اختلاف الأئمة العلماء

بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ

أَجمعُوا على جَوَاز الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.
وَاتَّفَقُوا على جَوَازه فِي الْحَضَر إِلَّا فِي رِوَايَة عَن مَالك.
وَاتَّفَقُوا على أَن مُدَّة هَذَا الْمسْح فِي حَالَة السّفر والحضر توقيته للْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام بلياليهن، وللمقيم يَوْم وَلَيْلَة. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ لَا تَوْقِيت لَهُ عِنْده.
وَحكى الزَّعْفَرَانِي عَن الشَّافِعِي إِنَّه قَالَ: لَا تَوْقِيت بِحَال إِلَّا أَنه قَالَ: إِلَّا أَن يجب عَلَيْهِ غسل ثمَّ رَجَعَ عَن ذَلِك.

(1/68)


وَاتَّفَقُوا على أَن الْمسْح لما حَاذَى ظَاهر الْقَدَمَيْنِ.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل يسن مسح مَا حَاذَى بَاطِن الْقَدَمَيْنِ أَيْضا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يسن.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يسن.
وَاتَّفَقُوا فِي قدر الْإِجْزَاء من الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُجزئ قدر ثَلَاث أَصَابِع وصاعدا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الْمسْح.
وَمذهب أَحْمد مسح الْأَكْثَر.
وَمَالك يرى الِاسْتِيعَاب لمحل الْفَرْض فِي الْمسْح حَتَّى لَو أخل بمسح مَا يُحَاذِي بَاطِن الْقدَم، أعَاد الصَّلَاة اسْتِحْبَابا فِي الْوَقْت.
وَأَجْمعُوا على أَن الْمسْح على الْخُفَّيْنِ مرّة وَاحِدَة يُجزئ.
وَأَجْمعُوا على أَنه مَتى نزع إِحْدَى الْخُفَّيْنِ، وَجب عَلَيْهِ نزع الآخر.
وَهل يُعِيد الْوضُوء أم يقْتَصر على غسل الرجلَيْن؟ فَفِيهِ عِنْد الشَّافِعِيَّة خلاف.
وَأَجْمعُوا على أَن من أكمل طَهَارَته، ثمَّ لبس الْخُفَّيْنِ وَهُوَ مُسَافر سفرا مُبَاحا

(1/69)


تقصر فِي مثله الصَّلَاة، ثمَّ أحدث لَهُ أَن يمسح عَلَيْهِمَا.
وَاتَّفَقُوا على أَن ابْتِدَاء مُدَّة الْمسْح من وَقت الْحَدث لَا من وَقت الْمسْح، إِلَّا رِوَايَة عَن أَحْمد أَنه من وَقت الْمسْح إِلَى الْمسْح.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا انْقَضتْ مُدَّة الْمسْح بطلت طَهَارَة الرجلَيْن إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ على أَصله فِي ترك مُرَاعَاة التَّوْقِيت.
وَاخْتلفُوا هَل يبطل جَمِيع الْوضُوء بخلع الْخُفَّيْنِ، أَو بِانْقِضَاء مُدَّة الْمسْح؟ . فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يغسل رجلَيْهِ وَيصِح وضوءه.
وَقَالَ مَالك: كَذَلِك فِي الْخلْع للخفين، فَأَما انْقِضَاء مُدَّة الْمسْح فَلَا نتصور الْبطلَان عِنْده بذلك لِأَنَّهُ لَا يرى التَّوْقِيت.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: يبطل جَمِيع الْوضُوء، وَالْآخر: يغسل رجلَيْهِ خَاصَّة.

(1/70)


وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا انه يبطل جَمِيع الْوضُوء، ويستأنف. وَالْأُخْرَى قَالَ فِيهَا: أَرْجُو أَن يُجزئهُ، يَعْنِي غسل الرجلَيْن، وَفِي نطق أَجزَاء لِأَحْمَد أعجب إِلَيّ وَأحب إِلَيّ أَن يُعِيد الْوضُوء.
وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز إِلَّا أَن يَكُونَا من جُلُود أَو مجلدين أَو منعلين.
وَقَالَ أَحْمد: يجوز الْمسْح عَلَيْهِمَا إِذا كَانَا تخينين لَا ينقطعان إِذا مَشى فيهمَا.
وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد صاحبا أبي حنيفَة.

بَاب الْحيض

أَجمعُوا على أَن من أَحْدَاث النِّسَاء الْحيض.
قَالَ أهل اللُّغَة: الْحيض نزُول دم الْمَرْأَة لوَقْتهَا الْمُعْتَاد.
وَأَجْمعُوا على أَن فرض الصَّلَاة سَاقِط عَن الْحَائِض مُدَّة حَيْضهَا وَأَنه لَا يجب عَلَيْهَا قَضَاؤُهُ.
وَأَجْمعُوا على أَن فرض الصَّوْم عَلَيْهَا حَال الْحيض غير سَاقِط عَنْهَا مُدَّة حَيْضهَا إِلَّا أَنَّهَا يحرم الصَّوْم عَلَيْهَا فِي حَال حَيْضهَا وَيجب عَلَيْهَا قَضَاؤُهُ.

(1/71)


وَأَجْمعُوا على أَنه يحرم عَلَيْهَا الطّواف بِالْبَيْتِ.
وَأَجْمعُوا على أَنه يحرم عَلَيْهَا اللّّبْث فِي الْمَسْجِد.
وَأَجْمعُوا على أَنه يحرم وطئ الْحَائِض فِي الْفرج، حَتَّى يَنْقَطِع حَيْضهَا.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا رَأَتْ الطُّهْر وَلم تَغْتَسِل.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن انْقَطع لأكْثر الْحيض كعشرة أَيَّام جَازَ وَطئهَا، وَإِن كَانَ لأقله لم يجز حَتَّى تَغْتَسِل أَو يمضى عَلَيْهَا آخر وَقت صَلَاة، فَيجب عَلَيْهَا الصَّلَاة وَهَذَا إِذا كَانَت مُبتَدأَة لَهَا عَادَة مَعْرُوفَة، وَانْقطع لعادتها.
فَأَما إِذا انْقَطع بِدُونِ عَادَتهَا فَلَا يَطَأهَا الزَّوْج، وَإِن اغْتَسَلت وصلت حَتَّى تستكمل عَادَتهَا احْتِيَاطًا.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يحل وَطئهَا حَتَّى تَغْتَسِل.
وَاخْتلفُوا فِيمَا يحل الِاسْتِمْتَاع بِهِ من الْحَائِض.
فَقَالَ أَبُو حنفية وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يحل لَهُ مُبَاشرَة مَا فَوق الْإِزَار وَيحرم عَلَيْهِ مَا بَين السُّرَّة وَالركبَة.

(1/72)


وَقَالَ أَحْمد: يجوز لَهُ وَطئهَا فِيمَا دون الْفرج.
وَوَافَقَهُ مُحَمَّد بن الْحسن، وَأصبغ بن الْفرج من كبار أَصْحَاب مَالك، وَبَعض أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي الْمَشْهُور عَنهُ.
وَاخْتلفُوا فِي الْحَائِض يَنْقَطِع حَيْضهَا وَلَا تَجِد مَاء.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يحل وَطئهَا حَتَّى تتيمم وَتصلي بِهِ.
وَقَالَ مَالك: لَا يحل وَطئهَا حَتَّى تَغْتَسِل.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يحل وَطئهَا إِذا تيممت، وَلَو لم تصل بِهِ.
وَاخْتلفُوا فِي أقل سنّ تحيض فِيهِ الْمَرْأَة.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: أَقَله تسع سِنِين.
وَقَالَ الشَّافِعِي: وأعجب مَا سَمِعت من أَن نسَاء تهَامَة يحضن لتسْع سِنِين. وَقَالَ فِي بعض كتبه: رَأَيْت جدة لَهَا إِحْدَى وَعشْرين سنة. وَاخْتلفُوا فِي أقل الْحيض وَأَكْثَره.

(1/73)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَقَله ثَلَاثَة أَيَّام بلياليهن وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام.
وَقَالَ مَالك: لَا حد لأقله، فَلَو رَأَتْ بقْعَة كَانَ حيضا وَأَكْثَره خَمْسَة عشر يَوْمًا.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: أَقَله يَوْم وَلَيْلَة.
وَرُوِيَ عَنْهُمَا: يَوْم وَأَكْثَره خَمْسَة عشر يَوْمًا.
وَاخْتلفُوا فِي المبتدأة إِذْ رَأَتْ الدَّم وَجَاوَزَ دَمهَا أَكثر الْحيض.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجْلِس أَكثر الْحيض عِنْده.
وَعَن مَالك ثَلَاث رِوَايَات إِحْدَاهَا تجْلِس عِنْد أَكثر الْحيض، ثمَّ تكون مُسْتَحَاضَة وَهِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم وَغَيره.
وَالثَّانيَِة: تجْلِس عَادَة نسائها.
وَالثَّالِثَة: تستظهر بِثَلَاثَة أَيَّام مَا لم تجَاوز خَمْسَة عشر يَوْمًا وَهِي رِوَايَة وهب وَغَيره.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَت مُمَيزَة فَقَوْلَانِ، أَحدهمَا: ترد إِلَى أقل الْحيض عِنْده، وَالْآخر إِلَى غَالب عَادَة النِّسَاء.

(1/74)


وَعَن أَحْمد أَربع رِوَايَات، إِحْدَاهَا: تجْلِس أقل الْحيض عِنْده اخْتَارَهَا أَبُو بكر، وَالثَّانيَِة: تجْلِس سِتا أَو سبعا وَهُوَ الْغَالِب من عادات النِّسَاء، اخْتَارَهَا الْخرقِيّ. وَالثَّالِثَة: تجْلِس أَكثر الْحيض عِنْده. وَالرَّابِعَة: تجْلِس عَادَة نسائها هَذَا فِي المبتدأة.
والمميزة الَّتِي تميز بَين الدمين أَي تفرق بَين دم الْحيض وَدم الِاسْتِحَاضَة باللون والقرام وَالرِّيح القذر. فدم الْحيض أسود تخين، وَدم الِاسْتِحَاضَة أَحْمَر رَقِيق لَا نَتن فِيهِ.
وَاخْتلفُوا فِي الْمُسْتَحَاضَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: ترد إِلَى عَادَتهَا إِن كَانَ لَهَا عَادَة، فَإِن كَانَت لَهَا عَادَة فَلَا اعْتِبَار بالتمييز، فَإِن كَانَت مُمَيزَة ردَّتْ إِلَيْهِ. وَإِن لم تكن لَهَا تَمْيِيز بِأَن لم تَحض أصلا وصلت أبدا، وَهَذَا فِي الشَّهْر الثَّانِي وَالثَّالِث، فَأَما فِي الشَّهْر الأول فَلهُ رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: تجْلِس أَكثر الْحيض عِنْده.
وَالثَّانيَِة: تجْلِس أَيَّامهَا الْمَعْرُوفَة فِيهِ، وتستظهر بعد ذَلِك بِثَلَاثَة أَيَّام وتغتسل وتوطأ.
وَظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي أَنه إِن كَانَ لَهَا تَمْيِيز وَعَادَة قدم التَّمْيِيز على الْعَادة،

(1/75)


وَإِن عدم التَّمْيِيز، ردَّتْ إِلَى الْعَادة وَإِن عدما مَعًا صَارَت مُبتَدأَة، وَقد مضى حكمهَا عِنْده.
وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَ لَهَا عَادَة وتمييز ردَّتْ إِلَى الْعَادة، فَإِن عدمت الْعَادة ردَّتْ إِلَى التَّمْيِيز، وَإِن عدما مَعًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهمَا: تجْلِس أقل الْحيض عِنْده، وَالْأُخْرَى: تجْلِس غَالب عَادَة النِّسَاء سِتا أَو سبعا.
وَاخْتلفُوا فِي الْحَامِل هَل تحيض؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا تحيض.
وَقَالَ مَالك: تحيض.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا هَل لانْقِطَاع الْحيض أمد؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي رِوَايَته عَن الْحسن بن زِيَاد: من خمس وَخمسين إِلَى سِتِّينَ.

(1/76)


وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: فِي الرِّوَايَات خمس وَخَمْسُونَ سنة وَفِي المولدات سِتُّونَ سنة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ لَهُ حد، وَإِنَّمَا الرُّجُوع فِيهِ إِلَى الْعَادَات فِي الْبلدَانِ فَإِنَّهُ يخْتَلف باختلافها.
فيسرع الْيَأْس فِي الْبِلَاد الحارة، ويتأخر فِي الْبِلَاد الْبَارِدَة.
وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَات عَن عَائِشَة: خَمْسُونَ سنة فِي العربيات، وَفِي غَيْرهنَّ، وَالثَّانيَِة سِتُّونَ، وَالثَّالِثَة إِذا كن عربيات فالغاية سِتُّونَ وَإِن كن قبطيات أَو عجميات فخمسون. وَاخْتلفُوا فِي وطئ الْمُسْتَحَاضَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هُوَ مُبَاح.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يكره، وَلَا يلْزم بِهِ شَيْء.
وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يحرم إِلَّا أَن يخَاف الْعَنَت، وَهُوَ الْفُجُور، واختارها الْخرقِيّ.
وَالطُّهْر من الْحيض مَتى أطلقناه فلسنا نعني بِهِ إِلَّا مَا ترَاهُ النِّسَاء عِنْد انْقِطَاع الْحيض وَهُوَ الْقِصَّة الْبَيْضَاء.
أَجمعُوا على أَن النّفاس من أَحْدَاث النِّسَاء، وَأَنه يحرم مَا يحرمه الْحيض وَيسْقط مَا يسْقطهُ.
قَالَ أهل اللُّغَة: وَالنُّفَسَاء سميت بذلك لسيلان الدَّم وَالدَّم يُسمى نفسا.

(1/77)


قَالَ الشَّاعِر:
(تسيل على حد السيوف نفوسنا ... وَلَيْسَ على غير السيوف تسيل)

وَاخْتلفُوا فِي أَكثر النّفاس:
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: أَكْثَره سِتُّونَ يَوْمًا.
وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى أَنه لَا حد لأكثره بل تجْلِس أقْصَى مَا تجْلِس النِّسَاء وَترجع فِي ذَلِك إِلَى أهل الْعلم والخبرة مِنْهُنَّ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا انْقَطع دم النُّفَسَاء قبل الْغَايَة هَل تُوطأ؟ فَقَالُوا: تُوطأ، إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ كره وَطئهَا حَتَّى تتمّ الْغَايَة عِنْده وَهِي أَرْبَعُونَ يَوْمًا.

(1/78)