شرح زاد المستقنع للخليل

* باب تعليق الطلاق بالشروط *
تعليق الطلاق بالشروط: أيّ ترتيب الطلاق , على أمر حاصل أو غير حاصل بأنّ أو أحد أخواتها.
مثال الأمر الحاصل / أن يقول إن كنت حاملاً فأنت طالق ووجدنا في الواقع أنها حامل فهو ترتيب على أمر حاصل.
مثال الذي لم يحصل / أن يقول إن دخلت الدار فأنت طالق , وهي لم تدخل الدار.
* * مسألة / التعليق ينقسم إلى قسمين: -
القسم الأول: أن يحلف بالتعليق وهو كاره لوقوع الطلاق فحكم هذه المسألة بالإجماع حكم الحلف بالطلاق , وما هو حكم الحلف بالطلاق؟ تقدم معنا قريباً. وبعض الناس إذا سمع هذا الإجماع تشكل عليه المسألة ويظن أنه حكاية إجماع أنه يمين. وهذا خطأ هو حكاية الإجماع إنما هي على أنّ حكم الحلف بالطلاق ثم ينظر بعد ذلك في حكم الحلف بالطلاق على الخلاف الذي سبق معنا.
الصورة الثانية: أن يعلق بالشرط مريداً إيقاع الطلاق , كأن يقول إن خرجت الشمس فأنت طالق إن قدم زيد فأنت طالق فالحكم في هذه المسألة أنّ الطلاق يقع عند وجود الشرط عند الأئمة الأربعة والفقهاء جميعاً وحكي إجماعاً.


والقول الثاني: للظاهرية أنّ هذا لاغٍ ولا حكم له , لأنّ الطلاق لا يكون بالتعليق عندهم. وهو قول شاذ مخالف لفتاوى الصحابة ومخالف لأصول الشرع وكون الآيات والأحاديث ليس فيها تصحيح الطلاق إذا علق بشرط هذا لا يعني أنه لا يقع ولا يصح. ولا أدري كيف يتجرأ على مثل هذا مع وجود الفتاوى الصريحة عن عدد كبير من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -.
يقول الشيخ - رحمه الله - (لا يصح من إلاّ من زوج)
لا يصح التعليق إلاّ من زوج , فغير الزوج لا قيمة لتعليقه فإذا قال الإنسان إذا تزوجتك ودخلت الدار فأنت طالق , ثم تزوجها ودخلت الدار فلا عبرة بكلامه السابق , والدليل على هذا من وجهين: -
الأول: إجماع الصحابة فإنهم أجمعوا على أنّ الإنسان قبل أن يتزوج إذا علقّ فلا قيمة لتعليقه.
الدليل الثاني: الحديث تقدم معنا (إنما الطلاق لمن أخذ بالساق) وقوله - صلى الله عليه وسلم - (لا طلاق لإبن آدم فيما لا يملك) فهذه النصوص كلها تدلّ على أنّ هذا الطلاق لا يصح.
القول الثاني: أنه يصح فإذا تزوجها ثم دخلت الدار طلقت وعللوا هذا بأنه علق ووجد المعلقّ عليه في حال النكاح فصح , وهذا أشبه ما يكون بمذاهب التلفيق بين الأقوال ,لأنه علقّ صحيح ووجد التعليق في زمن الطلاق صحيح ,لكن تعليقه في حال لا يملك هذا التعليق ثم هذا القول من عجائب الأقوال لأنّه يخالف إجماع الصحابة , وأنا في الحقيقة اعتبر أنه أيّ قول مخالف لإجماع محكي عن الصحابة فيه جرأة كبيرة مهما كان القائل به.
قال - رحمه الله - (فإذا علقه بشرط لم تطلق قبله , ولو قال عجلته)
إذا علقّه بشرط فإنّ هذا التعليق يظل صحيحاً ولا يملك تعجيله , معنى التعجيل/ هو إلغاء الشرط وايقاع الطلاق حالاً ,هذا هو التعجيل فالزوج إذا علقّ لا يملك التعجيل وإلغاء الشرط , لأنه عقد خرج منه فثبت حكمه.


ثمرة المسألة / ما هي ثمرة المسألة؟ لو قال الزوج إذا لم تسمحوا لي بتعجيل الشرط أطلّق طلاقاً مبتدأً أليس كذلك؟ فهل هذا الخلاف تحصيل حاصل أو له ثمرة؟ له ثمرة ثمرته أنه لو قال هذا الكلام وطلقّ فإنه إذا وجد الشرط فإنها تطلق ثانية , لأنّ الشرط يبقى موجوداً مادام لم يَنحَلّ بحنث أو براءة منه , والصحيح أنه لا يَنحَلّ , ومن الفقهاء من قال يَنحَلّ , فإذا قال عجلت الطلاق المعلقّ وقع ولا يقع إذا وجد الشرط بعد ذلك , لكن الصواب أنه لا يقع , وهذه المسألة مبنية على مسألة أخرى وهي هل يملك الزوج أن يلغي الشرط؟
هذه المسألة التي معنا مبنية على المسألة التي ذكرت , والمسألة التي ذكرت فيها خلاف.
فذهب الأئمة الأربعة والجماهير: إلى أنّ الشرط لا يمكن أن يلغى.
القول الثاني: وهو مذهب لبعض الحنابلة من المتأخرين , أنه يمكن إلغاء الشرط فإنّ الإنسان يمكن أن يلغي العقد الذي عقده بنفسه ونسب هذا القول لشيخ الإسلام , وأنا أرى أنّ هذه نسبة غير صحيحة , إنما الشيخ يصحح الرجوع في الشرط المعلقّ , [وين مرّ علينا وقلنا هناك الفرق] في الخلع انتصر الشيخ للإنسان بإمكانه أن يرجع عن الشرط المعلقّ بالخلع وذكرنا هناك الفارق الدقيق الذي كره شيخ الإسلام وهو فارق جميل وذكرت هناك أنّ الشيخ يفرقّ بين هذا التعليق وبين التعليق المجرد وهو الذي معنا الآن , وأما هنا فإنه لا يقول بالرجوع كما أنه ظاهر فتاوى الصحابة أنهم لا يقولون بالرجوع لأنه لو أمكن الرجوع لحلّت المسألة برجوع الزوج وفسخ التعليق , لكنا لا نراهم يحلّون المسألة بهذه الطريق فعلمنا أنهم يرون أنّ التعليق لازم. على كل حال الراجح إن شاء الله أنه لا يستطيع فسخ الشرط.
قال - رحمه الله - (وإن قال: سبق لساني بالشرط ولم أرده وقع في الحال)
إذا قال أنت طالق إن دخلت الدار , ثم قال قولي إن دخلت الدار سبق لسان , وأنا أردت أن أطلّق فكلامه مقبول للتعليل السابق وهو أنه مقرّ على نفسه بما هو أغلظ عليه. فقبل في حقه لأنّ الإقرار إذا كان فيه حق زائد على المقرّ فإنه يقبل.
قال - رحمه الله - (وإن قال: أنت طالق , وقال: أردت إن قمت لم يقبل حكماً)


لم يقبل حكماً إذا قال أنت طالق ثم قال أنا أردت إن قمت فإنه يقبل تديّناً ولا يقبل حكماً لأنه يدعي خلاف لفظه , ولو فتح هذا الباب لأمكن لكل إنسان إذا جاء مجلس القضاء لقال أردت بكلامي ذاك كذا , حتى لو اعترف بدين عليه لقال أردت بالاعتراف كذا وكذا فإذا في مجلس الحكم دعوى إرادة غير ظاهر اللفظ غير مقبولة , لكن تديُّناً يقبل وتقدم معنا تدينا معناه ماذا يعني فيما بينه وبين الله؟
فإذا صدقته الزوجة وبقي على نكاحهما فهو صحيح.
قال - رحمه الله - (وأدوات الشرط: إن , وإذا , ومتى , وأيُّ , ومن , وكلما)
يعني وأدوات الشرط سِت: فإنه ذكر سِت ومقصوده بهذه السِت يعني التي تستعمل غالباً , وإلاّ لا شك يوجد أدوات أخرى غير هذه السِت. منها ما ذكره المؤلف لأنه قال بعد ذلك (وكلها , ومهما) فأضاف واحدة هو, إذا قيل لك لماذا ذكر هذه السِت فقط؟ فالجواب لأنها هي التي تستعمل غالباً.
يقول الشيخ - رحمه الله - (وكلما وهي وحدها للتكرار , وكلها , ومهما , بلا لم أو نية فور أو قرينة للترخي ومع لم للفور إلاّ إن مع عدم نية فور أو قرينة)
في الحقيقة الشيخ خلط الأمور وأدخل بعضها في بعض من غير ترتيب مريح للطالب , نحن نقول في هذه المسائل الشيخ يتحدث عن ثلاث مسائل: - التكرار , والفور , والتراخي.
فنقول بعبارة أسهل جميع هذه الأدوات لا تفيد التكرار إلاّ (كلما) كل هذه الأدوات لا تفيد التكرار إلاّ ماذا؟ إلاّ (كلما) وكل هذه الأدوات تفيد التراخي بلا لم أو نيته أو قرينته. الثالث. كل هذه الأدوات تفيد الفور مع لم إلاّ (إن) كل هذه الألفاظ تفيد الفور مع نيته أو قرينته. إذا أربع عناصر ترّتب هذه القضايا التي يعني ذكرها الشيخ.
العنصر الأول: كلها لا تفيد التكرار إلاّ (كلما)
العنصر الثاني: كلها تفيد التراخي بلا لم أو نية الفورية أو قرينته.
العنصر الثالث: كلها مع لم تفيد الفور إلاّ (إن)
العنصر الأخير: كلها تفيد الفور مع نيته أو قرينته. الآن عرفنا الأربع عناصر نأتي إلى كل واحد منها: -
* ليس شيء من هذه الأدوات يفيد التكرار إلاّ (كلما) لأنّ كلما في لغة العرب تفيد هذا المعنى بخلاف باقي الأدوات فإنها لم تأتي في لغة العرب لإفادة التكرار.


* وكلها مع لم تفيد الفور إلاّ (إن) لماذا؟ قالوا لأنّ إن لا يفيد الوقت أصلاً. فلم وغير لم لا تؤثر عليه شيئاً.
* كلها تفيد الفور مع نيته أو قرينته. هذا معلوم فإذا تكلم بهذه الأدوات ناوياً الفور أو أتى بقرينة تفيد الفور فإنها كلها تفيد الفور حتى) إن) هذا إذا معنى قول الشيخ (وكلما وهي حدها للتكرار , وكلها ومهما بلا لم أو نية فور ..................... ) الخ
فقوله (وكلما وهي وحدها للتكرار) يعني أنّ كلما وحدها للتكرار , والباقي ليست للتكرار.
ثم - قال رحمه الله - (وكلها) يعني مع (مهما) بلا لم أو نية الفور أو قرينته للتراخي إذا الأصل في هذه الأدوات أنها للتراخي أو للفور؟
الأصل للتراخي , ولا تفيد الفور إلاّ بأحد ثلاث قرائن. (لم) , (نية الفور) , (قرينة الفور)
هذا عدا ماذا؟ عدا (إن) في لم , فإن لا تفيد الفور ولو دخلت عليها لم.
سيعيد المؤلف بيان هذه الأشياء بالأمثلة , فإنّ الخمس مسائل التالية كلها تدور حول هذا المعنى.
قال - رحمه الله - (فإذا قال: إن قمت , أو إذا , أو متى , أو أيُّ وقت , أو من قامت , أوكلما قمت فأنت طالق فمتى وجدت طلقت)
هذا تأكيد لمعنى التراخي , كأنه يقول أنّ هذه الألفاظ تفيد التراخي من حيث الأصل , فإذا قال إن قمت فإنها متى قامت في أيِّ وقت من الأوقات فإنها ماذا؟ تعتبر طالق ولا يتقيد بوقته الذي قال فيه هذا التعليق. إذا هذا معنى أنها للتراخي ولذلك يقول الشيخ - رحمه الله - (فمتى وجدت طلقت) يعني أنها للتراخي.
قال - رحمه الله - (وإن تكرر الشرط لم يتكرر الحِنثُ إلاّ في كلما)
التكرار معناه وجود طلاق كلما وجدت الصفة , فالتكرار يصح في حق (كلما) ولا يصح في حق الأخريات , فإذا قال إن قمت فأنت طالق فقامت , ثم جلست وقامت تطلق الثانية؟ ولماذا؟ لأنه لا يفيد التكرار.
لكن إن قال لها كلما قمت فأنت طالق , فقامت ثم قعدت , ثم قامت ثم قعدت , ثم قامت , كم طلقت؟ ثلاث. إذا عرفنا الآن معنى أنها تفيد التكرار وما معنى أنها لا تفيد.
قال - رحمه الله - (وإن لم أطلقك فأنت طالق ولم ينوِ وقتا , ولم تقم قرينة بفور , ولم يطلقها طلقت في آخر حياة أوَّلِهمَا موتاً)


يريد المؤلف أن يبيّن أنّ (إن) إذا دخل عليها لم لا تفيد الفور , فيقول وإن لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتاً ................. الخ
إذا قال الرجل إن لم أطلقك فأنت طالق. فإنّ هذه العبارة تفيد تعليق الطلاق على عدم الطلاق أليس كذلك؟ وعدم الطلاق لا يتحقق إلاّ إذا بقي من حياة أحدهما ما لا يتسع لإيقاع الطلاق , حينئذ تحقق أنه لم يطلق قبل هذا لم يتحقق لأنه بالإمكان أن يطلق فيما بعد.
هذه العبارة تفيد أنه إذا علق الطلاق على عدم الطلاق فإنها لا تطلق إلاّ في آخر جزء من حياته , ويشترط في هذا الجزء أن يتسع ولا أن لا يتسع لوقوع الطلاق؟ أن لا يتسع. فإن اتسع لم تطلق. على هذا إذا استخدم هذه اللفظة يحتاج المرأة وأهلها إلى فقيه ليشرح لهم متى تطلق ومتى لا تطلق. وهذا الحقيقة من التلاعب , يعني لو استخدمه الإنسان لا هو ولا المسائل السابقة لأنه في الحقيقة يعتبر من التلاعب الذي ينبغي أن يؤدب , إن أراد أن يطلق فليطلق بقوله أنت طالق.
قال - رحمه الله - (ومتى لم , وإذا لم , أو أيُّ وقت لم أطلقك فأنت طالق ومضى زمن يمكن إيقاعه فيه ولم يفعل طلقت)
إذا قال لها متى لم أطلقك فأنت طالق , الآن دخل على أداة الشرط متى حرف (لم) ولم إذا دخلت على هذه الأدوات تفيد ماذا؟ الفور فإن لم يطلق فوراً , والمقصود بفوراً يعني بعد مضي وقت يمكن أن يطلق فيه , إن لم يطلق طلقت. لماذا؟ لأنها تفيد الفور وهو لم يطلق إذا طلقت , فقد علق الطلاق على عدم التطليق , والتطليق الصفة المعلق عليها يجب أن توجد فوراً , فإذا لم توجد فإنها تطلق. إذا قال لزوجته متى لم أطلقك طلقت , هل يستطيع أن لا يطلق؟ لا يستطيع لماذا؟ لأنه إن طلق فقد طلق أليس كذلك؟ معلوم هذا وإن لم يطلق وجد الشرط فطلقت , فإذا بمجرد ما يقول هذه العبارة نعلم أنّ الزوجة بكل حال طالق.
قال - رحمه الله - (وكلما لم أطلقك فأنت طالق ومضى وما يمكن إيقاع ثلاث مرتبة فيه)
إذا قال كلما لم أطلقك فأنت طالق , فإنّا أخذنا أنّ كلما تفيد ماذا؟ التكرار. كلما وجد زمن لم يطلق فهي طالق ثم إذا وجد زمن آخر لم يطلق فهي طالق , فإذا وجد زمن ثالث لم يطلق فيه فهي طالق بالثلاث , أليس كذلك؟ كلما وجد الشرط وجد التطليق.


إذا ما هو الحل لمثل هذا حتى لا تقع الثلاث على زوجته؟ هل يمكن له أن يتجنب إيقاع الثلاث؟ وهل يمكن له أن يتجنب إيقاع الواحدة؟ كيف يمكنه أن يتجنب إيقاع الثلاث؟ أن يطلق لماذا؟ لأنه يكون بَرَّ بيمينه وانتهى الشرط. لكن إذا لم يطلق طلقت الثانية ثم الثالثة ثم انتهى العدد.
يقول الشيخ - رحمه الله - (طلقت المدخول بها ثلاثاً وتبين غيرها بالأولى)
يعني أنّ إيقاع الثلاث في هذه العبارة كلما لم أطلقك فأنت طالق , إنما يكون في حق المدخول بها , لأنّ غير المدخول بها تبين وتصبح أجنبية بالطلقة الأولى لأنه لا عدة عليها فلا تلحقها الطلاقات الثانية والثالثة. وهذا أمر واضح.
ثم - قال رحمه الله - (وإن قمت فقعدت , أو ثم قعدت , أو إن قعدت إذا قمت , أو إن قعدت إن قمت فأنت طالق لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد)
إذا قال لها إن قمت فقعدت أو قال لها إن قمت ثم قعدت , لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد ,
وتعليل ذلك: أنّ الطلاق هنا معلقّ على شرطين مرتَّبَين فلا تطلق إلاّ بوجود الشرطين وأيضاً مرتَّبَين , فلو أنها قعدت ثم قامت فإنها لم تطلق , لأنه رتبّ وقال لا بد أن تقوم ثم تقعد, وهذا أمر واضح.
أما ما يتعلقّ بقوله (إن قعدت إذا قمت) وقوله (إن قعدت إن قمت)
فهذا يعود إلى قاعدة معروفة , وهي أنه إذا رتبّ الحكم على شرطين فالثاني لفظاً هو الأول في المعنى , لماذا؟ لأنّ الشرط الثاني شرط في الأول والشرط يتقدم المشروط وترجع المسألة إلى حكم المسألة السابقة لأنه إذا قال (إن قعدت إذا قمت) فلابد أيضاً أن تقوم ثم تقعد
ثم - قال رحمه الله - (وبالواو تطلق بوجودهما ولو غير مرتّبين , وبأَو بوجود أحدهما)
إذا قال إن قمت وقعدت , فلا تطلق إلاّ بوجودهما لماذا؟ لأنه رتبّ الطلاق على هذين الشرطين , لكن لا يشترط الآن الترتيب لأنّ الواو تقتضي مُطلَق الجمع لا تقتضي الترتيب.
أخيراً يقول (وبأو بوجود أحدهما) إذا قال إن قمت أو قعدت فأيُّ من العملين وجد فإنّ الطلاق يوجد لأنه علقّه على وجود أحدهما فوجد الطلاق بوجود أحدهما.
بهذا يكون انتهى.


الدرس: (5) من الطلاق

قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(فصل)
مازال المؤلف - رحمه الله - في الكلام عن التعليق , وهذا الفصل يتعلق بتعليق الطلاق على صفة الحيض.
يقول الشيخ الماتن - رحمه الله - (إذا قال: إن حضت فأنت طالق , طلقت بأولّ حيض متيقَّنٍ)
إذا قال إن حضت فأنت طالق فإنها بمجرد ما تحيض فإنها تطلق , لكن يجب أن تحيض حيضة نعلم أنها حيضة وذلك بخروج الدم المتيّقن أنه حيض , فإذا خرج هذا الدم فقد حاضت وإذا حاضت فقد طلقت.
هذه الصورة الأولى.
الثانية" يقول - رحمه الله - (وإذا حضت حيضة تطلق بأوّل الطهر من حيضة كاملة)
إذا قال لها إذا حضت حيضة فإنها تطلق بحيضة كاملة , وذلك بأن تحيض حيضة كاملة ثم تطهر فإذا طهرت فإنها تطلق وعلم من هذا أنه لو قال لها إن حضت حيضة فأنت طالق قال لها هذا الكلام أثناء الحيض فإنّا ننتظر إلى أن تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم تطلق , لأنّ هذا الشخص قال إذا حضت حيضة , والحيضة الكاملة لا تكون إلاّ من بدأ نزول الحيض الدم إلى الطهر وجفاف المرأة.
* * مسألة / وهل يشترط مع ذلك أن تغتسل؟ أو بمجرد توقف الدم وانتهاء الحيض تطلق , فيه خلاف.
والأقرب والله أعلم المتوافق مع فتاوى الصحابة في مسائل أخرى أنها لا بد أن تغتسل , بناء على هذا فإذا طهرت واغتسلت طلقت وتبيّن معنا أنّ الفرق بين العبارتين أنه في الأولى قال: (إن حضت) , بينما في الثانية قال (إن حضت حيضة)
الصورة الثالثة" يقول - رحمه الله - (وفي إذا حضت نصف حيضة تطلق في نصف عادتها)
إذا قال لها إذا حضت نصف حيضة طلقت فإنها تطلق في نصف العادة , ويعلم نصف العادة بعد انقضاء العادة فإذا حاضت لمدة ستة أيام ثم طهرت علمنا أنها طلقت بعد مضي ثلاثة أيام وإذا حاضت لمدة أربعة أيام علمنا أنها طلقت بعد مضي أربعة أيام , ومن هنا علمنا أنه لا يمكن أن نعرف المنتصف إلاّ إذا اكتملت العادة فإذا اكتملت علمنا متى وقع الطلاق عليها.

(فصل)
هذا الفصل يتحدث عن تعليق الطلاق على الحمل.
فيقول المؤلف - رحمه الله - (إذا علقه بالحمل فولدت لأقل من ستة أشهر طلقت منذ حلف)


إذا علقّه بالحمل يعني قال لها إن كنت حاملاً فأنت طالق , فإنها إذا ولدت لأقل من ستة أشهر علمنا أنه من حين قال هذا القول طلقت لأنّا علمنا بهذه الولادة أنها كانت حامل لمّا قال لها هذا الكلام فإذا تطلق إذا ولدت لأقل من ستة أشهر , فإذا ولدت لأكثر من ستة أشهر لم تطلق , لأنّا علمنا أنه حين علقّ الطلاق لم تكن حاملاً بل كانت حائلاً , وفي وقتنا هذا إذا علقّ الطلاق بالحمل , فإنها يجب أن تكشف لأنه لا يمكن أن تعلم هل هي حامل أو لا وتبعاً لذلك هل هي مطلقة أو لا إلاّ بالكشف , ومالا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب وكونها تعلم هل هي مطلقة أو ليست بمطلقة هذا واجب , لما يترتب على كونها مطلقة من آثار كثيرة.
ثم - قال رحمه الله - (وإن قال: إن لم تكوني حاملاً فأنت طالق حرم وطؤها قبل استبرائها بحيضة في البائن)
هذه المسألة عكس المسألة السابقة , يقول لها إن لم تكوني حاملاً فأنت طالق , فالمؤلف يريد أن يبيّن حكماً قبل أن يبيّن هل تطلق أو لا وهذا الحكم هو أنه إذا قال لها إن لم تكوني حاملاً فأنت طالق فإنه يجب عليه أن يمسك عن الوطء إلى أن يتبيّن هل هي حامل أو حائل ويتبيّن ذلك باستبرائها بحيضة , وجه تحريم الوطء في هذه المدة أنها ربما تكون حامل فتطلق , والتي تطلق وهي بائن تكون أجنبية ولا يجوز له أن يطأها , ولهذا قيّد المؤلف الحكم بقوله بحيضة في البائن , يعني في المرأة التي تكون هذه الطلقة في حقها بائن , علمنا من تقييد المؤلف أنها إذا كانت رجعية لا يحرم عليه أن يطأ ولو لم يستبن الأمر لأنّ الرجعية يجوز للزوج أن يطأها.
القول الثاني: أنها وإن كانت رجعية لا يجوز له أن يطأ ولو كانت رجعية , وعلل أصحاب هذا القول مذهبهم. بأنّ الوطء في هذه الحالة يفوّت العلم بكونها مطلقة أو ليست بمطلقة , فالمأخذ عند هؤلاء يختلف عن المأخذ السابق.
وهو قضية هل يجوز أن يطأ أو لا يجوز أن يطأ. وهذا القول الثاني هو الصحيح , بناء عليه إذا قال لها إن لم تكوني حاملاً فأنت طالق فإنه يجب أن يعتزلها إلى أن يتبيّن هل هي حامل أو حائل.
ثم - قال رحمه الله - (وهي عكس الأولى في الأحكام)


يعني أنه في الصورة الثانية في الصور التي يقع فيها الطلاق في المسألة الأولى لا يقع فيها الطلاق في المسألة الثانية , بمعنى أنها إذا ولدت لأكثر من أربع سنين فإنها تطلق , لماذا؟ لأنّا علمنا أنه لما علقّ الأمر على كونها ليست حاملاً لم تكن حاملاً فطلقت.
إذا هو يقول إن لم تكوني حاملاً فأنت طالق , فعلقّ الطلاق على وجود الحمل أو على عدم وجود الحمل , يعني إذا لم يكن الحمل موجوداً فهي طالق , وإذا ولدت لأكثر من أربع سنين تبيّنا أنه حين تكلم بهذا لم تكن حاملاً , لأنّ أكثر مدة الحمل أربع سنين , فإذا تكون طالقاً في هذه الحال.
قال - رحمه الله - (وإن علقّ طلقة إن كانت حاملاً بذكر , وطلقتين بأنثى فولدتهما طلقت ثلاثاً)
يقول الشيخ. وإن علقّ طلقة إن كنت حاملاً بذكر وطلقتين بأنثى فولدتهما طلقت ثلاثاً , لماذا؟ لأنه تبيّن أنها كانت حاملاً بذكر وأنثى وهذا الحكم بلا نزاع عند الحنابلة , لأنّ الصفة المعلقّ عليها الطلاق وجدت , فوجد الحكم كاملاً وهو الطلاق ثلاثاً.
فإن ولدت ذكرين , فهل تطلق واحدة أو طلقتين؟ هو يقو علقّ طلقة فقال إن كنت حاملاً بذكر فتطلقين طلقة وبأنثى فتطلقين طلقتين فهي الآن حامل بذكرين. تطلق طلقة واحدة , بل إنّ المرداوي يقول عن القول بأنها تطلق طلقتين أنه بعيد جداً وضعيف.
وفي الحقيقة هذا الرجل بئسما كافأ زوجته به , كافأها بالطلاق إن كانت حاملاً بذكر وإن كانت حاملاً بأنثى.
قال - رحمه الله - (وإن كان مكانه إن كان حملك أو ما في بطنك لم تطلق بِهِمَا)
معنى قول المؤلف وإن كان مكانه إن كان حملك , يعني وإن كان بدل العبارة الأولى العبارة الثانية فتكون العبارة إن كان حملك ذكراً طلقت طلقة , وإن كان حملك أنثى طلقت طلقتين ثم تبيّن أنها حامل بذكر وأنثى , فإنها لا تطلق لا واحدة ولا ثنتين ولا يقع بهذا شيء:


التعليل: أنه قال إن كان حملك بذكر وهي الآن حملها ليس بذكر , وإنما بذكر وأنثى , وليس حملها بأنثى لأنها حامل بذكر وأنثى إذا الشرط لم يوجد , ففي هذه الحالة إذا حملت بتوأم , فإنها تتخلص من الطلاق , هذا إذا استخدم عبارة إن كان حملك , فإنه اشترط أن يكون كل الحمل ذكر أو كل الحمل أنثى , والآن ليس كل الحمل ذكر بل ذكر وأنثى.
فصل
قال - رحمه الله - (إذا علقّ طلقة على الولادة بذكر وطلقتين بأنثى فولدت ذكراً ثم أنثى حياً أو ميتاً طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق به)
المسائل الأولى فيها تعليق على الحمل وهنا على الولادة , يعني بغضّ النظر عن الحمل فهو الآن علقّ الحكم على الولادة. يقول لامرأته إذا ولدت ذكراً فأنت طالق طلقة وإذا ولدت أنثى فأنت طالق طلقتين , فولدت ذكراً ثم أنثى حياً أو ميتاً طلقت بالأولى وبانت بالثاني ولم تطلق به.
ما معنى هذه العبارة؟
إذا قال لها إن كنت ولدت ذكر فأنت طالق طلقة , وإن ولدت أنثى فأنت طالق طلقتين , فولدت ذكر ثم أنثى حينئذ إذا ولدت الذكر الأول طلقت , لأنّ الصفة وجدت وأصبحت معتدة , لكن في بطنها الأنثى فإذا يصدق عليها أنها حامل والحامل تنتهي عدتها بأن تضع الحمل , فإذا وضعت الحمل الثاني الذي في بطنها أصبحت بائنة ولم تقع عليها الطلقة الثانية.
ربما يكون بين خروج الطفل الأول وخروج الطفل الثاني دقائق , ومع ذلك تنتهي العدة , فإذا إذا استخدم هذه العبارة فإنها تقع عليها الطلقة الأولى فقط. ولا تقع عليها الثانية لأنها خرجت عن العدة.
ففي المثال الذي ذكره المؤلف إذا ولدت أنثى ثم بعد ساعة ولدت ذكراً , فكم طلقت؟ طلقتين. لأنه يقول إن ولدت أنثى فأنت طالق طلقتين هي ولدت الأنثى فوقعت الطلقتان ثم لما ولدت الذكر خرجت من العدة فصارت بائنة أجنبية فلم تقع عليها طلقة الذكر , بينما إذا ولدت الذكر أولاً طلقة واحدة.
هذا الكلام في الولادة الطبيعية وهي الموجودة في عصر المؤلف , في الولادة القيصرية هل يختلف الحكم بأنّ الطبيب يخرج الذكر أو يخرج الأنثى أولاً , أو لا يختلف وهذه ليست ولادة؟


الآن الناس يقولون ولدت المرأة أليس كذلك , ثم يسأل المتكلم هل ولدت ولادة طبيعية أو ولدت ولادة غير طبيعية؟ إذا الولادة غير الطبيعية أيضاً ولادة. فلذلك نقول ينبغي أن يكون الطبيب يعني نبيه وأن يخرج الذكر أو الأنثى؟ الذكر حتى تتخلص المرأة من الطلقة الثانية. وهذا صحيح إن فعل وعلقّ هذا التعليق فيجب أن ينبه الطبيب أن يخرج الذكر حتى تقع عليها طلقة واحدة.
إذا لماذا لا تطلق الطلقة الثانية في مثال المؤلف؟
لأنّ الطلقة الثانية وقعت على امرأة بائن. ما وجه أنها بائن؟ لأنها خرجت عن العدة بالولادة الثانية ولا الأولى؟ بالولادة الثانية. بينما بالولادة الأولى وقعت الطلقة. إذا هذا معنى قول الشيخ (إذا علقّ طلقة على الولادة ................... الخ) ولا حظ أنّ الشيخ قال طلقت بالأول لأنه ربما يكون الأول ذكر وربما يكون الأول أنثى.
وقال ثم أنثى حياً أو ميتاً لأنه إذا خرج الطفل حياً أو خرج الطفل ميتاً فإنه يصدق عليه أنها ولادة ولذلك يقولون ولدت مولوداً ميتاً.
قال - رحمه الله - (وإن أشكل كيفية وضعِهِمَا فواحدة)
إذا أشكل فلم نعرف هل وضعتهما معاً , أو وضعتهما متفرقين فإنه لا يقع إلاّ واحدة , والسبب أنّ الثانية مشكوك فيها , والأصل هو عدم وقوع الطلاق , لكن كيف يكون الإشكال! هم يقولون بأن لا تعلم هل وضعتهما جميعاً أو وضعتهما واحدًا بعد الآخر.
هل يمكن أن تضعهما جميعاً , بأن ننسى هذه صورة. ومن أبرز الصور أن لا نعرف أيهما الأول هل هو الذكر فتكون طلقة أو الأنثى فتكون طلقتين. إذا هذا هو الإشكال , أن لا نعرف أيهما الأول أو أن ننسى. لأنه عند النسيان أيضاً يقع الإشكال.

فصل
قول الشيخ - رحمه الله - فصل يعني في تعليق الطلاق على الطلاق.
قال - رحمه الله - (إذا علقه على الطلاق ثم علقه على القيام , أو علقه على القيام ثم على وقوع الطلاق , فقامت , طلقت طلقتين فيهما)


بأن قال , في هذه الصورة يقول إن علقه على الطلاق ثم علقه على القيام , يعني قال إن طلقتك فأنت طالق ثم قال بعد ذلك إن قمت فأنت طالق , فإذا قامت ماذا يحصل؟ يقع عليها الطلاق ثم إذا وقع عليها الطلاق صدق عليها الشرط الثاني فوقعت عليها الطلقة الثانية ولهذا يقول في ختام العبارة فقامت طلقت طلقتين فيهما.
الصورة الثانية" العكس يقول أو علقه على القيام ثم على وقوع الطلاق نفس الشيء , يعني قال إن قمت فأنت طالق ثم قال ماذا؟ إن طلقتك فأنت طالق ثم قامت , فلما قامت وقع الطلاق فلما وقع الطلاق وقع الشرط الثاني فطلقت طلقتين , هو لو قال من الأول أنت طالق طلقتين انتهينا. لكن ربما أراد أن لا تقوم أو أن لا تذهب أو نحو ذلك.
قال - رحمه الله - (وإن علقه على قيامها ثم على طلاقه لها فقامت فواحدة)
رجل قال لزوجته إن قمت فأنت طالق , وإن طلقتك فأنت طالق ثم قامت فكم تطلق؟ واحدة. لماذا؟ لأنه أراد بالطلقة الثانية أن يوقع طلقة مرادة جديدة , يعني أن يستأنف ويبتدأ بطلقة جديدة , فهو الآن هي لما قامت طلقت , لكن هذا الطلاق ليس طلاقاً مبتدأً مستأنفاً وإنما طلاقاً معلقاً , ولهذا لا تقع به إلاّ واحدة. عرفنا إذا الفرق بين العبارتين.
هو يقول إن قمت فأنت طالق وإن طلقتك فأنت طالق , ثم قامت فإنه لايقع عليها إلاّ واحدة , لماذا؟ لأنّ قوله وإن طلقتك يريد طلاقاً جديداً مبتدأً أراد إيقاعه من جديد. وهذا الطلاق الذي حصل بالقيام ليس طلاقاً جديداً مبتدأً وإنما طلاقاً بسبب التعليق.
إذا متى تطلق طلقتين؟ يعني ماذا يقول إذا قامت طلقت ثم لما طلقت قال لها أنت طالق فكم صارت الآن؟
لأنّ الثاني لم يقع فإذا قال لها هذه العبارة ثم قامت طلقت ثم قال لها أنت طالق طلقت فصارت المجموع كم؟
الآن هي جالسة. قال لها إن قمت فأنت طالق وإن طلقتك فأنت طالق؟ قامت طلقت الأولى , إن سكت كم يقع بهذا , هو لم يسكت وإنما قال أنت طالق فطلقت بهذا الطلاق المبتدأ , وهو قال لها إن طلقتك فأنت طالق صارت كم؟ ثلاث.


إذا إنما يقع الطلاق المعلق الثاني إذا طلقّ طلاقاً مبتدأً مراداً جديداً , أما إذا سكت فإنه واحدة , ولذا في هذه العبارة ينبغي على الزوج أن يحذر لأنه ربما يظن أنه سيقع طلقتان والواقع أنه إذا طلق ثانية وقد استخدم هذه العبارة فسيتنفذ الثلاث فعليه أن يحذر إذا كان من الذين يرون وقوع الطلاق الثلاث.
قال - رحمه الله - (وإن قال: كلما طلقتك أو كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق فوجدا طلقت في الأولى طلقتين وفي الثانية ثلاثاً)
إذا عندنا مسألتان: -
يقول وإن قال كلما طلقتك أو كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق فوجدا طلقت ................ الخ
المسألة الأولى: أن يقول كلما طلقتك فأنت طالق , ففي هذه المسألة يقول المؤلف الشيخ أنها تقع عليها طلقتين. لأنّ الأولى ابتدائية
والثانية بسبب وجود ماذا؟ الشرط فإذا قال لها أنت طالق فقد طلقت الأولى ووقع الشرط فطلقت الثانية.
الثانية" يقول وفي الثانية ثلاثاً , وهي قول المؤلف كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق , ثم قال لها أنت طالق , حينئذ طلقت الأولى بهذا الطلاق المبتدأ ثم تطلق الثانية لأنه قال لها كلما وقع عليك طلاقي ثم تطلق الثالثة لأنّ المرأة وقع عليها الطلاق الثاني فإذا وقع عليها الطلاق الثاني تطلق للمرة الثالثة.
إذا هناك فرق بين أن يقول كلما طلقتك وبين أن يقول كلما وقع عليك طلاقي.
إذا انتهينا من تعليقه بالطلاق ننتقل إلى الفصل الذي بعده.

فصل
هذا الفصل فصل في الحلف في الطلاق والحلف بالطلاق هو / تعليق الطلاق على شرط يقصد منه الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب
فإذا كان هذا قصده فهذا يسمى حلف بالطلاق , وتقدم معنا أنّ هذه المسألة وهو الحلف بالطلاق مسألة مهمة وتقدم معنا ذكر الخلاف
فيها. يقول الشيخ - رحمه الله - (إذا قال: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق , ثم قال: أنت طالق إن قمت طلقت في الحال) لماذا؟
لأنه علقّ الطلاق على الحلف وقد وجد الحلف , وتطلق مرة أو مرتين؟ الآن يقول إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال لها أنت طالق إن قمت , فتطلق مرة أو مرتين؟ الآن الطلاق مرتب على شرط ما هو الشرط؟ الحلف بالطلاق هو الآن حلف بالطلاق فقال:


أنت طالق إن قمت! يقول الشيخ وقع الطلاق في الحال بمجرد ما ينطق هذه الكلمة يقع الطلاق يقع واحدة أو ثنتين؟ واحدة إن لم تقم فإذا قال لها إن قمت فأنت طالق ولم تقم , تطلق طلقة واحدة لتحقق الشرط وهو الحلف بالطلاق , فإن قامت طلقت ثانية. إذا قول الشيخ هنا طلقت يعني واحدة , لأنه هو يتكلم عن مسألة تعليق الطلاق على الحلف بالطلاق.
إذا مرة أخرى إذا قال الرجل إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال أنت طالق إن قمت فهو الآن حلف بطلاقها فتحقق الشرط فوقع ماذا؟ الطلاق. فإن قامت طلقت طلقة ثانية.
وأنا نبهت يا إخواني مراراً على أننا نحن نتحدث هنا عن مسائل مبينة على أقوال سبقت مناقشتها , فمثلاً وقوع الطلاق على الرجعية تقدم معنا الخلاف فيه , وقوع الطلاق الثلاث تقدم معنا الخلاف فيه , وقوع الطلاق على الحائض تقدم معنا الخلاف فيه.
لكن نحن نريد تقرير كلام المؤلف كل مسألة فيها طلقتين غير صحيحة , ما تطلق المرأة في الطهر الواحد إلاّ طلقة واحدة.
قال - رحمه الله - (لا إن علقه بطلوع الشمس ونحوه لأنه شرط لا حلف)
مقصود المؤلف. لا إن علقه على شرط مجرد فإذا علقه على شرط مجرد فإنها لا تطلق لأنه علقه على الحلف وهذا ليس بحلف , فإذا قال إن طلعت الشمس فأنت طالق فإنها لا تطلق , يعني مقصود المؤلف إذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال إن خرجت الشمس فأنت طالق ثم خرجت الشمس , تطلق أو لا تطلق؟ لا تطلق لأنّ علقه على الحلف بالطلاق والتعليق المجرد ليس بحلف.
وإن قال إن قدم زيد فأنت طالق , فهل هذا تعليق مجرد أو حلف بالطلاق؟ تعليق مجرد لأنك لا تستطيع تفهم من هذا حث ولا منع ولا تصديق ولا تكذيب. وإن قال إن ذهبت إلى أهلك فأنت طالق فهو حلف بالطلاق , وهذا الذي أراد المؤلف - رحمه الله - أن ينبه عليه وهو التفريق بين الحلف بالطلاق والتعليق المجرد.
قال - رحمه الله - (وإن حلفت بطلاقك فأنت طالق أو إن كلمتك فأنت طالق وأعاده مرة أخرى طلقت واحدة ومرتين فثنتان وثلاثاً فثلاث)


إذا قال لها إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال لها مرة أخرى إن حلفت بطلاقك فأنت طالق , طلقت لأنه بعبارته الثانية حلف بطلاقها. فإن قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق, إن حلفت بطلاقك فأنت طالق, إن حلفت بطلاقك فأنت طالق, فكم تطلق؟ طلقتين
رجل قال لزوجته إن حلفت بطلاقك فأنت طالق , إن حلفت بطلاقك فأنت طالق , إن حلفت بطلاقك فأنت طالق , فالشرط وجد كم مرة؟ مرتين. كلما وجد الشرط وجد الحكم فتطلق مرتين , إذا يحتاج ليطلقها ثلاثاً أن يعيد العبارة كم؟ أربع مرات لأنّ الأولى لا يقع بها شيء لأنها هي التي أسست التعليق.
المسألة الثانية: إذا قال إن كلمتك فأنت طالق , رجل قال لزوجته إن كلمتك فأنت طالق ثم قال لها إن كلمتك فأنت طالق ثم قال لها إن كلمتك فأنت طالق تطلق وإن قال مرة أخرى إن كلمتك فأنت طالق مرة أخرى لماذا؟ لأنه علقّ الطلاق على الكلام ووجد الكلام يستثنى في المسألتين السابقتين. ما إذا أعاد التأكيد أو للإفهام. فإنها لا تطلق. وغالب أحوال الناس أنهم يعيدون للإفهام لا للتأسيس.

فصل
هذه المسألة قريبة من المسألة السابقة.
قال - رحمه الله - (إذا قال: إن كلمتك فأنت طالق فتحققي , أو قال: تنحي , أو اسكتي , طلقت)
لماذا؟
لأنه كلّمها فهو يقول لها إن كلمتك فأنت طالق ثم قال لها تنحي , أو اخرجي , أو اذهبي , أو انصرفي , فحينئذ يقع الطلاق لأنه علق الطلاق على تكليمها وقد كلّمها , وهل يأتي معنا هنا أنه مالم ينوي الإفهام أو التأكيد؟
الحنابلة يقولون في هذه المسألة. إن كلمتك فأنت طالق اسكتي أنها تطلق مالم ينوي إفهاماً أو تأكيداً والذي يظهر لي أنّ الإفهام والتأكيد لا يتأتى في مثل هذه الصورة , لأنه كيف يؤكد إن كلمتك فأنت طالق بقوله تنحي أو اسكتي أو تحققي , لأنّ الإفهام يكون بإعادة العبارة وتأكيد معناها , فالذي يظهر لي أنه إذا قال لها إن كلمتك فأنت طالق ثم غضب وقال اسكتي أو اخرجي فإنها تطلق لأنه في الواقع كلّمها , ولو نوى التأكيد أو الإفهام لأنّ لا مجال للإفهام هنا , كيف يفهمها إن كلمتك فأنت طالق بقوله اخرجي أو اسكتي هذا
ليس بإفهام , فالذي يظهر لي أنه لا يتأتى , والله أعلم.


قال - رحمه الله - (وإن بدأتك بكلام فأنت طالق , فقالت: إن بدأتك به فعبدي حر انحلت يمينه)
إذا قال لزوجته إن بدأتك بكلام فأنت طالق , فقالت زوجته من الغضب إن كلمتك فعبدي حر فإنه لا يمكن أن يحنث هنا أبداً , لماذا؟ لأنها كلمته قبل أن يكلمها فلا يمكن أن يبدأ بكلامها , حينئذ لا يمكن أن يقع الطلاق في هذه الصورة ولهذا إذا قال الرجل لزوجته إن بدأتك بالكلام فأنت طالق وهي لا تحب الطلاق فالتصرف الذي تتصرفه هو ماذا؟ أن تبادر بتكليمه لأنها لو سكتت وبادر هو طلقت.
قال - رحمه الله - (ما لم ينو عدم البداءة في مجلس آخر)
ما لم يكن نيته بهذا الكلام أن لا يبدأ معها الكلام في أيِّ مجلس , فإن كانت هذه نيته فإنّ هذا التعليق يستمر ولابد في كل مجلس أن تبدأ هي قبله , فإن بدأ هو قبلها ماذا؟ طلقت والغالب من إرادة الناس إن بدأت بكلامك فأنت طالق هو إرادة هذا في كل مجلس ولاّ في هذا المجلس؟ الآن إذا قال الإنسان أنا لا أبدأ بكلامك يقصد الآن ولاّ دائماً؟ الذي يظهر لي أنّ مراد الناس بهذه العبارة يعني دائماً كأن يكون الشخص دائماً هو الذي يبدأ بالحديث ومقابله لا يبدأ فيلاحظ الزوج أنه هو الذي دائماً يبدأ بالحديث مع الزوجة هو الذي يثير الكلام فملّ من هذا الوضع فقال بدأتك بالكلام غير هذه المرة فأنت طالق , يريد أنها تبدأ هي بالكلام في كل مجلس , يبدوا لي أنّ هذا مقصود الناس على كل حال يرجع للنية , فإن كانت نيته في كل مجلس فإنه يجب أن تتحدث هي قبله في كل مجلس وإلاّ طلقت.

فصل
قال - رحمه الله - (إذا قال: إن خرجت بغير إذني , أو إلاّ بإذني أو حتى آذن لك , أو إن خرجت إلى غير الحماّم بغير إذني فأنت طالق)
يقول الشيخ (فخرجت مرة بإذنه ثم خرجت مرة بغير إذنه) فإنها تطلق والسبب أنّ الشرط وجد فوجد الحكم لأنها خرجت بغير إذنه وإن خرجت قبل ذلك بإذنه فإنّ الخرجة الثانية وقعت بغير إذنه فطلقت. وهذا صحيح , ومقصود المؤلف البيان أنّ الزوج إذا قال لزوجته إن خرجت بغير إذني فأنت طالق ثم أَذِنَ لها في مرة واحدة فإنّ المرة الثانية إن خرجت بغير إذنه فهي طالق لأنّ الإذن تناول مرة واحدة وباقي خروجها يحتاج إلى إذنٍ جديد.


قال - رحمه الله - (أو أَذِنَ لها ولم تعلم)
وخرجت بغير إذنه فإنها تطلق , لأنّ الإذن مع عدم العلم ليس بإذن.
والقول الثاني: أنه إذا أذن لها فإنها لا تطلق ولو لم تعلم لأنّ الشرط لم يتحقق وفي الحقيقة هذه المسألة مشكلة لأنه من جهة هي خالفت الأمر أليس كذلك؟ وخرجت بغير إذن تعلمه يعني بالنسبة لها هي خرجت بغير إذن , ومن جهة أخرى هي في الواقع خرجت مع وجود الإذن. والذي يظهر لي والله أعلم بوضوح وإن كانت مشكلة لكن يظهر لي الآن بعد التأمل أنها إذا خرجت تطلق , لماذا ما السبب؟
أنّا نعلم أنّ الزوج أراد أنّ هذه المرأة متى خرجت بغير إذنه عامدة فهي تطلق وهي الآن مع نفسها خرجت بغير إذنه فوقع المحظور الذي أراد زوجها أن يتفاده , ولهذا نقول تطلق. وهذا الذي مشى عليه الحنابلة وهو في الحقيقة أفقه.
قال - رحمه الله - (أو خرجت تريد الحمّام وغيره)
يعني طلقت.
مع العلم أنه هو قال إن خرجت إلى غير الحمّام بغير إذني طلقت , هي الآن خرجت إلى الحمّام وإلى غير الحمّام ومع ذلك تطلق السبب؟
أنه يصدق عليها أنها خرجت إلى غير الحمّام , وهذا صحيح لأنها خرجت إلى غير الحمّام وإن كانت خرجت أيضاً إلى الحمّام.
قال - رحمه الله - (أو عدلت منه إلى غيره)
يعني لو خرجت لا تريد إلاّ الحمّام , ثم بعد أن انتهت من الحمّام عدلت إلى غيره حينئذ تطلق , والتعليل هو نفسه السابق لأنها خرجت إلى غير الحمّام. ما الفرق بين المسألتين؟
أنها في الصورة الأولى" من حين خرجت وهي تنوي أن تذهب إلى الحمّام وإلى غيره.
وفي الصورة الثانية" خرجت لا تنوي الذهاب إلاّ إلى الحمّام لكنها عدلت إلى غيره.
* لماذا استثنوا الحمّام من هذه المسألة ما السبب؟
لأنه في القديم الحاجة إلى خروج المرأة إلى الحمّام لاسيما بعد نهاية الحيضة والنفاس ملحة جداً لأنّ لا تتيسر في بيوت الناس كما تتيسر منازلنا ولله الحمد الآن , فالحمّامات كانت معّدة للاغتسال وخروج المرأة إليها كان
حاجة ضرورية فجرى العرف أنّ خروج المرأة إلى الحمّام لا يحتاج إلى إذن وإنما الذي يحتاج إلى إذن هو الخروج إلى غير الحمّام.
قال - رحمه الله - (لا إن أَذِنَ فيه كلّما شاءت , أو قال إلاّ بإذن زيد فمات زيد ثم خرجت)


قال لا إن أذن (فيه) فيه يعود إلى الخروج كلما شاءت , فإذا أذن فيه كلما شاءت فإنه لا يحنث إذا خرجت , لأنه أذن لها في الخروج إذناً مطلقاً , فكأنه نسخ عبارته الأولى وأذن لها في الخروج مطلقاً.
المسألة الثانية: إذا قال لها لا تخرجي إلاّ بإذن زيد , أو إن خرجت بغير إذن زيد فأنت طالق , ثم مات زيد فخرجت فإنها لا تطلق لماذا؟
التعليل: أنه يتعذر إذن زيد بموته. فسقط الشرط وإلاّ لو بقي لبقيت في بيتها إلى الموت ,لأنّ إذن زيد لا يمكن الوقوف عليه بعد موته وهذا لا يتأتى إذاً نعدل إلى الثاني وهو سقوط إذن زيد وجواز الخروج.

فصل
قال - رحمه الله - (إذا علقه بمشيئتها بـ (إن) أو غيرها من الحروف لم تطلق حتى تشاء ولو تراخى)
إذا علقه بمشيئتها فقال متى شئت الطلاق فأنت طالق , فإنّ هذا التعليق يبقى أبداً لماذا؟ لأنّ ذكرنا في أول الفصل أنّ هذه الحروف تفيد التراخي أو الفور , تفيد التراخي مالم تقرن بكلمة لم , وهنا لم تقرن بكلمة لم فتفيد التراخي فيبقى هذا الحق ثابتاً لها دائماً وأبداً فمتى شاءت الطلاق في أيِّ وقت كان طلقت.
* * مسألة / هل له أن يفسخ هذا التعليق فيقول لها لو شئت الطلاق لم تطلقي , وقد فسخت التعليق السابق؟
الجواب أنه ليس له أن يفسخ هذا التعليق , لأنّا أخذنا الخلاف في التعليقات وهو أنّ التعليقات لا تفسخ عند الجماهير فإذاً لا يملك الفسخ في هذه الصورة.
قال - رحمه الله - (وإن قالت: قد شئت إن شئت , فشاء لم تطلق)
يعني قالت المرأة لزوجها قد شئتُ إن شئتَ , قال الزوج شئتُ تطلق أو لا تطلق؟ كلام المؤلف تطلق أو لا تطلق؟ لا تطلق لماذا؟
عللوه بتعليل لطيف جداً: قالوا لأنّ الطلاق معلقّ على مشيئة المرأة , والمرأة هنا لم تشاء وإنما علّقت المشيئة على مشيئة زوجها والمشيئة شيء والتعليق شيء آخر. مع أنّ المتبادر إلى الذهن أنها تطلق أليس كذلك؟
يعني رجل قال لزوجته إن شئت فأنت طالق , فقالت قد شئتُ إن شئتَ فقال الزوج قد شئتُ , فعند الحنابلة لا تطلق مع إنّ المتبادر أنها تطلق , لكن الصحيح أنها لا تطلق وما ذكروه وجيه جداً , لأنه فرق بين التعليق وبين المشيئة.
ولو استمروا هكذا لصار البيت كله شئتُ وشئتِ وانتهى الوقت.


قال - رحمه الله - (وإن قال: إن شئت وشاء أبوك)
إذا قال إن شئت وشاء أبوك , طلقت فإنّ الطلاق لا يقع حتى يتحقق أمران: -
واحد /أن تشاء هي.
اثنان /ويشاء أبوها , لأنه عبر بالواو.
وقوله (أو زيد) لعّل مراد المؤلف أنه سواء علقّ المشيئة على أحد أقاربها , أو علقّ المشيئة على رجل أجنبي , يعني هذا تخريج لكلام المؤلف وإلاّ قوله أو شاء أبوك يغني عن قوله أو شاء زيد , ما الفرق بين العبارتين؟ إلاّ أنه كما قلت لعله أراد التفريق أو بيان أنه لا فرق بين أن يعلقه على مشيئة الأب وعلى مشيئة زيد , وهذا قد يقع من بعض الأزواج أن يعلق مشيئتها ومشيئة أبيها لأنه يعلم أنّ أباها رجل حكيم وعاقل فلن يوقع الطلاق إلاّ في وقته المناسب.
* * مسألة / هل تعليق الطلاق على مشيئة الزوجة يدخل في الخلاف السابق الذي أخذناه في توكيل أو تمليك الزوجة الطلاق أو لا يدخل؟ لا يدخل لماذا؟ لأنّ هذا ليس بتمليك وإنما هو تعليق , كما أنه إذا علقّ على طلوع الشمس فليس بتمليك للشمس , أليس كذلك؟ وهكذا هنا نقول أنّ هذا ليس من تلك المسألة , فإذا قال إن شئت فأنت طالق وشاءت طلقت ولا تدخل في الخلاف السابق.
قال - رحمه الله - (وإن شاء أحدهما فلا)
يعني إن قال إن شئت أو شاء أبوك فأنت طالق , فحينئذ إذا شاءت أو أبوها , يعني أحدهما فإنها تطلق ولا نشترط الجمع بل يكتفى بأحدهما.
قال - رحمه الله - (وأنت طالق وعبدي حر إن شاء الله وقعا)
إذا قال لها أنت طالق وعبدي حر إن شاء الله , فإنه يقع الطلاق في الحال ويعتق العبد في الحال ,
التعليل: قالوا لأنه علق الطلاق على والعتاق على أمر لا يمكن أن يعلم فسقط الشرط وبقي الطلاق.
القول الثاني: أنه إذا قال لها هذه العبارة فإنها لا تطلق ولا يعتق العبد , وهذا مذهب لبعض الحنابلة واختاره شيخ الإسلام - رحمه الله -
الدليل استدلوا بدليلين: -
الدليل الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم - (من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث)
الدليل الثاني: أنه علقه على صفة لا يمكن أن تعلم , والأصل بقاء النكاح. فبقي ولم تطلق ولا يخفى إن شاء الله أنّ القول الثاني هو الراجح لأنّ دليله وتعليله قوي جداً.


قال - رحمه الله - (وإن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله طلقت إن دخلت)
إذا قال للمرأة إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله ثم دخلت فإنها تطلق لأنّ الدخول وجد , وأما المشيئة فهو شرط يسقط لعدم العلم به فتبيّن بهذا أنّ الخلاف في هذه المسألة كالخلاف في المسألة السابقة تماماً. فإذا قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله فإنها ماذا؟ فإنها لا تطلق.
* يستثنى من هذا. ما إذا قال أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله, أراد تحقيقاً لا تعليقاً فحينئذ فإنها تطلق لأنه لم يرد التعليق بالمشيئة وإنما أراد تحقيق الأمر وهذه العبارة من المستحسن للأزواج أن يستخدموها إذا أرادو الحلف بالطلاق. فإذا أراد بعض الأزواج أن يمنع زوجته من أمر لا يريده فإنّ الأولى أن يقول إن ذهبت إلى السوق فأنت طالق إن شاء الله , هي ستفهم التعليق وهو ينوي ماذا؟ وهو ينوي التعليق أيضاً هي ستفهم أنها إذا خرجت إلى السوق فإنها ستطلق وهو ينوي التعليق , والتعليق على القول الراجح يقع أو لا يقع به الطلاق لا يقع به الطلاق ولهذا نقول استخدام هذه العبارة يحصل فيها منفعة منع الزوجة مما يريد أن يمنعها وفي نفس الوقت عدم إيقاع الطلاق.
قال - رحمه الله - (وأنت طالق لرضى زيد أو مشيئته طلقت في الحال)
إذا قال لها أنت طالق لرضى زيد أو مشيئته فإنها تطلق في الحال, لأنّ معنى العبارة أنت طالق لأنّ زيداً رضي بذلك أو لرضى زيدٍ بذلك فإن كان مقصوده التعليق يعني أنت طالق إن رضي زيد فإنها لا تطلق إلاّ إذا رضي , وإذا ادعى هذا في مجلس الحكم قبل منه لأنّ هذا اللفظ يحتمل هذا المعنى وهذا معنى قول الشيخ فيما بعد هذه العبارة.
يقول - رحمه الله - (فإن قال أردت الشرط قبل حكماً) ثم المسألة الأخيرة ...
يقول - رحمه الله - (وأنت طالق إن رأيت الهلال , فإن نوى رؤيتها لم تطلق حتى تراه وإلاّ طلقت بعد الغروب برؤية غيرها)
إذا قال الزوج لزوجته إن رأيت الهلال فأنت طالق , فإما أن يريد إن رأيتيه بالبصر حقيقة , وإما أن يريد إذا دخل الشهر , فإذا كان مقصوده الأول فإنها لا تطلق حتى ترى الهلال , وإن كان مقصوده الثاني فإنها تطلق بأحد أمرين: -


1 - إما رؤية الهلال ... أو 2 - إكمال العدة ثلاثين يوماً
لأنّ الرؤية في الشرع تعني دخول الشهر اللاحق وهو يدخل إما برؤية أو بإكمال العدة , والرؤية المعتد بها عند الحنابلة هو أن يراه شخص آخر بعد غروب الشمس لأنه حينئذ يصدق عليه أنه رآه في الشهر اللاحق , فإذا رآه قبل غروب الشمس فلا عبرة برؤيته ولا تطلق.
القول الثاني: أنه بمجرد ما يراه الشخص الآخر فإنها تطلق لأنّ الطلاق معلقّ على الرؤية وقد وجدت , أيّ الرؤية الشرعية فإذا رؤي الهلال قبل مغيب الشمس بدقائق أو بأكثر أو بأقل فقد طلقت المرأة لأنه تحققت الرؤية الشرعية التي علقّ الطلاق عليها.
* * مسألة أخيرة / قلت أنه ينبغي للزوج إذا أراد أن يعلقّ أن يقول إن شاء الله فهل هذه من الحيل المذمومة؟ لو قال قائل أنتم دائماً تقولون الحيل مذمومة في الشرع وهذا حيلة على عدم وقوع الطلاق المعلقّ فهل هذا من الحيل المذمومة التي نتحدث عنها مراراً أو ليست كذلك؟ الجواب أنها ليست كذلك. التعليل أنّ الضابط عند شيخ الإسلام للحيل المذمومة. هي التحيل على أمر لا يحبه الله ورسوله أما التحيل على أمر يحبه الله ورسوله فهو حيلة محمودة. هنا الزوج أراد تحقيق أمرين: -
الأول: منع زوجته من أمر يحبه هو. ... الثاني: عدم وقوع الطلاق.
وهذان الأمران محبوبان أو مكروهان للشرع؟ محبوبان إذا هو تحيل على أمر محبوب ولهذا صارت هذه الحيلة محمودة وليست مذمومة.


الدرس: (6) من الطلاق

قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
فصل
قال - رحمه الله - (وإن حلف لا يدخل داراً أو لا يخرج منها فأدخل أو أخرج بعض جسده أو دخل طاق الباب , أو لا يلبس ثوباً من غزلها فلبس ثوباً فيه منه أو لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه لم يحنث)
جميع هذه المسائل ترجع إلى ضابط واحد , وهذا الضابط إذا حلف أن لا يفعل شيئاً ثم فعل بعضه فهل يحنث أو لا يحنث؟
فهذه المسألة فيها خلاف ,


فالمذهب كما ترون أنه لا يحنث إذا فعل بعض الذي حلف على تركه , فإذا حلف أن لا يخرج فخرج بعضه
أو أن لا يدخل فدخل بعضه , أو أن لا يشرب من هذا الإناء فشرب بعضه فإنه لا يحنث.
استدلّ الحنابلة بأدلة: -
الدليل الأول: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف ويخرج رأسه لعائشة لترجله , ولا يعتبر هذا خروجاً من المعتكف مع أنّ الخروج من المعتكف ممنوع. من مكان الاعتكاف ممنوع , ومع ذلك لم يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم خروج رأسه خروجاً هذا أولاً.
الدليل الثاني: أنّ فعل البعض لا يتحقق معه فعل الكل وهو إنما حلف أن يترك الكل.
القول الثاني: أنه إذا فعل بعض ما حلف على تركه فإنه يحنث. واستدل هؤلاء على أنه يحنث أنّ حلفه على ترك الكل لا يتم إلاّ بتركه كله كالنهي , فالنهي مثلاً لا يتحقق امتثال النهي إلاّ بترك جميع المنهي.
والراجح مذهب الحنابلة , لحديث عائشة فإنه نص أنّ خروج البعض ليس خروجاً للكل ولا يحنث به الإنسان. عرفنا إذا الخلاف في هذه المسائل التي ذكرها المؤلف. ونحتاج قبل أن ننتقل إلى المسألة التالية إلى تنبيهين:
التنبيه الأول: أنّ محل الخلاف مالم ينو أو توجد قرينة على إرادة البعض. فإذا قال والله لا أشرب هذا الإناء وفي نيته أن لا يشرب الإناء ولا بعض الإناء حينئذ إذا شرب بعضه يحنث. هذا مثال النية
مثال القرينة إذا قال والله أشرب هذا النهر فإنه إذا شرب من النهر فإنه يحنث , والقرينة هي أنّ الإنسان لن يتمكن من شرب النهر فعلمنا أنّ مراده , أشرب من النهر هذا التنبيه الأول ,
التنبيه الثاني: قلت أنّ جميع المسائل لا يدخل داراً لا يلبس ثوباً لا يشرب ماء هذا الإناء كلها ترجع إلى ضابط واحد وذكرت الخلاف في هذا الضابط , يستثنى من هذا قول الشيخ المؤلف (لا يلبس ثوباً من غزلها فلبس ثوباً فيه منه) فإنّ بعض الحنابلة - رحمهم الله -
يرون أنّ هذه المسألة غير داخلة في الخلاف السابق , فإذا لبس ثوباً فيه من غزلها فإنه يحنث مطلقاً وإلى هذا ذهب الشيخ المجد والمرداوي فاستثنوا هذه المسألة من المسائل السابقة, والصحيح إن شاء الله أنها لا تستثنى وأنّ هذه المسألة كالمسائل السابقة والمذهب في هذا أصح


ثم - قال رحمه الله - (وإن فعل المحلوف عليه ناسياً أو جاهلاً حنث في طلاق وعتاق فقط)
يقول الشيخ وإن فعل المحلوف عليه قصده بقوله وإن فعل المحلوف عليه يعني على تركه فإنه إذا فعله ناسياً أو جاهلاً حنث في طلاق وعتاق فقط. إذا فعل الإنسان المحلوف على تركه ناسياً أو جاهلاً فإما أن يكون الحلف بالطلاق أو بالعتاق أو وهو الذي لم يذكره المؤلف باليمين. والشيخ - رحمه الله - يقول (حنث في طلاق وعتاق فقط) يعني دون اليمين.
فإذا فعل الإنسان ما حلف على تركه ناسياً أو جاهلاً وكان الحلف يمين لم يحنث , وإن كان الحلف بالطلاق أو العتاق حنث , ففرقوا بين اليمين وبين الطلاق والعتاق. دليل الحنابلة على هذا التفريق. قالوا إنّ الكفارة في اليمين المقصود منها رفع الإثم ومع الجهل والنسيان لا إثم فلا تشرع الكفارة ولا الحنث تبعاً لها. فكأنهم يقولون إذا فعله في اليمين لم يحنث ولم يأثم ولم يحتج إلى الكفارة.
أما في الطلاق والعتاق فقالوا أنّ الطلاق والعتاق يقصد منه إيقاع الطلاق وإيقاع العتاق عند وجود الصفة فهو معلق على صفة توجد بوجودها نسي أو ذكِر , كان جاهلاً أو عالماً , لأنها من باب ربط الأحكام بأسبابها متى وجدت الصفة وجد الطلاق ووجد العتاق.
والقول الثاني: أنه لا يحنث في جميع الحلف سواء حلف يمين أو طلاق أو عتاق , واستدلّ هؤلاء بقوله تعالى {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة/286] وهو عام
وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (عفي عن أمتي الخطأ والنسيان) وهو أيضاً عام.
وهذا القول الثاني اختيار شيخ الإسلام وهو الصواب أنه لا فرق بين الطلاق والعتاق واليمين , الدليل الثاني لهذا القول أنه لم يقصد المخالفة فلم يترتب على حلفه حنث ولا كفارة, والخلاصة أنّ الصواب التسوية بين هذه الأيمان الثلاثة, الحلف بالطلاق والعتاق واليمين.
قال - رحمه الله - (وإن فعل بعضه لم يحنث إلاّ أن ينويه)


إن فعل بعضه لا يحنث لما تقدم معنا في القاعدة أنّ من حلف أن لا يفعل شيئاً ففعل بعضه فإنه لا يحنث , يقول الشيخ إلاّ أن ينويه فإذا نواه فإنه يحنث لأنّ المنوي الآن الكل والجزء فإذا فعل أياً منهما فقد حنث ووجبت عليه الكفارة , وهذه العبارة من الشيخ يعني يغني عنها العبارة الأولى إلاّ أنه أراد أن يضيف ماذا؟ إلاّ أن ينويه. قيد النية. وبقي عليه القيد الآخر الذي ذكرناه وهو ماذا؟ القرينة
قال - رحمه الله - (وإن حلف ليفعلّنه لم يبرَّ إلاّ بفعله كله)
إذا حلف أن يفعل الشيء فالحكم يختلف عن ما إذا حلف أن يترك الشيء , فإذا حلف أن يفعل الشيء فإنّ يمينه لا تكون بارّة إلاّ بفعل جميع الشيء فإن فعل بعضه وترك بعضه فإنه يحنث , والسبب في ذلك أنّ اليمين على فعل الشيء تتناول جميع الشيء, فلا يبرأ إلاّ بفعله وهذا التفريق جميل ودقيق فيجب على الإنسان أن يعرف الفرق بين أن يحلف على ترك الشيء وبين أن حلف على فعل الشيء.
فإذا قال والله لا أدخلنّ البيت. ودخل برجله اليمنى فقط. برّ يمينه أو لم يبرّ؟ لا يبرّ في هذا المثال.
لكن لو قال والله لا أخرج من البيت؟ وخرجت رجله. فإنه لا يحنث فلا بد أن نفرق بين الحلف على الفعل والحلف على الترك وهو يشبه نوعاً ما الأوامر والنواهي. فالأوامر علينا أن نأتي بها ما نستطيع منها , وأما النواهي فيجب أن نتركها كلها.