اختلاف
الأئمة العلماء كتاب الزَّكَاة
وَأَجْمعُوا على أَن الزَّكَاة أحد أَرْكَان الْإِسْلَام، وَفرض من فروضه،
قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وءاتوا الزَّكَاة} ،
وَقَالَ {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا اللَّهِ مُخلصين لَهُ الدّين حنفَاء
ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة} .
قَالَ العتيبي: أصل الزَّكَاة النَّمَاء، وَالزِّيَادَة، وَسميت بذلك
لِأَنَّهَا تثمر المَال وتنمية، يُقَال: زَكَاة الزَّرْع إِذا كثر ريعه،
وزكت النَّفَقَة إِذا بورك فِيهَا وَمِنْه: {أقتلت نفسا زكيه} أَي نامية.
وَأَجْمعُوا على وجوب الزَّكَاة فِي أَرْبَعَة أَصْنَاف: فِي الْمَوَاشِي،
وجنس الْأَثْمَان، وعروض التِّجَارَة، والمكيل المدخر من الثِّمَار والزروع
بِصِفَات مَخْصُوصَة.
(1/191)
فنبدأ بِذكر مَا فِيهِ زَكَاة من كل صنف،
ثمَّ بِمَا اخْتلف فِيهِ، ثمَّ بِمَا لَا زَكَاة فِيهِ.
فَأَما الْمَوَاشِي: فَأَجْمعُوا على وجوب الزَّكَاة فِي الْإِبِل
وَالْبَقر وَالْغنم وَهِي بَهِيمَة الْأَنْعَام بِشَرْط أَن تكون سَائِمَة.
وَأَجْمعُوا على أَن الزَّكَاة فِي كل جنس من هَذِه الْأَجْنَاس
الثَّلَاثَة تجب بِكَمَال النّصاب واستقرار الْملك وَكَمَال الْحول، وَكَون
الْمَالِك حرا مُسلما.
وَاخْتلفُوا هَل يشْتَرط الْبلُوغ وَالْعقل؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يشْتَرط الْبلُوغ وَلَا الْعقل
بل الزَّكَاة وَاجِبَة فِي مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يشْتَرط ذَلِك وَلَا يجب عِنْده زَكَاة فِي مَال صبي
وَلَا مَجْنُون.
وَاتَّفَقُوا على أَن الزَّكَاة لَا تجب فِي شَيْء من ذَلِك كُله مَعَ وجود
هَذِه الشَّرَائِط إِلَّا أَن يكون السّوم صفة لَهَا. إِلَّا مَالِكًا
فَإِنَّهُ أوجب الزَّكَاة فِي العوامل من الْإِبِل وَالْبَقر، والمعلوفة من
الْغنم، لإيجابة ذَلِك فِي السَّائِمَة مِنْهَا والعوامل.
وَأَجْمعُوا على أَن النّصاب الأول فِي الْإِبِل خمس، وَأَن فِي خمس
مِنْهَا
(1/192)
شَاة، وَفِي عشر شَاتَان، وَخَمْسَة عشر
ثَلَاثَة شِيَاه، وَفِي الْعشْرين أَربع شِيَاه إِلَى الْخمس وَالْعِشْرين
فَفِيهَا بنت مَخَاض وَهِي بنت سنة كَامِلَة إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ،
فَإِذا بلغت سِتا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بنت لبون إِلَى خَمْسَة
وَأَرْبَعين، فَإِذا بلغت سِتا وَأَرْبَعين فَفِيهَا حقة إِلَى سِتِّينَ،
فَإِذا بلغت إِحْدَى وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَة إِلَى خمس وَسبعين،
فَإِذا بلغت سِتا وَسبعين فَفِيهَا بِنْتا لبون إِلَى تسعين، فَفِيهَا
حقتان إِلَى عشْرين وَمِائَة، فَإِذا زَادَت على الْعشْرين وَمِائَة
وَاحِدَة فَإِن الْفُقَهَاء اخْتلفُوا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تسْتَأْنف الْفَرِيضَة بعد الْعشْرين وَمِائَة فَفِي
كل خمس شَاة مَعَ الحقتين، إِلَى مائَة وَخَمْسَة وَأَرْبَعين فَيكون
الْوَاجِب فِيهَا حقتين وَبنت مَخَاض.
ثمَّ قَالَ: فَإِذا بلغت مائَة وَخمسين فَفِيهَا ثَلَاث حقات وتستأنف
الْفَرِيضَة بعد ذَلِك، فَيكون فِي كل خمس شَاة مَعَ ثَلَاث حقات، وَفِي
الْعشْر شَاتَان، وَفِي الْخَمْسَة عشر ثَلَاث شِيَاه، وَفِي الْعشْرين
أَربع شِيَاه وَفِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض، وَفِي سِتّ وَثَلَاثِينَ بنت
لبون، فَإِذا بلغت مائَة وَسِتَّة وَتِسْعين فَفِيهَا أَربع حقاق إِلَى
مِائَتَيْنِ، ثمَّ تسْتَأْنف الْفَرِيضَة أبدا كَمَا استؤنف فِي الْخمسين
الَّتِي بعد الْمِائَة وَالْخمسين.
(1/193)
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي اظهر
رِوَايَته: أَن زِيَادَة الْوَاحِدَة تغير الْفَرِيضَة، فَيكون فِي مائَة
وَإِحْدَى وَعشْرين ثَلَاث بَنَات لبون، وتستقر الْفَرِيضَة عِنْد مائَة
وَعشْرين فَيكون فِي كل خمسين حَقه، وَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وعَلى
هَذَا أبدا قلت: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.
وَعند أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنه لَا يتَغَيَّر الْفَرْض إِلَّا
بِزِيَادَة عشر، فَلَا شَيْء فِي زيادتها حَتَّى تبلغ ثَلَاثِينَ وَمِائَة
فَيكون الحقتان فِي إِحْدَى وَتِسْعين إِلَى مائَة وَسَبْعَة وَعشْرين
فَإِذا صَارَت مائَة وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا حقة وبنتا لبون، وَهِي
اخْتِيَار عبد الْعَزِيز من أَصْحَابه وَبهَا يَقُول أَبُو عبيد الْقَاسِم
ابْن سَلام، وَمُحَمّد بن إِسْحَاق، وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالروايتين
عِنْد أَحْمد سَوَاء إِلَّا أَن أظهرهمَا عِنْد أَصْحَابه.
مَا رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم، وَابْن الحكم وَغَيرهمَا: أَنَّهَا إِن زَادَت
عَن عشْرين وَمِائَة فالساعي بِالْخِيَارِ بَين أَن يَأْخُذ ثَلَاث بَنَات
لبون، أَو حقتين، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى رَوَاهَا عبد الْملك بن عبد
الْعَزِيز عَنهُ أَنه: لَا يتَغَيَّر الْفَرْض إِلَّا بِزِيَادَة عشر
حَتَّى تصير
(1/194)
ثَلَاثِينَ وَمِائَة، فَإِذا صَارَت
كَذَلِك أَخذ من كل خمسين حقة وَمن كل أَرْبَعِينَ بنت لبون.
قَالَ أَصْحَابه: وَهَذَا هُوَ الْأَصَح قِيَاسا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ عِنْده خمس من الْإِبِل فَأخْرج مِنْهَا
وَاحِدَة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تُجزئه.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا تُجزئه وَالْوَاجِب شَاة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا بلغت الْإِبِل خمْسا وَعشْرين وَلم يكن فِي مَاله
بنت مَخَاض، وَلَا ابْن لبون؟
فَقَالَ مَالك وَأحمد: يلْزمه شِرَاء بنت مَخَاض، وَقَالَ الشَّافِعِي:
هُوَ مُخَيّر بَين شِرَائهَا وَشِرَاء ابْن لبون.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تُجزئه بنت مَخَاض أَو قيمتهَا.
وَأَجْمعُوا على أَنه البخت والعراب والذكور وَالْإِنَاث فِي ذَلِك سَوَاء.
وَأَجْمعُوا على أَنه يُؤْخَذ من الصغار صَغِيرَة، وَمن المراض مَرِيضَة،
وَأَن الْحَامِل إِذا أخرجهَا مَكَان الْحَائِل لَا تُجزئ عَن الْحَامِل.
(1/195)
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِنَّمَا يُؤْخَذ من
الصغار صَغِيرَة فِي الْغنم خَاصَّة، ولأصحابه فِي العجول والفصلان
وَجْهَان.
وَاتَّفَقُوا على أَن النّصاب الأول فِي الْبَقر ثَلَاثُونَ وَأَنه إِذا
بلغتهَا فَفِيهَا تبيع أَو تبيعة، فَإِذا بلغت أَرْبَعِينَ فَفِيهَا
مُسِنَّة.
ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: ثمَّ لَا شَيْء
فِيهَا سوى مُسِنَّة إِلَى تسع وَخمسين، فَإِذا بلغت سِتِّينَ فَفِيهَا
تبيعان إِلَى تسع وَسِتِّينَ، فَإِذا بلغت سبعين فَفِيهَا تبيع ومسنة،
فَإِذا بلغت ثَمَانِينَ فَفِيهَا مسنتان، وَفِي تسعين ثَلَاثَة أتبعة،
وَفِي مائَة تبيعان ومسنة، وعَلى هَذَا ابدا يتَغَيَّر الْفَرْض فِي كل
عشرَة من تبيع إِلَى مُسِنَّة.
وَاخْتلف عَن أبي حنيفَة فَروِيَ عَنهُ كمذهب الْجَمَاعَة الْمَذْكُورَة،
وصاحباه أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد على هَذِه الرِّوَايَة وَعنهُ رِوَايَة
أُخْرَى لَا شَيْء فِيمَا زَاد على الْأَرْبَعين سوى مُسِنَّة إِلَى أَن
تبلغ خمسين، فَيكون فِيهَا مُسِنَّة وَربع وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة وَهِي
الَّتِي عَلَيْهَا أَصْحَابه الْيَوْم أَنه يجب فِي الزِّيَادَة على
الْأَرْبَعين بِحِسَاب ذَلِك إِلَى السِّتين فَيكون فِي الْوَاحِدَة ربع
عشر مُسِنَّة، وَفِي الِاثْنَيْنِ نصف عشر مُسِنَّة، وَفِي الثَّلَاثَة
ثَلَاثَة أَربَاع عشر مُسِنَّة.
وَاتَّفَقُوا على أَن الجاموس وَالْبَقر فِي ذَلِك سَوَاء.
وَاتَّفَقُوا على أَن من ملك نِصَابا من الْبَقر الْوَحْش سَائِمَة أَنه
لَا زَكَاة فِيهَا.
(1/196)
إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ أوجب فِيهَا
الزَّكَاة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ.
وَاخْتلفُوا فِي الوقص وَهُوَ مَا بَين الفريضتين هَل الزَّكَاة وَاجِبَة
فِيهِ، وَفِي النّصاب أم فِي النّصاب دون الوقص؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: الزَّكَاة فِي النّصاب دون الوقص.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: تجب فِي النّصاب والوقص، وَفِي
الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تجب فِي النّصاب دون الوقص.
قَالَ عبد الْوَهَّاب: وَهُوَ الظَّاهِر من الْمَذْهَب.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالروايتين إِلَّا أَن أظهرهمَا وجوب الزَّكَاة
فِي النّصاب دون الوقص.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْخَيل إِذا كَانَت معدة للتِّجَارَة فَفِي قيمتهَا
الزَّكَاة إِذا بلغت نِصَابا.
وَاخْتلفُوا فِي زَكَاة الْخَيل إِذا لم تكن للتِّجَارَة.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا زَكَاة فِيهَا بِحَال إِذا لم
تكن للتِّجَارَة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَت سَائِمَة الْخَيل ذُكُورا وإناثا
فَفِيهَا الزَّكَاة، وَإِذا كَانَت
(1/197)
ذُكُورا مُنْفَرِدَة فَلَا زَكَاة فِيهَا.
وَصَاحب الْجِنْس الْوَاجِب فِيهِ مِنْهَا الزَّكَاة بِالْخِيَارِ إِن
شَاءَ أعْطى عَن كل فرس دِينَار، وَإِن شَاءَ قَومهَا فَأعْطى عَن كل
مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم، وَيعْتَبر فِيهَا الْحول والنصاب
بِالْقيمَةِ من أول الْحول إِذا كَانَ يُؤَدِّي الدَّرَاهِم عَن الْقيمَة
وَإِن كَانَ يُؤَدِّي بِالْعدَدِ من غير تَقْوِيم أدّى عَن كل رَأس
دِينَارا، إِذا تمّ حوله وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَن الْخِيَار فِي ذَلِك
السَّاعِي.
وَاتَّفَقُوا على أَن البغال وَالْحمير إِذا كَانَت معدة للتِّجَارَة فَإِن
فِيهَا الزَّكَاة وَأَن حكمهَا حكم التِّجَارَات فِي اعْتِبَار الْحول
والنصاب بالتقويم.
وَاتَّفَقُوا على أَنَّهَا إِذا لم تكن للتِّجَارَة فَلَا زَكَاة فِيهَا.
بَاب زَكَاة المَال
أَجمعُوا على أَن أول النّصاب فِي الْغنم أَرْبَعُونَ فَإِذا بلغتهَا
فَفِيهَا شَاة ثمَّ لَا شَيْء فِي زيادتها إِلَى أَن تبلغ مائَة وَعشْرين
فَالْوَاجِب فِيهَا شَاة، فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا شَاتَان إِلَى
الْمِائَتَيْنِ، فَإِذا زَادَت على الْمِائَتَيْنِ وَاحِدَة فَفِيهَا
ثَلَاث شِيَاه إِلَى ثَلَاثمِائَة، فَإِذا بلغت أَرْبَعمِائَة فَفِيهَا
أَربع شياة ثمَّ فِي كل مائَة شَاة، وعَلى هَذَا الضَّأْن والماعز متوازين.
(1/198)
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ملك من الْغنم
عشْرين ثمَّ توالدت عشْرين سخلة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة
الْمَشْهُورَة: يسْتَأْنف الْحول من يَوْم ملك الْأُمَّهَات وَجَبت
الزَّكَاة.
وَاخْتلفُوا فِي السخال والحملان والعجاجيل إِذا تمّ نصابها وَكَانَت
مُنْفَرِدَة عَن أمهاتها هَل تجب فِيهَا الزَّكَاة؟
فَقَالَ مَالك وَالْإِمَام الشَّافِعِي وَأحمد: إِذا ملك أَرْبَعِينَ سخلة
أَو ثَلَاثِينَ عجلا ابْتَدَأَ الْحول عَلَيْهَا من حِين ملكيتها،
وَكَذَلِكَ إِن نتجتها عِنْده الْأُمَّهَات وَمَاتَتْ الْأُمَّهَات قبل
تَمام الْحول، بني حول السخال والعجاجيل على حول الْأُمَّهَات.
إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ: يخرج عَنْهَا الْجَذعَة من الضَّأْن أَو
الثَّنية من الماعز.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب فِيهَا الزَّكَاة وَلَا ينْعَقد عَلَيْهَا
حول وَلَا يكمل بهَا حول الْأُمَّهَات إِلَّا أَن يبْقى شَيْء من
الْأُمَّهَات، وَلَو وَاحِدَة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة مثله.
وَاخْتلفُوا فِي المتولدة بَين الظباء وَالْغنم، وَبَين الْبَقر الأنسية
والوحشية.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَت الْأُمَّهَات وحشية فَلَا تجب الزَّكَاة
فِيهَا، وَإِن كَانَت الْأُمَّهَات أَهْلِيَّة وَجَبت الزَّكَاة فِيهَا،
وَقَالَ مَالك كَذَلِك فِيمَا حَكَاهُ ابْن نصر.
وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي: لَا تجب الزَّكَاة فِيهَا بِحَال.
وَقَالَ أَحْمد: تجب فِيهَا الزَّكَاة سَوَاء كَانَت الْأُمَّهَات
أَهْلِيَّة والفحول وحشية، أَو الْأُمَّهَات وحشية والفحول أَهْلِيَّة.
(1/199)
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَت الْغنم
كبارًا فَمَا الَّذِي يُؤْخَذ مِنْهَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تُؤْخَذ من الجنسين جَمِيعًا الضَّأْن والماعز الثني
خَاصَّة فَمَا فَوْقه.
وَقَالَ مَالك: يُؤْخَذ مِنْهَا الْجَذعَة من الضَّأْن خَاصَّة فَمَا
فَوْقهَا. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يُؤْخَذ الْجَذعَة من الضَّأْن
والثنى من الماعز فَمَا فَوْقهَا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَت غنمه إِنَاثًا كلهَا، أَو ذُكُورا وإناثا،
أَو ذُكُورا وَحدهَا، مَا الَّذِي يُؤْخَذ من كل مِنْهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز أَخذ الذُّكُور من كل مِنْهَا.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِن كَانَت إِنَاثًا كلهَا، أَو
ذُكُورا وإناثا، لم يجز إِلَّا الْأُنْثَى، وَإِن كَانَت كلهَا ذُكُورا
أَجْزَأَ الذّكر.
والجذع من الضَّأْن: هُوَ الَّذِي لَهُ سِتَّة أشهر.
والثني من الماعز: هُوَ الَّذِي لَهُ سنة.
وَبنت الْمَخَاض: سميت بنت مَخَاض لِأَن أمهَا قد لحقها الْمَخَاض وَهُوَ
وجع الْولادَة.
وَابْن اللَّبُون: هُوَ الَّذِي لَهُ سنتَانِ، وَدخل فِي الثَّالِثَة.
(1/200)
وَبنت اللَّبُون مثله. سميت بنت لبون لِأَن
أمهَا يؤمئذ لبون أَي ذَات لبن.
والحقة: الَّتِي لَهَا ثَلَاث سِنِين وَدخلت فِي الرَّابِعَة، وَسميت حقة
لِأَنَّهَا اسْتحقَّت أَن تركب وَيحمل عَلَيْهَا.
وَيُقَال للذّكر حق، وَقيل: سميت بذلك لِأَنَّهَا اسْتحقَّت أَن يطرقها
الْفَحْل.
والجذعة من الْإِبِل: هِيَ الَّتِي لَهَا أَربع سِنِين وَدخلت فِي
الْخَامِسَة، وَهُوَ أَعلَى سنّ يُؤْخَذ فِي الزَّكَاة.
والتبيع: هُوَ الَّذِي لَهُ سنة، والتبيعة: مثله.
والمسنة: الَّتِي لَهَا سنتَانِ.
والنصاب: عبارَة عَن الْمِقْدَار الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ الْفَرِيضَة.
والوقص: مَا بَين الفريضتين، وَيُقَال: فِيهِ وقص ووقص بتحريك الْقَاف
وتسكينها.
والسائمة: عبارَة عَمَّا يَكْتَفِي من الْمَوَاشِي بالرعي فِي أَكثر
الْحول.
بَاب الْخلطَة
اتَّفقُوا على أَن الْخلطَة لَهَا تَأْثِير فِي وجود الزَّكَاة فِي
الْمَوَاشِي.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا تَأْثِير لَهَا فِي ذَلِك.
ثمَّ اخْتلف مؤثروها فِي الْمَاشِيَة هَل تُؤثر فِيمَا عدا الْمَوَاشِي؟
فَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه وَالشَّافِعِيّ فِي إِحْدَى
قوليه: إِنَّهَا لَا تُؤثر.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر، وَأحمد فِي الرِّوَايَة
الْأُخْرَى: أَن لَهَا تَأْثِيرا فِي جَمِيع الْأَمْوَال.
ثمَّ اخْتلف موجبوا التَّأْثِير بالخلطة فِي مقدارها.
فَقَالَ مَالك: تأثيرها أَن يكون لكل وَاحِد من الخليطين نِصَاب.
(1/201)
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يَصح
التَّأْثِير بذلك، وَبِأَن يكون لكل وَاحِد مِنْهُمَا أقل من النّصاب.
بَاب زَكَاة الزَّرْع
اتَّفقُوا على أَن النّصاب مُعْتَبر فِي الزروع وَالثِّمَار.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر فِيهِ النّصاب بل يجب الْعشْر
فِي قَليلَة وكثيرة.
وَمِقْدَار النّصاب فِيهِ خَمْسَة أوسق والوسق سِتُّونَ صَاع، والصاع
خَمْسَة أَرْطَال وَثلث رَطْل عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وهم
الَّذين يرَوْنَ اعْتِبَار النّصاب، فَيكون مِقْدَار نصابه ألف رَطْل
وسِتمِائَة رَطْل.
وَاخْتلفُوا فِي الْجِنْس الَّذِي يجب فِيهِ الْحق مَا هُوَ؟ وَمَا قدر
الْوَاجِب فِيهِ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجب فِي كل مَا أخرجت الأَرْض فِي قَليلَة وكثيرة
الْعشْر، سَوَاء سقِِي بتسييج أَو سقته السَّمَاء إِلَّا الْحَطب والحشيش
والقصب خَاصَّة.
(1/202)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: الْجِنْس
الَّذِي يجب فِيهِ الْحق هُوَ مَا ادخر خَاصَّة، واقتيت بِهِ كالحنطة
وَالشعِير والأرز وَغَيره.
وَقَالَ أَحْمد: يجب الْعشْر فِي كل مَا يُكَال ويدخر من الزروع
وَالثِّمَار.
ففائدة الْخلاف بَين مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: أَن أَحْمد يجب عِنْده
الْعشْر فِي السمسم وبذر الْكَتَّان والكمون والكراوية والخردل واللوز
والفستق.
وَعِنْدَهُمَا لَا يجب ذَلِك فِيهِ.
وَفَائِدَة الْخلاف مَعَ أبي حنيفَة أَن عِنْده يجب فِي الخضروات كلهَا،
وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا زَكَاة فِيهَا.
وَمِقْدَار الْوَاجِب فِيمَا تجب فِيهِ الزَّكَاة من ذَلِك عِنْد أبي
حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد على اخْتلَافهمْ فِيهِ كَمَا ذكرنَا
الْعشْر مَعَ كَونه يسقى سيحا بِلَا مُؤْتَة أَو سقته السَّمَاء وَإِن
كَانَ يسقى بالنواضح والكلف فَنصف الْعشْر.
وَاخْتلفُوا فِي الزَّيْتُون، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي
إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالشَّافِعِيّ فِي إِحْدَى الْقَوْلَيْنِ: فِيهِ
الزَّكَاة.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى:
لَا زَكَاة فِيهِ.
(1/203)
وَاخْتلفُوا هَل يجمع الْعشْر وَالْخَرَاج؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ فِي الزَّرْع من أَرض الْخراج عشر.
وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: أَرض الْخراج فِيهَا الْعشْر لِأَن
الْعشْر فِي غَلَّتهَا، وَالْخَرَاج فِي رقبَتهَا.
بَاب زَكَاة النّصاب
أَجمعُوا على أَن أول النّصاب فِي أَجنَاس الْأَثْمَان، وَهِي الذَّهَب
وَالْفِضَّة، مَضْرُوبا أَو مكسورا أَو تبرا أَو نقرة، عشرُون دِينَارا من
الذَّهَب، وَمِائَتَا دِرْهَم من الْفضة.
فَإِذا بلغت الدَّرَاهِم مِائَتَا دِرْهَم وَالذَّهَب عشرُون دِينَارا
وَحَال عَلَيْهِ الْحول فَفِيهِ ربع الْعشْر.
وَاخْتلفُوا فِي زِيَادَة النّصاب فيهمَا.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تجب الزَّكَاة فِي زيادتها
بِالْحِسَابِ وَإِن قلت الزِّيَادَة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب فِيمَا زَاد على المائتي دِرْهَم حَتَّى
تبلغ الزِّيَادَة أَرْبَعِينَ درهما، وَلَا على هَذَا الذَّهَب حَتَّى تبلغ
أَرْبَعَة دَنَانِير، فَيكون فِي الْأَرْبَعين دِرْهَم، وَفِي الْأَرْبَعَة
دَنَانِير فيراطان وَلَيْسَ فِيمَا دون الْأَرْبَعين وَالْأَرْبَعَة شَيْء.
(1/204)
وَاخْتلفُوا هَل يضم الذَّهَب إِلَى
الْوَرق فِي تَكْمِيل النّصاب؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يضم.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يضم.
ثمَّ اخْتلف من قَالَ بِالضَّمِّ: هَل يضم الذَّهَب إِلَى الْوَرق ويكمل
النّصاب بالإجزاء أَو بِالْقيمَةِ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يضم بِالْقيمَةِ.
مِثَاله: أَن يكون عِنْده مائَة دِرْهَم وَخَمْسَة دَنَانِير قيمتهَا مائَة
دِرْهَم.
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: يضم بالإجزاء فَيكون على
قَول من يَقُول: يضم بالأجزاء لَا يجب عَلَيْهِ فِي هَذِه الصُّورَة شَيْء
حَتَّى يكمل النّصاب بالأجزاء من الجنسين، وَمن قَالَ بِالْقيمَةِ أوجب
عَلَيْهِ الزَّكَاة فِيهَا.
بَاب زَكَاة الحلى
اخْتلفُوا فِي زَكَاة الحلى الْمُبَاح إِذا كَانَ مِمَّا يلبس ويعار.
فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا تجب فِيهِ الزَّكَاة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجب فِيهِ الزَّكَاة، وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ
كالمذهبين.
(1/205)
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يعْتَبر الْحول
فِي زَكَاة الْمَعْدن إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي أَنه يعْتَبر فِيهِ
الْحول.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي زَكَاة الْمَعْدن بِأَيّ شَيْء تتَعَلَّق الزَّكَاة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تتَعَلَّق بِكُل مَا ينطبع.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا تتَعَلَّق إِلَّا بِالذَّهَب
وَالْفِضَّة.
وَقَالَ أَحْمد: تتَعَلَّق بِكُل خَارج من الأَرْض مِمَّا ينطبع كالذهب
وَالْفِضَّة وَالْحَدِيد، وَبِمَا لَا ينطبع كالدر والفيروز والياقوت
والعنبر والمغرة والنورة.
وَاتَّفَقُوا على اعْتِبَار النّصاب فِي الْمَعْدن.
إِلَّا أَبَا حنيفَة، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يعْتَبر فِيهِ النّصاب بل يجب
فِي قَليلَة وكثيرة الْخمس.
وَاخْتلفُوا فِي قدر الْوَاجِب من الْمَعْدن.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: الْخمس، وَقَالَ مَالك: فِيهِ ربع الْعشْر،
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى إِن أَصَابَهَا مجتمعة من غير تَعب وَلَا معالجة،
وَجب الْخمس، وَإِن أَصَابَهَا مُتَفَرِّقَة بتعب وَمؤنَة فربع الْعشْر.
وَقَالَ الشَّافِعِي ثَلَاثَة أَقْوَال، أَحدهَا: أَنَّهَا ربع الْعشْر،
وَالثَّانيَِة: الْخمس،
(1/206)
وَالثَّالِثَة: إِن أَصَابَهَا مجتمعة
بِلَا تَعب فالخمس، وَإِن كَانَت بتعب فربع الْعشْر كالثانية عَن مَالك.
وَاخْتلفُوا فِي مصرفه، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: مصرفه مصرف الْفَيْء إِن
وجده فِي أَرض الْخراج الْعشْر، فَأَما إِذا وجده فِي دَاره فَهُوَ لَهُ
وَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: مصرفه مصرف الْفَيْء.
اتَّفقُوا على وجوب الْخمس فِي الرِّكَاز - وَهُوَ دَفِين الْجَاهِلِيَّة -
فِي جَمِيع الْأَشْيَاء.
إِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْجَدِيد من قوليه: لَا يجب
الْخمس إِلَّا فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة خَاصَّة. وَهُوَ مَذْهَب مَالك.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن وجده فِي صحراء دَار الْحَرْب فَلَا خمس فِيهِ
وَهُوَ لواجده.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يعْتَبر فِيهِ النّصاب إِلَّا فِي أحد قولي
الشَّافِعِي أَنه يعْتَبر فِيهِ.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يعْتَبر فِيهِ الْحول.
وَاخْتلفُوا فِي مصرف الْخمس فِيهِ، فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيهِ قَوْله فِي
الْمَعْدن، وَقَالَ
(1/207)
الشَّافِعِي وَأحمد: مصرف الصَّدقَات كمصرف
زَكَاة الْمَعْدن.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: يصرف مصرف الْفَيْء، وَالْأُخْرَى:
مصرف الزَّكَاة.
وَقَالَ مَالك: هُوَ والغنائم والجزية وَمَا أَخذ من تجار أهل الذِّمَّة
وَمَا صولح عَلَيْهِ الْكفَّار، ووظائف الْأَرْضين كل ذَلِك يجْتَهد فِي
مصارفه الإِمَام عَليّ قدر مَا يرى من الْمصلحَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَن وجد فِي دَاره ركازا، وَكَانَ ملكهَا من غَيره. فَقَالَ
أَبُو حنيفَة: يخمسه وَالْبَاقِي لصَاحب الخطة ولوارثة من بعده، فَإِن لم
يعرف لَهُ وَارِث فلبيت المَال.
وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك فَمنهمْ من قَالَ: هُوَ لواجده بعد تخميسه،
وَمِنْهُم من قَالَ: لصَاحب الأَرْض. وَمِنْهُم من قَالَ: ينظر الَّتِي وجد
فِيهَا، فَإِن كَانَت عنْوَة كَانَ للجيش الَّذِي افتتحها، وَإِن كَانَت
صلحا فَهُوَ لمن صَالح عَلَيْهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لواجده إِن ادَّعَاهُ فَإِن لم يَدعه فَهُوَ
للْمَالِك الأول الَّذِي انْتَقَلت الدَّار عَنهُ.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: هُوَ لَهُ بخمسه، وَالْأُخْرَى:
كمذهب الشَّافِعِي
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا تجب الزَّكَاة فِي كل مَا يخرج من الْبَحْر من
لُؤْلُؤ ومرجان وَزَبَرْجَد وَعَنْبَر ومسك وسمك وَغَيره، وَلَو بلغت
قِيمَته نِصَابا إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد: أَنه
إِذا بلغت قِيمَته نِصَابا فَفِيهِ الزَّكَاة، وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُف
فِي اللُّؤْلُؤ والعنبر.
(1/208)
وَاخْتلفُوا فِيمَن اسْتَأْجر أَرضًا
فزرعها.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْعشْر على صَاحب الأَرْض.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْعشْر على الْمُسْتَأْجر.
وَاخْتلفُوا فِي أَرض الْمكَاتب: هَل يجب عَلَيْهَا عشر؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجب فِيهَا الْعشْر.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجب عَلَيْهَا الْعشْر.
وَأَجْمعُوا على أَنه لَيْسَ فِي دور السكن، وَثيَاب الْبدن، وأثاث
الْمنزل، ودواب الرّكُوب، وَعبيد الْخدمَة، وَسلَاح الِاسْتِعْمَال زَكَاة.
وَاتَّفَقُوا على من امْتنع من أَدَاء الزَّكَاة مستحلا لذَلِك غير
مُعْتَقد لوُجُوبهَا أَنه كَافِر إِذا كَانَ مِمَّن لَيْسَ بِحَدِيث عهد
بِالْإِسْلَامِ، عرف وبصر، فَإِن لم يقر قتل كفرا بعد استتابته.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن اعْتقد وُجُوبهَا، وَامْتنع من إخْرَاجهَا، وَقَاتل
على ذَلِك هَل يكفر أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يكفر.
(1/209)
وَاخْتلف عَن أَحْمد، فَروِيَ عَنهُ أَنه
يكفر فَاعل ذَلِك، وَيقتل بعد الْمُطَالبَة بِهِ واستتابته، وَالثَّانيَِة:
يُقَاتل عَلَيْهَا وَيقتل إِن لم يؤد وَلَا يكفر.
وَقَالَ ابْن حبيب من أَصْحَاب مَالك: إِن تَركهَا متهاونا فَهُوَ كَافِر،
وَكَذَلِكَ تَارِك الصَّوْم وَالْحج، وَسَائِر أَرْكَان الْإِسْلَام.
وَاخْتلفُوا فِيمَن اعْتقد وُجُوبهَا وَلم يؤدها بخلا وشحا غير أَنه لم
يُقَاتل على الْمَنْع.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يكفر وَلَا يقتل.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي مَاذَا يفعل بِهِ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُطَالب بهَا وَيحبس حَتَّى يُؤَدِّي.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: تُؤْخَذ وَشطر مَاله مَعهَا.
وَقَالَ فِي الْجَدِيد: تُؤْخَذ مِنْهُ ويعذر، وَكَذَا قَالَ مَالك.
وَقَالَ أَحْمد: يُطَالِبهُ الإِمَام بهَا ويستتيبه ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن
أَدَّاهَا، وَإِلَّا قتل، وَلم يحكم بِكُفْرِهِ.
بَاب صَدَقَة الْفطر
اتَّفقُوا على وجوب زَكَاة الْفطر على الْأَحْرَار الْمُسلمين ثمَّ
اخْتلفُوا فِي صَدَقَة
(1/210)
من يجب عَلَيْهِ مِنْهُم؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ من يكون عِنْده فضل عَن قوت
يَوْم الْعِيد وَلَيْلَته لنَفسِهِ وَعِيَاله الَّذين تلْزمهُ مؤنتهم
بِمِقْدَار زَكَاة الْفطر، فَإِن كَانَ ذَلِك عِنْده لَزِمته.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجب إِلَّا على من ملك نِصَابا أَو مَا قِيمَته
نِصَاب فَاضلا عَن مَسْكَنه وأثاثه وثيابه وفرسه وسلاحه وَعَبده.
وَاتَّفَقُوا على من كَانَ مُخَاطبا بِزَكَاة الْفطر على اخْتلَافهمْ فِي
صفته أَنه تجب عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر عَن نَفسه وَعَن غَيره من أَوْلَاده
الصغار ومماليكه الْمُسلمين الَّذين لَيْسُوا للتِّجَارَة، وَاخْتلفُوا فِي
وَقت وُجُوبهَا على من تجب عَلَيْهِ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجب بِطُلُوع الْفجْر من أول يَوْم من شَوَّال.
وَقَالَ أَحْمد: تجب بغروب الشَّمْس من آخر يَوْم من شهر رَمَضَان، وَعَن
مَالك وَالشَّافِعِيّ كالمذهبين الْجَدِيد من قولي الشَّافِعِي كمذهب
أَحْمد.
وَاتَّفَقُوا على أَنَّهَا لَا تسْقط عَمَّن وَجَبت عَلَيْهِ بِتَأْخِير
أَدَائِهَا وَهِي دين عَلَيْهِ حَتَّى يُؤَدِّيهَا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه تُجزئ إخْرَاجهَا من خَمْسَة أَصْنَاف: الْبر،
وَالشعِير،
(1/211)
وَالتَّمْر، وَالزَّبِيب، والأقط، إِذا
كَانَ قوتا حَيْثُ تخرج، إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي فِي الأقط
خَاصَّة أَنه لَا يُجزئ، وَإِن كَانَ قوتا لمن يعطاه.
وَالْمَشْهُور من مذْهبه جَوَازه.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي قدر الْوَاجِب من كل. فاتفقوا على أَنه صَاع من كل جنس
من الْأَجْنَاس الْخَمْسَة، إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يُجزئ من
الْبر خَاصَّة نصف صَاع.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي قدر الصَّاع. فَقَالَ أَبُو حنيفَة: ثَمَانِيَة
أَرْطَال بالعراقي، وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: خَمْسَة أَرْطَال
وَثلث بالعراقي.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يجب على الابْن الْمُوسر، وَإِن سفل زَكَاة الْفطر
عَن أَبَوَيْهِ، وَإِن علو إِذا كَانَا معسرين إِلَّا أَبَا حنيفَة
فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجب عَلَيْهِ ذَلِك.
وَقَالَ مَالك: لَا يجب عَلَيْهِ الْإِخْرَاج عَن أحد أجداده خَاصَّة.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا تلْزمهُ زَكَاة الْفطر عَمَّن يتَبَرَّع
بِنَفَقَتِهِ إِلَّا أَحْمد، فَإِنَّهُ قَالَ: إِن تطوع بِنَفَقَتِهِ شخص
مُسلم لَزِمته زَكَاته.
(1/212)
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يلْزم الْمكَاتب
أَن يخرج الْفطر من المَال الَّذِي فِي يَده إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ
قَالَ: يلْزمه. وَحكى عَن الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وَمَالك: أَن
السَّيِّد يُزكي عَنهُ.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يلْزم الزَّوْج إِخْرَاج فطْرَة زَوجته.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يلْزمه ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يجب على السَّيِّد فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يلْزمه
ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجب على السَّيِّد أَن يخرج زَكَاة الْفطر عَن
عبيده الْكفَّار، إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يجب عَلَيْهِ
ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على أَن العَبْد إِذا كَانَ بَين مالكين فَإِنَّهُ يلْزمهُمَا
عَنهُ صَدَقَة الْفطر، إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا
يلْزمهُمَا شَيْء.
وَاخْتلفُوا موجبوا الزَّكَاة عَلَيْهِمَا فِي مِقْدَار مَا يجب على كل
وَاحِد مِنْهُمَا؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يلْزم كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف صَاع.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاع
كَامِل، وَالثَّانيَِة: كمذهبهما.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يجب على الْأَب إِخْرَاج زَكَاة الْفطر عَن
أَوْلَاده الْكِبَار إِذا كَانُوا فِي عِيَاله.
(1/213)
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا
يجب عَلَيْهِ ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز أَن يعجل زَكَاة الْفطر قبل الْعِيد بِيَوْم
أَو يَوْمَيْنِ. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا زَاد على ذَلِك.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز تَقْدِيمهَا من أول الشَّهْر.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يجوز.
وَاخْتلفُوا فِي الدَّقِيق والسويق هَل يجوز إِخْرَاجه من زَكَاة الْفطر
على نفس الْوَاجِب لَا على طَرِيق الْقيمَة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجوز.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز إِخْرَاج الْقيمَة فِي زَكَاة الْفطر.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يجوز.
وَاخْتلفُوا فِي الْأَفْضَل من الْأَجْنَاس.
فَقَالَ مَالك وَأحمد: التَّمْر أفضل ثمَّ الزَّبِيب.
وَقَالَ الشَّافِعِي: الْبر أفضل، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: أفضل ذَلِك
أَكْثَره ثمنا.
بَاب تَفْرِقَة الزَّكَاة
اتَّفقُوا على أَنه يجوز وضع الصَّدقَات فِي صنف وَاحِد من الْأَصْنَاف
الثَّمَانِية
(1/214)
إِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ: لَا
يجوز إِلَّا الِاسْتِيعَاب للأصناف إِلَّا أَن يعلم مِنْهُم وَاحِد فيوفر
حَظه على البَاقِينَ فِي أحد الْقَوْلَيْنِ، وَالْقَوْل الآخر: أَنه ينْقل
إِلَى ذَلِك الصِّنْف من أقرب الْبِلَاد إِلَيْهِ وَأَقل مَا يُجزئ عِنْده
أقل الْجمع وَهُوَ ثَلَاثَة.
بَاب الْمصرف
اتَّفقُوا على دفع الزَّكَاة إِلَى الثَّمَانِية أَصْنَاف الْمَذْكُورَة
فِي الْقُرْآن، وهم: الفقرا، وَالْمَسَاكِين، (والعاملون) عَلَيْهَا
والمؤلفة قُلُوبهم، وَفِي الرّقاب، وهم المكاتبون عِنْد الْكل سوى مَالك،
والغارمون وهم المدينون، وَفِي سَبِيل اللَّهِ وهم الْغُزَاة، وَابْن
السَّبِيل وهم المسافرون.
وَصفَة الْفَقِير عِنْد مَالك وَأبي حنيفَة أَنه الَّذِي لَهُ بعض
كِفَايَته ويعوز بَاقِيهَا.
وَصفَة الْمِسْكِين عِنْدهمَا أَنه الَّذِي لَا شَيْء لَهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: بل الْفَقِير الَّذِي لَا شَيْء لَهُ، والمسكين هُوَ
الَّذِي لَهُ بعض مَا يَكْفِيهِ.
قَالَ الْوَزير رَحمَه اللَّهِ: وَهُوَ الصَّحِيح عِنْدِي لِأَن اللَّهِ عز
وَجل بَدَأَ بِهِ فَقَالَ: {للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} .
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم هَل نفي الْآن حكمهم؟
(1/215)
فَقَالَ أَحْمد: حكمهم بَاقٍ لم ينْسَخ،
وَمَتى وجد الإِمَام قوما من الْمُشْركين يخَاف الضَّرَر بهم وَيعلم
بِإِسْلَامِهِمْ مصلحَة جَازَ أَن يتألفهم بِمَال الزَّكَاة، وَعنهُ
رِوَايَة أُخْرَى أَن حكمهم مَنْسُوخ وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة، وَقَالَ
الشَّافِعِي: هم ضَرْبَان: كفار ومسلمون، فمؤلفة الْكفَّار ضَرْبَان: ضرب
يُرْجَى خَيره، وَضرب يكف شَره، وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يعطيهم، فَهَل يُعْطون بعده؟ ، على قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا: يُعْطون، وَالْآخر: لَا يُعْطون.
ومؤلفة الْإِسْلَام على أَرْبَعَة أضْرب: قوم مُسلمُونَ سَرفًا يُعْطون
ليرغب نظرائهم فِي الْإِسْلَام، وَآخَرُونَ نيتهم ضَعِيفَة فِي الْإِسْلَام
يُعْطون لتقوى نياتهم فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يعطيهم، فَهَل يُعْطون بعده؟ فِيهِ قَولَانِ، أَحدهمَا: لَا يُعْطون،
والأخر: يُعْطون.
وَمن أَيْن يُعْطون؟ فِيهِ قَولَانِ، أَحدهمَا: من الزَّكَاة، وَالثَّانِي:
من خمس الْخمس.
وَالضَّرْب الثَّالِث: قوم مُسلمُونَ يليهم قوم من الْكفَّار، وَإِن أعْطوا
قاتلوهم، وَقوم يليهم قوم من أهل الصَّدقَات إِن أعْطوا جبوا الصَّدقَات
فَعنده فيهم أَرْبَعَة أَقْوَال، أَحدهَا: أَنهم يعطو من سهم الْمصَالح،
وَالثَّانِي: من سهم الْمُؤَلّفَة من الزَّكَاة، وَالثَّالِث: من سهم
الْغُزَاة، وَالرَّابِع: من سهم الْمُؤَلّفَة.
(1/216)
وَقَالَ مَالك: لم يبْق للمؤلفة سهم لغنى
الْمُسلمين عَنْهُم، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَنهُ، وَعنهُ رِوَايَة
أُخْرَى أَنهم إِن احْتَاجَ إِلَيْهِم بلد من الْبلدَانِ، أَو ثغر من
الثغور أسلف الإِمَام لوُجُود الْعلَّة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا يَأْخُذهُ الْعَامِل على الصَّدقَات، مِنْهَا، هَل هُوَ
من الزَّكَاة أَو عَن عمله؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هُوَ عَن عمله، وَلَيْسَ من الزَّكَاة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ من الزَّكَاة.
وَفَائِدَة هَذِه الْمَسْأَلَة أَن أَحْمد يجوز أَن يكون عَامل الصَّدقَات
من ذَوي الْقُرْبَى وَأَن يكون عبدا، رِوَايَة وَاحِدَة عَنهُ، وَفِي
الْكَافِر عَنهُ رِوَايَتَانِ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز.
قَالَ الْمُؤلف: وَهُوَ الْوَزير، قلت: قَالَ الْمُؤلف: وَلَا أرى أَن
مَذْهَب أَحْمد فِي إجَازَة أَن يكون الْكَافِر فِي عمل الزَّكَاة على أَنه
يكون عَاملا عَلَيْهَا وَإِنَّمَا أرى أَن إِجَازَته ذَلِك إِنَّمَا هُوَ
على أَن يكون سواقا لَهَا أَو نَحْو ذَلِك من المهن الَّتِي يلابسها ملل.
وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز دفع الزَّكَاة إِلَى المكاتبين.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يجوز لأَنهم من سهم الرّقاب.
(1/217)
وَقَالَ مَالك: لَا يجوز لِأَن الرّقاب
عِنْده هم العبيد الْقِنّ.
وَعَن احْمَد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: الْجَوَاز.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن يبْتَاع من الزَّكَاة رَقَبَة كَامِلَة فيعتقها؟
، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز.
وَقَوله تَعَالَى: {وَفِي الرّقاب} عِنْدهمَا مَحْمُول على أَنه يعان
المكاتبون فِي فك رقابهم.
وَقَالَ مَالك: يجوز. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: الْجَوَاز.
وَاخْتلفُوا فِي الْحَج: هَل يجوز صرف الزَّكَاة فِيهِ؟ فَقَالَ أَبُو
حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز.
لِأَن السَّبِيل عِنْدهم مَحْمُول على الْغُزَاة لَا غير، على اخْتِلَاف
بَينهم فِي صفاتهم سَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ اللَّهِ.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: جَوَاز ذَلِك، وَأَن الْحَج من
سَبِيل اللَّهِ، وَهَذِه الرِّوَايَة هِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ،
وَأَبُو بكر عبد الْعَزِيز وَأَبُو حَفْص الْبَرْمَكِي من أَصْحَابه.
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى الْمَنْع كالجماعة.
وَاخْتلفُوا فِي سهم الْغُزَاة الْمَذْكُور آنِفا.
وَهُوَ قَوْله عز وَجل: {وَفِي سَبِيل اللَّهِ} هَل يخْتَص بِهِ جنس من
الْغُزَاة أَو
(1/218)
هُوَ على إِطْلَاقه؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ مَخْصُوص بالفقير مِنْهُم وَمن انْقَطع بِهِ
دون ذَوي الْغنى.
وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يَأْخُذ الْغَنِيّ كَمَا يَأْخُذ
الْفَقِير مِنْهُم، وَاخْتلفُوا فِي سهم الغارمين هَل يدْفع إِلَى
الْوَاحِد مِنْهُم وَإِن كَانَ غَنِيا؟
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يدْفع إِلَيْهِ إِلَّا مَعَ
الْفقر.
وَعَن الشَّافِعِي اخْتِلَاف وَهُوَ أَن الْعَزْم عِنْده على ضَرْبَيْنِ:
ضرب غرم لقطع ثائرته وتسكين فتنته، فَإِنَّهُ يعْطى مَعَ الْغنى على ظَاهر
مذْهبه.
وَضرب غرم فِي مصلحَة نَفسه فِي غير مَعْصِيّة فَهَل يعْطى مَعَ الْغنى؟
فِيهِ قَولَانِ، أَحدهمَا: لَا يعْطى ذكره، فِي الْأُم وَالْآخر يعْطى،
ذكره فِي الْقَدِيم.
وَاخْتلفُوا فِي صفة ابْن السَّبِيل بعد اتِّفَاقهم على سَهْمه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هُوَ المجتاز، والمنشئ الَّذِي يُرِيد
السّفر فِي جَوَاز الْأَخْذ كالمجتاز.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين، أظهرهمَا: أَنه المجتاز.
(1/219)
قَالَ الْمُؤلف: الصَّحِيح عِنْدِي أَنه
المجتاز.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن يُعْطي زَكَاته مِسْكينا وَاحِدًا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجوز إِذا لم يُخرجهُ إِلَى الْغنى.
وَقَالَ مَالك: يجوز أَن يُعْطِيهِ وَإِن أخرجه إِلَى الْغنى إِذا آمل
إعفافه بذلك. إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: إِن أعطَاهُ مَا يُخرجهُ
إِلَى الْغنى ملكه الْمُعْطى، وَسقط عَن الْمُعْطِي مَعَ الْكَرَاهَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: أقل مَا يُعْطي ثَلَاثَة من كل صنف.
وَاخْتلفُوا فِي نقل الزَّكَاة من بلد إِلَى بلد على الْإِطْلَاق.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره إِلَّا أَن ينقلها إِلَى قريب لَهُ مُحْتَاج
أَو قوم هم أمس حَاجَة من أهل بَلَده فَلَا كَرَاهَة.
وَقَالَ مَالك: لَا يجوز على الْإِطْلَاق إِلَّا أَن يَقع بِأَهْل بلد
حَاجَة فينقلها الإِمَام إِلَيْهِم على سَبِيل النّظر وَالِاجْتِهَاد.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يكره نقلهَا، فَإِن نقلهَا فَفِي الْأَجْزَاء
قَولَانِ.
وَقَالَ أَحْمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَا يجوز نقلهَا إِلَى بلد آخر تقصر
فِيهِ الصَّلَاة إِلَى قرَابَته أَو غَيرهم، مَا دَامَ يجد فِي بَلَده من
يجوز دَفعهَا إِلَيْهِم.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا اسْتغنى أهل بلد عَنْهَا جَازَ نقلهَا إِلَى من
هم أَهلهَا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز دفع الزَّكَاة لأهل الذِّمَّة. ثمَّ
اخْتلفُوا فِي دفع زَكَاة الْفطر وَالْكَفَّارَات إِلَيْهِم فَمنع مِنْهُ
أَيْضا مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة فِي
الظَّاهِر من مذْهبه.
(1/220)
وَاخْتلفُوا فِي صفة الْغنى الَّذِي لَا
يجوز دفع الزَّكَاة إِلَيْهِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هُوَ الَّذِي يملك نِصَابا من أَي مَال كَانَ وَمن
يملك دون ذَلِك فَلَيْسَ بغنى، وَقَالَ مَالك: يجوز دَفعهَا إِلَى من يملك
أَرْبَعِينَ درهما، وَقَالَ أَصْحَابه: يجوز دَفعهَا إِلَى من يملك خمسين
درهما.
وَقَالَ الشَّافِعِي: الِاعْتِبَار بالكفاية فَلهُ أَن يَأْخُذ مَعَ عدمهَا
وَإِن كَانَ لَهُ خَمْسُونَ درهما وَأكْثر. وَإِن كَانَت لَهُ كِفَايَة
فَلَا يجوز الْأَخْذ وَلَو لم يملك هَذَا الْمِقْدَار.
وَاخْتلف عَن احْمَد فروى عَنهُ أَكثر أَصْحَابه أَنه مَتى ملك خمسين درهما
أَو قيمتهَا ذَهَبا وَإِن لم يكفه لم يجز لَهُ الْأَخْذ من الصَّدَقَة.
وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ، وروى عَنهُ هُنَا أَن الْغنى الْمَانِع من أَخذ
الزَّكَاة أَن تكون لَهُ كِفَايَة على الدَّوَام بِتِجَارَة أَو صناعَة أَو
أُجْرَة عقار أَو غَيره.
وَإِن ملك خمسين درهما أَو قيمتهَا وَهِي لَا تقوم بكفايته جَازَ لَهُ
الْأَخْذ.
وَاخْتلفُوا فِيمَن يقدر على الْكِفَايَة بِالْكَسْبِ لصِحَّته هَل يجوز
لَهُ الْأَخْذ من. الصَّدَقَة؟ .
(1/221)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يجوز لَهُ
أَخذ الصَّدَقَة، وَإِن كَانَ قَوِيا مكتسبا.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجوز.
وَاخْتلفُوا فِيمَن دفع زَكَاته إِلَى غَنِي وَهُوَ لَا يعلم ثمَّ علم.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُجزئهُ.
وَقَالَ مَالك: لَا يُجزئهُ.
وَعَن الشَّافِعِي وَأحمد: كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز دفع الزَّكَاة إِلَى من يَرِثهُ من أَقَاربه
كالإخوة والعمومة وَأَوْلَادهمْ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يجوز.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: لَا يجوز.
وَالْأُخْرَى كالجماعة.
وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز دفع الزَّكَاة إِلَى الزَّوْج من زَوجته.
(1/222)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز.
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ يَسْتَعِين بِمَا يَأْخُذهُ مِنْهَا على
نَفَقَتهَا فَلَا يجوز.
وَإِن كَانَ يصرفهُ فِي غير نَفَقَتهَا لأَوْلَاد فُقَرَاء من غَيرهَا أَو
نَحْو ذَلِك جَازَ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز، وَعَن احْمَد، رِوَايَتَانِ كالمذهبين إِلَّا
أَن أظهرهمَا الْمَنْع.
وَهِي الَّتِي أختارها الْخرقِيّ وَأَبُو بكر.
وَاتَّفَقُوا على أَن الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة حرَام على بني هَاشم.
وهم خمس بطُون: آل عَبَّاس، وَآل عَليّ، وَآل جَعْفَر، وَولد الْحَارِث بن
عبد الْمطلب، (وَآل عقيل) .
وَاخْتلفُوا فِي بني الْمطلب هَل تحرم عَلَيْهِم؟
(1/223)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تحرم عَلَيْهِم.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تحرم.
وَعَن احْمَد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا أَنَّهَا تحرم عَلَيْهِم.
وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز دَفعهَا إِلَى موَالِي بني هَاشم.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يجوز، ولأصحاب الشَّافِعِي وَجْهَان.
وَالصَّحِيح من مَذْهَب مَالك أَنه لَا يجوز إِخْرَاج الزَّكَاة إِلَى
موَالِي بني هَاشم، وَأَنَّهُمْ كساداتهم فِي الْمَنْع من ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز إِخْرَاج الزَّكَاة إِلَى كَافِر.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز إِخْرَاج الزَّكَاة إِلَى الْوَالِدين
والمولودين وَإِن علوا أَو سفلوا.
إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: فِي الْجد وَالْجدّة وَمن ورائهما، يجوز
دَفعهَا إِلَيْهِم، وَكَذَلِكَ إِلَى الْبَنِينَ لسُقُوط نَفَقَتهم عِنْده.
(1/224)
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز للرجل أَن
يخرج زَكَاته إِلَى زَوجته.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز إِخْرَاج الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة إِلَى
مكَاتبه وَلَا عَبده.
وَاخْتلفُوا فِي عبد الْغَيْر.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز دفع الزَّكَاة إِلَيْهِ على
الْإِطْلَاق.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَدْفَعهَا إِلَى عبد الْغَيْر إِذا كَانَ
مَالِكه غَنِيا، فَإِن كَانَ مَالِكه فَقِيرا جَازَ دَفعهَا إِلَيْهِ.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز أَن يخرج زَكَاته إِلَى بِنَاء مَسْجِد
وَلَا تكفين ميت وَإِن كَانَا من الْقرب لتعيين الزَّكَاة لما عينت لَهُ.
(1/225)
|