أحكام النساء - مستخلصا من كتب الألباني

كِتَابُ اَلصَّلَاةِ
عورة المرأة
5 - وأما المرأة فكلها عورة إلا وجهها وكفيها:
وأما كونها عورة فلقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} إلى قوله {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} الآية [31 سورة النور].
قال ابن حزم في (المحلى):
(فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب وهذا نص على ستر العورة والعنق والصدر وفيه نص على إباحة كشف الوجه لا يمكن غير ذلك وقوله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} نص على أن الرجلين والساقين مما يخفى ولا يحل ابداؤه).
وفي قوله: وفيه نص على إباحة كشف الوجه) نظر لأن العلماء اختلفوا في المراد من قوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}.قال الحافظ ابن كثير:
(أي: لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه. قال ابن مسعود: كالرداء والثياب. يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب ,فلا حرج عليها فيه؛ لأن هذا لا يمكنها إخفاؤها. ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها وما لا يمكن إخفاؤه. وقال بقول ابن مسعود: الحسن وابن سيرين وأبو الجوزاء

(1/47)


وإبراهيم النخعي وغيرهم. وقال الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: وجهها وكفيها والخاتم. وروي عن ابن عمر وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء والضحاك وإبراهيم النخعي وغيرهم نحو ذلك. وهذا يحتمل أن يكون تفسيرا للزينة التي نهين عن إبدائها كما قال أبو إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبد الله قال في قوله: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}: الزينة: القرط والدملوج والخلخال والقلادة.
قال الحافظ: ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين وهذا هو المشهور عند الجمهور ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود في (سننه): ثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي ومؤمل بن الفضل الحراني قالا: ثنا الوليد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال: (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا) - وأشار إلى وجهه وكفيه -. لكن قال أبو داود وأبو حاتم: هو مرسل خالد بن دريك لم يسمع من عائشة رضي الله عنها)
قلت: وكل هذه الآثار والأقوال أو جلها ذكرها ابن جريج بأسانيدها في (التفسير) ثم اختار قول ابن عباس ومن تابعه فقال:
(وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من عنى بذلك الوجه والكفين ويدخل في ذلك - إن كان كذلك - الكحل والخاتم والسوار والخضاب. وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال لإجماع الجميع أن على كل مصل أن يستر عورته في صلاته وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها وأن

(1/48)


عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها إلا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لها أن تبدي من ذراعها إلى قدر النصف. فإذ كان كذلك من جميعهم إجماعا كان معلوما بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره وإذا كان لها إظهار ذلك كان معلوما أنه مما استنثاه الله تعالى ذكره بقوله: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}؛ لأن كل ذلك ظاهر منها).
ومال إلى هذا القول القرطبي أيضا فإنه ذكر في (تفسيره) قول ابن عطية:
(ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك فـ {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه). فقال القرطبي:
(قلت: هذا قول حسن إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها. . .) ثم ذكر الحديث السابق عند ابن كثير. ثم قال:
(فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها)
واعلم أن العلماء اتفقوا كما في (مراتب الإجماع) على أن شعر الحرة وجسمها - حاشا وجهها ويدها - عورة. واختلفوا في الوجه اليدين حتى أظفارهما: أعورة هي أم لا؟.

(1/49)


وقد ظهر لك من تفسير الآية الكريمة أنها تدل دلالة دقيقة على أن الوجه والكفين منها ليس بعورة وذلك ما دلت عليه السنة كما يأتي.
(وقوله صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة)
وهو من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وتمامه: (فإذا خرجت استشرفها الشيطان)
أخرجه الترمذي من طريق همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عنه. وقال:
(حديث حسن). وفي نسخة:
(حسن صحيح) (1)
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم. قال المناوي في (فيض القدير):
(ورواه عنه باللفظ المذكور الطبراني وزاد: (وإنها أقرب ما تكون من الله وهي في قعر بيتها) قال الهيثمي: رجاله موثقون. ورواه أيضا ابن حبان عنه)
قلت: وبالزيادة المذكورة أخرجه الخطيب في (تاريخه) من طريق المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أبي الأحوص به فاسقط من الإسناد مورقا.
__________
(1) وكذا في نقل العراقي في التخريج (2/ 53).

(1/50)


(وأما أن وجهها وكفيها ليسا بعورة فلقوله في الآية السابقة:: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} على قول ابن عباس وغيره: إن المراد الوجه والكفان. ويشهد لذلك من السنة:
(1) عن ابن عباس قال: كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن الناس [قال ابن عباس: لا والله ما رأيت مثلها قط] فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه [وجافى يديه] فأنزل الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} [الحجر / 24].
أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير كما سبق. وروى نحوه الطحاوي في (شرح المعاني) والبيهقي في (سننه) عن سعيد بن جبير عنه.
ثم رواه البيهقي من طريق عكرمة عنه ثم قال: وروينا عن أنس بن مالك مثل هذا ثم روى بإسناد عن عقبة بن الاصم عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة رضي الله عنه قالت: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}: الوجه والكفان.
لكن عقبة بن الأصم ضعيف.
ثم قال البيهقي: وروينا عن ابن عمر أنه قال: الزينة الظاهرة: الوجه والكفان. وروينا معناه عن عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وهو قول الأوزاعي.
وقال ابن حزم:
(وقد روينا عن ابن عباس في {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} , قال: الكف والخاتم والوجه. وعن ابن عمر: الوجه والكفان.

(1/51)


وعن أنس: الكف والخاتم. وكل هذا عنهم في غاية الصحة وكذلك أيضا عن عائشة وغيرها من التابعين).
ثم روى البيهقي حديث عائشة مرفوعا:
(إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا - وأشار إلى قول البيهقي:
(مع هذا المرسل قول من مضى من الصحابة رضي الله عنهم في بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة فصار القول بذلك قويا) والله تعالى أعلم.
وأما حديث ابن عباس فهو حديث جيد. رواه نوح بن قيس الحداني عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عنه.
وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم غير عمرو بن مالك وهو ثقة كما قال في (الميزان).
أخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه والحاكم والطيالسي وأحمد وابن جرير في (تفسيره) والطبري في (الكبير) من طرق عنه. والزيادة والأول عند ابن جرير والأخرى عن الحاكم وقال:
(صحيح الإسناد). وقال عمرو بن علي:
(لم يتكلم أحد في نوح بن قيس الطاحي بحجة)
قال الذهبي في (التلخيص):
(قلت: هو صدوق خرج له مسلم) وأما الترمذي فأعلّه بقوله:

(1/52)


(وروى جعفر بن سليمان هذا الحديث عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء نحوه ولم يذكر فيه عن ابن عباس وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح).
قلت: رواية جعفر هذه أخرجها ابن جرير من طريق عبد الرزاق عنه مسندة عن أبي الجوزاء قال في قول الله: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} , قال المستقدمين منكم في الصلاة والمستأخرين.
قلت: وهذه الرواية المرسلة والموقوفة لا تعلل عندي الرواية الأولى الموصولة المرفوعة, لأن مع راويها زيادة علم وقبولها واجب كما تقرر في المصطلح. وأيضا فإن الرواية المرسلة لفظها يدل على أنها رواية مستقلة عن الرواية المرفوعة لأنها مختصرة جدا.
والظاهر أن أبا الجوزاء كان إذا روى الحديث مرفوعا رواه بتمامه في سبب نزول الآية وإذا ذكر الآية مفسرا لها رواه مختصرا غير رافعه ولا مسنده إلى ابن عباس وإن كان هو في الأصل قد أخذه عنه. فظهر بهذا أن الرواية المرسلة لا تعل الرواية الموصولة.
والله أعلم.
وأما قول الحافظ ابن كثير في (تفسيره):
(وهذا الحديث فيه نكارة شديدة) فغير مسلم؛ لأن ذلك البعض الذي كان ينظر من تحت إبطه جاز أن يكون من المنافقين أو من جهلة الأعراب وهذا واضح لا يخفى ,فلا نكارة ولا إشكال. ولذلك لم نر أحدا ممن خرج الحديث أو ذكره وصفه بالنكارة الشديدة حتى ولا الحافظ الذهبي المعروف

(1/53)


بنقده الدقيق للمتون بل صححه كما علمت وهو الذي يقول فيه ابن كثير في (تاريخه) وقد ذكر وفاته سنة:
(وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه رحمه الله).
والحديث دليل على أن النساء كن يصلين وراء النبي صلى الله عليه وسلم مكشوفات الوجوه ويشهد لذلك حديث عائشة رضي الله عنها: كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس.
أخرجه الشيخان وغيرهما وقد مضى في المواقيت رقم (5) من الفجر فإن مفهومه أنهن يعرفن لو لم يكن الغلس ولا يعرفن عادة إلا من الوجوه
ففيه دليل على أن وجه المرأة ليس بعورة في الصلاة وهو إجماع كما يفيده كلام ابن جرير السابق في تفسير الآية. وإذا كان الأمر كذلك فوجهها ليس بعورة خارجها من باب أولى لأن العلماء متفقون على أن الصلاة يطلب فيها ما لا يطلب خارجها فإذا ثبت في الشرع جواز أمر ما داخلها كان ذلك دليلا على جوازه خارجها كما لا يخفى على أنه قد جاء الدليل الصريح على أنه ليس بعورة خارج الصلاة أيضا وهو قولنا:
(2) عن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: (تصدقن فإن أكثركن

(1/54)


حطب جهنم) فقامت امراة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت: لم يا رسول الله؟ قال:
(لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير).
قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن).
وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم والنسائي والدارمي وأحمد من طرق عن عبدالملك بن أبي سليمان قال: ثنا عطاء عنه.
قوله: (سطة). كذا هو عند مسلم ورواية الباقين: (سفلة). ولعل تلك الرواية محرفة أو مصحفة من هذه. قال النووي في (شرح مسلم):
(هكذا هو في النسخ (سطة) بكسر السين وفتح الطاء المخففة وفي بعض النسخ: واسطة النساء. قال القاضي: معناه من خيارهن والوسط العدل والخيار قال: وزعم حذاق شيوخنا أن هذا الحرف مغير في كتاب مسلم وأن صوابه: من سفلة النساء. وكذا رواه ابن أبي شيبة في (مسنده) والنسائي في (سننه). وفي رواية لابن أبي شيبة: امرأة ليست من علية النساء. وهذا ضد التفسير الأول ويعضده قوله بعده: سفعاء الخدين. هذا كلام القاضي. وهذا الذي أدعوه من تغيير الكلمة غير مقبول بل هي صحيحة وليس المراد بها من خيار النساء كما فسره هو بل المراد امرأة من وسط النساء جالسة في وسطهن. قال الجواهري وغيره من أهل اللغة: يقال: وسطت القوم أسطهم وسطأ وسطة أي: توسطتهم
قوله: (سفعاء الخدين) بفتح السني المهملة أي: فيها تغير وسواد) اهـ كلام النووي.

(1/55)


وهذا الحديث يدل على أن النساء كن يحضرن الصلاة مكشوفات الوجوه ولذلك استطاع الرواي أن يصف بعضهن بأنها سفعاء الخدين.
(3) وعن ابن عباس أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع [يوم النحر] والفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث فأخذ الفضل بن عباس يلتفت إليها وكانت امرأة حسناء [وتنظر إليه] فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل فحول وجهه من الشق الآخر زاد غيره: فقال له العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ قال: رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما).
الحديث أخرجه أحمد والنسائي وعنه ابن حزم من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن سليمان بن يسار أخبره أن ابن عباس أخبره به.
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين.
وقد أخرجه البخاري من طريق شعيب عن الزهري به نحوه وفيه الزيادة الأولى.
وكذلك أخرجه البيهقي. ورواه مالك في (الموطأ) عن ابن شهاب به نحوه وفيه الزيادة الثانية
وهو عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي أيضا وكذا أحمد كلهم عن مالك به
ثم رواه النسائي وابن ماجه وأحمد من طرق أخرى عن الزهري نحوه وفيه الزيادة الأولى.

(1/56)


وأما الزيادة الأخيرة فمن طريق غير ابن عباس فهي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه
أخرجه الترمذي وأحمد وابنه عبد الله في (زوائد المسند) من طرق عن عبد الرحمن بن الحارث عن ابن عياش بن أبي ربيعة عن زيد بن علي بن حسين بن علي عن أبيه علي ابن حسين عن عبيد الله بن رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه في حديث له في صفة الحج.
وهذا سند جيد رجاله ثقات وقال الترمذي:
(حسن صحيح)
والحديث فيه دلالة واضحة على أن الوجه من المرأة ليس بعورة؛ لأنه (لو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها عليه السلام على كشفه بحضرة الناس ولأمرها أن تسبل عليه من فوق ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء) قاله بن حزم.
فثبت بذلك كله أن وجهها ليس بعورة لا في الصلاة ولا خارجها وهو قول أكثر العلماء في (بداية المجتهد) وهو مذهب الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم كما في (المجموع). واحتج بذلك بعض الفقهاء بالنظر أيضا وهو أن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء وإلى إبراز الكف للأخذ والعطاء فلم يجعل ذلك عورة.
(4) عن عائشة رضي الله عنها:
أن هند بنت عتبة قالت: يا نبي الله بايعني؟ [فنظر إلى يدها فـ] قال: (لا أبايعك حتى تغيري كفيك كأنهما كفا سبع).

(1/57)


وهذا حديث حسن أخرجه أبو داود في (السنن): ثنا مسلم بن إبراهيم: ثتني غبطة بنت عمرو المجاشيعة قالت: ثتني عمتي أم الحسن عن جدتها عنها.
وهذا سند مسلسل بالمجهولات من النساء لكن قال الذهبي في (الميزان):
(فصل في النسوة المجهولات: وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها).
وله طريق آخر وشواهد يتقوى بها قال ابن أبي حاتم كما في (تفسير ابن كثير): ثنا نصر بن علي: ثني أم عطية بنت سليمان: ثني عمتي عن جدتي عن عائشة قالت:
جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبايعه فنظر إلى يدها فقال: (اذهبي فغيري يدك) فذهبت فغيرتها بحناء ثم جاءت فقال: (أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا) فبايعته وفي يدها سواران من ذهب فقالت ما تقول في هذين السوراين؟ فقال: (جزئين من نار جهنم)
سكت عليه ابن كثير وسنده كالذي قبله وأورده الهيثمي في (المجمع) بأتم منه ثم قال:
(رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفهن)
ومن شواهده:
(1) عن ابن عباس أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تبايعه فقالت ولم تكن مختضبة فلم يبايعها حتى اختضبت.

(1/58)


رواه البزار وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله ثقات كما في (المجمع)
(2) عن مسلم بن عبد الرحمن قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء عام الفتح على الصفا فجاءت امراة كأن يدها رجل فابى أن يبايعها حتى ذهبت فغيرت يدها بصفرة قال الهيثمي:
(رواه الطبراني والبزار وفيه سميسة بنت نبهان ولم أعرفها وبقية رجاله ثقات).
قلت: كذا في الأصل (سميسة) بالسين المهملة ولعله بالمعجمة كما في (الاستيعاب) و (الإصابة) لكن وقع فيه بتقديم السين المهملة على المثناة التحتية والظاهر أنه تحريف أيضا.
والحديث قال الحافظ:
(رواه أبو علي بن السكن والبخاري أيضا والطبراني من طريق عباد بن كثير الرملي عن شمسية بنت نبهان عن مولاها مسلم بن عبدالرحمن به). ثم قال:
(قال ابن حبان: ما أرى حديثها محفوظا)
(3) عن محمد بن إسحاق عن ابن ضمرة بن سعيد عن جدته عن امرأة من نسائهم وكانت قد صلت القبلتين مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (اختضبي تترك إحداكن الخضاب حتى تكون يدها كيد الرجل) قالت: فما تركت الخضاب حتى لقيت الله تعالى وإن كانت لتختضب وهي بنت ثمانين.

(1/59)


أخرجه أحمد: ثنا يزيد بن هارون: أنا محمد بن إسحاق به. قال الهيثمي:
(رواه أحمد وفيه من لم أعرفهم وابن إسحاق وهو مدلس).
قلت: ابن ضمرة بن سعيد أورده في (التعجيل) ثم قال:
(كذا وقع في نسخة وفي النسخ المعتمدة: محمد بن إسحاق عن ضمرة ابن سعيد ليس فيه (ابن) وهو الصواب).
قلت: وعليه فليس فيه من لا يعرف غير جدة ضمرة بن سعيد فإنها لم تسم وأما هو - أعني ضمرة بن سعيد - فثقة من رجال مسلم.
(4) عن السوداء قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه, فقال: (اذهبي فاختضبي ثم تعالي حتى أبايعك). قال الهيثمي:
(رواه الطبراني في (الأوسط) و (الكبير) وفيه من لم أعرفه).
قلت: ورواه ابن سعد في (الطبقات) عن شيخيه عبد العزيز بن الخطاب وإسماعيل بن أبان الوراق كلاهما عن نائلة الكوفية مولاة أبي العيزار عن أم عاصم عنها.
ونائلة هذه لم أجد من ذكرها, وأم عاصم لعلها مولاة سلمة بن المحبق وهي مقبولة كما في (التقريب).
(5) عن عائشة قالت: مدت امرأة من وراء الستار بيدها كتابا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال: (ما أدري أيد رجل أو يد امرأة) فقالت: بل امرأة فقال: (لو كنت امرأة غيرت أظفارك بالحناء).

(1/60)


أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد والبيهقي من طريق مطيع بن ميمون العنبري يكنى أبا سعيد قال: حدثتني صفية بنت عصمة عنها.
وهذا سند لين.
ففي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على أن كف المرأة ليس بعورة؛ لأنه عليه السلام نظر إليه وأمر بخضبه, ليكون ذلك فارقا من الفوارق بين الرجل والمرأة. وفي ذلك إقرار منه صلى الله عليه وسلم لكشفه من المرأة.
وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنه قيل له: أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولولا مكاني من الصغر ما شهدته حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى, ثم خطب ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة فرأيتهن يهوين بأيديهن يقفنه في ثوب بلال ثم انطلق هو وبلال إلى بيته.
أخرجه البخاري ومن طريقه ابن حزم وأبو داود وعنه البيهقي والنسائي من طريق سفيان الثوري قال: ثني عبد الرحمن بن عابس عنه.
ولم يورد ابن حزم في الباب غيره قال:
(فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أيديهن فصح أن اليد من المرأة والوجه ليسا عورة وما عداهما ففرض عليها ستره).

(1/61)


حكم الصلاة بدون خمار
(6 - وإن صلت المرأة بغير خمار يغطي رأسها فصلاتها غير مقبولة لقوله عليه السلام: (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار).
الحديث صحيح أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وأحمد عن حماد بن سلمة وابن حزم في (المحلى) عن حماد بن زيد كلاهما عن قتادة عن ابن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة مرفوعا به. وقال الترمذي:
(حديث حسن) والحاكم:
(صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
ورواه أيضا ابن خزيمة وابن حبان في (صحيحيهما) وإسحاق بن راهويه كما في (نصب الراية) وعزاه للطيالسي أيضا في (مسنده) ولم أجده فيه والله أعلم.
وأعل بعضهم الحديث بأنه روي عن ابن سيرين عن عائشة بدون ذكر صفية بينهما فهو منقطع.
رواه أحمد.
وعن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. . . فذكره
رواه الحاكم والبيهقي فهو مرسل. وليس يخفى أن هذا ليس يقدح في رواية من رواه موصولا لأن ثقة وقد جاء بزيادة وهي مقبولة كما تقرر في المصطلح.
وللحديث شاهد من حديث أبي قتادة بلفظ:

(1/62)


(لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها ولا من جارية بلغت المحيض حتى تختمر).
أخرجه الطبراني في (الصغير) وفي (الأوسط) أيضا.
وفي إسناده من لا يعرف
والحائض في الحديث: من بلغت سن المحيض لا من هي ملابسة للحيض فإنها ممنوعة من الصلاة وهو مبين في رواية ابن خزيمة بلفظ:
(لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار). قال الترمذي:
(والعمل عليه عند أهل العلم أن المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من شعرها مكشوف لا تجوز صلاتها وهو قول الشافعي قال: لا تجوز صلاة المرأة وشيء من جسدها مكشوف قال الشافعي: وقد قيل: إن كان ظهر قدميها مشكوفا فصلاتها جائزة).

حكم الثياب الشفافة في الصلاة
(7 - ولا يجوز أن تكون ثيابها - خمارا كان أو جوربا أو غير ذلك - سخيفا أو شفافا يحكى ما تحته ويصفه لقوله صلى الله عليه وسلم:
(سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رؤسهن كأسنمة البخت العنوهن فإنهن ملعونات). زاد في حديث آخر:
(لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا).

(1/63)


الحديث الأول رواه الطبراني في (الصغير) عن ابن عمرو بإسناد حسن والآخر عند مسلم وغيره عن أبي هريرة. وهما مخرجان في (المصنف) لذا فلا حاجة إلى تخريجهما هنا
والحديث من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وتنبآته الصادقة التي نبأه الله بها حتى ترى ما فيه منطبقا تمام الانطباق على أكثر نساء أهل زماننا ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(فإذا خشيت شيئا مما ذكرت فلتجعل تحت الثياب غلالة, كما قال صلى الله عليه وسلم وعلل ذلك في نفس الحديث بقوله: (فإني أخاف أن تصف حجم عظامها).
الحديث إسناده حسن وهو من رواية أسامة بن زيد قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال: (ما لك لم تلبس القبطية؟) قلت: كسوتها امرأتي فقال: (مُرها فلتجعل تحتها غلالة, فإني أخاف أن تصف حجم عظامها).
أخرجه أحمد والبيهقي من طريق عبد الله بن محمد ابن عقيل عن محمد بن أسامة بن زيد عنه.
والحديث أورده في (المجمع) وقال:
(رواه أحمد والطبراني وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن وفيه ضعف)
قلت: وله شاهد من حديث دحية نفسه.
أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن أيوب: ثني موسى بن جبير أن عباس ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب حدثه عن خالد بن يزيد بن

(1/64)


معاوية عن دحية بن خليفة به نحوه. وفيه أن دحية نفسه الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم القبطية وقال له عليه السلام:
(اجعل صديعها قميصا وأعط صاحبتك صديعا تختمر به) فلما ولى دعاه قال:
(مرها تجعل تحته شيئا لئلا يصف) ولعلها قصة أخرى ثم قال البيهقي:
(وقال بعضهم: عباس بن عبيد الله) قال البخاري:
(من قال: ابن عبيد الله أكثر) وذكر فيمن قال ابن عبيد الله: يحيى بن أيوب وابن جريج. قال البيهقي:
(ورواه عبد الله بن لهيعة عن موسى بن جبير أن عبيد الله بن عباس حدثه).
قلت: حديث ابن لهيعة أخرجه في (سننه) وقال عقبه:
(رواه يحيى بن أيوب فقال عباس بن عبيد الله بن عباس).
وهو الصواب كما قال الحافظ في (التقريب) قال:
(وهو مقبول والراوي عنه موسى بن جبير مستور).
فالحديث بهذا الإسناد ضعيف لكنه يتقوى بما قبله. والله أعلم
وقد رواه الحاكم أيضا وصححه وأعله الذهبي بالانقطاع.

(1/65)


في كم تطيل ثيابها؟
(8 - ويجوز لها بل يجب عليها أن تطيل ذيلها شبرا من الكعبين أو شبرين لا تزيد عليه.
وذلك سترا لأقدامهن, لقوله عليه الصلاة والسلام:
(من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال:
(يرخين شبرا) فقالت: إذن تنكشف أقدامهن قال:
(فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه).
الحديث أخرجه النسائي والترمذي عن عبد الرزاق
قال: ثنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به (1) ... .
وقال الترمذي:
(هذا حديث حسن صحيح).
وهو كما قال. ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين لكنه قد اختلف فيه على نافع فرواه معمر عن أيوب عنه هكذا.
وتابعه العمري عن نافع عن ابن عمر:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للنساء أن يرخين شبرا. . . الحديث نحوه
__________
(1) وأخرجه البيهقي (2/ 233) عن حماد بن زيد عن أيوب به.

(1/66)


أخرجه أحمد.
ورواه يحيى بن أبي كثير عن نافع عن أم سلمة:
أنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذيول النساء. . . الحديث
أخرجه النسائي. ثم أخرجه عن أيوب بن موسى عن نافع عن صفية عن أم سلمة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر في الإزار ما ذكر قالت أم سلمة ... . الحديث
وتابعه أبو بكر بن نافع عن أبيه عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته به.
أخرجه مالك ومن طريقه أبو داود.
وتابعه محمد بن إسحاق عن نافع به.
أخرجه الدارمي والبيهقي وأحمد.
ثم أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد من طرق عن عبيد الله ابن عمر عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة به.
وفي رواية لأحمد عن يحيى عن عبيد الله: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة).
قال: وأخبرني سليمان بن يسار أن أم سلمة ذكرت النساء. . . الحديث.
فهذه أربعة أوجه من الاختلاف على نافع:

(1/67)


1 - عنه عن ابن عمر مباشرة
2 - عنه عن أم سلمة مباشرة
3 - عنه عنها بواسطة صفية بنت أبي عبيد
4 - عنه عنها بواسطة سليمان بن يسار
والراجح عندي من هذه الروايات الأخيرتان:
أما الأولى منهما فلاتفاق ثلاثة من الثقات عليها وهم أيوب بن موسى وأبو بكر بن نافع ومحمد بن إسحاق.
وأما الأخرى فراويها عن نافع عبيد الله بن عمر وهو ثقة ثبت قدمه أحمد بن صالح عن مالك في نافع كما قال الحافظ في (التقريب) فهو بأن يقدم على أيوب أحرى وأولى لا سيما وأن روايته مفصلة حيث صرح بأن الحديث الأول: من جر ثوبه. . . إلخ هو من رواية نافع عن ابن عمر, وأما الحديث الآخر فصرح بأنه من رواته نافع عن سليمان بن يسار عنه ورواية أيوب مجملة ليس فيها هذا التفصيل ومتابعة العمري له لا تنهض به لأنه ضعيف الحفظ - وهو عبد الله بن عمر المكبر - لا سيما وقد خالفه أخوه عبيد الله المصغر الثقة الثبت ثم وجدت ما يدل على أن رواية أيوب قد وردت مفصلة أيضا فقال الإمام أحمد: ثنا إسماعيل: أنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن الذي يجر ثوبه. . .) الحديث قال نافع:
(فأنبئت أن أم سلمة قالت. . . الحديث قال نافع:
فأنبئت أن أم سلمة قالت. . . الحديث

(1/68)


فهذا إسماعيل - وهو ابن إبراهيم بن علية الثقة الحافظ - يبين أيضا أن رواية أيوب مثل رواية عبيد الله من حيث التفصيل غير أن هذا قد سمى الواسطة التي أبهمها أيوب وهي زيادة مقبولة حتما.
والذي يظهر أن هذه الروايات كلها صحيحة وأن نافعا كان تارة يرسل الحديث وتارة يوصله وأن له فيه شيخين: سليمان بن يسار وهو ثقة فاضل أحد الفقهاء السبعة واحتج به الشيخان وصفية بنت أبي عبيد وهي ثقة من رواة مسلم وهي زوج ابن عمر رضي الله عنه.
وللحديث طريق أخرى عن ابن عمر أخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن ابن عمر قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين في الذيل شبرا ثم استزدنه فزادهن شبرا فكن يرسلن إلينا فنذرع لهن ذراعا
ورجاله ثقات رجال مسلم غير زيد العمي وهو ضعيف كما في (التقريب) , فإن صحت هذه الرواية عن ابن عمر فلعله أخذها عن زوجه صفية بنت أبي عبيد التي روت الحديث عن أم سلمة كما سبق آنفا قال الحافظ في (الفتح):
(وأفادت هذه الرواية قدر الذراع المأذون فيه وأنه شبران بشبر اليد المعتدلة).
وله شاهد من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة أو أم سلمة رضي الله عنهما أن تجر الذيل ذراعها.
أخرجه ابن ماجه وأحمد من طريق حماد بن سلمة عن أبي المهزم عنه.

(1/69)


وخالفه حبيب المعلم فرواه عن أبي المهزم عن أبي هريرة عن عائشة نحوه.
أخرجه ابن ماجه أيضا وكذا أحمد.
وأبو المهزم متفق على تضعيفه كما في (الزوائد) وقال الحافظ في (التقريب):
(متروك) (1)
وقال: رواه بعضهم عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحين عن أبيه عن أم سلمة.
قلت: وعلي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف.
والحديث يدل على وجوب ستر قدمي المرأة وهو مذهب الشافعي وغيره.
واعلم أنه لا فرق في ذلك بين الحرة والأمة لعدم وجود دليل الفرق نعم جاءت بعض الأحاديث في الفرق؛ لكنها ضعيفة الأسانيد لا تقوم بها حجة وقد بين ضعفها الحافظ ابن حجر في (التلخيص) فليراجعها من شاء.
وما أحسن ما قال ابن حزم رحمه الله:
(وأما الفرق بين الحرة والأمة فدين الله تعالى واحد والخلقة والطبيعة واحدة فكل ذلك في الحرائر والإماء سواء حتى يأتي نص في الفرق بينهما في شيء فيوقف عنده) ثم قال:
__________
(1) 1 - ولحماد فيه إسناد آخر أخرجه الترمذي (1/ 323) عنه عن علي بن زيد عن أم الحسن عن أم سلمة نحوه.

(1/70)


(وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أن تحريم الزنا بالحرة كتحريم الأمة وأن الحد على الزاني بالحرة كالحد على الزاني بالأمة ولا فرق وأن تعرض الحرة في التحريم كتعرض الأمة ولا فرق ولهذا وشبهه وجب أن لا يقبل قول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بأن يسنده إليه عليه السلام).
[الثمر المستطاب 1/ 308 - 324].

من شروط الصلاة
طهارة البدن والثوب والمكان
(1 - ويجب تطهير البدن من كل نجس لقوله صلى الله عليه وسلم: (عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا من البول) وقوله: (فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي).
الحديث الأول حسن كما قال النووي في (المجموع) وهو من حديث ابن عباس عند الدارقطني وقال:
(لا بأس به).
وله طريقان ذكرناهما في (التعليق الرغيب).
والحديث الثاني صحيح متفق عليه وقد مضى.
وفي الباب أحاديث الاستنجاء.

(1/71)


وقد يقال: إن الحديث الأول خاص بالبول والثاني بدماء النساء. ولا يخفى أن قياس النجاسات الأخرى عليهما قياس صحيح بجامع اشتراكها في علة النجاسة فيجب التنزه من كل نجاسة وغسلها إذا أصابت البدن. وقد قال الخطابي:
(إن جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها إجماعا) كما نقله في (الفتح).
(2 - ولذلك يجب تطهير الثياب من كل نجاسة لقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر / 4].
أي: اغسلها بالماء. قال ابن زيد:
(كان المشركون لا يتطهرون فأمره الله أن يتطهر وأن يطهر ثيابه).
وفي الآية أقوال أخرى أوردها ابن كثير وغيره, والقول المذكور هو الأظهر وهو الذي رجحه النووي في (المجموع) تبعا للبيهقي واختاره ابن جرير وكذا ابن حزم في (المحلى) وقال:
(ومن ادعى أن المراد بذلك القلب فقد خص الآية بدعواه بلا برهان والأصل في اللغة التي بها نزل القرآن: أن الثياب هي الملبوسة والمتوطأة ولا ينقل عن ذلك إلى القلب والعرض إلا بدليل).
وذهب ابن كثير إلى أن الآية قد تشمل الأقوال التي ذكرها وفيها هذا القول الذي رده ابن حزم أي طهارة القلب قال:
(فإن العرب تطلق الثياب عليه).
وابن حزم لم ينكر هذا وإنما أنكر تخصيص الآية بالقلب.

(1/72)


وقد ذهب إلى ما ذهب إليه ابن كثير وابن القيم ولعلهما أخذاه من شيخهما ابن تيمية رحمه الله فقال ابن القيم في (إغاثة اللهفان) - بعد أن ساق الأقوال المشار إليها:
(قلت: الآية تعم هذا كله - وتدل عليه بطريق التنبيه واللزوم إن لم تتناول ذلك لفظا. فإن المأمور به إن كان طهارة القلب فطهارة الثوب وطيب مكسبه تكميل لذلك, فإن خبث الملبس يكسب القلب هيئة خبيثة, كما أن خبث المطعم يكسبه ذلك ,ولذلك حرم لبس جلود النمور والسباع بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك في عدة أحاديث صحاح لا معارض لها لما تكسب القلب من الهيئة المشابهة لتلك الحيوانات, فإن الملابسة الظاهرة تسري إلى الباطن, ولذلك حرم لبس الحرير والذهب على الذكور لما يكتسب القلب من الهيئة التي تكون لمن ذلك لبسه من النساء وأهل الفخر والخيلاء. والمقصود أن طهارة الثوب وكونه من مكسب طيب هو من تمام طهارة القلب وكمالها فإن كان المأمور به ذلك فهو وسيلة مقصودة لغيرها والمقصود لنفسه أولى أن يكون مأمورا به, وإن كان مأمورا به طهارة القلب وتزكية النفس فلا يتم إلا بذلك فتبين دلالة القرآن على هذا وهذا).
(وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ثم تصلي فيه).
هو من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت:
سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع فيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . الحديث.

(1/73)


أخرجه مالك وعنه البخاري ومسلم وأبو داود عن هاشم بن عروة عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير عنها.
وأخرجه البخاري أيضا ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه والدارمي وابن ماجه والبيهقي والطيالسي وأحمد والطيالسي عن هشام ومحمد بن إسحاق عن فاطمة به نحوه.
وله شاهد من حديث أم قيس بنت محصن أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب؟ قال: (حديه بضلع واغسليه بماء وسدر).
أخرجه أبو داود والنسائي والدارمي وابن ماجه والبيهقي وأحمد عن سفيان قال: ثني ثابت الحداد عن عدي بن دينار عنها.
وهذا سند حسن رجاله ثقات غير ثابت وهو ابن هرمز صدوق يهم كما في (التقريب).
والحديث يدل على وجوب تطهير الثياب من النجاسات, وهو وإن كان واردًا في الدم, فسائر النجاسات بمثابته لا فرق بينها في القياس كما قال الخطابي في (المعالم) وفي الباب الأمر بغسل الثوب من بول الجارية وقد مضى في أول الكتاب.
(وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: أصلي في الثوب الذي آتي فيه أهلي؟ قال: (نعم إلا أن ترى فيه شيئا فتغسله).
هو من حديث جابر بن سمرة قال: سأل. . . إلخ
أخرجه أحمد وابن ماجه عن عبيد الله بن عمر وعن عبد الملك بن عمير عنه. قال في (الزوائد):

(1/74)


(هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات).
قلت: ورجاله رجال الشيخين.
وفي الباب عن معاوية أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه؟ قالت: نعم إذا لم يكن فيه أذى.
أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وأحمد عن يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عنه.
وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات وصححه ابن خزيمة وابن حبان كما في (الفتح).
ورواه محمد بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة بلفظ: قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وعلي وعليه ثوب واحد فيه كان ما كان).
أخرجه أحمد من طريق معاوية بن صالح قال: ثنا ضمرة بن حبيب عنه
ورجاله ثقات غير محمد بن أبي سفيان فقال الحافظ في (التقريب):
(مقبول وقيل: الصواب: عنبسة بن أبي سفيان).
قلت: وجزم بذلك الخزرجي في (الخلاصة) فإذا صح ذلك فالإسناد صحيح؛ لأن عنبسة بن أبي سفيان ثقة من رجال مسلم.
وعن عائشة قالت:
كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث حائض فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه ثم يعود فإن أصابه مني شيء فعل مثل ذلك ولم يعده وصلى فيه).

(1/75)


أخرجه أبو داود والنسائي والدارمي عن يحيى بن سعيد القطان: ثني جابر بن صبح قال: سمعت خلاس بن عمرو قال: سمعت عائشة به.
وهذا سند صحيح متصل بالسماع رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير جابر بن صبح - بضم المهملة وسكون الموحدة - وثقه ابن معين وفي (التقريب) أنه صدوق.
ورواه أحمد من طريق أخرى مختصرا بلفظ:
(كان يصلي في الثوب الذي يجامع فيه).
رواه من طريق برد بن سنان عن سليمان بن موسى عنها ورجاله ثقات لكنه منقطع بين سليمان وعائشة وبين وفاتيهما ستون سنة فأكثر.
وفي هذه الأحاديث والأحاديث المتقدمة في المسألة الأولى دلالة وجوب تطهير البدن والثياب من النجاسة وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب الشافعية إلى أن إزالتها شرط لصحة الصلاة قال النووي في (المجموع):
(وبه قال أبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء من السلف والخلف وعن مالك في إزالة النجاسة ثلاث روايات:
أصحها وأشهرها أنه إن صلى عالما بها لم تصح صلاته وإن كان جاهلا أو ناسيا صحت وهو قول قديم عن الشافعي.
والثانية: لا تصح الصلاة علم أو جهل أو نسي.
والثالثة: تصح الصلاة مع النجاسة وإن كان عالما متعمدا وإزالتها سنة ونقل أصحابنا عن ابن عباس وسعيد بن جبير نحوه).

(1/76)


ثم احتج النووي لما ذهب إليه الجمهور بالآية السابقة الذكر وبالأوامر الواردة في الأحاديث المتقدمة, ولا يخفى أن غاية ما تفيده هذه الأوامر هو الوجوب, والوجوب لا يستلزم الشرطية؛ لأن كون الشيء شرطا حكم شرعي وضعي لا يثبت إلا بتصريح الشارع بأنه شرط أو بتعليق الفعل به بأداة الشرط أو ينفي الفعل بدونه (1) نفيا متوجها إلى الصحة لا إلى الكمال أو بنفي الثمرة ولا يثبت بمجرد الأمر به كما قال الشوكاني رحمه الله. فالحق أن إزالة النجاسة ليست شرطا لصحة الصلاة وهو قول الشافعي في القديم وإنما هي واجبة لهذه الأوامر يأثم مخالفها فمن صلى وعلى بدنه أو ثوبه نجاسة كان تاركا لواجب وأما إن صلاته باطلة كما هو شأن فقدان شرط الصحة فلا لما عرفت. ويدل لذلك حديث أبي سعيد الآتي:

حكم من علم بنجاسة وهو في الصلاة:
(3 - ومن علم وهو يصلي بأنه يحمل نجسا, فعليه أن يزيله ويستمر في صلاته ويبني على ما كان قد صلى قبل الإزالة وصلاته صحيحة. فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ذات يوم فلما كان في بعض صلاته خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى الناس ذلك خلعوا نعالهم فلما قضى صلاته قال: (ما بالكم ألقيتم نعالكم؟) قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا - أو قال أذى وفي رواية: خبثا - فألقيتهما. فإذا
__________
(1) ثم لاحظ بعض الإخوان أن حديث ابن سمرة يوجد فيه نفي الفعل أي ترك الصلاة إذا رأى شيئا وحينئذ يلزم إثبات شرطية طهارة الثوب. وهذا أمر ظاهر لأول وهلة فليتأمل ثم ليحرر.

(1/77)


جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر في نعليه فإن رأى فيهما قذرا - أو قال: أذى وفي رواية: خبثا - فليمسحها وليصل فيهما).
هو من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم. . . إلخ.
أخرجه أبو داود والدارمي والحاكم والبيهقي وكذا الطحاوي في (شرح المعاني) والطيالسي وأحمد والسياق له والرواية الأخرى في الموضعين هي رواية له ورواية غيره أخرجوه كلهم عن حماد بن سلمة إلا أبا داود فعن حماد بن زيد كلاهما عن أبي نعامة السعدي عن أبي نضرة عنه. وقال الحاكم:
(صحيح على شرط مسلم) ووافقه الذهبي وابن الوزير في (الروض الباسم) وهو كما قالوا وصححه النووي أيضا في (المجموع)
وأخرجه ابن خزيمة أيضا وابن حبان وأما البيهقي فقد ضعفه أو حاول تضعيفه بقوله:
(حماد بن سلمة عن أبي نعامة عن أبي نضرة كل واحد منهم مختلف في عدالته).
كذا قال وثلاثتهم ثقات احتج بهم مسلم ووثقهم الحافظ في (التقريب)
وقد رد على البيهقي قوله هذا ابن التركماني في (الجوهر النقي) وأطال في ذلك وأحسن ثم إن حماد بن سلمة لم يتفرد به بل تابعه ابن زيد كما سبق على أن البيهقي نفسه روى له شاهدا من حديث أنس وقال:
(وإسناده لا بأس به).

(1/78)


أخرجه من طريق الحاكم - وهو في (المستدرك) - موسى ابن إسماعيل وإبراهيم بن الحجاج قالا: ثنا عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخلع نعليه في الصلاة إلا مرة فخلع الناس فقال (مالكم؟) قالوا: خلعت فخلعنا فقال:
(إن جبريل عليه السلام أخبرني أن فيهما قذرا).
قال البيهقي:
(تفرد به عبد الله بن المثنى).
قلت: وهو من رجال البخاري وكذلك ثمامة فهو صحيح على شرطه (1)
وإن كان ابن المثنى قد تكلم فيه من قبل حفظه حتى قال في (التقريب):
(صدوق كثير الغلط).
قلت: فحديثه في الشواهد لا بأس به وقد أورده الهيثمي في (المجمع) وقال:
(رواه الطبراني في (الأوسط) ورجاله رجال الصحيح ورواه البزار باختصار).
وله شاهد آخر مرسل أخرجه أبو داود: ثنا موسى - يعني ابن إسماعيل-: ثنا أبان: ثنا قتادة: ثني بكر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا قال: فيهما خبث وفي الموضعين: (خبث).
__________
(1) وكذلك صححه الحاكم ووافقه الذهبي.

(1/79)


وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.
وله شواهد أخرى موصولة في أسانيدها ضعف, فليراجعها من شاء في (التلخيص)
وبالجملة فالحديث بهذه الشواهد صحيح حجة لا شبهة فيه, وقد صححه من عرفت من الأئمة
والحديث دليل واضح لما احتججنا له وفي الباب عن عائشة وسيأتي في خاتمة الكلام على المسألة الرابعة. وقد قال الخطابي في (المعالم:
(قلت: فيه من الفقه أن من صلى وفي ثوبه نجاسة لم يعلم بها فإن صلاته مجزية ولا إعادة عليه).
وإلى هذا ذهب الشافعي في القديم كما قال البيهقي ,وعليه يدل عمل ابن عمر رضي الله عنه فقد روى البيهقي عن يزيد بن هارون: أنبأ محمد بن مطرف عن زيد بن مسلم قال: رأيت ابن عمر يصلي في ردائه وفيه دم فأتاه نافع فنزع عنه ردائه وألقى عليه رداءه ومضى في صلاته.
وعن عبد الرزاق: أنبأ معمر عن الزهري عن سالم أن ابن عمر بينما هو يصلي رأى في ثوبه دما فانصرف فأشار إليهم فجاؤوه بماء فغسله ثم أتم ما بقي على ما مضى من صلاته ولم يعد.
قلت: وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد قال في (باب اجتناب النجاسة) من الاختيارات العلمية):
(ومن صلى بالنجاسة ناسيا أو جاهلا فلا إعادة عليه وقاله طائفة من العلماء لأن من كان مقصوده اجتناب المحظور إذا فعله مخطئا أو ناسيا فلا تبطل العبادة به).

(1/80)


وقال ابن القيم في (إغاثة اللهفان):
(ومن ذلك - يعني مما سهل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وشدد فيها الموسوسون - ما أفتى به عبد الله بن عمر وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وطاوس وسالم ومجاهد والشعبي وإبراهيم النخعي والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري والحكم والأوزاعي ومالك وإسحاق بن راهويه وأبو ثور والإمام أحمد في أصح الروايتين وغيرهم: أن الرجل إذا رأى على بدنه أو ثوبه نجاسة بعد الصلاة لم يكن عالما بها أو كان يعلمها لكنه نسيها أو لم ينسها لكنه عجز عن إزالتها أن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه)
ونسب النووي القول بذلك إلى جمهور العلماء ثم قال في (المجموع):
(قال ابن المنذر: وبه أقول وهو مذهب ربيعة ومالك وهو قوي في الدليل وهو المختار).
وإذا صح ما ذهبنا إليه؛ فالحديث دليل على أن إزالة النجاسة ليس شرطا لصحة الصلاة لأنه عليه الصلاة والسلام بنى على ما كان صلى قبل الخلع.
فلو كانت شرطا لاستأنف الصلاة لأن الشرط يؤثر عدمه في عدم المشروط كما تقرر في الأصول قال الشوكاني:
(والحديث استدل به القائلون بأن إزالة النجاسة من شروط صحة الصلاة وهو كما عرفناك عليهم لا لهم؛ لأن استمراره على الصلاة التي صلاها قبل خلع النعل وعدم استئنافه لها يدل على عدم كون الطهارة شرطا وأجاب الجمهور عن هذا بأن المراد بالقذر هو الشيء المستقذر كالمخاط والبصاق ونحوهما ولا يلزم من القذر أن يكون نجسا وبأنه يمكن أن يكون

(1/81)


دما يسيرا معفوا عنه وإخبار جبريل له بذلك لئلا تتلوث ثيابه بشيء مستقذر ويرد هذا الجواب بما قاله في (البارع) في تفسيره قوله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة / 6] أنه كنى بالغائط عن القذر. وقول الأزهري: النجس القذر الخارج من بدن الإنسان. فجعله المستقذر غير نجس أو نجس معفو عنه تحكم وإخبار جبريل في حالة الصلاة بالقذر الظاهر أنه لما فيها من النجاسة التي يجب تجنبها في الصلاة لا لمخافة التلوث لأنه لو كان لذلك لأخبره قبل الدخول في الصلاة لأن القعود حال لبسهما مظنة للتلوث بما فيها على أن هذا الجواب لا يمكن مثله في رواية الخبث المذكورة في الباب للاتفاق بين أئمة اللغة وغيرهم أن الأخبثين هما البول والغائط).
وقال ابن القيم رحمه الله في (إغاثة اللهفان) بعد أن ساق الحديث:
(وتأويل ذلك على ما يستقذر من مخاط أو نحوه من الطاهرات لا يصح لو جوه:
أحدها: أن ذلك لا يسمى خبثا.
الثاني: أن ذلك لا يؤمر بمسحه عند الصلاة فإنه لا يبطلها.
الثالث: أنه لا تخلع النعل في الصلاة فإنه عمل لغير حاجة فأقل أحواله الكراهة.
الرابع: أن الدارقطني روى في (سننه) في حديث الخلع من رواية ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما دم حلمة) والحلم كبار القراد).

(1/82)


أحوال تجوز الصلاة فيها:
(4 - وتجوز الصلاة في أحوال:
الأول: في الثياب التي هي مظنة النجاسة كثياب الحائض والمربية والمرضع والصبي فقد (كان عليه الصلاة والسلام يصلي من الليل وعائشة إلى جانبه وهي حائض وعليها مرط وعليه بعضه) و (كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينب فإذا ركع وسجد وضعها وإذا قام حملها [فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها].
الحديث الأول هو من رواية عائشة رضي الله عنه بلفظ: (وأنا) بالضمير المتكلم بدل: (وعائشة) و (وهي) وبلفظ: (وعلي) بدل: وعليها.
أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وأحمد من طريق عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة عنها.
وله طريق أخرى مختصرا بلفظ: كان نبي الله يصلي وإن بعض مرطي عليه.
أخرجه الحاكم وأحمد عن قتادة عن كثيرة بن أبي كثير عن أب عياض عنها. وقال الحاكم:
(صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير كثير بن أبي كثير وهو مولى عبد الرحمن بن سمرة وقد وثقه العجلي وروى عنه أيوب أيضا.

(1/83)


ورواه أبو يعلى عنها بلفظ:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي فوجد القر فقال:
(يا عائشة أرخي علي مرطك) قالت: إني حائض قال:
(إن حيضتك ليست في يدك). قال الهيثمي:
(وإسناده حسن).
وله شاهد من حديث ميمونة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض وهو يصلي وهو عليه.
أخرجه أبو داود وأبو عوانة وعنه البيهقي وابن ماجه وأحمد من طريق سفيان بن عيينة عن الشيباني عن عبد الله بن شداد عنها. واللفظ لأبي داود ولأحمد نحوه وقال ابن ماجه: (بعضه عليه وعليها بعضه) ورواه البيهقي من طريق الشافعي عن سفيان بلفظ: (بعضه علي وبعضه عليه) وإسناده صحيح على شرط الشيخين وهو عند البخاري ومسلم وأحمد من طرق أخرى عن الشيباني بلفظ: كان يصلي وأنا حذاءه وأنا حائض وربما أصابني ثوبه إذا سجد.
وللحديث شاهد آخر من رواية حذيفة بن اليمان قال:
بت بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة, فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وعليه طرف اللحاف وعلى عائشة طرفه وهي حائض لا تصلي أخرجه أحمد: ثنا أبو نعيم: ثنا يونس عن الوليد بن العيزار قال: قا ل حذيفة. قال الهيثمي:

(1/84)


(رواه أحمد ورجاله ثقات).
قلت: وكلهم من رجال الشيخين لكنه ظاهر الانقطاع فقد أخرجه أحمد أيضا: ثنا وكيع عن يونس عن العيزار بن حريث عن حذيفة به مختصرا. فهذا سند صحيح رجاله رجال مسلم إن كان يونس سمعه من العيزار ولعله سمعه من ابنه الوليد بن العيزار كما في الرواية الأولى. والله أعلم.
(المرط): بكسر الميم وسكون الراء قال في (المعالم): (ثوب يلبسه الرجال والنساء يكون إزارا ويكون رداء وقد يتخذ من صوف ويتخذ من خز وغيره).
والحديث الآخر هو من رواية عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه.
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وكذا مالك والنسائي والدارمي والبيهقي والطيالسي وأحمد من طرق عنه. وما بين المعكوفتين زيادة في رواية لأبي داود والنسائي وأحمد وهي صحيحة الإسناد على شرط الشيخين
وقد أخرجه مسلم إلا أنه لم يسق لفظه. وفي رواية له:
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وفي أخرى له ولأبي داود: يصلي للناس وفي أخرى لأبي داود أنها الظهر أو العصر.
ووردت نحو هذه القصة عن أبي بكرة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي: فإذا سجد وثب الحسن على ظهره وعلى عنقه فيرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعا رفيقا لئلا يصرع قال: فعل ذلك غير مرة. . . الحديث.

(1/85)


أخرجه الطيالسي وأحمد عن مبارك ابن فضالة عن الحسن: أخبرني أبو بكرة.
وهذا سند حسن.
ولهما طريق أخرى من حديث أبي هريرة بنحوها عند أحمد والطبراني في ترجمة الحسن بن علي من (المعجم الكبير) والحاكم من طريق كامل ابن العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة.
كذا قالا ورجاله رجال مسلم غير أبي صالح هذا وليس هو ذكوان بل هو مولى ضباعة وثقه ابن حبان وفي (التقريب):
(لين الحديث).
وقد أورد الحديث الهيثمي في (المجمع) وقال:
(رواه أحمد والبزار باختصار ورجال أحمد ثقات).
وللحسن والحسين قصة أخرى لعلها تأتي في السجود إن شاء الله تعالى
والحديث قال ابن القيم في (الإغاثة): (دليل على جواز الصلاة في ثياب المربية والمرضع والحائض والصبي ما لم يتحقق نجاستها) وقال النووي في (شرح مسلم):
(فيه دليل لصحة صلاة من حمل آدميا أو حيوانا طاهرا من طير وشاة وغيرهما وأن ثياب الصبيان وأجسادهم طاهرة حتى تتحقق نجاستها. . . إلخ) ثم قال:
(وهو يدل لمذهب الشافعي رحمه الله ومن وافقه أنه يجوز حمل الصبي والصبية وغيرهما من الحيوان الطاهر في صلاة الفرض والنفل

(1/86)


ويجوز ذلك للإمام والمأموم والمنفرد وحمله أصحاب مالك رضي الله عنه على النافلة ومنعوا جواز ذلك في الفريضة. وهذا التأويل فاسد؛ لأن قوله: (يؤم الناس) صريح أو كالصريح في أنه كان في الفريضة. وادعى بعض المالكية أنه منسوخ وبعضهم أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم أنه كان لضرورة. وكل هذه الدعاوى باطلة مردودة, فإنه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع, لأن الآدمي طاهر وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه في معدته وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة ودلائل الشرع متظاهرة على هذا والأفعال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت) ثم قال:
(فالصواب الذي لا معدل عنه: أن الحديث كان لبيان الجواز والتنبيه على هذه الفوائد فهو جائز لنا وشرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدين).
هذا وقد يعارض ما تقدم حديث عائشة أيضا قالت: كان لا يصلي في لحف نسائه
أخرجه أبو داود والترمذي والبيهقي من طريق أشعث بن عبد الملك عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عنها. وقال الترمذي:
(حديث حسن صحيح).
قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أشعث هذا وهو ثقة ففيه كما في (التقريب).
ثم رواه أبو داود عن حماد عن هشام عن ابن سيرين عن عائشة وهذا منقطع.
قال حماد:

(1/87)


(وسمعت سعيد بن أبي صدقة قال: سألت محمدا عنه فلم يحدثني وقال: سمعته منذ زمان ولا أدري ممن سمعت ولا أدري أسمعته من ثبت أو لا فسلوا عنه).
قلت: وكذلك رواه سلمة بن علقمة عن ابن سيرين لم يذكر شقيق في إسناده.
أخرجه البيهقي وأخرجه أحمد أيضا عنه عن ابن سيرين قال:
نبئت أن عائشة قالت:
ورواه قتادة عن ابن سيرين:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كره الصلاة في ملاحف النساء.
أخرجه أحمد: ثنا عفان قال: ثنا همام قال: ثنا قتادة به
ورجاله ثقات رجال الستة, لكنه مرسل فهو ضعيف لا سيما بهذا اللفظ الشاذ. ولعله رواية بالمعنى وليس هذا المعنى صحيحا؛ لأن امتناعه عليه الصلاة والسلام من أمر لا يدل على كراهته. لا سيما إذا ثبت أنه فعله مرارا كما تقدم في تلك الأحاديث عن عائشة وميمونة وحذيفة وهي مثبتة وحديث عائشة نافٍ. والمثبت مقدم على النافي عند التعارض وعدم إمكان الجمع ولعل الجمع هنا ممكن بأن يقال: إن عائشة في حديثها هذا إنما نفت استمرار الرسول عليه الصلاة والسلام على الصلاة في لحف نسائه لما يدل عليه صيغة: (كان) وكان لا ينفي أنه كان يفعل ذلك أحيانا ويقوي هذا الجمع أن عائشة نفسها قد روت فعله لذلك كما في الحديث الأول من هذا الفصل وأصرح منه ما سبق في المسألة الثانية عنها أيضا بلفظ:

(1/88)


كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث حائض فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه. . . الحديث. فإن مفهومه أنه كان يصلي في الشعار إن لم يصبه منها شيء.
و (الشِعار): هو الثوب الذي يستشعره الإنسان أي: يجعله مما يلي بدنه والدثار: ما يلبسه فوق الثياب وهو اللحاف
وأصرح من هذا كله حديثها الآخر قالت:
كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارنا وقد ألقينا فوقه كساء فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه ثم خرج فصلى الغداة ثم جلس فقال: رجل: يا رسول الله هذه لمعة من دم فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يليها فبعث بها إلى مصرورة في يد الغلام فقال: (اغسلي هذه وأجفيها ثم أرسلي بها إلي) فدعوت بقُصتي فغسلتها ثم أجففتها فأحرتها إليه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهي عليه).
لكنه من رواية أم يونس بنت شداد قالت: حدثتني حماتي أم جحدر العامرية عنها. ولا يعرف حالهما كما في (التقريب) وقد قال الذهبي في (الميزان):
(وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها)
والحديث أخرجه أبو داود فهو صريح في صلاته عليه السلام في الكساء الذي كان ملتحفا به هو زوجه حتى تبين له أن فيه لمعة الدم فأمر بغلسه ولم يعد الصلاة من أجله لأنه لو أعادها لنقلت إلينا فهو - لو صح

(1/89)


دليل آخر على أن إزالة النجاسة ليس شرطا لصحة الصلاة وهو الحق إن شاء الله تعالى كما سبق بيانه.
وبالجملة فحديث عائشة الذي نحن في صدد الكلام عليه ليس المراد منه نفي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في لحف النساء وثيابهن مطلقا بل المراد نفي دوامه عليه الصلاة والسلام على ذلك هذا ما يفيده مجموع الأحاديث الواردة في هذا الموضوع وطريقة الجمع بينها. والله أعلم
[الثمر المستطاب 1/ 324 - 346]

ذهاب المرأة إلى المسجد وشروطه
2 - إتيانه من النساء بشرطين:
الأول: أن يخرجن غير متطيبات ولا متبرجات بزينة لقوله عليه الصلاة والسلام:
(إذا شهدت إحداكن المسجد (وفي لفظ: (العشاء) فلا تمس طيبا)
الحديث من رواية زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
أخرجه مسلم والنسائي وأبو عوانة وأحمد واللفظ الثاني له من طريق محمد بن عجلان: ثني بكير بن عبد الله ابن الأشج عن بسر بن سعيد عنها.
وهذا سند حسن.
وقد تابعه محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام عن بكر به باللفظ الثاني
أخرجه أحمد والطيالسي وكذا النسائي وتابعه عنده الليث بن سعد باللفظ الأول.

(1/90)


وأخرجه مسلم من طريق مخرمة عن أبيه عن بسر بن سعيد به.
وفي الباب عن أبي هريرة وغيره كما يأتي:
(والثاني: أن يستأذن أزواجهن وعليهم الإذن لقوله صلى الله عليه وسلم:
(لا تمنعوا نساءكم المساجد [بالليل] إذا استأذنكم إليها [ولكن ليخرجن تفلات] [وبيوتهن خير لهن]).
الحديث من رواية ابن عمر رضي الله عنه عنهما.
وله عنه طرق:
1 - الزهري عن سالم بن عبد الله عنه.
أخرجه البخاري ومسلم والدارمي وأحمد من طرق عنه. واللفظ لمسلم وأحمد والزيادة الأولى للبخاري وزاد مسلم:
فقال بلال بن عبدالله: والله لنمنعهن قال: فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته سب مثله قط وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن؟
وهي عند أحمد أيضا دون قوله:
(سبًّا. . .) ألخ. (1)
__________
(1) 1 - وزاد في رواية: قال: وكانت امرأة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تصلي في المسجد فقال لها: إنك لتعلمين ما أحب فقالت: والله لا أنتهي حتى تنهاني. قال: فطعن عمر وإنها لفي المسجد. وأخرجه في مسند عمر (1/ 40) من طريق يحيى بن أبي إسحاق عن سالم بن عبد الله قال: كان عمر رجلا غيورا. فكان إذا خرج إلى

(1/91)


2 - مجاهد عنه بنحوه وفيه الزيادة الأولى.
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.
والطيالسي وأحمد من طرق عنه. وزادوا جميعا إلا البخاري:
(فقال ابن لعبد الله بن عمر: لا ندعهن يخرجن فيتخذنه دغلا. قال: فزبره ابن عمر قال: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: لا ندعهن؟).
وفي رواية لمسلم وأحمد:
(فلطم في صدره).
وزاد أحمد في رواية أخرى:
(فما كلمه عبد الله حتى مات).
وإسنادها صحيح.
وعنده في رواية رابعة الزيادة الثانية من طريق ليث بن أبي سليم عن مجاهد.
وليث ضعيف لكن هذه الزيادة صحيحة لورودها في أحاديث أخرى كما يأتي.
__________
الصلاة اتبعته عاتكة ابنة زيد فكان يكره خروجها ويكره منعها وكان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكر الحديث. ورجاله ثقات رجال الستة غير أنه منقطع كما في (الفتح) (2/ 306) فإن سالما لم يسمع من عمر كما قال شيخه في (المجمع) (2/ 33).

(1/92)


3 - نافع عنه بلفظ:
(لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد من طرق عنه. وزاد البخاري في أوله:
(كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قال: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . فذكره.
4 - عبد الله بن يزيد المقرئ: ثنا سعيد بن أبي أيوب: ثنا كعب بن علقمة عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا بلفظ:
(لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنوكم) فقال بلال: والله لنمنعهن فقال له عبد الله: أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول أنت: لنمنعهن؟
5 - حبيب بن أبي ثابت عنه وفيه الزيادة الأخيرة وهو بلفظ:
(لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن)
أخرجه أبو داود والحاكم وأحمد عن يزيد بن هارون: أنا العوام بن حوشب: أخبرني حبيب به وقال الحاكم:
(صحيح على شرطهما). ووافقه الذهبي وصححه ابن خزيمة أيضا كما في (الفتح) , وكذلك صححه النووي في (المجموع) والعراقي في (التقريب).

(1/93)


6 - عمرو بن دينار عنه:
(لا تمنعوا النساء أن يأتين المساجد. فقال ابنه: والله لنمنعهن فقال ابن عمر: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول هذا؟).
أخرجه الطيالسي: ثنا هشام الدستوائي عن عمرو.
وهذا إسناد صحيح على شرط الستة.
وللحديث شواهد:
منها عن أبي هريرة مرفوعا:
(لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات)
أخرجه أبو داود والدارمي وأحمد من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه.
وهذا سند حسن وسكت عليه المنذري في (مختصره) ورواه ابن خزيمة أيضا كما في (الفتح) وعزاه العراقي في (التقريب) لمسلم وهو وهم.
ومنها عن يزيد بن خالد الجهني مرفوعا مثله.
أخرجه أحمد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام عن بسر بن سعيد عنه. وفي (المجمع):
(رواه أحمد والبزار والطبراني في (الكبير) وإسناده حسن)
كذا قال ورجال أحمد رجال مسلم غير محمد بن عبد الله بن عمرو بن هشام قال في (الخلاصة):

(1/94)


(روى عن بكير بن الأشج وعنه إبراهيم بن سعد وثقه ابن حبان).
وفي (التقريب):
(إنه مقبول).
والحديث رواه ابن حبان أيضا كما في (الفتح).
ومنها عن عائشة مثله.
أخرجه أحمد: ثنا الحكم: ثنا عبد الرحمن بن أبي الرجال فقال أبي يذكره عن أمه عنها به. قالت عائشة:
(ولو رأى حالهن اليوم منعهن).
وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الرحمن بن أبي الرجال وهو صدوق ربما أخطأ كما في (التقريب).
وأم أبي الرجال اسمها عمرة بنت عبد الرحمن.
وقد رواه عنها يحيى بن سعيد مقتصرا على قول عائشة بلفظ:
(لو أدرك رسول الله ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعه نساء بني إسرائيل)
أخرجه مالك ومن طريقه البخاري وكذا أبو داود ورواه مسلم وأحمد من طرق عن يحيى به.
ولأبي هريرة حديث آخر في الباب بلفظ:
(أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة).

(1/95)


أخرجه مسلم وأبو داود (1) من طريق بسر بن سعيد عنه.
ثم رواه هو وابن ماجه من طريق عاصم بن عبيد الله عن عبيد مولى أبي رهم عن أبي هريرة قال:
لقيته امرأة وجد منها ريح الطيب ولذيلها إعصار فقال: يا أمة الجبار جئت من المسجد؟ قالت: نعم قال: وتطيبت: قالت: نعم قال: إني سمعت حبي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول:
(لا تقبل صلاة لامرأة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة).
وهذا سند ضعيف.
عاصم بن عبيد الله ضعيف.
وشيخه عبيد مولى أبي رهم - وهو ابن أبي عبيد - مقبول كما في (التقريب).
ومن هذا الوجه أخرجه الطيالسي وأحمد ثم أخرجه من طريق زائدة عن ليث عن عبد الكريم عن مولى أبي رهم به نحوه.
وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف.
وشيخه عبد الكريم هذا غير معروف كما في (التعجيل).
وقد جاء من طريق أخرى خير من هذه مختصرا:
__________
(1) 1 - ورواه أيضا النسائي (2/ 283) وأحمد (2/ 304).

(1/96)


(إذا خرجت المرأة إلى المسجد فلتغتسل من الطيب كما تغتسل من الجنابة).
أخرجه النسائي من طريق إبراهيم بن سعد قال: سمعت صفوان بن سليم - ولم أسمع من صفوان غيره - يحدث عن رجل ثقة عن أبي هريرة مرفوعا به. وقال النسائي عقبه:
(مختصر).
ورجاله ثقات كلهم غير الرجل الذي لم يسم فإنه مجهول عندنا ولعله عبيد مولى أبي رهم المسمى في الطريق الأولى.
وفي الحديث دليل على جواز حضور النساء المساجد للصلاة بالشروط المذكورة ,ومع ذلك فصلاتهن في بيوتهن خير لهن كما قال عليه الصلاة والسلام في الزيادة الأخيرة وفي معناها أحاديث أخرى لعلها تأتي إن شاء الله تعالى في (صلاة الجماعة).
وفي (الفتح):
(قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث عام في النساء إلا أن الفقهاء خصوه بشروط: منها أن لا تتطيب وهو في بعض الروايات: (وليخرجن تفلات). قلت: هو بفتح المثناة وكسر الفاء أي: غير متطيبات ويقال: امرأة تفلة إذا كانت متغيرة الريح. قال: ويلحق بالطيب ما في معناه لأن سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال. وفرق كثير من الفقهاء المالكية وغيرهم بين الشابة وغيرها وفيه نظر لأنها إذا عريت مما ذكر وكانت مستترة حصل الأمن عليها. ولا سيما إذا كان ذلك بالليل وقد ورد

(1/97)


في بعض طرق الحديث وغيره ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد)
قلت: فذكر الزيادة الأخيرة وما في معناها مما أشرنا إليه ثم قال:
(ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل تحقق الأمن فيه من الفتنة ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة ومن ثم قالت عائشة ما قالت وتمسك بعضهم بقول عائشة في منع النساء مطلقا. وفيه نظر إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم لأنها علقت على شرط لم يوجد بناء على ظن ظنته فقالت: لو رأى لمنع. فيقال عليه: لم ير ولم يمنع. فاستمر الحكم حتى إن عائشة لم تصرح بالمنع ,وإن كان كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع ,وأيضا فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن فما أوحى إلى نبيه بمنعهن, ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى ,وأيضا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن. فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثن والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب لإشارته صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بمنع التطيب والزينة وكذلك التقييد بالليل كما سبق)
قلت: وهذا التقييد يدل على أن الإذن إنما يؤمر به الرجال الأزواج إذا كان طلب الخروج منهن إلى المسجد ليلا وأما إن كان نهارا فلا يؤمرون به فإن شاؤوا أذنوا وإن شاؤا منعوا. قال الحافظ في (شرح التقريب):
(قال ابن بطال: وفي هذه الرواية دليل على أن النهار بخلاف ذلك لنصه على الليل قال: وهذا الحديث يقضي على المطلق, ألا ترى إلى قول عائشة: ما يعرفهن أحد من الغلس).

(1/98)


(وشرط ثالث: وهو أن ينصرفن إلى بيوتهن فور سلامهن مع الإمام الذي يمكث في مكانه ومن وراءه من الرجال حتى يخرجن منه ف (إن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله [وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل [أن يدركهن] الرجال] [فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم] فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال).
الحديث من رواية أم سلمة.
أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وأحمد من طرق عن ابن شهاب: أخبرتني هند بنت الحارث الفراسية أن أم سلمة أخبرتها به والسياق للبخاري والنسائي وأحمد. والزيادة الأولى لأبي داود والبيهقي وأحمد. وللبخاري نحوها وفيها زيادة:
(أن يدركهن).
والزيادة الأخيرة له أيضا.
قال الحافظ:
(وفي الحديث مراعاة الإمام أحوال المأمومين والاحتياط في اجتناب ما قد يفضي إلى المحذور, وفيه اجتناب مواضع التهم وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت ومقتضى التعليل المذكور أن المأمومين إذا كانوا رجالال فقط أن لا يستحب هذا المكث وعليه حمل ابن قادمة حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار

(1/99)


ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. أخرجه مسلم وفيه أن النساء كن يحضرن الجماعة في المسجد).

دخول الحائض المسجد:
(3 - دخول الحائض لا سيما لحاجة لحديث عائشة رضي الله عنه قالت: قال لي رسول الله:
(ناوليني الخمرة من المسجد) فقلت: إني حائض فقال:
(إن حيضتك ليست في يدك) [فناولتها إياه]).
الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه والدارمي والطيالسي وأحمد من طريق الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عنها. والزيادة للطيالسي وليس عنده: (من المسجد).
وقد تابعه عبد الملك بن حميد بن أبي غنية عن ثابت بن عبيد به.
أخرجه أحمد.
وهذه متابعة قوية عبد الملك هذا ثقة احتج به الستة. وقد أخرجه مسلم عنه وعن حجاج معا عن ثابت.
وله طريق أخرى:
أخرجه ابن ماجه عن أبي الأحوص والطيالسي عن سلام كلاهما عن أبي إسحاق عن عبد الله البهي عنها به.
وهذا إسناد صحيح.
وخالفهما إسرائيل فقال: عن أبي إسحاق عن البهي عن عبد الله بن عمر عنها.

(1/100)


أخرجه أحمد.
وكذلك رواه شريك عن أبي إسحاق.
رواه أحمد أيضا.
وخالفهم جميعا زهير فقال: عن أبي إسحاق عن البهي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة. . . الحديث
أخرجه أحمد.
فجعله من مسند ابن عمر لا من روايته عن عائشة, وأغلب الظن أن هذا الاختلاف إنما هو من أبي إسحاق نفسه لا من الرواة عنهم فإنه كان قد اختلط في آخر عمره.
ويترجح عندي أن الصواب رواية من قال عنه عن البهي عنها. فقد تابعه إسماعيل السدي.
أخرجه الدارمي وأحمد والعباس بن ذريح عند أحمد كلاهما عن البهي عنها به.
وفي رواية السدي: أنه عليه الصلاة والسلام كان في المسجد حين قال ذلك. لكن السدي هذا - وهو الكبير إسماعيل بن عبد الرحمن - وإن كان ثقة ففيه كلام وفي (التقريب):
(صدوق يهم).
فمثله إذا تفرد بزيادة دون جميع الرواة لا تطمئن النفس لثبوتها. أقول هذا وإن كانت هذه الزيادة قد صحت عن صحابي آخر وهو أبو هريرة كما

(1/101)


يأتي إلا أنه يحتمل أن تكون هذه قصة أخرى بل هذا هو الأقرب إلى ظاهر الرواية ولفظها.
عن أبي هريرة قال:
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال:
(يا عائشة ناوليني الثوب) فقالت: إني حائض فقال:
(إن حيضتك ليست في يدك). فناولته.
أخرجه مسلم والنسائي وأحمد عن يحيى بن سعيد عن يزيد ابن كيسان عن أبي حازم عنه.
ويدلك أن الواقعة متعددة أن المطلوب في هذه هو: (الثوب) وفي تلك: (الخمرة) - وهي حصير أو نسيج خوص ونحوه من النباتات كما سبق - والقول بأنها واقعة واحدة يحتاج إلى كثير من التكلف كما بينه السندي في حاشيته على مسلم:
أولا: أن المطلوب في الأصل هو الخمرة والثوب معا لكن بعض الرواة اقتصر على ذكر أحدهما أو نسي. وهذا فيه توهيم الراوي ونسبته إلى القصور بدون أي دليل ولا يخفى ما فيه.
ثانيا: أن قوله: (من المسجد) ليس من صلب الحديث ولا من كلامه عليه الصلاة والسلام وإنما هو من قول عائشة فهو متعلق بقولها: قال. أفاده النووي في (شرح مسلم) نقلا عن القاضي.
فأصل الحديث عندهم هكذا: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد: (ناوليني الخمرة) وهذا خلاف ظاهر الحديث ويبعد جدا أن

(1/102)


يكون أصل الحديث ما ذكروا ثم يتفق جميع الرواة على روايته بصورة لا يتبادر إلى الذهن إلا أن قوله: (من المسجد) هو من قوله عليه الصلاة والسلام وأنه متعلق بقوله: (من المسجد) هو من قوله عليه الصلاة والسلام وأنه متعلق (ناوليني) يؤيد ما ذكرنا أن أصحاب السنن الأربعة إلا النسائي ترجموا للحديث بما يدل عليه ظاهره فقالوا:
(باب الحائض تتناول الشيء من المسجد). وقال الترمذي:
(حديث عائشة حسن صحيح وهو قول عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك: بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئا من المسجد). وقال الخطاب في (المعالم):
(وفي الحديث من الفقه أن للحائض أن تتناول الشيء بيدها من المسجد.
وأن من حلف لا يدخل دارا أو مسجدا فإنه لا يحنث بإدخال يده أو بعض جسده فيه ما لم يدخله جميع بدنه).
وكلامه هذا يشير إلى أنه فهم من الحديث أن عائشة إنما أدخلت يدها فقط إلى المسجد, ولذلك استنبط منه ما ذكر من الحلف وهو فهم خفي وتقييد للحديث بما ليس فيه مما يدل عليه ,ولعل الخطابي ممن يرون أن ليس للحائض الدخول إلى المسجد لدليل قام عنده بذلك فقيد الحديث به. وهذا كان سائغا لو أن الدليل صح بذلك ولكنه لم يصح كما سيأتي فينبغي إبقاء الحديث على إطلاقه
وقد جاء ما يؤيد الإطلاق والعموم فقال الإمام: ثنا سفيان عن منبوذ عن أمه قالت:

(1/103)


كنت عند ميمونة فأتاها ابن عباس فقالت: يا بني ما لك شعثا رأسك؟ قال: أم عمار مرجلتي حائض. قالت: أي بني وأين الحيضة من اليد؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن وهي حائض ثم تقوم إحدنا بخمرتها فتضعها في المسجد. أي بنى وأين الحيضة من اليد؟
وأخرجه النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان به مختصرا بلفظ:
(فتبسطها وهي حائض). قال الشوكاني:
(ومحمد بن منصور ثقة ومنبوذ وثقه ابن معين وقد أخرجه بنحو هذا اللفظ عنها عبد الرزاق وابن أبي شيبة والضياء في (المختارة).
وللحديث شواهد.
قلت: لكن أم منبوذ قال في (التقريب):
(مقبولة).
وكذلك قال في ابنها أنه:
(مقبول).
فالإسناد حسن في الشواهد.
ثم قال الشوكاني:
(فهو حجة لمن قال بجواز دخول الحائض المسجد للحاجة ومؤيد لتعليق الجار والمجرور في الحديث الأول بقوله: (ناوليني)؛ لأن دخولها المسجد لوضع الخمرة فيه لا فرق بينه وبين دخولها لإخراجها).

(1/104)


ومن شواهد الحديث التي أشار إليها الشوكاني فيما سبق:
عن ابن عمر:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة:
(ناوليني الخمرة من المسجد) قالت: إنها حائض قال:
(إنها ليست في كفك).
أخرجه أحمد من طريق ابن أبي ليلى عن نافع عنه.
ورجاله رجال الشيخين غير ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ
وقد خالفه عبيد الله بن عمر فرواه موقوفا على ابن عمر
(إنه كان يأمر جاريته أن تناوله الخمرة من المسجد فتقول: إني حائض. فيقول: إن حيضتك ليست في كفك. فتناوله).
هكذا أخرجه الدارمي: أخبرنا محمد بن عيينة عن علي بن مسهر عنه
وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عيينة وقد وثقه ابن حبان وروى عنه جماعة من الثقات. لكن الحديث وإن كان موقوفا فإنه من حيث المعنى مرفوع لأنه لا ينطبق إلا على النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
ومنها عن أبي بكرة:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخادمه:
(ناوليني الخمرة من المسجد) فقالت: إني حائض فقال:
(ناوليني). قال في (المجمع):

(1/105)


(رواه الطبراني في (الكبير) ورجاله موثقون).
ومنها عن أم أيمن قالت:
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(ناوليني الخمرة من المسجد). قلت: إني حائض قال:
(إن حيضتك ليست في يدك). قال الهيثمي:
(رواه الطبراني في (الكبير) وفيه أبو نعيم عن صالح بن رستم؛ فإن كان هو أبو نعيم الفضل بن دكين فرجاله ثقات كلهم وإن كان ضرار بن صرد فهو ضعيف).
وأما الحديث الذي أخرجه أبو داود من طريق الأفلت بن خليفة قال: ثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنه تقول:
جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: (وجهوا هذه البيوت عن المسجد) ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن ينزل فيهم رخصة فخرج إليهم بعد فقال:
(وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) (1) ... .
فهو حديث مختلف فيه ولا يصح لاضطرابه ولتفرد جسرة بنت دجاجة به وهي ليست بالمشهورة فرواه أفلت عنها هكذا.
__________
(1) 1 - وأخرجه البيهقي (2/ 442 - 443) وزاد: إلا لمحمد وآل محمد. وأشار إلى ضعف الحديث.

(1/106)


ورواه محدوج الذهلي عنها قالت: أخبرتني أم سلمة به مختصرا بلفظ:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته:
(إن المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض).
أخرجه ابن ماجه وابن أبي حاتم في (العلل) كلاهما من طريق أبي نعيم: ثنا ابن أبي غنية عن أبي الخطاب الهجري عن محدوج به. وزاد في (العلل): (إلا للنبي ولأزواجه وعلي وفاطمة بنت محمد). قال في (الزوائد):
(إسناد ضعيف: محدوج لم يوثق وأبو الخطاب مجهول).
وكذلك قال ابن حزم في أبي الخطاب وقال في (محدوج) أنه:
(ساقط يروي المعضلات عن جسرة). ثم قال ابن أبي حاتم:
(قال أبو زرعة: يقولون: عن جسرة عن أم سلمة. والصحيح عن عائشة).
وفيه إشارة إلى أن محدوجا لم ينفرد به وهو كذلك فقد قال ابن حزم:
(رويناه عن عبد الوهاب عن عطاء الخفاف عن ابن أبي غنية عن إسماعيل عن جسرة بنت دجاجة عن أم سلمة به وفيه الزيادة). ثم رده ابن حزم بقوله:
(عطاء الخفاف هو عطاء بن مسلم: منكر الحديث وإسماعيل مجهول)
قلت: كذا في (المحلى):
(عبد الوهاب عن عطاء الخفاف). وعلى هامشه:

(1/107)


(في اليمنية: عبد الوهاب بن عطاء الخفاف وهو خطأ).
قلت: وما في النسخة اليمنية هو الموافق لما نقله ابن القيم في (تهذيب السنن) عن ابن حزم ولتعقبه عليه من حيث قال:
(ثم رواه (يعني ابن حزم) من طريق عبد الوهاب بن عطاء الخفاف. قال ابن حزم: عبد الوهاب بن عطاء منكر الحديث وإسماعيل مجهول. وليس الأمر كما قال أبو محمد (يعني ابن حزم) فقد قال ابن معين: إنه ثقة وقال صالح بن محمد: أنكروا على الخفاف حديثا رواه لثور بن يزيد عن مكحول عن كريب عن ابن عباس في فضل العباس وما أنكروا عليه غيره. . وأما إسماعيل؛ فإن كان إسماعيل بن رجايء بن رشد الزبيدي فإنه ذكر في ترجمة ابن أبي عتبة (كذا ولعل الأصل: غنية كما في (المحلى) وإن كان وقع في نقل ابن القيم أيضا عنه عتبة كما هنا والله أعلم) أنه روى عن إسماعيل هذا ولم يذكر في شيوخه إسماعيل غيره فهو ثقة روى له مسلم في (الصحيح). وبعد فهذا الاستثناء (يعني الزيادة المتقدمة) باطل موضوع من زيادة بعض غلاة الشيعة ولم يخرجه ابن ماجه في الحديث).
والخلاصة: أن ابن حزم إنما ألان القول في (عطاء بن مسلم الخفاف) كما صريح كلامه المذكور آنفا وابن القيم ظن أنه إنما عنى به ولده عبد الوهاب بن عطاء فشرع في الرد على ابن حزم ونقل أقوال الأئمة في الثناء عليه وهو بلا شك أحسن حالا من أبيه عطاء كما يتبين ذلك بمراجعة أقوال الأئمة فيهما. وفي (التقريب):
(عبد الوهاب بن عطاء الخفاف صدوق ربما أخطأ) وقال في ترجمة والده عطاء:

(1/108)


(صدوق يخطيء كثيرا).
لكن لم يتبين لي هل راوي الحديث عن ابن أبي غنية هو الوالد أو الولد نظرا لاختلاف النسخ كما سبق. وإن كان المعلق على (المحلى) وهو القاضي أحمد محمد شاكر جزم بالأول وخطأ النسخة المخالفة ولعل حجته في ذلك كلام ابن حزم على عطاء دون عبد الوهاب وعليه يرد هذا السؤال: من يكون عبد الوهاب هذا؟ فإن قيل: إنه ابن عطاء المذكور قلنا بأنا لم نجد من ذكره في الرواة عن أبيه وإن كان غيره فلم أعرفه. والله أعلم
وعلى كل حال فمدار هذا الحديث على جسرة كما في الذين قبله وهي ليست مشهورة بالثقة والعدالة بحيث تطمئن النفس بالاحتجاج بخبرها استقلالا ولم يوثقها أحد من المتقدمين ممن توثيقهم حجة بل قد غمزها البخاري كما يأتي ولذلك ضعف حديثها جماعة من المحدثين أشار إليهم الخطابي في (المعالم) وقال أبو محمد عبد الحق:
(لا يثبت من قبل إسناده).
وتعقبه ابن القطان بما لا يكفي ولا يشفي حيث قال: كما في (نصب الراية):
(وجسرة بنت دجاجة تابعية وقول البخاري في (تاريخه الكبير):
(عندها عجائب) لا يكفي في إسقاط ما روت روى عنها أفلت وقدامة ابن عبد بن عبده العامري).
قلت: فكان ماذا؟ وقدامة هذا ليس بالمشهور أيضا وفي (التقريب):
(قيل هو فليت العامري مقبول).

(1/109)


وذكر في (التهذيب) في الرواة عنه: محدوجا ,وهو مجهول كما سبق وعمر بن عمير بن محدوج ولم أجد له ترجمة.
وبالجملة: فكل من روى عن جسرة غير معروف بالعدالة - حاشا أفلت- فيكف تجعل روايته عنها توثيقا لها. نعم قد صرح بتوثيقها العجلي وابن حبان حيث ذكرها في (الثقات) وتساهله في التوثيق وكذا العجلي معروف لدى من يتبع كلامهما في الرواة المختلف فيهم.
ولذلك ترى الحافظ لم يعتمد على توثيقهما بالرغم من نقله ذلك عنهما في (التهذيب) فقال في (التقريب):
(إنها مقبولة).
يعني أن حديثها ضعيف إذا تفردت كما ذكر في المقدمة وهو قوله:
(السادسة: من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله وإليه الإشارة بلفظ: (مقبول) حيث يتابع وإلا فلين الحديث).
ومما سبق بيانه تعلم أن قول الشوكاني أن الحديث صحيح تبعا لابن خزيمة غير صحيح وقوله:
(قال ابن سيد الناس: ولعمري إن التحسين لأقل مراتبه لثقة رواته ووجود الشواهد له من خارج).
ففيه نظر أيضا؛ لأن هذه الشواهد كَلا شواهد؛ لأن مدارها على جسرة كما سبق. فلم يرد الحديث من غير طريقها من وجه مقبول وإلا لذهبنا إليه

(1/110)


نعم رواه ابن حزم من طريق محمد بن الحسن بن زبالة عن سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن أذن لأحد أن يجلس في المسجد ولا يمر فيه وهو جنب إلا علي بن أبي طالب.
ثم قال:
(ومحمد بن الحسن مذكور بالكذب وكثير بن زيد مثله)
كذا قال وكثير بن زيد هو الأسلمي السهمي ولم ينحط إلى هذه المنزلة ولم يتهم بالكذب, وإنما هو مختلف فيه وثقه بعضهم وضعفه آخرون وفي (التقريب):
(صدوق يخطئ).
وقال في ابن زبالة:
(كذبوه).
فهو علة الحديث.
والمطلب بن عبد الله هو المخزومي وهو كثير التدليس والإرسال كما قال الحافظ فالحديث مرسل أيضا.
وأخرجه الترمذي والبزار أيضا كما في (تخريج الكشاف) من طريق سالم بن أبي حفصة عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا:
(يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك). وقال:

(1/111)


(حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وسمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث فاستغربه).
قلت: وهذا سند ضعيف لأن عطية هو العوفي ضعيف.
وسالم بن أبي حفصة صدوق في الحديث إلا أنه شيعي غال كما في (التقريب) وقال البزار:
(كان شيعيا لكنه لم يترك ولم يتابع على هذا) (1).
ثم رواه البزار من رواية الحسن بن زياد عن خارجة بن سعد عن أبيه سعد مثله سواء وقال:
(لا نعلمه عن سعد إلا بهذا الإسناد).
قلت: والحسن بن زياد هو اللؤلؤي تلميذ أبي حنيفة وقد كذبه جماعة الأئمة كابن معين وغيره
فتبين مما تقدم أنه لا يثبت أي حديث في تحريم دخول الحائض وكذا الجنب إلى المسجد والأصل الجواز فلا ينقل عنه إلا بناقل صحيح تقوم به الحجة. لا سيما وقد صح ما يؤيد هذا الأصل وهو قوله عليه الصلاة والسلام المذكور في الاصل: (ناوليني الخمرة من المسجد) وغيره مما يأتي:
قال ابن حزم:
__________
(1) 1 - ثم رأيت ابن كثير قال في (التفسير) (1/ 501): (إنه حديث ضعيف لا يثبت سالم هذا متروك وشيخه عطية ضعيف).

(1/112)


(وجائز للحائض والنفساء أن يتزوجا وأن يدخلا المسجد وكذلك الجنب؛ لأنه لم يأتي نهي عن شيء من ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن لا ينجس) وقد كان أهل الصفة يبيتون في المسجد بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جماعة كثيرة ولا شك في أن فيهم من يحتلم فما نهوا قط عن ذلك.
وقال قوم: لا يدخل المسجد الجنب والحائض إلا مجتازين. هذا قول الشافعي وذكروا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء / 43] فادعوا أن زيد بن أسلم أو غيره قال: معناه: لا تقربوا مواضع الصلاة.
قال ابن حزم: ولا حجة في قول زيد ولو صح أنه قاله لكان خطأ منه لأنه لا يجوز أن يظن أن الله تعالى أراد أن يقول: لا تقربوا مواضع الصلاة. فيلبس علينا قوله فيقول: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} وروي أن الآية في الصلاة نفسها عن علي بن أبي طالب وابن عباس وجماعة.
وقال مالك: لا يمر فيه أصلا.
وقال أبو حنيفة وسفيان: لا يمرا فيه فإن اضطرا إلى ذلك تيمما ثم مرا فيه واحتج من منع ذلك بحديث. . .)
قلت: فساق حديث عائشة وأم سلمة والمطلب بن عبد الله المتقدم آنفا وقال:
(وهذا كله باطل).

(1/113)


ثم بين عللها بنحو ما سبق ثم ما روى من طريق البخاري بسنده عن عائشة أم المؤمنين:
أن وليدة سوداء كانت لحي من العرب فأعتقوها فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت فكان لها خباء في المسجد أو حفش. قال ابن حزم:
(فهذه امرأة ساكنة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمعهود من النساء الحيض فما منعها عليه الصلاة والسلام من ذلك ولا نهى عنه وكل ما لم ينه عليه الصلاة والسلام عنه فمباح). قال:
(ولو كان دخول المسجد لا يجوز للحائض لأخبر بذلك عليه الصلاة والسلام عائشة إذ حاضت فلم ينهها إلا عن الطواف بالبيت فقط ومن الباطل المتيقن أن يكون لا يحل لها دخول المسجد فلا ينهاها عليه الصلاة والسلام عن ذلك ويقتصر على منعها من الطواف. وهذا قول المزني وداود وغيرهما)
وفي (تفسير القرطبي):
(ورخصت طائفة في دخول الجنب المسجد واحتج بعضهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن ليس بنجس) قال ابن المنذر: وبه نقول).
قلت: وتوسط بعضهم فقال بجواز الدخول إذا توضأ ففي (تفسير العماد ابن كثير):
(وذهب الإمام أحمد إلى أنه متى توضأ الجنب جاز له المكث في المسجد لما روى هو وسعيد بن منصور في (سننه) بسند صحيح: أن

(1/114)


الصحابة كانوا يفعلون ذلك. قال سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز بن محمد - هو الدراوردي - عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصلاة. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. والله أعلم).
قلت: ورواه الدارمي من حديث جابر بلفظ:
(كنا نمشي في المسجد ونحن جنب لا نرى بذلك بأسا).
أخرجه من طريق ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عنه.
ورجاله ثقات. لكن ابن أبي ليلى سيء الحفظ.
وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه.
وقد رواه عنه هشيم أيضا بنحوه.
أخرجه البيهقي.
ولعل الوضوء مستحب لعمل الصحابة. والله أعلم
وبالجملة فلا دليل على تحريم دخول الحائض وكذا الجنب المسجد والأصل الجواز وقد اقترن به ما يؤيده كما سبق. والله تعالى ولي التوفيق.
[الثمر المستطاب 2/ 728 - 755].

(1/115)


إمامة المرأة
قوله: " وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وتقف وسطهن رواه البيهقي "
قلت: في " السنن الكبرى " (1/ 408 و3/ 131) من طريق الحاكم وهو في " المستدرك " (1/ 203 - 204) وفيه ليث وهو ابن أبي سليم ومن طريقه عبد الرزاق (3/ 126) وابن أبي شيبة (1/ 223) دون امامة النساء.
لكن هذه الزيادة تابعه عليها ابن أبي ليلى عن عطاء عن عائشة أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 89)
فأحدهما يقوي الآخر ولها طريق أخرى من حديث رائطة الحنفية أن عائشة أمت نسوة في المكتوبة فأمتهن بينهن وسطا
أخرجه عبد الرزاق (3/ 141) والدارقطني (1/ 404) والبيهقي (3/ 131)
وقال النووي في " المجموع " (4/ 199):
" إسناده صحيح " كذا قال وأقره الزيلعي في " نصب الراية " (2/ 31) وأما الحافظ فسكت عن إسناده في " التلخيص " (2/ 42) وهو أقرب فإن رائطة هذه لم أجد لها ترجمة وفي طبقتها ما في " التهذيب ": " رائطة بنت مسلم.
روت عن أبيها وعنها ابنها عبد الله بن الحارث بن أبزى المكي "

(1/116)


وقال الحافظ في " التقريب ": " لا تعرف ".
فمن المحتمل أن تكون هي هذه أو غيرها فأنى لإسنادها الصحة؟
ولها شاهد من رواية حجيرة بنت حصين قالت: " أمتنا أم سلمة في صلاة العصر قامت بيننا "
رواه عبد الرزاق أيضا وابن أبي شيبة (2/ 88) والبيهقي ورجاله ثقات غير حجيرة هذه فلم أعرفها ومع ذلك صححه النووي أيضا وسكت الحافظ عنه أيضا.
لكن يقويه ما عند ابن أبي شيبة من طريق قتادة عن أم الحسن أنها رأت أم سلمة زوج النبي " صلى الله عليه وسلم " تؤم النساء تقوم معهن في صفهن.
قلت: وهذا إسناد صحيح رواته ثقات معروفون من رجال الشيخين غير أم الحسن هذه وهو البصري واسمها خيرة مولاة أم سلمة وقد روى عنها جمع من الثقات ورمز لها في " التهذيب " بأنها ممن روى لها مسلم وذكرها ابن حبان في " الثقات " (4/ 216)
وبالجملة فهذه الآثار صالحة للعمل بها ولا سيما وهي مؤيدة بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما النساء شقائق الرجال " كما تقدم فيما نقلناه لك من كلام الشوكاني في " السيل الجرار " فتذكره فإنه مهم.
[تمام المنة ص 153 , 154].

(1/117)


أين تقف المرأة في الصف؟
917 - " أخروهن من حيث أخرهن الله. يعني النساء ".
[السلسلة الضعيفة والموضوعة]
قال رحمه الله:
لا أصل له مرفوعا. وقد أشار إلى ذلك الحافظ الزيلعي في " نصب الراية " (2/ 36) بقوله: " حديث غريب مرفوعا. وهو في " مصنف عبد الرزاق "موقوف على ابن مسعود فقال: أخبرنا سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن ابن مسعود قال: كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعا، فكانت المرأة (لها الخليل) تلبس القالبين فتقوم عليهما، تقول بهما لخليلها، فألقي عليهن الحيض، فكان ابن مسعود يقول: أخروهن من حيث أخرهن الله. قيل: فما القالبان؟ قال: أرجل من خشب يتخذها النساء يتشرفن الرجال في المساجد، ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في (معجمه) ".
قلت: ورواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3/ 36 / 2) من طريق زائدة أيضا عن الأعمش به، إلا أنه لم يذكر أبا معمر في سنده. ثم ذكر الزيلعي أن بعض الجهال (كذا) من فقهاء الحنفية كان يعزوه إلى " مسند رزين " و " دلائل النبوة " للبيهقي. قال: " وقد تتبعته فلم أجده فيه لا مرفوعا ولا موقوفا ".

(1/118)


وأفحش من هذا الخطأ أن بعضهم عزاه للصحيحين كما نبه عليه الزركشي، ونقله السخاوي (41) وغيره عنه، ونقل الشيخ علي القاريء في " الموضوعات " عن ابن الهمام أنه قال في شرح الهداية ": لا يثبت رفعه، فضلا عن شهرته، والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود كما في " كشف الخفاء " (1/ 67). قلت: والموقوف صحيح الإسناد، ولكن لا يحتج به لوقفه، والظاهر أن القصة من الإسرائيليات.
ومن العجائب أن الحنفية أقاموا على هذا الحديث مسألة فقهية خالفوا فيها جماهير العلماء، فقالوا: إن المرأة إذا وقفت بجانب الرجل أو تقدمت عليه في الصلاة أفسدت عليه صلاته، وأما المرأة فصلاتها صحيحة، مع أنها هي المعتدية! بل ذهب بعضهم إلى إبطال الصلاة ولو كانت على السدة فوقه محاذية له! وقد استدلوا على ذلك بالأمر في هذا الحديث بتأخيرهن، ولا يدل على ما ذهبوا إليه البتة، وذلك من وجوه:
أولا: أن الحديث موقوف فلا حجة فيه كما سبق.
ثانيا: أن الأمر وإن كان يفيد الوجوب فهو لا يقتضي فساد الصلاة، بل الإثم كما سيأتي عن الحافظ.
ثالثا: أنه لو اقتضى فساد الصلاة فإنما ذلك إذا خالف الرجل الأمر ولم يؤخر المرأة أو لم يتقدم عليها، أما إذا دخل في الصلاة ثم اعتدت المرأة ووقفت بجانبه، أو تقدمت عليه، فلا يدل على بطلان صلاته بوجه من الوجوه، بل لو قيل ببطلان صلاة المرأة في هذه الحالة لم يبعد، لو كان صح رفع الحديث، ومع ذلك فهم لا يقولون ببطلان صلاتها!

(1/119)


وهذا من غرائب أقوال الحنفية التي لا يشهد لصحتها أثر ولا نظر! نعم من السنة أن تتأخر المرأة في الصلاة عن الرجال كما روى البخاري وغيره عن أنس بن مالك قال: " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أم سليم خلفنا ".
قال الحافظ في " شرحه " (2/ 177): " وفيه أن المرأة لا تصف مع الرجل، وأصله ما يخشى من الافتتان بها، فإذا خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور.
وعن الحنفية: تفسد صلاة الرجل دون المرأة، وهو عجيب، وفي توجيهه تعسف، حيث قال قائلهم، دليله قول ابن مسعود هذا، والأمر للوجوب، وحيث ظرف مكان، ولا مكان يجب تأخرهن فيه إلا مكان الصلاة، فإذا حاذت الرجل فسدت صلاة الرجل، لأنه ترك ما أمر به من تأخيرها! وحكاية هذا تغني عن تكلف جوابه. والله المستعان، فقد ثبت النهي عن الصلاة في الثوب المغصوب، وأمر لابسه أن ينزعه، فلو خالف فصلى فيه ولم ينزعه أثم وأجزأته صلاته، فلم لا يقال في الرجل الذي حاذته المرأة ذلك، وأوضح منه لوكان لباب المسجد صفة مملوكة فصلى فيها شخص بغير إذنه مع اقتداره على أن ينتقل عنها إلى أرض المسجد بخطوة واحدة صحت صلاته وأثم، وكذلك الرجل مع المرأة التي حاذته، ولاسيما إن جاءت بعد أن دخل في الصلاة فصلت بجنبه ".

(1/120)