اختلاف
الأئمة العلماء بَاب السِّوَاك
اتَّفقُوا على اسْتِحْبَاب السِّوَاك عِنْد أَوْقَات الصَّلَوَات وَعند
تغير الْفَم.
وَاخْتلفُوا فِي الصَّائِم هَل يكره لَهُ السِّوَاك بعد الزَّوَال؟ فَقَالَ
أَبُو حنيفَة: لَا وَلم يَخْتَلِفُوا فِي أَنه يسْتَحبّ لَهُ قبل
الزَّوَال.
(1/39)
بَاب الْوضُوء
أَجمعُوا على وجوب النِّيَّة فِي طَهَارَة الْحَدث، وَالْغسْل من
الْجَنَابَة، لقَوْل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "
إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ "
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تجب النِّيَّة فيهمَا ويصحان
مَعَ عدمهَا، وَمحل النِّيَّة الْقلب وكيفيتها أَن يَنْوِي رفع الْحَدث
واستباحة الصَّلَاة، وَصفَة الْكَمَال أَن ينْطق بهَا بِمَا نَوَاه فِي
قلبه ليَكُون من نطق وَقيام.
قيل: إِلَّا مَالِكًا، فَإِنَّهُ كره النُّطْق بِاللِّسَانِ فِيمَا فَرْضه
النِّيَّة. وَاتَّفَقُوا على أَنه لَو أقتصر بِالنِّيَّةِ بِقَلْبِه
أَجزَأَهُ. بِخِلَاف مَا لَو نطق بِلِسَانِهِ دون أَن يَنْوِي بِقَلْبِه.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا نوى عِنْد الْمَضْمَضَة واستدام النِّيَّة
وأستصحب حكمهَا إِلَى غسل أول جُزْء من الْوَجْه صحت طَهَارَته.
(1/40)
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن بَدَأَ بِالنِّيَّةِ
عِنْد غسل أول جُزْء من الْوَجْه هَل يُجزئهُ؟ فَقَالَ مَالك
وَالشَّافِعِيّ: يُجزئهُ. وَقَالَ أَحْمد: لَا تصح طَهَارَته.
وَاتَّفَقُوا على أَن التَّرْتِيب والموالاة فِي الطَّهَارَة مشروعان. ثمَّ
اخْتلفُوا فِي وجوبهما فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجبان.
وَقَالَ مَالك: الْمُوَالَاة وَاجِبَة دون التَّرْتِيب، وَقَالَ
الشَّافِعِي: التَّرْتِيب وَاجِب قولا وَاحِدًا، وَعنهُ فِي الْمُوَالَاة
قَولَانِ قديمهما أَنَّهَا وَاجِبَة، وجديدهما أَنَّهَا لَيست بواجبة.
وَقَالَ أَحْمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: هما واجبتان، وَعنهُ رِوَايَة
أُخْرَى فِي الْمُوَالَاة أَنَّهَا لَا تجب.
وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب غسل الْيَدَيْنِ عِنْد الْقيام من نوم
اللَّيْل ثَلَاثًا.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبه فَقَالُوا: أَنه غير وَاجِب أَلا أَحْمد فِي
إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ فَإِنَّهُ أوجبه.
فصل فِي الِاجْتِهَاد
اخْتلفُوا فِي التَّحَرِّي فِي الْأَوَانِي إِذا اشْتبهَ عَلَيْهِ طَاهِر
مِنْهَا بِنَجس، فَقَالَ أَبُو
(1/41)
حنيفَة: إِن كَانَ الْأَكْثَر هُوَ
الطَّاهِر تحرى، وَإِن تَسَاويا أَو كَانَ الطَّاهِر هُوَ الْأَقَل فَلَا
يتحَرَّى. وَقَالَ الشَّافِعِي: يتحَرَّى على الْإِطْلَاق إِذا اشْتبهَ
عَلَيْهِ مَاء طَاهِر بِمَاء نجس، وَلَو اشْتبهَ عَلَيْهِ مَاء وَبَوْل
فَلَا يتحَرَّى.
وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك، قوم مِنْهُم كمذهب الشَّافِعِي وَقَالَ قوم
مِنْهُم: لَا يتحَرَّى بل يتَوَضَّأ من كل إِنَاء وَيُصلي بِعَدَد
الْأَوَانِي، وَقَالَ أَحْمد: لَا يتحَرَّى بل يتَيَمَّم.
وَرَوَاهُ الْخرقِيّ عَنهُ بعد أَن قَالَ: يريقهما.
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى رَوَاهَا أَبُو بكر أَن لَهُ التَّيَمُّم من غير
إِرَاقَة وَاتَّفَقُوا على وجوب غسل الْوَجْه كُله، وَغسل الْيَدَيْنِ مَعَ
الْمرْفقين وَغسل الرجلَيْن مَعَ الْكَعْبَيْنِ وَمسح الرَّأْس. ثمَّ
اخْتلفُوا فِي مِقْدَار مَا يَجْزِي من مسح الرَّأْس.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي رِوَايَة عَنهُ: يَجْزِي قدر الرّبع.
وَفِي رِوَايَة عَنهُ: يَجْزِي مِقْدَار الناصية.
وَفِي رِوَايَة ثَالِثَة: قدر ثَلَاث أَصَابِع من أَصَابِع الْيَد.
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَات عَنْهُمَا: يجب استيعابه وَلَا
يَجْزِي سواهُ.
(1/42)
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجب أَن يمسح مِنْهُ
أقل مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الْمسْح.
وَاخْتلفُوا فِي تكْرَار الْمسْح لَهُ، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي
الْمَشْهُور عَنْهُمَا: لَا يسْتَحبّ، رِوَايَة وَاحِدَة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يسْتَحبّ.
وَأَجْمعُوا على أَن الْمسْح على الْعِمَامَة غير مَجْزِي إِلَّا أَحْمد
فَإِنَّهُ أجَاز ذَلِك بِشَرْط أَن يكون من الْعِمَامَة شَيْء تَحت الحنك
رِوَايَة وَاحِدَة، وَهل يشْتَرط أَن يكون قد لبسهَا على طَهَارَة،
فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ، وَأَن كَانَت مُدَوَّرَة لَا ذؤابة لَهَا لم يجز
الْمسْح عَلَيْهَا، وَعَن أَصْحَابه فِي ذَوَات الذؤابة وَجْهَان.
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَنهُ فِي مسح الْمَرْأَة على قناعها المستدير تَحت
حلقها؟ فَروِيَ عَنهُ جَوَاز الْمسْح كعمامة الرجل ذَات الحنك،
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى الْمَنْع كوقاية الْمَرْأَة.
وَاخْتلفُوا فِي المضمضمة وَالِاسْتِنْشَاق، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هما
واجبتان فِي
(1/43)
الطَّهَارَة الْكُبْرَى مسنونان فِي
الصُّغْرَى.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هما مسنونان فيهمَا جَمِيعًا.
وَقَالَ أَحْمد: هما واجبتان فيهمَا.
والمضمضمة هِيَ تَطْهِير دَاخل الْفَم، وَصفَة ذَلِك أَن يُوصل المَاء
إِلَى فِيهِ ثمَّ يخضخضه ويمجه، وَالِاسْتِنْشَاق يظْهر دَاخل الْأنف
وَصفته أَن يجذب المَاء بِنَفسِهِ وينثره وتستحب الْمُبَالغَة فِيهِ إِلَّا
أَن يكون صَائِما.
وَأَجْمعُوا على أَن مسح بَاطِن الْأُذُنَيْنِ وظاهرهما سنة من سنَن
الْوضُوء، إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ رأى مسحهما وَاجِبا فِيمَا نقل عَن
حَرْب عَنهُ، وَقد سُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: يُعِيد الصَّلَاة إِذا تَركه.
وَاخْتلفُوا هَل يمسحان بِمَاء الرَّأْس أَو يَأْخُذ لَهما مَاء جَدِيدا،
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هما من الرَّأْس فيمسحهما بمائه، وَقَالَ
الْمَيْمُونِيّ من أَصْحَاب أَحْمد: رَأَيْت أَحْمد يمسحهما مَعَ الرَّأْس،
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنه يسْتَحبّ أَخذ مَاء جَدِيد.
وَاخْتلفُوا فِي تكْرَار مسح الْأُذُنَيْنِ، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك
وَأحمد فِي إِحْدَى
(1/44)
روايتيه، السّنة فيهمَا مرّة وَاحِدَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: تكْرَار ذَلِك ثَلَاثًا سنة.
وَعَن أَحْمد مثله فِي الرِّوَايَة الَّتِي حسن فِيهَا تكْرَار الْمسْح.
وَاخْتلفُوا فِي مسح الْعُنُق فَقَالَ: أَبُو حنيفَة: هُوَ من سنَن
الْوضُوء، وَقَالَ مَالك: لَيْسَ ذَلِك سنة، وَقَالَ بعض أَصْحَاب
الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: أَنه سنة لِأَن ابْنه عبد اللَّهِ
قَالَ: رَأَيْت أبي كَانَ إِذا مسح رَأسه وَأُذُنَيْهِ فِي الْوضُوء مسح
ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على أَن تَخْلِيل اللِّحْيَة إِذا كَانَت كثة وتخليل
الْأَصَابِع سنة من سنَن الْوضُوء.
(1/45)
وَاخْتلفُوا هَل يجب إمرار المَاء على
المسترسل من اللِّحْيَة؟
فَروِيَ عَن مَالك وَأحمد وُجُوبه، وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ. وَاخْتلف عَن
أبي حنيفَة أَيْضا، فَروِيَ عَنهُ: أَنه لَا يجب وَرُوِيَ وُجُوبه.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يسْتَحبّ تنشيف الْأَعْضَاء من الْوضُوء ثمَّ
اخْتلفُوا هَل يكره إِذا قلم ظفره بعد الْوضُوء؟ إِلَى أَنه يكره إِلَّا
أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه، والصحيحة عَنهُ أَنه لَا يكره.
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فِي اسْتِحْبَاب تَجْدِيد الْوضُوء لكل
صَلَاة هَل ترى فِيهِ فضلا؟ فَقَالَ: لَا أرى فِيهِ فضلا. وَنقل الْمروزِي
قَالَ: رَأَيْت أَبَا عبد اللَّهِ يتَوَضَّأ لكل صَلَاة وَيَقُول: مَا
أحْسنه لمن قوي عَلَيْهِ.
وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز للمحدث مس الْمُصحف.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي حمله بغلافه أَو فِي غلافه، فَقَالَ مَالك
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي
(1/46)
إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: لَا يجوز، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد
فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يجوز.
وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز للْجنب وَالْحَائِض قِرَاءَة آيَة كَامِلَة،
إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يجوز للْجنب أَن يقْرَأ آيَات يسيرَة.
وَاخْتلف عَنهُ فِي الْحَائِض فَروِيَ عَنهُ أَنَّهَا كالجنب.
وَرُوِيَ أَنَّهَا تقْرَأ على الْإِطْلَاق.
وَللشَّافِعِيّ قَول أَنه يجوز للحائض أَن تقرا، حَكَاهُ عَنهُ أَبُو
ثَوْر، قَالَ صَاحب الشَّامِل: وَأَصْحَابه لَا يعْرفُونَ هَذَا القَوْل. |