أحكام
النساء - مستخلصا من كتب الألباني كِتَابُ اَلْجَنَائِزِ
صفة كفن المرأة
42 - ولا يجوز المغالاة في الكفن ولا الزيادة فيه على الثلاثة لأنه
خلاف ما كفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في المسألة
السابقة وفيه إضاعة للمال وهو منهي عنه ولا سيما والحي أولى به قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(صحيح) (إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال).
ويعجبني بهذه المناسبة ما قاله العلامة أو الطيب في (الروضة الندية):
(1/ 165):
(وليس تكثير الأكفان والمغالاة في أثمانها بمحمود فإنه لولا ورود الشرع
به لكان من إضاعة المال لأنه لا ينتفع به الميت ولا يعود نفعه على الحي
ورحم الله أبا بكر الصديق حيث قال: (إن الحي أحق بالجديد) لما قيل له
عند تعيينه لثوب من أثوابه في كفنه: (إن هذا خلق).
43 - والمرأة في ذلك كالرجل إذ لا دليل على التفريق.
[أحكام الجنائز ص 85].
وأما حديث (حديث ليلى بنت قائف الثقفية قالت: " كنت فيمن غسل أم كلثوم
ابنة النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاتها فكان أول ما أعطانا رسول
الله صلى الله عليه وسلم الحقا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم
(1/121)
أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر " رواه. أبو
داود). ص 170 ضعيف. رواه أبو داود (3157) وأحمد (6/ 380) من طريق نوح
ابن حكيم الثقفي - وكان قارئا للقرآن - عن رجل من بني عروة بن مسعود
يقال له داود قد ولدته أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه
وسلم عن ليلى بنت قائف الثقفية به قلت: وهذا سند ضعيف نوح هذا مجهول
كما في (التقريب)
[إرواء الغليل 723]
زيارة القبور
النساء كالرجال في استحباب زيارة القبور
772 - (قوله (صلى الله عليه وسلم) " كنت نهيتكم عن زيارة القبور
فزوروها فإنها تذكركم الموت " رواه مسلم وللترمذي: " فإنها تذكر
الآخرة"). ص 179
صحيح أخرجه مسلم (3/ 65) وأبو نعيم في " مستخرجه " (5/ 37 / 1)
والنسائي (1/ 286) وابن ماجه (1572) وابن أبي شيبة (4/ 139) والبيهقي
(4/ 76) وأحمد (2/ 441) من حديث أبي هريرة قال: " زار النبي (صلى الله
عليه وسلم) قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر
لها فلم يأذن لي واستاذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزورا القبور
فإنها تذكر الموت ".
(1/122)
وأما الترمذي فأخرجه (1/ 196) من حديث
سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): قد
كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها
فإنها تذكركم الآخرة ".
ورواه البيهقي أتم منه بلفظ قال: (خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) في سفر فنزلنا منزلا ونحن معه قريبا من ألف راكب فقام فصلى
ركعتين ثم أقبل علينا وعيناه تذرفان, فقام إليه عمر رضى الله عنه ففداه
بالأب والأم وقال له: مالك يا رسول الله! قال: قال إني استأذنت ربي في
استغفاري لأمي فلم يأذن لي فبكيت لها رحمة لها من النار وإنى كنت
نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولتزدكم زيارتها خيرا ".
وكذا رواه أحمد (5/ 355) من طريق زهير عن زبيد بن الحارث اليامي عن
محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه به والزيادة لأحمد وكذا البيهقي في
رواية وإسناده صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه في صحيحه (3/ 65، 5/ 82)
إلا أنه لم يسق لفظه وإنما أحال على لفظ آخر مختصر قبله من طريق أبي
سنان وهو ضرار بن مرة عن محارب بن دثار به. وهكذا رواه النسائي (1/
285) وأحمد أيضا (5/ 350) بلفظ: " نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ".
وفي رواية لأحمد (5/ 356 - 357) من طريق أيوب بن جابر عن سماك عن
القاسم بن عبد الرحمن عن ابن بريدة عن أبيه قال: " خرجت مع النبي (صلى
الله عليه وسلم) حتى إذا كنا بودان قال: مكانكم حتى آتيكم فانطلق ثم
جاءنا وهو سقيم فقال: إني أتيت قبر أم محمد. . . " الحديث نحوه.
(1/123)
وأيوب هذا ضعيف لكن تابعه سفيان (وهو
الثوري) عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: " لما فتح
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " مكة أتى حرم قبر فجلس إليه فجلس
(الأصل: فجعل) كهيئة المخاطب وجلس الناس حوله فقام وهو يبكى فتلقاه عمر
- وكان من أجرأ الناس عليه فقال: بأبي أنت وأمي يارسول الله ما الذي
أبكاك؟ قال: هذا قبر أمي سألت ربي الزيارة فأذن لي وسألته الاستغفار
فلم يأذن لي فذكرتها فذرفت نفسي فبكيت قال: فلم ير يوما كان أكثر باكيا
منه يومئذ ".
أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 139): حدثنا محمد بن عبد الله الاسدي عن سفيان
به.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم أيضا إلا الاسدي هذا هو ثقة كما قال
ابن معين وأبو داود وغيرهما ولم يتفرد به فقد أخرجه أحمد (5/ 359، 361)
من طريق أبي جناب عن سليمان بن بريدة عن أبيه: أن رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) غزا غزوة الفتح فخرج يمشي إلى القبور حتى إذا أتى إلى
أدناها جلس إليه كأنه يكلم انسانا. . . " الحديث نحوه. ورجاله ثقات غير
أن أبا جناب هذا واسمه يحيى بن أبي حية قال الحافظ في " التقريب ": "
ضعفوه لكثرة تدليسه ". وسليمان بن بريدة قد تابعه أخوه عبد الله وعنه
سلمة بن كهيل بلفظ: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في
زيارتها عظة وعبرة "
أخرجه أحمد (5/ 356) من طريق محمد بن إسحاق عن سلمة به. ورجاله ثقات
لولا عنعنة ابن اسحاق. لكنه لم يتفرد به فقد أخرجه النسائي (1/ 286) من
طريق أخرى عن المغيرة بن سبيع حدثني عبد الله بن بريدة به بلفظ: ". . .
فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هجرا ".
(1/124)
والمغيرة هذا ثقة وكذلك بقية الرجال فالسند
صحيح.
[إرواء الغليل 772].
118 - وتشرع زيارة القبور للاتعاظ بها وتذكر الاخرة شريطة أن لا يقول
عندها ما يغضب الرب سبجانه وتعالى كدعاء المقبور والاستغاثة به من دون
الله تعالى، أو تزكيته والقطع له بالجنة، ونحو ذلك، وفيه أحاديث.
الأول: عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): (إني
كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، [فإنها تذكركم الاخرة]، [ولتزدكم
زيارتها خيرا]، [فمن أراد أن يزور فليزر، ولا تقولوا هجرا]). أخرجه
مسلم (53/ 6، 6/ 82) وأبو داود (2/ 72، 131) ومن طريقة البيهقي (4/ 77)
والنسائي (1/ 285، 286، 2/ 329، 330) وأحمد (5/ 350، 355، 356، 361).
والزيادة الأولى والثانية له، ولأبي داود الأولى بنحوها وللنسائي
الثانية والثالثة.
قال النووي رحمه الله في (المجموع) (5/ 310): والهجر: الكلام الباطل،
وكان النهي أولا لقرب عهدهم من الجاهلية فربما كانوا يتكلمون بكلام
الجاهلية الباطل، فلما استقرت قواعد الاسلام، وتمهدت أحكامه، واشتهرت
معالمه أبيح لهم الزيارة، واحتاط (ص) بقوله: (ولا تقولوا هجرا).
قلت: ولا يخفي أن ما يفعله العامة وغيرهم عند الزيارة من دعاء الميت
والاستغاثة به وسؤال الله بحقه لهو من أكبر الهجر والقول الباطل، فعلى
العلماء أن يبينوا لهم حكم الله في ذلك، ويفهموهم الزيارة المشروعة
والغاية منها.
(1/125)
وقد قال الصنعاني في (سبل السلام) (2/ 162)
عقب أحاديث في الزيارة والحكمة منها: (الكل دال على مشروعية زيارة
القبور وبيان الحكمه فيها، وأنها للاعتبار - ... ، فإذا خلت من هذه لم
تكن مرادة شرعا).
الثاني: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (ص): (إني نهيتكم عن
زيارة القبور فزوروها، فإن فيها عبرة.
[ولا تقولوا ما يسخط الرب]).
أخرجه أحمد (3/ 38، 63، 66) والحاكم (1/ 374 - 375) وعنه البيهقي (4/
77) ثم قال: (صحيح على شرط مسلم)، ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
ورواه البزار أيضا والزيادة له كما في (مجمع الهيثمي) (3/ 58) وقال:
(وإسناده رجاله رجال الصحيح).
قلت: وهي عند أحمد بنحوها من طريق أخرى، وإسنادها لا بأس به في
المتابعات، ولها شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بلفظ البزار أخرجه
الطبراني في (المعجم الصغير) (ص 183) ورجاله موثقون.
الثالث: عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص):
(كنت نهتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب، وتدمع العين،
وتذكر الاخرة، ولا تقولوا هجرا).
أخرجه الحاكم (1/ 376) بسند حسن، ثم رواه (1/ 375، 376) وأحمد (3/ 237
250) من طريق أخرى عنه بنحوه، وفيه ضعف.
وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه، وسيأتي.
(1/126)
119 - والنساء كالرجال في استحباب زيارة
القبور، لوجوه:
الأول: عموم قوله (ص) ( .. فزوروا القبور) فيدخل فيه النساء.
وبيانه: أن النبي (ص) لما نهى عن زيارة القبور في أول الأمر.
فلا شك أن النهي كان شاملا للرجال والنساء معا، فلما قال (كنت نهيتكم
عن زيارة القبور) كان مفهوما أنه كان يعني الجنسين ضرورة أنه يخبرهم
عما كان في أول الأمر من نهي الجنسين، فإذا كان الأمر كذلك، كان لزاما
أن الخطاب في الجملة الثانية من الحديث وهو قوله: (فزوروها) إنما أراد
به الجنسين أيضا.
ويؤيده أن الخطاب في بقية الأفعال المذكورة في زيادة مسلم في حديث
بريدة المتقدم آنفا: (ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا
لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا
تشربوا مسكرا)، أقول: فالخطاب في جميع هذه الافعال موجه إلى الجنسين
قطعا، كما هو الشأن في الخطاب الأول: (كنت: نهيتكم)، فإذا قيل بأن
الخطاب في قوله (فزوروها) خاص بالرجال، اختل نظام الكلام وذهبت طراوته،
الامر الذي لا يليق بمن أوتي جوامع الكلم، ومن هو أفصح من نطق بالضاد،
صلى الله عليه وسلم، ويزيده تأييدا الوجوه الآتية:
الثاني: مشاركتهن الرجال في العلة التي من أجلها شرعت زيارة القبور:
(فإنها ترق القلب وتدمع العين) وتذكر الآخرة).
الثالث: أن النبي (ص) قد رخص لهن في زيارة القبور، في حديثين حفظتهما
لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
(1/127)
1 - عن عبد الله بن أبي مليكة: (أن عائشة
أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟
قالت: من قبر عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله (ص)
نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم: ثم أمر بزيارتها).
وفي رواية عنها (أن رسول الله (ص) رخص في زيارة القبور).
أخرجه الحاكم (1/ 376) وعنه البيهقي (4/ 78) من طريق بسطام بن مسلم عن
أبي التياح يزيد بن حميد عن عبد الله بن أبي مليكة، والرواية الأخرى
لابن ماجه (1/ 475) قلت: سكت عنه الحاكم، وقال الذهبي (صحيح)، وقال
البوصيري في (الزوائد) (988/ 1): (إسناده صحيح رجاله ثقات).
وهو كما قالا.
وقال الحافظ العراقي في (تخريج الاحياء) (4/ 418): (رواه ابن أبي
الدنيا في (القبور) والحاكم بإسناد جيد) (1)
__________
(1) 1 - قلت: وقد أعله ابن القيم بشئ عجيب، والاخرى بلا شئ! فقال في
(تهذيب السنن) (4/ 350): (وأما رواية البيهقي فهي من رواية بسطام بن
مسلم، ولو صح، فعائشة تأولت ما تأول غيرها من دخول النساء)! قلت:
وبسطام ثقة بدون خلاف أعلمه، فلا وجه لغمز ابن القيم له، والاسناد صحيج
لا شبهة فيه.
ولا يعله ما أخرجه الترمذي (2/ 157) من طريق ابن جريج عن عبد الله ابن
أبي مليكة قال: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر ب (الحبشي) (مكان بينه وبين
مكة اثنا عشر ميلا) فحمل إلى مكة فدفن فيها، فلما قدمت عائشة أتت قبر
عبد الرحمن بن أبى بكر فقالت: وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى
قيل: لن يتصدعا فلما تفرقتا كأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك) وكذا
أخرجه أبن أبي شيبة في (المصنف) (4/ 140)، واستدركه
(1/128)
2 - عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه
قال يوما: ألا أحدثكم عني وعن أمي؟ فظننا أنه يريد أمه التي ولدته،
قال: قالت عائشة: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله (ص)؟ قلنا: بلى: قالت:
(لما كانت ليلتي المتي كان النبي (ص) فيها عندي، انقلب فوضع رداءه،
وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع، فلم
يلبث إلا ريثما ظهر أنه قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح
الباب [رويدا]، فخرج، ثم أجافه رويدا، فجعلت درعي في رأسي واختمرت:
وتقنعت إزاري (1)، ثم انطلقت على اثره حتى جاء البقيع، فقام فأطال
القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، وأسرع فأسرعت.
فهرول فهرولت.
__________
الهيثمي فأورده في (المجمع) وقال: (3/ 60): (رواه الطبراني في الكبير
ورجاله رجال الصحيح)، فوهم في الاستدراك لاخراج الترمذي له، ورجاله
رجال الشيخين لكن ابن جريح مدلس وقد عنعنه.
فهي علة الحديث، ومع ذلك فقد ادعى ابن القيم (4/ 349) أنه (المحفوظ مع
ما فيه).
كذا قال، بل هو منكر لما ذكرنا ولأنه مخالف لرواية يزيد بن حميد وهو
ثقة ثبت عن ابن أبي مليكة، ووجه المخالفة ظاهرة من قوله (ولو شهدتك ما
زرتك) فانه صريح في أن سبب الزيارة إنما هو عدم شهودها وفاته، فلو شهدت
ما زارت، بينما حديث ابن حميد صريح في أنها زارت لان النبي صلى الله
عليه وسلم أمر بزيارة القبور، فحديثه هو المحفوظ خلاف ما ذهب إليه ابن
القيم رحمه الله تعالى.
وأما ما ذكره من تأول عائشة فهو محتمل، ولكن الاحتمال الاخر وهو أنها
زارت بتوقيف منه صلى الله عليه وسلم أقوى بشهادة حديثها الآتي.
(1) 1 - بغير باء التعدية، بمعنى لبست إزاري فلهذا عدي بنفسه.
(1/129)
فأحضر فأحضرت، فسبقته، فدخلت، فليس إلا أن
اضجعت، فدخل فقال، مالك يا عائش (1) حشيا (2) رابية؟ قالت: قلت: لا شئ
[يا رسول الله]، قال: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قالت: قلت: يا
رسول الله بأبي أنت وأمي، فأخبرته [الخبر]، قال: فأنت السواد الذي رأيت
أمامي؟ قلت: نعم، فلهزني في صدري لهزة (3) ... أوجعتي، ثم قال: أظننت
أن يحيف الله عليك ورسوله!؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله، [قال]:
نعم قال: فإن جبريل أتاني حين رأيت فناداني - فأخفاه منك، فأجبته،
فأخفيته منك، ولم يكن ليدخل عليك، وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت،
فكرهت أن أوقظك ,وخشيت أن تستوحشي - فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل
البقيع فتستغفر لهم، قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي:
السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين
منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون).
أخرجه مسلم (3/ 14) والسياق له والنسائي (1/ 286 /، 2/ 160، 160 - 161)
وأحمد (6/ 221) والزيادات له إلا الأولى والثالثة فإنها للنسائي (4).
__________
(1) 1 - يجوز في (عائش) فتح إلشين وضمها، وهما وجهان جاريان في كل
المرخمات.
(2) 2 - بفتح المهملة وإسكان المعجمة معناه وقع عليك الحشا وهو الربو
والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه من ارتفاع النفس وتواتره.
وقول: (رابية) أي مرتفعة البطن.
(3) 3 - اللهز: الضرب بجمع الكف في الصدر.
(4) 4 - والحديث استدل به الحافظ في (التلخيص) (5/ 248) على جواز
الزيارة للنساء وهو ظاهر الدلالة عليه، وهو يؤيد أن الرخصة شملهن مع
الرجال، لأن هذه القصة إنما كانت في المدينة، لما هو معلوم أنه صلى
الله عليه وسلم بنى بعائشة في المدينة،
(1/130)
__________
=والنهي إنما كان في أول الامر في مكة، ونحن نجزم بهذا وإن كنا لا نعرف
تاريخا يؤيد ذلك، لأن الاستنتاج الصحيح يشهد له، وذلك من قوله صل الله
عليه وسلم: (كنت نهيتكم) إذ لا يعقل في مثل هذا النهي أن يشرع في العهد
المدني، دون العهد المكي الذي كان أكثر ما شرع فيه من الأحكام إنما هو
فيما يتعلق بالتوحيد والعقيدة، والنهي عن الزيارة من هذا القبيل لأنه
من باب سد الذرائع، وتشريعه إنما يناسب العهد المكي لان الناس كانوا
فيه، حديتي عهد بالإسلام، وعهدهم بالشرك قريبا، فنهاهم صلى الله عليه
وسلم عن الزيارة لكي لا تكون ذريعة إلى الشرك، حتى إذا استقر التوحيد
في قلوبهم، وعرفوا ما ينافيه من أنواع الشرك أذن لهم الزيارة، وأما أن
يدعهم طيلة العهد المكي على عادتهم في الزيارة، ثم ينهاهم عنها في
المدينة فهو بعيد جدا عن حكمة التشريح، ولهذا جزمنا بأن النهي إنما كان
تشريعه في مكة، فإذا كان كذلك فأذنه لعائشة بالزيارة في المدينة دليل
واضح على ما ذكرنا، فتأمله فانه شئ انقدح في النفس، ولم أر من شرحه على
هذا الوجه، فان أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.
وأما استدلال صاحب رسالة (وصية شرعية) على ذلك بقوله (ص 26): (وقد أقر
الرسول صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها على زيارة قبر
عمها حمزة رضي الله عنه).
فهو استدلال باطل، لأن الإقرار المذكور لا أصل له في شئ من كتب السنة،
وما أظنة إلا وهما من المؤلف، فإن المروي عنها رضي الله عنها إنما هو
زيارة فقط ليس في ذكر للاقرار المزعوم أصلا، ومع ذلك فلا يثبت ذلك
عنها، فإنه من رواية سليمان بن داود عن جعفر بن محمد عن أبيه على بن
الحسين عن أبيه أن فاطمة بنت النبي صلي الله عليه وسلم كانت تزور قبر
عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده.
هكذا أخرجه الحاكم (1/ 377) ومن طريقه البيهقي (4/ 78) وقال: (كذا قال،
وقد قيل عن سليمان بن داود عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه دون ذكر
على بن الحسين عن أبيه فيه، فهو منقطع).
وقال الحاكم: (رواته عن آخرهم ثقات)! ورده الذهبي بقوله:
(قلت: هذا منكر جدا، وسليمان ضعيف).
قلت: وأنا أظنه سليمان بن داود بن قيس الفراء المدني، قال أبو حاتم
(شيخ لا أفهمه فقط كما ينبغي) وقال الأزدي: (تكلم فيه) ولهذا أورده
الذهبي في (الضعفاه)، وحكى
(1/131)
الرابع: إقرار النبي (ص) المرأة التي رآها
عند القبر في حديث أنس رضي الله عنه: (مر رسول الله (ص) بامرأة عند قبر
وهي تبكي، فقال لها: اتقي الله واصبري .. ) رواه البخاري وغيره، وقد
مضى بتمامه في المسألة (19) (ص 22)، وترجم له (باب زيارة القبور).
قال الحافظ في (الفتح): وموضع الدلالة منه أنه (ص) لم ينكر على المرأة
قعودها عند القبر، وتقريره حجة).
وقال العيني في (العمدة) (3/ 76): (وفيه جواز زيارة القبور مطلقا، سواء
كان الزائر رجلا أو امرأة: وسواء كان المزور مسلما أو كافرا، لعدم
الفصل في ذلك).
__________
=قول الأزدي المذكور، فلا تغتر بسكوت الحافظ على هذا الأثر في
(التلخيص) (ص 167)، وإن تابعه عليه الشوكاني كما هي عادته في (نيل
الأوطار) (4/ 95)!! على أنه وقع عند الأول (على بن الحسين عن على)،
فجعله من مسند علي رضي الله عنه وإنما هو من رواية ابنه الحسين رضي
الله عنهما، كما عند الحاكم، أو من رواية جعفر بن محمد عن أبيه كما في
رواية البيهقي المعلقة، فلعل ما في (التلخيص) وهو قوله (عن علي) محرف
عن (عن أبيه).
وسقط هذا كله عند الصنعاني في (سبل السلام) (2/ 151) فعزاه للحاكم من
حديث علي بن الحسين أن فاطمة ... ثم قال: (قلت: وهو حديث مرسل، فإن علي
بن الحسين لم يدرك فاطمة بنت محمد)! والحديث إنما هو من حديث علي بن
الحسين عن أبيه على ما سبق بيانه.
(1/132)
وذكر نحوه الحافظ أيضا في آخر كلامه على
الحديث فقال عقب قوله (لعدم الاستفصال في ذلك): (قال النووي: وبالجواز
قطع الجمهور، وقال صاحب الحاوي: لا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط
(1).انتهى).
وما دل عليه الحديث من جواز زيارة المرأة هو المتبادر من الحديث، ولكن
إنما يتم ذلك إذا كانت القصة لم تقع قبل النهي، وهذا هو الظاهر، إذا
تذكرنا ما أسلفناه من بيان أن النهي كان في مكة، وأن القصة رواها أنس
وهو مدني جاءت به أمه أم سليم إلى النبي (ص) حين قدم المدينة، وأنس ابن
عشر سنين، فتكون القصة مدنية، فثبت أنها بعد النهي.
فتم الاستدلال بها على الجواز، وأما قول ابن القيم في (تهذيب السنن)
(4/ 350): (وتقوى الله، فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، ومن جملتها
النهي عن الزيارة).
فصحيح لو كان عند المرأة علم بنهي النساء عن الزيارة وأنه استمر ولم
ينسخ، فحينئذ يثبت قوله: (ومن جملتها النهي عن الزيارة) أما وهذا غير
معروف لدينا فهو استدلال غير صحيح، ويؤيده أنه لو كان النهي لا يزال
مستمرا لنهاها رسول الله (ص) عن الزيارة صراحة وبين ذلك لها، ولم يكتف
بأمرها بتقوى الله بصورة عامة، وهذا ظاهر إن شاء الله تعالى.
120 - لكن لا يجوز لهن الاكثار من زيارة القبور والتردد عليها، لان ذلك
قد يفضي بهن إلى مخالفة الشريعة، من مثل الصياح والتبرج واتخاذ القبور
مجالس للنزهة، وتضييع الوقت في الكلام الفارغ، كما هو مشاهد
__________
(1) 1 - قلت: والدليل عليه في المسألة الاتية.
(1/133)
اليوم في بعض، البلاد الاسلامية، وهذا هو
المراد - إن شاء الله - بالحديث المشهور: (لعن رسول الله (ص) (وفي لفظ:
لعن الله) زوارات القبور).
وقد روي عن جماعة من الصحابة: أبو هريرة، حسان بن ثابت، وعبد الله ابن
عباس.
1 - أما حديث أبي هريرة، فهو من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه عنه.
أخرجه الترمذي (2/ 156 - تحفة) وابن ماجه (1/ 478) وابن حبان (789)
والبيهقي (4/ 78) والطيالسي (1/ 171 - ترتيبه) وأحمد (2/ 337)، واللفظ
الاخر للطيالسي والبيهقي، وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح، وقد رأى بعض
أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي في زيارة القبور.
فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء.
وقال بعضهم: إنما كره زيارة القبور في النساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن).
قلت: ورجال إسناد الحديث ثقات كلهم، غير أن في عمر بن أبي سلمة كلاما
لعل حديثه لا ينزل به عن مرتبة الحسن، لكن حديثه هذا صحيح لما له من
الشواهد الآتية.
2 - وأما حديث حسان بن ثابت، فهو من طريق عبد الرحمن بن بهمان عن عبد
الرحمن بن ثابث عن أبيه به.
(1/134)
أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 141) وابن ماجه (1/
478) والحاكم (1/ 374) والبيهقي وأحمد (2/ 243) وقال البوصيري في
(الزوائد) (ق 98/ 2): (إسناده صحيح، رجاله ثقات).
كذا قال، وابن بهمان هذا لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، وهما معروفان
بالتساهل في التوثيق، وقال ابن المديني فيه: (لا نعرفه)، ولذا قال
الحافظ في (التقريب): (مقبول) يعني عند المتابعة، ولم أجد له متابعا،
لكن الشاهد الذي قبله وبعده في حكم المتابعة، فالحديث مقبول.
3 - وأما حديث ابن عباس، فهو من طريق أبي صالح عنه باللفظ الاول إلا
أنه قال: (زائرات القبور) وفي رواية (زوارات).
أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 140) وأصحاب السنن الاربعة وابن حبان (788)
والحاكم والبيهقي والطيالسي والرواية الاخرى لهما، وأحمد (رقم 2030،
2603، 2986،3118) وقال الترمذي: (حديث حسن، وأبو صالح هذا مولى أم هاني
بنت أبي طالب واسمه باذان، ويقال: باذام).
قلت: وهو ضعيف بل اتهمه بعضهم، وقد أوردت حديثه في (سلسلة الاحاديث
الضعيفة) لزيادة تفرد بها فيه، وذكرت بعض أقوال الائمة في حاله فيراجع
(223).
فقد تبين من تخريج الحديث أن المحفوظ فيه إنما هو بلفظ (زوارات) لاتفاق
حديث أبي هريرة وحسان عليه, وكذا حديث ابن عباس في رواية الأكثرين، على
ما فيه من ضعف فهي إن لم تصلح للشهادة فلا تضر، كما لا يضر في الاتفاق
المذكور الرواية الأخرى من حديث ابن عباس, كما هو
(1/135)
ظاهر، وإذا كان الأمر كذلك فهذا اللفظ
(زوارات) إنما يدل على لعن النساء اللاتي يكثرن الزيارة.
بخلاف غيرهن فلا يشملهن اللعن، فلا يجوز حينئذ أن يعارض بهذا الحديث ما
سبق من الأحاديث الدالة على استحباب الزيارة للنساء، لأنه خاص وتلك
عامة.
فيعمل بكل منهما في محله، فهذا الجمع أولى من دعوى النسخ، وإلى نحو ما
ذكرنا ذهب جماعة من العلماء، فقال القرطبي:
(اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه
الصيغة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج
والتبرج.
وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك وقد يقال: إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من
الاذن لهن، لان تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء).
قال الشوكاني في (نيل الأوطار) (4/ 95): (وهذا الكلام هو الذي ينبغي
اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر) (1). [أحكام
الجنائز ص 229].
__________
(1) 1 - وإلى هذا الجمع ذهب الصنعاني أيضا في: (سبل السلام)، ولكنه
استدل للجواز بأدلة فيها نظر فأحبت أن أنبه عليها، أولا: حديث الحسين
بن علي رضي الله عنهما (أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم كانت
تزرو قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي).
أخرجه الحاكم (1/ 377) وعنه البيهقي (4/ 78) وقال (وهو منقطع، وسكت
عليه الحافظ في (التلخيص) (5/ 248) وتبعه الصنعاني! وسكوت هذين واقتصار
البيهقي علي إعلاله بالانقطاع قد يوهم أنه سالم من علة أخرى.
.
(1/136)
|