أحكام
النساء - مستخلصا من كتب الألباني كِتَابُ اَلنِّكَاحِ
تحريم مصافحة الأجنبية
226 - " لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل
له ". ... [الصحيحة]
قال رحمه الله:
رواه الروياني في " مسنده " (227/ 2): أنبأنا نصر بن علي: أنبأنا، أبي،
أنبأنا شداد ابن سعيد عن أبي العلاء قال: حدثنى معقل بن يسار مرفوعا.
قلت: وهذا سند جيد، رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين غير شداد بن سعيد،
فمن رجال مسلم وحده، وفيه كلام يسير لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن،
ولذلك فإن مسلما إنما أخرج له في الشواهد وقال الذهبي في " الميزان ":
" صالح الحديث "
وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ".
وأبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير.
والحديث قال المنذري في " الترغيب " (3/ 66):
" رواه الطبراني، والبيهقي، ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح ".
(1/268)
وقد روي مرسلا من حديث عبد الله بن أبي
زكريا الخزاعي. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لأن يقرع الرجل قرعا يخلص إلى عظم رأسه خير له من أن تضع امرأة يدها
على رأسه لا تحل له، ولأن يبرص الرجل برصا حتى يخلص البرص إلى عظم
ساعده خير له من أن تضع امرأة يدها على ساعده لا تحل له ".
أخرجه أبو نعيم في " الطب " (2/ 33 - 34) عن هشيم عن داود بن عمرو أنبأ
عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي.
قلت: وهذا مع إرساله أو إعضاله، فإن هشيما كان مدلسا وقد عنعنه.
(المخيط) بكسر الميم وفتح الياء: هو ما يخاط به كالإبرة والمسلة
ونحوهما.
وفي الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له، ففيه دليل على تحريم
مصافحة النساء لأن ذلك مما يشمله المس دون شك، وقد بلي بها كثير من
المسلمين في هذا العصر وفيهم بعض أهل العلم، ولو أنهم استنكروا ذلك
بقلوبهم، لهان الخطب بعض الشيء، ولكنهم يستحلون ذلك، بشتى الطرق
والتأويلات، وقد بلغنا أن شخصية كبيرة جدا في الأزهر قد رآه بعضهم
يصافح النساء، فإلى الله المشتكى من غربة الإسلام.
بل إن بعض الأحزاب الإسلامية، قد ذهبت إلى القول بجواز المصافحة
المذكورة، وفرضت على كل حزبي تبنيه، واحتجت لذلك بما لا يصلح، معرضة عن
الاعتبار بهذا الحديث، والأحاديث الأخرى الصريحة في عدم مشروعية
المصافحة.
(1/269)
529 - " إني لا أصافح النساء إنما قولي
لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة ".
[الصحيحة]
قال رحمه الله:
أخرجه مالك (2/ 982 / 2) وعند النسائي في " عشرة النساء " من " السنن
الكبرى " له (2/ 93 / 2) وكذا ابن حبان (14) وأحمد (6/ 357) عن محمد
ابن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت: " أتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم في نسوة نبايعه على الإسلام، فقلن: يا رسول الله نبايعك على
أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي
ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فيما استطعتن وأطقتن قالت: فقلن: الله ورسوله أرحم
بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره.
وأخرجه النسائي في " المجتبى " (2/ 184) والترمذي (1/ 302) وابن ماجه
(2874) وأحمد والحميدي في مسنده (341) من طريق سفيان بن عيينة عن محمد
بن المنكدر به إلا أن الحميدي والترمذي اختصراه وزاد هذا بعد قوله: "
هلم نبايعك ": " قال سفيان: تعني صافحنا " وهي عند أحمد بلفظ: " قلنا
يا رسول الله ألا تصافحنا؟ ".
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
قلت: وإسناده صحيح. وتابعهما محمد بن إسحاق: حدثني محمد ابن المنكدر
به.
(1/270)
وزاد في آخره: " قالت: ولم يصافح رسول الله
صلى الله عليه وسلم منا امرأة "
أخرجه أحمد والحاكم (4/ 71) بسند حسن.
وله شاهد من حديث أسماء بنت يزيد مثله مختصرا. أخرجه الحميدي (368)
وأحمد (6/ 454، 459) والدولابي في " الكنى " (2/ 128) وابن عبد البر في
" التمهيد " (3/ 24 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1/ 293) من
طريق شهر بن حوشب عنها. وفيه عند أحمد: " فقالت له أسماء: ألا تحسر لنا
عن يدك يا رسول الله؟ فقال لها إني لست أصافح النساء ". وشهر ضعيف من
قبل حفظه وهذه الزيادة تشعر بأن النساء كن يأخذن بيده صلى الله عليه
وسلم عند المبايعة من فوق ثوبه صلى الله عليه وسلم، وقد روي في ذلك بعض
الروايات الأخرى ولكنهامراسيل كلها ذكرها الحافظ في " الفتح " (8/
488)، فلا يحتج بشيء منها لاسيما وقد خالفت ما هو أصح منها كذا الحديث
والآتي بعده وكحديث عائشة في مبايعته صلى الله عليه وسلم للنساء قالت:
" ولا والله ما مست يده صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط في المبايعة ما
بايعهن إلا بقوله: قد بايعتك على ذلك "
أخرجه البخاري. وأما قول أم عطية رضي الله عنها: " بايعنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا أن لا يشركن بالله شيئا ونهانا عن
النياحة، فقبضت امرأة يدها، فقالت: أسعدتني فلانة .... ".
الحديث أخرجه البخاري.
(1/271)
فليس صريحا في أن النساء كن يصافحنه صلى
الله عليه وسلم , فلا يرد بمثله النص الصريح من قوله صلى الله عليه
وسلم هذا وفعله أيضا الذي روته أميمة بنت رقيقة وعائشة وابن عمر كما
يأتي. قال الحافظ: " وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم
عطية، فعند ابن خزيمة وابن حبان والبزار والطبري وابن مردويه من طريق
إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم عطية في قصة المبايعة، قال: فمد يده
من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: اللهم أشهد. وكذا
الحديث الذي بعده حيث قالت فيه " قبضت منا امرأة يدها، فإنه يشعر بأنهن
كن يبايعنه بأيديهن
ويمكن الجواب عن الأول بأن مد الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع
المبايعة وإن لم تقع مصافحة. وعن الثاني بأن المراد بقبض اليد التأخر
عن القبول، أو كانت المبايعة تقع بحائل، فقد روى أبو داود في "
المراسيل " عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أتى
ببرد قطري فوضعه على يده وقال: لا أصافح النساء .... ". ثم ذكر بقية
الأحاديث بمعناه وكلها مراسيل لا تقوم الحجة بها. وما ذكره من الجواب
عن حديثي أم عطية هو العمدة على أن حديثها من طريق إسماعيل بن عبد
الرحمن ليس بالقوي لأن إسماعيل هذا ليس بالمشهور وإنما يستشهد به كما
بينته في " حجاب المرأة المسلمة " (ص 26 طبع المكتب الإسلامي).
وجملة القول: أنه لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه صافح امرأة قط حتى
ولا في المبايعة فضلا عن المصافحة عند الملاقاة، فاحتجاج البعض لجوازها
بحديث أم عطية الذي ذكرته مع أن المصافحة لم تذكر فيه وإعراضه عن
الأحاديث الصريحة في تنزهه صلى الله عليه وسلم عن
(1/272)
المصافحة لأمر لا يصدر من مؤمن خلص، لاسيما
وهناك الوعيد الشديد فيمن يمس امرأة لا تحل له كما تقدم في الحديث
(229).
ويشهد لحديث أميمة بنت رقيقة الحديث الآتي. وبعد كتابة ما تقدم رأيت
إسحاق بن منصور المروزي قال في " مسائل أحمد وإسحاق " (211/ 1): " قلت
(يعني لأحمد): تكره مصافحة النساء قال: أكرهه. قال إسحاق: كما قال،
عجوز كانت أو غير عجوز إنما بايعهن النبي صلى الله عليه وسلم على يده
الثوب ".
ثم رأيت في " المستدرك " (2/ 486) من طريق إسماعيل بن أبي أويس حدثني
أخي عن سليمان بن بلال عن ابن عجلان عن أبيه عن فاطمة بنت عتبة بن
ربيعة بن عبد شمس.
" أن أبا حذيفة بن عتبة رضي الله عنه أتى بها وبهند بنت عتبة رسول الله
صلى الله عليه وسلم تبايعه، فقالت: أخذ علينا، فشرط علينا، قالت: قلت
له: يا ابن عم هل علمت في قومك من هذه العاهات أو الهنات شيئا؟ قال أبو
حذيفة: إيها فبايعنه، فإن بهذا يبايع، وهكذا يشترط. فقالت: هند: لا
أبايعك على السرقة إني أسرق من مال زوجي فكف النبي صلى الله عليه وسلم
يده وكفت يدها حتى أرسل إلى أبي سفيان، فتحلل لها منه، فقال أبو سفيان:
أما الرطب فنعم وأما اليابس فلا ولا نعمة! قالت: فبايعناه ثم قالت
فاطمة: ما كانت قبة أبغض إلي من قبتك ,ولا أحب أن يبيحها الله وما
فيها, وو الله ما من قبة أحب إلي أن يعمرها الله يبارك وفيها من قبتك،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيضا والله لا يؤمن أحدكم حتى
أكون أحب إليه من ولده ووالده ".
(1/273)
قال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه
الذهبي.
قلت: وإسناده حسن وفي محمد بن عجلان وإسماعيل بن أبي أويس كلام لا يضر
إن شاء الله تعالى. وهذا الحديث يؤيد أن المبايعة كانت تقع بينه صلى
الله عليه وسلم وبين النساء بمد الأيدي كما تقدم عن الحافظ لا
بالمصافحة، إذ لو وقعت لذكرها الراوي كما هو ظاهر.
جواز كلام النساء مع الرجال
2680 - " ما من امرأة تقدم ثلاثا من الولد تحتسبهن إلا دخلت الجنة.
فقالت امرأة منهن: أو اثنان؟ قال: أو اثنان ". ... [الصحيحة]
قال::
أخرجه الإمام أحمد (2/ 246): حدثنا سفيان حدثنا سهيل بن أبي صالح عن
أبيه عن أبي هريرة: جاء نسوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن:
يا رسول الله! ما نقدر عليك في مجلسك من الرجال، فواعدنا منك يوما
نأتيك فيه. قال:
" موعدكن بيت فلان ". وأتاهن في ذلك اليوم، ولذلك الموعد. قال: فكان
مما قال لهن، يعني: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، و
(سفيان) هو ابن عيينة، وقد أخرجه في " صحيحه " (8/ 39) من طريق أخرى عن
سهيل به مختصرا، ولفظه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسوة من
الأنصار: "
(1/274)
لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه
إلا دخلت الجنة ". فقالت امرأة منهن:
أو اثنين يا رسول الله؟ قال: " أو اثنين ". وهو رواية لأحمد (2/ 378).
والحديث في " الصحيحين " من حديث أبي سعيد نحوه، وهو في كتابي " مختصر
صحيح البخاري " (96 - كتاب / 9 - باب) وقد مضى تحت الحديث (2302). وفيه
فوائد كثيرة، أذكر بعضها:
1 - أن من مات له ولدان دخل الجنة وحجباه من النار، وليس ذلك خاصا
بالإناث آباء وأولادا، لأحاديث أخرى كثيرة تعم الجنسين، وتجد جملة طيبة
منها في " الترغيب والترهيب " (3/ 89 - 91) ويأتي بعد هذا أحدها.
2 - فيه فضل نساء الصحابة وما كن عليه من الحرص على تعلم أمور الدين.
3 - وفيه جواز سؤال النساء عن أمر دينهن، وجواز كلامهن مع الرجال في
ذلك، وفيما لهن الحاجة إليه.
4 - جواز الوعد، وقد ترجم البخاري للحديث بقوله: " هل يجعل للنساء يوما
على حدة في العلم؟ ".
قلت: وأما ما شاع هنا في دمشق في الآونة الأخيرة من ارتياد النساء
للمساجد في أوقات معينة ليسمعن درسا من إحداهن، ممن يتسمون بـ
(الداعيات) زعمن، فذلك من الأمور المحدثة التي لم تكن في عهد النبي صلى
الله عليه وسلم ولا في عهد السلف الصالح، وإنما المعهود أن
(1/275)
يتولى تعليمهن العلماء الصالحون في مكان
خاص كما في هذا الحديث، أو في درس الرجال حجزة عنهم في المسجد إذا
أمكن، وإلا غلبهن الرجال، ولم يتمكن من العلم والسؤال عنه. فإن وجد في
النساء اليوم من أوتيت شيئا من العلم والفقه السليم المستقى من الكتاب
والسنة، فلا بأس من أن تعقد لهن مجلسا خاصا في بيتها أو بيت إحداهن،
ذلك خير لهن، كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم قال في صلاة الجماعة في
المسجد: " وبيوتهن خير لهن "، فإذا كان الأمر هكذا في الصلاة التي تضطر
المرأة المسلمة أن تلتزم فيها من الأدب والحشمة ما لا تكثر منه خارجها
فكيف لا يكون العلم في البيوت أولى لهن، لاسيما وبعضهن ترفع صوتها، وقد
يشترك معها غيرها فيكون لهن دوي في المسجد قبيح ذميم. وهذا مما سمعناه
وشاهدناه مع الأسف. ثم رأيت هذه المحدثة قد تعدت إلى بعض البلاد الأخرى
كعمان مثلا. نسأل الله السلامة من كل بدعة محدثة.
تحريم نكاح المتعة
381 - " نهى عن المتعة، وقال: ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم
القيامة، ومن كان أعطى شيئا فلا يأخذه ". ... [الصحيحة]
قال رحمه الله:
أخرجه مسلم (4/ 134) من طريق معقل عن ابن أبي عبلة عن عمر ابن عبد
العزيز قال: حدثنا الربيع بن سبرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ... فذكره
(1/276)
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، ليس فيهم من
ينبغي النظر فيه سوى معقل هذا وهو ابن عبيد الله الجزري.
قال الذهبي فيه: " صدوق ضعفه ابن معين ".
وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ".
قلت: فمثله يكون حديثه في مرتبة الحسن لذاته، أو لغيره على الأقل، ولم
يتفرد بهذا الحديث، فقد أخرجه مسلم وغيره من طرق عن الربيع بن سبرة،
لكن ليس فيها ذكر تأييد التحريم إلى يوم القيامة، إلا في هذه وفي طريق
أخرى سأذكرها إن شاء الله، ومن أجل هذه الزيادة أوردت الحديث في هذه "
السلسلة " وإلا فأحاديث النهي عن المتعة أشهر من أن تخرج هنا، وإن
أنكرتها طائفة من الناس، اتباعا لأهوائهم، ولا ينفع البحث معهم إلا بعد
وضع منهج علمي لنقد أحاديث الفريقين على ضوئه، وهيهات هيهات.
والطريق التي أشرت إليها يرويها عبد العزيز بن عمر (بن عبد العزيز):
حدثني الربيع بن سبرة به بلفظ:
" أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إني قد
كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم
القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن
شيئا ".
أخرجه مسلم (4/ 132) والدارمي (2/ 140) وابن ماجه (1962) والطحاوي (2/
14) وابن أبي شيبة في " المصنف " (7/ 44 / 1) و
(1/277)
ابن الجارود (699) والبيهقي (7/ 203) وأحمد
(3/ 404 - 405، 405 - 406).
وفي عبد العزيز هذا كلام يسير نحو الكلام في معقل، فأحدهما يقوى حديث
الآخر
لاسيما وقد وجدت له شاهدا من حديث جابر، يرويه صدقة بن عبد الله عن
إسماعيل بن أمية عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:
" خرجنا ومعنا النساء اللاتي استمتعنا بهن، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: هن حرام إلى يوم القيامة، فودعننا عند ذلك، فسميت بذلك ثنية
الوداع، وما كانت قبل ذلك إلا ثنية الركاب ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1/ 174 / 2)،وقال الهيثمي في " مجمع
الزوائد " (4/ 264 - 265):
" وفيه صدقة بن عبد الله، وثقه أبو حاتم وغيره، وضعفه أحمد وجماعة
وبقية رجاله رجال الصحيح ".
وجملة القول: أن الحديث بمجموع طرقيه وهذا الشاهد صحيح بلا ريب، والله
تعالى هو الموفق.
(تنبيه):
جاء في كثير من طرق هذا الحديث أن التحريم كان يوم الفتح وهو الصواب
وجاء في بعضها أنه كان في حجة الوداع وهو شاذ كما حققته في " إرواء
الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " رقم (1959، 1960).
(1/278)
1010 - " نهى عن المتعة (زمان الفتح متعة
النساء)، وقال: ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة ". ...
[الصحيحة]
قال رحمه الله:
رواه مسلم (4/ 134) والباغندي في " مسند عمر " ص (12) عن عمر بن عبد
العزيز قال: حدثنا الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه مرفوعا. والزيادة
التي بين المعكوفتين رواية لمسلم من طريق ابن شهاب عن الربيع ابن سبرة.
وله شاهد بلفظ: " هن حرام إلى يوم القيامة. يعني النساء المتمتع بهن ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (1/ 174 / 2) عن صدقة بن عبد الله عن
إسماعيل بن أمية عن محمد ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله الأنصاري
قال: خرجنا ومعنا النساء اللاتي استمتعنا بهن، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره. قال: فودعننا عند ذلك، فسميت بذلك ثنية الوداع، وما
كانت قبل ذلك إلا ثنية الركاب. وأعله الهيثمي في " المجمع " (4/ 264)
بقوله: " وفيه صدقة بن عبد الله وثقه أبوحاتم وغيره وضعفه أحمد وجماعة
وبقية رجاله رجال الصحيح ".
قلت: وفي هذا الإطلاق تسامح فإن شيخ الطبراني أحمد بن مسعود ليس من
رجال الصحيح بل إني لم أعرفه ولعله أحمد بن مسعود الوزان من شيوخ بن
المظفر، ترجمه الخطيب (5/ 171) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
(1/279)
قلت: والحديث نص صريح في تحريم نكاح المتعة
تحريما أبديا، فلا يغتر أحد بإفتاء بعض أكابر العلماء بإباحتها
للضرورة، فضلا عن إباحتها مطلقا مثل الزواج كما هو مذهب الشيعة.
1902 - (لمسلم عن سبرة " أمرنا رسول الله في صلى الله عليه وسلم
بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج حتى نهانا عنها "). ص 175
صحيح.
أخرجه مسلم (4/ 132 - 133) والبيهقي من طريق عبد الملك بن الربيع بن
سبرة الجهني عن أبيه عن جده قال: فذكره. وتابعه عمارة بن غزية عن
الربيع بن سبرة به أتم منه ولفظه: " أن أباه غزا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم فتح مكة قال: فأقمنا بها خمس عشرة (ثلاثين بين ليلة ويوم) ,
فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء, فخرجت أنا ورجل
من قومي ولي عليه فضل في الجمال , وهو قريب من الدمامة مع كل واحد منا
برد , فبردي خَلِق. وأما برد ابن عمى فبرد جديد غض حتى إذا كنا بأسفل
مكة ,أو بأعلاها فتلقتنا فتاة مثل البكرة العنطنطة فقلنا: هل لك أن
يستمتع منك أحدنا؟ قالت: وماذا تبذلان؟ فنشر كل واحد منا برده فجعلت
تنظر إلى الرجلين وبراها صاحبي تنظر إلى عطفها فقال: إن برد هذا خلق
وبري صلى الله عليه وسلم جديد غض فتقول: برد هذا لا بأس به ثلاث مرار
أو مرتن, ثم استمتعت منها فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه
وسلم ".
أخرجه مسلم (4/ 131 - 132) والبيهقي وأحمد (3/ 405) وزاد بعد قوله: (أن
يستمتع منك أحدنا "؟: " قالت: وهل يصلح ذلك؟ قال: قلنا: نعم ".
(1/280)
وهو رواية لمسلم. وتابعه عبد العزيز بن
الربيع بن سبرة بن معبد قال: سمعت أبي ربيع ابن سبرة يحدث عن أبيه سبرة
بن معبد: " أن نبي الله صلى الله عليه وسلم عام فتح مكة أمر أصحابه
بالتمتع من النساء قال: فخرجت أنا وصاحب لي. . . " الحديث نحوه
أخرجه مسلم والبيهقي (7/ 202) وأحمد (3/ 404).
1903 - (حكى عن ابن عباس: " الرجوع عن قوله بجواز المتعة ") 2/ 175.
ضعيف.
أخرجه الترمذي (209 - 210) والبيهقي (7/ 205 - 206) من طريق موسى بن
عبيدة عن محمد بن كعب عن ابن عباس قال: " إنما كانت المتعة في أول
الاسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما
يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه حتى نزلت الآية {إِلَّا
عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ".
هذا لفظ الترمذي وقال البيهقي: " وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} إلى آخر الآية, فنسخ الله عز
وجل الأولى فحرمت المتعة وتصديقها من القرآن {إِلَّا عَلَى
أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ,وما سوى هذا الفرج
فهو حرام ". وسكت عليه هو والترمذي! وموسى بن عبيدة ضعيف وكلن عابدا.
ولذلك قال الحافظ في " الفتح " (9/ 148): ". . . فإسناده ضعيف وهو شاذ
مخالف لما تقدم من علة إباحتها.
(1/281)
قلت: يشير إلى ما أخرجه البخاري عن أبي
جمرة قال: " سمعت ابن عباس يسأل عن متعة النساء؟ فرخص فقال له مولى له:
إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة أو نحوه فقال ابن عباس: نعم
".
وأخرجه الطحاوي (2/ 15) والبيهقي (7/ 204) بلفظ: " إنما كان ذلك في
الجهاد والنساء قليل. . . ". وليس عندهما " فرخص ".
وهذا بظاهره يدل على أنه رجع عن القول بإباحة المتعة إطلاقا إلى القول
بعدم جوازها مطلقا أو مقيدة بحال عدم وجود الضرورة وكأنه رجع إلى ذلك
بعد أن عارضه جماعة من الصحابة في إطلاقه القول بإباحتها فروى البخاري
(4/ 341) عن محمد بن علي: " أن عليا رضي الله عنه - قيل له: ان إبن
عباس لا يرى بمتعة النساء بأسا فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأنسية ".
وأخرج مسلم وغيره دون ذكر ابن عباس فيه. وفي رواية لمسلم عنه: " سمع
علي بن أبي طالب يقول لفلان: إنك رجل تائه نهانا رسول الله صلى الله
عليه وسلم. . .). فذكره.
وكذلك رواه النسائي (7/ 90). ورواه أحمد (1/ 142) بلفظ: " قال لابن
عباس وبلغه أنه رخص في متعه النساء فقال له علي بن أبي طالب: إن رسول
الله قد نهى. . . ".
ورواه الطبراني في " الأوسط " (1/ 174 / 1) بلفظ: " تكلم علي وابن عباس
في متعة النساء فقال له علي: إنك امرؤ تائه. . . "
وعن سالم بن عبد الله قال: " أتي عبد الله بن عمر فقيل له ابن عباس
يأمر بنكاح المتعة فقال ابن عمر: سبحان الله! ما أظن أن ابن عباس يفعل
(1/282)
هذا قالوا: بلى إنه يأمر به قال: وهل كان
ابن عباس إلا غلاما صغيرا إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال
ابن عمر: نهانا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كنا مسافحين ".
قلت: وإسناده قوي كما قال الحافظ في " التلخيص " (3/ 154). وعن نافع عن
ابن عمر: " سئل عن المتعة؟ فقال: حرام فقيل له: إن ابن عباس يفتي بها
فقال: فهلا سرموم (1) ... بها في زمان عمر ". أخرجه ابن أبي شيبة (7/
44) بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
وعن ابن شهاب أخبرني عن عروة بن الزبير: " أن عبد الله بن الزبير قام
بمكة فقال: إن ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة
يعرض برجل فناداه فقال: إنك لجلف جاف فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على
عهد إمام المتقين (يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال له ابن
الزبير: فجرب بنفسك فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك ".
قال ابن شهاب: فأخبرني خالد بن المهاجر بن سيف الله أنه بينا هو جالس
عند رجل جاءه رجل فاستفتاه في المتعة فأمره بها فقال له ابن أبي عمرة
الأنصاري: مهلا ما هي والله لقد فعلت في عهد إمام المتقين قال ابن أبي
عمرة: إنها كانت رخصة في أول الاسلام لمن اضطر إليها كالميتة والدم
ولحم الخنزير ثم أحكم الله الدين ونهى عنها ".
أخرج مسلم (4/ 133 - 134) والبيهقي (7/ 205) وفي رواية له: " يعرض بابن
عباس ". وزاد في آخرها: " قال ابن شهاب: وأخبرني عبيد الله: أن ابن
عباس كان يفتي بالمتعة ويغمص ذلك عليه أهل العلم فأبى ابن
__________
(1) 1 - كذا الأصل بدون إعجام
(1/283)
عباس أن ينتكل عن ذلك حتى طفق بعض الشعراء
يقول:. . . . . . . يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس؟ هل لك في ناعم خود
مبتلة تكون مثواك حتى مصدر الناس. قال: فازداد أهل العلم بها قذرا ولها
بغضا حين قيل فيها الأشعار ".
قلت: وإسنادها صحيح. رلها طريق أخرى عنده بنحوه وزاد: " فقال ابن عباس:
ما هذا أردت وما بهذا أفتيت إن المتعة لا تحل إلا لمضطر ألا إنما هي
كالميتة والدم ولحم الخنزير ". وفيه الحسن بن عمارة وهو متروك كما في "
التقريب ". ثم روى من طريق ليث عن ختنه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
أنه قال في المتعة: " هي حرام كالميتة والدم ولحم الخنزير " وليث هو
ابن أبي سليم وهو ضعيف أيضا.
وجملة القول: أن ابن عباس رضي الله عنه روي عنه في المتعة ثلاثة أقوال:
الأول: الإباحة مطلقا.
الثاني: الإباحة عند الضرورة.
والآخر: التحريم مطلقا وهذا مما لم يثبت عنه صراحة بخلاف القولين
الأولين فهما ثابتان عنه. والله أعلم
[الإرواء]
(1/284)
تحريم نكاح الرجل
ابنته من الزنى
387 - " ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام ".
[الضعيفة]
قال رحمه الله:
لا أصل له.
قاله الحافظ العراقي في " تخريج المنهاج " ونقله المناوي في " فيض
القدير "
وأقره، وقد استدل بهذا الحديث على تحريم نكاح الرجل ابنته من الزنى،
وهو قول الحنفية وهو وإن كان الراجح من حيث النظر، لكن لا يجوز
الاستدلال عليه بمثل هذا الحديث الباطل، وقد قابلهم المخالفون بحديث
آخر وهو:
388 - " لا يحرم الحرام، إنما يحرم ما كان بنكاح حلال ".
باطل.
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1/ 173 / 2 من زوائد المعجمين) وابن عدي
في " الكامل " (287/ 2) وابن حبان في " الضعفاء " (2/ 99) والدارقطني
(ص402) والبيهقي (7/ 269) من طريق المغيرة بن إسماعيل بن أيوب بن سلمة
عن عثمان بن عبد الرحمن الزهري عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت:
(1/285)
" سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الرجل يتبع المرأة حراما، أينكح ابنتها، أو يتبع الابنة حراما، أينكح
أمها؟ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره، قال
البيهقي: تفرد به عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي هذا وهو ضعيف، قاله يحيى
بن معين وغيره من أئمة الحديث.
قلت: بل هو كذاب، قال ابن حبان:
كان يروي عن الثقات الموضوعات، وكذبه ابن معين في رواية عنه، وقال عبد
الحق في " الأحكام " (ق 138/ 2) والهيثمي في " المجمع " (4/ 269):
وهو متروك، وكذا قال الحافظ في " التقريب " وزاد: وكذبه ابن معين.
قلت: والراوي عنه المغيرة بن إسماعيل مجهول كما قال الذهبي.
والحديث ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (1/ 418) من طريق المغيرة بن
إسماعيل عن عمر بن محمد الزهري عن ابن شهاب به ثم قال:
قال أبي: هذا حديث باطل، والمغيرة بن إسماعيل وعمر هذا، هما مجهولان.
قلت: كذا وقع في " العلل ": عمر بن محمد الزهري بدل عثمان بن عبد
الرحمن الزهري فلا أدري أهكذا وقع في روايته، أم تحرف على الناسخ
والطابع، وقد استدل بالحديث الشافعية وغيرهم على أنه يجوز للرجل أن
يتزوج ابنته من الزنى, وقد علمت أنه ضعيف فلا حجة فيه، والمسألة اختلف
فيها السلف، وليس فيها نص مع أحد الفريقين، وإن كان
(1/286)
النظر والاعتبار يقتضي تحريم ذلك عليه، وهو
مذهب أحمد وغيره ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية فانظر " الاختيارات " له
(123 - 124)، وتعليقنا على الصفحة (36 - 39) من كتابنا " تحذير الساجد
من اتخاذ القبور مساجد "
الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها
1882 - (عن أبي هريرة مرفوعا " لا تجمعوا بين المرأة وعمتها ولا بين
المرأة وخالتها ". متفق عليه) 2/ 165. صحيح.
قال رحمه الله:
وله عنه طرق: الأولى: عن الأعرج عن أبي هريرة به بلفظ: " لا يجمع بين.
. . "
أخرجه البخاري (3/ 423) ومسلم (4/ 135) ومالك (20/ 532 / 20) والنسائي
(2/ 81) والبيهقي (7/ 165) وأحمد (2/ 462 و 465 و 529 و 532) كلهم عن
مالك عن أبي الزناد عن الأعرج به.
الثانية: عن قبيصة بن ذؤيب أنه سمع أبا هريرة يقول: " نهى أن تنكح
المرأة على عمتها والمرأة وخالتها ". أخرجه الشيخان وأبو داود (2066)
والنسائي والبيهقي وأحمد (2/ 401 و 452 و 518).
الثالثة: عن محمد بن سيرين عنه بلفظ: " لا تنكح المرأة على عمتها ولا
على خالتها ". أخرجه مسلم والنسائي والترمذي (1/ 210) وابن
(1/287)
ماجه (1929) والبيهقي وأحمد (2/ 432 و 474
و 489 و 508) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
الرابعة: عن عراك بن مالك عنه. أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي. الخامسة:
عن أبي سلمة عنه. أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي وأحمد (2/ 229 و 394 و
423).
السادسة: عن عبد الملك بن يسار عنه. أخرجه النسائي.
السابعة: عن الشعبي عنه. أخرجه البخاري 3/ 422) تعليقا وأبو داود (206)
موصولا وكذا النسائي (2/ 82) والترمذي (1/ 210) وعبد الرزاق (10758)
وابن أبي شيبة (7/ 33 / 2) وابن الجارود (685) والبيهقي (7/ 166) وأحمد
(2/ 4 26) من طرق عن داود بن أبي هند عن الشعبي به ولفظه: " لا تنكح
المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها ولا المرأة على خالتها ولا
الخالة على بنت أختها ولا تنكح الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على
الكبرى ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم وإن خولف داود في إسناده. كما يأتي
قريبا.
وللحديث شواهد كثيرة عن جماعة من الصحابة منهم جابر بن عبد الله وعبد
الله بن عباس وابن عمرو وأبو سعيد وابن عمر وعلي.
1 - حديث جابر يرويه عاصم عن الشعبي سمع جابرا به. أخرجه البخاري (3/
422) والنسائي (2/ 82) وابن أبي شيبة (7/ 33 / 2)
(1/288)
والبيهقي والطيالسي (رقم 1787) وأحمد (3/
338 و 382). ويرويه ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر به. أخرجه النسائي.
2 - حديث عبد الله بن عباس يرويه عكرمة عنه. أخرجه أحمد (1/ 217 و 372)
وأبو داود (2067) وابن حبان (1275) والترمذي وقال: " حديث حسن صحيح ".
3 - حديث عبد الله بن عمرو يرويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. أخرجه
ابن أبي شيبة (7/ 34 / 1) وأحمد (2/ 179 و 182 و 189 و 207) والطبراني
في " الأوسط " (1/ 173 / 2)
قلت: وإسناده حسن.
4 - حديث أبي سعيد يرويه محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن سليمان بن
يسار عنه. أخرجه ابن ماجه (1930) وابن أبي شيبة وأحمد (3/ 67).
قلت: ورجاله ثقات. ويرويه أبو حنيفة: حدثني عطية عن أبي سعيد الخدري
به. أخرجه الطبراني في " الأوسط " وقال: " لم يروه عن عطية إلا أبو
حنيفة ".
5 - حديث ابن عمر يرويه جعفر بن برقان عن الزهري عن سالم عن أبيه.
أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 34 / 1): قلت: وسنده حسن. ويرويه زهير بن محمد
عن موسى بن عقبة عن نافع عنه. أخرجه الطبراني.
6 - حديث علي يرويه ابن لهيعة ثنا عبد الله بن هبيرة السبائي عن عبد
الله ابن زرير الغافقي عنه. أخرجه أحمد (1/ 77 - 78).
[الإرواء]
(1/289)
النظر إلى المخطوبة
98 - " إذا ألقي في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها ".
[الصحيحة]
قال رحمه الله:
رواه سعيد بن منصور في " سننه " (519) وكذا ابن ماجه (1864) والطحاوي
(2/ 8) والبيهقي والطيالسي (1186) وأحمد (4/ 225) عن حجاج ابن أرطاة عن
محمد بن سليمان بن أبي حثمة عن عمه سليمان ابن أبي حثمة.
قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل الحجاج فإنه مدلس وقد عنعنه.
وقال البيهقي:
" إسناده مختلف، ومداره على الحجاج بن أرطاة، وفيما مضى كفاية"
وتعقبه الحافظ البوصيري فقال في " الزوائد " (117/ 2):
" قلت: لم ينفرد به الحجاج بن أرطاة، فقد رواه ابن حبان في " صحيحه "
عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن أبي حازم، عن سهل بن أبي حثمة عن عمه
سليمان ابن أبي حثمة قال: رأيت محمد بن سلمة فذكره ".
قلت: كذا وجدته بخطي نقلا عن " الزوائد "، فلعله سقط مني أو من ناسخ
الأصل شيء من سنده - وذاك ما استبعده - فإنه منقطع بين أبي خيثمة وأبي
حازم، فإن أبا خيثمة واسمه زهير بن حرب توفي سنة (274)
(1/290)
وأما أبو حازم فهو, إما سلمان الأشجعي وإما
سلمة بن دينار الأعرج وهو الأرجح وكلاهما تابعي، والثاني متأخر الوفاة،
مات سنة (140).
ثم رأيت الحديث في " زوائد ابن حبان " (1225) مثلما نقلته عن البوصيري:
إلا أنه وقع فيه " أبو خازم " بالخاء المعجمة - عن " سهل بن محمد ابن
أبي حثمة " مكان " سهيل بن أبي حثمة " وسهل بن محمد بن أبي حثمة لم أجد
له ترجمة ولعله في " ثقات ابن حبان " فليراجع.
لكن للحديث طريقان آخران:
الأولى: عن إبراهيم بن صرمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن
سليمان بن أبي حثمة به.
أخرجه الحاكم (3/ 434) وقال:
" حديث غريب، وإبراهيم بن صرمة ليس من شرط هذا الكتاب "
قال الذهبي في " تلخيصه ":
" قلت: ضعفه الدارقطني، وقال أبو حاتم: شيخ ".
الثانية: عن رجل من أهل البصرة عن محمد بن سلمة مرفوعا به.
أخرجه أحمد (4/ 226): حدثنا وكيع عن ثور عنه.
قلت: ورجاله ثقات غير الرجل الذي لم يسم.
وبالجملة فالحديث قوي بهذه الطرق، والله أعلم.
وقد ورد عن جابر مثل ما ذكرنا عن بن مسلمة كما يأتي.
(1/291)
وما ترجمنا به للحديث قال به أكثر العلماء،
ففي " فتح الباري " (9/ 157):
" وقال الجمهور: يجوز أن ينظر إليها إذا أراد ذلك بغير إذنها، وعن مالك
رواية: يشترط إذنها، ونقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر إلى
المخطوبة قبل العقد بحال، لأنها حينئذ أجنبية، ورد عليهم بالأحاديث
المذكورة ".
فائدة:
روى عبد الرزاق في " الأمالي " (2/ 46 / 1) بسند صحيح عن ابن طاووس
قال:
أردت أن أتزوج امرأة، فقال لي أبي: اذهب فانظر إليها، فذهبت فغسلت رأسي
وترجلت ولبست من صالح ثيابي، فلما رآني في تلك الهيئة قال: لا تذهب!
قلت: ويجوز له أن ينظر منها إلى أكثر من الوجه والكفين لإطلاق الأحاديث
المتقدمة ولقوله صلي الله عليه وسلم:
" إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها
فليفعل "
99 - " إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى
نكاحها فليفعل " ... [الصحيحة]
قال رحمه الله:
(1/292)
أخرجه أبو داود (2082) والطحاوي والحاكم
والبيهقي وأحمد (3/ 334،360)، عن محمد بن إسحاق عن داود بن حصين عن
واقد بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قال:
" فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها
وتزوجها ".
والسياق لأبي داود، وقال الحاكم:
" هذا حديث صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
قلت: ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة، ثم هو مدلس وقد عنعنه، لكن
قد صرح بالتحديث في إحدى روايتي أحمد، فإسناده حسن، وكذا قال الحافظ في
" الفتح " (9/ 156)، وقال في " التلخيص ":
" وأعله ابن القطان بواقد بن عبد الرحمن، وقال: المعروف واقد بن عمرو
".
قلت: رواية الحاكم فيها عن واقد بن عمرو وكذا هو عند الشافعي وعبد
الرزاق ".
أقول: وكذلك هو عند جميع من ذكرنا غير أبي داود وأحمد في روايته الأخرى
فقالا: " واقد بن عبد الرحمن "، وقد تفرد به عبد الواحد بن زياد خلافا
لمن قال: " واقد بن عمرو " وهم أكثر، وروايتهم أولى، وواقد بن عمرو ثقة
من رجال مسلم، أما واقد بن عبد الرحمن فمجهول. والله أعلم.
(1/293)
فقه الحديث:
والحديث ظاهر الدلالة لما ترجمنا له، وأيده عمل راويه به، وهو الصحابي
الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وقد صنع مثله محمد بن مسلمة كما
ذكرناه في الحديث الذي قبله، وكفى بهما حجة، ولا يضرنا بعد ذلك، مذهب
من قيد الحديث بالنظر إلى الوجه والكفين فقط، لأنه تقييد للحديث بدون
نص مقيد، وتعطيل لفهم الصحابة بدون حجة، لاسيما وقد تأيد بفعل الخليفة
الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال الحافظ في " التلخيص " (ص 291
- 292):
(فائدة):
روى عبد الرزاق وسعيد بن منصور في " سننه " (520 - 521) وابن أبي عمر
وسفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن على بن الحنفية: أن عمر خطب إلى
علي ابنته أم كلثوم، فذكر له صغرها، (فقيل له: إن ردك، فعاوده)، فقال
(له علي): أبعث بها إليك، فإن رضيت فهي امرأتك، فأرسل بها إليه، فكشف
عن ساقيها، فقالت: لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينك.
وهذا يشكل على من قال: إنه لا ينظر غير الوجه والكفين ".
وهذا القول الذي أشار الحافظ إلى استشكاله هو مذهب الحنفية والشافعية.
قال ابن القيم في " تهذيب السنن " (3/ 25 - 26):" وقال داود: ينظر إلى
سائر جسدها. وعن أحمد ثلاث روايات:
إحداهن: ينظر إلى وجهها ويديها.
(1/294)
والثانية: ينظر ما يظهر غالبا كالرقبة
والساقين ونحوهما.
والثالثة: ينظر إليها كلها عورة وغيرها، فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر
إليها متجردة! "
قلت: والرواية الثانية هي الأقرب إلى ظاهر الحديث، وتطبيق الصحابة له
والله أعلم.
وقال ابن قدامة في " المغني " (7/ 454):
" ووجه جواز النظر (إلى) ما يظهر غالبا أن النبي صلى الله عليه وسلم
لما أذن في النظر إليها من غير علمها، علم أنه أذن في النظر إلى جميع
ما يظهر عادة، إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في
الظهور، ولأنه يظهر غالبا فأبيح النظر إليه كالوجه، ولأنها امرأة أبيح
له النظر إليها بأمر الشارع، فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم
".
ثم وقفت على كتاب " ردود على أباطيل " لفضيلة الشيخ محمد الحامد، فإذا
به يقول (ص 43):
" فالقول بجواز النظر إلى غير الوجه والكفين من المخطوبة باطل لا يقبل
".
وهذه جرأة بالغة من مثله ما كنت أترقب صدورها منه، إذ أن المسألة
خلافية كما سبق بيانه، ولا يجوز الجزم ببطلان القول المخالف لمذهبه إلا
بالإجابة عن حجته ودليله كهذه الأحاديث، وهو لم يصنع شيئا من ذلك، بل
إنه لم يشر إلى الأحاديث أدنى إشارة، فأوهم القراء أن لا دليل لهذا
القول أصلا، والواقع خلافه كما ترى، فإن هذه الأحاديث بإطلاقها تدل
(1/295)
على خلاف ما قال فضيلته، كيف لا وهو مخالف
لخصوص قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث (99): " ما يدعوه إلى نكاحها
"، فإن كل ذي فقه يعلم أنه ليس المراد منه الوجه والكفان فقط، ومثله في
الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث (97): " وإن كانت لاتعلم ".
وتأيد ذلك بعمل الصحابة رضي الله عنهم، عمله مع سنته صلى الله عليه
وسلم، ومنهم محمد ابن مسلمة وجابر بن عبد الله، فإن كلا منهما تخبأ
لخطيبته ليرى منها ما يدعوه إلى نكاحها، أفيظن بهما عاقل أنهما تخبآ
للنظر إلى الوجه والكفين فقط! ومثل عمر بن الخطاب الذي كشف عن ساقي أم
كلثوم بنت علي رضي الله عنهم.
فهؤلاء ثلاثة من كبار الصحابة أحدهم الخليفة الراشد أجازوا النظر إلى
أكثر من الوجه والكفين، ولا مخالف لهم من الصحابة فيما أعلم، فلا أدري
كيف استجاز مخالفتهم مع هذه الأحاديث الصحيحة؟! وعهدى بأمثال الشيخ أن
يقيموا القيامة على من خالف أحدا من الصحابة اتباعا للسنة الصحيحة، ولو
كانت الرواية عنه لا تثبت كما فعلوا في عدد ركعات التراويح! ومن عجيب
أمر الشيخ عفا الله عنا وعنه أنه قال في آخر البحث: " قال الله تعالى:
فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله
واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ".! فندعو أنفسنا وإياه إلى تحقيق
هذه الآية ورد هذه المسألة إلى السنة بعد ما تبينت.
والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا ومع صحة الأحاديث في هذه المسألة، وقول جماهير العلماء بها - على
خلاف السابق - فقد أعرض كثير من المسلمين في العصور المتأخرة
(1/296)
عن العمل بها، فإنهم لا يسمحون للخاطب
بالنظر إلى فتاتهم - ولو في حدود القول الضيق.
تورعا منهم، زعموا، ومن عجائب الورع البارد أن بعضهم يأذن لابنته
بالخروج إلى الشارع سافرة بغير حجاب شرعي! ثم يأبى أن يراها الخاطب في
دارها، وبين أهلها بثياب الشارع!
وفي مقابل هؤلاء بعض الآباء المستهترين الذين لا يغارون على بناتهم.
تقليدا منهم لأسيادهم الأوربيين، فيسمحون للمصور أن يصورهن وهن سافرات
سفورا غير مشروع، والمصور رجل أجنبي عنهن، وقد يكون كافرا، ثم يقدمن
صورهن إلى بعض
الشبان، بزعم أنهم يريدون خطبتهن، ثم ينتهي الأمر على غير خطبة، وتظل
صور بناتهم معهم، ليتغزلوا بها، وليطفئوا حرارة الشباب بالنظر إليها!.
ألا فتعسا للآباء الذين لا يغارون. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
1273 - " شمي عوارضها، وانظري إلى عرقوبيها ".
[الضعيفة]
قال رحمه الله:
منكر.
أخرجه الحاكم (2/ 166) وعنه البيهقي (7/ 87) من طريق هشام بن علي:
حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله
عنه.
(1/297)
" أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن
يتزوج امرأة، فبعث امرأة لتنظر إليها فقال: (فذكره) قال: فجاءت إليهم
فقالوا: ألا نغديك يا أم فلان! فقالت:
لا آكل إلا من طعام جاءت به فلانة، قال: فصعدت في رف لهم فنظرت إلى
عرقوبيها ثم قالت: أفليني يا بنية! قال: فجعلت تفليها، وهي تشم
عوارضها، قال:
فجاءت فأخبرت ". وقال الحاكم:
" صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي!
وغمز من صحته البيهقي فقال عقبه:
" كذا رواه شيخنا في " المستدرك "، ورواه أبو داود السجستاني في "
المراسيل " عن موسى بن إسماعيل مرسلا مختصرا دون ذكر أنس. ورواه أيضا
أبو النعمان عن حماد مرسلا. ورواه محمد بن كثير الصنعاني عن حماد
موصولا. ورواه عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس موصولا ".
قلت: وعلة إسناد الحاكم هشام بن علي وهو شيخ شيخه علي بن حمشاذ العدل
ولم أجد له ترجمة في شيء من المصادر التي عندي. وقد خالفه أبو داود،
فقال في "
المراسيل " (ق 11/ 2): حدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد بن سلمة عن ثابت
مرسلا. فالصواب المرسل.
ويؤيده رواية أبي النعمان عن حماد مرسلا. وأبو النعمان هو محمد بن
الفضل عارم السدوسي، وهو ثقة ثبت تغير في آخر عمره واحتج به
(1/298)
الشيخان. وأما محمد ابن كثير الصنعاني الذي
رواه عن حماد موصولا فهو ضعيف، قال الحافظ:
" صدوق كثير الغلط ".
قلت: فمخالفة هذا وهشام بن علي لأبي داود وأبي النعمان، مما يجعل
روايتهما شاذة بل منكرة. ولا تتأيد برواية عمارة بن زاذان عن ثابت عن
أنس التي علقها البيهقي ووصلها أحمد (3/ 231)، لأن عمارة هذا ضعيف
أيضا. قال الحافظ:
" صدوق كثير الخطأ ".
ولذلك قال في " التلخيص " (3/ 147) بعد أن عزاه لمن ذكرنا وزاد
الطبراني (1):" واستنكره أحمد، والمشهور فيه طريق عمارة عن ثابت عنه"
ثم ذكر طريق الحاكم الموصولة وقال:
" وتعقبه البيهقي بأن ذكر أنس فيه وهم ".
والخلاصة أن الحديث مرسل فهو ضعيف، لا سيما مع استنكار أحمد إياه.
والله أعلم.
(تنبيه) أورد الشيخ محمد الحامد في كتابه " ردود على أباطيل " (ص 44)
ونقل تخريجه عن تلخيص الحافظ دون أن يشير إلى ذلك، وحذف منه إعلاله
للحديث واستنكار أحمد إياه!! أورده تحت عنوان " ما يباح
__________
(1) 1 - قلت: لم يعزه الهيثمي (4/ 276) إلا لأحمد والبزار، وقد راجعت
له "المعاجم الثلاثة " للطبراني فلم أره في شيء منها. فالله أعلم. اهـ.
(1/299)
النظر إليه من الخاطب إلى مخطوبته "،
واستدل به على جواز إرسال امرأة إلى المخطوبة لتراها، ثم تصفها للخاطب.
وأن القول بجواز النظر من الخاطب إلى غير الوجه والكفين من المخطوبة
باطل. ولم يتعرض لذكر الأحاديث المؤيدة لهذا القول الذي أبطله بدون حجة
شرعية سوى التأييد لمذهبه. وقد رددت عليه في " سلسلة الأحاديث الصحيحة
" (95 - 99) وخرجت فيها أربعة أحاديث فيها أمره صلى الله عليه وسلم
للرجل أن ينظر إلى من يريد خطبتها، وفي بعضها: " أن ينظر إلى ما يدعوه
إلى نكاحها " وأن بعض رواته من الصحابة كان يتخبأ ليرى منها ما يدعوه
إلى تزوجها، فراجعها تزدد علما وفقها.
(تنبيه):
كنت ذكرت في المصدر المذكور (1/ 156) نقلا عن " تلخيص الحبير " لابن
حجر العسقلاني (ص 291 - 292) من الطبعة الهندية رواية عبد الرزاق وسعيد
ابن منصور وابن أبي عمر (الأصل: أبي عمرو وهو خطأ) عن سفيان عن عمرو بن
دينار عن محمد بن علي بن الحنفية أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم ..
القصة، وفيها أن عمر رضي الله عنه كشف عن ساقيها.
وقد اعتبرتها يؤمئذ صحيحة الإسناد، اعتمادا مني على ابن حجر - وهو
الحافظ الثقة - وقد أفاد أن راويها هو ابن الحنفية، وهو أخو أم كلثوم،
وأدرك عمر ودخل عليه، فلما طبع " مصنف عبد الرزاق " بتحقيق الشيخ حبيب
الرحمن الأعظمي، ووقفت على إسنادها فيه (10/ 10352) تبين لي أن في
السند إرسالا وانقطاعا، وأن قوله في " التلخيص ": " .. ابن الحنفية "
خطأ لا أدري سببه، فإنه في "المصنف ": " ... عمرو بن دينار
(1/300)
عن أبي جعفر قال: .. " وكذلك هو عند سعيد
بن منصور (3 رقم 520) كما ذكر الشيخ الأعظمي، وأبو جعفر هذا اسمه محمد
بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقد جاء مسمى في رواية ابن أبي
عمر بـ " محمد ابن علي " كما ذكره الحافظ نفسه في " الإصابة "، وساقه
كذلك ابن عبد البر في " الاستذكار " بإسناده إلى ابن أبي عمر، وعليه
فراوي القصة ليس ابن الحنفية، لأن كنيته أبو القاسم، وإنما هو محمد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كما تقدم، لأنه هو الذي يكنى بأبي
جعفر، وهو الباقر. وهو من صغار التابعين، روى عن جديه الحسن والحسين
وجد أبيه علي بن أبي طالب مرسلا، كما في "التهذيب " وغيره، فهو لم يدرك
عليا بله عمر، كيف وقد ولد بعد وفاته بأكثر من عشرين سنة، فهو لم يدرك
القصة يقينا، فيكون الإسناد منقطعا، فرأيت أن من الواجب علي - أداء
للأمانة العلمية - أن أهتبل هذه الفرصة، وأن أبين للقراء ما تبين لي من
الانقطاع. والله تعالى هو المسؤول أن يغفر لنا ما زلت له أقلامنا، ونبت
عن الصواب أفكارنا، إنه خير مسؤول.
لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها
1839 - (حديث " لا نكاح إلا بولي " رواه الخمسة إلا النسائي وصححه أحمد
وابن معين) ص 150 صحيح
وقد جاء من حديث أبي موسى الأشعري وعبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله
وأبي هريرة.
(1/301)
1 - أما حديث أبي موسى فيرويه أبو إسحاق عن
أبي بردة عنه مرفوعا به. أخرجه أبو داود (2085) والترمذي (1/ 203 -
204) والدارمي (2/ 137) والطحاوي (2/ 5) وابن أبي شيبة (7/ 2 / 2) وابن
الجارود (702) وابن حبان (1243) والدارقطني (ص 380) والحاكم (2/ 270)
والبيهقي (7/ 107) وأحمد (4/ 394، 413) وتمام الرازي في " الفوائد " (ق
291/ 2) وأبو الحسن الحربي في جزء من حديثه (35/ 1) من طرق عن إسرائيل
بن يونس عن أبي إسحاق به. وقد تابعه يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق
به. أخرجه أبو داود (2085) والترمذي من طريقين عنه.
وأخرجه أحمد (4/ 413، 418) من طريقين عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة
به لم يذكر فيه أبا إسحاق.
وكذلك أخرجه ابن الجارود (701) والحاكم من طريق ثالثة عن يونس به.
وتابعه شريك عن أبي إسحاق به. أخرجه الترمذي والدارمي وابن حبان (1245)
وأبو علي الصواف في " الفوائد " والبيهقي (3/ 169 / 2).
وتابعه أبو عوانة: ثنا أبو إسحاق به. أخرجه ابن ماجه (1881) والطحاوي
والحاكم والبيهقي والطيالسي (523). وتابعه زهير بن معاوية عنه به.
أخرجه إبن الجارود (703) وابن حبان (1244) والبيهقي والحاكم. وتابعه
قيس بن الربيع. أخرجه الطحاوي والبيهقي والحاكم. وتابعه أخيرا شعبة عن
أبي إسحاق به
أخرجه الدارقطني (381) والرازي في " الفوائد " (219/ 2) وأبو علي
الصواف في " الفوائد " (3/ 169 / 2). أخرجاه عن سفيان أيضا.
(1/302)
لكن المحفوظ عن شعبة وسفيان عن أبي إسحاق
عن أبي بردة مرسلا. قالت الترمذي عقب الحديث: " وحديث أبي موسى حديث
فيه اختلاف رواه إسرائيل وشريك بن عبد الله وأبو عوانة وزهير بن معاوية
وقيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي (صلى
الله عليه وسلم). وروى أبو عبيدة الحداد عن يونس بن أبى إسحاق عن أبي
بردة عن أبي موس نحوه. ولم يذكر فيه " عن أبي إسحاق " وقد روي عن يونس
بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي (صلى الله
عليه وسلم) أيضا. وروى شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي
(صلى الله عليه وسلم) " لا نكاح الا بولي ".
وقد ذكر بعض أصحاب سفيان عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى ولا
يصح. ورواية هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن
النبي (صلى الله عليه وسلم) عندي أصح لأن سماعهم من أبي إسحاق في أوقات
مختلفة وإن شعبة والثوري أحفظ وأثبت من جميع هؤلاء الذين رووا عن أبي
إسحاق هذا الحديث فإن رواية هؤلاء عندي أشبه لأن شعبة والثوري سمعا هذا
الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد ومما يدل على ذلك (ثم ذكر بسنده
الصحيح عن) شعبة قالت: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق: أسمعت أبا
بردة يقول: قالت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا نكاح إلا بولي؟
فقال: نعم. فدل أن سماع شعبة والثوري عن أبي إسحاق (الأصل: مكحول!) هذا
الحديث في وقت واحد. وإسرائيل هو ثقة ثبت في أبي إسحاق سمعت محمد بن
المثنى يقول. سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ما فاتني من
(1/303)
حديث الثوري عن أبي إسحاق الذي فاتني إلا
لما تكلت به على إسرائيل لأنه كان يأتي به أتم ".
وأقول: لا شك أن قول الترمذي أن الأصح رواية الجماعة عن أبي إسحاق عن
أبي بردة عن أبي موسى مرفوعا هو الصواب فظاهر السند الصحة ولذلك صححه
جماعة منهم علي بن المديني ومحمد بن يحيى الذهلي كما رواه الحاكم عنهما
وصححه هو أيضا ورافقه الذهبي ومنهم البخاري كما ذكر ابن الملقن في "
الخلاصة " (ق 143/ 2) ولكن يرد عليهم أن أبا إسحاق وهو السبيعي كان قد
اختلط ولا يدرى هل حدث به موصولا قبل الاختلاط أم بعده؟ (1) نعم قد ذكر
له الحاكم متابعين منهم ابنه يونس وقد سبقت روايته وقال: " لست أعلم
بين أئمة هذا العلم خلافا على عدالة يونس بن أبي إسحاق وأن سماعه من
أبي بردة مع أبيه صحيح ثم لم يختلف على يونس في وصل هذا الحديث ". ثم
وصله الحاكم من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي بردة به.
قلت: وفي إسناده ضعف. لكنه إذا لم يرتق الحديث بهذه المتابعة إلى درجة
الحسن أو الصحة فلا أقل من أن يرتقي إلى ذلك بشواهده الآتية فهو بها
صحيح قطعا ولعل تصحيح من صححه من أجل هذه الشواهد. والله أعلم.
2 - وأما حديث ابنه عباس فله عنه طريقان: الأولى: عن عكرمة عنه به
مرفوعا. أخرجه ابن ماجه (1880) والبيهقي (7/ 109 - 110) وأحمد (1/ 250)
من طريق الحجاج عن عكرمة.
__________
(1) 1 - وأيضا فقد وصف بالتدليس وقد عنعنه في جمع الطرق عنه.
(1/304)
قلت: والحجاج هو ابن أرطأة وهو مدلس وقد
عنعنه. بل قال أحمد: إنه لم يسمع من عكرمة الثانية: عن سعيد بن جبير
عنه به. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (163/ 3 / 2): حدثنا عبد
الله بن أحمد ابن حنبل: نا عبيد الله بن عمر القواريري نا عبد الرحمن
بن مهدي وبشر بن المفضل قالا: نا سفيان عن عبد الله بن عثمان بن خثيم
عنه. قلت. وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن
أحمد وهو ثقة حافظ لكن قد أعل بالوقف كما يأتي.
وأخرجه من طريق الطبراني الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (231
- 232). وقال الطبراني في " الأوسط " (1/ 164 / 2 - زوائده) ثنا أحمد
بن القاسم ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ثنا عبد الله بن داود وبشر
ابن المفضل وعبد الرحمن بن مهدي كلهم عن سفيان به بلفظ: " لا نكاح إلا
بإذن ولي مرشد أو سلطان " وقال: " لم يروه مسندا عن سفيان إلا هؤلاء
الثلاثة تفرد به القواريري ". قلت: وهو ثقة ثبت كما قال الحافظ في "
التقريب " والراوي عنه أحمد بن القاسم الظاهر أنه أحمد بن القاسم بن
مساور أبو جعفر الجوهري ويحتمل أنه أحمد بن القاسم بن محمد أبو الحسن
الطائي البرتي وكلاهما من شيوخ الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 16،
18) وكل ثقة مترجم له في " تاريخ بغداد " (4/ 349، 350).
وقد تابعه معاذ بن المثنى ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ثنا عبد الله
بن داود سمعه من سفيان ذكره عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
رضي الله عنهما قالت عبيد الله: ثنا بشر بن منصور وعبد الرحمن بن مهدي
جميعا قالا: ثنا سفيان عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن
النبي (صلى الله عليه وسلم) إن شاء الله قال: فذكره
(1/305)
" تفرد به القواريري مرفوعا والقواريري ثقة
إلا أن المشهور بهذا الاسناد موقوف على ابن عباس ". ثم روى من طريق
إسحاق الأبري عن عبد الرزاق عن الثوري عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس رضي الله عنه مثله ولم يرفعه (1).
ثم رواه من طريق جعفر بن الحارث عن عبد الله بن عثمان بن خثيم به ورواه
الشافعي (1542) وعنه البيهقي (7/ 112) عن مسلم بن خالد عنه ابن خثيم
به. وخالفهم جميعا عيسى بن الفضل فقال: أنبا عبد الله بن عثمان بن خثيم
به مرفوعا بلفظ: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل فإن أنكحها ولي مسخوط
عليه فنكاحها باطل ". أخرجه الدارقطني (382) وقال: " رفعه عدي بن الفضل
ولم يرفعه غيره ". وقال البيهقي عقبه: " وهو ضعيف والصحيح موقوف ".
ثم وجدت للقواريري متابعا أخرجه أبو الحسن الحمامى في " الفوائد
المنتقاة " (9/ 2 / 1) من طريق مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري به
بلفظ القواريري. وقال الحافظ أبو الفتح بن أبى الفوارس في (منتقى
الفوائد): " حديث غريب من حديث الثوري تفرد به مؤمل بن إسماعيل عن
سفيان والمحفوظ عن سفيان موقوف ".
3 - وأما حديث جابر فله طرق:
الأولى: عن أبي سفيان عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا
نكاح إلا بولي فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ". أخرجه
الطبراني في " الأوسط " (1/ 164 / 2) من طريق عمرو بن عثمان الرقي
__________
(1) 1 - وكذلك رواه ابن أبي شيبة (2/ 7 / 1): وكيع عن سفيان به موقوف
(1/306)
نا عيسى بن يونس عن الأعمش عنه. وقال: " لم
يروه عن الأعمش إلا عيسى ولا عنه إلا عمرو ".
قلت: وهو أعني عمرو بن عثمان الرقي قال الهيثمي (4/ 286) " وهو متروك
وقد وثقه ابن حبان ". الثانية: عن عطاء عن جابر به أخرجه الطبراني عن
عبد الله بن بزيع عن هشام القردوسي عنه. قلت: وهذا سند ضعيف عبد الله
بن بزيم قال الذهبي في " الضعفاء ": " لينه الدارقطني ". الثالثة: عن
أبي الزبير عنه مرفوعا بلفظ: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " أخرجه
الطبراني أيضا من طريق قطن بن نسير الذراع نا عمرو بن النعمان الباهلي
نا محمد بن عبد الملك عنه. وقال: " لا يروى عن جابر إلا بهذا الاسناد
تفرد به قطن ".
قلت: وهو صدوق يخطئ احتج به مسلم وعمرو بن النعمان الباهلي صدوق له
أوهام كما في " التقريب ". وأما محمد بن عبد الملك فلم أعرفه. وقال
الهيثمي: " فإن كان هو الواسطي الكبير فهو ثقة وإلا فلم أعرفه وبقية
رجاله ثقات ". قلت: الواسطي هذا لم يوثقه غير ابن حبان ومع ذلك فقد
رماه بالتدليس فقال في " الثقات ": " يعتبر حديثه إذا بين السماع فإنه
كلن مدلسا ".
قلت: وقد روى هنا بالعنعنة فلا يعتبر حديثه فكيف يطلق عليه أنه ثقة!
أضف إلى ذلك أن أبا الزبير مدلس أيضا معروف بذلك!
4 - وأما حديث أبي هريرة فله عنه طرق:
الأولى: عن محمد بن سيرين عنه بلفظ الكتاب. أخرجه ابن حبان (1246) من
طريق أبي عتاب الدلال حدثنا أبو عامر الخزاز عنه.
(1/307)
قلت: وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات غير أبي
عامر الخزاز واسمه صالح بن رستم المزني مولاهم قال الحافظ: " صدوق "
كثير الخطأ ".
والثانية: عن سعيد بن المسيب عنه به وزيادة: " وشاهدي عدل ". أخرجه ابن
عيسى في " الكامل " (ق 153/ 2) والطبراني في " الأوسط " (1/ 164 / 2)
من طريق سليمان بن أرقم عن الزهري عنه. وقال: " لم يروه عن الزهري إلا
سليمان ".
قلت: وهو متروك كما في " المجمع " (4/ 286) وقد تابعه عمر بن قيس وهو
المكي عن الزهري به بلفظ: " لا تنكح المرأة إلا بإذن ولي ". أخرجه
الطبراني أيضا وقال: " لم يروه عن الزهري إلا عمر ".
قلت: وهو متروك أيضا. والثالثة: عن أبي سلمة عنه به وزاد: " قيل: يا
رسول الله من الولي؟ قال: رجل من المسلمين ". أخرجه ابن عساكر في "
تاريخ دمشق " (12/ 233 / 2) عن المسيب بن شريك عن محمد بن عمرو عنه.
قلت: والمسيب هذا متروك كما قال مسلم وجماعة. وله طريق رابعة سأذكرها
تحت الحديث (1858) وفي الباب عن جماعة آخرين من الصحابة وفي أسانيدها
كلها ضعف وتجد تخريجها في " نصب الراية " و " مجمع الزوائد " وفيما
ذكرنا كفاية.
وخلاصة القول: أن الحديث صحيح بلا ريب, فإن حديث أبي موسى قد صححه
جماعة من الأئمة كما عرفت وأسوأ أحواله أن يكون الصواب فيه أنه مرسل.
(1/308)
أخطأ في رفعه أبو إسحاق السبيعي فإذا انضم
إليه متابعة من تابعه موصولا وبعض الشواهد المتقدمة التي لم يشتد ضعفها
عن غير أبي موسى من الصحابة - مثل حديث جابر من الطريق الثانية وحديث
أبي هريرة من الطريق الأولى - إذا نظرنا إلى الحديث من مجموع هذه الطرق
والشواهد فإن القلب يطمئن لصحته لا سيما وقد صح عن ابن عباس موقوفا
عليه كما سبق ولم يعرف له مخالف من الصحابة. أضف إلى ذلك كله أن في
معناه حديث عائشة الأتي في الكتاب وهو حديث صحيح كما سيأتي تحقيقه. وقد
روى ابن عيسى في " الكامل " (156/ 2) عن الامام أحمد رحمه الله أنه
قالت: أحاديث: " أفطر الحاجم والمحجوم " و " لا نكاح إلا بولي " يشد
بعضها بعضا وأنا أذهب إليها).
1840 - (عن عائشة مرفوعا: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها
باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من
فرجها وإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي لها " رواه الخمسة إلا
النسائي) ص 150. صحيح.
أخرجه أبو داود (2083) والترمذي (1/ 204) وابن ماجه (1879) وأحمد (6/
47، 165) وكذا الشافعي (1543) والدارمي (2/ 137) وابن أبي شيبة (7/ 2 /
1) والطحاوي (2/ 4) وابن الجارود (700) وابن حبان (1248) والدارقطني
(381) والحاكم (2/ 168) والبيهقي (7/ 105) والطيالسي (1463) وابن عيسى
في " الكامل " (ق 156/ 2) وابن عساكر (8/ 317 / 2 - 320/ 1) من طرق
عديدة عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عنها.
(1/309)
ومن طريقه عنه عبد الرزاق قال: أنا ابن
جريج قال: أخبرني سليمان بن موسى أن ابن شهاب أخبره أن عروة أخبره أن
عائشة أخبرته. أخرجه أحمد وابن الجارود والدارقطني.
قلت: وهذا إسناد موصول مسلسل بالتحديث على أنه ليس فيهم من يعرف
بالتدليس سوى ابن جريج وقد صرح بالتحديث أيضا في رواية غير عبد الرزاق
فقال الامام أحمد: ثنا إسماعيل ثنا ابن جريج قال أخبرني سليمان بن موسى
به وزاد في آخره: " قال ابن جريج: فلقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث
فلم يعرفه. قال: وكان سليمان بن موسى وكان فأثنى عليه ". وقول ابن جريج
هذا أخرجه العقيلي أيضا في ترجمة سليمان ابن موسى (ص 164) وفيه: " قال
ابن جريج: وكان سليمان وكان يعني: في الفضل ".
قلت: فهذا صريح في أن الثناء المذكور على سليمان إنما هو من ابن جريج
لا من الزهري وهو ظاهر عبارة أحمد في مسنده بخلاف ما رواه عنه الحاكم
من طريق أبي حاتم الرازي قالت: سمعت أحمد بن حنبل يقول - وذكر عنده أن
ابن علية (هو إسماعيل شيخ أحمد في الرواية المتقدمة) يذكر حديث ابن
جريج في " لا نكاح إلا بولي ". قال ابن جريج فلقيت الزهري فسألته عنه
فلم يعرفه وأثنى على سليمان بن موسى. قال أحمد بن حنبل: إن ابن جريج له
كتب مدونة وليس هذا في كتبه يعني حكاية ابن علية عن ابن جريج ".
قلت: فظاهر قوله " أثنى. . . " إنما هو الزهري لأنه أقرب مذكور وقد صار
هذا الظاهر نصا في نقل الحافظ في " التلخيص " (3/ 157) لهذه العبارة عن
الحاكم فزاد ها ". . وسألته عن سليمان بن موسى؟ فأثنى عليه "
(1/310)
فكأن الحافظ رحمه الله رواه بالمعنى الظاهر
من عبارة " المستدرك " غير أن هذا الظاهر غير مراد لما تقدم من رواية
العقيلي التي هي نص على خلاف ما فهم. نعم قد رواه ابن عدي على نحو ما
عزاه الحافظ للحاكم فروى من طريق الشاذكوني ثنا بشر بن المفضل عن ابن
جريج. . . (فذكر الحديث) قال ابن جريج: فلقيت الزهري فسألته عن هذا
الحديث؟ فلم يعرفه فقلت له: إن سليمان بن موسى حدثنا به عنك قالت: فعرف
سليمان وذكر خيرا وقال أخاف أن يكون وهم علي ".
قلت: لكن الشاذكوني هذا متهم بالكذب فلا يعارض بروايته رواية ابن علية
عن ابن جريج. على أن الرواية عنه من أصلها قد طعن في صحتها الامام أحمد
كما تقدم في رواية أبي حاتم عنه وروى ابن عدي بالسند الصحيح عن ابن
معين أنه قال: " لا يقول هذا إلا ابن علية وابن علية عرض حديث ابن جريج
على عبد المجيد بن عبد العزيز فأصلحها له ". وطعن فيها آخرون فقال
الحافظ: " وأعل ابن حبان وابن عدي وابن عبد البر والحاكم وغيرهم
الحكاية عن ابن جريج وأجابوا عنها على تقدير الصحة بإنه لا يلزم من
نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم فيه. وقد تكلم عليه أيضا
الدارقطني في " جزء من حدث ونسي " والخطيب بعده وأطال الكلام عليه
البيهقي في " السنن " و " الخلافيات " وابن الجوزي في " التحقيق ".
وقال الترمذي عقب الحديث: " هو عندي حسن.
وقد تكلم بعض أصحاب الحديث فيه (ثم ذكر الحكاية المتقدمة عن ابن جريج
وقال:) وذكر عن يحيى بن معين أنه قال: لم يذكر هذا الحرف عن ابن جريج
إلا إسماعيل بن إبراهيم. قال يحيى: وسماع إسماعيل عن ابن جريج ليس بذاك
إنما صحح كتبه على كتب عبد المجيد بن عبد العزيز
(1/311)
ابن أبي رواد ما سمع من ابن جريج. وضعف
يحيى رواية إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج ".
قلت: وقد ذكر هذا الحرف عن ابن جريح بشر بن المفضل أيضا لكن الراوي عنه
كما سبق ذكره.
ومما سبق يتبين أنه لا يصلح الاعتماد على هذه الحكاية في الطعن في سند
الحديث فلننظر فيه كما ننظر في أي إسناد في أي حديث. فأقول: إن الحديث
رجاله كلهم ثقات رجال مسلم إلا أن سليمان بن موسى مع جلالته في الفقه
فقد قال الذهبي في " الضعفاء ": " صدوق قالت البخاري: عنده مناكير ".
وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق فقيه قي حديثه بعض لين وخلط قبل
موته بقليل ".
وعلى هذا فالحديث حسن الاسناد وأما الصحة فهي بعيدة عنه وإن كان صححه
جماعة منهم ابن معين كما رواه ابن عدي عنه. ومنهم الحاكم فقال: " صحيح
على شرط الشيخين "! كذا قال وسليمان لم يخرج له البخاري. وقال ابن
الجوزي في " التحقيق " (3/ 71 / 2): " هذا الحديث صحيح ورجاله رجال
الصحيح ".
ورده الحافظ ابن عبد الهادي في " التنقيح " (3/ 261) بأن سليمان صدوق
وليس من رجال الصحيحين نعم لم يتفرد به سليمان بن موسى بل تابعه عليه
جماعة فهو بهذا الاعتبار صحيح.
فتابعه جعفر بن ربيعة عن ابن شهاب به. أخرجه أبو داود (2084) والطحاوي
والبيهقي وأحمد (6/ 66) وقال أبو داود:
(1/312)
" جعفر لم يسمع من الزهري كتب إليه ".
وتابعه عبيد الله بن أبي جعفر عن ابن شهاب به مثله أخرجه الطحاوي من
طريق ابن لهيعة عنه. قلت: ورجاله ثقات غير ابن لهيعة فإنه سيئ الحفظ.
وهو الذي روى المتابعة التي قبل هذه. وتابعه الحجاج بن أرطاة عن الزهري
بإسناده بلفظ: " لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له ". أخرجه
ابن ماجه (1880) وابن أبي شيبة (7/ 2 / 2) والطحاوي والبيهقي وأحمد (6/
260). وقال ابن عدي: " وهذا حديث جليل في هذا الباب وعلى هذا الاعتماد
في إبطال نكاح بغير ولي وقد رواه ابن جريج الكبار ورواه عن الزهري مع
سليمان بن موسى حجاج ابن أرطاة ويزيد بن أبي حبيب ومرة بن عبد الرحمن
بن حيوئيل وأيوب بن موسى وابن عيينة وإبراهيم بن سعيد وكل هؤلاء طرقهم
غريبة إلا حجاج بن أرطاة فإنه مشهور رواه عنه جماعة ".
وللحديث شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا. أخرجه الطبراني في " الأوسط "
(1/ 164 / 1) من طريق أبي يعقوب عن ابن أبي نجيح عن عطاء عنه. وقال: "
لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الاسناد ".
قال الهيثمي في " المجمع " (4/ 285): " وفيه (أبو) يعقوب غير مسمى فإن
كان هو التوأم فقد وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين وإن كان غيره فلم
أعرفه وبقية رجاله ثقات "
1841 - (عن أبي هريرة مرفوعا: " لا تزوج المرأة المرأة. ولا تزوج
المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها " رواه ابن ماجه
والدارقطني) ص 151 صحيح دون الجملة الأخيرة أخرجه ابن ماجه (1882)
والدارقطني (384) والبيهقي (7/ 110) من طريق جميل بن الحسن العتكي: ثنا
محمد بن مروان العقيلي ثنا هشام بن حسان عن محمد بن
(1/313)
سيرين عن أبي هريرة به. قلت: وهذا إسناد
حسن رجاله كلهم ثقات غير محمد بن مروان العقيلي قال الحافظ في "
التقريب ": " صدوق له أوهام "
قلت: ولكنه قد توبع فرواه مسلم بن عبد الرحمن الجرمي ثنا مخلد بن حسين
عن هشام بن حسان به. أخرجه الدارقطني والبيهقي. قلت: وهذا سند رجاله
ثقات غير الجرمي هذا وهو شيخ وقد أورده ابن أبي حاتم (4/ 1 / 188)
فقال: " من الغزاة روى عن مخلد بن حسين. روى عنه المنذر بن شاذان
الرازي وقال: إنه قتل من الروم مائة ألف (1) ... قال الحسن بن سفيان:
وسألت يحيى بن معين عن رواية مخلد بن الحسين عن هشام بن حسان؟ فقال:
ثقة فذكرت له هذا الحديث قال: نعم قد كان شيخ عندنا يرفعه عن مخلد ".
قلت: وكان ابن معين يشير إلى الجرمي هذا. وروى عبد الرحمن بن محمد
المحاربي ثنا عبد السلام بن حرب عن هشام به إلا أنه قال: قال أبو
هريرة: كنا نعد التي تنكح نفسها هي الزانية ". فجعل القسم الأخير منه
موقوفا. أخرجه الدارقطني والبيهقي. قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
ورواه الأوزاعي عن ابن سيرين به إلا أنه أوقفه كله على أبي هريرة ولم
يفصل كما فعل عبد السلام بن حرب. أخرجه البيهقي وقال: " وعبد السلام قد
ميز المسند من الموقوف فيشبه أن يكون قد حفظه".
[الإرواء]
__________
(1) 1 - في هذا الرقم مبالغة لا تخفى بل هو ظاهر الكذب.
(1/314)
الكفاءة في الزواج
1067 - " تخيروا لنطفكم، فانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم ".
[الصحيحة]
قال رحمه الله:
أخرجه ابن ماجه (1/ 706) وابن عدي في الكامل " (64/ 1) والدارقطني
(416) والحاكم (2/ 163) والخطيب (1/ 264) من طريق الحارث بن عمران
الجعفري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. ثم رواه الحاكم من
طريق عكرمة بن إبراهيم عن هشام بن عروة به مثله. وقال: " صحيح الإسناد
".
وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت الحارث متهم وعكرمة ضعفوه ".
قلت: ومن طريق الأول ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (1/ 403 و 404)
وقال: " قال أبي: الحديث ليس له أصل وقد رواه مندل أيضا، ثم قال: قال
أبي: الحارث ضعيف الحديث، وهذا حديث منكر ".
قلت: وذكره الخطيب من طرق أخرى عن هشام به ثم قال: " وكل طرقه واهية
قال: ورواه أبو المقدام هشام بن زياد عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي
صلى الله عليه وسلم مرسلا وهو أشبه بالصواب ".
وقال الحافظ في التلخيص (3/ 146): " ومداره على أناس ضعفاء رووه عن
هشام.
(1/315)
أمثلهم: صالح بن موسى الطلحي والحارث بن
عمران الجعفري وهو حسن ".
وقال في " الفتح " (9/ 102): " وأخرجه أبو نعيم من حديث عمر أيضا وفي
إسناده مقال، ويقوى أحد الإسنادين بالآخر ".
وروي الحديث بزيادة فيه منكرة أوردته من أجلها في " الضعيفة " (5041).
ثم رأيت له متابعا آخر أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (5/ 120 / 2)
من طرق عن أبي بكر أحمد بن القاسم أنبأنا أبو زرعة أخبرنا أبو النضر
أخبرنا الحكم ابن هشام حدثني هشام بن عروة به.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال " لتهذيب " غير أحمد بن
القاسم وهو التميمي ترجمه ابن عساكر (2/ 42 / 2) وروى عن عبد العزيز
الكناني أنه قال فيه: " كان ثقة مأمونا ". وفي الحكم بن هشام وأبي
النضر واسمه إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الدمشقي كلام لا يضر، وقد قال
الحافظ في كل منهما: " صدوق " زاد في الثاني " ضعف بلا مستند ".
فالحديث بمجموع هذه المتابعات والطرق وحديث عمر رضي الله عنه صحيح بلا
ريب.
ولكن يجب أن نعلم أن الكفاءة إنما هي في الدين والخلق فقط.
(1/316)
صداق المرأة
1927 - (قال عمر: " ألا لا تغالوا في صدقات النساء " رواه أبو داود
والنسائي). ص 188 صحيح.
أخرجه أبو داود (2106) والنسائي (2/ 87) والترمذي أيضا (1/ 208) وصححه
وكذا ابن حبان (1259) والدارمي (2/ 141) والحاكم (2/ 175) والبيهقي (7/
234) وأحمد (1/ 40 و 48) والحميدي (23) والضياء في " الأحاديث المختارة
" (1/ 107) من طرق عن محمد ابن سيرين عن أبي العجفاء (وقال أحمد: سمعه
من أبي العجفاء) قال: خطبنا عمر رحه الله فقال: " ألا لا تغالوا بصدق
النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم
بها النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتى عشرة أوقية ".
وقال الحاكم: " صحيح الاسناد وأبو العجفاء السلمي اسمه هرم بن حيان وهو
من الثقات ". . ووافقه الذهبي ولكنه تعقبه في اسم أبي العجفاء فقال: "
قلت: بل هرم بن نسيب ".
قلت: وقيل في اسمه غير ذلك. وقد وثقه ابن معين والدارقطني وروى عنه
جماعة من الثقات فلا يلتفت بعد هذا إلى قول الحافظ فيه: " مقبول ".
يعني لين الحديث عند التفرد فكيف هذا مع توثيق الامامين المذكورين
إياه؟! على أن الحاكم قد ذكر له طريقين آخرين عن عمر نحوه.
(1/317)
(تنبيه):
أما ما شاع على الألسنة من أعتراض المرأة على عمر وقولها: " نهيت الناس
آنفا أن يغالوا في صداق النساء والله تعالى يقول في كتابه (وآتيتم
إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا)؟! فقال عمر رضي الله عنه: كل أحد
أفقه من عمر مرتين أو ثلاثا ثم رجع إلى المنبر فقال للناس: إني كنت
نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له ".
فهو ضعيف منكر يرويه مجالد عن الشعبي عن عمر. أخرجه البيهقي (7/ 233)
وقال: " هذا منقطع ".
قلت: ومع انقطاعه ضعيف من أجل مجالد وهو ابن سعيد ليس بالقوي ثم هو
منكر المتن فأن الآية لا تنافي توجيه عمر إلى ترك المغالاة في مهور
النساء ولا مجال الأن لبيان ذلك فقد كتبت فيه مقالا نشر في مجلة التمدن
الاسلامي منذ بضع سنين.
[الأرواء]
هل لولي المرأة أن يشترط لنفسه شيئا من
المال
1007 - " أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح،
فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح، فهو لمن أعطيه، وأحق ما أكرم عليه
الرجل ابنته أو أخته". [الضعيفة]
(1/318)
ضعيف.
أخرجه أبو داود (2129) والنسائي (2/ 88 - 89) وابن ماجه (1955)
والبيهقي (7/ 248) وأحمد (2/ 182) عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف ; لأن ابن جريج مدلس وقد عنعنه.
وقد تابعه مدلس آخر وهو الحجاج بن أرطاة فقال: عن عمرو بن شعيب به
ولفظه:
ما استحل به فرج المرأة من مهر أو عدة، فهو لها، وما أكرم به أبوها أو
أخوها أو وليها بعد عقدة النكاح، فهو له، وأحق ما أكرم الرجل به ابنته
أو أخته.
أخرجه البيهقي.
تنبيه: استدل بعضهم بهذا الحديث على أنه يجوز لولي المرأة أن يشترط
لنفسه شيئا من المال! وهو لو صح كان دليلا ظاهرا على أنه لو اشترط ذلك
لم يكن المال له بل للمرأة، قال الخطابي:
هذا يتأول على ما يشترطه الولي لنفسه سوى المهر، وقد اعتاد كثير من
الآباء مثل هذا الشرط، وأنا وإن كنت لا أستحضر الآن ما يدل على تحريمه،
ولكني أرى - والعلم عند الله تعالى - أنه لا يخلو من شيء، فقد صح أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، ولا أظن
مسلما سليم الفطرة، لا يرى أن مثل هذا الشرط ينافي مكارم الأخلاق، كيف
لا، وكثيرا ما يكون سبباللمتاجرة بالمرأة إلى أن
(1/319)
يحظى الأب أو الولي بالشرط الأوفر، والحظ
الأكبر، وإلا أعضلها! وهذا لا يجوز لنهي القرآن عنه.
الصداق إذا لم يدخل بها
1019 - " من كشف خمار امرأة ونظر إليها فقد وجب الصداق، دخل بها أو لم
يدخل بها " [الضعيفة]
قال رحمه الله:
ضعيف.
أخرجه الدارقطني في " سننه " (419) من طريق ابن لهيعة: أخبرنا أبو
الأسود عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا سند ضعيف، لإرساله، ولضعف ابن لهيعة، ومن طريقه علقه البيهقي
(7/ 256) وقال:
وهذا منقطع، وبعض رواته غير محتج به.
يعني ابن لهيعة، لكن قد أخرجه هو من طريق عبد الله بن صالح: حدثني
الليث:
حدثني عبيد الله بن أبي جعفر عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن يزيد عن
محمد بن ثوبان بلفظ:
من كشف امرأة فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق.
(1/320)
وهذا سند رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير
عبد الله بن صالح فمن رجال البخاري وحده، وفيه ضعف، لكنه قد توبع، فقال
ابن التركماني في " الجوهر النقي":
أخرجه أبو داود في " مراسيله " عن قتيبة عن الليث بالسند المذكور، وهو
على شرط الصحيح، ليس فيه إلا الإرسال ".
وقال الحافظ في " التلخيص " (ص 311):
رواه أبو داود في " المراسيل " من طريق ابن ثوبان ورجاله ثقات.
قلت: فهو ضعيف لإرساله، وقد صح موقوفا، فأخرجه الدارقطني وعنه البيهقي
من طريق عبد الله بن نمير: حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر
قال:
" إذا أجيف الباب، وأرخيت الستور، فقد وجب المهر.
ورجاله كلهم ثقات معروفون رجال مسلم غير علي بن عبد الله بن مبشر شيخ
الدارقطني فلم أجد له ترجمة، ولكنه أخرجه وهو والبيهقي من طريق أخرى عن
عمر وقرن معه البيهقي عليا رضي الله عنهما، فهو عن عمر ثابت، وله عند
الدارقطني طريق أخرى ثم أخرجه الدارقطني من طريق ابن أبي زائدة عن عبيد
الله عن نافع عن ابن عمر مثله.
قلت: وسنده صحيح.
وهو في " الموطأ " (2/ 65) بإسنادين منقطعين عن عمر وزيد بن ثابت.
(1/321)
وجملة القول أن الحديث ضعيف مرفوعا، صحيح
موقوفا، ولا يقال: فالموقوف شاهد للمرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي،
لأمرين:
الأول: أنه مخالف لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ
أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا
فَرَضْتُمْ} فهي بإطلاقها تشمل التي خلا بها، وما أحسن ما قال شريح: "
لم أسمع الله تعالى ذكر في كتابه بابا ولا سترا، إذا زعم أنه لم يمسها
فلها نصف الصداق ".
الثاني: أنه قد صح خلافه موقوفا، فروى الشافعي (2/ 325): أخبرنا مسلم
عن ابن جريج عن ليث بن أبي سليم عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما
أنه قال في الرجل يتزوج المرأة فيخلو بها ولا يمسها ثم يطلقها: ليس لها
إلا نصف الصداق لأن الله يقول: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ
أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً}.
ومن طريق الشافعي رواه البيهقي (7/ 254).
قلت: وهذا سند ضعيف، لكن قد جاء من طريق أخرى عن طاووس، أخرجه البيهقي
من طريق سعيد بن منصور: حدثنا هشيم: أنبأ الليث عن طاووس عن ابن عباس
أنه كان يقول في رجل أدخلت عليه امرأته ثم طلقها فزعم أنه لم يمسها،
قال: عليه نصف الصداق.
قلت: وهذا سند صحيح فبه يتقوى السند الذي قبله، والآتي بعده عن علي بن
أبي طلحة، بخلاف ما نقله ابن كثير (1/ 288 - 289) عن البيهقي أنه قال
في الطريق الأولى:
وليث وإن كان غير محتج به، فقد رويناه من حديث ابن أبي طلحة عن ابن
عباس، فهو مقوله:
(1/322)
وهذا معناه أنه يرى أن الليث في رواية هشيم
عنه هو ابن أبي سليم أيضا، لكن الحافظ المزي لم يذكر في ترجمة ابن أبي
سليم أنه روى عنه هشيم، وإنما عن الليث عن سعد، والله أعلم.
ثم أخرج البيهقي عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي
طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ
قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً
فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} (1) الآية. فهو الرجل يتزوج المرأة وقد سمى
لها صداقا، ثم يطلقها من قبل أن يمسها، والمس الجماع، لها نصف الصداق،
وليس لها أكثر من ذلك.
قلت: وهذا ضعيف منقطع، ثم روى عن الشعبي عن عبد الله بن مسعود قال:
لها نصف الصداق، وإن جلس بي رجليها، وقال:
وفيه انقطاع بين الشعبي وابن مسعود، فإذا كانت المسألة مما اختلف فيه
الصحابة، فالواجب حينئذ الرجوع إلى النص، والآية مؤيدة لما ذهب إليه
ابن عباس على خلاف هذا الحديث، وهو مذهب الشافعي في " الأم " (5/ 215)،
وهو الحق إن شاء الله تعالى.
__________
(1) 1 - تفسير القرطبي (3/ 205)، وهو عند البيهقي بسند صحيح عنه نحوه.
اهـ.
(1/323)
آداب الجماع
1 - ملاطفة الزوجة عند البناء بها:
يستحب له إذا دخل على زوجته أن يلاطفها كأن يقدم إليها شيئا من الشراب
ونحوه لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن قالت:
إني قينت (1) عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جئته فدعوته
لجلوتها (2) ... فجاء فجلس إلى جنبها فأتي بعس [(3) لبن فشرب ثم ناولها
النبي صلى الله عليه وسلم فخفضت رأسها واستحيت قالت أسماء: فانتهرتها
وقلت لها: خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم قالت: فأخذت فشربت شيئا
ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أعطي تربك (4) قالت أسماء: فقلت:
يا رسول الله بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه من يدك فأخذه فشرب منه ثم
ناولنيه قالت: فجلست ثم وضعته على ركبتي ثم طفقت أديره وأتبعه بشفتي
لأصيب منه شرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لنسوة عندي: [ناوليهن)
فقلن: لا نشتهيه فقال صلى الله عليه وسلم] لا تجمعن جوعا وكذبا.
__________
(1) 1 - أي: زينت
(2) 2 - أي: للنظر إليها مجلوة مكشوفة
(3) 3 - هو القدح الكبير
(4) 4 - أي: صديقتك.
(1/324)
2 - وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها:
وينبغي أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك وأن يسمي
الله تبارك وتعالى ويدعو بالبركة ويقول ما جاء في قوله صلى الله عليه
وسلم:
(إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما [فليأخذ بناصيتها] [وليسم الله
عز وجل] [وليدع بالبركة] وليقل:
اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما
جبلتها عليه (1) وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروه سنامه وليقل مثل ذلك
(2).
قلت: وفي الحديث دليل على أن الله خالق الخير والشر خلافا لمن يقول -
من المعتزلة وغيرهم - بأن الشر ليس من خلقه تبارك وتعالى وليس في كون
الله خالقا للشر ما ينافي كماله تعالى بل هو من كماله تبارك وتعالى
وتفصيل ذلك في المطولات ومن أحسنها كتاب " شفاء العليل في القضاء
والقدر والتعليل " لابن القيم فليراجعه من شاء.
__________
(1) 1 - أي: خلقتها وطبعتها عليه. " نهاية "
(2) 2 - أخرجه البخاري في " أفعال العباد " وأبو داود وابن ماجه
والحاكم والبيهقي وأبو يعلى في " مسنده " بإسناد حسن وصححه الحاكم
ووافقه الذهبي. وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء ":
" إسناده جيد ". وأشار لصحته عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام الكبرى "
بسكوته عليه كما نص في المقدمة وكذا ابن دقيق العيد في " الإلمام "
(1/325)
وهل يشرع هذا الدعاء في شراء مثل السيارة؟
وجوابي: نعم لما يرجى من خيرها ويخشى من شرها.
3 - صلاة الزوجين معا:
ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معا لأنه منقول عن السلف. وفيه أثران:
الأول: عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال:
(تزوجت وأنا مملوك فدعوت نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم
ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة قال: وأقيمت الصلاة قال: فذهب أبو ذر ليتقدم
فقالوا: إليك قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم (1).
قال: فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك وعلموني فقالوا: (إذا دخل عليك أهلك
فصل ركعتين ثم سل الله من خير ما دخل عليك وتعوذ به من شره ثم شأنك
وشأن أهلك (2).
الثاني: عن شقيق قال:
__________
(1) 1 - قلت: يشيرون بذلك إلى أن الزائر لا يؤم المزور في بيته إلا أن
يأذن له لقوله صلى الله عليه وسلم: " ولا يؤم الرجل في بيته ولا في
سلطانه ". أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " وهو في " صحيح أبي
داود ".
(2) 2 - أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف ". وعبد الرزاق أيضا
وسنده صحيح إلى أبي سعيد وهو مستور لم أجد من ذكره سوى أن الحافظ أورده
في " الإصابة " فيمن روى عن مولاه أبي أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري ثم
رأيته في ثقات ابن حبان قال هندية: " يروي عن جماعة من الصحابة روى عنه
أبو نضرة "
ثم ساق هذه القصة دون قوله: فقالوا:. . . إلخ وهو رواية لابن أبي شيبة
(1/326)
(جاء رجل يقال له: أبو حريز (1) فقال: إني
تزوجت جارية شابة [بكرا] وإني أخاف أن تفركني (2) ... فقال عبد الله
(يعني ابن مسعود):
(إن الإلف من الله والفرك من الشيطان يريد أن يكره إليكم ما أحل الله
لكم فإذا أتتك فأمرها أن تصلي وراءك ركعتين. زاد في رواية أخرى عن ابن
مسعود:
(وقل: اللهم بارك لي في أهلي وبارك لهم في اللهم اجمع بيننا ما جمعت
بخير وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير].
أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصدر السابق وكذا عبد الرزاق في "
مصنفه " وسنده صحيح وأخرجه الطبراني بسندين صحيحين والزيادة مع الرواية
الأخرى له ورواه في " الأوسط " كما في الجمع بينه وبين " الصغير " من
طريق الحسين بن واقد عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن
عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إذا دخلت المرأة على زوجها يقوم الرجل فتقوم من خلفه فيصليان ركعتين
ويقول: اللهم بارك لي في أهلي وبارك لأهلي في اللهم ارزقهم مني
__________
(1) 1 - بحاء مفتوحة والأصل " حرير " بدون إعجام وقد أورده الذهبي في "
المشتبه " بالحاء وقال: " له صحبة ". ثم تناقض فذكره في " التجريد "
بالجيم والراء المكسورة كما حكاه عنه ابن ناصر الدين في " التوضيح "
وقد حكى الوجهين عن غير واحد من المتقدمين. والله أعلم
(2) 2 - أي: تبغضني وفي " النهاية ": " فركت المرأة زوجها تفركه فركا
بالكسر وفركا وفروكا فهي فروك ".
(1/327)
وارزقني منهم اللهم اجمع بيننا ما جمعت في
خير وفرق بيننا إذا فرقت في خير ".
وقال: " لم يروه عن عطاء إلا الحسين "
قلت: يعني مرفوعا وعطاء بن السائب كان اختلط وقد رواه عنه حماد ابن زيد
به نحوه موقوفا عليه وهو الصواب لأن حماد بن زيد روى عن عطاء قبل أن
يختلط ولذلك أوردناه في المتن وهي الرواية الأخرى عن ابن مسعود.
ثم رأيته من طريق آخر عن ابن مسعود عند الثقفي فانظر: " إذا تزوج
أحدكم. " من " المعجم ".
وله شاهد مرفوع عن سلمان أخرجه ابن عدي وأبو نعيم في " أخبار أصبهان "
والبزار في " مسنده " بسند ضعيف تكلمت عليه في " معجم الحديث " بلفظ: "
إذا تزوج أحدكم. . . " ورواه ابن عساكر عنه وعن ابن عباس.
وروى عبد الزراق عن ابن جريج قال:
حدثت أن سلمان الفارسي تزوج امرأة فلما دخل عليها وقف على بابها فإذا
هو بالبيت مستور فقال:
ما أدري أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة إلى (كندة) والله لا أدخله حتى
تهتك أستاره, فلما هتكوها. . . دخل. . . ثم عمد إلى أهله فوضع يده على
رأسها. . . فقال: هل أنت مطيعتي رحمك الله؟ قالت: قد جلست مجلس من يطاع
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: " إن تزوجت يوما فليكن
أول ما تلتقيان عليه من طاعة الله " فقومي فلتصل
(1/328)
ركعتين فما سمعتني أدعو فأمني, فصليا
ركعتين وأمنت, فبات عندها فلما أصبح جاءه أصحابه فانتحاه رجل من القوم
فقال: كيف وجدت أهلك؟ فأعرض عنه ثم الثاني ثم الثالث, فلما رأى ذلك صرف
وجهه إلى القوم وقال:
رحمكم الله فيما المسألة عما غيبت الجدران والحجب والأستار؟ بحسب امرئ
أن يسأل عما ظهر إن أخبر أو لم يخبر.
وفي إسناده انقطاع كما هو ظاهر.
4 - ما يقول حين يجامعها:
وينبغي أن يقول حين يأتي أهله:
(بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا قال صلى الله
عليه وسلم:
(فإن قضى الله بينما ولدا لم يضره الشيطان أبدا " (1).
5 - كيف يأتيها:
ويجوز له أن يأتيها في قبلها من أي جهة شاء من خلفها, أو من أمامها
لقول الله تبارك وتعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا
حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي: كيف شئتم مقبلة ومدبرة وفي ذلك أحاديث
أكتفي باثنين منها:
الأول عن جابر رضي الله عنه قال:
__________
(1) 1 - أخرجه البخاري وبقية أصحاب السنن إلا النسائي.
(1/329)
(كانت اليهود تقولك إذا أتى الرجل امرأته
من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ
فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج] (1).
الثاني: عن ابن عباس قال:
(كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل
كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من
فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف (2) وذلك
أستر ما تكون المرأة , فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من
فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ويتلذذون منهن
مقبلات ومدبرات ومستلقيات, فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم
امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى
على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني حتى شري (3) أمرها فبلغ ذلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ
أَنَّى شِئْتُمْ}
أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات. يعني بذلك موضع الولد.
__________
(1) 1 - رواه البخاري ومسلم والنسائي
(2) 2 - أي: على جانب. " نهاية "
(3) 3 - أي: عظم وتفاقم.
(1/330)
6 - تحريم الدبر: ويحرم عليه أن يأتيها في
دبرها لمفهوم الآية السابقة: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا
حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} , والأحاديث المتقدمة وفيه أحاديث أخرى:
الأول: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
(لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم وكان
المهاجرون (1) يجبون (2) وكانت الأنصار لا تجبي فأراد رجل من المهاجرين
امرأته على ذلك فأبت عليه حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:
فأتته فاستحيت أن تسأله فسألته أم سلمة فنزلت:
(نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) وقال: لا إلا في صمام (3) ...
واحد (4).
الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه قال:
(جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول
الله هلكت. قال: وما الذي أهلكك؟ قال: حولت رحلي الليلة (5)
__________
(1) 1 - يعني نساء المهاجرين والأنصار
(2) 2 - من التجبية وهو الانكباب على الأرض وفي القاموس: " جبى تجبية
وضع يديه على ركبتيه وانكب على وجهه "
(3) 3 - أي: مسلك واحد وفي " النهاية ":" الصمام: ما تسد به الفرجة
فسمي الفرج به "
(4) 4 - أخرجه أحمد والسياق له والترمذي وصححه وأبو يعلى وابن أبي حاتم
في " تفسيره " والبيهقي وإسناده صحيح على شرط مسلم
(5) 5 - كنى برحله عن زوجته أراد بها غشيانها في قبلها من جهة ظهرها
لأن المجماع يعلو المرأة ويركبها مما يلي وجهها فحيث ركبها من جهة
ظهرها كنا عنه بتحويل رحله
(1/331)
فلم يرد عليه شيئا فأوحي إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم هذه الآية: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول:
أقبل وأدبر واتقي الدبر والحيضة " (1).
الثالث: عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه:
(أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن أو
إتيان الرجل امرأته في دبرها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حلال.
فلما ولى الرجل دعاه أو أمر به فدعي فقال: كيف قلت؟ في أي الخربتين
أوفي الخرزتين أو في أي الخصفتين؟ (2) أمن دبرها في قبلها؟ فنعم أم من
دبرها في دبرها؟ فلا فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في
أدبارهن" (3) ... .
الرابع: [لا ينظر الله إلى رجل يأتي امرأته في دبرها] (4).
__________
= إما أن يريد به المنزل والمأوى وإما أن يريد به الرحل الذي تركب عليه
الإبل وهو الكور. " نهاية "
(1) 1 - رواه النسائي في " العشرة " والترمذي وابن أبي حاتم والطبراني
والواحدي بسند حسن. وحسنه الترمذي
(2) 2 - يعني: في أي الثقبين والألفاظ الثلاثة بمعنى واحد كما في "
النهاية "
(3) 3 - رواه الشافعي وقواه وعنه البيهقي والدارمي والطحاوي والخطابي
في " غريب الحديث " وسنده صحيح كما قال ابن الملقن في " الخلاصة " وعله
عن دالنسائي في " العشرة " والطحاوي والبيهقي وابن عساكر طرق أخر أحدها
جيد كما قال المنذري وصححه ابن حبان وابن حزم ووافقهما الحافظ في "
الفتح"
(4) 4 - أخرجه النسائي في " العشرة " والترمذي وابن حبان من حديث ابن
عباس وسنده
(1/332)
الخامس: [ملعون من يأتي النساء في محاشهن.
يعني: أدبارهن] (1).
السادس: [من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد
كفر بما أنزل على محمد] (2).
__________
= حسن وحسنه الترمذي وصححه ابن راهويه كما في " مسائل المروزي " وله
طريق آخر عند ابن الجارود بسند جيد وقواه ابن دقيق العيد والنسائي وابن
عساكر وأحمد من حديث أبي هريرة.
(1) 1 - أخرجه ابن عدي من حديث عقبة بن عامر بسند حسن وهو من رواية ابن
وهب عن ابن لهيعة وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه أبو
داود وأحمد
(2) 2 - أخرجه أصحاب " السنن " الأربعة إلا النسائي فرواه في " العشرة
" والدارمي وأحمد واللفظ له والضياء في " المختارة " من حديث أبي أبي
هريرة وسنده صحيح كما بينته في " نقد التاج "
وروى النسائي وابن بطة في " الإبانة " عن طاوس قال:
سئل ابن عباس عن الذي يأتي امرأته في دبرها؟ فقال: هذا يسألني عن
الكفر؟ وسنده صحيح وعن أبي هريرة نحوه بسند فيه ضعف
وقال الذهبي في " سير أعلام النبلاء ": " قد تيقنا بطرق لا محيد عنها
نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أدبار النساء وجزمنا بتحريمه ولي في
ذلك مصنف كبير "
قلت: فلا تغتر بعد هذا بقول الشيخ جمال الدين القاسمي في " تفسيره ": "
إنها ضعيفة " لأنها دعوى من غير مختص بهذا العلم أولا وخلاف ما يقتضيه
البحث العلمي وشهادة الأئمة بصحة بعضها وحسن بعضها وجم الإمام الذهبي
بالتحريم الذي اجتمعت عليه مفردات أحاديث الباب. وفي مقدمة المصححين
الإمام إسحاق بن راهويه ثم تتابعت أقوال الأئمة من بعده من المتقدمين
والمتأخرين كالترمذي وابن حبان وابن حزم والضياء والمنذري وابن الملقن
وابن دقيق العيد وابن حجر وغيرهم ممن ذكروا في غير هذا الموضع فانظر
مثلا " الإرواء " (7/ 65 - 70).
(1/333)
7 - الوضوء بين الجماعين:
وإذا أتاها في المحل المشروع ثم أراد أن يعود إليها توضأ لقوله صلى
الله عليه وسلم:
(إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ [بينهما وضوءا] وفي
رواية: وضوءه للصلاة) [فإنه أنشط في العود] (1)
8 - الغسل أفضل:
لكن الغسل أفضل من الوضوء لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم
طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال: فقلت له: يا رسول
الله ألا تجعله غسلا واحدا؟ قال: (هذا أزكى وأطيب وأطهر] (2).
9 - اغتسال الزوجين معا:
ويجوز لهما أن يغتسلا معا في مكان واحد ولو رأى منه ورأت منه وفيه
أحاديث:
الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى
الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد [تختلف أيدينا فيه] فيبادرني
حتى أقول: دع لي دع لي قالت: وهما جنبان] (3).
__________
(1) 1 - أخرجه مسلم وابن أبي شيبة في " المصنف " وأحمد وأبو نعيم
والزيادة له وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري وقد خرجناه في " صحيح سنن
أبي داود " برقم (216)
(2) 2 - رواه أبو داود والنسائي في " عشرة النساء " والطبراني وأبو
نعيم في " الطب " بسند حسن وقواه الحافظ وقد تكلمت عليه في " صحيح
السنن " رقم (215)
(3) 3 - رواه البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحاحهم " والسياق لمسلم
والزيادة له وللبخاري في رواية وترجم له بـ " باب غسل الرجل مع امرأته
".
(1/334)
10 - الثاني: عن معاوية بن حيدة قال:
قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: [احفظ عورتك إلا
من زوجتك أو ما ملكت يمينك]. قال: قلت: يا رسول الله إذا كان القوم
بعضهم في بعض؟ قال: (إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها].
قال: فقلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا؟ قال: (الله أحق أن
يستحيى منه من الناس] (1).
والحديث ترجم له النسائي بـ " نظر المرأة إلى عورة زوجها ", وعلقه
البخاري في " صحيحه " في " باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ومن
تستر فالستر أفضل " ثم ساق حديث أبي هريرة في اغتسال كل من موسى وأيوب
عليهما السلام في الخلاء عريانين, فأشار فيه إلى أن قوله في الحديث: "
الله أحق أن يستحيى منه " محمول على ما هو الأفضل والأكمل وليس على
ظاهره المفيد للوجوب قال المناوي:
" وقد حمله الشافعية على الندب وممن وافقهم ابن جريج فأول الخبر في "
الآثار " على الندب قال: لأن الله تعالى لا يغيب عنه شيء من خلقه عراة
أو غير عراة "
وذكر الحافظ في " الفتح " نحوه فراجعه إن شئت (1/ 307).
__________
(1) 1 - رواه أصحاب " السنن " إلا النسائي والروياني في " المسند "
وكذا أحمد والبيهقي واللفظ لأبي داود وسنده حسن وصححه الحاكم ووافقه
الذبي وقواه ابن دقيق العيد في " الإلمام "
(1/335)
10 - توضؤ الجنب قبل النوم:
ولا ينامان جنبين إلا إذا توضآ وفيه أحاديث:
الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا أراد أن [يأكل أو] ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة)
(1).
الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما:
(أن عمر قال: يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ).
وفي رواية: (توضأ واغسل ذكرك ثم نم).
وفي رواية: (نعم ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء).
وفي أخرى: (نعم ويتوضأ إن شاء) (2).
الثالث: عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال:
__________
(1) 1 - أخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحاحهم "
(2) 2 - أخرجه الثلاثة في " صحاحهم " وابن عساكر والرواية الثانية لأبي
داود بسند صحيح كما بينته في " صحيح أبي داود " والرواية الثالثة لمسلم
وأبو عوانة والبيهقي والأخيرة لابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما "
كما في " التلخيص " وهي تدل على عدم وجوب هذا الوضوء وهو مذهب جمهور
العلماء وسيأتي لهذا زيادة بيان في المسألة التالية وإذا كان كذلك
فبالأولى أن لا يجب هذا على الوضوء على غير الجنب فتنبه.
(1/336)
(ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر
والمتضمخ (1) ... بالخلوق [والجنب إلا أن يتوضأ " (2)
11 - حكم هذا الوضوء:
وليس ذلك على الوجوب وإنما للاستحباب المؤكد لحديث عمر أنه سأل رسول
الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال: (نعم ويتوضأ إن
شاء) ابن حبان في صحيحه (3).
ويؤيده حديث عائشة قالت:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء
[حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل] (4).
__________
(1) 1 - أي: المنكر التلطخ ب " الخلوق " وهو بفتح المعجمة قال ابن
الأثير: " وهو طيب معروف مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وإنما
نهي عنه لأنه من طيب النساء "
(2) 2 - حديث حسن أخرجه أبو داود في " سننه " من طريقين وأحمد والطحاوي
والبيهقي من أحدهما وصححه الترمذي وغيره وفيه نظر بينته في كتابي "
ضعيف سنن أبي داود " لكن متن الطريق الأولى وهو هذا له شاهدان أوردهما
الهيثمي في " المجمع " ولهذا حسنته وأحدهما عند الطبراني في " الكبير "
من حديث ابن عباس.
(3) 3 - رواه ابن حبان في " صحيحه " عن شيخه ابن خزيمة وإلى " صحيحه "
عزاه الحافظ في " التلخيص " كما تقدم قريبا ثم قال الحافظ: " وأصله في
" الصحيحين " دون قوله: إن شاء ".
قلت: بل هو في " صحيح مسلم " أيضا بهذه الزيادة كما سبق تخريجه آنفا
وهي دليل صريح على عدم وجوب الوضوء قبل النوم على الجنب خلافا للظاهرية
(4) 4 - رواه ابن أبي شيبة وأصحاب " السنن " إلا النسائي والطحاوي
والطيالسي وأحمد والبغوي في " حديث علي بن الجعد " وأبو يعلى في "
مسنده " والبيهقي والحاكم
(1/337)
وفي رواية عنها:
(كان يبيت جنبا فيأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة فيقوم فيغتسل فأنظر إلى
تحدر الماء من رأسه ثم يخرج فأسمع صوته في صلاة الفجر ثم يظل صائما قال
مطرف: فقلت لعامر: في رمضان؟ قال: نعم سواء رمضان أو غيره (1)
12 - تيمم الجنب بدل الوضوء:
ويجوز لهما التيمم بدل الوضوء أحيانا لحديث عائشة قالت:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ
أو تيمم (2).
__________
= وصححاه وهو كما قالا كما بينته في " صحيح أبي داود " برقم ورواه عفيف
الدين أبو المعالي في " ستين حديثا " برقم (6) بلفظ: " فإن استيقظ من
آخر الليل فإن كان له في أهله حاجة عاودهم ثم اغتسل ". وفي سنده أبو
حنيفة رحمه الله.
وروى ابن أبي شيبة بسند حسن عن ابن عباس قال: " إذا جامع الرجل ثم أراد
أن يعود فلا بأس أن يؤخر الغسل "
وعن سعيد بن المسيب قال: " إن شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ "
وسنده صحيح وهو مذهب الجمهور.
(1) 1 - رواه ابن أبي شيبة من رواية الشعبي عن مسروق عنها. وسنده صحيح
وهو شاهد قوي للذي قبله وكذا رواه أحمد وأبو يعلى في " مسنده " وله
عندي طريق أخرى
(2) 2 - رواه البيهقي من طريق عثام بن علي عن هشام عن أبيه عنها. قال
الحافظ في " الفتح ": " إسناده حسن ". قلت: رواه ابن أبي شيبة عن عثام
به موقوفا عليها في الرجل يصيبه جنابة من الليل فيريد أن ينام قالت:
يتوضأ أو يتيمم. وسنده صحيح.=
(1/338)
13 - اغتساله قبل النوم أفضل:
واغتسالهما أفضل لحديث عبد الله بن قيس قال:
(سألت عائشة قلت: كيف كان صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنابة؟ أكان
يغتسل قبل أن ينام أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل
ربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام.
قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة) (1)
14 - تحريم إتيان الحائض:
ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها (2) لقوله تبارك وتعالى:
{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً (3) فَاعْتَزِلُوا
النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا
__________
= وقد تابعه إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة به مرفوعا ولفظه: " كان
إذا واقع بعض أهله فكسل أن يقوم ضرب يده على الحائط فتيمم ". رواه
الطبراني في " الأوسط " عن بقية بن الوليد عنه وقال:: " لم يروه عن
هشام إلا إسماعيل "
قلت: وإسماعيل ضعيف في روايته عن الحجازيين وهذه منها لكنه قد تابعه
عثام بن علي - وهو ثقة كما سبق - ففي متابعته رد على الطبراني كما لا
يخفى.
(1) 1 - مسلم وأبو عوانة وأحمد.
(2) 2 - قال الشوكاني في " فتح القدير ": " ولا خلاف بين أهل العلم في
تحريم وطء الحائض وهو معلوم من ضرورة الدين ".
(3) 3 - أي: هو شيء تتأذى به المرأة. وفسره القرطبي وغيره برائحة دم
الحيض. قال السيد رشيد رضا رحمه الله:.
(1/339)
تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ (1)
فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}
وفيه أحاديث:
الأول: من قوله صلى الله عليه وسلم:
(من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما
أنزل على محمد) (2)
الثاني: عن أنس بن مالك قال:
(إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها
ولم يشاربوها ولم يجامعوها (3) ... في البيت فسئل رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى ذكره: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ
الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}
إلى آخر الآية؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جامعوهن في البيوت
واصنعوا كل شيء غير النكاح فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل ألا يدع
شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا
أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر (4)
__________
(1) 1 - هو انقطاع دم الحيض وهو ما لا يكون بفعل النساء بخلاف التطهر
في قوله {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} فإنه من عملهن وهو استعمال الماء منهن
وسيأتي بيان المراد منه في المسألة (17).
(2) 2 - حديث صحيح. رواه أصحاب " السنن " وغيرهم كما سبق في المسألة.
(3) 3 - أي: لم يخالطوها.
(4) 4 - أي: تغير.
(1/340)
وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا
أن قد وجد (1) ... عليهما فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهما فسقاهما فظننا أنه لم يجد عليهما
(2)
15 - كفارة من جامع الحائض:
من غلبته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها فعليه أن يتصدق بنصف
جنيه ذهب إنكليزي تقريبا أو ربعها لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال:
(يتصدق بدينار أو نصف دينار) (3) ... .
وذهب على العمل بالحديث جماعة آخرون من السلف ذكر أسماءهم الشوكاني في
النيل وقواه
__________
(1) 1 - أي: غضب
(2) 2 - أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما "
(3) 3 - أخرجه أصحاب " السنن " والطبراني في " المعجم الكبير " وابن
الأعرابي في " معجمه والدارمي والحاكم والبيهقي بإسناد صحيح على شرط
البخاري وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وابن دقيق العيد وابن التركماني
وابن القيم وابن حجر العسقلاني كما بينته في " صحيح سنن أبي داود "
وكذا وافقه ابن الملقنفي " خلاصة البدر المنير " وقواه الإمام أحمد قبل
هؤلاء وجعله من مذهبه فقال أبو داود في " المسائل ":
" سمعت أحمد سئل عن الرجل يأتي امرأته وهي حائض؟ قال: ما أحسن حديث عبد
الحميد فيه (قلت: يعني هذا) قلت: وتذهب إليه؟ قال: نعم إنما هو كفارة.
[قلت]: فدينار أو نصف دينار: قال: كيف شاء "
(1/341)
16 - ما يحل له من الحائض:
ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض وفيه أحاديث:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم:
(اصنعوا كل شيء إلا النكاح) (1).
والحديث قطعة من حديث أنس المتقدم في المسألة (14).
الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر
ثم يضاجعها زوجها وقالت مرة: يباشرها (2).
الثالث: عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن النبي صلى
الله عليه وسلم:
(كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا [ثم صنع ما أراد]
(3) ... .
__________
(1) 1 - أي: الجماع. قال الأزهري: " أصل النكاح في كلام العرب الوطء
وقيل للتزوج: نكاح لأنه سبب للوطء المباح ". " لسان العرب "
(2) 2 - البخاري ومسلم وأبو عوانة
(3) 3 - أبو داود وسنده صحيح على شرط مسلم
(1/342)
17 - متى يجوز إتيانها إذا طهرت:
فإذا طهرت من حيضها وانقطع الدم عنها جاز له وطؤها بعد أن تغسل
موضع الدم منها فقط, أو تتوضأ, أو تغتسل: أي ذلك فعلت جاز له إتيانها
(1) ... لقوله تبارك وتعالى في الآية السابقة: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ
فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}.
18 - جواز العزل:
ويجوز له أن يعزل عنها ماءه وفيه أحاديث:
الأول: عن جابر رضي الله عنه قال:
(كنا نعزل (2) ... والقرآن ينزل) وفي رواية:
(كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى
الله عليه وسلم فلم ينهنا) (3)
الثاني: عن أبي سعيد الخدري قال:
(جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي وليدة (4) وأنا
أعزل عنها وأنا أريد ما يريد الرجل وإن اليهود زعموا: [أن الموءودة
__________
(1) 1 - وهو مذهب ابن حزم ورواه عطاء وقتادة قالا في الحائض إذا رأت
الطهر: أنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها وهو مذهب الأوزاعي أيضا كما في "
بداية المجتهد " قال ابن حزم: " وروينا عن عطاء أنها إذا رأت الطهر
فتوضأت حل وطؤها لزوجها وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا "
(2) 2 - في " الفتح ": " العزل: النزع بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج ".
(3) 3 - رواه البخاري ومسلم.
(4) 4 - يعني جارية.
(1/343)
الصغرى العزل) فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: [كذبت يهود [كذبت يهود] لو أراد الله أن يخلقه لم تستطع أن
تصرفه (1) ... .
الثالث:
عن جابر أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية
هي خادمنا وسانيتنا (2) وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل (3) ...
فقال:
(اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها) فلبث الرجل ثم أتاه فقال:
إن الجارية قد حبلت فقال:
(قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها (4).
19 - الأولى ترك العزل:
ولكن تركه أولى لأمور:
الأول:
أن فيه إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها (5) , فإن وافقت
عليه ففيه ما يأتي وهو:
__________
(1) 1 - النسائي وأبو داود والطحاوي في " المشكل " والترمذي وأحمد بسند
صحيح
وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أبو يعلى والبيهقي بسند حسن
(2) 2 - أي: التي تسقي لنا النخل كأنها كانت تسقي لهم عوض البعير. "
نهاية "
(3) 3 - أي: أجامعها وأكره حملها مني بولد
(4) 4 - مسلم وأبو داود والبيهقي وأحمد
(5) 5 - ذكره الحافظ في " الفتح "
(1/344)
الثاني: أنه يفوت بعض مقاصد النكاح وهو
تكثير نسل أمة نبينا صلى الله عليه وسلم وذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
(تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر (1) ... بكم الأمم (2).
ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالوأد الخفي حين سألوه عن العزل
فقال:
(ذلك الوأد الخفي) (3).
ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الأولى تركه في حديث أبي سعيد
الخدري أيضا قال: (ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
ولم يفعل ذلك أحدكم؟ - ولم يقل: فلا يفعل ذلك أحدكم - فإنه ليست نفس
مخلوقة إلا الله خالقها
__________
(1) 1 - أي: أغالب بكم الأمم السابقة في الكثرة وهو تعليل للأمر بتزوج
الولود الودود وإنما أتى بقيدين لأن الودود إذا لم تكن ولودا لا يرغب
الرجل فيها والولود غير الودود لا تحصل المقصود. كذا في " فيض القدير "
(2) 2 - حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي والمحاملي في " الأمالي " من
حديث معقل بن يسار وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ورواه أحمد وسعيد بن
منصور والطبراني في " الأوسط " كما في " زوائده " والبيهقي من حديث أنس
وصححه ابن حبان وقال الهيثمي: " إسناده حسن " وفيه نظر كما بينته في "
إرواء الغليل " وتقدم لفظه.
ورواه ابو محمد بن معروف في " جزئه " والخطيب في " تاريخه " من حديث
ابن عمر وسنده جيد كما قال السيوطي في " الجامع الكبير " ولأحمد نحوه
من حديث ابن عمر وسنده حسن في الشواهد
(3) 3 - أخرجه مسلم والطحاوي في " المشكل " وأحمد والبيهقي عن سعيد بن
أبي أيوب: حدثني أبو الأسود عن عروة عن عائشة عن جذامة بنت وهب.
(1/345)
(وفي رواية) فقال: وإنكم لتفعلون وإنكم
لتفعلون وإنكم لتفعلون؟ ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي
كائنة) (1).
__________
(1) 1 - رواه مسلم بالروايتين والنسائي وابن منده في التوحيد بالأولى.
والبخاري بالأخرى.
(1/346)
|