أحكام
النساء - مستخلصا من كتب الألباني كِتَابُ اَلطَّلَاقِ
حكم الطلاق
147 - " تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز له العرش ".
[الضعيفة]
قال رحمه الله:
موضوع.
أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (12/ 191) ومن طريقه ابن الجوزي (2/
277) في ترجمة عمرو بن جميع عن جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن
علي بنأبي طالب مرفوعا، وقال: عمرو كان يروي المناكير عن المشاهير
والموضوعات عن الأثبات.
قلت: وهو كذاب وقد تقدم له أحاديث، وجويبر ضعيف جدا وتقدم له شيء،
وبهذا أعله ابن الجوزي وقال: لا يصح.
والحديث أورده الصغاني في " الموضوعات " (ص 8).
وأقر ابن الجوزي السيوطي في " اللآليء " (2/ 179) فالعجب منه كيف أورده
من رواية ابن عدي في " الجامع الصغير " الذي اشترط في مقدمته أن يصونه
مما تفرد به كذاب أو وضاع! وأعجب من هذا استدراك الشيخ العجلوني في "
الكشف " (1/ 304) على حكم الصغاني عليه
(1/347)
بالوضع بقوله: لكن عزاه في " الجامع الصغير
" لابن عدي بسند ضعيف عن علي! وكيف لا يكون هذا الحديث موضوعا، وقد طلق
جماعة من السلف بل صح أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق زوجته حفصة بنت
عمر رضي الله عنهما؟!.
جواز تطليق الرجل لزوجته ولو كانت صوّامة قوّامة:
2007 - " كان طلق حفصة، ثم راجعها ".
[الصحيحة]
قال رحمه الله:
أخرجه داود (2283) والنسائي (2/ 117) والدارمي (2/ 160 - 161) وابن
ماجة (2016) وأبو يعلى في " مسنده " (1/ 53) والحاكم (2/ 197) والبيهقي
(7/ 321 - 322) عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن صالح بن صالح عن سلمة
بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر مرفوعا. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي.
وأقول: وهو كما قالا، وصالح هو ابن صالح بن حي. وله عند أبي يعلى طريق
أخرى فقال: حدثنا أبو كريب أخبرنا يونس بن بكير عن الأعمش عن أبي صالح
عن ابن عمر قال: " دخل عمر على حفصة وهي تبكي، فقال لها: وما يبكيك؟
لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك،
(1/348)
إن كان طلقك مرة، ثم راجعك من أجلي، والله
لئن طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا ".
وبهذا الإسناد أخرجه البزار (ص 156) نحوه. ثم قال: حدثناه أحمد بن
يزداد الكوفي: حدثنا عمر بن عبد الغفار حدثنا الأعمش به.
والإسناد الأول لا بأس به، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن يونس ابن
بكير إنما أخرج له البخاري تعليقا، ثم هو صدوق يخطىء كما في " التقريب
".
وقد تابعه عمر بن عبد الغفار، ولكني لم أعرفه. ثم تذكرت أنه لعله عمرو
-بالواو - بن عبد الغفار، فرجعت إلى ترجمته من " الميزان "، فإذا هو
هذا وهو الفقيمي، قال أبو حاتم: " متروك الحديث ".
قلت: فلا يفرح بمتابعته. وللحديث شواهد مختصرة نحو حديث الترجمة:
الأول: عن هشيم: أنبأ حميد عن أنس قال: " لما طلق النبي صلى الله عليه
وسلم حفصة أمر أن يراجعها، فراجعها ". أخرجه أبو يعلى (3/ 957) والحاكم
(2/ 197)، وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما
قالا.
وأخرجه الدارمي أيضا لكنه لم يذكر الأمر، وأعل الحديث بما لا يقدح. وله
عند الحاكم (4/ 15) طريق أخرى، لكنها ضعيفة.
الثاني: عن موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عاصم ابن عمر
مرفوعا:
(1/349)
أخرجه أحمد (3/ 478) وكذا الطبراني كما في
" مجمع الهيثمي "، وقال:" ورجاله ثقات".
قلت: وفي هذا الإطلاق للتوثيق نظر بين، فإن موسى هذا - وهو الأنصاري
المدني- لم يوثقه غير ابن حبان، ومع أنه معروف بالتساهل في التوثيق،
فإن تمام كلامه في كتابه " الثقات " (7/ 451): " يخطىء ويخالف ". فإذا
كان كذلك، فهو ليس من الثقات الذين يحتج بهم كما هو الشأن فيمن وثق
مطلقا، وإنما هو ممن ينتخب حديثه في الشواهد والمتابعات، ولاسيما قد
قال فيه ابن القطان:" لا يعرف حاله ".
الثالث: عن قيس بن زيد: " أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة بنت
عمر، فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون، فبكت، وقالت: والله
ما طلقني عن شبع، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قال لي جبريل
عليه السلام: راجع حفصة، فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة ".
أخرجه أبو نعيم في" الحلية " (2/ 50) والحاكم من طريق حماد بن سلمة:
أنبأ أبو عمران الجوني عن قيس بن زيد.
قلت: سكت عنه الحاكم ثم الذهبي، ولعل ذلك لوضوح علته وهي قيس بن زيد
هذا، قال ابن أبي حاتم (3/ 2 / 98): " روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
مرسلا، لا أعلم له صحبة. روى عنه أبو عمران الجوني ".
الرابع: عن الحسن بن أبي جعفر عن عاصم عن زر عن عمار بن ياسر قال: "
أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق حفصة، فجاء جبريل
(1/350)
فقال: لا تطلقها، فإنها صوامة قوامة، وإنها
زوجتك في الجنة ". أخرجه أبو نعيم
قلت: ورجاله ثقات غير الحسن بن أبي جعفر وهو الجعفري، قال الحافظ: "
ضعيف الحديث، مع عبادته وفضله ".
قلت: فإذا ضم إلى المرسل الذي قبله ارتقى حديثه إلى مرتبة الحسن إن شاء
الله تعالى وقد رواه مرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: " أن النبي صلى
الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة، فأتاه جبريل عليه الصلاة السلام،
فقال: يا محمد!
طلقت حفصة وهي صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة؟ ". أخرجه الحاكم، وسكت
عنه لم عرفت من حال الحسن بن أبي جعفر.
وجملة القول، أن تطليقه صلى الله عليه وسلم لحفصة ثابت عنه من طرق،
وكونه أمر بإرجاعها ثابت من حديث أنس الصحيح، وقول جبريل له: " راجعها
فإنها صوامة ... " إلخ، حسن كما ذكرنا.
والله أعلم.
(فائدة): دل الحديث على جواز تطليق الرجل لزوجته ولو أنها كانت صوامة
قوامة ,ولا يكون ذلك بطبيعة الحال إلا لعدم تمازجها وتطاوعها معه، وقد
يكون هناك أمور داخلية لا يمكن لغيرها الاطلاع عليها، ولذلك، فإن ربط
الطلاق بموافقة القاضي من أسوأ وأسخف ما يسمع به في هذا الزمان! الذي
يلهج به كثير من حكامه وقضاته وخطبائه بحديث: " أبغض الحلال إلى الله
الطلاق " وهو حديث ضعيف كما بينته في غير ما موضع مثل " إرواء الغليل "
(رقم 2040).
(1/351)
الطلاق بلفظ ثلاثًا
3776 - (أيما رجل طلق امراته ثلاثاً عند الأقراء أو ثلاثاً مبهمةً، لم
تحل له حتي تنكح زوجاً غيره).
[الضعيفة]
قال رحمه الله:
ضعيف جداً: أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1/ 133/1)، والبيهقي
في "سننه " (7/ 336) عن محمد بن حميد الرازي: نا سلمة بن الفضل، عن
عمرو بن أبي قيس، عن إبراهيم بن عبد الأعلي، عن سويد ابن غفلة قال:
كانت عائشة الخثعمية عند الحسن بن علي - رضي الله عنه - فلما قتل علي -
رضي الله عنه - قالت: لتهنئك الخلافة! قال: بقتل علي تظهرين الشماتة؟!
اذهبي فأنت طالق، يعني ثلاثاً، قال: فتلفعت بثيابها، وقعدت حتي قضت
عدتها، فبعث إليها ببقية بقيت لها من صداقها، وعشرة آلاف صدقة، فلما
جاءها الرسول قالت: (متاع قليل من حبيب مفارق)، فلما بلغه قولها، بكي،
ثم قال: لولا أني سمعت جدي، أو حدثني أبي، أنه سمع جدي يقول: (فذكره)
لراجعتها. وقال البيهقي:
" وكذلك روي عن عمرو بن شمر، عن عمران بن مسلم وإبراهيم بن عبد الأعلي،
عن سويد بن غفلة ".
(1/352)
قلت: وقال الكوثري في رسالته " الإشفاق "
(ص 28) - بعد ماعزاه للطبراني والبيهقي - عقبه:
" وإسناده صحيح، قله ابن رجب الحنبلي الحافظ بعد أن ساق الحديث في
كتابه: (بيان مشكل الأحاديث الواردة في أن الطلاق الثلاث واحدة) (1).
ولم يتعقبه بشيء، مما يدل علي أنه موافق له علي التصحيح، وهذا أمر
عجيب، لاسيما من ابن رجب، فإن الإسناد لا يحتمل التحسين، فضلاً عن
التصحيح! فإن سلمة بن الفضل صدوق كثير الخطأ. ومحمد بن حميد الرازي
ضعيف كما في " التقريب" بل الرازي قد اتهمه غير واحد بالكذب، وتساهل
البعض في إعطائه حقه من الجرح، فقد قال الهيثمي في " مجمع الزوائد "
(4/ 339):
رواه الطبراني وفي رجاله ضعف، وقد وثقوا.
فإن قال قائل: أفلا يتقوي الحديث بطريق عمرو بن شمر التي علقها
البيهقي؟
فأقول: كلا، فإن عمرا هذا كذب يروي الموضوعات عن الثقات، فلا يستشهد به
ولا كرامة.
واعلم أنه لا يوجد حديث صحيح في إيقاع الطلاق بلفظ ثلاثاً ثلاثاً فلا
نغتر بكلام الكوثري في كتابه " الإشفاق " فإنه غير مشفق علي نفسه، فإنا
يصحح فيه ما ليس يصح كهذا الحديث، ويتأول النصوص الصحيحة
__________
(1) 1 - ونقله عنه أيضاً ابن عبد الهادي في " سير الحاث إلي علم الطلاق
الثلاث " (ق206/ 2).
(1/353)
الصريحة بما يتفق مع انحرافه عن السنة،
كتأويله حديث ابن عباس في " صحيح مسلم " علي أنه في غير الدخول بها!
ومن أراد مفرق الحق في هذه المسألة فليراجع كتب شيخ الإسلام ابن تيمية
والإمام ابن القيم وغيرهما من أئمة السنة والذابين عنها.
ما روي عن ابن عباس في الطلاق بلفظ ثلاث:
2055 - (عن مجاهد قال: (جلست عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق
امرأته ثلاثا فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب
الأحموقة ثم يقول: يا ابن عباس. وان الله قال: (ومن يتق الله يجعل له
مخرجا) وانك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجا عصيت ربك فبانت منك امرأتك)
رواه أبو داود) 2/ 235 - 236. صحيح.
أخرجه أبو داود (2197) ومن طريقه البيهقي (7/ 331): حدثنا حميد بن
مسعدة ثنا إسماعيل أخبرنا أيوب عن عبد الله بن كثير عن مجاهد به وزاد
في آخره: (وإن الله قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} في قبل عدتهن).
قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال الحافظ في (الفتح) (9/ 316) وهو على شرط
مسلم وقال أبو داود عقبه: (روى هذا الحديث حميد الأعرج وغيره عن مجاهد
عن ابن عباس. ورواه شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
وأبوب وابن جريج جميعا عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
وابن جريج عن عبد الحميد بن رافع عن عطاء عن ابن عباس.
(1/354)
ورواه الأعمش عن مالك ابن الحارث عن ابن
عباس. وابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس كلهم قالوا في الطلاق
الثلاث إنه أجازها قال: وبانت منك. نحو حديث إسماعيل عن أيوب عن عبد
الله بن كثير).
قال أبو داود: (وروى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس: (إذا
قال (أنت طالق ثلاثا) بفم واحد فهى واحدة).
ورواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة هذا قوله لم يذكر ابن عباس
وجعله قول عكرمة).
ثم قال أبو داود: (وقول ابن عباس هو أن الطلاق الثلاث تبين من زوجها
مدخولا بها وغير مدخول بها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره هذا مثل خبر
الصرف قال فيه ثم إنه رجع عنه. يعنى ابن عباس).
ثم ساق أبو داود بإسناده الصحيح عن طاوس:: (أن أبا الصهباء قال لأبن
عباس: أتعلم إنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد النبي صلى الله عليه
وسلم وأبن بكر وثلاثا من إمارة عمر؟ قال ابن عباس: نعم). وأخرجه مسلم
في (صحيحه) والنسائي وأحمد وغيرهم.
وخلاصة كلام أبي داود أن ابن عباس رضي الله عنه كان له في هذه المسألة
وهي الطلاق بلفظ ثلاث قولان كما كان له في مسألة الصرف قولان فكان يقول
في أول الأمر بجواز صرف الدرهم بالدرهمن والدينار بالدينارين نقدا ثم
بلغه نهيه صلى الله عليه وسلم عنه فترك قوله وأخذ بالنهي فكذلك كان له
في هذه المسألة قولان:
أحدهما: وقوع الطلاق بلفظ ثلاث. وعليه أكثر الروايات عنه. والآخر: عدم
وقوعه كما في رواية عكرمة عنه. وهي صحيحة.
(1/355)
وهي وإن كان أكثر الطرق عنه بخلافها؛ فإن
حديث طاوس عنه المرفوع يشهد لها. فالأخذ بها هو الواجب عندنا لهذا
الحديث الصحيح الثابت عنه من غير طريق وإن خالفه الجماهير فقد انتصر له
شيخ الأسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما فمن شاء تفصيل القول
في ذلك فليرجع إلى كتبهما ففيها الشفاء والكفاية إن شاء الله تعالى.
[الإرواء]
تنبيه: على حديث:-
1134 - " كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وصدرا من إمارة عمر،
فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها، قال (يعني عمر): أجيزهن عليهم ".
[الضعيفة]
قال رحمه الله:
منكر بهذا السياق.
أخرجه أبو داود (2199) وعنه البيهقي (7/ 338 - 339): حدثنا محمد بن عبد
الملك بن مروان: حدثنا أبو النعمان: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن غير
واحد عن طاووس:
" أن رجلا يقال له: أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس قال: أما
علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة
(1/356)
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي
بكر وصدرا من إمارة عمر؟ وقال ابن عباس: بلى كان الرجل .. ".
قلت: وهذا إسناد معلول عندي بأبي النعمان واسمه محمد بن الفضل السدوسي
ولقبه عارم، وهو وإن كان ثقة فقد كان اختلط، وصفه بذلك جماعة من الأئمة
منهم أبو داود والنسائي والدارقطني وغيرهم، وقال ابن أبي حاتم في "
الجرح والتعديل " (4/ 1/59):
" سمعت أبي يقول: اختلط في آخر عمره، وزال عقله فمن سمع منه قبل
الاختلاط فسماعه صحيح ".
قلت: وهذا الحديث من رواية ابن مروان وهو أبو جعفر الدقيقي الثقة، ولا
ندري أسمع منه قبل الاختلاط أم بعده؟ وهذا عندي أرجح، فقد خولف عارم في
إسناده ومتنه. فرواه سليمان بن حرب عن حماد بن زيد فقال: عن أيوب عن
إبراهيم ابن ميسرة عن طاووس به، إلا أنه لم يذكر فيه:
" قبل أن يدخل بها ".
أخرجه مسلم (4/ 182) والبيهقي (7/ 336).
وقال ابن أبي شيبة (5/ 26): نا عفان بن مسلم قال: نا حماد بن زيد به.
ورواه محمد بن أبي نعيم: نا حماد بن زيد به.
أخرجه الدارقطني (443)، وابن أبي نعيم صدوق.
فهي زيادة شاذة إن لم نقل منكرة، تفرد بها عارم.
(1/357)
ويؤكد ذلك أن عبد الله بن طاووس قد روى
الحديث عن أبيه كما رواه سليمان بن حرب بإسناده عنه بدون الزيادة.
أخرجه مسلم والنسائي (2/ 96) والطحاوي (2/ 31) والدارقطني
(444) والبيهقي وأحمد (1/ 314) والحاكم أيضا (2/ 196) وقال:
" صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا، إلا أنهما وهما في استدراكهما على مسلم.
قلت: فهذه الروايات الصحيحة تدل على أن عارما إنما حدث بالحديث بعد
الاختلاط، ولذلك لم يضبطه، فلم يحفظ اسم شيخ أيوب فيه، وزاد تلك
الزيادة فهي لذلك شاذة غير محفوظة لمخالفته الثقات فيها، وقد خفيت هذه
العلة على العلامة ابن القيم ; فصحح إسناد الحديث في " زاد المعاد "
(4/ 55)، وانطلى ذلك على المعلق عليه (5/ 249 و 251)، وأعله المنذري في
" مختصر السنن " (3/ 124) بقوله:
" الرواة عن طاووس مجاهيل ".
وإذا عرفت ذلك فلا يجوز تقييد لفظ الحديث الصحيح بها، كما فعل البيهقي،
بل ينبغي تركه على إطلاقه فهو يشمل المدخول بها وغير المدخول بها،
وإليك لفظ الحديث في " صحيح مسلم ":
" كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وسنتين
من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد
استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه
عليهم ".
(1/358)
قلت: وهو نص لا يقبل الجدل على أن هذا
الطلاق حكم محكم ثابت غير منسوخ لجريان العمل عليه بعد وفاته صلى الله
عليه وسلم في خلافة أبي بكر، وأول خلافة عمر، ولأن عمر رضي الله لم
يخالفه بنص آخر عنده بل باجتهاد منه ولذلك تردد قليلا أول الأمر في
مخالفته كما يشعر بذلك قوله: " إن الناس قد استعجلوا .. فلو أمضيناه
عليهم .. "، فهل يجوز للحاكم مثل هذا التساؤل والتردد لو كان عنده نص
بذلك؟!
وأيضا، فإن قوله: " قد استعجلوا " يدل على أن الاستعجال حدث بعد أن لم
يكن، فرأى الخليفة الراشد، أن يمضيه عليهم ثلاثا من باب التعزيز لهم
والتأديب، فهل يجوز مع هذا كله أن يترك الحكم المحكم الذي أجمع عليه
المسلمون في خلافة أبي بكر وأول خلافة عمر، من أجل رأي بدا لعمر واجتهد
فيه، فيؤخذ باجتهاده، ويترك حكمه الذي حكم هو به أول خلافته تبعا لرسول
الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر؟! اللهم إن هذا لمن عجائب ما وقع في
الفقه الإسلامي، فرجوعا إلى السنة المحكمة أيها العلماء، لا سيما وقد
كثرت حوادث الطلاق في هذا الزمن
كثرة مدهشة تنذر بشر مستطير تصاب به مئات العائلات.
وأنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض البلاد الإسلامية كمصر وسوريا قد أدخلت
هذا الحكم في محاكمها الشرعية، ولكن من المؤسف أن أقول: إن الذين
أدخلوا ذلك من الفقهاء القانونيين لم يكن ذلك منهم بدافع إحياء السنة،
وإنما تقليدا منهم لرأي ابن تيمية الموافق لهذا الحديث، أي إنهم أخذوا
برأيه لا لأنه مدعم بالحديث، بل لأن المصلحة اقتضت الأخذ به زعموا،
ولذلك فإن جل هؤلاء الفقهاء لا يدعمون أقوالهم واختياراتهم التي
يختارونها اليوم بالسنة، لأنهم لا علم لهم بها، بل قد استغنوا عن ذلك
(1/359)
بالاعتماد على آرائهم، التي بها يحكمون،
وإليها يرجعون في تقدير المصلحة التي بها يستجيزون لأنفسهم أن يغيروا
الحكم الذي كانوا بالأمس القريب به يدينون الله، كمسألة الطلاق هذه،
فالذي أوده أنهم إن غيروا حكما أو تركوا مذهبا إلى مذهب آخر، أن يكون
ذلك اتباعا منهم للسنة، وأن لا يكون ذلك قاصرا على الأحكام القانونية
والأحوال الشخصية، بل يجب أن يتعدوا ذلك إلى عباداتهم ومعاملاتهم
الخاصة بهم، فلعلهم يفعلون!
طلاق الحائض
2059 - (عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله
عليه وسلم عن ذلك فقال له: مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض
ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي
أمر الله أن يطلق لها النساء) متفق عليه. صحيح.
وله عن ابن عمر طرق كثيرة أذكر منها ما تيسر لنا مع التنبيه على
فوائدها الهامة.
الأولى: عن نافع عنه.
أخرجه البخاري (3/ 458 و 480) ومسلم (4/ 180) وكذا مالك (2/ 576 / 53)
وعنه الشافعي (1 63 0) وأبو داود (2179، 2185) والنسائي (2/ 94)
والدارمي (2/ 16 0) وابن أبي شيبة (7/ 75 / 2) وعنه ابن ماجه (2519)
والطحاوي (2/ 3 1) وابن الجارود (73 4) والدارقطني (428/ 429) والبيهقي
(7/ 323 - 324، 324)
(1/360)
والطيالسي (68، 1853) وأحمد (2/ 6، 5 4،
63، 6 4، 102، 124) وابن النجاد في (مسند عمر) (ق 118/ 1 - 2/ 120) من
طرق عن نافع به.
وزاد الشيخان وأحمد وابن النجاد في رواية عنه: (فكان ابن عمر إذا سئل
عن الرجل يطلق امرأته وهي حائض يقول: أما أنت طلقتها واحدة أو أثنتين
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يرجعها ثم يمهلها حتى تحيض
حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر ثم يطلقها قبل أن يمسها وأما أنت تها
ثلاثا فقد عصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك وبانت منك) والسياق
لمسلم.
وفي رواية للدارقطني وابن النجاد والطبراني في (المعجم الأوسط) (1/ 176
/ 1) من طريق سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله بن عمر عن نافع
بلفظ: (أن رجلا قال لعمر: إني طلقت امرأتي البتة وهي حائض فقال: عصيت
ربك وفارقت امرأتك فقال الرجل: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لعبدالله حين فارق امرأته وهي حائض يأمره أن يراجعها فقال له عمر: رسول
الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يراجعها في طلاق بقى له فأنت لم يبق لك
ما ترجع به امرأتك).
قلت: والجمحي هذا صدوق له أوهام كما في (التقريب).
وفي رواية من طريق محمد بن إسحاق عن نافع: (فذكره عمر لرسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: بئس ما صنع مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلقها
طاهرا في غير جماع). أخرجه ابن النجاد. وفي أخرى عن ابن أبي ذئب عن
نافع بلفظ: (فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك له
(1/361)
فجعلها واحدة). أخرجه الطيالسي (68)
والدارقطني (1) ... وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وزاد مسلم في رواية من طريق ابن نمير عن عبيداللة: قال: (قلت لنافع: ما
صنعت التطليقة؟ قال: واحدة أعتد بها).
الطريق الثانية: عن سالم أن عبد الله بن عمر أخبره: (أنه طلق امرأته
وهي حائض فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثم قال: ليراجعها. . .) الحديث نحو رواية نافع
الأولى.
أخرجه البخاري (3/ 35 7، 4/ 389) ومسلم وأبو داود (2181، 2182) وا
لنسائي (2/ 94) والترمذي (1/ 220) والدارمي والطحاوي وابن الجارود
(736) والدارقطني (427) والبيهقي وأحمد (2/ 26، 58، 61، 81، 130) من
طرق عنه والسياق للبخاري وزاد مسلم والبيهقي وأحمد في رواية: (وكان عبد
الله طلقها تطليقة واحدة فحسبت من طلاقها وراجعها عبد الله كما أمره
رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وفي رواية: (قال ابن عمر: فراجعتها وحسبت لها التطليقة التي طلقتها)
(2). أخرجه مسلم والنسائي.
__________
(1) 1 - وعزاه الحافظ (9/ 308) لابن وهب في (مسنده) عن ابن أبي ذئب
وزاد: قال أبن أبي ذئب وحدثني حنظلة بن أبى سفيان أنه سمع سالما يحدث
عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. وقال: (وهذا نص في موضع
الخلاف فيجب المصير إليه) وللدار قطني 429) من طريق أبن جريح عن نافع
به (قال: هي واحدة)
(2) 2 - وفي مسند أبن وهب رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما
نقلته من (الفتح) آنفا.
(1/362)
ولفظ الترمذي: (أنه طلق امرأته في الحيض
فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مره فليراجعها ثم ليطلقها
طاهرا أو حاملا).
وهو رواية لمسلم وأبي داود والآخرين وقال الترمذي: (حديث حسن صحيح).
الثالثة: عن يونس بن جبير قال: (قلت لأبن عمر: رجل طلق امرأته وهي
حائض؟ قال: تعرف ابن عمر؟ إن أبن عمر طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر
النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فأمره أن يراجعها فإذا طهرت
فأراد أن يطلقها فليطلقها. قلت: فهل عد ذلك طلاقا قال: أرأيت إن عجز
واستحمق؟)!. أخرجه البخاري (3/ 459، 485) ومسلم (4/ 182) وأبو داود
(2184) والترمذي (1175) وقال: (حديث حسن صحيح) والنسائي (2/ 9 5) وابن
ماجه (2 0 22) والطحاوي والدارقطني (428) والبيهقي (7/ 325) والطيالسي
(رقم 20، 1942) وأحمد (2/ 43، 51، 79) من طرق عنه والسياق للبخاري. وفي
رواية لمسلم وغيره: (قلت: أفحسبت عليه؟ قال: فمه أو إن عجز واستحمق).
وفي أخرى له والبيهقي: (أفاحتسبت بها؟ قال: ما يمنعه؟ أرأيت إن عجز
واستحمق). وفي ثالثة: (وما لي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت) رواه
الدارقطني والبيهقي. وفي أخرى عن يونس بن جبير: (أنه سأل ابن عمر فقال:
كم طلقت امرأتك؟ فقال: واحدة؟. أخرجه أبو داود (2183) والدارقطني.
(1/363)
الرابعة: عن أنس بن سيرين أنه سمع ابن عمر
قال: (طلقت امرأتي وهي حائض) الحديث نحو رواية يونس وفيه: (قلت لابن
عمر: أفاحتسبت بتلك التطليقة؟ قال: فمه؟) (1).
أخرجه البخار ي (3/ 4 58) ومسلم (4/ 182) والطحاوي وابن الجارود (735)
وأبو يعلى في (حديث محمد بن. بشار) (ق 128/ 1 - 2) والدارقطني والبيهقي
وأحمد (2/ 61، 74، 78، 128) وفي رواية للبيهقي (قال: فقال عمر رضي الله
عنه: يا رسول الله: أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال نعم).
قلت: وإسنادها ضعيف لأنها من رواية عبد الملك بن محمد الرقاشى ثنا بشر
بن بشر بن عمر نا شعبة عن أنس بن سيرين. والرقاشى قال الحافظ في
(التقريب) صدوق يخطئ تغيير حفظه لما سكن بغداد) فقوله في (الفتح) (9/
308): (ورجاله إلى شعبة ثقات) لا يخفى ما فيه.
الخامسة: عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: (حسبت علي بتطليقة). هكذا
أخرجه البخاري (3/ 458) معلقا: وقال أبو معمر: حدثنا عبد الوارث حدثنا
أيوب عن سعيد بن جبير. وقد وصله أبو نعيم من طريق عبد الصمد بن عبد
الوارث عن أبيه مثله. وقد تابعه أبو بشر عن سعيد به بلفظ آخر أتم منه:
(طلقت امرأتي وهي حائض فرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك علي حتى
طلقتها وهي طاهر).
__________
(1) 1 - وفي رواية المسلم: (قال: فراجعتها ثم طلقتها لطهرها قلت:
فاعتدت بتلك التطليقة التي طلقت وهي حائض؟ قال: مالي لا أعتد بها وإن
كنت عجزت واستحمقت).
(1/364)
أخرجه النسائي (2/ 9 5) والطحاوي (2/ 3 0)
والطيالسي (187 1) وأبو يعلى في (مسنده) (ق 269/ 2) من طرق عن هشيم
قال: أخبرنا أبو بشر.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وأبو بشر أسمه جعفر بن إياس وهو ثقة من أثبت الناس في سعيد بن جبير كما
قال الحافظ في (التقريب).
السادسة: عن أبى الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل أبن
عمر وأبو الزبير يسمع قال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا؟ قال: طلق
عبد اللة بن عمر أمرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسأل عمر رسول الله فقال: إن عبد الله طلق امرأته وهي حائض؟ قال عبد
الله: فردها علي ولم يرها شيئا وقال: إذا طهرت فليطلق أو ليمسك. قال
ابن عمر: وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}.
أخرجه مسلم (4/ 183) والشافعي (1631) وأبو داود (2185) والسياق له
والطحاوي (2/ 29 - 30) وابن الجارود (733) والبهيقي (7/ 327) وأحمد (2/
6 1، 8 0 - 8 1) من طرق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير وزاد الشافعي
وأحمد: (قال ابن جريج: وسمعت مجاهدا يقرؤها كذلك).
وقال أبو داود عقبه: (روى هذا الحديث عن ابن عمر يونس بن جبير وأنس بن
سيرين وسعيد ابن جبير وزيد بن أسلم وأبو الزبير ومنصور عن أبى وائل
معناهم كلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى
(1/365)
تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن
شاء أمسك وروى عطاء الخراساني عن الحسن عن ابن عمر نحو رواية نافع
والزهري والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير).
قلت: كذا قال وأبو الزبير ثقة حجة وإنما يخشى منه العنعنة لأنه كان
مدلسا وهنا قد صرح بالسماع فأمنا شبهة تدليسه وصح بذلك حديثه والحمد
لله وقد ذهب الحافظ ابن حجر في (الفتح) (9/ 308) إلى أنه صحيح على شرط
الصحيح وهو الحق الذي لا ريب فيه.
ولكنه ناقش في دلالته عل عدم وقوع طلاق الحائض والبحث في ذلك بين
الفريقين طويل جدا فراجعه فيه وفي زاد (المعاد) فإنه قد أطال النفس فيه
وأجاد.
وأما دعوى أبى داود أن الأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير فيرده
طريق سعيد بن جبير التي قبله فإنه موافق لرواية أبي الزبير هذه فإنه
قال:
(فرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك علي حتى طلقتها وهي طاهر) وإسنادها
صحيح غاية كما تقدم فهى شاهد قوي جدا لحديث أبي الزبير ترد قول أبي
داود المتقدم ومن نحا نحوه مثل ابن عبد البر والخطابي وغيرهم. ومن
العجيب أن هذا الشاهد لم يتعرض لذكره أحد من الفريقين مع أهميته فاحفظه
واشكر الله على توفيقه.
وذكر له الحافظ متابعا آخر فقال: (وروى سعيد بن منصور من طريق عبد الله
بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول الله
(1/366)
صلى الله عليه وسلم: ليس ذلك بشئ). وسكت
الحافظ عليه وعبد الله بن مالك بن الحارث الهمداني قال في (التقريب):
(مقبول).
السابعة: عن طاوس أنه سمع ابن عمر يسأل عن رجل طلق امرأته حائضا فقال:
(أتعرف عبد الله بن عمر؟ قال: نعم قال: فأنه طلق امرأته حائضا) فذهب
عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأمره أن يراجعها قال:
ولم أسمعه يزيد على ذلك).
أخرجه مسلم (4/ 1 83) وأحمد (2/ 1 4 5 - 1 4 6) والطبراني في (المعجم
الكبير) (2/ 202 / 3).
الثامنة: عن أبى وائل قال: (طلق ابن عمر امرأته وهي حائض فأتى عمر
النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره
فليراجعها ثم ليطلقها طاهر في غير جماع). أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 75 -
76) والبيهقي (7/ 32 6) بسند صحيح على شرط مسلم.
التاسعة والعاشرة. قال الطيالسي (1862): حدثنا حماد بن سلمة عن بشر بن
حرب قال: سمعت ابن عمر. . . فذكره نحوه وزاد: (فقال ابن عمر: فطلقتها
ولو شئت لأمسكتها). وقال: حدثنا حماد بن سلمة عن ابن سيرين سمع ابن عمر
يذكر مثله. قلت: وإسناده الأول ضعيف والآخر صحيح.
الحادية عشرة: عن الشعبى قال:
(طلق ابن عمر امرأته واحدة وهي حائض فانطلق عمر إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم) فأخبره فأمره أن يراجعها ثم يستقبل الطلاق في عدتها وتحتسب
التطليقة التي طلق أول مرة).
(1/367)
أخرجه الدارقطني (4 29) والبيهقي (7/ 326)
من طريقين عن محمد ابن سابق نا شيبان عن فراس عن الشعبى.
قلت: وهذا إسنأد صحيح رجاله ثقات على شرط الشيخين. وهو ثاني إسناد صحيح
فيه التصريح برفع الأعتداد بطلاق الحائض إلى النبي صلى الله عليه وسلم
والأول مضى في بعض الطرق عن نافع في الطريق الاولى.
الثانية عشرة: عن خالد الحذاء قال: قلت لأبن عمر رجل طلق حائضا؟ قال:
(أتعرف ابن عمر. . .) الحديث نحو الطريق الثالثة وفيه: (قلت: اعتددت
بتلك التطليقة قال: نعم). أخرجه الدارقطني (429) عن علي بن عاصم نا
خالد وهشام عن محمد عن جابر (1) ... الحذاء.
قلت: وهذا سند ضعيف علي بن عاصم هو الواسطي قال الحافظ: (صدوق يخطئ
ويصر). وجابر الحذاء كأنه لا يعرف إلا بهذا الإسناد أورده ابن حبان في
(الثقات) (1/ 9) فقال:
(جابر الحذاء يروي عن ابن عمر روي عنه ابن سيرين). وكذا في (الأنساب)
للسمعاني.
الثالثة عشرة: عن ميمون بن مهران عن ابن عمر مثل حديث أبي وائل عنه في
الطريق الثامنة. أخرجه البيهقى (7/ 326) بإسناد صحيح.
وجملة القول: أن الحديث مع صحته وكثرة طرقه فقد اضطرب الرواة عنه في
طلقته الأولى في الحيض هل اعتد بها أم لا؟ فانقسموا إلى قسمين:
__________
(1) 1 - الأصل خالد والتصحيح من ثقات ابن حبان والأنساب.
(1/368)
الأول: من روى عنه الأعتداد بها وهم حسب
الطرق المتقدمة: الطريق الأولى: نافع. ثبت ذلك عنه من قوله وإخباره
وعنه عن ابن عمر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعلها واحدة
الطريق الثانية: سالم بن عبد الله بن عمر وفيها قول ابن عمر أنها حسبت
عليه.
الثالثة:. يونس بن جبير وهى كالتى قبلها.
الرابعة: أنس بن سيرين وفيها مثل ذلك وفي رواية عنه: أنه اعتد بها وفي
أخرى رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكن إسناد هذه ضعيف كما
سبق بيانه خلافا للحافظ.
الخامسة: سعيد بن جبير وفيها قول ابن عمر أنها حسبت عليه. الحادية عشر:
الشعبي عنه رفعه إلى النبي (صلى الله عليه وسلم). والقسم الآخر: الذين
رووا عنه عدم الأعتداد بها وهم حسسب الطرق أيضا:
الخامسة: سعيد بن جبير عنه قال: (فرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك
على).
السادسة: أبو الزبير عنه مرفوعا: (فردها على ولم يرها شيئا)
وطريق ثالثة أوردناها في التي قبلها: عبد الله بن مالك الهمداني عنه
مرفوعا (ليس ذلك بشئ). فإذا نظر المتأمل في طرق هذين القسمين وفي
ألفاظهما تبين له بوضوح) غموض فيه أرجحية القسم الأول على الآخر وذلك
لوجهين:
الأول: كثرة الطرق فإنها ستة ثلاث منها مرفوعة وثلاث أخرى موقوفة
واثنتان من الثلاث الأولى صحيحة والأخرى ضعيفة وأما القسم الآخر فكل
طرقه ثلاث اثنتان منها صحيحة أيضا والأخرى ضعيفة فتقابلت المرفوعات
(1/369)
في القسمين قوة وضعفا. وبقي في القسم الأول
الموقوفات الثلاث فضلة يترجح بها على القسم الآخر لا سيما وهي في حكم
المرفوع لأن معناها أن عبد الله بن عمر عمل بما في المرفوع فلا شك أن
ذلك مما يعطي المرفوع قوة على قوة كما هو ظاهر.
والوجه الآخر: قوة دلالة القسم الأول على المراد دلالة صريحة لا تقبل
التأويل بخلاف القسم الآخر فهو ممكن التأويل بمثل قول الأمام الشافعي
(ولم يرها شيئا لا أي صوابا. وليس نصا في أنه لم يرها طلاقا بخلاف
القسم الأول فهو نص في أنه رآها طلاقا فوجب تقديمه على القسم الآخر وقد
اعترف ابن القيم رحمه الله بهذا ولكنه شك في صحة المرفوع من هذا القسم
فقال: (4/ 50): وأما قوله في حديث ابن وهب عن ابن أبى ذئب في آخره:)
وهي واحدة (فلعمر الله لو كانت هذه اللفظة من كلام رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما قدمنا عليها شيئا ولصرنا إليها بأول وهلة ولكن لا ندري
أقالها ابن إوهب من عنده أم ابن أبي ذئب أو نافع فلا يجوز أن يضاف إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يتيقن أنه من كلامه ويشهد به عليه
ونرتب عليه الأحكام ويقال: هذا من عند الله بالوهم والإحتمال).
قلت: وفي هذا الكلام صواب وخطأ. أما الصواب هو اعترافه بكون هذه اللفظة
نص في المسألة يحب التسليم
بها والمصير إليها لو صحت.
وأما الخطأ فهو تشككه في صحتها ورده لها بدعوى أنه لا يدري أقالها ابن
وهب من عنده. . . وهذا شئ عجيب من مثله لأن من المتفق عليه بين العلماء
أن الأصل قبول رواية الثقة كما رواها وأنه لا يجوز ردها
(1/370)
بالإحتملات والتشكيك وأن طريق المعرفة هو
التصديق بخبر الثقة, ألا ترى أنه يمكن للمخالف لابن القيم أن يرد حديثه
(فردها علي ولم يرها شيئا) بمثل الشك الذي أورده هو على حديث ابن وهب
بالطعن في أبي الزبير ونحو ذلك من الشكوك وقد فعل ذلك بعض المتقدمين
كما تقدمت الإشارة إلى ذلك وكل ذلك مخالف للنهج العلمي المجرد عن
الإنتصار لشئ سوى الحق.
على ان ابن وهب لم يتفرد باخراج الحديث بل تابعه الطيالسي كما تقدم
فقال: حدثنا ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر:
(أنه طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك
له فجعله واحدة).
وتابعه أيضا يزيد بن هارون نا ابن أبي ذئب به.
أخرجه الدارقطني من طريق محمد بن أمشكاب نا يزيد بن هارون. ومحمد بن
أشكاب لم أعرفه الآن وبقية الرجال ثقات. ثم عرفته فهو محمد بن الحسن بن
إبراهيم أبو جعفر بن اشكاب البغدادي الحافظ من شيوخ البخاري ثقة.
وتابع ابن أبي ذئب ابن جريج عن نافع عن ابن عمر: (أن رسول صلى الله
عليه وسلم؟ قال: هي واحدة).
أخرجه الدارقطني أيضا عن عياش بن محمد نا أبو عاصم عن ابن جريج.
قلت: ورجاله ثقات كلهم وعياش بن محمد هو ابن عيسى الجوهري ترجمه الخطيب
وقال (12/ 279): (وكان ثقة) فهو إسناد صحيح إن
(1/371)
كان ابن جريج سمعه من نافع. وتابع نافعا
الشعبى بلفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ثم يحتسب بالتطليقة التي طلق
أول مرة لا وهو صحيح السند كما تقدم.
وكل هذه الروايات مما لم يقف عليها ابن القيم رحمه الله تعالى وظني أنه
لو وقف عليها لتبدد الشك الذي أبداه في رواية ابن وهب ولصار إلى القول
بما دل عليه الحديث من الإعتداد بطلاق الحائض. والله تعالى هو الموفق
والهادي إلى سبيل الرشاد.
(تنبيه): من الأسباب التي حملت ابن القيم وغيره على عدم الأعتداد بطلاق
الحائض ما ذكره من رواية ابن حزم عن محمد بن عبد السلام الخشنى: حدثنا
محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفى حدثنا عبيدالله بن
عمر عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال في رجل يطلق
امرأته وهي حائض؟ قال ابن عمر: يعتد بذلك.
وقال الحافظ في (الفتح) (9/ 309): (أخرجه ابن حزم بإسناد صحيح).
وقال أيضا: (واحتج بعض من ذهب إلى أن الطلاق لا يقع بما روي عن الشعبى
قال: إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض لم يعتد بها في قول ابن عمر. قال
ابن عبد البر: وليس معناه ما ذهب إليه وإنما معناه لم تعتد المرأة بتلك
الحيضة في العدة).
ثم ذكر الحافظ عقبه رواية ابن حزم وقال: (والجواب عنه مثله). قلت:
ويؤيده أمران: الأول: أن ابن أبي شيبة قد أخرج الرواية المذكورة بلفظ
آخر يسقط الأستدلال به وهو:
(1/372)
نا عبد الوهاب الثقفى عن عبيدالله بن عمر
عن نافع عن ابن عمر في الذي يطلق امرأته وهما حائض؟ قال: (لا تعتد بتلك
الحيضة). وهكذا أخرجه ابن الأعرابي في (معجمه) (ق 173/ 2) عن ابن معين:
نا الثقفي به (1) ... .
فهو بهذا اللفظ نص على أن الإعتداد المنفي ليس هو الطلاق في الحيض
وإنما اعتداد المرأة المطلقة بتلك الحيضة فسقط الإستدلال المذكور.
والآخر: أن عبيدالله قد روى أيضا عن نافع عن ابن عمر في حديثه المتقدم
في تطليقه لزوجته قال: عبيد الله. (وكان تطليقه إياها في الحيض واحدة
غير أنه خالف السنة).
أخرجه الدارقطني (428).
والطرق بهذا المعنى عن ابن عمر كثيرة, كما تقدم فإن حملت رواية عبيد
الله الأولى على عدم الأعتداد بطلاق الحائض تناقضت مع روايته هذه
والروايات الأخرى عن ابن عمر ونتيجة ذلك أن ابن عمر هو المتناقض والأصل
في مثله عدم التناقض؛ فحينئذ لا بد من التوفيق بين الروايتين لرفع
التناقض والتوفيق ما سبق في كلام ابن عبد البر. ودعمناه برواية ابن أبي
شيبة وإن لم يمكن فلا مناص من الترجيح بالكثرة والقوة وهذا ظاهر في
رواية عبيدالله الثانية ولكن لا داعي للترجيح فالتوفيق ظاهر والحمد
لله.
__________
(1) 1 - وكذلك رواه البيهقي (7/ 418) عن ابن معين به بلفظ: عن ابن عمر
إذا طلقها وهي حائض لم نعتد بتلك الحيضة. وقال: (قال يحيى. وهذا غريب
ليس يحدث به إلا الثقفي)
(1/373)
(فائدة):كان تطليق ابن عمر لزوجته إطاعة
منه لأبيه عمر رضي الله عنه فقد روى حمزة بن عبد الله بن عمر عن ابن
عمر قال: (كانت تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني أبى أن أطلقها
فأبيت فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم (وفي رواية: فأتى عمر النبي
صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له) فقال: يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك
(قال: فطلقتها).
أخرجه أبو داود (5138) والترمذي (1/ 223 - 224) وابن ماجه (2088)
والطيالسي (1822) وأحمد (2/ 2 0، 4 2، 53، 157) من طريق ابن أبى ذئب عن
الحارث بن عبد الرحمن عن حمزة. وقال الترمذي:
(حديث حسن صحيح).
قلت: ورجاله رجال الشيخين غير الحارث بن عبد الرحمن القرشى وهو صدوق.
ثم وقفت على طريق أخرى عن ابن عمر تؤيد ما سبق من الروايات لراجحة وهو
ما أخرجه ابن عدي في ترجمة حبيب بن أبي حبيب صاحب الأنماط من (الكامل)
(103/ 2) عنه عن عمرو بن هرم قال: قال جابر بن زيد: (لا يطلق الرجل
امرأته وهي حائض فإن طلقها فقد جاز طلاقه وعصى ربه وقد طلق ابن عمر
امرأته تطيقة وهي حائض فأجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن
يراجعها فإذا طهرت طلقها إن شاء فراجعها ابن عمر حتى إذا طهرت طلقها).
وإسناده هكذا: ثنا عمر بن سهل ثنا يوسف ثنا داود بن شبيب ثنا حبيب ابن
أبي حبيب به. وهذا إسناد رجاله معروفون من رجال التهذيب لا باس بهم غير
يوسف وهو ابن ماهان لم أجد له ترجمة وعمر بن سهل وهو ابن مخلد أورده
الخطيب في (تاريخه) (11/ 224) وكناه بأبي حفص
(1/374)
البزار وقال: (حدث عن الحسن بن عبد العزيز
الجروي روى عنه عبد الله ابن عدي الجرجاني وذكر أنه سمع منه ببغداد).
(فائدة أخرى هامة) روى أبو يعلى في (حديث ابن بشار) عقب حديث ابن عمر
المتقدم بلفظ. (فمه) (الطريق الرابعة):
عن ابن عون عن محمد (يعني ابن سيرين) قال: (كنا ننزل قول ابن عمر في
أمر طلاقه على (نعم)). قال ابن عون: (وكنا ننزل قول محمد: (لا أدري)
على الكراهة).
[الإرواء]
حكم طلاق الهازل
1826 - (حديث " ثلاث: جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق والنكاح والرجعة لما
حسنه الترمذي). ص 146 حسن.
أخرجه أبو داود (2194) والترمذي (1/ 223) وابن ماجه (2039) والطحاوي
(2/ 58) وابن الجارود (712) والدارقطني (397) والحاكم (2/ 198) وكذا
ابن خزيمة في " حديث علي ابن حجر " (ج 4 رقم 54) والبغوي في " شرح
السنة " (3/ 46 / 2) كلهم من طريق عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء بن أبي
رباح عن ابن ماهك عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:
فذكره.
(1/375)
وقال الترمذي: " حديث حسن غريب وعبد الرحمن
هو ابن حبيب بن أدرك المدني".
وقال الحاكم:
" صحيح الاسناد وعبد الرحمن بن حبيب من ثقات المدنيين " كذا قال وقد
رده الذهبي بقوله: " قلت: فيه لين ".
وقال ابن القطان متعقبا على الترمذي تحسينه السابق: " فإبن أدرك لا
يعرف حاله " قال الذهبي في رده عليه (ق 20/ 1): " قلت: قد قال النسائي:
منكر الحديث".
قلت: ولهذا قال الحافظ في " التقريب ": " لين الحديث ".
وأما قوله في " التلخيص " (3/ 210): " وهو مختلف فيه قال النسائي: منكر
الحديث ووثقه غيره فهو على هذا حسنه ".
قلت: فليس بحسن لأن الغير المشار إليه إنما هو ابن حبان لا غير وتوثيق
ابن حبان مما لا يوثق به إذا تفرد به كما بينه الحافظ نفسه في مقدمة "
اللسان " وهذا إذا لم يخالف فكيف وقد خالف هنا النسائي في قوله فيه:
منكر الحديث.
ولذلك رأينا الحافظ لم يعتمد على توثيقه في كتابه الخاص بالرجال: "
التقريب " فالسند ضعيف وليس بحسن عندي. والله أعلم.
لكن قد ذكر الزيلعي في " نصب الراية " (3/ 294) في معناه أحاديث أخرى
فينبغي النظر بدقة في أسانيدها لنتبين هل فيها ما يمكن أن يصلح شاهدا
لهذا.
(1/376)
أولا: طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ:
" ثلاث ليس فيهن لعب منه تكلم بشئ منهن لاعبا فقد وجب عليه الطلاق
والعتاق والنكاح ". أخرجه ابن عدي (ق 261/ 2) عن غالب عن الحسن عن أبي
هريرة به. وقال:
" وغالب بن عبيد الله الجزري له أحاديث منكرة المتن ". قلت: وهو ضعيف
جدا قال ابن معين: " ليس بثقة " وقال الدارقطني وغيره: " متروك " وأورد
له الذهبي في ترجمته جملة أحاديث مما أنكر عليه قال في أحدها: " هذا
حديث موضوع "!
ثانيا: عن عبادة بن الصامت أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:" لا
يجوز اللعب في ثلاث: الطلاق والنكاح والعتاق فمن قالهن فقد وجبن "
اخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده ". (ص 119 من " زوائده "): حدثنا
بشير بن عمر ثنا عبد الله بن لهيعة ثنا عبيد الله بن أبي جعفر عن عبادة
ابن الصامت به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف وله علتان:
الأولى: الانقطاع بين عبيد الله بن أبي جعفر وعبادة بن الصامت فإنه لم
يثبت لعبيد الله له سماع من الصحابة.
الثانية: ضعف عبد الله بن لهيعة قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق خلط
بعد احتراق كتبه ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما"
قلت: وليس هذا من روايتهما عنه. فيخشى أن يكون خلط فيه.
(1/377)
ثالثا: عن أبي ذر قال: قال رسول الله (صلى
الله عليه وسلم): " من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب
فعتقه جائز ومن نكح وهو لاعب فنكاحه جائز ".
قال الزيلعي: رواه عبد الرزاق في " مصنفه ": حدثنا إبراهيم بن محمد عن
صفوان بن سليم أن أبا ذر قال: فذكره.
قلت: وهذا سند واه جدا إبراهيم هذا هو ابن محمد بن أبي يحيى الأسلمي "
متروك " كما قال الحافظ في " التقريب ".
رابعا: (وهو مما فات الزيلعي) عن الحسن قال: " كان الرجل في الجاهلية
يطلق ثم يراجع يقول: كنت لاعبا ويعتق ثم يراجع ويقول: كنت لاعبا فأنزل
الله تعالى (لا تتخذوا آيات الله هزوا) فقال رسول الله (صلى الله عليه
وسلم): " من طلق أو حرر أو أنكح أو نكح فقال: إنى كنت لاعبا فهو جائز
".
أخرجه ابن أبي شيبة قي " المصنف " (7/ 104 / 2) نا عيسى بن يونس عن
عمرو عن الحسن به.
وأخرجه ابن أبي حاتم في " تفسيره " (1/ 47 / 2) والطبري في " تفسيره "
(5/ 13 / 4923) من طريقين آخرين عن الحسن به. قلت: وهذا مرسل صحيح
الاسناد إلى الحسن وهو البصري. وقد رواه الحسن أيضا عن الحسن عن أبي
الدرداء قال فذكره موقوفا عليه بلفظ: " ثلاث لا يلعب بهن: النكاح
والعتاق والطلاق ". وإسناده إلى الحسن صحيح أيضا.
أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 104 / 1).
(1/378)
ثم قال الزيلعي: " وفيه أثران أيضا أخرجهما
عبد الرزاق أيضا عن علي وعمر أنهما قالا " ثلاث لا لعب فيهن: النكاح
والطلاق والعتاق ". وفي رواية عنهما: " أربع " وزاد: " والنذر ".
والله أعلم.
قلت: ورواية الأربع أخرجها ابن أبي شيبة أيضا من طريق حجاج عن سليمان
بن سحيم عن سعيد بن المسيب عن عمر. ورجاله ثقات إلا أن الحجاج وهو ابن
أرطاة مدلس وقد عنعنه.
والذي يتلخص عندي مما سبق أن الحديث حسن بمجموع طريق أبي هريرة الأولى
التي حسنها الترمذي وطريق الحسن البصري المرسلة وقد يزداد قوة بحديث
عبادة بن الصامت والآثار المذكورة عن الصحابة فإنها - ولو لم يتبين لنا
ثبوتها عنهم عن كل واحد منهم - تدل على أن معنى الحديث كان معروفا
عندهم والله أعلم.
[الإرواء]
(1/379)
أحكام الخلع
2035 - (حديث (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها
رائحة الجنة) رواه الخمسة إلا النسائي) 226/ 2 صحيح.
أخرجه أبو داود (2226) والترمذي (1/ 223) والدارمي (2/ 162) وابن ماجه
(205 5) وابن الجارود (748) وابن حبان (1320) والبيهقي (7/ 316) وابن
أبي شيبة (8/ 141 / 1 - 2) والطبري في (التفسير) (4843، 4844) والحاكم
(2/ 200) من طرق عن أيوب عن أبى قلابة عن أبي أسماء الرحبى عن ثوبان
رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فذكره. وقال
الترمذي: (حديث حسن).
وقال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين). ووافقه الذهبي.
قلت: وإنما هو على شرط مسلم وحده فإن أبا أسماء الرحبى واسمه عمرو بن
مرثد إنما أخرج له البخاري في (الأدب المفرد). وللحديث طريق أخرى يرويه
ليث عن أبي إدريس عن ثوبان به.
أخرجه الطبري (4840). وليث هو ابن أبى سليم وهو ضعيف
وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا. أخرجه ابن ماجه (2054) وإسناده
ضعيف.
2036 - (قوله (صلى الله عليه وسلم) لثابت بن قيس: (اقبل الحديقة وطلقها
تطليقة رواه البخار ي) صحيع.
(1/380)
أخرجه البخاري (3/ 465) والنسائي (2/ 104)
وابن الجارود (750) والدارقطني (ص 396) والبيهقي (7/ 3 1 3) من طريق
أزهر بن جميل قال: ثنا عبد الوهاب الثقفى قال: حدثنا خالد عن عكرمة عن
ابن عباس: (أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:
يا رسول اللة ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره
الكفر في الأسلام فقال رسول اللة صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه
حديقته؟ قالت: نعم. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اقبل. . .)
الحديث. وتابعه أيوب عن عكرمة به نحوه دون قوله: (اقبل الحديقة. . .).
وزاد: (فردت عليه وأمره ففارقها) أخرجه البخاري والبيهقي. وتابعه قتادة
عن عكرمة به نحوه وزاد: (فأمره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن ياخذ
منها حديقته ولا يزداد).
أخرجه ابن ماجه (2056) والبيهقي من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى ثنا
سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به. وتابعه همام نا قتادة به مختصرا أخرجه
البيهقى. وتابعه عمرو بن مسلم عن عكرمة به مختصرا بلفظ: (أن امرأة ثابت
بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة).
أخرجه أبو داود (2229) وقال: (وهذا الحديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن
عمرو بن مسلم عن عكرمة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) مرسلا.
قلت: وللحديث شاهد عن حبيبة بنت سهل الأنصاري (أنها كانت تحت ثابت بن
قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد
حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال لها رسول الله
(1/381)
صلى الله عليه وسلم من هذه؟ فقالت: أنا
حبيبة بنت سهل يا رسول الله قال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا ولا ثابت بن
قيس (لزوجها) فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم: هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر فقالت
حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لثابت بن قيس: خذ منها فأخذ منها وجلست في بيتها).
أخرجه مالك (2/ 564 / / 31) وعنه أبو داود (2227) والنسائي وابن
الجارود (749) والبيهقي وكذا ابن حبان (1326) كلهم عن مالك عن يحيى ابن
سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عنها.
قلت: وهذا سند صحيح إن كانت عمرة سمعته من حبيبة فقد اختلف فيه ها فيه
عليها كما في ترجمتها من (التهذيب).
وقد أخرجه أبو داود (2228) من طريق أبي عمرو السدوسي المدينى عن عدالله
بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة (أن حبيبة بنت سهل
كانت تحت. . .) الحديث ورجاله ثقات كلهم غير أبي عمرو السدوسي وهو سعيد
بن سلمة بن أبى الحسام العدوي.
قال الحافظ: (صدوق صحيح الكتاب يخطئ من حفظه). وشاهدان آخران يرويهما
الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله ابن عمرو وعن محمد ابن
سليمان بن أبي حثمة عن عمه عن سهل بن أبى حثمة قال: (كانت حبيبة ابنة
سهل تحت ثابت. . في آخره: (فردت عليه حديقته وفرق بينهما.
(1/382)
قال: فكان ذلك أول خلع كان في الاسلام).
أخرجه أحمد (4/ 3) هكذا وابن ماجه (2057) الشاهد الأول منهما والحجاج
هو ابن أرطاة وهو مدلس وقد عنعنه.
(تنبيه) قال المصنف رحمه الله تعالى (2/ 227) عقب الحديث:
(ولا بأس به في الحيض والطهر الذي أصابها فيه لأنه (صلى الله عليه
وسلم) لم يسال المختلعة عن حالها).
فما عزاه إليه صلى الله عليه وسلم ليس حديثا مرويا عنه وإنما استنباط
من المصنف من مجموع أحاديث الباب التى لم يرد في شئ منها السؤال عن حال
المختلعة ولو وقع مثل هذا السؤال لنقل فهذا هو الذي سوغ للمصنف أن يقول
ما نقلناه عنه فتوهم البعض أنه حديث مروي فطبع بين قوسين مزدوجين ()
فاقتضى التنبيه. 2037
- (قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جميلة (ولا تزدد) رواه ابن ماجه)
صحيح.
هو عند ابن ماجه من حديث ابن عباس بلفظ:
(ولا يزداد) كما تقدم ذكره في الحديث السابق وكذلك رواه البيهقى. ثم
رواه البيهقى بلفظ الكتاب من طريق عبد الوهاب بن عطاء: سألت سعيدا عن
الرجل يخلع امرأته باكثر مما أعطاها؟ فأخبرنا عن قتادة عن عكرمة: (أن
جميلة بنت السلول. . . .) فذكره نحو ما تقدم وفي آخره: (قال: ففرق
بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: خذ ما أعطيتها ولا تزدد.
(1/383)
قلت: وله شاهد من مرسل ابن جريج عن عطاء:
(أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها فقال: أتردين عليه
حديقته؟ قالت: نعم وزيادة قال: أما الزيادة فلا) أخرجه البيهقى وقال:
(وقد رواه الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس به نحوه. ثم
ساق إسناده إلى الوليد بن مسلم به وقال: (وهذا غير محفوظ والصحيح بهذا
الإسناد ما تقدم مرسلا).
ونحوه في (العلل) لإبن أبى حاتم عن أبيه (429/ 1) وأخرج الدارقطني
(396) وعنه البيهقي من طريق أخرى عن ابن جريج: أخبرني أبو الزبير: (أن
ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول. . .)
الحديث مختصرا بنحوه وفيه: (أما الزيادة فلا). وفي آخره: (سمعه أبو
الزبير من غير واحد). وقال البيهقي: (وهذا أيضا مرسل).
وقال الحافظ في (الفتح) (9/ 353): (ورجال إسناده ثقات وقد وقع في بعض
طرقه: سمعه أبو الزبير من غير واحد. فإن كان فيهم صحابي فهو صحيح وإلا
فيعتضد بما سبق).
يعني حديث ابن عباس عند ابن ماجه ومرسل عطاء. 2038 - (حديث عن على (أن
النبي صلى الله عليه وسلم كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها)
رواه أبو حفص) 227/ 2 لم أقف على إسناده وغالب الظن أنه لا يصح مرفوعا
فقد أخرجه عبد الرزاق كما في (الفتح) (9/ 353) عن علي موقوفا. وسكت
عليه.
(1/384)
2039 - (حديث. (اقبل الحديقة وطلقها
تطليقة) رواه البخاري وفي رواية (فأمره ففارقها)) صحيح. والرواية
الأخرى للبخاري أيضا كما تقدم تخريجه برقم (2096).
[الإرواء]
فرق اللعان إنما هي فسخ
2465 - " المتلاعنان إذا تفرقا، لا يجتمعان أبدا ".
[الصحيحة]
قال رحمه الله:
ورد من حديث ابن عمر وسهل بن سعد وعبد الله بن مسعود وعلي ابن أبي
طالب.
1 - أما حديث ابن عمر، فعلقه البيهقي (7/ 409) فقال: وروينا عن محمد بن
زيد عن سعيد بن جبير عنه مرفوعا به. وهذا إسناد رجاله ثقات، وابن زيد
هو ابن علي الكندي، فإذا كان السند إليه ثابتا، فهو صحيح الإسناد، وعلى
كل حال، فإنه يشهد له ما بعده.
2 - وأما حديث سهل فيرويه عياض بن عبد الله الفهري وغيره عن ابن شهاب
عن سهل في حديث المتلاعنين قال: " فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن
يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبدا ". أخرجه أبو داود (1/ 351 - 352)
والبيهقي (7/ 410).
(1/385)
قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله رجال مسلم،
والفهري هذا وإن كان فيه ضعف، فليس شديدا، فمثله يستشهد به، ولاسيما
أنه
لم يتفرد به، فقد قرن به غيره، وهذا وإن لم يسم في هذه الرواية فمن
المحتمل أن يكون الزبيدي الآتي، فإن كان هو، فهي متابعة قوية لأن
الزبيدي هذا - واسمه محمد بن زياد - ثقة ثبت من كبار أصحاب الزهري كما
قال الحافظ، وإن كان غيره، فهو مجهول إن لم يقو حديثه فلا يضره. وهذه
المتابعة يرويها الأوزاعي عن الزبيدي عن الزهري به. أخرجه البيهقي
قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات غير ابن أبي حسان شيخ أبي بكر
الإسماعيلي، فلم أعرف اسمه الآن.
3 و 4 - وأما حديث ابن مسعود وعلي فيرويه قيس بن الربيع عن عاصم عن أبي
وائل عن عبد الله، وعن عاصم عن زر عن علي قالا: " مضت السنة في
المتلاعنين أن لا يجتمعا أبدا ".
أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (7/ 112 / 12434 و 12436) والبيهقي
والطبراني في " المعجم الكبير " (9/ 390 / 9661) عن ابن مسعود وحده.
قلت: وإسناده حسن في المتابعات على الأقل لأن قيس بن الربيع فيه ضعف من
قبل حفظه.
وللحديث شاهد موقوف يرويه الأعمش عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب قال في
المتلاعنين إذا تلاعنا: يفرق بينهما، ولا يجتمعان أبدا. أخرجه عبد
الرزاق، والبيهقي.
قلت: ورجاله موثقون، لكنه منقطع بين إبراهيم - وهو النخعي - وعمر بن
الخطاب.
(1/386)
إذا علمت ما تقدم:
فالحديث صالح للاحتجاج به على أن فرقة اللعان إنما هي فسخ، وهو مذهب
الشافعي وأحمد وغيرهما، وذهب أبو حنيفة إلى أنه طلاق بائن، والحديث يرد
عليه، وبه أخذ مالك أيضا والثوري وأبو عبيدة وأبو يوسف، وهو الحق الذي
يقتضيه النظر السليم في الحكمة من التفريق بينهما، على ما شرحه ابن
القيم رحمه الله تعالى في " زاد المعاد " فراجعه (4/ 151 و153 - 154)
وإليه مال الصنعاني في " سبل السلام " (3/ 241).
أحكام العدة والإحداد
جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها:
2722 - " إن وجدت رجلا صالحا فتزوجي ".
[الصحيحة]
قال رحمه الله:
أخرجه ابن ماجه (1/ 625 - 626) وابن راهويه في " مسنده " (4/ 266 / 1 -
2) من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق وعمرو ابن عتبة أنهما
كتبا إلى سبيعة بنت الحارث يسألانها عن أمرها؟ فكتبت إليهما: أنها وضعت
بعد وفاة زوجها بخمسة وعشرين [ليلة] فتهيأت تطلب الخير، فمر بها أبو
السنابل بن بعكك، فقال: قد أسرعت، اعتدي
(1/387)
آخر الأجلين، أربعة أشهر وعشرا، فأتيت
النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! استغفر لي. قال: وفيم
ذاك؟ فأخبرته [الخبر]، فقال: والزيادتان لابن راهويه.
قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه هو والبخاري وغيرهما من طرق
أخرى عن سبيعة, وغيرها من الصحابة مختصرا ومطولا, وخرجت أحدها في "
الإرواء " (2113)؛ وإنما آثرت هذه الرواية بالتخريج لأنها تفردت عن
سائر الطرق بهذه الفائدة التي فوق هذا التخريج، حيث أمرها صلى الله
عليه وسلم بأن تتزوج بالرجل الصالح إن وجدته.
وقد وهم الحافظ رحمه الله فعزاها في " الفتح " (9/ 476) لرواية الأسود
عن أبي السنابل نفسه عند ابن ماجه.
وهذه رواية أخرى لابن ماجه ليس فيها هذه الفائدة، وهي عند ابن راهويه
أيضا. وسبب الوهم - فيما يبدو لي والله أعلم - أن هذه عند ابن ماجه
قبيل حديث الترجمة، فكأنه انتقل بصره عند النقل عنه إليها.
والله أعلم.
وفي الحديث فوائد فقهية أخرى ساق الحافظ الكثير الطيب منها كقوله: "
وفيه جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها، لأن في رواية
الزهري عند البخاري: فقال: مالي أراك تجملت للخطاب، وفي رواية ابن
إسحاق: فتهيأت للنكاح واختضبت.
وفي رواية معمر عن الزهري: وقد اكتحلت، وفي رواية الأسود: فتطيبت
وتصنعت ".
(1/388)
قلت:
فما رأي المتحمسين للقول بأن المرأة كلها عورة دون استثناء في هذا
الحديث الصحيح، وما ذكره الحافظ من الفائدة؟! لعلهم يقولون - كما هي
عادتهم في مثل هذا النص الصريح -: كان ذلك قبل نزول آية الحجاب
فنجيبهم: رويدكم! فقد كان ذلك بحجة الوداع كما في " الصحيحين " (فهل من
مدكر) (1).
معتدة الوفاة تحدُّ بالسواد ثلاثًا فقط:
3226 - (تسلبي ثلاثاً، ثم اصنعي ماشئت. قاله لأسماء بنت عميس لما أصيب
زوجها جعفر بن أبي طالب).
[الصحيحة]
قال رحمه الله:
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (745 - موارد)، والطحاوي في "شرح معاني
الآثار " (2/ 438)، وابن سعد (8/ 282)، وابن جرير الطبري في " التفسير
" (2/ 318)، والطبراني في " المعجم الكبير " (24/ 139/369)، وأبو نعيم
في (أخبار أصبهان) (1/ 187)، والبيهقي في " السنن " (7/ 438)، و"معرفة
الآثار " (6/ 61/4676) من طرق كثيرة عن محمد بن طلحة بن مصرف عن الحكم
بن عتيبة عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن أسماء بنت عميس أنها قالت:
لما أصيب جعفر بن أبي طالب، أمرني
__________
(1) 1 - انظر كتابي " جلباب المرأة المسلمة " (ص 69 - الطبعة الجديدة).
(1/389)
رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: ...
فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وقد أعله البيهقي
بالانقطاع بين عبد الله بن شداد وأسماء، وبمحمد بن طلحة!
أما الانقطاع، فدعوي باطلة، فإن عبد الله من كبار التابعين الثقات، ولد
علي عهد النبي صلي الله عليه وسلم، وأسماء خالته، ولم يرم بتدليس.
وأما محمد بن طلحة، فهو من رجال الشيخين، وفيه كلام يسير لا يسقط به
حديثه، ولذلك جزم الذهبي في " المغني " بأنه ثقة. قال الحافظ: "صدوق له
أوهام ".
ولذلك قوي إسناده في " الفتح " (9/ 487)، وذكر عن أحمد أنه صححه.
وقد رد ابن التركماني علي البيهقي إعلاله بما تقدم رداً قوياً، فراجعه.
ومعني قوله صلي الله عليه وسلم: " تسلبي " - كما قال ابن الأثير -:
" أي: البسي ثوب الحداد، وهو (السلاب)، والجمع (سلب)، وتسلبت المرأة:
إذا لبسته. وقيل: هو ثوب أسود تغطي به المحد رأسها ".
فأقول: هذا المعني هو صيح في رواية أحمد، فإنها بلفظ:
"البسي ثوب الحداد ثلاثاً، ثم اصنعي ماشئت".
ولكن في رواية أخري له (6/ 369) بلفظ: "لاتحدي بعد يومك هذا".
وهو شاذ عندي بهذا اللفظ، لمخالفته للطرق المتقدمة من جهة، وللحديث
المتواتر عن جمع من أمهات المؤمنين وغيرهن - من جهة أخري - الصريح في
أن المتوفي عنها زوجها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً، وهو
(1/390)
مخرج في "الإرواء" (2114).
فذهب بعض العلماء إلي أن هذا الحديث المتواتر ناسخ لحديث الترجمة،
ومنهم أبو جعفر الطحاوي.
فأقول: لو كان الحديث محفوظاً باللفظ الثاني، لكان القول بالنسخ مما
لابد منه، أما والمحفوظ إنما هو باللفظ الأول: " تسلبي ثلاثاً "، فهو
أخص من الحديث المتواتر، فيستسني الأقل من الأكثر، أي: تحد بما شاءت من
الثياب الجائزة غير السواد، إلا في الثلاثة أيام، وهذا هو اختيار
الإمام ابن جرير، قال - رحمه الله -: " فإنه غير دال علي أن لا إحداد
علي المرأة، بل إنما دل علي أمر النبي صلي الله عليه وسلم إياها
بالتسلب ثلاثاً، ثم العمل بما بدا لها من لبس ما شاءت من الثياب مما
يجوز للمعتدة لبسه، مما لم يكن زينة ولا طيباً، لأنه قد يكون من الثياب
ما ليس بزينة ولا ثياب تسلب، وذلك كالذي أذن صلي الله عليه وسلم
للمتوفي عنها أن تلبس من ثياب العصب وبرود اليمن، فإن ذلك لا من ثياب
زينة، ولا من ثياب تسلب".
قلت: وهذا هو العلم والفقه والجمع بين الأحاديث، فعض عليه بالنواجذ.
لا زينة للمحدة:
20 - ولا ينافي الصبر أن تمتنع المرأة من الزينة كلها، حدادا على وفاة
ولدها أو غيره إذا لم تزد على ثلاثة أيام، إلا على زوجها، فتحد أربعة
أشهر وعشرا، لحديث زينب بنت أبي سلمة قالت: " دخلت على أم حبيبة زوج
(1/391)
النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم
الآخر (أن) تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " ثم
دخلت على زينب بنت جحش - حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست، ثم قالت: مالي
بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .. "
فذكرت الحديث.
أخرجه البخاري (3/ 114، 9 400/ 400 - 401).
21 - ولكنها إذا لم تحد على غير زوجها، إرضاء للزوج وقضاء لوطره منها،
فهو أفضل لها، ويرجى لهما من وراء ذلك خير كثير كما وقع لام سليم
وزوجها أبي طلحة الانصاري رضي الله عنهما،
[أحكام الجنائز]
(1/392)
|