اختلاف
الأئمة العلماء بَاب الِاسْتِنْجَاء
اخْتلفُوا فِي اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها بالبول وَالْغَائِط،
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَات عَنهُ: لَا يجوز
ذَلِك لَا فِي الصَّحَارِي وَلَا فِي الْأَبْنِيَة.
(1/47)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي
الرِّوَايَة الثَّانِيَة الْمَشْهُورَة: لَا يجوز ذَلِك فِي الصَّحَارِي،
وَيجوز فِي الْبيُوت.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة ثَالِثَة أَنه لَا يجوز استدبارها دون استقبالها،
رَوَاهَا عَنهُ بكر بن مُحَمَّد.
وَاخْتلفُوا فِي وجوب الِاسْتِنْجَاء، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ
مُسْتَحبّ، وَلَيْسَ بِوَاجِب.
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك، فَروِيَ عَنهُ أَنه لَا يجب وَهُوَ
مُسْتَحبّ.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ وَاجِب.
وَاخْتلفُوا فِي وجوب اعْتِبَار عدد الْأَحْجَار من الِاسْتِجْمَار،
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: الِاعْتِبَار بالإنقاء، فَإِن حصل بِحجر
وَاحِد لم يسْتَحبّ الزِّيَادَة عَلَيْهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يعْتَبر مَعَ الانقاء الْعدَد وَهُوَ ثَلَاث
أَحْجَار، حَتَّى لَو أنقى بِدُونِهَا لم يجزه حَتَّى ينقى بهَا، فَإِن لم
ينق بِثَلَاثَة زَاد حَتَّى ينقى.
وَاخْتلفُوا هَل يَجْزِي الِاسْتِنْجَاء بالروث والعظم؟
(1/48)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يجزى،
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَجْزِي.
وَاخْتلف موجبوا الْعدَد فِي الْحجر الَّذِي لَهُ ثَلَاث شعب هَل يقوم
مقَام الثَّلَاث؟ فَقَالَ الشَّافِعِي: يقوم مقامهن، وَاخْتلفت الرِّوَايَة
عَن أَحْمد فَروِيَ الْمَاوَرْدِيّ عَنهُ جَوَاز ذَلِك، وَهُوَ اخْتِيَار
الْخرقِيّ، وَنقل عَنهُ حَنْبَل أَنه لَا يُجزئهُ وأصل كَيْفيَّة
الِاسْتِنْجَاء أَن يبْدَأ بالأحجار فَإِذا أنقي بِهن أتبعهن بِالْمَاءِ،
وَأَن يبْدَأ بمقدمة بعد أَن يستبرئ بالنثر، ثمَّ يعْتَبر فِي الدبر ذهَاب
اللزوجة وَظُهُور الخشونة، فَإِن أنس بحلقه الدبر شَيْئا من غير اللزوجة
تبعه بِأُصْبُعَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء فِيمَا وَرَاء ذَلِك، وَأَن
يكون عدد ذَلِك سبع مَرَّات، وَأَن ينْقض بعد ذَلِك بِشَيْء من المَاء
ليزول عَنهُ الوسواس.
وَإِن اقْتصر على المَاء دون الْحجر فَهُوَ أفضل من أَن يقْتَصر على الْحجر
دون المَاء.
(1/49)
وَالْجمع بَين الْحجر وَالْمَاء أفضل.
بَاب مَا ينْقض من الْوضُوء
اتَّفقُوا على أَن نوم المضطجع والمستند والمتكئ ينْقض الْوضُوء.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن نَام على حَالَة من أَحْوَال الْمُصَلِّين، فَقَالَ
أَبُو حنيفَة: لَا ينْقض وَإِن طَال إِن كَانَ على حَالَة من أَحْوَال
الصَّلَاة، فَإِذا وَقع على جنبه أَو اضْطجع انْتقض وضوءه.
وَقَالَ مَالك: ينْقض فِي حَال الرُّكُوع وَالسُّجُود إِذا طَال دون
الْقيام وَالْقعُود.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا كَانَ قَاعِدا أَي مُمكنا، لم ينْتَقض وضوءه
وينقض فِيمَا عداهُ من الْأَحْوَال فِي الْجَدِيد، وَقَالَ فِي الْقَدِيم:
لَا ينْتَقض وضوءه.
وَعَن أَحْمد رِوَايَات إِحْدَاهُنَّ: إِذا كَانَ يَسِيرا على حَالَة من
أَحْوَال الصَّلَاة وَهِي
(1/50)
أَربع: الْقيام وَالْقعُود وَالرُّكُوع
وَالسُّجُود، لم ينْتَقض الْوضُوء وَإِن طَال نقض.
وَقَالَ فِي هَذِه الرِّوَايَة: إِذا نَام رَاكِعا أَو سَاجِدا، فَإِن
عَلَيْهِ إِعَادَة الرَّكْعَة، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَة الْوضُوء.
وَالثَّانيَِة: لَا ينْقض فِي الْقيام وَالْقعُود كمذهب الْحَنَفِيَّة
وَهُوَ اخْتِيَار الْخرقِيّ، وَالثَّالِثَة اخْتَارَهَا ابْن أبي مُوسَى:
لَا ينْقض فِي حَالَة الْقعُود خَاصَّة وينقض قَائِما.
وَأَجْمعُوا على أَن الْخَارِج من السَّبِيلَيْنِ ينْقض الْوضُوء سَوَاء
كَانَ نَادرا أَو مُعْتَادا قَلِيلا أَو كثيرا نجسا أَو طَاهِرا، إِلَّا
مَالِكًا، فَإِنَّهُ لَا يرى النَّقْض بالنادر كالدود والحصى وَغَيره.
وَاخْتلفُوا فِي خُرُوج النَّجَاسَات من غير السَّبِيلَيْنِ كالقئ والحجامة
والفصادة والرعاف.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الْقَيْء يَسِيرا لَا ينْقض، وَإِن كَانَ
دودا أَو حَصَاة أَو
(1/51)
قِطْعَة لحم، فَإِنَّهُ ينْقض على كل حَال.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا نقض بِشَيْء من ذَلِك على كل حَال.
وَقَالَ أَحْمد فِي ذَلِك كُله: إِن كَانَ كثيرا فَاحِشا نقض رِوَايَة
وَاحِدَة، وَإِن كَانَ يَسِيرا فعلى رِوَايَتَيْنِ ذكرهمَا ابْن أبي مُوسَى
فِي الْإِرْشَاد، أَحدهمَا: ينْقض، وَالثَّانِي: لَا ينْقض.
وَاخْتلفُوا فِي انْتِقَاض الْوضُوء بلمس النِّسَاء.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا نقض على الْإِطْلَاق إِلَّا أَن بَاشَرَهَا
مُبَاشرَة بَالِغَة تَنْتَهِي إِلَى مَا دون الْإِيلَاج.
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ بِشَهْوَة نقض، إِلَّا الْقبْلَة فِي رِوَايَة
أصبغ بن الْفرج فَإِنَّهَا تنقض الْوضُوء على كل حَال.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا لمس امْرَأَة غير ذَات محرم من غير حَائِل
انْتقض وضوءه بِكُل حَال وَله فِي لمس ذَوَات الْمَحَارِم قَولَانِ،
أَحدهمَا: ينْقض الْوضُوء، وَالثَّانِي: لَا ينْقض. ولأصحابه من لمس
الصَّغِيرَة والكبيرة اللَّتَيْنِ لَا يشتهى مثلهمَا وَجْهَان.
(1/52)
وَعَن أَحْمد بن حَنْبَل ثَلَاث رِوَايَات،
الأولى: لَا نقض بِحَال، وَالثَّانيَِة: ينْقض بِكُل حَال، وَالثَّالِثَة
وَهِي الصَّحِيحَة عِنْده: أَنه ينْقض إِن كَانَ بِشَهْوَة، وَإِن كَانَ
بِغَيْر شَهْوَة لَا ينْقض كمذهب مَالك.
وَاخْتلفُوا فِيمَن مس فرج غَيره. فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: ينْقض وضوء
اللامس، وَإِن كَانَ الملموس صَغِيرا أَو كَبِيرا حَيا أَو مَيتا. وَقَالَ
مَالك ": ينْقض إِلَّا من الصَّغِير.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينْقض بِحَال.
وَاخْتلفُوا فِي وضوء الملموس هَل ينْقض أَيْضا؟ فأنزله مَالك منزلَة
اللامس، وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ أظهرهمَا أَنه لَا ينْتَقض طهر
الملموس.
(1/53)
وَعَن احْمَد رِوَايَتَانِ.
وَاتَّفَقُوا فِيمَن مس فرجه بِغَيْر يَده من أَعْضَائِهِ أَنه لَا ينْقض
وضوءه.
وَاخْتلفُوا فِيمَن مَسّه بباطن كَفه، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينْقض
وضوءه، وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: ينْقض، وَعَن
أَحْمد فِي رِوَايَة أُخْرَى: أَنه لَا ينْقض. وَقَالَ مَالك فِي رِوَايَة
المصريين مثل ذَلِك، وَفِي رِوَايَة الْعِرَاقِيّين المراعاة للذة، فَإِن
وجدت انْتقض، وَإِن لم تُوجد لم ينْتَقض كلمس النَّاسِي وَهُوَ الَّذِي
نَصره أَصْحَابه، وَأجْمع من رأى الانتقاض بِهِ على أَن ذَلِك فِيمَا إِذا
كَانَ من غير حَائِل أما إِذا كَانَ من وَرَاء حَائِل لم ينْتَقض الْوضُوء
بِحَال إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ لَا فرق عِنْده بَين وجود الْحَائِل
وَعَدَمه إِذا لم يكن من الصفاقة بِحَيْثُ يمْنَع اللَّذَّة الْمُعْتَبرَة
عِنْده، فَإِن
(1/54)
مَسّه بأصبع زَائِدَة أَو بِحرف كَفه أَو
بِمَا بَين الْأَصَابِع فلأصحابه فِيهِ وَجْهَان أصَحهمَا لَا ينْتَقض.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا ينْقض بِكُل حَال.
وَقَالَ أَحْمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: ينْقض.
وَأَجْمعُوا على أَنه لَا وضوء على من مس أنثييه، سَوَاء كَانَ من وَرَاء
حَائِل أَو من غير حَائِل.
وَأَجْمعُوا على أَن من لمس الْغُلَام الْأَمْرَد، وَإِن كَانَ بِشَهْوَة
لَا ينْقض وضوءه إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: ينْقض وضوء، وَوَافَقَهُ
أَبُو سعيد الاصطخري من أَصْحَاب الشَّافِعِي.
وَاخْتلفُوا فِي الْمَرْأَة تمس فرجهَا هَل ينْقض وضوءها؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا ينْتَقض وضوءها.
وَقَالَ الشَّافِعِي: ينْقض وضوءها قولا وَاحِدًا.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا رِوَايَة الْمروزِي قَالَ: وَقد
سُئِلَ عَن الْمَرْأَة تمس فرجهَا هَل هِيَ مثل الرجل تتوضأ؟ فَقَالَ: لم
أسمع فِيهِ شَيْئا إِنَّمَا سَمِعت فِي الرجل.
فَظَاهر هَذَا أَنه لَا يجب الْوضُوء.
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: أَنَّهَا ينْتَقض وضوءها.
وَاخْتلفُوا فِيمَن مس حلقه الدبر، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد
فِي إِحْدَى
(1/55)
الرِّوَايَتَيْنِ: لَا ينْقض وضوءه.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: ينْتَقض وضوءه.
وَللشَّافِعِيّ قَول آخر أَنه لَا ينْقض، حَكَاهُ ابْن القَاضِي عَنهُ.
وَأَجْمعُوا على أَن أكل لحم الْجَزُور وَالرِّدَّة، وَالْعِيَاذ بِاللَّه،
وَغسل الْمَيِّت لَا ينْقض الْوضُوء إِلَّا أَحْمد فَإِن ذَلِك كُله عِنْده
ينْقض الْوضُوء.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: أكل لحم الْجَزُور ينْقض الْوضُوء،
حَكَاهُ ابْن الْقَاص.
وَأَجْمعُوا على أَن القهقهة فِي الصَّلَاة تبطلها. وَاخْتلفُوا فِي
انْتِقَاض الْوضُوء بهَا، فَقَالُوا: لَا ينْقض الْوضُوء إِلَّا أَبَا
حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: تنقض الْوضُوء أَيْضا فِي صَلَاة ذَات رُكُوع
وَسُجُود.
وَأَجْمعُوا على أَن من تَيَقّن الطَّهَارَة وَشك فِي الْحَدث فَهُوَ على
الطَّهَارَة إِلَّا
(1/56)
مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يَبْنِي على الْحَدث وَيتَوَضَّأ.
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى كمذهب الْجَمَاعَة. |