أحكام
النساء - مستخلصا من كتب الألباني كِتَابُ الطَّهَارَة
نجاسة دم الحيض:
298 - " يكفيك الماء ولا يضرك أثره ".
[الصحيحة]
قال رحمه الله:
أخرجه أبو داود (1/ 141 - 142 - بشرح العون) وأحمد (2/ 380) قالا:
حدثنا قتيبة بن سعيد أنبأنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عيسى ابن
طلحة عن أبي هريرة:
" أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول
الله! إنه ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: إذا
طهرت فاغسليه، ثم صلي فيه، فقالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال ". فذكره.
ورواه البيهقي في " السنن " (2/ 408) من طريق عثمان بن صالح حدثنا ابن
لهيعة: حدثني يزيد ابن أبي حبيب به.
وتابعهما عبد الله بن وهب فقال: أخبرنا ابن لهيعة به.
أخرجه البيهقي وكذا أبو الحسن القصار في " حديثه عن ابن أبي حاتم" (2/
2) وابن الحمصي الصوفي في " منتخب من مسموعاته " (33/ 1) وابن منده في"
المعرفة " (2/ 321 / 2).
(1/7)
وقال البيهقي: إسناده ضعيف. " تفرد به ابن
لهيعة ".
قلت: وقال ابن الملقن في " خلاصة الإبريز للنبيه، حافظ أدلة التنبيه "
(ق 89/ 2): " وقد ضعفوه، ووثقه بعضهم ".
وقال الحافظ في " فتح الباري " (1/ 266):
" رواه أبو داود وغيره، وفي إسناده ضعف، وله شاهد مرسل ".
ونقله عنه صاحب " عون المعبود " (1/ 141 - 142) وأقره!
وقال الحافظ أيضا في " بلوغ المرام ":
" أخرجه الترمذي، وسنده ضعيف ".
قال شارحه الصنعاني (1/ 55) تبعا لأصله " بدر التمام " (1/ 29 / 1): "
وكذلك أخرجه البيهقي، وفيه ابن لهيعة ".
واغتر بقول الحافظ هذا جماعة فعزوه تبعا له إلى الترمذي، منهم صديق حسن
خان في " الروضة الندية " (1/ 17)، ومن قبله الشوكاني في " نيل الأوطار
" فقال (1/ 35):
" أخرجه الترمذي وأحمد وأبو داود، والبيهقي من طريقين عن خولة بنت
يسار، وفيه ابن لهيعة ".
وكذا قال الحافظ في " التلخيص " (13) لكنه لم يذكر الترمذي وأحمد.
أقول: وفي كلمات هؤلاء الأفاضل من الأوهام ما لا يجوز السكوت عليه
فأقول:
(1/8)
أولا: عزوه الترمذي وهم محض، فإنه لم يخرجه
البتة، وإنما أشار إليه عقب حديث أسماء الآتي بقوله:
" وفي الباب عن أبي هريرة، وأم قيس بنت محصن ".
ولذلك لما شرع ابن سيد الناس في تخريج الحديث كعادته في تخريج أحاديث
الترمذي المعلقة لم يزد على قوله:
" رواه أحمد "، فلم يعزه لأي موضع من " سننه "، بل ولا لأي كتاب من
كتبه الأخرى. وكذلك صنع المباركفوري في شرحه عليه. إلا أنه جاء بوهم
آخر! فقال (1/ 128).
" أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه "!
ثانيا: إطلاق الضعف على ابن لهيعة وإسناد حديثه هذا، ليس بصواب فإن
المتقرر من مجموع كلام الأئمة فيه أنه ثقة في نفسه، ولكنه سيىء الحفظ،
وقد كان يحدث من كتبه فلما احترقت حدث من حفظه فأخطأ، وقد نص بعضهم على
أن حديثه صحيح إذا جاء من طريق أحد العبادلة الثلاثة: عبد الله بن وهب،
وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرىء، فقال الحافظ عبد
الغني ابن سعيد الأزدي:
إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح، ابن المبارك وابن وهب
والمقرىء. وذكر الساجي وغيره مثله. ونحوه قول نعيم بن حماد: سمعت ابن
مهدي يقول:" لا أعتد بشيء سمعته من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن
المبارك ونحوه ".
وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى هذا بقوله في " التقريب ":
(1/9)
" صدوق، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن
المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما ".
فإذا عرفت هذا تبين لك أن الحديث صحيح؛ لأنه قد رواه عنه أحد العبادلة
وهوعبد الله بن وهب عند البيهقي وغيره، كما سبق، فينبغي التفريق بين
طريق أبي داود وغيره عن ابن لهيعة، فيقال: إنها ضعيفة، وبين طريق
البيهقي، فتصحح لما ذكرنا. وهذا تحقيق دقيق استفدناه من تدقيقات الأئمة
في بيان أحوال الرواة تجريحا وتعديلا. والتوفيق من الله تعالى.
ثالثا: قول الشوكاني: " إن الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي من
طريقين:
عن خولة بنت يسار، وفيه ابن لهيعة ". وهم أيضا، فإنه ليس للحديث عندهم
إلا الطريق المتقدم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عيسى ابن طلحة
عن أبي هريرة أن خولة بنت يسار.
فالطريق ينتهي إلى أبي هريرة لا خولة، وعنه عيسى بن طلحة، ليس إلا.
نعم قد رواه ابن لهيعة مرة على وجه آخر في شيخه فقال في رواية موسى بن
داود الضبي عنه قال: حدثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن عيسى
بن طلحة به.
أخرجه أحمد (2/ 344)، فهذا إن كان ابن لهيعة قد حفظه من طريق أخرى له
عن عيسى بن طلحة، وإلا فهو من أوهامه لأنها ليست من رواية
(1/10)
أحد العبادلة عنه بل هي مخالفة لها كما
سبق، وسواء كان هذا أو ذاك فلا يصح أن يقال في هذه الطريق أنها طريق
أخرى وعن خولة أيضا!!
ولعل الشوكاني أراد بالطريق الأخرى ما أخرجه البيهقي عقب حديث أبي
هريرة، من طريق مهدي بن حفص حدثنا علي بن ثابت عن الوازع بن نافع عن
أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن خولة بنت يمان قالت:
" قلت: يا رسول الله، إني أحيض، وليس لي إلا ثوب واحد، فيصيبه الدم.
قال: اغسليه وصلي فيه. قلت: يا رسول الله، يبقى أثره. قال: لا يضر ".
وقال: " قال إبراهيم الحربي: الوازع بن نافع غيره أوثق منه، ولم يسمع
خولة بنت يمان أو يسار إلا في هذين الحديثين ".
وأخرجه ابن منده في " المعرفه " (2/ 321 / 2) وابن سيد الناس في " شرح
الترمذي " (1/ 48 / 2) من طريق عثمان بن أبي شيبة، أنبأنا علي ابن ثابت
الجزري به، إلا أن الأول منهما قال " خولة " ولم ينسبها، وقال الآخر: "
خولة بنت حكيم " وهو عنده من طريق الطبراني عن ابن أبي شيبة، وكذلك
ذكره الهيثمي في " المجمع " (1/ 282) من رواية الطبراني في الكبير
وقال: " وفيه الوازع بن نافع وهو ضعيف ".
قلت: بل هو متروك شديد الضعف، أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال:" قال
أحمد ويحيى: ليس بثقة ". ولذلك تعقب ابن التركماني البيهقي في تركه مثل
هذا التجريح واختصاره على كلام إبراهيم الحربي الموهم بظاهره أنه ثقة
لكن غيره أوثق منه! مع أنه ليس بثقة.
(1/11)
ولعل قوله في رواية البيهقي " بنت يمان
"،وقوله " بنت حكيم " في رواية الطبراني وغيره، إنما هو من الوازع هذا،
ومن العجائب قول ابن عبد البر في " الاستيعاب " في ترجمة خولة بنت يسار
بعد أن ذكرحديثها المتقدم:
" روى عنها أبو سلمة، وأخشى أن تكون خولة بنت اليمان، لأن إسناد
حديثهما واحد، إنما هو علي بن ثابت عن الوازع بن نافع عن أبي سلمة
بالحديث الذي ذكرنا في اسم خولة بنت اليمان (يعني حديث: " لا خير في
جماعة النساء ... ")
وبالذي ذكرنا ههنا، إلا أن من دون علي بن ثابت يختلف في الحديثين، وفي
ذلك نظر ".
ووجه العجب أن الحديث الذي أشار إليها بقوله " وبالذي ذكرنا هنا " إنما
هو هذا الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه " ولا يضرك أثره " وهو الذي
ذكره ابن عبد البر في ترجمة بنت يسار هذه كما أشرت إليه آنفا، وهو ليس
من رواية أبي سلمة هذا عنها ولا عن غيرها، وإنما هو من رواية عيسى بن
طلحة عن أبي هريرة كما سبق، فهذا طريق آخر للحديث، وفيه وقع اسمها
منسوبا إلى يسار، والسند بذلك صحيح، فكيف نخشى أن يكون ذلك خطأ والصواب
بنت يمان مع أن راويه علي بن ثابت ضعيف كما أشار إليه ابن عبد البر بل
هو متروك كما سبق.
وأعجب من ذلك أن الحافظ ابن حجر لما نقل كلام ابن عبد البر إلى قوله "
لأن إسناد حديثهما واحد " رد عليه بقوله: " قلت: لا يلزم من كون
الإسناد إليهما واحدا مع اختلاف المتن أن تكون واحدة " فسلم بقوله إن
(1/12)
الإسناد واحد، مع أنه ليس كذلك، وهو الإمام
الحافظ، فجل من لا يسهو ولا ينسى تبارك وتعالى.
رابعا: قول الحافظ فيما سبق: " وله شاهد مرسل "، وهم أيضا، فإننا لا
نعلم له شاهدا مرسلا، ولا ذكره الحافظ في " التلخيص " وإنما ذكر له
شاهدا موقوفا عن عائشة قالت:
" إذا غسلت المرأة الدم فلم يذهب فلتغيره بصفرة ورس أو زعفران " أخرجه
الدارمي (1/ 238) وسكت عليه الحافظ (13) وسنده صحيح على شرط الشيخين.
ورواه أبو داود بنحوه.
انظر " صحيح أبي داود " (ج 3 رقم 383)
والحديث دليل على نجاسة دم الحيض لأمره صلى الله عليه وسلم بغسله،
وظاهره أنه يكفي فيه الغسل، ولا يجب فيه استعمال شيء من الحواد والمواد
القاطعة لأثر الدم، ويؤيده الحديث الآتي:
299 - " إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء
(وفي رواية: ثم اقرصيه بماء ثم انضحي في سائره) ثم لتصلي فيه ".
[الصحيحة]
قال رحمه الله:
أخرجه مالك (1/ 79) وعنه البخاري (1/ 325) ومسلم (1/ 166) وأبو داود (ج
3 رقم 386 - صحيحه) والبيهقي (1/ 13) كلهم عن مالك عن هشام بن عروة عن
فاطمة بنت المنذر بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت:
(1/13)
" سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت: أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع فيه؟ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ... "
فذكره.
وتابعه يحيى بن سعيد عن هشام به.
أخرجه البخاري (1/ 264) ومسلم والبيهقي (2/ 406)
وأحمد (6/ 346، 353).
وتابعه حماد بن سلمة عنه به، وزاد: " وانضحي ما حوله ".
أخرجه أبو داود (رقم 387) والنسائي (1/ 69) وأبو داود الطيالسي (1638)
والزيادة له، ولأبي داود معناها.
قلت: وسنده على شرط مسلم. وتابعه وكيع عنه.
أخرجه مسلم. ويحيى بن عبد الله بن سالم وعمرو بن الحارث.
أخرجه مسلم والبيهقي. وتابعه عيسى بن يونس عنه.
أخرجه أبو داود. وتابعه أبو خالد الأحمر عن هشام به.
أخرجه ابن ماجه (1/ 217): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد
الأحمر به. ولفظه: " اقرصيه، واغسليه وصلي فيه ".
وتابعه أبو معاوية قال: حدثنا هشام به.
أخرجه أحمد (6/ 345 و 353).
(1/14)
وتابعه سفيان بن عيينة عن هشام به إلا أنه
قال: " اقرصيه بالماء ثم رشيه ".
أخرجه الترمذي (1/ 254 - 255) والدارمي (1/ 239) والشافعي في " الأم "
(1/ 58) والبيهقي (1/ 13، 2/ 406).
وقال الترمذي: " وفي الباب عن أبي هريرة، وأم قيس بنت محصن " قال:
" حديث أسماء حديث حسن صحيح ".
(تنبيه) اتفق جميع هؤلاء الرواة عن هشام بن عروة على تنكير المرأة
السائلة وعدم تسميتها، إلا سفيان بن عيينة في رواية الشافعي وعمرو بن
عون عند الدارمي فإنهما قالا عنه:
" عن أسماء قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فجعلا الراوية هي السائلة، وخالفهما الحميدي عند البيهقي وابن أبي عمر
عند الترمذي فقالا عن سفيان بن عيينة مثل رواية الجماعة ولا شك أنها هي
المحفوظة ورواية الشافعي وابن عون شاذة لمخالفتها لرواية الجماعة عن
هشام، ورواية الحميدي وابن أبي عمر عن سفيان، ولذلك ضعفها النووي
فأصاب، ولكنه لم يفصح عن العلة، فأوهم ما لا يريد، ولذلك تعقبه الحافظ
في " الفتح " فقال: (1/ 264) بعد أن ذكر رواية الشافعي هذه:
" وأغرب النووي فضعف هذه الرواية بلا دليل، وهي صحيحة الإسناد لا علة
لها، ولا بعد في أن يهم الراوي اسم نفسه كما سيأتي في حديث أبي سعيد في
قصة الرقية بفاتحة الكتاب ".
(1/15)
وقال في " التلخيص " (13):
" (تنبيه): زعم النووي في " شرح المهذب " أن الشافعي روى في " الأم أن
أسماء هي السائلة بإسناد ضعيف. وهذا خطأ، بل إسناده في غاية الصحة،
وكأن النووي قلد في ذلك ابن الصلاح، وزعم جماعة ممن تكلم على " المهذب
" أنه غلط في قوله إن أسماء هي السائلة، وهم الغالطون ".
قلت: كلا، بل هم المصيبون، والحافظ هو الغالط، والسبب ثقته البالغة
بحفظ الشافعي وهو حري بذلك، لكن رواية الجماعة أضبط وأحفظ، ويمكن أن
يقال: إن الغلط ليس من الشافعي، بل من ابن عيينة نفسه، بدليل أنه صح
عنه الروايتان، الموافقة لرواية الجماعة، والمخالفة لها، فروى الشافعي
والذي معه هذه، وروى الحميدي والذي معه رواية الجماعة، فكانت أولى
وأصح، وخلافها معلولة بالشذوذ، ولو أن الحافظ رحمه الله جمع الروايات
عن هشام كما فعلنا، لم يعترض على النووي ومن معه، بل لوافقهم على
تغليطهم لهذه الرواية.
والعصمة لله وحده.
وأما قوله " ولا بعد في أن يبهم الراوي ... " فمسلم، ولكن ذلك عندما لا
تكون الرواية التي وقع فيها التسمية شاذة كما هنا.
ومما يؤيد ما تقدم أن محمد بن إسحاق قد تابع هشاما على روايته فقال:
حدثتني فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت:
(1/16)
" سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن ثوبها إذا طهرت من محيضها كيف تصنع به؟ قال: إن رأيت فيه دما
فحكيه، ثم اقرصيه بماء، ثم انضحي في سائره فصلي فيه ".
أخرجه أبو داود (385) والدارمي (1/ 239) والسياق له والبيهقي (2/ 406)
وسنده حسن.
فقولها " سمعت امرأة " مما يبعد أن تكون هي السامعة كما هو ظاهر.
(تنبيه) في هذه الرواية زيادة " ثم انضحي في سائره "، وهي زيادة هامة
لأنهاتبين أن قوله في رواية هشام " ثم لتنضحه " ليس المراد نضح مكان
الدم، بل الثوب كله. ويشهد لها حديث عائشة قالت:
" كانت إحدانا تحيض ثم تقرص الدم من ثوبها عند طهرها فتغسله وتنضح على
سائره، ثم تصلي فيه ".
أخرجه البخاري (1/ 326) وابن ماجه (1/ 217) والبيهقي (2/ 406 - 407).
وظاهر الحديث يدل كالحديث الذي قبله على أن الماء يكفي في غسل دم الحيض
وأنه لا يجب فيه استعمال شيء من الحوادِّ كالسدر والصابون ونحوه، لكن
قد جاء ما يدل على وجوب ذلك وهو الحديث الآتي.
(1/17)
300 - " حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر ".
[الصحيحة]
قال رحمه الله:
أخرجه أبو داود (1/ 41 - بشرح عون المعبود) والنسائي (1/ 69) والدارمي
(1/ 239) وابن ماجه (1/ 217) وابن حبان في " صحيحه" (235) والبيهقي (2/
407) وأحمد (6/ 355، 356) من طرق عن سفيان: حدثني ثابت الحداد حدثني
عدي بن دينار قال: سمعت أم قيس بنت محصن تقول:
" سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب؟ قال ... "
فذكره
قلت: وهذا سند صحيح ورجاله كلهم ثقات، وفي ثابت الحداد وهو ابن هرمز
الكوفي مولى بكر بن وائل خلاف يسير، وثقه أحمد وابن معين وابن المديني
وغيرهم، وتكلم فيه بعضهم بدون حجة، وفي " التقريب ": " صدوق يهم"
وكأنه لهذا لم يصحح الحافظ في " الفتح " (1/ 266) إسناده، بل قال:
" إسناده حسن ".
وقال في " التهذيب ":
" وأخرج ابن خزيمة وابن حبان حديثه في الحيض في " صحيحيهما "، وصححه
ابن القطان، وقال عقبه: لا أعلم له علة، وثابت ثقة ولا أعلم أحدا ضعفه
غير الدارقطني ".
(1/18)
ونقل في " التلخيص " (ص 12 - 13) تصحيح ابن
القطان هذا وأقره، وهو الصواب.
(تنبيه): قوله " بضلع " كذا وقع عند جميع من أخرج الحديث بالضاد
المعجمة، وهو بالكسر وفتح اللام ويكسر، وهو العود.
لكن قال الحافظ في " التلخيص " (13):
" ضبطه ابن دقيق العيد بفتح الصاد المهملة وإسكان اللام ثم عين مهملة
وهوالحجر. قال: ووقع في بعض المواضع بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام،
ولعله تصحيف لأنه لا معنى يقضي تخصيص الضلع بذلك. كذا قال.
لكن قال الصغاني في " العباب " في مادة " ضلع " بالمعجمة:
" وفي الحديث حتيه بضلع ".
قال ابن الأعرابي: الضلع ههنا العود الذي فيه اعوجاج.
وكذا ذكره الأزهري في المادة المذكورة وزاد عن الليث:
قال: " الأصل فيه ضلع الحيوان فسمي به العود الذي يشبهه ".
فقه الحديث:
يستفاد من هذه الأحاديث أحكام كثيرة أذكر أهمها:
الأول: أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات، لأن جميع
النجاسات بمثابة دم الحيض، ولا فرق بينه وبينها اتفاقا. وهو مذهب
الجمهور وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر.
(1/19)
قال الشوكاني (1/ 35):
" والحق أن الماء أصل في التطهير لوصفه بذلك كتابا وسنة وصفا مطلقا غير
مقيد لكن القول بتعينه وعدم إجزاء غيره يرده حديث مسح النعل وفرك
المني، وإماطته بإذخرة، وأمثال ذلك كثير، فالإنصاف أن يقال أنه يطهر كل
فرد من أفراد النجاسات المنصوص على تطهيرها بما اشتمل عليه النص، لكنه
إن كان ذلك الفرد المحال عليه هو الماء فلا يجوز لعدول إلى غيره للمزية
التي اختص بها وعدم مساواة غيره له فيها، وإن كان ذلك الفرد غير الماء
جاز العدول عنه إلى الماء لذلك، وإن وجد فرد من أفراد النجاسة لم يقع
من الشارع الإحالة في تطهيره على فرد من أفراد المطهرات بل مجرد الأمر
بمطلق التطهير فالاقتصار على الماء هو اللازم لحصول الامتثال به
بالقطع، وغيره مشكوك فيه. وهذه طريقة متوسطة بين القولين لا محيص عن
سلوكها ".
قلت: وهذا هو التحقيق فشد عليه بالنواجذ.
ومما يدل على أن غير الماء لا يجزىء في دم الحيض قوله صلى الله عليه
وسلم في الحديث الثاني: " يكفيك الماء " فإن مفهومه أن غير الماء لا
يكفي. فتأمل.
(1/20)
باب الحيض والنفاس
والاستحاضة
قال رحمه الله:
الحيض: هو الدم الأسود الخاثر الكريه الرائحة خاصة فمتى ظهر من المرأة
صارت حائضا.
عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه
وسلم: (إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن
الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق). (د: 45 و 50، ن: 66،
قط: 76، مس: 174) وابن حزم (2/ 164) عن ابن أبي عدي: ثنا محمد بن عمرو:
ثنا ابن شهاب عن عروة بن الزبير عنها.
وهذا سند حسن وقد حسنه ابن العربي في (العارضة) وقال الحاكم: (صحيح على
شرط مسلم) ووافقه الذهبي. وليس كما قالا.
ثم أخرجه الحاكم (1/ 174) عن سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة بن
الزبير عن أسماء بنت عميس قالت: قلت: يا رسول الله إن فاطمة بنت أبي
حبيش استحاضت منذ كذا وكذا فلم تصل. قالت: فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (فسبحان الله هذا من الشيطان لتجلس في مركن, فإذا رأت صفرة
فوق الماء فتغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا وتغتسل للمغرب والعشاء غسلا
واحدا وتغتسل للفجر وتتوضأ فيما بين ذلك).
وقال: (صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا.
(1/21)
ورواه د (48) وقط (79) وطحا (60 - 61) فهذا
الحديث يفيد أن الصفرة ليست دم حيض لقوله: (دم الحيض أسود يعرف) وهو
مذهب ابن حزم وجمهور الظاهرية كما قال في (المحلى) (2/ 168).
وأما الحمرة والصفرة بعد الطهر فلا يعد شيئا وهو قول أبي حنيفة وسفيان
الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وغيرهم
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن أم حبيبة بنت جحش ختنة رسول
الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين
فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (إن هذه ليست بالحيضة ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي).
قالت عائشة: فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتى تعلو
حمرة الدم الماء. (م: 181، د 44، ن: 655، مج: 215 - 216، مي: 196 -
198، 199 و 200) وحم (6 - 83 و 187) ورواه: م (181 - 182) ن (65) د
(43)
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي
مستحاضة ترى الدم فربما وضعت الطست تحتها من الدم وزعم أن عائشة رأت
ماء العصفر فقالت: كان هذا شيء كانت فلانة تجده. (خ: 26، مي: 217، وفي
لفظ:
ل خ: 327 و 4/ 226): اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة
مستحاضة من أزواجه فكانت ترى الحمرة والصفرة فربما وضعنا الطست تحتها
وهي تصلي.
(1/22)
وعن أيوب عن محمد عن أم عطية قالت: كنا لا
نعد الكدرة والصفرة شيئا. (خ: 338، د: 50، ن: 66، مي: 214، مجج: 222،
مس: 174) ثم أخرجه د مي: 215، مج: 222 ومس من طريق حماد بن سلمة عن
قتادة عن أم الهذيل عنها بزيادة: بعد الطهر شيئا وقال: مس:
(صحيح على شرطهما).
وأم الهذيل هي حفصة بنت سيرين وكذا قال الذهبي وإنما هو على شرط مسلم
من أجل حماد بن سلمة والأول هو على شرطهما واستدراكه على البخاري لا
معنى له وروى الدارمي عن ابن سيرين قال: لم يكونوا يرون في الكدرة
والسفرة بأسا.
1 - فإذا كان دم الحيض أسود يعرف فكل من رأته من النساء وميزته فهي
حائض وإلا فمستحاضة.
2 - إلا التي لا تميز دمها بسبب كثرته واستدامته فعليها أن ترجع إلى
عادتها وأيامها المعرفة من الحيض.
3 - وإذا لم تعرف أيام الحيض ولم تميز الدم فعليها أن ترجع إلى الغالب
من عادة النساء في ذلك.
يدل للأول حديث فاطمة بنت أبي حبيش المتقدم
وللثاني حديث أم حبيبة عند أحمد وقد مر قريبا وهو من حديث عائشة.
وقد روته - أيضا - أم سلمة عند أحمد (6 - 322 - 323 و 320 و 393) وأبو
داود (42) ن (65) مي (199) مج (215) قط (76)
(1/23)
عن سليمان بن يسار عنها. وهو معلول
بالإنقاطاع بيته وبينها فقد رواه د وغيره عنه أن رجلا أخبره عنها.
لكن له طريق أخرى في (المسند) (6/ 304): ثنا سريج: ثنا عبد اله - يعني
ابن عمر - عن سالم أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنها. وهذا سند
حسن بما قبله.
ويدل للثالث حديث حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضة شديدة كثيرة فجئت
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي
زينب بنت جحش قالت: قلت: يا رسول الله إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما
ترى فيها؟ قد منعتني الصلاة والصيام. فقال: (أنعت لك الكرسف (أي:
القطن) فإنه يذهب الدم. قالت: هو أكثر من ذلك. قال: (فاتخذي ثوبا).
قالت: هو أكثر من ذلك. قال: (فتلجمي). قالت: إنما أثج ثجا (الثج:
السيلان) فقال: سآمرك بأمرين أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر فإن
قويت عليهما فأنت أعلم).
فقال: لها:
(إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي (أي: اجعلي نفسك حائضا) ستة
ايام أو سبعة في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت
فصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها فصومي فإن ذلك
مجزيك وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن
وطهرهن.
وإن قويت أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين ثم تصلين الظهر والعصر
جميعا ثم تؤخري المغرب وتعجلي العشاء ثم تغتسلين وتجمعين
(1/24)
بين الصلاتين فافعلي وتغتسلين مع الفجر
وتصلين فكذلك فافعلي وصلي وصومي إن قدرت على ذلك) وقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (وهذا أعجب الأمرين إلي) رواه أصحاب السنن إلا النسائي
وغيرهم وهو مخرج في التعليق على (المعجم) (ص 179 / ج 2) وهو حديث حسن.
وما ذكرناه من الأحوال الثلاثة قال به أحمد وإسحاق ففي الترمذي (1/
227): وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم
وإدباره وإقباله أن يكون أسود وإدباره أن يتغير إلى لاصفرة فالحكم لها
على حديث فاطمة بنت أبي حبيش وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل
أن تستحاض, فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة
وتصلي, وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة قبل أن تستحاض
فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي وإذا
استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة ولم تعرف الحيض بإقبال الدم
وإدباره فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش. وكذلك قال أبو عبيد) ولا بد
للمستحاضة من أن تتوضأ لكل صلاة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة:
أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي فقالت: إني أحيض الشهر والشهرين فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن ذلك ليس بحيض وإنما ذلك عرق فإذا أقبل الحيض فدعي الصلاة وإذا أدبر
فاغتسلي لطهرك ثم توضئي عند كل صلاة) طحا (61) عن أبي حنيفة عنه. وخ
(1/ 264 - 265) وت (1/ 217 - 219) قط (76)
عن أبي معاوية عنه وقال ت: حسن صحيح وحب كما في (نصب الراية) (203) عن
أبي حمزة عنه.
(1/25)
ورواه م (180) د (44) ن (64) مج (214) مي
(198) طحا (62) قط (76) حم (4/ 84) من طرق عن هشام به دون قوله: (ثم
توضئي عند كل صلاة) وهو رواية (خ ت) ولذلك تكلم في هذه الزيادة بعضهم
بأنها مدرجة ورد ذلك الحافظ في (الفتح) وقد جاءت من طريق أخرى عن عروة
ابن الزبير عند مج (215) وطحا (61) وقط (78) وحم (6/ 42 و 204 و 262)
عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة. زاد ابن ماجه: ابن الزبير به
نحوه بلفظ:
(وتوضئي لكل صلاة إن قطر الدم على الحصير) ورجاله رجال الشيخين ولكن
أعل بالانقطاع بين حبيب وعروة. وله طريق أخرى عن فاطمة عن عثمان بن سعد
الكاتب عن عبد الله بن أبي مليكة قال: حدثتني فاطمة بنت أبي حبيش قالت:
أتيت عائشة. . . الحديث. وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة:
(مري فاطمة بنت أبي حبيش فلتمسك كل شهر عدد أيام أقرائها ثم تغتسل
وتحتشي وتستثفر وتنظف ثم تطهر عند كل صلاة وتصلي). . . الحديث أخرجه حم
(6/ 464) وقط (80) ومس (175) وقال:
(حديث صحيح)
وعثمان بن سعد الكاتب بصري ثقة غزير الحديث يجمع حديثه.
قلت: وضعفه غير الحاكم. وفي (التقريب) أنه ضعيف. وفي الباب أحاديث أخرى
تراجع في (نصب الراية).
(1/26)
وقد ذهب إلى وضوء المستحاضة لكل صلاة:
الشافعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم وقال ابو حنيفة وصاحباه: تتوضأ لوقت كل
صلاة وهذا مجاز حذف يحتاج إلى دليل ولذلك رده الشوكاني (240) تبعا
للحافظ.
ويحرم وطء الحائض في الفرج ويجوز التمتع بها فيما سوى ذلك, عن أنس بن
مالك: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يواكلوها ولم يجامعوها
في البيوت فسأل أصحاب النبي النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل اله عز
وجل: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا
النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إلى آخر الآية. فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) وفي لفظ: (إلا الجماع). رواه
الجماعة إلا البخاري وقال عليه الصلاة والسلام:
(من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما
أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم). رواه أهل (السنن) بإسناد صحيح كما
بيناه في (نقد التاج) رقم (64).
وتحريم إتيان الحائض مجمع عليه.
وقد ذهب إلى الحديث أحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن وإسحاق وغيرهم أن
إتيان المرأة في غير المذكور جائز ويكره ذلك لمن يخشى عليه أن يقع في
المحرم سدا للذريعة.
وعلى من أتاها أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار على التخيير: عن ابن عباس
عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق
بدينار أو بنصف دينار رواه أصحاب السنن بسند صحيح. وقد
(1/27)
أطال في تحقيق الكلام على أسانيده وتصحيح
بعضها على متنه العلامة أحمد محمد شاكر في التعليق على الترمذي (1/ 246
- 254).
ولا تصلي ولا تصوم: قال عليه الصلاة والسلام للنساء:
(أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟) قلن بلى. قال: (فذلكن من
نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم)؟ قلن: بلى قال: فذلكن من
نقصان دينها). رواه البخاري
وتقضي الصوم دون الصلاة: عن معاذة رضي الله عنه قالت: سألت عائشة فقلت:
ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت:
كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا
نؤمر بقضاء الصلاة. رواه الجماعة
ولا تطوف بالبيت. قال عليه الصلاة والسلام:
(الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت)
رواه أحمد (6/ 137) عن عائشة و (1/ 364) عن ابن عباس وأحدهما يقوي
الآخر, لا سيما وأن معناه في (الصحيحين) عنها.
ويحضرن مصلى العيد يكبرن مع الناس ويعتزلن الصلاة. عن أم عطية قالت:
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى
العواتق والحيض وذوات الدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير
ودعوة المسلمين قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب.
(1/28)
قال: (لتلبسها أختها من جلبابها) وفي
رواية: كنا نؤمر بالخروج في العيدين والمخبأة والبكر قالت: الحيض يخرجن
فيكن خلف الناس يكبرن مع الناس. م (3/ 20 - 21) وراجع خ في العيدين
وغيره.
ولها أن تدخل المسجد: عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (ناوليني الخمرة من المسجد) ن فقلت: إني حائض؟ فقال: تناوليها
فإن الحيضة ليست في يدك). (م 168) د (41) ن (1/ 52 - 53 و 68) وت (1/
241) وصححه ومي (248) مج (218) وحم (6/ 45 و 101 و 106 و 110 و 111 و
114 و 173 و 179 و 208 و 214 و 229 و 245) من طرق عنها وفي الباب عن
أبي هريرة عند م ن حم (2/ 428، 6/ 214) وأم سلمة عند ن حم (6/ 331 و
334) وابن عمر عند حم (2/ 70 و 86) وأنس عند البزار وأبي بكرة عند
الطبراني في (الكبير). مجمع (1/ 283).
وقد أجاز لها ذلك ابن حزم (2/ 184 - 187) وحكاه عن المزني وداود
وغيرهما.
ويجوز مواكلتها: عن عائشة قالت: كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبي صلى
الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في. رواه الجماعة إلا البخاري
والترمذي وهو في (المسند (6/ 62 و 64 و 127 و 192 و 210 و 214) وفي
الدارمي (1/ 246).
وقال عبد الله بن سعد: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مواكلة
الحائض؟ قال: واكلها. ت (1/ 240) مي (248) وحم (4/ 342 و 5/ 293) عن
عبد الرحمن ابن مهدي: ثنا معاوية بن صالح عن العلاء بن
(1/29)
الحارث عن حرام بن معاوية عنه. وقال
الترمذي: حديث حسن. وهو كما قال.
ثم أخرجه الدارمي (1/ 249) من طريق الهيثم بن حميد: ثنا اللعاء بن
الحارث به بلفظ: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بعض أهلي
لحائض وإنا لمتعشون إن شاء الله جميعا) ولا يجوز إتيانها إلا بعد أن
تصير مستحاضة وتغتسل فلا بد من الغسل لقوله تعالى: {وَلا
تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} والطهر بانقطاع الحيض {فَإِذَا
تَطَهَّرْنَ} أي: اغتسلن {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ
اللَّهُ} [البقرة / 222] وهذا مذهب الجمهور. وانظر الدارمي (249 - 251)
و (نيل المرام) لصديق حسن خان.
وأما المستحاضة فلم يرد في خصوصها شيء من السنة عنه صلى الله عليه وسلم
فيما علمنا. وقد اختلف العلماء في إتيانها والجمهور على جواز ذلك وهو
الحق لأن الأصل في الأشياء الإباحة ولأن في المنع من ذلك ضرا على الزوج
فيما إذا كانت الاستحاضة مستديمة كما جرى لأم حبيبة بنت جحش كما سبق.
وما أحسن ما روى الدارمي (207) بإسناد صحيح عن سالم الأفطس قال:
سئل سعيد بن جبير: أتجامع المستحاضة؟ فقال: الصلاة أعظم من الجماع.
وروي مثله عن بكر بن عبد الله المزني بسند صحيح أيضا.
(1/30)
وأقل الحيض دفعة فإذا رأت المرأة الدم
الأسود من فرجها أمسكت عن الصلاة والصوم. . . فإن - رأت - أثر الدم
الأحمر. . . فقد طهرت. (المحلى) (2/ 191) ... [الثمر المستطاب 1/ 35 -
45].
حكم مكث الجنب في المسجد
قوله (1): " يحرم على الجنب أن يمكث في المسجد لحديث عائشة قالت: جاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال:
" وجهوا هذه البيوت عن المسجد. . فإني لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب "
رواه أبو داود.
وعن أم سلمة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم صرحة هذا المسجد
فنادى بأعلى صوته: " إن المسجد لا يحل لحائض ولا لجنب "
رواه ابن ماجه والطبراني "
قلت: سوق الحديث على هذه الصورة يوهم القارئ أنهما حديثان بإسنادين
متغايرين أحدهما عن عائشة والآخر عن أم سلمة وليس كذلك بل هما حديث
واحد بإسناد واحد مداره على جسرة بنت دجاجة اضطربت في روايته فمرة
قالت: " عن عائشة " ومرة: " عن أم سلمة " والاضطراب مما يوهن به الحديث
كما هو معروف عند المحدثين لأنه يدل على عدم ضبط الراوي وحفظه.
__________
(1) 1 - أي: الشيخ سيد سابق في فقه السنة.
(1/31)
يضاف إلى ذلك أن جسرة هذه لم يوثقها من
يعتمد على توثيقه بل قال البخاري: " عندها عجائب ".
ولذلك ضعف جماعة هذا الحديث كما قال الخطابي.
وقال البيهقي:
" ليس بالقوي لما "
وقال عبد الحق:
" لا يثبت "
وبالغ ابن حزم فقال: " إنه باطل " (1)
وللحديث شاهدان لا ينهضان لتقويته ودعمه لأن في أحدهما متروكا وفي
الآخر كذابا وقد خرجتهما وفصلت القول فيهما في " ضعيف سنن أبي داود "
(رقم 32)
والقول عندنا في هذه المسألة من الناحية الفقهية كالقول في مس القرآن
من الجنب للبراءة الأصلية وعدم وجود ما ينهض على التحريم وبه قال
الإمام أحمد وغيره
قال البغوي في " شرح السنة " (2/ 46): " وجوز أحمد والمزني المكث فيه
وضعف أحمد الحديث لأن راويه أفلت مجهول وتأول الآية
__________
(1) 1 - قلت: وقد خفي هذا التحقيق على الشوكاني فقوى حديث عائشة بحديث
أم سلمة كما خفي عليه أن علة الحديث جسرة هذه فانظر " السيل الجرار "
(1/ 109)
(1/32)
على أن (عابري السبيل) هم المسافرون تصيبهم
الجنابة فيتيممون ويصلون وقد روي ذلك عن ابن عباس ".
قوله: " وعن يزيد بن حبيب أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم إلى المسجد
فكانت تصيبهم جنابة فلا يجدون الماء ولا طريق إليه إلا من المسجد فأنزل
الله تعالى: {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} رواه ابن جرير"
قلت: كذا في الأصل: " ابن حبيب " ولعله خطأ مطبعي والصواب: " ابن أبي
حبيب " كما في " تفسير ابن جرير " وكتب الرجال وهو أبو رجاء المصري
وكان فقيها من ثقات التابعين إلا أنه كان يرسل.
فهذه الرواية معللة بالإرسال فلا يفرح بها.
[تمام المنة ص 119].
متى تبلغ الجارية مبلغ النساء؟
185 - وقد روي عن عائشة أنها قالت: (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي
امرأة "). ص 55. موقوف.
رواه الترمذي (1/ 207) والبيهقي (1/ 320) تعليقا بدون إسناد فقال: "
وروينا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: فذكره. وقال: تعني الله أعلم
فحاضت فهي امرأة ".
قلت: وقد روي مرفوعا من حديث ابن عمر كما سيأتي في " النكاح " وبلفظه:
" إذا أتى على الجارية تسع سنين فهي امرأة ". أخرجه أبو نعيم في "
أخبار أصبهان " (2/ 273) وعنه الديلمي في " المسند " (1/ 1 / 89 -
(1/33)
مختصرة) عن عبيد بن شريك حدثني سليمان بنت
شرحبيل ثنا عبد الملك ابن مهران ثنا سهل بن أسلم العدوي عن معاوية بن
قرة قال: سمعت ابن عمر به. قلت: وهذا سند ضعيف عبد الملك بن مهران قال
ابن عدي: " مجهول " وقال العقيلي: " صاحب مناكير غلب عليه الوهم لا
يقيم شيئا من " الحديث ". قلت: ومن دونه لم أعرفهم.
186 - (لقول عائشة: " إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض ".
ذكره أحمد). ص 55 لم أقف عليه.
ولا أدري في أي كتاب ذكره أحمد ولعله في بعض كتبه التي لم نقف عليها.
187 - (لقوله (صلى الله عليه وسلم) في سبايا أوطاس: " لا توطأ حامل حتى
تضع. ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة "). ص 55 صحيح
رواه أبو داود (2157) والدارمي (2/ 171) والدارقطني (ص 472) والحاكم
(2/ 195) والبيهقي (7/ 449) وأحمد (3/ 62) من طريق شريك عن قيس بن وهب
(زاد أحمد: وأبى إسحاق) عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) قال في سبي أوطاس: فذكره بلفظ: ". . . ولا غير
حامل حتى تحيض حيضة " وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". وأقره
الذهبي وفيه نظر فإن شريكا إنما أخرج له مسلم مقرونا وفيه ضعف لسوء
حفظه وهذا معنى قول الحافظ فيه: " صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي
القضاه بالكوفة ".
ومع ذلك فقد سكت عليه في " الفتح " (4/ 351) بل قال في " التلخيص " (ص
63): " وإسناده حسن " وتبعه الشوكاني (6/ 241)
(1/34)
ولعل ذلك باعتبار ماله من الشواهد فقد روى
ابن أبي شيبة في " المصنف " كما في " نصب الراية " (4/ 252) عن الشعبي
أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أوطاس أن توطأ حامل حتى
تضع أو حائل حتى تستبرئ. وكذلك رواه عبد الرزاق وإسناده مرسل صحيح فهو
شاهد قوي للحديث. وروى الدارقطني (ص 398) عن عمرو بن مسلم الجندي عن
عكرمة عن ابن عباس قال فذكره مثل حديث الشعبي. سكت عليه الزيلعي ثم
العسقلاني وإسناده عندي حسن فإن رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال مسلم
غير أبى محمد بن صاعد وهو يحيى بن محمد بن صاعد وهو ثقة حافظ وشيخه عبد
الله بن عمران العابدي وهو صدوق كما قال ابن أبي حاتم في " جرح (2/ 2 /
130) عن أبيه.
وله طريق أخرى من رواية مجاهد عن ابن عباس مرفوعا بالشطر الأول منه
وزاد: " أتسقي زرع غيرك؟! " أخرجه الحاكم (2/ 137) وقال: " صحيح
الاسناد " ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وروى الطيالسي (1679) من حديث
جابر مرفوعا بالشطر الأول. وسنده صحيح وروى الترمذي (1/ 296) والحاكم
(2/ 135) من حديث العرباض ابن سارية مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح
الاسناد " ووافقه الذهبي! وأما الترمذي فأشار لتضعيفه بقوله " حدبث
غريب " فأصاب؛ لأن فيه أم حبيبة بنت العرباض بن سارية لم يرو عنها غير
واحد ولم يوثقها أحد, لكن لا بأس بهذا الطريق في الشواهد. وعن أبي
هريرة مرفوعا به. أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 52)
والدارقطني " الأفراد " (2/ 206). وعن رويفع بن ثابت مرفوعا: " لا يجل
لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره يعني إتيان
الحبالى من السبايا وأن يصيب امرأة ثيبا من السبى حتى
(1/35)
تستبرئها. رواه أبو داود (2158) وأحمد (4/
108) وسنده حسن. ورواه ابن حبان في صحيحه كما في " الزيلعي ". وسيأتي
في الكتاب في " باب استبراء الإماء " من " كتاب العدة ".
وعن علي بن أبي طالب مرفرعا مثل حديث الشعبي. وفي إسناده ضعف وانقطاع
كما قال الحافظ العسقلاني.
وبالجملة فالحديث بهذه الطرق صحيح وقد استدل به المصنف على أن الحامل
إذا رأت دما فليس حيضا لأنه جعل الدليل على براءتها من الحمل الحيض فلو
كان يجتمع الحيض والحمل لم يصلح أن يكون دليلا على البراءة.
وعندي ظاهر ويشهد له ما روى الدارمي (1/ 227، 228) من طريقين عن عطاء
بن أبي رباح عن عائشة قالت: إن الحبلى لا تحبض فإذا رأت الدم فلتغتسل
ولتصل. وإسناده صحيح [إرواء الغليل]
النفاس
أكثره أربعون يوما قالت أم سلمة: كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم أربعين يوما وكنا نطلي وجوهنا بالورس (نبت أصفر
يصبغ به) من الكلف (حمرة كدرة تعلو الوجه). د (50) ت (254) مي (229) مج
(223) قط (2) مس (175) حم (4/ 300، 303، 304، 309) من طرق عن علي بن
عبد الأعلى عن أبي سهل البصري عن مسنة عنه.
(1/36)
ثم أخرجه د مس عن يونس بن رافع عن كثير بن
زياد أبي سهل قال: حدثتني مسنة الأزدية قالت:
حججت فدخلت على أم سلمة فقلت: يا أم المؤمنين إن سمرة بن جندب يأمر
النساء يقضين صلاة الحيض فقالت: لا يقضين كانت المرأة من نساء النبي
صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي صلى
الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس
وقال الترمذي: (حديث غريب). وأما الحاكم فقال:
(صحيح). ووافقه الذهبي
وهو مردود بقوله في ترجمة مسنة الأزدية هذه من (الميزان) - وقد ساق لها
هذا الحديث -: (قال الدارقطني: لا يحتج بها)
قلت: لا يعرف لها إلا هذا الحديث.
وقال الحافظ عنها في (التقريب):
(إنها مقبولة).
لكن الحديث له شواهد كثيرة لا ينزل بها عن مرتبة الحسن لغيره:
فمنها ما روى أبو بلال الأشعري: ثنا أبو شهاب عن هشام بن حسان عن الحسن
عن عثمان بن أبي العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(وقّت للنفساء في نفاسهن أربعين يوما)
(1/37)
أخرجه قط (81) ومس (176) وقال: إن سلم من
أبي بلال فإنه مرسل صحيح فإن الحسن لم يسمع من عثمان. وقال قط: أبو
بلال الأشعري هذا ضعيف.
ومنها عن عائشة نحوه عند الدارقطني من طريق أبي بلال المذكور: ثنا حبان
عن عطاء عن عبد الله بن أبي مليكة عنها. وقال: أبو بلال ضعيف وعطاء هو
ابن عجلان متروك الحديث.
ومنها عن جابر قال:
وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم للنفساء أربعين يوما.
رواه الطبراني في (الأوسط) وفيه أشعث بن سوار وثقه ابن معين واختلف في
الاحتجاج به كما في (المجمع) (281) وفي (التقريب): هو ضعيف.
وفي الباب أحاديث أخرى سيأتي قريبا ذكرها وقد وجدت لها شاهدا قويا
موقوفا أخرجه الدارمي (1/ 229 و 230) من طريق أبي عوانة عن أبي بشر عن
يوسف بن ماهك عن ابن عباس قال:
تنتظر النفساء أربعين يوما أو نحوها.
وهذا سند صحيح على شرط الستة وكذلك أخرجه البيهقي (1/ 341)
فإن رأت الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي. وفيه أحاديث يقوي بعضها
بعضا:
(1) عن أنس قال:
(1/38)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت
للنفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك. مج (224) قط (81) عن
عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن سلام بن سلم عن حميد عنه. وقال قط: لم
يروه عن حميد غير سلام هذا وهو سلام الطويل وهو ضعيف الحديث.
وأما قول صاحب (الزوائد) أن إسناده صحيح ورجاله ثقات وهذا خطأ منشأه
عدم تتبع من خرج الحديث فراجع لذلك التعليق على (لمحلى) (2/ 206) وقد
أخرجه ابن حزم.
(2) عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(تنتظر النفساء أربعين ليلة فإن رأت الطهر قبل ذلك فهي طاهر وإن جاوزت
الأربعين فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل وتصلي فإن غلبها الدم توضأت لكل
صلاة) قط (81) مس (176) من طريق عمرو بن الحصين: ثنا محمد بن عبد الله
بن علاثة عن عبدة بن أبي لبابة عن عبد الله بن باباه عنه وقال قط: عمرو
بن الحصين وابن علاثة ضعيفان متروكان.
(3) عن معاذ بن جبل مرفوعا:
(إذا مضى للنفساء سبع ثم رأت الطهر فلتغتسل ولتصل)
قط (82) عن عبد السلام بن محمد الحمصي ولقبه سليم: ثنا بقية بن الوليد:
أنا علي بن علي عن الأسود عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عنه
به. قال سليم: فلقيت علي بن علي عن الأسود عن عبادة بن نسي عن عبد
الرحمن بن غنم عنه مثله.
الأسود هو ابن ثعلبة شامي.
(1/39)
قلت: ورواه الحاكم (1/ 176) من هذا الوجه
لكنه قال: ثنا بقية بن الوليد: أخبرني الأسود بن ثعلبة به.
فلا أدري أهكذا الرواية عنده أم سقط من نسختنا ذكر علي بن علي. ثم ليس
عنده الإسناد الثاني ثم قال:
(وقد استشهد مسلم ببقية بن الوليد وأما الأسود بن ثعلبة فإنه شامي
معروف).
كذا قال ووافقه الذهبي مع أنه يقول في ترجمته من (الميزان):
(لا يعرف) قاله ابن المديني. وفي (التقريب):
(مجهول).
قال الشوكاني (1/ 247):
(والأدلة الدالة على أن أكثر النفاس أربعون يوما متعاضدة بالسنة إلى حد
الصلاحية والاعتبار فالمصير إليها متعين فالواجب على النفساء وقوف
أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك كما دلت على ذلك الأحاديث
السابقة).
وقال الترمذي (258):
(وقد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن
بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك
فإنها تغتسل وتصلي. فإذا رأت الدم بعد الاربعين فإن أكثر أهل العلم
قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين وهو قول أكثر الفقهاء وبه يقول
سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق)
(1/40)
قلت: وما ذكره عن الشافعي هو قول له؛ وإلا
فالمشهور المذكور في كتب أصحابه أن أكثر النفاس ستون يوما. وحكاه
الترمذي عن عطاء بن أبي رباح والشعبي.
واختلفوا في أقل النفاس على أقوال أقربها إلى الصواب أنه لا حد لأقله
لقوله فيما سبق: فإن رأت الطهر قبل ذلك. وهو قول الشافعي ومحمد وهو
اختيار شيخ الإسلام (16) من (الاختبارات) وابن حزم (2/ 203).
واعلم أن النفاس كالحيض في جميع ما يحل ويحرم ويكره ويندب وقد نقل
الإجماع في ذلك الشوكاني (248) عن (البحر). وقد أجمعوا أن الحائض لا
تصلي فكذلك النفساء.
[الثمر المستطاب 1/ 45 - 50].
غسل المستحاضة لكل صلاة
اغتسال المستحاضة لكل صلاة أو للظهر والعصر جميعا غسلا وللمغرب والعشاء
جميعا غسلا وللفجر غسلا لحديث عائشة قالت: إن أم حبيبة استحيضت في عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها بالغسل لكل صلاة. . الحديث.
وفي رواية عنها: " استحيضت امرأة لى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأمرت أن تعجل العصر وتؤخر الظهر وتغتسل لهما غسلا واحدا وتؤخر المغرب
وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلا وتغتسل لصلاة الصبح
(1/41)
غسلا وإسناد هذه الرواية صحيح على شرط
الشيخين والأولى صحيح فقط كما بينته في " صحيح السنن " (رقم 300 و305)
[تمام المنة ص 122].
نقض المرأة شعرها في الغسل
ومن (غسل المرأة) قوله: " فعن عائشة أن أسماء بنت يزيد سألت النبي صلى
الله عليه وسلم عن غسل المحيض قال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر. .
ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها.
قالت أسماء: وكيف تطهر بها؟ قال: سبحان الله تطهري بها. . وسألته عن
غسل الجنابة فقال: تأخذين ماءك. . فقالت عائشة: نعم النساء نساء
الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين.
رواه الجماعة إلا الترمذي "
قلت: فيه وهمان: الأول: أن جماعة المذكورين لم يرووا الحديث بتمامه
وإنما رواه كذلك من بينهم مسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد (6/ 147 -
148) والسياق له.
وأما بقية الجماعة وهم البخاري والنسائي فإنما أخرجا القسم الأول منه
دون السؤال عن غسل الجنابة وهذا القدر هو الذي عزاه في " المنتقى " (1/
217 - 218 بشرح الشوكاني) لرواية الجماعة إلا الترمذي.
(1/42)
وروى البخاري معلقا قول عائشة في آخره: "
نعم النساء. . " فقال الحافظ في " شرحه " (1/ 84 ا): " هذا التعليق
وصله مسلم. . عن عائشة في حديث أوله: أن أسماء بنت يزيد الأنصاري سألت
النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض. ."
فهذا مما يدلك على وهم نسبته الحديث برمته إلى البخاري.
وقد وقع في هذا الوهم الشيخ محمود السبكي أيضا في " الدين الخالص " (1/
313) والظاهر أنهما قلدا غيرهما فيه.
الثاني: أنه ليس عند أحد المذكورين ممن روى الحديث مختصرا أو تاما أن
السائلة هي أسماء بنت يزيد بل هي عندهم أسماء غير منسوبة وبعضهم لم
يسمها مطلقا اللهم إلا في رواية لمسلم (1/ 180) فإنه سماها: " أسماء
بنت شكل " وما تقدم عن الحافظ أنها عند مسلم: " أسماء بنت يزيد
الأنصاري " وهم منه رحمه الله ولعله منشأ وهم المؤلف أو من نقل هو عنه
والله أعلم.
ثم إن الحديث صريح في التفريق بين غسل المرأة في الحيض وغسلها من
الجنابة حيت أكد على الحائض أن تبالغ في التدليك الشديد والتطهير ما لم
يؤكد مثله في غسلها من الجنابة ,كما أن حديث أم سلمة المذكور في الكتاب
دليل على عدم وجوب النقض في غسلها من الجنابة. وهو المراد في حديث عبيد
بن عمير عن عائشة بقرينة اغتسالها مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا
تعارض بين الأحاديث على هذا التفصيل.
فيجب النقض في الحيض ولا يجب في الجنابة خلافا لما ذهب إليه المصنف
وعلى مذهبه يلزم رد حديث عائشة بدون حجة ولا يجوز.
(1/43)
وقد ذهب إلى التفصيل المذكور الإمام أحمد
وصححه ابن القيم في " تهذيب السنن " فراجعه (1/ 165 - 168) وهو مذهب
ابن حزم (2/ 37 - 40)
[تمام المنة ص125].
188 - " انقضي شعرك واغتسلي. أي في الحيض "
[الصحيحة]
قال رحمه الله:
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1/ 26 / 1): أنبأنا وكيع عن هشام عن
أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في الحيض: فذكره.
وأخرجه ابن ماجه (641) من طريق ابن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا
وكيع به.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وهو عندهما في أثناء حديث عائشة
في قصة حيضها في حجة الوداع وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها:
" انقضي رأسك وامتشطي وأمسكي عن عمرتك .. الحديث وليس فيه " واغتسلي "
وهي زيادة صحيحة بهذا السند الصحيح، وسياق الشيخين، يقتضيها ضمنا، وإن
لم يصرح بها لفظا. ولعل هذا هو وجه استدراك السندي على البوصيري قوله
في " الزوائد ": " وهذا إسناد رجاله ثقات "
(1/44)
فقال السندي " قلت: ليس الحديث من الزوائد،
بل هو في الصحيحين وغيرهما ".
وأقول: ولكل وجهة، فالسندي راعى المعنى الذي يقتضيه السياق كما أشرت
إليه
والبوصيري راعى اللفظ، ولا شك أنه بهذه الزيادة " واغتسلي " إنما هو من
الزوائد على الشيخين، ولذلك أورده البوصيري، وتكلم في إسناده ووثقه.
وكان عليه أن يصرح بصحته كما فعل المجد ابن تيمية في " المنتقى " والله
الموفق.
ولا تعارض بين الحديث وبين ما رواه أبو الزبير عن عبيد بن عمير قال:"
بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن
رؤوسهن، فقالت: يا عجبا لابن عمرو هذا، يأمر النساء إذا اغتسلن أن
ينقضن رؤوسهن!
أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟! لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله
عليه وسلم من إناء واحد، ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات
".
أخرجه مسلم (1/ 179) وابن أبي شيبة (1/ 24 / 1 - 2) والبيهقي (1/ 181)
وأحمد (6/ 43).
أقول: لا تعارض بينه وبين هذا لأمرين:
الأول: أنه أصح من هذا. فإن هذا وإن أخرجه مسلم فإن أبا الزبير مدلس
وقد عنعنه.
(1/45)
الثاني: أنه وارد في الحيض، وهذا في
الجنابة، كما هو ظاهر، فيجمع بينهما بذلك، فيقال يجب النقض في الحيض
دون الجنابة. وبهذا قال الإمام أحمد وغيره من السلف.
وهذا الجمع أولى، فقد جاء ما يشهد لهذا الحديث، عن أم سلمة قالت:" قلت:
يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي، فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال:" لا
إنما يكفيك إن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك فتطهرين ".
(1/46)
|