شرح زاد
المستقنع للخليل باب التأويل في
الحلف
التأويل/ هو الذي نسميه التعريض. فالمؤلف يريد أن يبيّن حكم التأويلات أو
التعريض في الحلف.
وقول الشيخ باب التأويل في الحلف يشمل ما إذا حلف باليمين أو بالطلاق أو
بالعتاق أو بالنذر أو بأيِّ حلف.
وقوله باب التأويل في الحلف أمثلته كثيرة:
من أمثلته أن يقول هذا أخي ويقصد أخوه في الإسلام , ومن أمثلته أن يقول هذا
فراشي
ويقصد الأرض. لأنّ الأرض جعلها الله فراشاً. سيذكر المؤلف أربعة أمثلة
للتأويل.
يقول الشيخ - رحمه الله - (ومعناه أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره)
هذا هو تعريف التأويل أو الذي يسميه التعريض. أن يتكلم بكلام يفهم منه خلاف
مقصود المتكلم لا احتمال اللفظ للمعنيين.
ثم انتقل المؤلف - رحمه الله - إلى حكمه فقال (فإذا حلف وتأولّ يمينه نفعه
إلاّ أن يكون ظالماً)
يريد المؤلف أن يبيّن متى ينفع التأويل
ومتى لا ينفع التأويل , وقبل أن نبيّن متى ينفع ومتى لا ينفع. ما معنى
ينفع؟ معنى ينفع أنه لا يحنث ولا يأثم. أيّ أنه إذا تعاطاه فإنه لا يحنث
ولا يأثم. نأتي إلى الصور التي ينفع فيها والصور التي لا ينفع فيها.
ينقسم التأويل إلى ثلاثة أقسام: -
القسم الأول: أن يكون مظلوماً , فإذا كان مظلوماً نفعه التأويل والتعريض
بالإجماع بلا مخالف ولله الحمد. وسيذكر المؤلف الأمثلة.
القسم الثاني: إذا فعله وهو ظالم , فإنه لا ينفعه بالإجماع والنص. واستدلوا
بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) الحديث
عام , لكن حمله الفقهاء على الظالم , واستدلوا بقول النبي - صلى الله عليه
وسلم - (اليمين على نية المستحلف) الحديث الأول في مسلم والحديث الثاني في
السنن فالقسم الأول والثاني أمرهما واضح إذا كان ظالما أو مظلوماً الحكم
واضح
القسم الثالث: إذا لم يكن ظالماً ولا مظلوماً فمن الفقهاء وهو المذهب من
يرى جواز التأويل والتعريض حتى بالحلف فله أن يحلف متأولاً معرضاً ولو كان
في أمر ليس فيه لا ظالم ولا مظلوم. واستدلوا بالعمومات المنقولة عن النبي -
صلى الله عليه وسلم - في التأويل فإنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لما
سئل في الغزو قال نحن من ماء
ولما سئل أبو بكر الصديق في الهجرة من هذا الذي معك. قال رجل يهديني الطريق
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع ولم ينكر. وقال النبي - صلى الله عليه
وسلم - للأعرابي إنّا حاملوك على ولد الناقة.
وقال للمرأة إنّ العجوز الكبيرة لا تدخل الجنة. فاستعمل النبي - صلى الله
عليه وسلم - مجموعة من التأويلات والتعريضات.
فاستدل بها الحنابلة على الجواز المطلق.
القول الثاني: أنه لا يجوز مطلقاً واستدل هؤلاء بأنه لا حاجة للتعريض مع
وجود الظلم فلا يجوز أن نعرض لاسيما في اليمين. وهذا القول هو أضعف
الأقوال.
القول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد
وكأنّ شيخ الإسلام يميل إليه. أنه مع عدم الحاجة يجوز في الكلام دون اليمين
, واستدلوا على هذا بأنه في الكلام نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
التأويل والتعريض كثيراً , وأما في اليمين فإنّ الأحاديث تدل على ما يصدقك
صاحبك أو على نية المستحلف , وهي عامة أخرجنا منها صورة ما إذا كان مظلوماً
فبقيت الصور على أصل المنع وكما ترى
القول الثالث الأخير هذا وجيه وقوي وهو إن شاء الله الراجح وهو أن نقول
يجوز في الكلام دون الحلف ثم سيذكر الشيخ ثلاث أمثلة
قال - رحمه الله - (فإن حلّفه ظالم ما لزيد عندك شيءٌ وله عنده وديعة بمكان
فنوى غيره أو بما (الذي)
يعني جاز إذا قال له ظالم هل عند لزيد مال ,وهو ظالم فله حينئذ التأويل
والتعريض , وذكر المؤلف صورتين للتعريض والتأويل.
الصورة الأولى: أن يقول ما عندي له شيء ويقصد في هذا المكان والمال في مكان
آخر , فيقول ما عندي له شيء وفي نيته يعني في هذا البيت والمال في بيت آخر.
الصورة الثانية: أن يقول ما عندي له شيء ويقصد بما الموصولة للنافية ,
فكأنه قال الذي عندي لزيد وهو صادق الذي عنده لزيد. بينما فهم الظالم أنه
ينفي وجود المال عند زيد. فهذا جائز سواء مع اليمين أو بلا يمين لأنه ظالم.
قال - رحمه الله - (أو حلف ما زيد هاهنا ونوى غير مكانه)
يعني قيل له هل زيد هنا فقال زيد ليس هاهنا , ونوى سوى المكان الذي فيه
زيد.
تعرفون القصة المشهورة أنه جاء رجل يطلب المروذي في مجلس الإمام أحمد ,
وقال أثمّ المروذي , فقال الأثرم ليس هاهنا وأشار إلى كفه والإمام أحمد
جالس فتبسم وضحك. فانصرف الرجل , فحملوا الحنابلة على أنّ هذا الرجل إما
أنّ المروذي لا يريد أن يقابله أو أنه ظالم , وفي بعض كتب الحنابلة أنّ
الذي قال ليس هاهنا الإمام أحمد وهذا ليس بصحيح , الذي قال ليس هاهنا هو
الأثرم وليس الإمام أحمد وعلى كل حال أقرّه الإمام كان موجوداً وحملوه على
وجود الحاجة وأنّ هذا ليس بحلف وإنما كلام.
كما أنه حصل تأويل آخر من الأثرم بالنسبة
للإمام أحمد كان يريد أن يسمع جزءاً إما من المسند أو من غيره وكان الإمام
أحمد كأنه يؤخر الأثرم ويقول له يعني أتلوا عليك الجزء لا حقاً فقال الأثرم
للإمام أحمد يا أبا عبدالله إنما أريد أن أخرج يعني إلى بلدي فأسمعني الجزء
قال الإمام مادام تريد أن تخرج أسمعك الجزء فجلس وحدّثه بالجزء كاملاً ,
فلما صار من غدٍ قابله في الطريق فقال أبو عبد الله ألم تقل سأخرج قال وهل
قلت غداً , يعني قلت سأخرج لكن لم أقل غداً أخرج متى ما خرجت فضحك أيضاً
الإمام أحمد وتبّسم ولم ينكر عليه , وهذا أيضاً ليس فيه يمين.
أما التوسع في التأويل من غير حاجة قد يكون كلام الإنسان كله تأويل. بعض
الناس إذا أردت أن تتحدث معه تحتاج إلى محترزات وأن تخرج جميع ما يحتمله
الكلام , هذا ليس من طريقة المسلمين , كما أنّ شيخ الإسلام أشار إلى أنّ
التأويل ينقسم إلى قسمين: -
تأويل حقيقي. وتأويل يخالف ظاهر اللفظ.
فالتأويل الحقيقي هو الذي يتوافق مع حقيقة الأمر , قال شيخ الإسلام وهو
التأويل الذي استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم -
القسم الثاني: التأويل الذي يخالف الظاهر تماماً فهذا وإن جاز عند الجمهور
إلاّ أنه لا ينبغي استعماله إلاّ عند الحاجة. فالنبي - صلى الله عليه وسلم
- لما قال إنّا حاملوك على ولد الناقة. صحيح هو سيحمله على ولد الناقة.
والتأويلات التي ذكرت جميعاً متوافقة مع الواقع. لكن تأويل الأثرم الذي
عمله مع الإمام أحمد غير متوافق مع الواقع. فهذا ينبغي أن لا يفعله الإنسان
إلاّ عند الحاجة الملحة.
قال - رحمه الله - (أو حلف على امرأته لا سرقت مني شيئاً فخانته في وديعة
ولم ينوها لم يحنث في الكل)
إذا قال لزوجته والله إن سرقت مني شيئاً فأنت طالق فهذا حلف باليمين ولا
بالعتاق؟
لا باليمين ولا بالعتاق وإنما بالطلاق , هو يقول والله إن سرقت مني شيئاً
فأنت طالق , أو يقول إن سرقت مني شيئاً فأنت طالق. فهذا حلف بالطلاق , وإذا
قال والله لا تسرقين مني شيئاً هذا حلف بأيش؟ هذا حلف باليمين , وإذا قال
إن سرقت مني شيء فعبدي حر بالعتاق , وإذا قال إن سرقت مني شيئاً فا لله
عليّ نذر أن أصوم سنة , هذا حلف بالنذر , وأظن الآن تَوَضَحَ الفرق بين
الحلف باليمين والطلاق ولا لا والعتاق.
فإذا قال لها ذلك وخانته بوديعة فإنه في هذه الحالة تطلق ولا يلزمه أن يصوم
ولا يلزمه عتق العبد لماذا؟ لأنه حلف على السرقة , والخيانة في الوديعة
ليست سرقة , إلاّ إن نوى أثناء اليمين أن يشمل الخيانة فحينئذ إذا خانته
فإنها تطلق. |