اختلاف الأئمة العلماء

كتاب الصَّلَاة

أَجمعُوا على أَن الصَّلَاة أحد أَرْكَان الْإِسْلَام الْخَمْسَة. قَالَ تَعَالَى: {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتا} .
وَأَجْمعُوا على أَنَّهَا خمس صلوَات.
وَأَجْمعُوا على أَنَّهَا سَبْعَة عشر رَكْعَة.
الْفجْر رَكْعَتَانِ، وَالظّهْر أَربع، وَالْعصر أَربع، وَالْمغْرب ثَلَاث، وَالْعشَاء أَربع.
وَأَجْمعُوا على أَن اللَّهِ فَرضهَا على كل مُسلم بَالغ عَاقل، وعَلى كل مسلمة بَالِغَة عَاقِلَة، خَالِيَة من حيض ونفاس.
وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يسْقط فَرضهَا فِي حق من جرى عَلَيْهِ التَّكْلِيف من الرِّجَال الْعُقَلَاء الْبَالِغين، وخطابهم إِلَى مُعَاينَة الْمَوْت وَأُمُور الْآخِرَة، وَكَذَلِكَ النِّسَاء سَوَاء مَا اختصصن بِهِ من الحدثين الْمَذْكُورين إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: إِذا عجز عَن الْإِيمَاء بِرَأْسِهِ، سقط الْفَرْض عَنهُ.
وَأَجْمعُوا على أَن من وَجَبت عَلَيْهِ الصَّلَاة من المخاطبين بهَا ثمَّ امْتنع مِنْهَا جاحدا لوُجُوبهَا عَلَيْهِ، فَهُوَ كَافِر وَيجب قَتله ردة.

(1/79)


ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن تَركهَا وَلم يصل وَهُوَ مُعْتَقد لوُجُوبهَا.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يقتل إِجْمَاعًا مِنْهُم.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحبس أبدا حَتَّى يصلى من غير قتل. ثمَّ اخْتلف موجبوا قَتله بعد ذَلِك فِي تَفْصِيل هَذِه الْجُمْلَة.
فَقَالَ مَالك: يقتل حدا، وَقَالَ ابْن حبيب من أَصْحَابه: يقتل كفرا.
وَلم تخْتَلف الرِّوَايَة عَن مَالك أَنه بِالسَّيْفِ.
وَإِذا قتل حدا على المستقري من مَذْهَب مَالك، فَإِنَّهُ يُورث وَيُصلي عَلَيْهِ وَله حكم أموات الْمُسلمين.
وَقَالَ الشَّافِعِي " إِذا ترك الصَّلَاة مُعْتَقدًا بِوُجُوبِهَا وأقيم عَلَيْهِ الْحَد، فَيقْتل حدا وَحكمه حكم أموات الْمُسلمين.
وَاخْتلف أَصْحَابه مَتى يقتل؟ ، فَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة: ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي يقتل إِذا ضَاقَ وَقت الصَّلَاة الأولى، وَهَكَذَا ذكر صَاحب الْحَاوِي.

(1/80)


وَقَالَ أَبُو سعيد الآصطخري: يقتل بترك الصَّلَاة الرَّابِعَة، إِذا ضَاقَ وَقتهَا ويستتاب قبل الْقَتْل.
وَاخْتلفُوا أَيْضا كَيفَ يقتل، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ: الْمَنْصُوص أَنه يقتل ضربا بِالسَّيْفِ إِلَّا أَن ابْن سُرَيج قَالَ: لَا يقتل بِالسَّيْفِ وَلَكِن يحبس وَيضْرب بالخشب حَتَّى يُصَلِّي أَو يَمُوت.
وَاخْتلفُوا أَيْضا هَل يكفر بِتَرْكِهَا مَعَ اعْتِقَاد وُجُوبهَا، فَمنهمْ من قَالَ: يكفر بِمُجَرَّد تَركهَا لظَاهِر الحَدِيث، وَمِنْهُم من قَالَ: لَا يحكم بِكُفْرِهِ، وَتَأَول الحَدِيث على الِاعْتِقَاد.
وَقَالَ أَحْمد: من ترك الصَّلَاة متهاونا كسلا وَهُوَ غير جَاحد وُجُوبهَا، فَإِنَّهُ يقتل رِوَايَة وَاحِدَة.
وَاخْتلف عَنهُ مَتى يجب قَتله على ثَلَاث رِوَايَات.
إِحْدَاهُنَّ: أَنه مَتى ترك صَلَاة وَاحِدَة وضاق وَقت الثَّانِيَة ودعي لفعلها وَلم يصل قتل، نَص عَلَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَار أَكثر أَصْحَابه، وَفرق أَبُو إِسْحَاق بن شاقلا فَقَالَ: إِن ترك صَلَاة إِلَى وَقت الصَّلَاة أُخْرَى لَا تجمع مَعهَا مثل أَن يتْرك الْفجْر إِلَى الظّهْر وَالْعصر إِلَى الْمغرب قتل، وَإِن ترك صَلَاة لوقت صَلَاة أُخْرَى تجمع مَعهَا كالمغرب إِلَى الْعشَاء، وَالظّهْر إِلَى الْعَصْر، لم يقتل.
وَالثَّانيَِة: إِذا ترك ثَلَاث صلوَات مُتَوَالِيَات وتضايق وَقت الرَّابِعَة، ودعى إِلَى

(1/81)


فعلهَا وَلم يصل، قتل.
وَالثَّالِثَة: أَنه يدعى إِلَيْهَا ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن صلى وَإِلَّا قتل، رَوَاهُ الْمروزِي.
واختارها الْخرقِيّ، وَيقتل بِالسَّيْفِ رِوَايَة وَاحِدَة.
وَاخْتلف عَنهُ هَل وَجب قَتله حدا أَو كفرا على رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهمَا: أَنه يقتل لكفره كالمرتد، وَيجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُرْتَدين فَلَا يُورث وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ وَيكون مَاله فَيْئا، وَهُوَ اخْتِيَار الْجُمْهُور من أَصْحَابه.
وَالثَّانيَِة: أَنه يقتل حدا وَحكمه حكم أموات الْمُسلمين، وَهُوَ اخْتِيَار أبي عبد اللَّهِ بن بطة.
وَأَجْمعُوا على أَن الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة من الْفُرُوض الَّتِي تصح فِيهَا النِّيَابَة بِنَفس وَلَا مَال.
وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز تَأْخِير الصَّلَاة حَتَّى يخرج وَقتهَا لمن كَانَ مستيقظا ذَاكِرًا قَادِرًا على فعلهَا غير ذِي عذر وَلَا مُرِيد لجمع.
قَالَ أهل اللُّغَة: وَالدُّعَاء عِنْد الْعَرَب بِمَعْنى الصَّلَاة، قَالَ تَعَالَى: {وصل عَلَيْهِم} أَي أدع لَهُم، وَسميت الصَّلَاة صَلَاة لما فِيهَا من الدُّعَاء، وَقيل: من صليت الْعود إِذْ ألينته، فالمصلي قد يلين ويخشع.
وَقيل من الصَّلَاة وَهُوَ عظم الْعَجز يرْتَفع عِنْد الرُّكُوع وَالسُّجُود.

بَاب أَوْقَات الصَّلَاة

اخْتلفُوا فِي وَقت وجوب الصَّلَاة.

(1/82)


فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: الصَّلَاة تجب بِأول الْوَقْت.
وَقَالَ بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة: تجب بِآخِرهِ.
وَاتَّفَقُوا على أَن وَقت الظّهْر إِذا زَالَت الشَّمْس، وَلَا يجوز أَن يُصَلِّي قبل الزَّوَال.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي آخر وَقت الظّهْر.
فَقَالَ الشَّافِعِي: قَول وَاحِد آخر وَقتهَا إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله غير الظل الَّذِي يكون للشَّخْص عِنْد الزَّوَال فَإِنَّهُ يطول وَيقصر بِحَسب اخْتِلَاف الزَّمَان، وَإِذا صَار كل شَيْء مثله، وَزَاد أدنى زِيَادَة فقد خرج وَقت الظّهْر وَدخل وَقت الْعَصْر، فَإِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ، وَزَاد أدنى زِيَادَة فَهُوَ آخر وَقت الْعَصْر.
وَاخْتلف عَن أبي حنيفَة، فَروِيَ عَنهُ كمذهب الشَّافِعِي وَأحمد، وَهُوَ اخْتِيَار أبي يُوسُف وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ وَهُوَ آخر وَقت الظّهْر، فَإِذا زَاد شَيْئا وَجب الْعَصْر، وَرُوِيَ عَنهُ أَن آخر وَقتهَا إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ فبينهما وَقت لَيْسَ من وقتهما، وَآخر وَقت الْعَصْر إصفرار الشَّمْس.
وَقَالَ مَالك: وَقت الظّهْر الْمُخْتَار من أول زَوَال الشَّمْس إِلَى أَن يصير ظلّ كل

(1/83)


شَيْء مثله.
فَإِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله فَهُوَ آخر وَقت الظّهْر الْمُخْتَار وَهُوَ بِعَيْنِه أول وَقت الْعَصْر الْمُخْتَار، وَيكون وقتا لَهما ممتزجا بَينهمَا، فَإِذا زَاد على الْمثل زِيَادَة بَيِّنَة خرج وَقت الظّهْر الْمُخْتَار، واختص الْوَقْت بالعصر وَلَا يزَال ممتدا إِلَى أَن يصير ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ وَذَلِكَ آخر وَقت الْعَصْر الْمُخْتَار، وينتقل مَا كَانَ من الِاخْتِيَار فِي الظّهْر إِلَى أَن يبْقى للغروب قدر خمس رَكْعَات، أَربع لِلظهْرِ وركعة للعصر، فَحِينَئِذٍ يستويان فِي الضَّرُورَة وَقَوله: إِذا صَار ظلّ كل شَيْء مثله سَوَاء فِي الْأَشْخَاص عِنْد الزَّوَال أَيْضا. وَقَول أبي حنيفَة وَمَالك: إِذا صَار كل شَيْء مثله أَنَّهُمَا أَيْضا يعتبران ذَلِك من وَقت تناهي نقصانه وَأخذ فِي الزِّيَادَة لَا من أَصله كَمَا ذكرنَا عَن الشَّافِعِي وَأحمد فَهُوَ اتِّفَاق مِنْهُم.
وَاخْتلفُوا فِي وَقت الْمغرب.

(1/84)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَهَا وقتان فَأول وَقتهَا إِذا غَابَتْ الشَّمْس وَآخره حِين يغيب الشَّفق.
وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَالشَّافِعِيّ فِي أظهر قوليه: لَهَا وَقت وَاحِد مضيق مِقْدَار آخر الْفَرَاغ مِنْهَا.
وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى رَوَاهَا عَنهُ ابْن وهب: أَن لَهَا وقتان.
وَاخْتلفُوا فِي الشَّفق الَّذِي يدْخل وَقت الْعشَاء بغيبوبته.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ الْحمرَة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ الْبيَاض.
وَأهل اللُّغَة على القَوْل الأول، وَقَالَ الْخَلِيل وَالْفراء وَابْن دُرَيْد: الشَّفق الْحمرَة.
وَقَالَ الْفراء: سَمِعت بعض الْعَرَب يَقُول: وَعَلِيهِ ثوب مصبوغ كَأَنَّهُ الشَّفق وَكَانَ أَحْمَر.
وَاخْتلفُوا فِي آخر وَقت الْعشَاء الْمُخْتَار.

(1/85)


فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنْهُمَا: إِلَى ثلث اللَّيْل. وَاخْتلف أَصْحَاب أبي حنيفَة فَمنهمْ من قَالَ: إِلَى قبل ثلث اللَّيْل، وَمِنْهُم من قَالَ: إِلَى ثلث اللَّيْل، وَمِنْهُم من قَالَ: إِلَى نصف اللَّيْل.
وَهَذَا القَوْل الآخر للشَّافِعِيّ وَالرِّوَايَة عَن أَحْمد.
وَقَالَ مَالك: وَقت الضَّرُورَة للمغرب وَالْعشَاء إِلَى قبل طُلُوع الْفجْر بِمِقْدَار أَربع رَكْعَات، ثَلَاثَة للمغرب وَوَاحِدَة من الْعشَاء، وَهُوَ القَوْل الآخر للشَّافِعِيّ وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: وَقت الْعشَاء الْآخِرَة للضَّرُورَة إِلَى أَن يطلع الْفجْر فَمن أدْرك من الْعشَاء الْآخِرَة رَكْعَة قبل طُلُوع الْفجْر فقد أدْركهَا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: وَقت الْجَوَاز إِلَى أَن يطلع الْفجْر.
وَاتَّفَقُوا على أَن أول وَقت الْفجْر طُلُوع الْفجْر الثَّانِي الْمُنْتَشِر وَلَا ظلمَة بعده، وَآخر وَقتهَا الْمُخْتَار إِلَى أَن يسفر.
وَاخْتلفُوا هَل الْأَفْضَل تَقْدِيم صَلَاة الْفجْر من أول الْوَقْت؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْإِسْفَار أفضل إِلَّا بِالْمُزْدَلِفَةِ.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْأَفْضَل التغليس.
وَعَن احْمَد رِوَايَة أَنه يعْتَبر حَال الْمُصَلِّين، فَإِن شقّ عَلَيْهِم التغليس كَانَ لإسفار أفضل.
واجمعوا على أَن وَقت الضَّرُورَة إِلَى طُلُوع الشَّمْس.
وَأَجْمعُوا على أَن الْأَفْضَل تَأْخِير الظّهْر عَن وَقت جَوَاز فعلهَا من يَوْم الْغَيْم

(1/86)


إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا غلب على ظَنّه وَقتهَا صلاهَا من غير تَأْخِير.
وَعَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: إِذا كَانَت السَّمَاء مغيمة رَاعى الشَّمْس فَإِذا برز لَهُ مِنْهَا مَا يدله وَإِلَّا أخر حَتَّى يرى أَنه صلاهَا آخر الْوَقْت واحتاط بتأخيرها مَا بَينه وَبَين أَن يخَاف دُخُول وَقت الْعَصْر.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْأَفْضَل تَأْخِير الظّهْر فِي شدَّة الْحر إِذا كَانَ يُصليهَا فِي مَسْجِد الْجَمَاعَات خلافًا لبَعض أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي اعْتِبَار ذَلِك فِي الْبِلَاد الحارة دون غَيرهَا.
وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب تَعْجِيل الظّهْر فِي الشتَاء إِذا لم يكن برود وَفِي الصَّيف إِذا لم يصل فِي مَسَاجِد الْجَمَاعَات. إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يسْتَحبّ لمساجد الْجَمَاعَات يؤخروها إِلَى أَن يصير الْفَيْء ذِرَاعا.
وَاخْتلفُوا هَل الْأَفْضَل فِي صَلَاة الْعَصْر التَّقْدِيم أَو التَّأْخِير فِي جَمِيع الْأَزْمِنَة؟
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: التَّأْخِير مَا لم تصفر الشَّمْس.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تَقْدِيمهَا أفضل.
وَاخْتلفُوا فِي الصَّلَاة الْوُسْطَى.

(1/87)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هِيَ الْعَصْر.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: هِيَ الْفجْر، وَالْقَوْل الآخر وَهُوَ أظهرهمَا: أَنَّهَا الْعَصْر.
وَاخْتلفُوا فِي الْمغمى عَلَيْهِ.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِذا كَانَ إغماؤه لسَبَب محرم مثل أَن يشرب خمرًا أَو دَوَاء لم يحْتَج إِلَيْهِ، لم تسْقط الصَّلَاة عَنهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاء فرضا، فَإِن أُغمي عَلَيْهِ بجنون أَو مرض أَو سَبَب مُبَاح سقط عَنهُ قَضَاء مَا كَانَ فِي حَال إغمائه من الصَّلَاة على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الْإِغْمَاء يَوْمًا وَلَيْلَة فَمَا دون ذَلِك لم يمْنَع وجوب الْقَضَاء، وَإِن زَاد على ذَلِك لم يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء، وَلم يفرق بَين أَسبَاب الْإِغْمَاء.
وَقَالَ أَحْمد: الْإِغْمَاء بِجَمِيعِ أَسبَابه لَا يمْنَع وجوب الْقَضَاء بِحَال.

بَاب الْأَذَان

أَجمعُوا على أَن الْأَذَان وَالْإِقَامَة مشروعان للصَّلَاة الْخمس وَالْجُمُعَة.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبهَا، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: هما سنتَانِ.

(1/88)


وَقَالَ أَحْمد: فرض على أهل الْأَمْصَار على الْكِفَايَة إِذا قَامَ بهما بَعضهم أَجْزَأَ عَن جَمِيعهم.
وَاتَّفَقُوا على أَن النِّسَاء لَا يشرع فِي حقهن الْأَذَان وَلَا يسن.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْإِقَامَة هَل تسن فِي حقهن أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا يسن لَهُنَّ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يسن لَهُنَّ.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِن أجتمع أهل بلد على ترك الْأَذَان وَالْإِقَامَة قوتلوا على ذَلِك، فَإِنَّهُ من شَعَائِر الْإِسْلَام فَلَا يجوز تعطيله.
اخْتلفُوا فِي صفة الْأَذَان.
فَاخْتَارَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: أَذَان بِلَال.
وَاخْتَارَ مَالك وَالشَّافِعِيّ أَذَان أبي مَحْذُورَة

(1/89)


فالأذان عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد: اللَّهِ أكبر اللَّهِ أكبر، اللَّهِ أكبر اللَّهِ أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، حَيّ على الصَّلَاة، مرَّتَيْنِ، حَيّ على الْفَلاح، مرَّتَيْنِ، اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ، لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ.
وَاخْتلف مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي صفة الْأَذَان مَعَ اختيارهما أَذَان أبي مَحْذُورَة، فالأذان عِنْد مَالك سَبْعَة عشر كلمة: اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، لَا يرفع بالتشهد من صَوته، ثمَّ يرجع فَيَقُول رَافعا صَوته: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، حَيّ على الصَّلَاة، مرَّتَيْنِ حَيّ على الْفَلاح مرَّتَيْنِ، اللَّهِ أكبر اللَّهِ أكبر، لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ.
وَالْأَذَان عِنْد الشَّافِعِي تِسْعَة عشر كلمة: اللَّهِ أكبر، أَربع مَرَّات، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، يخْفض صَوته يتَشَهَّد الترجيع ثمَّ يرجع فيمد صَوته بالتشهد فَيَقُول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، مرَّتَيْنِ

(1/90)


أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، حَيّ على الصَّلَاة، مرَّتَيْنِ /، حَيّ على الْفَلاح، مرَّتَيْنِ، اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ، لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ.
وَاخْتلفُوا فِي صفة الْإِقَامَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْإِقَامَة مثنى مثنى كالأذان وَيزِيد على الْأَذَان بِلَفْظ الْإِقَامَة مرَّتَيْنِ فَتَصِير الْإِقَامَة عِنْده سبع عشر كلمة.
اللَّهِ أكبر، أَربع مَرَّات، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، مرَّتَيْنِ، حَيّ على الصَّلَاة، مرَّتَيْنِ، حَيّ على الْفَلاح، مرَّتَيْنِ، قد قَامَت الصَّلَاة، مرَّتَيْنِ، اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَأحمد: الْإِقَامَة أحد عشر كلمة كلهَا تفرد، إِلَّا ذكر الْإِقَامَة، يذكر مرَّتَيْنِ فَيَقُول: اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح، قد قَامَت الصَّلَاة، مرَّتَيْنِ، اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر كمذهب مَالك، الْإِقَامَة عشر كَلِمَات فَذكر الْإِقَامَة فِيهَا مُفْردَة، اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح، قد قَامَت الصَّلَاة، قد قَامَت الصَّلَاة، اللَّهِ أكبر مرَّتَيْنِ، لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ.

(1/91)


وَقَالَ مَالك: الْإِقَامَة فرادي كلهَا فَهِيَ عشر كَلِمَات عِنْده: اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح، قد قَامَت الصَّلَاة، اللَّهِ أكبر، مرَّتَيْنِ، لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يُؤذن للصَّلَاة قبل دُخُول وَقتهَا إِلَّا صَلَاة الْفجْر فَإِنَّهُ يجوز أَن يُؤذن لَهَا قبل دُخُول وَقتهَا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز الْأَذَان لَهَا إِلَّا بعد طُلُوع الْفجْر.
وَعند أَحْمد قَالَ: أكره أَن يُؤذن لَهَا قبل طُلُوع الْفجْر فِي شهر رَمَضَان خَاصَّة.
قلت: وَالَّذِي أرَاهُ أَنه لَا يكره للْحَدِيث الْمَشْهُور الصَّحِيح أَن رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن بِلَال يُؤذن بلَيْل فَلَا يمنعكم ذَلِك من سحوركم "، فَلَو كَانَ هَذَا مِمَّا يكره لم يقر رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِلَالًا إِقْرَارا مُطلقًا، من غير إِشَارَة إِلَى مَا يسْتَدلّ بِهِ من الْكَرَاهَة.

(1/92)


وَاتَّفَقُوا إِلَى أَن التثويب، إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَذَان لصَلَاة الْفجْر خَاصَّة.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: التثويب سنة. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كمذهب الْجَمَاعَة، والجديد لَا يثوب ثمَّ اخْتلفُوا فِي التثويب نَفسه، وَأَيْنَ يَقع.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم وَأحمد: هُوَ أَن يَقُول: الصَّلَاة خير من النّوم مرَّتَيْنِ بعد قَوْله فِي الْأَذَان: حَيّ على الْفَلاح.
وَاخْتلف أَصْحَاب أبي حنيفَة: فَحكى الطَّحَاوِيّ فِيهِ اخْتِلَاف الْعلمَاء.
وَعَن أبي حنيفَة وَأَبُو يُوسُف جَمِيعًا كمذهب الْجَمَاعَة، وَوَافَقَهُ ابْن شُجَاع فَروِيَ مثله، وَقَالَ بَقِيَّة أَصْحَابه: الْمَعْرُوف غير هَذَا وَهُوَ أَن يَقُول: الصَّلَاة خير من النّوم، مرَّتَيْنِ، بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة، أَو يَقُول: حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح مرَّتَيْنِ بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة، فَهُوَ أفضل وَهُوَ مَذْهَب مُحَمَّد بن الْحسن.
وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يعْتد إِلَّا بِأَذَان الْمُسلم الْعَاقِل.

(1/93)


وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يعْتد بِهِ من مَجْنُون.
وَأَجْمعُوا على أَن الْمَرْأَة إِذا أَذِنت للرِّجَال لَا يعْتد بأذانها وَإِن أَذِنت للنِّسَاء فَلَا بَأْس، فقد روى ابْن الْمُنْذر أَن عَائِشَة كَانَت تؤذن وتقيم.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن صلين مُفْرَدَات أَذِنت فِي نَفسهَا وأقامت غير رَافِعَة صَوتهَا فِي الْأَذَان.
وَأَجْمعُوا على أَن أَذَان الصَّبِي الْمُمَيز للرِّجَال مُعْتَد بِهِ.
وَأَجْمعُوا على أَنه يسْتَحبّ للمؤذن أَن يكون حرا بَالغا طَاهِرا.
وَأَجْمعُوا على أَن أَذَان الْمُحدث مُعْتَد بِهِ إِن كَانَ حَدثهُ أَصْغَر مَعَ استحبابهم أَن يُؤذن طَاهِرا.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا أذن جنبا اعْتد بأذانه، وَيُؤذن خَارج الْمَسْجِد لِئَلَّا يلبث فِيهِ وَهُوَ جنب، إِلَّا إِحْدَى الرِّوَايَات عَن احْمَد أَنه لَا يعْتد بِأَذَان الْجنب بِحَال، وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ.
وَأَجْمعُوا على الْأَذَان لَا يسن لغير الْخَمِيس وَالْجُمُعَة.

(1/94)


واجمعوا على أَن السّنة فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ والكسوفين وَالِاسْتِسْقَاء، النداء بقوله: الصَّلَاة جَامِعَة.
وَأَجْمعُوا على أَن الصَّلَاة على الْجَنَائِز لَا يسن لَهَا أَذَان وَلَا نِدَاء.
وَاخْتلفُوا فِي أَخذ الْأُجْرَة على الْأَذَان وَالْإِقَامَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز.
وَقَالَ مَالك وَأكْثر أَصْحَاب الشَّافِعِي: يجوز.
وَقَالَ أَبُو حَامِد: غلط من أجَاز ذَلِك فَإِن الشَّافِعِي قَالَ: ويرزقنهم الإِمَام، وَلم يذكر الْإِجَارَة.
وروى ابْن الْمُنْذر عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: لَا يرْزق الْمُؤَذّن إِلَّا من خمس الْخمس سهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَإِذا أَلحن الْمُؤَذّن فِي أَذَانه، قَالَ بعض أَصْحَاب أَحْمد فِي أحد الْوَجْهَيْنِ: لَا يَصح أَذَانه.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز إِعَادَة الصَّلَاة بِأَذَان وَإِقَامَة فِي مَسْجِد لَهُ إِمَام راتب؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره ذَلِك.
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ لِلْمَسْجِدِ إِمَام راتب فصلى فِيهِ إِمَامه فَلَا يجوز أَن

(1/95)


يجمع فِيهِ تِلْكَ الصَّلَاة على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي: يجوز ذَلِك فِي مَسَاجِد الْأَسْوَاق الَّتِي تَتَكَرَّر فِيهَا الصَّلَاة دون مَسَاجِد الدروب.
وَقَالَ أَحْمد: يجوز ذَلِك على الْإِطْلَاق.