يوصي إذا كان وارثه محتاج.
- لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن
تتركهم عالة يتكففون الناس).
- كما أن هذا الحكم ربما يفهم من قوله: (إن ترك خيراً). وتقدم معنا أن
الصواب يعني: ترك مالاً كثيراً على اختلافهم في حد المال الكثير.
فإذاً يكره ولا يحرم أن يوصي إذا كان الورثة فقراء.
ثم قال - رحمه الله -:
وتجوز بالكل: لمن لا وارث له.
يعني: ويجوز أن يوصي الإنسان بجميع ماله
إذا لم يكن له ورثه.
استدل الحنابلة على هذا بأمرين:
- الأمر الأول: أن الجواز صح عن ابن مسعود.
- الثاني: أن النهي عن الزيادة عن الثلث إنما هو لحق الورثة وهذا صريح
تعليل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه منعه عن الزيادة عن الثلث وعلل
ذلك بقوله: (إنك إن تذر ورثتك أغنياء .. ).
فإذاً المنع لحق الورثة وهنا لا ورثة فجاز أن يوصي بجميع ماله.
= والقول الثاني: أنه لا يجوز أن يزيد عن الثلث ولو لم يكن وارث.
- لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الثلث والثلث كثير) ويكون
الباقي لبيت المال.
وهذا القول الثاني ضعيف فيما يبدو لي والأقرب إن شاء القول الأول وهو
المذهب.
وذلك لأثر ابن مسعود ولأن التعليل في النص واضح وجلي.
ثم قال - رحمه الله -:
وإن لم يف الثلث بالوصايا: فالنقص بالقسط.
يعني: وإن أوصى إلى أكثر من شخص ثم مات ووجدنا أن مجموع الوصايا يفوق الثلث
الحقيقي للمال فإنه ينقص من نصيب كل واحد منهم بالقسط.
وطريقة التنقيص بالقسط هو أن ننسب الثلث الحقيقي إلى مجموع الوصايا التي
أوصى بها ونعطي كل واحد من أصحاب الوصايا بقدر هذه النسبة مما أوصي إليه
به.
مثاله/ إذا أوصى بمائة ألف لشخص ولآخر بخمسين ألف ولثالث بخمسين ألف كم
مجموع الوصايا؟ مائتي ألف. ثم نظرنا فإذا ماله كله ثلاثمائة ألف فالثلث:
مائة ألف. ننسب الثلث الحقيقي وهو في المثال مائة إلى مجموع الوصايا وهو
مائتين. والنسبة بين المائة والمائتين كم؟ النصف. فكل واحد من أصحاب
الوصايا الثلاث يأخذ نصف ما أوصي له به: فصاحب المائة يأخذ خمسين وصاحب
الخمسين يأخذ نصفها.
هذه على طريقة التنقيص بالقسط وهذه الطريقة فيها من العدل والإنصاف وإعطاء
كل ذي حق حقه من أصحاب الوصايا.
ثم قال - رحمه الله -:
وإن أوصى لوارث فصار عند الموت غير وارث: صحت والعكس بالعكس.
أفاد المؤلف - رحمه الله - أن المعتبر في كونه وارثاً أو ليس بوارث هو: عند
الموت.
فإذا أوصى لشخص وارث ثم عند الموت أصبح ليس من الوارثين صحت. والعكس: إذا
أوصى لشخص لا يرث ثم أصبح عند موت الموصي يرث فإن الوصية تبطل.
الدليل على هذا من وجهين:
- الوجه الأول: الإجماع. فإنهم أجمعوا على
أن الاعتبار بحال الموت.
- الثاني: أن حال الموت هو حال الأخذ من الورثة والأوصياء فهو المعتبر.
وهذا المسألة كما قلت لكم محل إجماع.
ثم قال - رحمه الله -:
ويعتبر قبول الموصى له بعد الموت.
أفادنا المؤلف مسألتين:
ـ المسألة الأولى: أن الموصى به لا يملك للموصى له إلا بقبوله، فإن لم يقبل
فلا تدخل في ملكه.
ـ المسألة الثانية: أن هذا القبول المشترط للملك يجب أن يكون بعد الموت.
أما الأولى: فلا إشكال فيها ولا أظن فيها خلاف وهي أنه لا يدخل في ملكه إلا
بعد القبول.
وأما الثانية: فعلتها: أنه في حال الموت تنتقل إليه الوصية فحينئذ يصح أن
يقبل أو أن يرد.
إذاً: القبول والرد من الموصى إليه لا يعتبر إلا بعد الموت.
ثم قال - رحمه الله -:
وإن طال لا قبله.
أفادنا المؤلف - رحمه الله - بقوله: (وإن طال)، أن القبول يصح على التراخي
لا على الفور فله أن يقبل بعد الموت مباشرة وله أن ينتظر ثم يقبل بعد ذلك.
وقوله هنا: (لا قبله)، يعني: تصريح بمفهوم قوله (بعد الموت).
ولو أن المؤلف - رحمه الله - تركها لكانت المسألة واضحة. لأنه يقول:
(ويعتبر قبول الموصى له بعد الموت) يعني: لا قبله.
ثم قال - رحمه الله -:
ويثبت الملك به عقب الموت.
معنى هذا: أنه إذا مات الميت في اليوم الأول من شهر محرم وقد أوصى لزيد
بوصية ثم لم يقبل زيد إلا في آخر شهر محرم فإنه إذا قبل تبينا أن الوصية
ملك له من بعد الموت مباشرة.
فكل نماء متصل أو منفصل طيلة هذه المدة يكون للموصى له.
الدليل:
- قالوا: الدليل أن الورثة لاحق لهم إلا بعد الوصية بقوله: (من بعد وصية).
فالورثة لا يرثون إلا بعد إيفاء الموصى إليهم حقهم.
فإذاً: إذا قبل تبينا أنه له يعني: الوصية بزيادتها المتصلة والمنفصلة.
= القول الثاني: أنه إذا قبل متراخياً فإن الموصى به لا يدخل في ملكه إلا
حين القبول فالنماء المتصل والمنفصل السابق للورثة وإنما تكون له العين
الموصى بها من حين القبول فقط.
واستدل هؤلاء:
- بأن القبول سبب في الملك والملك هو الحكم في هذه المسألة والحكم لا يتقدم
سببه.
إذاً مرة أخرى: القبول سبب الملك والحكم لا
يتقدم سببه يعني لا يمكن أن يوجد الحكم قبل أن يوجد سبب الحكم وهنا لم يوجد
سبب الحكم وهو القبول فإذاً لا يوجد الحكم وهو الملك.
وعلى هذا القول تكون العين الموصى بها من الموت إلى القبول ملك للورثة.
= القول الثالث: أنها ليست ملكاً لا للورثة ولا للموصى إليه وإنما تعتبر ما
زالت من أملاك الميت فهي من حملة التركة. فالزيادة المتصلة والمنفصلة تكون
للتركة والتركة تعلمون فيها الثلث وفيها الإرث وفيها كل شيء.
إذاً التركة إذا زادت أيضاً يزيد تبعاً لها الثلث ويزيد نصيب الورثة ويمكن
سداد الديون. المهم التركة هي التي تملك العين قبل قبول الموصى إليه وعبر
بعضهم بأنها ملك للميت ومعنى أنها ملك للميت معلوم أنها تكون يعني: للتركة.
ففي المسألة ثلاثة أقوال الذي يظهر لي والله أعلم أن مذهب الحنابلة أرجح
لأنه في الحقيقة الموصى إليه تعتبر العين له من حين الوصية إلا أنها معلقة
بالقبول كما أن الورثة أبعد عن الموصى به من الموصى إليه لأن الورثه لا
يتحقق ملكهم أبداً إلا بعد الوصية بينما الموصى إليه يتحقق ملكه بالقبول
فقط.
وعلى كل حال لاشك أن المسألة مشكلة فإنها ليست من المسائل التي يسهل فيها
الترجيح لكن مع ذلك يظهر لي والله أعلم أنها تكون ملك للموصى إليه إذا قبل
من حين الموت.
ثم قال - رحمه الله -:
ومن قبلها ثم ردها: لم يصح الرد.
يعني: إذا قبل الوصية ولو لم يقبض الوصية ثم ردها فإن الرد مردود وتعتبر
العين في ملكه شاء أو أبى.
التعليل:
- أنه بمجرد القبول استقر ملكه عليها وإذا استقر ملك العين لشخص فإنه لا
يمكن أن يرد الملك عن نفسه لهذه العين.
= والقول الثاني: أن الرد إذا كان بعد القبول وقبل القبض صح. وإن كان بعد
القبض والقبول لم يصح.
وعلل هؤلاء:
- بأن القبض شرط في الملك.
= القول الثالث: جواز الرد مطلقاً بعد القبول والرد.
عكس مذهب الحنابلة تماماً.
والمسألة كما ظهر لكم مبنية على مسألة أخرى إذا تحررت تلك المسألة تحررت
هذه المسألة وهي:
ـ هل يشترط في ملك الوصية القبول مع القبض أو القبول فقط؟
- فإن قلنا القبول فقط فمذهب الحنابلة هو الراجح.
- وإن قلنا القبول مع القبض فالمذهب الثاني
هو الراجح.
وبهذا تبين أن المذهب الثالث ضعيف - الذي يقول يجوز الرد مطلقاً حتى بعد
القبض فهذا ضعيف جداً ليس لهم فيما أعلم دليل واضح.
الراجح فيما يبدو لي أن الملك يتم بالقبول ولا يشترط القبض. لماذا؟ لأن
الشارع اشترط استقرار الملك بالقبض في عقود معينة ليس منها الوصية لاسيما
وأن الوصية في حقيقتها نبرع من الموصي إلى الموصى إليه.
فلا يوجد في الأدلة ما يدل على اشتراط القبض ومن اشترط القبض فعليه بالدليل
الدال على ذلك.
في الهبة توجد أدلة تدل على أنها لا تلزم إلا بالقبض يعني: لا يستقر الملك
إلا بالقبض. توجد أدلة صريحة هنا لا توجد أدلة فلا نستطيع أن نوقف الملك
على القبض.
بناءً على هذا الترجيح الراجح مذهب الحنابلة أنه بالقبول لا يمكن الرد.
ثم قال - رحمه الله -:
ويجوز الرجوع في الوصية.
الرجوع في الوصية ينقسم إلى قسمين:
ـ الرجوع في غير العتق، وهذا جائز بالإجماع، وقد اشتهر عن الصحابة تغيير
الوصايا، وتغيير الوصايا رجوع.
ـ القسم الثاني: العتق = فالجماهير ذهبوا إلى أنه يصح الرجوع في العتق
أيضاً.
= القول الثاني: أن العتق لا يصح في الرجوع فإذا أوصى بعتق عبده لا يرجع.
- وذلك لأن الشارع متشوف للعتق ولتحرير الرقاب.
والراجح أن الرجوع يجوز مطلقاً وأنه لا يوجد دليل يدل على التفريق بين
العتق وغيره والعتق نوع من الصدقة والتبرع بالمال نوع من الصدقة فالراجح إن
شاء الله أنه يجوز الرجوع عن جميع أنواع الوصايا.
ومما يدل على قوة هذا القول أن الصحابة المروي عنهم الرجوع كثيراً لم يرو
عنهم التفريق بين العتق وغيره من أنواع العبادات والقربات.
فالراجح إن شاء الله جواز الرجوع عن جميع أنواع الوصايا.
ثم قال - رحمه الله -:
وإن قال: ((إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلَهُ مَا وَصَّيْتُ بِهِ لِعَمْرو)) فقدم
في حياته: فله.
هذه الصورة الأولى: إن قال قدم زيد فله ما وصيت به لعمرو ثم قدم قبل وفاة
الموصي فالوصية لزيد.
- لأن الشرط تحقق فيه وإذا تحقق في الشرط ملك الوصية.
ثم قال - رحمه الله -: مصرحاً بمفهوم هذا الكلام.
وبعدها: لعمرو.
يعني: وإن قدم زيد بعد وفاة الموصي فالوصية لعمرو.
والسبب:
- أنه بموت الموصي استقرت لعمرو فقدوم زيد
بعد ذلك لا يقدم ولا يؤخر لأنه لم يتحقق الشرط في حقه وهو أن يقدم قبل موت
الموصي.
وهذا لا إشكال فيه وهو واضح جداً.
ثم قال - رحمه الله -:
ويخرج الواجب كله: من دين وحج وغيره من كل ماله بعد موته وإن لم يوص به.
مقصود المؤلف: أن الواجبات الشرعية الواجبة لله أو للآدمي كالحج والزكاة
لله والدين لآدمي يجب أن تقضى من رأس المال أوصى أو لم يوص.
واستدلوا على هذا بأمرين:
- الأمر الأول: أن علي بن أبي طالب ذكر أن السنة تقديم الدين على الوصية
وإذا كان الميراث مؤخر عن الوصية إجماعاً والدين مقدم على الوصية فصار
الترتيب: الدين ثم الوصية ثم الميراث.
- الدليل الثاني: أن هذه من الحقوق الواجبة فتقدم على غيرها.
والآية صريحة: (من بعد وصية يوصي بها أو دين) صريحة في تقدم الدين على
الوصية إلا أن أثر علي أفادنا تقديم الدين على الوصية.
إذاً: قضاء الواجبات يمون من رأس المال سواء كانت واجبات لله أو واجبات
لآدمي.
ثم قال - رحمه الله -:
فإن قال: ((أَدُوْا الْوَاجِبَ مِنْ ثُلُثِي)) بدئ به فإن بقي منه شيء:
أخذه صاحب التبرع وإلاّ سقط.
في هذه الصورة وهي: إن قال: أدوا الواجب من ثلثي بدئ به: الموصي أمر بأن
يبدأ بالثلث في قضاء الدين والواجبات الأخرى.
فحصر القضاء فيه.
والواجب أن نتبع وصية الموصي.
بناء على هذا نبدأ بقضاء الواجبات بتسديد الديون وأروش الجنايات والحج إذا
لم يحج ثم إذا انتهينا من تسديد الواجبات نظرنا فإن بقي من الثلث شيء
استحقه الموصى له وإلا فلا.
وهذا معنى قوله: (وإلا سقط) وسبب السقوط: أن الواجبات استغرقت الثلث وقد
حصر الموصي أداء الواجب في الثلث فوجب أن نصير إلى قوله.
* * مسألة/ فإن حصر قضاء الواجبات في الثلث وقضينا بعض الواجبات وانتهى
الثلث ولم تنته الواجبات ولم تقض جميع الواجبات فالواجب: أن نكمل قضاء
الواجبات من رأس المال. ولو كان الموصي قال اقضوا ما وجب علي من ثلثي ولو
قال هذه العبارة إذا انتهى الثلث قبل أن تنتهي الواجبات فإننا ننتقل إلى
رأس المال وذلك للأدلة السابقة لأن قضاء الدين واجب وصى به أو لم يوصِّي.
وبهذا انتهينا من الباب الأول وننتقل إلى
الباب الثاني.
باب الموصى له
قال - رحمه الله -:
باب الموصى له.
يعني: باب يذكر فيه أحكام الموصى له.
يقول - رحمه الله -:
تصح: لمن يصح تملكه.
فكل من يصح أن يتملك من رجل أو امرأة مسلم أو كافر يجوز أن نوصي له.
إلا أنه إذا كان من المسلمين فيجوز أن نوصي له معيناً كأن نقول أوصيت لزيد
وغير معين كأن أقول أوصيت لفقراء المسلمين.
وإن كان من الكافرين فلا يجوز إلا أن أوصي إليه معيناً ولا يجوز أن أوصي
إليه غير معين فلا يجوز أن أقول أوصيت للمساكين من النصارى أو للفقراء من
اليهود أو أوصيت لليهود والنصارى فهذه الوصايا باطلة ولا تجوز.
الدليل على جواز الوصية للكافر المعين:
- قوله تعالى: { ... إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا .. } [الأحزاب/6]
والسلف رحمهم الله فسروا الآية بأن يوصي المسلم لليهودي.
وظاهر كلام الحنابلة أنه يجوز أن يوصي للكافر المعين ولو كان حربياً أو
مناوئاً.
هذا ظاهر كلام الحنابلة والصواب المقطوع به إن شاء الله أنه لا يجوز أن
يوصي لكل كافر مناوئ سواء كان حربي أو مناوئ فقط أو معاون لأن في الوصية له
إعانه على المنكر وتقوية لجانبه على المسلمين.
فإذاً يجوز أن نوصي للكافر غير الحربي والمناوئ كالذمي والمستأمن وكل كافر
كعين لم يناوئ ولم يحارب المسلمين.
يقول - رحمه الله -:
ولعبده بمشاع كثلثه. ويعتق منه بقدره ويأخذ الفاضل.
يجوز للإنسان أن يوص لعبده لكن يشترط لصحة الوصية أن يوصي لعبده بمشاع لا
بمعين.
فإذا قال: أوصيت لعبدي بثلثي أو بربعي أو بخمسي صحت الوصية للعبد. ويعتق
العبد من هذه الوصية.
وحينئذ إما أن يكون ثلث المال بمقدار قيمة العبد فيعتق كله أو أن يكون ثلث
المال أقل من قيمة العبد فيعتق بمقداره هذا معنى قوله: (ويعتق بمقداره).
أو تكون قيمة الثلث أكثر من قيمة العبد فيعتق والفاضل له وهذا معنى قوله:
(والفاضل له).
إذاً: الثلث الموصى به للعبد كله للعبد عتق منه ما يعتق وهو ما يقابل
القيمة والباقي للعبد وإن نقصت صار رقاً بقدر هذا النقص.
والدليل على هذا:
- أن العبد هو جزء من ثلث المال الموصى به فهو داخل في الثلث فيعتق.
ولهذا ذكر الفقهاء أنه لو قال أوصيت لعبدي
برقبته عتق أو لو قال: أوصيت لعبدي بنفسه لعتق فكذلك إذا أوصى لعيده بالثلث
فالعبد يدخل في هذا الثلث ويعتق.
وهذا بخلاف المسألة التي ستأتينا.
ثم قال - رحمه الله -:
وبمائة أو معين: لا يصح له.
يعني: وإن أوصى للعبد بمائة أو بشيء معين: كأن يقول أوصيت له بهذا البيت
فإن الوصية لا تصح.
لأمرين:
- الأمر الأول: أن العبد لا يملك والمؤلف يقول: (يصح لكل من يملك). من يصح
تملكه وهذا لا يملك، هذا أولاً.
- ثانياً: أن الوصية للعبد هي في الحقيقة وصية للوارث لأن ما يوصى به للعبد
سيكون للعبد والعبد وما أوصي به إليه سيكون لمن؟ لأحد الورثة.
فهو في الحقيقة أوصى لوارث.
فإذاً: لا يجوز أن يوصي للعبد بشيء معين.
بقينا في المسألة: بينما إذا أوصى بمشاع وما إذا أوصى بمعين.
الفرق بينهما: ـ أنه إذا أوصى بمشاع دخل اعبد في هذا المشاع بينما إذا أوصى
بمعين لا يمكن أن يدخل العبد في هذا المعين لأن المعين معين لا يدخل معه
شيء.
بينما المشاع من مال الميت مشاع يدخل أول ما يدخل فيه هذا العبد الذي أوصي
له به.
لم أقف على خلاف في هذه المسألة ما رأيت فيها خلاف لو كان فيها خلاف ولو
قيل: أنه إذا أوصى بمائة ألف وقيمة العبد مائة ألف أنه يعتق وأنه إذا أوصى
له بمبلغ معين يعتق منه بمقداره والباقي له والنقص عليه كما نقول بالشيء
المشاع لو قيل بهذا لكان وجيهاً في الحقيقة.
لأنه معلوم أن مقصود الميت لما قال أوصيت لعبدي بمائة ألف معلوم أن مقصوده:
العتق، لأنه يعلم أن المائة ألف التي ستكون للعبد لو لم يعتق فستكون لمن؟
للورثة فصنعه تحصيل حاصل فبقاء المائة مع التركة أو عند العبد واحد لا فرق
بينهما لأنه عند تقسيم التركة سيعتبر العبد ومائة فإذا كان العبد قيمته
مائة فسيكون العبد وما معه يقدر بكم؟ بمائتين وتقسم التركة على هذا الأساس.
فيظهر واضح من قول الميت أنه أنا أوصيت بمائة ألف للعبد أنه يريد العتق
والشارع - وهذه قاعدة مهمة - متشوف لتصحيح الوصية وتطبيق مراد الموصي بها.
لكني لم أجد أحداً - يعني: لم أجد أحداً نص على صحة الوصية لعبد معين ولو
قيل به لكان وجيهاً في الحقيقة.
ثم قال - رحمه الله -:
وتصح بحمل.
في الحقيقة قوله: (وتصح بحمل) ليس هذا موضعها. أن هذا هو في الحقيقة كلام
عن الموصى به والباب مخصص لأي شيء؟ للموصى له.
فإذاً: لا يناسب أن يقول: (تصح بحمل)، ولكن لعل المؤلف أتى بقوله: (تصح
بحمل) ليعطف عليها ويقول: (ولحمل تحقق وجوده قبلها) ومع ذلك في الحقيقة لو
أن المؤلف أخر قوله: (وتصح بحمل) إلى الباب التالي لكان هو الأولى.
يقول - رحمه الله -:
(وتصح بحمل)
يعني: يصح أن يوصي بحمل معين كأن يقول حمل هذه الناقة أو حمل هذه الأمة
بشرط أن نتحقق من وجود الحمل حين الوصية.
فإن أوصى بحمل علمنا أنه وجد بعد الوصية فالوصية باطلة لأنها لم تصادف
محلاً صحيحاً.
وهذا بخلاف ما لو أوصى بما تحمل هذه الناقة، فإن هذه الوصية صحيحة لأنها
وصية بمعدوم والوصية بمعدوم كما سيأتينا صحيحة والفرق بينهما ظاهر جداً
لأنه في الصورة الأولى عين حملاً موجوداً وتبين أنه ليس بموجود فبطلت
الوصية وفي الصورة الثانية علق الوصية على وجود الحمل والوصية بمعدوم
صحيحة.
ولهذا لو قال: أوصيت بهذا البيت والبيت ليس من أملاكه لم تصح الوصية.
ولو قال: إن اشتريت هذا البيت فهو وصية صحت لأنه علق الوصية بشرط صحيح.
ثم قال - رحمه الله -:
ولحمل تحقق وجوده قبلها.
يعني: ويصح أن يوصي لحمل بشرط أن نتحقق وجود الحمل حين الوصية.
وعلة ذلك:
- قاعدة مشهورة وهي: (أن كل من يصح أن يرث يصح أن يوصى إليه) فالوصية تجري
مجرى الميراث والحمل يرث بالإجماع فإذاً يصح أن يوصى إليه.
والفقهاء قالوا: نتحقق من وجوده حين الوصية بأن يولد لستة أشهر فأقل من
الوصية.
فإذا ولد لستة أشهر فأقل علمنا أنه حين الوصية أنه موجود.
وهذا قد يكون طريقة متقدمة يلجأ إليها الفقهاء لمعرفة وجود الحمل أما اليوم
فيستطيع الطبيب أن يحدد متى نشأ الحمل؟ بدقة إلى حد كبير.
فإذا استطاع الموصى إليه وهو الصبي أن يثبت من المستشفى أنه موجود حال
الوصية فالوصية صحيحة سواء ستة أشهر أو أقل أو أكثر.
مادام موجوداً حين الوصية فالوصية صحيحة.
ثم قال - رحمه الله -:
وإذا أوصى من لا حج عليه أن يحج عنه بألف: صرف من ثلثه مؤنة حجة بعد أُخرى
حتى تنفذ.
إذا قال: الموصي هذا اللفظ: وهو: أن يحج
عنه بألف. فحينئذ يجب أن يحج عنه إلى أن تنتهي الألف لأنه لم يحدد عدد
الحجج المطلوبة من الألف بل أمر أن يحج إلى أن تنتهي الألف.
فإن حجينا عنه هذه السنة بخمسمائة والسنة القادمة بثلاث مائة والسنة
الثالثة اكتشفنا أن الباقي من المبلغ لا يكفي لإتمام حجة كاملة.
فماذا نصنع؟
الحل الأول: أن يعين بالحج. يعني: يعطي إضافة إلى غيره من يحج.
= والقول الثاني: أنه لا يحتاج أن يعين من يحج وإنما يتصدق به.
وفي الحقيقة لو قيل: أنه إذا ما كفى لحج يعتمر منه لكان له وجه لأن العمرة
حج أصغر.
وأن يؤخذ عنه عمرة كاملة في رمضان تعادل حجة خير من أن يعان.
لكن الفقهاء على كل حال اختلفوا على قولين: لم أر العمرة وإن كان وجيهاً
وهو أنه يحج عنه من مكة أو يعان في الحج أو يتصدق به عنه.
والتصدق به هو أضعف الأقوال. ما دام الرجل أوصى بالحج يجب أن نتقيد بالحج
ونقول إما أن يحج عنه من قريب أو يعان في الحج.
فهمنا من كلام المؤلف - رحمه الله - أنه لو قال: حجوا عني حجة بألف لاختلف
الحكم. وهو كذلك.
فلو قال حجوا عني حجة بألف فإنا نعطي الألف من يحج عنه يأخذ منها نفقته
والباقي له.
والدليل على هذا:
- أن الظاهر من صنيع (المؤلف) أنه أراد أن يبر الموصى إليه لاسيما إذا علم
الموصي حين الوصية أن الحج لا يكلف ألف ريال حينئذ علمنا أنه أراد أن يبر
الموصى إليه.
= والقول الثاني: أن الزائد حتى في قوله: حجوا عني حجه يؤخذ ويفعل فيه ما
يفعل بالزائد من الألف السابقة.
= والقول الثالث: أن الزائد عن الألف في حجة يرد إلى التركة إلى الورثة.
وهذا غريب أن يقال به ضعيف جداً. رجل أوصى وصية أخرجها لله كيف يرجع باقي
المبلغ إلى الورثة.
الذي يظهر لي أن أرجح الأقوال القول الأول: وهو أن الباقي يكون من نصيب
الموصى إليه وذلك لأن قصد الموصي نفع الموصى إليه ظاهر جداً فهو أراد أن
يحج حجة والباقي له.
ثم قال - رحمه الله -:
ولا تصح: لملك.
لا تصح الوصية لملك لأنه لا يملك.
والمؤلف - رحمه الله - وضع هذه القاعدة الجميلة في أول الباب: (صح لمن يصح
تملكه) هذا ضابط.
إذاً الملك لا يجوز أن يوصى إليه لأنه لا يملك.
يقول - رحمه الله -:
وبهيمة.
عني: ولا يجوز أن يوصي لبهيمة.
لأنها لا تملك. وهذا واضح.
= القول الثاني: أنه لا يجوز أن يوصي لبهيمة إلا البهائم المسبلة لجهاد فقط
ما عداها لا يجوز ولا يصح.
= القول الثالث: أنه يجوز أن يوصي للحيوان مطلقاً.،ويصرف في مصالحه.
والراجح إن شاء الله القول الثالث الجواز مطلقاً وقصد الموصي ظاهر. يعني:
لماذا يوصي للحيوان؟ ظاهر. إن كان الحيوان من المستخدمة في الجهاد فأمره
واضح جداً لأنه أراد تقوية الجهاد في سبيل الله، وإن أوصى لحيوان لا يستخدم
في الجهاد فقصده أيضاً واضح وهو أن يحافظ على الحيوان لمصلحة المالك.
وجه ذلك: أن بعض الناس قد يفرط في نفقة حيوانه وهذا الحيوان قد يكون مصدر
رزقه وقد يكون المصدر الوحيد فإذا أوصى بهذه النفقة تكون للحيوان صار هذا
من أعظم أسباب استمرار الحيوان بوجود هذه النفقة. وينتفع في الأخير المالك
ولذلك نحن نقول وإن قال الفقهاء أنه لا يجوز أن يصرف على مالك الحيوان إلا
أنه بلا شك أن مقصود الموصي إذا لم يكن الخيل مربوطة للجهاد أن مقصود
الموصي إذا أوقف على حيوان أن ينتفع مالك الحيوان لكنه أراد أن يضبط مالك
الحيوان لئلا يتصرف بما لا مصلحة له فيه. وهذا مقصد صحيح.
قال - رحمه الله -:
وميت.
لا يجوز أن يوصي لميت أن الميت لا يملك ولا يجوز أن تجرى معه العقود.
= والقول الثاني: أنه تصح الوصية لميت. وتصرف في نفعه الأخروي. فيشترى بهذا
المال أوقاف ويتبرع بتبرعات وصدقات ونحو هذه التصرفات التي ينتفع فيها
الميت وهو رهين قبره.
الراجح إن شاء الله القول الثاني، والسبب: أن الوصية تبرع أراد منها
المتبرع نفع المتبرع له والميت قد يكون أحوج من الحي ولا يوجد في النصوص
مانع ظاهر يمنع من الوصية للميت لاسيما وأنه بالإمكان إيصال نفع هذه الوصية
للميت كما قلت في الأمثلة المذكورة.
والمؤلف - رحمه الله - يقصد: لميت يعلم الموصي أنه ميت أو يجهل أنه ميت؟
يعني: يقصد لو أوصى لحي ثم مات؟ يعلم ولا مجال لأنه يقصد لو أوصى لميت يجهل
أنه ميت والسبب: أنه ستأتينا مسائل الميت المجهول في اللاحق.
والسبب الثاني: أنه إذا قال أوصى لميت يعني يعلم أنه ميت هذا هو المتبادر
للذهن من كلام المؤلف - رحمه الله -.
ثم قال - رحمه الله -:
فإن وصى لحي وميت يعلم موته: فالكل للحي.
هذا اختيار المؤلف.
لأنه إذا أوصى لميت وحي وهو يعلم أن الميت ميت علمنا أن مقصوده أن تكون
الوصية للحي لأن الميت لا يملك.
وهذه المسألة مبنية على الأولى وهي أن الميت لا تصح الوصية له.
= والقول الثاني: أنه ليس للحي إلا النصف وهو المذهب.
- لأنه أوصى لحي وميت فصحت في الحي وبطلت في نصيب الميت.
الراجح: ـ إن قلنا أن الميت لا يوصى إليه فالراجح المذهب وهو القول الثاني،
لأنه من العلوم أن مقصود الموصي أن تكون الوصية نصفها للميت ونصفها للحي.
فالآن لما بطلت في الميت بقيت الوصية صحيحة بالنسبة للميت.
وهذا القول مرجوح لأنه تقدم معنا أن الراجح صحة الوصية للميت وهذا اللفظ
يؤيد أن كثيراً من الناس يوصي للميت يقول: أوصيت للميت وحي فهو يريد نفع
الميت لا يريد نفع الحي.
ثم قال - رحمه الله -:
وإن جهل: فالنصف.
يعني: وإن أوصى لحي وميت جهل أنه ميت فليس للحي إلا النصف لأنه قطعاً هنا
مراد الموصي أن يكون له النصف لأنه كان يظن أن هذا الميت حي.
إذا أوصى رجل لاثنين وتبين أن أحدهما مات فهل نمضي الوصية في حق الميت؟ أو
نقول إن الموصي أوصى له لما كان حياً هو يظن أنه حي لم يوص لخص ميت وربما
لو علم أنه ميت لرأى أن الأحياء أولى.
ويحتمل أن نقول أوصى له وهو حي فبالتأكيد سيوصي إليه وهو ميت لأنه ما دام
مشفقاً عليه في الحياة فسيشفق عليه في الممات أكثر يحتمل هذا وهذا.
والراجح: الثاني. وهو أن نمضي الوصية لأن ظهور الشفقة في حال الموت أقوى
منه في حال الحياة وهذا كله مبني على تصحيح الوصية للميت.
ثم قال - رحمه الله -:
وإن أوصى بماله لابنيه وأجنبي فردّا وصيته: فله التسع.
إذا وصى بماله لابنيه وأجنبي فمقتضى الوصية أنه لكل واحد منهم الثلث. فلما
ردوا - أي رد الابنان الوصية عادت الوصية إلى الثلث فصار للموصى إليه
الأجنبي ثلث الثلث وثلث الثلث: تسع.
وهذا معنى قوله - رحمه الله -: (فله التسع).
إذاً التعليل:
- لأنه برد الوصية عادت إلى الثلث وثلث الثلث: التسع.
وعلى هذا الجمهور.
= القول الثاني: أن للأجنبي الثلث.
وجه ذلك:
- أن الميت أوصى بالثلث لابن والثلث الآخر
لابن والثلث الثالث لأجنبي فرد الابنان الوصية فبطلت في حقهما وبقيت الوصية
في حق الأجنبي لعدم وجود المزاحم.
وهذا القول مال إليه أبو الخطاب. وهو قول في الحقيقة وجيه. لماذا؟ لأنا
نعلم الآن قطعاً أن الموصي أراد إيصال ثلث ماله للأجنبي. فلما قال: أوصيت
بمالي لابني والأجنبي كأنه قال: أوصيت للأجنبي بالثلث. ربما هو فهم أنه إذا
أوصى للأجنبي بالثلث فهذا معناه وهو له ابنين معنى هذا: أن المال سيقسم
أثلاثاً بين الابنين والأجنبي.
وهذا ظاهر من مقصود الموصي.
ففي الوصية تصريح في إيصال الثلث للأجنبي. فاختيار أبي الخطاب من وجهة نظري
جيد في الحقيقة ويتوافق مع الظاهر من مراد الموصي.
وبهذا انتهينا من الموصى له وننتقل إلى الموصى به. ((الأذان))
ممكن أن نعلق على المسألة السابقة إذا أوصى لابنيه أنه نحن نقول الوصية
للورثة لا تصح إلا (( .. )) والورثة من هم؟ ..... ) إذاً صحت الوصية بهذا
السبب ممكن أن نقول هذا.
مع أنه أنا يبدو لي أن هذه الصيغة من الموصي لا يريد منها الوصية وإنما
يريد إيصال الثلث للأجنبي.
باب الموصى به
ثم قال - رحمه الله -:
باب الموصى به.
يعني: الأحكام المتعلقة بالعين التي يوصي بها.
ما هي الأشياء التي يجوز أن يوصي بها والأشياء التي لا يجوز؟
قال - رحمه الله -:
تصح بما يعجز عن تسليمه: كآبق وطير في هواء.
تصح بهذه الأعيان. لماذا؟
للقاعدة السابقة وهي أن كل ما يورث يجوز أن يوصى به فالوصية تجري مجرى
الإرث.
فهذه الأعيان يجوز أن تورث فيجوز أن يوصي بها.
الدليل الثاني: أن الوصية بالمعدوم جائزة فبهذه من باب أولى.
ثم قال - رحمه الله -:
وبالمعدوم.
في الحقيقة كان ينبغي أن يبدأ أول ما يبدأ بالمعدوم لأن مسائل هذا الباب
كلها مقيسة على المعدوم.
سيأتينا الآن كل شيء يقاس على المعدوم فينبغي أن يبدأ به لأنه أصل الباب.
يجوز أن يوصي بالمعدوم.
واستدلوا على هذا بدليلين:
- الأول: أن المعدوم يملك بالسلم والمساقاة وهي من عقود المعاوضات فبالوصية
أولى لأنها من عقود التبرعات. وعقود المعاوضات أضيق من عقود التبرعات فما
يجوز فيها يجوز في التبرعات.
هذا أولاً.
ثانياً: أن الوصية كلها شرعت رفقاً بالناس
ومن الرفق بهم أن نجيز الوصية بمعدوم.
ومن هنا علمنا أنه يوجد فرق بين الوصية بالمعدوم والوصية إلى المعدوم،
الوصية بالمعدوم صحيحة والوصية إلى المعدوم غير صحيحة.
يقول - رحمه الله -:
كبما يحمل حيوانه وشجرته، أبداً أو مدة معينة.
يجوز أن يوصي بما يحمل الحيوان أو الشجر إما مدة معينة كأن يقول ما تحمل به
هذه النخل لمدة سنتين أو أبداً يقول كل ما تحمل هذه النخل من ثمر فهو
لفلان.
إذاً يجوز هذا وهذا، وهذا معنى قوله: (أبداً أو مدة معينة).
ثم قال - رحمه الله -:
فإن لم يحصل منه شيء: بطلت الوصية.
يعني: فإن لم تحمل الشجرة أو الحيوان بطلت الوصية.
- لأنه تبين أنه أوصى بمعدوم فصادفت محلاً معدوماً فبطلت.
وهذا البطلان لا لبطلان الوصية بالمعدوم ولكن لأنه لم تصادف محلاً أصلاً
فبطلت لهذا السبب.
ثم قال - رحمه الله -:
وتصح: بكلب صيد ونحوه.
يعني: لو أن المؤلف - رحمه الله - وضع قاعدة وقال: وتصح بكل ما يجوز أن
ينتفع به ولو لم يكن مالاً شرعاً لكان أنفع.
إذاً تصح بكل ما ينتفع به أي: بما نفعه مباح ولو لم يكن من الأموال
الشرعية: كالكلب المعلم والدهن المتنجس وجلد الميتة وغيرها من الأعيان التي
يعتبرها الحنابلة من الأعيان التي يجوز الانتفاع بها وإن لم يجز بيعها ولا
شراؤها فيجوز الوصية بها لأن الوصية تبرع وأمرها أهون من المعاوضات فجازت
بكل ما يصح الانتفاع به.
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد ....
((انتهى الدرس)).
الدرس: (3) من الوصايا
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وتصح بكلب صيد ونحوه, وبزيت متنجس, وله ثلثهما ولو كثر المال إن لم تجز
الورثة)
آخر مسألة تكلمت عنها في الدرس السابق, هي جواز الوصية بالأموال, أو جواز
الوصية بالأعيان, ولا نقول الأموال لأنها ليست أموال جواز الوصية بالأعيان
التي يباح الانتفاع منها, وإن كان لا يجوز البيع والشراء بها, وذكرنا
الدليل على ذلك وهو أنّ الوصية نوع من التبرعات, وليست من عقود المعاوضات,
فدخلها التخفيف, ثم ذكر المؤلف - رحمه الله - ما يتعلّق بتفصيل الوصية,
فبيّن أنّ الإنسان إذا أوصى بهذه الأشياء فإنه لا يملك الموصى إليه إلاّ
ثلث الموصى به إذا كانت من جنس هذه الأعيان.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وله ثلثهما ولو كثر المال إن لم تجز الورثة)
له يعني للموصى إليه, ثلث الكلب أو الزيت المتنجس فقط, والباقي للورثة, ليس
له إلاّ ثلث هذه الوصية, إلاّ إن أجازت الورثة فله جميع الموصى به, فإذا
أوصى له بكلب فله ثلث الكلب, وإذا أوصى له بزيت متنجس فله ثلث هذا الزيت
المتنجس فقط.
واستدل الحنابلة على هذا الحكم, بأنه لا يوجد في المال من هذا الجنس إلاّ
هذا الموصى به, فليس له إلاّ الثلث، ومعنى قوله لا يوجد في المال من هذا
الجنس, السبب في ذلك ومعناه أنّ مال الميّت إذا كان فيه نحو كلب, وأموال
أخرى, فهو ينقسم إلى جنسين:
الجنس الأول: الأموال الشرعية.
والجنس الثاني: المختصات: وهي التي يجوز أن ينتفع بها وليست من الأموال
الشرعية.
فالمؤلف والحنابلة يقولون ليس في تركته من هذا الجنس إلاّ هذا الكلب, فليس
له من هذا الجنس إلاّ الثلث واضح.
بناء عليه إذا أوصى بكلب, وعنده ثلاثة كلاب, فهل الحكم أنه له الثلث؟ أو له
الكلب كاملاً؟ لماذا؟ الجواب لأنّ هذا الجنس فيه أكثر من هذا الكلب, وهذا
الكلب يشّكل ثلث الجنس في المثال الذي ذكّرت هذا مذهب الحنابلة وعرفت الآن
دليلهم.
والقول الثاني: أنّ له جميع الكلب بلا استثناء، لأنه أوصى له بالكلب فله
الكلب تمشيّاً مع وصية الميّت.
القول الثالث: أنّ الكلب ونحوه يقدّر, فإن كانت القيمة المقدرة تبلغ ثلث
المال أخذ الكلب كاملاً وإن كانت أقل أخذ الكلب كاملاً وإن كانت أكثر أخذ
بمقدار الثلث من الكلب, وهذا القول اختاره الحارثي وفيه قوة وفيه إنصاف
للورثة والموصى إليه فيكون إن شاء الله هو القول الراجح.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ولو كثر المال إن لم تجز الورثة)
قوله ولو كثر المال، يعني لا ننظر إلى جنس المال الشرعي, مادامت الوصية في
جنس المختصات فقط, لا ننظر إلى كثرة المال أو قلة المال إذا كانت الوصية في
جنس المختصات, بل على المذهب ليس له ولو كثر المال إلاّ ثلث الموصى به.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وتصح بمجهول ,كعبد وشاة)
واستدل الحنابلة على صحة الوصية بالمجهول بدليلين:
الأول: الإجماع، فهي محل إجماع أنه يجوز أن يوصي بشيء مجهول, يعني مسمى
ومجهول الصفة والواقع والحال.
الدليل الثاني: أنّ الوصية من باب التبرعات فيدخلها التسهيل.
الدليل الثالث: القياس قياس أولوي على المعدوم, فإذا كان يجوز أن يوصي
بمعدوم فالمجهول أحسن حالاً من المعدوم, إذاً لا إشكال إن شاء الله في جواز
الوصية بالمجهول, لكن لماّ ذكر المؤلف هذه المسألة, أراد أن يبيّن كيفية
تحديد هذا المجهول.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ويعطى ما يقع عليه الاسم العرفيّ)
يعني أنّنا نحدد هذه العين المجهولة بحسب العرف, فالحاكم في تحديدها هو
العرف, واستدل الحنابلة على هذا بأنّ الغالب من مقصود الموصي إرادة العرف,
لأنه عرف بلده فيغلب على الظنّ أنه مقصوده.
القول الثاني: أنّ الضابط في تحديد المراد بهذه العين المجهولة اللغة,
فنرجع إلى مدلول اللفظ في اللغة ونحمله عليه, واستدل هؤلاء بأنّ كلام الله
ورسوله, يحمل على المعاني اللغوية, لا على العرفية فكذلك لفظ الموصي, وبين
القولين فرق شاسع جداً جداً, في ثمرة الخلاف، المثال الموّضح لو قال كما
قال هو المؤلف نفسه (كعبد وشاة) لو أوصى بشاة, الشاة معناها في العرف يختص
بنوع الضأن الكبيرة، ما تطلق شاة إلاّ على ما كان من الضأن, لا من الماعز
وبشرط أن يكون كبيرة
أما في لغة العرب, فالشاة تطلق على الماعز
والضأن, الكبير والصغير, الذكر والأنثى, وهذا فارق عظيم جداً، فعند
الحنابلة إذا قال أوصيت بشاة, فلهم أن يعطوه سخلة صغيرة من الماعز الصغير,
وعلى القول اللي مشى عليه المؤلف لا يجوز أن يعطوه إلاّ من نوع الضأن وأنثى
وكبيرة, وهذا فارق عظيم جداً, بينهما في السعر فرق كبير جداً, الراجح إن
شاء الله ما مشى عليه المؤلف, وهو قول الاسم العرفي, ولاحظ أنّ الشيخ هنا
خالف المذهب, فالمذهب أنّا نمشي على العرف اللغوي لا المعنى العرفي، وهذا
مما يؤكد إن شاء الله ما تقدم, أنّ هذه المخالفات عبارة عن اختيارات, إذاً
الراجح إن شاء الله كما قلت أنه يرجع إلى الاسم العرفي كما قال الشيخ -
رحمه الله -
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وإذا أوصى بثلثه فاستحدث مالاً ولو دية دخل في الوصية)
إذا أوصى بمال, إذا أوصى بالثلث ثم بعد الوصية حدث له مال, ولو كان هذا
الحادث هو الدية, فإنّ الثلث يؤخذ من مجموع المال القديم والحديث, وإلى هذا
ذهب الجماهير, واستدلوا على هذا بأنه أوصى بثلثه من ماله وهذا من ماله,
وكونه حدث بعد الوصية لا يؤثر في دخوله فيها.
القول الثاني: أنّ الحادث لا يدخل في الثلث إلاّ إذا علمه الموصي, أو قال
في وصيته ثلثي عند الموت, أوصيت بثلثي عند الموت، وإلاّ فإنه لا يدخل,
والراجح أنّ الثلث يأخذ من رأس المال الحادث والقديم مطلقاً, ما لم ينصّ
الموصي على أنّ هذا الثلث يؤخذ من ثلث ماله الموجود الآن, دون ما سيحدث,
إذا لم ينصّ على هذا فالثلث من مجموع رأس المال القديم والجديد, لأنّ الأصل
أنه أراد الثلث من المال كله, ولا نخرج عن هذا الظاهر إلاّ بدليل من لفظ
الموصي, فالراجح إن شاء الله مذهب الحنابلة.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ومن أوصي له بمعيّن فتلف بطلت)
لأنّ الوصية تعلّقت بهذه العين, فلما ذهبت العين بطلت الوصية, وهذا واضح،
يعني ولا يؤخذ بدلها من التركة, بل تبقى متعلّقة بهذه العين.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وإن تلف المال غيره فهو للموصى له إن خرج من ثلث المال الحاصل للورثة)
يعني إذا أوصى بعين, ثم بعد موت الموصي,
ونحن لابد أن نحمل هذا الحكم من المؤلف على ما يكون بعد موت الموصي, ثم بعد
الموصي تلف جميع المال إلاّ هذه العين, فإنها تكون من نصيب الموصى له, لأنّ
حقه بعد موت الموصي تعلّق بهذه العين واستقرّ, ولاحق للورثة فيه, وهذا لا
إشكال فيه, كما أنه إذا تلفت العين سقط حقه, كذلك إذا لم يبقى إلاّ هي بعد
موت الموصي بقي حقه لأنه متعلّق بهذه العين, وليس للورثة مطلقاً أن يعترضوا
على هذا الحكم, ولو تلف جميع المال, فهذه العين أصبحت من جملة أملاك الموصى
له, بهذا انتهى باب الموصى به.
[باب الوصية بالأنصباء والأجزاء]
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(إذا أوصى بمثل نصيب وارث معيّن)
قوله باب الوصية بالأنصباء والأجزاء, يعني في الحقيقة, أنه فائدة هذا الباب
قليلة, كما أنه لا ينبغي أبداً أن يوصي الموصي بهذه الطريقة التي ستأتينا
تفصيلها وكيفيتها, بل عليه أن يوصي, كما أوصى السلف بالثلث أو الخمس أو
الربع حسب الخلاف المتقدم, لكن لو أوصى بهذه الطريقة التي ستأتينا فالعمل
على وفق ما سيأتي الآن.
يقول الشيخ باب الوصية بالأنصباء والأجزاء، الأنصباء: جمع نصيب وهو الحصة,
والمقصود هنا في هذا الباب يعني نصيب الوارث.
وقوله والأجزاء: الأجزاء أيضاً جمع جزء , والجزء يقصد به الطائفة من الشيء,
سواء كان هذا الشيء حسي أو معنوي،
والمقصود بهذا الباب, بيان نصيب الموصى إليه إذا نسبه الموصي إلى مجموع
التركة, يعني كيف نعرف نصيب الموصى إليه إذا جعله الموصي منسوباً إلى
أنصباء التركة, أو إلى نصيب واحد مِن مَن يرثون من التركة على التفصيل الذي
سيأتينا، والحنابلة قعّدوا قاعدة واضحة جداً تنهي الإشكال في الباب, بحيث
إذا عرف الإنسان القاعدة، أمكنه أن يعرف نصيب الموصى إليه في أي مسألة نسبت
إليها من مسائل الفرائض.
يقول (إذا أوصى بمثل نصيب وارث معيّن فله
مثل نصيبه مضموماً إلى المسألة (هذه قاعدة الباب, كل الباب سينبني على هذه
القاعدة, يقول له مثل نصيب وارث معيّن, لكن مضموماً إلى المسألة, فنجعل
الموصى له كأنه أحد الوارثين, ويأخذ مثل نصيب الشخص الذي عيّنه الموصي,
إذاً هذا معنى قول الشيخ مضموماً إلى المسألة, يعني بالنسبة إلى المسألة,
والأمثلة ستوضح هذه القاعدة أتم توضيح، لكن قبل أن ندخل في الأمثلة عرفنا
الآن كيفية التقسيم عند الحنابلة, وهو أن نعطي الموصى له حظه ونصيبه
مضموماً إلى المسألة, كأنه أحد الورثة, وهذا مذهب الجمهور.
القول الثاني: وهو مذهب الإمام مالك، أنّ الطريقة ليست كذلك وإنما نقوم
بإعطاء الموصى له مثل نصيب الوارث المعيّن من رأس المال ثم نقسم الباقي على
باقي الورثة, ولا نجعل الموصى له يشترك مع الورثة, بل نعطيه النصيب ثم نقسم
الباقي.
مثال يوضح هذه الأمور, إذا كان إنسان له
ثلاثة أبناء, ويملك ثلاثمائة ألف, وقال الموصي أوصيت لزيد بمثل نصيب ابني,
يعني أحد أبنائي, التركة كم؟ ثلاثمائة ألف, والأبناء كم؟ ثلاثة, إذا أردنا
أن نقسم التركة على الأبناء, فسيكون أصل المسألة من مجموع الرؤوس أليس
كذلك؟ لكل واحد كم؟ مائة ألف، إذا أردنا أن نطبق مذهب الإمام مالك, فنقول
للموصى إليه خذ أنت مثل نصيب أحد الأبناء وهو كم؟ مائة ألف كم يبقى؟ يبقى
مائتي ألف, نقسم المائتين ألف على الورثة وهم الثلاثة، هذا على طريقة
الإمام مالك، على طريقة الحنابلة نقول يدخل الموصى له معهم, فبدل أن تكون
المسألة من ثلاثة, وله مثل نصيب أحدهم, ستكون من أربعة، وفي هذه الحالة
سنقسم الثلاثمائة ألف على كم؟ على أربعة, انظر الفرق بين قول الحنابلة
والمالكية, عند المالكية سيأخذ مائة ألف, وعند الحنابلة سنقسم الثلاثمائة
ألف على أربعة, وكل ما كبر المبلغ كبر الفرق, هذا المذهب الذي ذهب إليه
الإمام مالك, مال إليه المرداوي في الإنصاف, وأيضاً مال إليه الشيخ الحارثي
في شرحه على المقنع, والخلاف راجع إلى معرفة مقصود من؟ الموصي فبعضهم يقول
هذا مقصود الموصي, والآخر يقول بل مقصود الموصي أن يشترك الموصى له مع باقي
الورثة, في المسألة إشكال, يعني لا يظهر للإنسان المعنى لكن يبدو لي أنه
عند تساوي الأمور وعدم وجود أيّ مرّجح في إرادة الموصي, فإنّ مذهب الحنابلة
أقرب وهو أنه أراد أن يدخل الموصى له مع الورثة, ويشاركهم في نصيبهم, هكذا
يبدو أنّ مقصود الموصي, وليس مقصوده تفضيل الموصى له على أبناءه, هذا القصد
قد يكون بعيد, على كل حال هذه المسألة تدلنا بوضوح, أنه يجب أن يكون الموصي
واضح إذا أراد أن يوصي, وأن يكتب مراده في الوصية بدقة, نأتي للأمثلة التي
ذكرها المؤلف
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(فإذا أوصى بمثل نصيب ابنه وله ابنان فله الثلث)
أي فللموصى له الثلث, لماذا؟ لأنه ستكون المسألة من اثنين, فإذا أعطينا
الموصى له مثل أحدهم صارت المسألة من ثلاثة, فله الثلث من مجموع هذه
المسألة.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وإن كانوا ثلاثة فله الربع)
واضح كالمسألة السابقة تماماً.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وإن كان معهم بنت فله التسعان)
معهم الضمير يعود إلى الثلاثة, فإذا كانوا ثلاثة وبنت, فإنّ المسألة تكون
من كم؟ من سبعة لأنّ كل ذكر عن اثنين والأنثى عن واحد ستة زائد واحد صارت
المسألة من كم؟ من سبعة, والموصي يقول أنّ له مثل نصيب أحد الأبناء, نصيب
أحد الأبناء اثنان الآن, فإذا أخذ هو اثنان, صارت المسألة من كم؟ من تسعة,
وله التسعان كما أنّ لأحد الأبناء بعد دخول الموصى له اثنان يعني التسعان
فيستوي الموصى له مع باقي الأبناء, ويأخذ أكثر من البنت, لأن الأب نصّ أنه
مثل الأبناء وليس مثل البنات، فإن قال أنّ له وإن كان معهم بنت, فقال
الموصى له مثل البنت, كم تكون المسألة؟ هي في الأصل من سبعة, ثمانية لأنه
بدل أن يكون اثنان سيكون واحد, وهذا الذي ينبغي أن لا يفضل الموصى له على
ابنته, لأنّ الشارع يتشوف إلى أن يكون نصيب الوارث أكبر من نصيب الموصى له.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وإن وصى له بمثل نصيب أحد ورثته ولم يبيّن, كان له مثل ما لأقلهم نصيباً)
كان له مثل ما لأقلهم نصيباً, إذا قال له مثل نصيب أحد الورثة, فله مثل
أقلهم, الدليل على هذا أنّ هذا هو اليقين وما زاد فهو مشكوك فيه, والأصل
عدم استحقاقه, فيعطى الأقل, على أنّ هذه مسألة مفروضة, ومن الخطأ البيّن أن
يكون له مثل نصيب أحد الورثة, بل عليه أن يبيّن كما تقدم معنا, ثم ذكر
أمثلة هذه القاعدة.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(فمع ابن وبنت ربع)
مع ابن وبنت له الربع, لأنّ أصل المسألة قبل دخول الموصى له من ثلاثة, أليس
كذلك؟ فإذا دخل سيأخذ مثل نصيب البنت أو مثل نصيب الابن؟ البنت لأنه له
الأقل عند الحنابلة فسيكون نصيبه واحد, واحد مع ثلاثة صارت المسألة من
أربعة فله الربع.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ومع زوجة وبن تسع)
لأنّ المسألة من ثمانية, ثمن للزوجة والباقي للابن, فإذا أعطيناه مثل نصيب
الأقل, فالأقل في هذه المسألة هو من؟ الزوجة, فسنضيف إلى أصل المسألة واحد,
وتكون بدل ثمانية, تسعة ,فيكون له هو والزوجة التسع.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وبسهم من ماله فله سدس)
إذا قال أوصيت له بسهم من مالي, فله السدس, استدل الحنابلة على هذا
بدليلين:
الأول: أنّ هذا الحكم مروي عن الصحابي
الجليل ابن مسعود - رضي الله عنه -
الثاني: أن هذه اللفظة عند العرب تحمل على السدس, فقول الشيخ هنا بسهم من
ماله فله السدس يعني أنّ العرب كانوا إذا قيل أعطيت فلان سهم فهو ينصرف إلى
ماذا؟ إلى السدس.
والقول الثاني: أنّ له مثل أقل الورثة, لأنّ السهم مجهول فيعطى الأقل
احتياطاً, والراجح مذهب الحنابلة إلاّ إذا كان السهم في وقت من الأوقات
عرفاً يطلق على مقدار معيّن, يجب أن نحمله على هذا العرف, وإذا لم يكن هناك
عرف فإنّا نحمل السهم على السدس، ولو لم يكن في الباب إلاّ أثر ابن مسعود
لكفانا ولله الحمد.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وبشيء أو جزء أو حظ أعطاه الوارث ما شاء)
إذا أوصى بشيء, أو بجزء, أو بحظ, فإنّ الورثة يعطونه ما شاءوا قلّ أو كثر,
والدليل على هذا من وجهين:
الأول: الإجماع، فإنهم أجمعوا أنه إذا قال أوصيت له بشيء, أو بحظ ,أو
بنصيب, فإنه إذا أعطي أي شيء, وأيّ حظ أجزء.
الثاني: أنه إذا أوصى له بجزء, وأعطوه أيّ شيء, صدق عليه أنه أخذ جزءًا,
وبهذا نكون نفذّنا وصيت الموصي, والواجب على الورثة لا يتعدى أن ينفّذوا
وصية الموصي, وهذا الحكم كما سمعتم إجماع وهو صحيح, لكن ينبغي إذا أوصى
بشيء أو بجزء, أن يعطى من وجهة نظري أنه ينبغي إذا بشيء أو بجزء أن يعطى
السدس، لأنه إذا كان العرب يحملون السهم على هذا, فكلمة شيء أو جزء من
المعلوم أنه ما أراد أن يعطوه أتفه الأمور, وإنما أراد أن يعطوه شيئا ولو
لم يكن كثيراً, وأقرب ما يكون هذا الشيء الذي ليس بكثير السدس حملاً على
فتاوى الصحابة, لو قيل أيضاً بهذا كان متوجه, يعني أنه ينبغي, أما الحكم
فهو محل إجماع, أنه يجوز أن يعطى أيّ شيء.
[باب الموصى إليه]
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(تصح وصية المسلم إلى كل مسلم, مكلف, عدل, رشيد, ولو عبداً)
تقدم معنا في أول الوصايا أنّ الوصايا تنقسم إلى قسمين: أمر بتبرع وأمر
بتصرف, أليس كذلك؟
فالأمر الذي بالتبرع هو ما تقدم معنا من الوصية له, وأما الأمر بالتصرف فهو
الوصية إليه، وهو هذا الباب الذي معنا.
واختلف الفقهاء - رحمهم الله - هل الأولى
للإنسان أن يقبل الوصية إليه أو أن يرد، فذهب الحنابلة إلى أنّ الأولى
والمستحب والأحب إلى الله أن يقبل بشرط أن يكون قوياً وعارفاً, أن يكون
قويا على تطبيق الوصية, وعارفا بكيفية التطبيق, فإذا تحققت الشروط فالأولى
والأحسن والأفضل أن يدخل فيها, وأن يمتثل بأداء ما أوصي إليه من الأعمال.
القول الثاني: أنّ الأفضل الترك, والاحتياط, وذلك خوفاً على النفس من
الخيانة أو التقصير, والراجح إن شاء الله القول الأول وهو المذهب والسبب في
ذلك, أنّ عدداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصي إليهم فقبلوا
وهم سادة الخلق, وأكثرهم طاعة وورع وتقوى هذا أولا.
ثانياً: أنّ قبول الوصية إليه يدخل في قوله تعالى {وتعاونوا على البر
والتقوى}، فإنه من الغالب أنّ الموصي ما أوصى إليه إلاّ لظنه أنه سيقوم
بالواجب, ولحرص الموصي على موضوع الوصية أيّا كانت وصية مالية أو تصرفات
أخرى، فإذا إن شاء الله الأقرب هو هذا أن يقبل إذا قوي وكان عالماً بأداء
الواجب.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(تصح وصية المسلم إلى كل مسلم)
قوله تصح الوصية إلى كل مسلم, أفادنا مسألتين:
المسألة الأولى: جواز الوصية إلى المرأة, فيجوز أن يوصي إلى امرأة, سواء
كان موضوع الوصية تربية, أو موضوع الوصية مالية أو أيّا كان موضوع الوصية،
وإلى هذا ذهب الجماهير, بل إنّ هذا الحكم حكي إجماعاً في أكثر من كتاب, فهو
في الحقيقة مذهب أكثر أهل العلم واستدلوا على هذا بأنّ الوصية نوع من
التوكيل والمرأة يجوز أن توكل.
القول الثاني: أنه لا يجوز أن نوصي إلى امرأة, ولم أرى أحداً ذهب إلى هذا
القول إلاّ شخص واحد, من كبار وأئمة التابعين وهو الإمام عطاء - رحمه الله
- فإنه ذهب إلى عدم صحة الوصية إلى المرأة, وقوله مرجوح, بل لو قيل إنه
قوله شاذ لكان لهذا القول وجه, والسبب في ذلك أنّ أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب - رضي الله عنه - أوصى إلى حفصة ولم ينقل عن أحد من الصحابة إنكار
ذلك.
فالقول بعدم صحة الوصية إلى المرأة يخالف الجماهير والإجماع, ويخالف
الآثار, وهذا يقّربه من الشذوذ, وعلى كل حال استقّر الأمر على الجواز.
المسألة الثانية: التي أفادنا المؤلف بها
أنه لا يجوز أن نوصي إلى كافر, لأنّ الكافر ليس له ولاية على المسلم وإطلاق
كلام الحنابلة على يفيد أنه سواء كان الكافر ذميّ أو مستأمن أو غير ذلك، لا
يجوز مطلقاً وهذا صحيح أنه لا يجوز الوصية إلى الكافر لأنه ليس أهلاً
للأمانة ولأنه لم يجعل الله له ولاية على المسلم.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(مكلف, عدل, رشيد, ولو عبداً)
مكلف، المكلف: هو البالغ العاقل، بناء على هذا لا يجوز أن نوصي إلى مجنون,
ولا يجوز أن نوصي إلى صغير, والسبب في ذلك أنّ الوصية تتضمن الولاية,
وهؤلاء لا يملكون الولاية على غيرهم, لأنهم لا يملكون الولاية على أنفسهم,
فكيف بغيرهم, وهذا لا إشكال فيه, أنّ المجنون لا يجوز أن نوصي إليه، يبقى
الإشكال في الصبيّ الذي نهز البلوغ وقرب منه ولم يبلغ, فالحنابلة يرون أنه
لا يجوز أن نوصي إليه, لأنه لم يبلغ ومازال صغيراً على تحمّل الولاية، ومن
الفقهاء من قال إذا كان يحسن التصرف وقد قارب البلوغ وهو كبير فإنه لا بأس
بالوصية إليه، والراجح مذهب الحنابلة مادام لم يبلغ وصغيراً فإنه لا يوصى
إليه.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وعدل, رشيد)
قوله وعدل يعني فلا يجوز أن نوصي إلى فاسق, لأنّ موضوع الوصية الولاية،
والولاية تقتضي الأمانة, والفسق يتنافى مع الأمانة.
والقول الثاني: أنه يجوز أن نوصي إلى الفاسق, لكن يضم إليه عدل.
والقول الثالث: أنه يجوز أن نوصي إلى الفاسق مطلقاً، وذكر هذا القول رواية
عن الإمام أحمد, قال الشيخ المرداوي وهو بعيد جداً، وهو كما قال الجواز
بالإطلاق بعيد جداً.
القول الرابع: وهو مذهب المالكية والأحناف، أنه يجوز أن نوصي إلى الفاسق
إذا أمِنا الخيانة وكان قوياً على العمل، وهذا القول هو الراجح لأنه قد
يكون في الفاسق مع أمانته غِناء لا يكون في غيره, لمعرفته في موضوع الوصية,
وإحسانه التصرف فيها, فحينئذ المنع من الوصية إليه فيه إضرار بموضوع
الوصية, على كل حال إذا تحقق الشرطان, فالأقرب ما ذهب إليه المالكية وهو
الجواز والصحة.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(رشيد)
الرشيد يشترط بناءاً عليه لا يصح أن نوصي
إلى من لا يحسن التصرف, لأنّ الإيصاء إليه مناقض للمراد من الوصية فإنّ
المراد من الوصية أن يقوم عليها بالإصلاح والعناية والحفظ, وهذا لا يحسن
التصرف فكيف سيقوم عليها بالعناية والحفظ والإصلاح.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ولو عبداً)
يجوز أن يوصي إلى العبد, وظاهر كلام المؤلف سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره,
إلاّ أنه إذا كان عبداً لغيره فاشترط المؤلف قال ويقبل بإذن سيده، يشترط
إذا كان عبد غيره أن يكون بإذن السيد, والسبب في اشتراط الإذن, أنّ منافع
العبد مستحقة لسيده، فلا يقبل إلا بإذنه لأنّ الحق له في المنافع.
والقول الثاني: أنه لا يصح الوصية للعبد مطلقاً.
والقول الثالث: أنه لا يصح الوصية لعبد غيره ويصح لعبد نفسه, والأقرب مذهب
الحنابلة أنه يجوز مطلقاً إلاّ إذا كان العبد لغيره فإنه يشترط رضا السيد،
وهذا القول هو الراجح وقد يكون في العبد من الغناء وجودة التصرف وإحسان
التعامل ما ليس في غيره, والمقصود من الوصية هو هذا.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وإذا أوصى إلى زيد وبعده إلى عمرو ولم يعزل زيداً اشتركا)
إذا أوصى إلى رجل ثم بعد سنة, أوصى إلى غيره ولم ينصّ في الوصية الثانية لا
على عزل الأول ولا على إبقائه, فإنّ الحنابلة يرون أنه يبقى, لأنه ليس في
الوصية الثانية ما يدل على عزل الموصى إليه الأول, فإنّ لفظ الوصية للثاني
لا يتضمن عزل الأول.
القول الثاني: أنّ الوصية للثاني تلغي الوصية للأول, لأنّ الظاهر أنه إذا
أوصى للثاني, أنه تراجع عن الوصية للأول, والأقرب الثاني إلاّ إذا دلت
القرائن على أنه لم يرد أن يعزل الأول, حينئذ يشتركان, فيما عدا هذا فإنّ
الظاهر أنه أراد أن يكون الوصي هو الثاني.
ولا يخفاكم إن شاء الله أنّ هذا الترجيح ليس بترجيح بيّن, مسألة ليست واضحة
بدرجة كافية لكن يميل الإنسان إلى أن يكون الثاني هو المراد بالوصية دون
الأول، لأنه الظاهر من صنيع الموصي أنه عدل عن الأول.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ولا ينفرد أحدهما بتصرف لم يجعله له)
إذا أوصى الإنسان إلى اثنين, فهو أقسام:
القسم الأول: أن ينصّ على أنّ لكل واحد
منهم أن يتصرف منفرداً، فحينئذ لكل واحد أن يتصرف منفرداً.
القسم الثاني: أن ينصّ على أنه لا يتصرف الاثنان إلاّ بالاشتراك حينئذ ليس
لهما التصرف إلاّ بالاشتراك، يعني معنى الاشتراك، يتخذا القرار جميعاً، لا
ينفرد أحدهما باتخاذ القرارات الخاصة بالوصية, والصورة الأولى والثانية
التي ذكرت محل إجماع.
الصورة الثالثة: إذا أوصى إلى اثنين وأطلق, لم يبيّن هل هو على سبيل
الاشتراك, أو على سبيل الإنفراد, حينئذ فيه خلاف فالمذهب أنه إذا أوصى إلى
اثنين وأطلق فحكمه حكم الاشتراك، فلا يتصرفان إلاّ سوّياً.
والقول الثاني: أنّ لكل منهما أن يتصرف على إنفراد لأنه لم ينصّ على
الاشتراك, والراجح رجحاناً بيّناً مذهب الحنابلة, لأنه من الظاهر جداً أنّ
الموصي لماّ نصّ على اثنين أنه أراد أن يشتركا في اتخاذ القرار المناسب
الذي هو في صالح الوصية، وهذا يحصل كثيراً والسبب في ذلك أن يكون أحد
الوصيّين يحسن جانب, والآخر يحسن جانب آخر, أو يكون أحد الوصيّين متعجل
جداً والآخر متأني جداً، فباجتماعهما يحصل الوسط، المهم قد يكون للموصي غرض
بالجمع بين الاثنين, ومن الخطأ البيّن أن يوصي إلى اثنين ويجعل لهما التصرف
على انفراد، لأنّ هذا يؤدي إلى الاضطراب، والتناقض وتضارب القرارات, لكنه
لو صنع لصح.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ولا ينفرد أحدهما بتصرف لم يجعله له)
إذا جعل بعض التصرفات خاصة له, فقال مثلاً أوصيت إلى زيد بأن يتصرف في
المزارع, وأوصيت إلى عمرو بأن يتصرف في العمائر, صار كل واحد منهما يتصرف
بما أوصي إليه فيه فقط, فزيد لا يتصرف في العمائر وعمرو لا يتصرف في
المزارع, لأنّ الموصي خصص العمل لكل واحد في جهة معيّنة.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ولا تصح وصية إلاّ في تصرف معلوم)
لأنه لن يتمكن من أداء ما أوصي إليه فيه, إلاّ إذا كان العمل معلوم, ولأنّ
الوصية هي عبارة عن إذن في التصرف, والإذن في التصرف بدون بيان مجال التصرف
لا قيمة له ولا فائدة, فإذاً لاشك بأنه لابد أن يكون التصرف معلوم.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(يملكه الموصي)
يعني أنه يشترط في التصرف أن يكون مملوكا
للموصي حال الحياة, لأنّ الموصى إليه إنما يتصرف بإذن الموصي, والموصي نفسه
لا يتمكن من التصرف إلاّ فيما يملك, فكذا فيما يأذن فيه, وهذا أمر واضح،
فلو قال أوصيت إلى عمرو أن يبيع ويشتري, بأملاك زيد والموصي اسمه خالد، هذه
وصية باطلة لأنه أوصى في مالا يملك.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(كقضاء دينه, وتفرقة ثلثه, والنظر لصغاره)
كقضاء دينه وتفرقة ثلثه, هذان مثالان لأمور يملكها الموصي, فالموصي يملك أن
يقضي دينه ويملك أن يحدد مصارف الثلث، فلما ملك التصرف ملك الإذن, وملك أن
يوصي، وقول الشيخ هنا - رحمه الله - (والنظر لصغاره) هذا من باب التمثيل
وإلاّ فإنّ الحكم لا يقتصر على الصغار, بل يشمل كل من للموصي ولاية عليهم
حال الحياة كالمجانين كأن يكون ولياً على المجانين، وكأن يكون ولياً على
قُصر, وكأن يكون ولياً على من لا يحسن التصرف, كل من له ولاية عليهم في حال
الحياة له أن يوصي بالولاية عليهم بعد الممات، فالمؤلف ذكر الصغار مجرد
تمثيل وإنما مثّل بهم لأنهم الغالب.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ولا تصح بما لا يملكه الموصي كوصية المرأة بالنظر في حق أولادها الأصاغر
ونحو ذلك)
هنا أراد الشيخ أن يمثّل بما لا يملك,
وبناء عليه لا يوصى به, فقول الشيخ ولا تصح بما لا يملكه الموصي, هو تكرار
لقوله ولا تصح وصية إلاّ فيما يملكه الموصي أليس كذلك؟ إنما أعاده ليمثّل,
والمثال هو كوصية المرأة في حق أولادها الأصاغر ونحو ذلك، معنى هذه العبارة
أنه ليس للمرأة أن توصي بأولادها الأصاغر إلى زيد أو عمرو، بل تكون
الولاية, للقاضي يصرفها إلى من شاء لماذا؟ لأنّ الحنابلة يرون أنّ المرأة
لا تملك الولاية على أولادها الصغار، فعرفنا الآن أنّ هذه المسألة مبنية
على مسألة أخرى, وهي هل تملك المرأة الولاية على أولادها الصغار أو لا،
وهذه المسألة الثانية مهمة وهي محل خلاف بين الفقهاء، فذهب الحنابلة إلى
أنّ المرأة لا تملك الولاية على أولادها الصغار، ومعنى هذا أنّ الولاية
تنحصر في الأب والجد ووصيهما، فإذا مات الأب، فوصي الأب مقدم على الأم،
لأنّ الأم لا تملك الولاية، دليل الحنابلة دليلهم هو القياس على ولاية
النكاح, فقالوا لماّ كانت المرأة لا تملك ولاية النكاح كذا لا تملك الولاية
الأخرى.
القول الثاني: أنّ المرأة تملك الولاية وهي مقدمة على وصي الأب، وعلى وصي
الجد، واستدلوا على هذا بأنّ المرأة أكثر شفقة وأحرص على نفع الأولاد من
وصي الأب والجد , بل من الأب والجد.
الدليل الثاني: أنّا وجدنا أنّ بعض النساء
تحسن التصرف ما لا يحسنه الرجال, وهذا القول الثاني أظهر إن شاء الله. كيف
نجمع بين هذه المسألة وبين المسألة السابقة التي فيها أنه يجوز أن يوصي إلى
المرأة بالإجماع؟ الجمع بينهما أنه يجوز أن نوصي إلى المرأة فتكتسب المرأة
الولاية, من خلال الوصية لأنّ الموصي للمرأة يملك الوصية ويملك الولاية،
لكن المرأة نفسها لا تملك الولاية فلا تملك أن توصي بها إذاً لاحظت الآن
الفرق بين المسألتين, ومن هنا يمكن للأب الفطن الحكيم، إذا رأى أنّ زوجته
خير من يقوم بأمر الأولاد أن يصنع ماذا؟ أن يوصي إليها لأنه لو مات بلا
وصية فإنها لا تستحق عند الحنابلة، لكن لو أوصى لها استحقت عند جميع
الفقهاء، إذاً الآن هذا العلم قد يسهّل للإنسان الاستفادة ممن يحسن
الاستفادة مِنه الذين يرى الميّت أنهم أحق بولاية الأطفال، هذه المسألة
مبنية على المسألة السابقة, فعلى القول أنها تملك الولاية لا تملك أن توصي,
وعلى القول أنها تملك الولاية تملك أن توصي.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ومن وصي في شيء لم يصر وصياً في غيره)
صحيح لأنه استفاد الوصاية بالإذن, والإذن قيّده في هذا الشيء فلا يتعداه
إلى غيره, فإذا أوصى إليه في جزء من المال أو في نوع من الأراضي, أو في نوع
من التصرفات فقط، فإنه يختص بهذا النوع ولا يتعداه إلى غيره.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وإن ظهر على الميّت دين يستغرق تركته بعد تفرقة الوصي لم يضمن)
المقصود بهذه العبارة, إذا قام الوصي بتفرقة الثلث, ثم لماّ فرّقه ظهر أنّ
على الميّت دين يستغرق التركة, فإنّ الوصي لا يضمن, لأنه تصرف بإذن الشارع,
ومن تصرف تصرفاً مأذوناً له فيه لم يضمن، إلاّ أنه إذا كانت العين المفرّقة
لازالت موجودة, فإنه يجب على من أخذها أن يردها, لأنّ حق الدائن مقدم على
حق الوصي، وفي كل حال الوصي لا يضمن، لأنه ليس منه تفريط وليس منه تعدّي.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وإن قال ضع ثلثي حيث شئت لم يحل له ولا لولده)
إذا قال ضع ثلثي حيث شئت لم يحل له ولا لولده وإنما يجب أن يعطيه إلى جهة
خارجية, واستدل الحنابلة على هذا بأمرين:
الأمر الأول: أنّ الوصي مأمور بتنفيذه
وإخراجه, أي الموصى به، وإذا أعطى نفسه أو أحداً من أبنائه فإنه لم يخرجه.
الدليل الثاني: أنّ تصرفه هذا محل تهمة، فقد يراعي ويحابي نفسه أو أقربائه.
القول الثاني: أنه يجوز أن يعطي نفسه وأن يعطي أبنائه, واستدلوا بأنّ لفظ
الموصي عام يتناول الموصى إليه وأبناء الموصى إليه وغيرهم من الأجانب.
القول الثالث: أنه ليس له أن يعطي نفسه, وله أن يعطي أبنائه، والراجح
المذهب أنه لا يجوز أن يعطي لا نفسه ولا أبنائه، إلاّ في صورة واحدة وهو
إذا علمنا من الموصي أنه أراد أن يدخل الموصى إليه في الوصية, أو دلّت
القرائن.
((الآذان))
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ومن مات بمكان لاحاكم فيه ولا وصي, حاز بعض من حضره من المسلمين تركته,
وعمل الأصلح حينئذ فيها من بيع وغيره)
قوله (حاز) هو على سبيل الفرضية يعني يجب لكنه فرض كفاية, فإذا مات الإنسان
في مكان ليس عنده إلاّ الجماعة المرافقين له, فإنه يجب على أحدهم أن يحوز
المال, وذلك صيانة للمال عن الضياع, وقوله (وعمل الأصلح فيها من بيع
وغيره).
الدليل على أنه يحوز وأنه يعمل الأصلح, أنّ هذا موضع ضرورة, لأنّ المال لو
ترك لفسد, فعليه أن يحوز المال وعليه أيضاً أن يعمل فيه الأصلح، فإن كان
الأصلح البيع باع, وإن كان الأصلح الإمساك أمسك, وينظر في صالح هذا المال
ويعمل على وفقه وجوباً.
وقول الشيخ هنا (حاز) في هذه النسخة يوجد من وجهة نظري خطأ يقول هنا (حاز
بعض من حضر من المسلمين تولي تركته) في النسخة الأخرى التي أشار إليها (جاز
لبعض من حضر من المسلمين تولي تركته) الصواب إن قلنا حاز أن نحذف توّلي,
وتكون المسألة (حاز بعض من حضر تركته) والنسخ التي فيها حاز كلها المخطوطة
ليس فيها تولّي, وإن اخترنا نسخة جاز أضفنا كلمة تولّي, أما أن نختار حاز
ونضيف تولّي فهذا خطأ, إما أن نقول حاز بلا تولّي أو جاز مع التولّي حتى
يستقيم الكلام, وبهذا ولله الحمد تم الباب.
وهذا تيسير من الرب سبحانه وتعالى.
(كتاب الفرائض)
و (كتاب العتق)
ذكر شيخنا أنه سيؤخر شرحهما وذكر في الدرس الأسباب.
الدرس: (1) من النكاح
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ذكر شيخنا كلاما في الدرس السابق في شرح أول النكاح نقلناه هنا ليجتمع
الكلام عن النكاح في مكان واحد وهو كما يلي: |