اختلاف الأئمة العلماء

كتاب الصَّوْم

اتَّفقُوا على أَن صِيَام شهر رَمَضَان أحد أَرْكَان الْإِسْلَام وَفرض من فروضه.
قَالَ اللَّهِ عز وَجل: {شهر رَمَضَان الَّذِي أنزل فِيهِ القرءان هدى للنَّاس وبينات من الْهدى وَالْفرْقَان فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه وَمن كَانَ مَرِيضا أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} .
وَقَالَ عز وَجل: {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من الْفجْر} [الْبَقَرَة: 187] .
وَالصَّوْم فِي اللُّغَة عبارَة عَن الْإِمْسَاك.

(1/226)


وَفِي الشَّرْع عبارَة عَن إمْسَاك عَن الْمطعم والمنكح مَعَ النِّيَّة فِي زمَان مَخْصُوص لمن خُوطِبَ بِهِ، وَلمن هُوَ من أَهله.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يتحتم فرض صَوْم شهر رَمَضَان على كل مُسلم ومسلمة بِشَرْط الْبلُوغ وَالْعقل وَالطَّهَارَة وَالْقُدْرَة وَالْإِقَامَة.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يجب على الْحَائِض وَالنُّفَسَاء قَضَاء صَوْم شهر رَمَضَان، وَيحرم عَلَيْهِمَا فعله، وَإِن فعلتاه لم يَصح مِنْهُمَا.
أأما الْمُسَافِر وَالْمَرِيض فَإِنَّهُمَا يُبَاح لَهما الْفطر، وَإِن صاما صَحَّ مِنْهُمَا مَعَ كَون كل وَاحِد مِنْهُمَا إِذا أجهده الصَّوْم كره لَهُ فعله.

(1/227)


وَاتَّفَقُوا على أَن الصَّبِي الَّذِي لَا يُطيق الصَّوْم، وَالْمَجْنُون المطيق غير مخاطبين بِالصَّوْمِ.
وعَلى أَنه يجب صَوْم شهر رَمَضَان على الْحَائِض وَالنُّفَسَاء والمرضع وَالْمُسَافر وَالْمَرِيض، إِلَّا أَنهم لَا يتحتم عَلَيْهِم فعله مَعَ قيام أعذارهم، بل يجب عَلَيْهِم الْقَضَاء مَعَ زَوَالهَا كَمَا يَأْتِي.
وَوُجُوب الْكَفَّارَة مَعَ الْقَضَاء على مَا يجب مِنْهُ.
وَاتَّفَقُوا على وجوب النِّيَّة للصَّوْم الْمَفْرُوض فِي شهر رَمَضَان، وَأَنه لَا يجوز إِلَّا بنية.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي تَعْيِينهَا.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر روايتيه: لَا بُد من التَّعْيِين فَإِن لم يعين لم يجزه، وَإِن نوى صوما مُطلقًا، أَو نوى صَوْم التَّطَوُّع لم يجزه.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يحب التَّعْيِين، وَإِن نوى صوما مُطلقًا أَو نفلا أَجزَأَهُ، وَهِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد.

(1/228)


ثمَّ اخْتلفُوا فِي وَقت النِّيَّة لفرض شهر رَمَضَان.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز فِي جَمِيع اللَّيْل وَأول وَقتهَا بعد غرُوب الشَّمْس وَآخره طُلُوع الْفجْر الثَّانِي، وَتجب النِّيَّة قبل طلوعه.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجوز بنيته من اللَّيْل وَلَو لم ينْو حَتَّى أصبح وَنوى أَجْزَأته النِّيَّة مَا بَينه وَبَين الزَّوَال وَكَذَلِكَ اخْتلَافهمْ فِي النّذر الْمعِين.
وَاتَّفَقُوا على أَن مَا ثَبت فِي الذِّمَّة من الصَّوْم كقضاء رَمَضَان وَقَضَاء النّذر وَالْكَفَّارَة لَا يجوز صَوْمه إِلَّا بنية من اللَّيْل.
وَاخْتلفُوا فِي النِّيَّة لصوم شهر رَمَضَان هَل يُجزئهُ نِيَّة وَاحِدَة لشهر رَمَضَان كُله

(1/229)


أَو يفْتَقر كل لَيْلَة إِلَى نِيَّة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يفْتَقر كل لَيْلَة إِلَى نِيَّة.
وَقَالَ مَالك: تجزئة نِيَّة وَاحِدَة لجَمِيع الشَّهْر مَا لم ينسخها.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: أَنه يفْتَقر كل لَيْلَة إِلَى نِيَّة وَالْأُخْرَى كمذهب مَالك.
وَاتَّفَقُوا على أَن صَوْم النَّفْل كُله يجوز بنية من اللَّيْل وَمن النَّهَار قبل الزَّوَال إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَصح إِلَّا بنية من اللَّيْل.
وَاتَّفَقُوا على أَن صَوْم شهر رَمَضَان يجب بِرُؤْيَة الْهلَال أَو إِكْمَال شعْبَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا عِنْد عدم الرُّؤْيَة وخلو المطلع عَن حَائِل يمْنَع الرُّؤْيَة.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا حَال دون مطلع الْهلَال غيم أَو قتر فِي لَيْلَة الثَّلَاثِينَ من شعْبَان.

(1/230)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجب صَوْمه.
وَقَالَ أَحْمد: يجب صَوْمه فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى الَّتِي نصرها أَصْحَابه وَيتَعَيَّن عَلَيْهِ أَن ينويه من رَمَضَان حكما.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا لم يحل دون مطلعه فِي هَذِه اللَّيْلَة حَائِل وَلم ير: أَنه لَا يجب صَوْمه.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل يجوز صَوْمه تَطَوّعا وَإِن كَانَ من شعْبَان؟
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد يكره لنهي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن صِيَامه إِلَّا أَن يكون يُوَافق عَادَة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يكره.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي صِيَامه قَضَاء، فكرهه أَيْضا الشَّافِعِي وَأحمد وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة وَمَالك.
وَاخْتلفُوا فِيمَا تثبت بِهِ رُؤْيَة الْهلَال فِي شهر رَمَضَان؟

(1/231)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَت السَّمَاء مصحية فَإِنَّهُ لَا يثبت إِلَّا بِشَهَادَة جمع كثير يَقع الْعلم بخبرهم، وَإِن كَانَت السَّمَاء بهَا عِلّة من غيم قبل الإِمَام شَهَادَة الْعدْل الْوَاحِد رجلا كَانَ أَو امْرَأَة، حرا كَانَ أَو عبدا.
وَقَالَ مَالك: لَا يقبل إِلَّا شَهَادَة عَدْلَيْنِ.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ.
وَعَن احْمَد رِوَايَتَانِ أظهر الْقَوْلَيْنِ والروايتين عَنْهُمَا: أَنه يقبل شَهَادَة عدل وَاحِد والآخران مِنْهُمَا كمذهب مَالك.
وَلم يفرقُوا بَين وجود الْعلَّة وَعدمهَا.
وَاتَّفَقُوا على أَن وجوب الصَّوْم وقته من أول طُلُوع الْفجْر الثَّانِي إِلَى غرُوب الشَّمْس، وَأَن الْفجْر الثَّانِي الَّذِي لَا ظلمَة بعده هُوَ الْمحرم الْأكل وَالشرب وَالْجِمَاع.
وَأَجْمعُوا على اسْتِحْبَاب تَعْجِيل الْفطر وَتَأْخِير السّحُور.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا رؤى الْهلَال فِي بَلَده رِوَايَة فَاشِية فَإِنَّهُ يجب الصَّوْم على سَائِر أهل الدُّنْيَا.

(1/232)


إِلَّا مَا رَوَاهُ أَبُو حَامِد الإسفرائي من أَنه لَا يلْزم بَاقِي الْبِلَاد الصَّوْم، وغلطه القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ وَقَالَ: هَذَا غلط مِنْهُ بل إِذا رأى أهل بلد هِلَال رَمَضَان لزم النَّاس كلهم الصّيام فِي سَائِر الْبِلَاد.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا اعْتِبَار بِمَعْرِِفَة الْحساب والمنازل فِي دُخُول وَقت الصَّوْم على من عرف ذَلِك وَلَا على من لم يعرفهُ وَإِن ذَلِك إِنَّمَا يجب عَن رُؤْيَة أَو إِكْمَال عدد أَو وجود عِلّة على مَا تقدم من اتِّفَاقهم على ذَلِك. على مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ مِنْهُ.
وَاخْتلفُوا خلافًا لِابْنِ سُرَيج من الشَّافِعِيَّة.
قَالَ الْمُؤلف: على أَن ابْن سُرَيج إِنَّمَا قَالَ هَذَا فِي مَا يظنّ من الِاحْتِيَاط لِلْعِبَادَةِ إِلَّا أَنهم شذوه مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن احتياطه لِلْعِبَادَةِ بِمَا يتْرك للمنجمين مدخلًا فِي عبادات الْمُسلمين.

(1/233)


وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " صُومُوا لرُؤْيَته وَافْطرُوا لرُؤْيَته "، وَلم يقل: صُومُوا لِلْحسابِ وَافْطرُوا لَهُ.
وَاتَّفَقُوا على أَن ذَلِك إِنَّمَا يجب من رُؤْيَة أَو إِكْمَال عدد أَو وجود عِلّة.
وَأَجْمعُوا على أَن من أصبح صَائِما بِالنِّيَّةِ وَهُوَ جنب أَن صَوْمه صَحِيح، وَإِن أخر الِاغْتِسَال إِلَى بعد طُلُوع الْفجْر مَعَ استحبابهم لَهُ الْغسْل قبل طلوعه.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أكل وَهُوَ يظنّ أَن الشَّمْس قد غَابَتْ أَو أَن الْفجْر لم يطلع فَبَان الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك أَنه يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اعْتقد الْخُرُوج من الصَّوْم.
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يبطل.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأكْثر الْمَالِكِيَّة: لَا يبطل صَوْمه.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْكَذِب والغيبة يكرهان للصَّائِم وَلَا يفطرانه وَأَن صَوْمه صَحِيح فِي الحكم.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا طلع الْفجْر وَهُوَ مخالط.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن نزع فِي الْحَال صَحَّ صَوْمه وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ، وَإِن استدام

(1/234)


فَعَلَيهِ الْقَضَاء دون الْكَفَّارَة.
وَقَالَ زفر: إِن ثَبت على ذَلِك أَو نزع فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَعَلِيهِ الْقَضَاء.
وَقَالَ مَالك: إِن استدام فَعَلَيهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة، وَإِن نزع فالقضاء فَقَط.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن نزع مَعَ طُلُوع الْفجْر صَحَّ صَوْمه وَإِن لم ينْزع بل استدام وَجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة.
وَقَالَ أَحْمد: إِذا طلع الْفجْر وَهُوَ مخالط وَجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة مَعًا، سَوَاء نزع فِي الْحَال أم استدام.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قاء عَامِدًا.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يفْطر، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يفْطر إِلَّا أَن يكون مَلأ فَاه.

(1/235)


وَعَن أَحْمد رِوَايَات فِي الْقَيْء الَّذِي ينْقض الْوضُوء وَيفْطر:
أحداها: لَا يفْطر إِلَّا الْفَاحِش مِنْهُ وَهِي الْمَشْهُورَة.
وَالثَّانيَِة: بملء الفك.
وَالثَّالِثَة: بِمَا كَانَ فِي نصف الْفَم.
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى رَابِعَة فِي انْتِقَاض الْوضُوء بالقيء قَليلَة وكثيرة وَهِي فِي الْفطر أَيْضا إِلَّا أَن الْقَيْء الَّذِي يفْسد الصَّوْم على اخْتِلَاف مذْهبه فِي صفته فَإِنَّهُ لم يخْتَلف مذْهبه فِي اشْتِرَاط التعمد فِيهِ.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْحجامَة لَا تفطر الصَّائِم، إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: يفْطر بهَا الحاجم والمحجوم أخذا بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيّ فِي ذَلِك.
وَهُوَ مِمَّن رَوَاهُ وَعمل بِهِ وَلَيْسَ هُوَ فِي كتابي البُخَارِيّ وَمُسلم.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا داوى (حارصته) أَو مأمومته بدواء رطب فوصل إِلَى

(1/236)


دَاخل دماغه أَنه يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء.
إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَرْأَة الْمَوْطُوءَة فِي يَوْم من رَمَضَان مُكْرَهَة أَو نَائِمَة قد فسد صَومهَا وَوَجَب عَلَيْهَا الْقَضَاء.
إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي أَنه لم يفْسد صَومهَا وَلَا قَضَاء عَلَيْهَا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا كَفَّارَة عَلَيْهَا.
إِلَّا عِنْد أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ فَإِنَّهُ أوجب عَلَيْهَا الْكَفَّارَة وَالْقَضَاء مَعًا.
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنهُ فِي إِسْقَاط الْكَفَّارَة أصح وَأشهر.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَوْطُوءَة فِي يَوْم من رَمَضَان مطاوعة قد فسد صَومهَا وَعَلَيْهَا الْقَضَاء.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة عَلَيْهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: عَلَيْهَا الْكَفَّارَة.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا عَنهُ: الْوُجُوب لِلْكَفَّارَةِ.

(1/237)


وَاتَّفَقُوا على من أنزل فِي يَوْم من رَمَضَان بِمُبَاشَرَة دون الْفرج فسد صَوْمه وَعَلِيهِ الْقَضَاء.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا تجب وأوجبها مَالك وَأحمد.
وَاتَّفَقُوا على أَن من تعمد الْأكل وَالشرب صَحِيحا مُقيما فِي يَوْم من شهر رَمَضَان أَنه يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: تجب الْكَفَّارَة، إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة اشْترط فِي وجوب الْكَفَّارَة أَن يكون المتناول مَا يتغذى بِهِ، أَو يتداوى بِهِ، فَأَما إِن ابتلع حَصَاة أَو نواة فَلَا تجب الْكَفَّارَة.
وَمَالك يَقُول: يجب بِالْأَكْلِ وَالشرب، فَأَما إِن ابتلع حَصَاة أَو نَحْوهَا فَفِي وجوب الْكَفَّارَة عَنهُ رِوَايَتَانِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه وَأحمد: لَا تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة بل الْقَضَاء فَقَط.
وَعَن الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر يجب الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة مَعًا.
وَاتَّفَقُوا على أَن من أكل أَو شرب نَاسِيا فَإِنَّهُ لَا يفْسد صَوْمه.

(1/238)


إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يفْسد وَعَلِيهِ الْقَضَاء.
وَاخْتلفُوا فِيمَن تمضمض واستنشق فوصل من المَاء إِلَى جَوْفه سبقا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يفْسد صَوْمه سَوَاء كَانَ مبالغا فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق أم لم يُبَالغ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن بَالغ فيهمَا فقد أفسد صَوْمه، إِن لم يكن سَاهِيا.
وَفِي غير الْمُبَالغَة لَهُ قَولَانِ.
وَقَالَ أَحْمد: إِذا سبق المَاء إِلَى حلقه وَلم يكن بَالغ فَلَا يفْسد صَوْمه، فَإِن بَالغ فَالظَّاهِر من مذْهبه أَنه يفْطر على احْتِمَال.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا استعط بدهن أَو غَيره فوصله إِلَى دماغه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يفْطر بذلك، وَإِن لم يصل إِلَى حَلقَة.
وَقَالَ مَالك: مَتى وصل إِلَى دماغه وَلم يصل إِلَى حلقه لم يفْطر.
وَاتَّفَقُوا على أَن للحامل، والمرضع مَعَ خوفها على وليدها الْفطر وَعَلَيْهَا الْقَضَاء.

(1/239)


ثمَّ اخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة الصُّغْرَى عَلَيْهِمَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا فديَة عَلَيْهِمَا.
وَقَالَ مَالك: لَا فديَة على الْحَامِل، وَعنهُ فِي الْموضع رِوَايَتَانِ:
أَحدهمَا عَلَيْهَا الْفِدْيَة.
وَالْأُخْرَى: لَا فديَة عَلَيْهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: على الْمُرْضع فديَة.
وَعنهُ فِي الْحَامِل قَولَانِ.
وَقَالَ أَحْمد: عَلَيْهِمَا الْفِدْيَة، فَأَما إِن أفطرتا خوفًا على أَنفسهمَا فَإِنَّهُم اتَّفقُوا على أَن لَهُم ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على وجوب الْقَضَاء.
وَاخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يجب كَفَّارَة عَلَيْهِمَا.

(1/240)


وَعَن مَالك رِوَايَات إِحْدَاهَا: أَن الْكَفَّارَة وَاجِبَة عَلَيْهِمَا، عَن كل يَوْم مد من حِنْطَة أَو شعير أَو تمر.
وَالثَّانيَِة: أَن الْكَفَّارَة وَاجِبَة عَلَيْهِمَا لَكِنَّهَا مُخْتَلفَة بإختلاف صفتهما، فعلى الْمُرْضع مدان، وعَلى الْحَامِل مد.
وَالثَّالِثَة: أَنَّهَا تجب على الْمُرْضع دون الْحَامِل.
وَأَجْمعُوا على أَن من وطئ فِي يَوْم من رَمَضَان عَامِدًا فقد عصى اللَّهِ إِذا كَانَ مُقيما.
وَإِن كَانَ نوى من اللَّيْل فقد فسد صَوْمه، وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة الْكُبْرَى.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اكتحل بِمَا يصل الْكحل إِلَى حلقه، وَإِمَّا لرطوبته كالأشياف، أَو لحدته كالدرور وَالطّيب، فَهَل يفْطر؟

(1/241)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يفطره.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يفطره.
وَكَذَا يفْطر بِكُل مَا وصل إِلَى حلقه من سَائِر المنافذ.
وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يقبل فِي شَهَادَة شَوَّال إِلَّا شَهَادَة عَدْلَيْنِ.
إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة يشْتَرط مَعَ عدم الْعلَّة مَا اشْتَرَطَهُ فِي هِلَال رَمَضَان ويحبذ مَعَ وجودهَا فِي هَذَا الشَّهْر خَاصَّة شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا رأى هِلَال شَوَّال وَحده.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يفْطر ويستسر بِهِ. وَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: لَا يفْطر إِذا رأى وَحده.
وَأَجْمعُوا على أَن من ذرعه الْقَيْء فصومه صَحِيح.
وَاتَّفَقُوا على أَن كَفَّارَة الْجِمَاع فِي رَمَضَان عتق رَقَبَة، أَو صِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين، أَو إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا.

(1/242)


ثمَّ اخْتلفُوا هَل هِيَ على التَّرْتِيب أَو على التَّخْيِير؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: هِيَ على التَّرْتِيب.
وَقَالَ مَالك: هِيَ على التَّخْيِير.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين، أظهرهمَا التَّرْتِيب.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا عجز عَن كَفَّارَة الوطئ حِين الْوُجُوب سَقَطت عَنهُ.
إِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ فِي أحد قوليه: تثبت فِي ذمَّته.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا عجز عَنْهَا حِين وُجُوبهَا فَلَا تلْزمهُ الِاسْتِدَانَة وَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرهَا، حَتَّى لَو مَاتَ أَو لم يقدر عَلَيْهَا فَلَا إِثْم عَلَيْهِ، فَلَو قدر عَلَيْهَا وَجب عَلَيْهِ وجوبا مُوسِرًا، حَتَّى إِن مَاتَ وَلم يؤدها بعد أَن كَانَ قدر عَلَيْهَا أَثم.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا جَامع فِي يَوْم من رَمَضَان وَلم يكفر حَتَّى جَامع فِي يَوْم آخر فَإِن عَلَيْهِ كفارتين.

(1/243)


إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا وطئ وَكفر، ثمَّ عَاد فوطئ ثَانِيًا فِي ذَلِك الْيَوْم أَنه لَا تجب عَلَيْهِ كَفَّارَة ثَانِيَة.
إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: يجب عَلَيْهِ كَفَّارَة ثَانِيَة.
وَاخْتلفُوا فِي وطئ النَّاسِي.
فَقَالَ مَالك: يفْسد صَوْمه، وَيجب عَلَيْهِ الْقَضَاء.
وَلَا تجب عَلَيْهِ كَفَّارَة.
وروى الهريدي ومعن عَن مَالك وجوب الْكَفَّارَة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يفْسد صَوْمه وَلَا تجب عَلَيْهِ كَفَّارَة وَلَا قَضَاء.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ الْمَشْهُور مِنْهَا: قد فسد صَوْمه وَوَجَب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة، وَالْأُخْرَى كمذهب مَالك.
وَاتَّفَقُوا على أَن من وطئ ظَانّا أَن الشَّمْس قد غَابَتْ أَو أَن الْفجْر لم يطلع فَبَان بِخِلَاف مَا ظَنّه أَن الْقَضَاء وَاجِب عَلَيْهِ.

(1/244)


ثمَّ اخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة عَلَيْهِ فَلم يُوجِبهَا أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وأوجبها أَحْمد.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْقَضَاء فِي كل مَا قلت من الْمسَائِل.
وَأَقُول: وَعَلِيهِ الْقَضَاء أَنه قَضَاء يَوْم مَكَان يَوْم لَا خلاف بَينهم فِي ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَرْأَة الْحَائِض إِذا انْقَطع دَمهَا قبل الْفجْر فنوت الصَّوْم، أَو المجامع فِي الْفرج لَيْلًا قبل الْفجْر إِن نوى الصَّوْم فَإِن صومهما صَحِيح.
وَإِن أخر كل وَاحِد مِنْهُمَا الْغسْل حَتَّى يصبح أَو تطلع الشَّمْس؟
قَالَ عبد الْملك بن الْمَاجشون وَمُحَمّد بن مسلمة، عَن مَالك: أَنه مَتى انْقَطع دَمهَا فِي وَقت يُمكنهَا الِاغْتِسَال والفراغ مِنْهُ قبل طُلُوع الْفجْر فَإِن صَومهَا صَحِيح.
وَإِن انْقَطع دَمهَا فِي وَقت يضيق عَن غسلهَا وفراغها مِنْهُ إِلَى أَن يطلع الْفجْر،

(1/245)


لم يَصح صَومهَا.
وَأَجْمعُوا على أَن من فكر فَأنْزل أَن صَوْمه صَحِيح.
إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يفْطر وَيجب عَلَيْهِ الْقَضَاء.
وَأَجْمعُوا على من لمس فأمذى أَن صَوْمه صَحِيح.
إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: يفْسد صَوْمه وَعَلِيهِ الْقَضَاء.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نظر فَأنْزل.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: صَوْمه صَحِيح، وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة.
وَقَالَ مَالك: عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلَا كَفَّارَة.
وَقَالَ أَحْمد: مثله.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كرر النّظر حَتَّى أنزل.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: صَوْمه صَحِيح وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة.

(1/246)


وَقَالَ مَالك: عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة وصومه فَاسد.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا: صَوْمه فَاسد وَعَلِيهِ الْقَضَاء فَقَط، واختارها الْخرقِيّ، وَالْأُخْرَى كمذهب مَالك. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عصى الله وأولج فِي فرج بَهِيمَة. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن أنزل فسد صَوْمه وَعَلِيهِ الْقَضَاء فَقَط وَإِن لم ينزل فصومه صَحِيح وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: صَوْمه فَاسد بِمُجَرَّد الْإِيلَاج وَسَوَاء أنزل أَو لم ينزل. وَفِي الْكَفَّارَة عَلَيْهِ عَن الشَّافِعِي قَولَانِ. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ. وَقَالَ مَالك: عَلَيْهِ الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة.
وَاتَّفَقُوا عل أَنه إِذا وَاقع الْمُكَلف الْفَاحِشَة من أَن يَأْتِي امْرَأَة أَو رجلا فِي الدبر، فقد فسد صَوْمه وَعَلِيهِ الْقَضَاء.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة فأوجبها الْجَمِيع.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، يجب الْقَضَاء فَقَط، وَالْمَنْصُوص عَنهُ وجوب الْكَفَّارَة.

(1/247)


وَأَجْمعُوا على أَن الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا عَجزا وضعفا عَن الصَّوْم، وَكَانَا فانيين أفطرا وأطعما عَن كل يَوْم مِسْكينا عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا.
إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تجب عَلَيْهِمَا فديَة.
وَأَجْمعُوا على أَن الصَّائِم إِذا نَام فِي يَوْم من شهر رَمَضَان فحلم فِي نَومه فأجنب فَإِنَّهُ لَا يفْسد صَوْمه.
وَأَجْمعُوا على أَنه تكره الْقبْلَة لمن لَا يَأْمَن مِنْهَا أَن تثير شَهْوَته.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن لَا يخْشَى ذَلِك.
فَقَالُوا: لَا يكره، إِلَّا مَالِكًا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن احْمَد أَنه يكره لَهُ ذَلِك.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قطر فِي إحليله.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا يفطره.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يفْطر وَيجب عَلَيْهِ الْقَضَاء.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يكره للصَّائِم الِاغْتِسَال فِي شدَّة الْحر إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ يكرههُ.
وَأَجْمعُوا على أَن الْمَرِيض إِذا كَانَ الصَّوْم يزِيد فِي مَرضه أَن يفْطر وَيقْضى.

(1/248)


وَأَجْمعُوا على أَنه إِن تحمل وَصَامَ أَجزَأَهُ.
وَأَجْمعُوا على أَن للْمُسَافِر أَن يترخص بِالْفطرِ وَيَقْضِي.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل الْأَفْضَل لَهُ الصَّوْم أَو الْفطر؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: الصَّوْم أفضل فَإِن أجهده الصَّوْم كَانَ الْفطر أفضل وفَاقا.
وَقَالَ أَحْمد: الْفطر للْمُسَافِر أفضل، وَإِن لم يجهده الصَّوْم. وَهُوَ قَول ابْن حبيب من أَصْحَاب مَالك، وَقَالَ: لِأَنَّهُ أخر الْأَمريْنِ من رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا صَامَ فِي السّفر فَإِن صَوْمه صَحِيح يُجزئ.
وَاخْتلفُوا فِيمَن وَجب عَلَيْهِ قَضَاء شهر رَمَضَان فَأَخَّرَهُ لغير عذر حَتَّى دخل رَمَضَان آخر.

(1/249)


فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يَصُوم الَّذِي حضر ثمَّ يقْضِي الأول وَعَلِيهِ الْفِدْيَة عَن كل يَوْم مِسْكينا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا فديَة عَلَيْهِ بل الْقَضَاء فَقَط.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا كَانَ فِي السّفر فَأفْطر فَإِنَّهُ يُبَاح لَهُ الْجِمَاع.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا أنشأ الْمُسَافِر الصَّوْم فِي شهر رَمَضَان ثمَّ جَامع.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا تجب عَلَيْهِ كَفَّارَة.
وَعَن مَالك وَأحمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: الْوُجُوب، وَالْأُخْرَى: الْإِسْقَاط.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا مَاتَ وَعَلِيهِ قَضَاء رَمَضَان أَو نذر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يصام عَنهُ وَلَا يطعم فيهمَا إِلَّا أَن يُوصي بذلك.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: الْجَدِيد مِنْهُمَا يطعم عَنهُ فيهمَا. وَالْقَدِيم: يصام عَنهُ فيهمَا.
وَقَالَ أَحْمد: يطعم عَنهُ عَن رَمَضَان، وَلَا يجوز لوَلِيِّه الصّيام ويصوم عَنهُ وليه عَن النّذر.

(1/250)


وَاتَّفَقُوا على أَن قَضَاء شهر رَمَضَان مُتَفَرقًا بجزئ، والتتابع أحسن.
وَأَجْمعُوا على أَن يومي الْعِيد حرَام صومهما، وأنهما لَا يجزئان لمن صامهما لَا عَن فرض وَلَا عَن نفل وَلَا عَن نذر وَلَا كَفَّارَة وَلَا تطوع.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: إِن نذر صَوْم يَوْم الْعِيد فَالْأولى أَن يفطره ويصوم غَيره.
فَإِن لم يفعل وصامه أَجزَأَهُ عَن النّذر.
وَأَجْمعُوا على وجوب التَّتَابُع فِي كَفَّارَة الْيَمين وَكَفَّارَة الظِّهَار وَكَفَّارَة الْقَتْل الْخَطَأ وَكَفَّارَة الْجِمَاع فِي شهر رَمَضَان إِلَّا أَن الشَّافِعِي فِي أحد قوليه قَالَ: إِن التَّتَابُع فِي صِيَام الثَّلَاثَة أَيَّام فِي كَفَّارَة الْيَمين لَيْسَ بِشَرْط بل تسْتَحب الْمُتَابَعَة فِيهَا وَهُوَ مَذْهَب مَالك.
وَأَجْمعُوا على كَرَاهِيَة الصَّوْم أَيَّام التَّشْرِيق، وَإِن من قصد صيامها نفلا عصى اللَّهِ وَلم تصح لَهُ.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: ينْعَقد صَومهَا مَعَ الْكَرَاهِيَة.

(1/251)


ثمَّ اخْتلفُوا فِي إجزائها عَن من صامها عَن فرض.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد من قوليه وَأحمد فِي أظهر روايتيه: لَا يُجزئهُ.
وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يُجزئ صيامها عَن فرض مثل نذر وَقَضَاء شهر رَمَضَان، وَدم الْمُتْعَة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تُجزئ فِي النّذر الْمعِين خَاصَّة.
وَقَالَ مَالك: يُجزئ فِي الْبَدَل عَن دم الْمُتْعَة فَقَط.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أنشأ صوما أَو صَلَاة تَطَوّعا ثمَّ أفْسدهُ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَتى شرع فِي صَوْم أَو صَلَاة نفلا ثمَّ أفْسدهُ لم يجز لَهُ الْخُرُوج مِنْهُ، فَإِن أفْسدهُ فَعَلَيهِ الْقَضَاء.
وَقَالَ مَالك: كَذَلِك، إِلَّا أَنه اعْتبر الْعذر فِي الصَّوْم فَقَالَ: إِن أفطر لعذر فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ، وَإِن لغير عذر وَجب عَلَيْهِ الْقَضَاء.

(1/252)


وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: مَتى أنشأ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَهُوَ مُخَيّر بَين إِتْمَامه وَبَين الْخُرُوج مِنْهُ، فَإِن خرج مِنْهُ لم تجب عَلَيْهِ قَضَاء على الْإِطْلَاق.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا جَامع فِي يَوْم من شهر رَمَضَان، ثمَّ جن أَو مرض فِي أثْنَاء ذَلِك الْيَوْم.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَأحمد: لَا تسْقط الْكَفَّارَة عَنهُ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: وَللشَّافِعِيّ قَول مثله.
وَاخْتلفُوا فِي الْمُسَافِر فِي رَمَضَان يَصُوم فِيهِ عَن غير رَمَضَان.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن صَامَ عَن فرض فِي ذمَّته جَازَ وَإِن صَامَ نفلا وَقع عَن رَمَضَان.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَصح صَوْمه عَن قَضَاء وَلَا عَن نذر وَلَا عَن نفل وَلَا ينْعَقد.
وَأَجْمعُوا على أَنه نوى الْمُقِيم الصَّوْم ثمَّ سَافر أثْنَاء صَوْمه فَإِنَّهُ لَا يُبَاح لَهُ الْفطر فِي ذَلِك الْيَوْم.
إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ أجَازه فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ والمدنيون من أَصْحَاب مَالك.

(1/253)


وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نوى من اللَّيْل فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ حَتَّى غربت الشَّمْس.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَصح صَوْمه.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح.
وَأَجْمعُوا على أَن الْأَسير إِذا اشتبهت عَلَيْهِ الشُّهُور اجْتهد وَصَامَ.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا وَافق صَوْمه الْوَقْت الْمَفْرُوض أَو مَا بعده أَجزَأَهُ إِلَّا أَن يُوَافق أَيَّام الْعِيدَيْنِ والتشويق.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا صَامَ قبله.
فَقَالُوا: لَا يُجزئهُ عَن سنته، إِلَّا الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: أَنه يُجزئهُ.
وَأَجْمعُوا على أَن الْهلَال إِذا رؤى نَهَارا قبل الزَّوَال أَو بعده فَإِنَّهُ لليلة الْمُقبلَة إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد أَنه إِذا رؤى قبل الزَّوَال فَإِنَّهُ لليلة الْمَاضِيَة.
وَاخْتلفُوا فِي الْكَافِر يسلم أَو الْمَجْنُون يفِيق أَو الْحَائِض أَو النُّفَسَاء يطهران أَو الْمُسَافِر يقدم فِي أثْنَاء الْيَوْم أَو الصَّغِير يبلغ.

(1/254)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة ": يلْزم كلهم الْإِمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار مَعَ زَوَال أعذارهم وَصَوْم مَا بعده من الْأَيَّام وَلَا قَضَاء عَلَيْهِم لليوم الَّذِي زَالَت أعذارهم فِي أَثْنَائِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يلْزمهُم الْإِمْسَاك.
وَقَالَ مَالك: لَا يلْزم الْمُسَافِر وَالْحَائِض خَاصَّة وَيلْزم البَاقِينَ.
وَقَالَ أَحْمد: يلْزمهُم الْإِمْسَاك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِي أظهرهمَا فَأَما الْقَضَاء فالحائض وَالنُّفَسَاء وَالْمُسَافر يلْزمهُم الْقَضَاء بِكُل حَال عِنْده.
وَعِنْده فِي وجوب الْقَضَاء على الْكَافِر وَالْمَجْنُون وَالصَّبِيّ رِوَايَتَانِ مَنْصُوص عَلَيْهِمَا.
وَاتَّفَقُوا على أَن من وجدت مِنْهُ إفاقة فِي بعض النَّهَار، ثمَّ أُغمي عَلَيْهِ بَاقِيَة، فَإِن صَوْمه صَحِيح.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَفَاق الْمَجْنُون بعد مُضِيّ الشَّهْر؟
فَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يقْضِي.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا قَضَاء عَلَيْهِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَفَاق فِي أثْنَاء الشَّهْر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه صَوْمه مَا بَقِي وَيَقْضِي مَا مضى.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: إِنَّمَا يلْزمه صَوْم مَا أَفَاق فِيهِ وَلَا

(1/255)


قَضَاء عَلَيْهِ لما مضى.
وَهَذَا القَوْل عَن الشَّافِعِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَغَيرهَا إِنَّمَا على من أَفَاق من إِغْمَاء، فَأَما الْمَجْنُون فَلَا يقْضِي صوما فَاتَهُ على وَجه مَا.
وَأَجْمعُوا على أَنه يكره مضغ العلك الَّذِي يزِيدهُ المضغ قُوَّة فِي الصَّوْم.
وَيكرهُ للْمَرْأَة أَن تمضغ لصبيها طَعَاما من غير ضَرُورَة.
وَاخْتلفُوا فِي الفصد هَل يفْطر الصَّائِم؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يفْطر الصَّائِم بالفصد.
وَقَالَ أَحْمد: يفْطر بالفصد.
وَأَجْمعُوا على أَن الْغُبَار أَو الدُّخان، أَو الذُّبَاب أَو البق إِذا دخل حلق الصَّائِم فَإِنَّهُ لَا يفْسد صَوْمه.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يكره إِفْرَاد الْجُمُعَة أَو السبت بِصَوْم إِلَّا أَن يُوَافق عَادَة،

(1/256)


عدا أَبُو حنيفَة فِي قَوْله لَا يكره.
وَقَالَ مَالك: يكره إِفْرَاد يَوْم الْجُمُعَة خَاصَّة.
وَقد روى الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: وَلَا يبين لي أَن أنهِي عَن صِيَام يَوْم الْجُمُعَة إِلَّا على الِاخْتِيَار لمن كَانَ إِذا صَامَهُ مَنعه عَن الصَّلَاة الَّتِي لَو كَانَ مُفطرا لفعلها.
وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب صَوْم الْأَيَّام السِّتَّة من شَوَّال متبعة شهر رَمَضَان.
إِلَّا أَبَا حنيفَة وَمَالك فِي قَوْلهمَا: يكره ذَلِك وَلَا يسْتَحبّ.
وَاتَّفَقُوا على أَن لَيْلَة الْقدر تطلب فِي شهر رَمَضَان.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: هِيَ فِي جَمِيع السّنة.
ثمَّ اخْتلف المتفقون على أَنَّهَا فِي شهر رَمَضَان فِي آكِد لياليه تلتمس فِيهَا.

(1/257)


فَقَالَ الشَّافِعِي: لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين.
وَقَالَ مَالك: ليَالِي الْإِفْرَاد من الْعشْر الْأَوَاخِر كلهَا سَوَاء.
وَقَالَ أَحْمد: لَيْلَة سبع وَعشْرين.
قَالَ الْمُؤلف: وَالَّذِي رَأَيْته أَنا فِي لَيْلَة الْحَادِيَة وَالْعِشْرين كَمَا ذكرت من قبل إِلَّا أَنَّهَا لَيْلَة جُمُعَة.
وَأَخْبرنِي من أَثِق بِهِ أَنه رَآهَا لَيْلَة سبع وَعشْرين.
وَاتَّفَقُوا على أَن صَوْم يَوْم عَرَفَة مُسْتَحبّ لمن لم يكن بِمَعْرِِفَة.
وَكَذَلِكَ اتَّفقُوا على أَن صَوْم يَوْم عَاشُورَاء مُسْتَحبّ وَأَنه لَيْسَ بِوَاجِب.

(1/258)


وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب صَوْم أَيَّام ليَالِي الْبيض الَّتِي جَاءَ فِيهَا الحَدِيث وَهِي الثَّالِث عشر، وَالرَّابِع عشر، وَالْخَامِس عشر.
وَاخْتلفُوا فِي أفضل الْأَعْمَال بعد الْفَرَائِض.
فَقَالَ الشَّافِعِي: الصَّلَاة أفضل أَعمال الدّين وتطوعها أفضل التَّطَوُّع.
وَقَالَ أَحْمد: لَا أعلم شَيْئا بعد الْفَرَائِض أفضل من الْجِهَاد.
وَأما مَالك وَأَبُو حنيفَة فمذهبهما أَنه لَا شَيْء بعد فروض الْأَعْيَان من أَعمال الْبر أفضل من الْعلم ثمَّ الْجِهَاد.