اختلاف الأئمة العلماء

بَاب الْإِحْرَام والتلبية

أَجمعُوا على اسْتِحْبَاب الطّيب لمن يُرِيد الْإِحْرَام.

(1/281)


إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: يكره للْمحرمِ أَن يتطيب قبل الْإِحْرَام بِمَا يبْقى رِيحه بعده.
وَاخْتلفُوا فِي حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هم من كَانَ من الْمِيقَات إِلَى مَكَّة.
وَقَالَ مَالك: هم أهل مَكَّة وَذي طرى فَقَط.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هم من كَانَ بَينه وَبَين الْحرم مَسَافَة لَا تقصر الصَّلَاة فِيهَا.
وَاخْتلفُوا فِي الْقَارِن هَل يُجزئهُ طواف وَاحِد وسعي وَاحِد لَهما؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُجزئهُ حَتَّى يطوف طوافين وَيسْعَى سعيين وَقد أَجزَأَهُ لَهما.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر روايتيه: تُجزئه لَهما طواف وَاحِد وسعي وَاحِد.
وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا تُجزئه، بل يجب عَلَيْهِ عمْرَة مُفْردَة، وَالْفرق بَين هَذِه الرِّوَايَة عَن أَحْمد وَمذهب أبي حنيفَة الْمَذْكُور.

(1/282)


إِن أَبَا حنيفَة قَالَ: يُجزئهُ ذَلِك بِإِحْرَام وَاحِد.
وَعَن أَحْمد فِي هَذِه الرِّوَايَة: لَا يُجزئهُ حَتَّى يفرد للْعُمْرَة إحراما.
وَاخْتلفُوا فِي وَقت الْوُقُوف بِعَرَفَة وَحده.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: من وَقت الزَّوَال من يَوْم عَرَفَة إِلَى طُلُوع الْفجْر من يَوْم النَّحْر.
وَقَالَ أَحْمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ: هُوَ من طُلُوع الْفجْر الثَّانِي من يَوْم عَرَفَة إِلَى طُلُوع الْفجْر الثَّانِي من يَوْم النَّحْر.
وَاتَّفَقُوا على أَن عَرَفَات وَمَا قَارب الْجَبَل كُله موقف إِلَّا بطن عَرَفَة فَإِنَّهُ لَا يُجزئ الْوُقُوف فِيهِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَن وقف بِعَرَفَة بعد الزَّوَال من يَوْم عَرَفَة وَدفع من عَرَفَات قبل غرُوب الشَّمْس وَلم يعد إِلَيْهَا قبل غُرُوبهَا.

(1/283)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يُجزئهُ وَقد تمّ حجه إِلَّا أَن عَلَيْهِ دَمًا لِأَنَّهُ قد ترك وَاجِبا عِنْدهمَا وَهُوَ الْمكْث فِي الْوُقُوف بِعَرَفَة إِلَى غرُوب الشَّمْس.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: كمذهبهما.
وَالثَّانِي: يُجزئهُ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَن الشَّافِعِي اخْتلف عَنهُ فِي الْمكْث فِي الْوُقُوف بِعَرَفَة إِلَى غرُوب الشَّمْس هَل هُوَ من وَاجِبَات الْحَج؟ على قَوْلَيْنِ.
وَقَالَ مَالك: إِذا دفع من عَرَفَات قبل غرُوب الشَّمْس لم يجزه حَتَّى يقف جُزْءا من اللَّيْل وشدد فِيهِ جدا حَتَّى قَالَ: وَمن خرج من عَرَفَة قبل مغيب الشَّمْس وَلم يرجع إِلَيْهَا حَتَّى طلع الْفجْر فقد فَاتَ الْحَج.
فَإِن رَجَعَ فَوقف قبل الْفجْر فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَاخْتلفُوا فِي وَقت طواف الزِّيَارَة الْفَرْض وَحده.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: أَوله من حِين طُلُوع الْفجْر الثَّانِي من يَوْم النَّحْر، وَآخره آخر الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام التَّشْرِيق.

(1/284)


فَإِن أَخّرهُ إِلَى الْيَوْم الثَّالِث وَجب عَلَيْهِ الدَّم.
وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: أول وقته من نصف اللَّيْل لَيْلَة النَّحْر، وأفضله ضحى يَوْم النَّحْر، وَآخره غير موقت، فَإِن أَخّرهُ إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق كره لَهُ ذَلِك وَلم يلْزمه شَيْء.
وَقَالَ مَالك: لَا يتَعَلَّق الدَّم بِتَأْخِيرِهِ، وَلَو أَخّرهُ إِلَى آخر ذِي الْحجَّة لِأَنَّهُ جَمِيعه عِنْده من أشهر الْحَج.
لكنه قَالَ: لَا بَأْس بِتَأْخِير طواف الْإِفَاضَة إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق وتعجيلها أفضل.
فَإِن أَخّرهَا إِلَى الْمحرم فَعَلَيهِ دم.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا رمى جَمْرَة الْعقبَة بعد نصف اللَّيْل الأول من لَيْلَة النَّحْر هَل يعْتد بِهِ أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يعْتد بِهِ.
وَوقت رمي جَمْرَة الْعقبَة عِنْدهمَا من بعد طُلُوع الْفجْر يَوْم النَّحْر.

(1/285)


وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجوز وَقت رميها عِنْدهمَا من بعد نصف اللَّيْل الأول.
وَأَجْمعُوا على أَن الطّواف حول الْكَعْبَة سبع مَرَّات يَبْتَدِئ بِالْحجرِ الْأسود، ثمَّ يخْتم بِهِ فِي كل مرّة.
وَاتَّفَقُوا على أَن رَكْعَتي الطّواف مَشْرُوعَة.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبهَا.
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: هما واجبتان.
وَقَالَ أَحْمد: هِيَ سنة.
وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا فِي وجوب تعْيين النِّيَّة لهَذَا الطّواف الْفَرْض.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجب تَعْيِينهَا.
وَقَالَ أَحْمد: يجب تعْيين النِّيَّة لَهُ.
فَإِن طَاف للقدوم أَو للوداع أَو بنية النَّفْل، وَكَانَ ذَلِك كُله بعد دُخُول وَقت هَذَا

(1/286)


الطّواف الْفَرْض لم يَقع عَنهُ.

بَاب الْعمرَة

اتَّفقُوا على أَن الْعمرَة مَشْرُوعَة بِأَصْل الْإِسْلَام.
قَالَ اللَّهِ عز وَجل: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} .
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبهَا.
فَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الْجَدِيد وَأحمد: هِيَ وَاجِبَة.
وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم: هِيَ سنة.
وَأَجْمعُوا على أَن فعلهَا فِي الْعُمر مرّة وَاحِدَة كَالْحَجِّ.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل يكره فعلهَا فِي السّنة مرَّتَيْنِ وَأكْثر؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز ذَلِك وَلَا يكره.
وَقَالَ مَالك: يكره أَن يعْتَمر فِي السّنة مرَّتَيْنِ.
وَأَجْمعُوا على أَن فعلهَا فِي جَمِيع السّنة جَائِز.

(1/287)


إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يجوز فعلهَا فِي جَمِيع السّنة إِلَّا فِي خَمْسَة أَيَّام مِنْهَا يَوْم عَرَفَة، وَيَوْم النَّحْر، وَأَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة.
وَمَالك قَالَ: إِن أهل منى خَاصَّة لَا يجوز لَهُم أَن يعتمروا فِي هَذِه الْأَيَّام الْخَمْسَة لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِذا غربت الشَّمْس من آخر أَيَّام التَّشْرِيق جَازَت لَهُم الْعمرَة لخُرُوج أَيَّام الْحَج.
فَأَما غير أهل منى فَلَا بَأْس أَن يعتمروا فِي أَيَّام منى. وَإِن كَانَ الِاخْتِيَار لَهُم غير ذَلِك.
وَقد رُوِيَ عَن احْمَد أَنه قَالَ: يكره فعلهَا أَيَّام التَّشْرِيق على الْإِطْلَاق.
وَأَجْمعُوا على أَن أَفعَال الْعمرَة من الْإِحْرَام وَالطّواف وَالسَّعْي أَرْكَان لَهَا إِلَّا الْحلق فعنهم فِيهِ اخْتِلَاف وَسَيَأْتِي بَيَانه إِن شَاءَ اللَّهِ.
وَأَجْمعُوا على انه لَا يجوز الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ من الْحرم. وَإِنَّمَا يكون من أدنى الْحل أَو مَا بعده، فَأَما من مَكَّة فَلَا.

(1/288)


وَاتَّفَقُوا على جَوَاز الدّفع من مُزْدَلِفَة بعد نصف اللَّيْل من لَيْلَة النَّحْر.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجوز حَتَّى يطلع الْفجْر، فَإِن ترك الْوُقُوف بِالْمُزْدَلِفَةِ بعد طُلُوع الْفجْر فَعَلَيهِ دم.
وَاتَّفَقُوا على وجوب رمي جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر خَاصَّة بِسبع حَصَيَات.
وَقَالَ عبد الْملك بن الْمَاجشون من أَصْحَاب مَالك: هُوَ ركن من أَرْكَان الْحَج لَا يتَحَلَّل إِلَّا بِهِ كَسَائِر الْأَركان.
وَاتَّفَقُوا على وجوب رمي الْجمار فِي أَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة للجمرات الثَّلَاثَة فِي كل يَوْم جَمْرَة بِسبع حَصَيَات، فَيكون لكل جَمْرَة فِي الْأَيَّام الثَّلَاثَة إِحْدَى وَعِشْرُونَ حَصَاة فَجَمِيع مَا يرْمى فِي أَيَّام التَّشْرِيق ثَلَاثَة وَسِتُّونَ حَصَاة مثل حَصى الْحَذف ببيداء بِالْأولَى الَّتِي تلِي مَسْجِد الْخيف ثمَّ الْوُسْطَى، ثمَّ الثَّالِثَة وَهِي جَمْرَة الْعقبَة.

(1/289)


وَاخْتلفُوا فِي الْخطْبَة يَوْم النَّحْر.
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا تسن فِيهِ خطْبَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: تسن.
وَاخْتلفُوا فِي طواف الْوَدَاع وَهُوَ طواف الصَّدْر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: هُوَ وَاجِب وَتَركه لغير عذر يُوجب دَمًا.
وَقَالَ مَالك: لَيْسَ بِوَاجِب وَلَا مسنون، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحبّ، وَلَا يجب فِيهِ دم لِأَن الدَّم إِنَّمَا يجب عِنْده فِي ترك الْوَاجِب والمسنون.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ الْمَنْصُور مِنْهُمَا عِنْد أَصْحَابه وُجُوبه وَوُجُوب الدَّم فِي تَركه.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا طَاف للصدر هَذَا الطّواف الْمَذْكُور ثمَّ أَقَامَ لشراء حَاجَة أَو عِيَادَة مَرِيض أَو انْتِظَار رفْقَة أَو غير ذَلِك.
هَل يُجزئهُ طَوَافه ذَلِك أم يحْتَاج إِلَى إِعَادَة طواف آخر.
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يُعِيد طَوافا آخر وَلَا يُجزئهُ إِلَّا ذَلِك لِأَنَّهُ يجب عِنْده أَن

(1/290)


يكون آخر عَهده بِالْبَيْتِ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُعِيد وَلَو أَقَامَ شهرا.
وَقَالَ مَالك: لَا بَأْس لمن ودع الْبَيْت بِطواف الْوَدَاع أَن يَشْتَرِي بعض حَوَائِجه، وَأَن يبيت مَعَ كريه، وَلَا إِعَادَة وَلَو أعَاد كَانَ أحب إِلَيّ.
وَأجْمع موجبوا طواف الْوَدَاع على أَنه إِنَّمَا يجب على أهل الْأَمْصَار، وَلَا يجب على أهل مَكَّة.
وَاخْتلفُوا فِيمَن فرغ من أَفعَال الْحَج وَنوى الْإِقَامَة بِمَكَّة، هَل يجب عَلَيْهِ طواف الْوَدَاع؟
فَقَالُوا: لَا يجب عَلَيْهِ.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا نوى الْإِقَامَة بَعْدَمَا حل لَهُ النَّفر الأول لم يسْقط عَنهُ طواف الْوَدَاع.
وَاتَّفَقُوا على أَن طواف الْقدوم لمن قدم مَكَّة سنة.
إِلَّا أَن مَالِكًا شدد فِيهِ فَقَالَ: إِن تَركه مرهقا أَي معجلا حَتَّى خرج إِلَى منى أَو كَانَ قد أنشأ الْحَج من مَكَّة أَو أرْدف الْحَج على الْعمرَة فِي الْحرم، فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن تَركه فِي غير هَذِه الْحَالَات الْمَذْكُورَة فَعَلَيهِ دم، ويعيده إِذا رَجَعَ، وَقد أوجبه

(1/291)


بعض أَصْحَابه.
وَاتَّفَقُوا على أَن طواف الْقدوم سنة على أهل مَكَّة أَيْضا. وعَلى من أهل مِنْهَا من غير أَهلهَا إِلَّا أَنه لَا يطوف وَلَا يسْعَى حَتَّى يرجع إِلَى منى.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يسن لأهل مَكَّة طواف الْقدوم.
وَاتَّفَقُوا على أَن من شَرط صِحَة الطّواف بِالْبَيْتِ فِي هَذِه الأطوفة ركنها وواجبها ومسنونها الطَّهَارَة وَستر الْعَوْرَة.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: ليسَا بِشَرْط فِي صِحَّته، إِلَّا إِنَّه يجب بِتَرْكِهَا دم.
وَأَجْمعُوا على أَن استلام الْحجر الْأسود مسنون.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي استلام الرُّكْن الْيَمَانِيّ هَل هُوَ مسنون أم لَا؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هُوَ مسنون ويستلم.

(1/292)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ بمسنون.
وَأَجْمعُوا على أَنه يجب البيتوتة بِمُزْدَلِفَة جُزْءا من اللَّيْل فِي الْجُمْلَة.
إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: هُوَ سنة مُؤَكدَة.
وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: لَيْسَ بِوَاجِب.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي حَده، وَقد مضى ذكر خلافهم فِيهِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَن ترك الْمبيت بِمُزْدَلِفَة جُزْءا من اللَّيْل هَل يجب عَلَيْهِ دم؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي تَركه، مَعَ كَونه وَاجِبا عِنْده.
وَقَالَ مَالك: يجب فِي تَركه دم، مَعَ كَونه سنة عِنْده.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أظهر قوليه وَأحمد: يجب فِي تَركه الدَّم، مَعَ كَونه وَاجِبا عِنْدهمَا.
وَأَجْمعُوا على أَن الْمبيت بمنى لياليها مَشْرُوع إِلَّا فِي حق أهل السِّقَايَة والرعاة.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبه.

(1/293)


فَقَالَ أَحْمد: هُوَ وَاجِب وَيجب بِتَرْكِهِ دم فِي أظهر الرِّوَايَات عَنهُ، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: هُوَ سنة وَلَا دم عَلَيْهِ فِي تَركه وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة، وَاخْتَارَهُ عبد الْعَزِيز.
وَالثَّالِثَة: هُوَ وَاجِب وَعَلِيهِ بِتَرْكِهِ دِرْهَم وَنصف دِرْهَم. وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ.
وَقَالَ مَالك: هُوَ من سنَن الْحَج الَّتِي فِي تَركهَا الدَّم.
وَأَجْمعُوا على أَن الْوُقُوف بالمشعر الْحَرَام مَشْرُوع.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبه.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه، وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه، هُوَ وَاجِب فَإِن أخل بِهِ فَعَلَيهِ دم.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَ بهَا بعد الْفجْر، وَقبل طُلُوع الشَّمْس فَلَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي القَوْل الآخر وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: أَنه لَيْسَ بِوَاجِب.
وَأَجْمعُوا على أَن الْحلق مَشْرُوع للرِّجَال المحرمين، وَأَنه وَاجِب عَلَيْهِم أَو التَّقْصِير، وَأَن الْحلق أفضل.

(1/294)


ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ هَل هُوَ نسك أَو اسْتِبَاحَة لمحظور؟
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة وَمَالك: هُوَ نسك.
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ، أَحدهمَا: أَنه نسك.
وَالثَّانِي: أَنه اسْتِبَاحَة مَحْظُور.
والنسك: الْعِبَادَة.
وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجب على النِّسَاء حلق.
وَأَن الْمَشْرُوع لَهُنَّ التَّقْصِير، وَهُوَ وَاجِب عَلَيْهِنَّ.
وَاخْتلفُوا فِي أَي وَقت يقطع الْحَاج التَّلْبِيَة؟
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: يقطعهَا حِين يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: أَنه يقطعهَا إِذا زَالَت الشَّمْس من يَوْم عَرَفَة، إِلَّا أَن يكون أحرم بِالْحَجِّ بِعَرَفَة فيلبي حَتَّى يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة.
وَاخْتلفُوا مَتى يقطع الْمُعْتَمِر التَّلْبِيَة؟

(1/295)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِذا ابْتَدَأَ الطّواف.
وَقد قَالَ الْخرقِيّ من أَصْحَاب أَحْمد: وَمن كَانَ مُتَمَتِّعا قطع التَّلْبِيَة إِذا وصل إِلَى الْبَيْت.
وَهُوَ مَحْمُول على أَنه إِذا افْتتح الطّواف مَعَ الروية وَلَا يكون خلافًا.
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ أحرم بهَا من الْمِيقَات فَإِن دخل الْحرم قطع، وَإِن كَانَ أحرم بهَا أدنى الْحل، فَإِذا رأى الْبَيْت قطع، وَإِن أحرم بهَا من الْجِعِرَّانَة قطعهَا إِذا دخل بيُوت مَكَّة.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمُتَمَتّع لَهُ أَن يحرم بِالْحَجِّ يَوْم التَّرويَة وَقَبله.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْأَفْضَل لَهُ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْتَحبّ لَهُ تَقْدِيم الْإِحْرَام بِالْحَجِّ على يَوْم التَّرويَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ مَعَه هدي فَالْأَفْضَل لَهُ أَن يحرم يَوْم التَّرويَة بعد الزَّوَال.
فَإِن لم يكن مَعَه هدي أحرم لَيْلَة السَّادِس من ذِي الْحجَّة. وَالْمُسْتَحب للمكي أَن يحرم إِذا توجه إِلَى منى.

(1/296)


وَقَالَ مَالك وَأحمد: الْأَفْضَل للمتمتع أَن يحرم بِالْحَجِّ يَوْم التَّرويَة.
وَاخْتلفُوا فِي الْمَكِّيّ هَل يَصح لَهُ التَّمَتُّع وَالْقرَان؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يصحان لَهُ وَيكرهُ لَهُ فعلهمَا.
فَإِن فعلهمَا لزمَه دم.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يَصح للمكي التَّمَتُّع وَالْقرَان وَلَا يكرهان لَهُ وَلَا يلْزمه دم.
إِلَّا أَن عبد الْملك بن الْمَاجشون من أَصْحَاب مَالك قَالَ: على الْقَارِن الْمَكِّيّ دم.

بَاب جنايات الْحَج

اجْمَعُوا على أَن الْمُفْرد إِذا تمم حجه بشرائطه وَتوفى مَحْظُورَات الْحَج لم يجب عَلَيْهِ دم.
وَأَجْمعُوا على أَن الْقَارِن والمتمتع غير الْمَكِّيّ على كل وَاحِد مِنْهُمَا دم.

(1/297)


فَإِن لم يجد صَامَ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج، وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ، إِلَى أَهله.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا رَجَعَ الْمُتَمَتّع إِلَى الْمِيقَات بعد الْفَرَاغ من الْعمرَة، هَل يسْقط عَنهُ دم التَّمَتُّع؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن رَجَعَ إِلَى أَهله سقط عَنهُ الدَّم، وَإِن لم يرجع إِلَى أَهله لم يسْقط.
وَقَالَ مَالك: إِن رَجَعَ إِلَى بَلَده أَو تجاوزت مسافته فِي الْبعد سقط عَنهُ الدَّم.
وَقَالَ أَحْمد: إِن رَجَعَ الْمُتَمَتّع إِلَى الْمِيقَات بعد الْفَرَاغ من الْعمرَة يسْقط عَنهُ الدَّم، وَإِن رَجَعَ إِلَى مَوضِع تقصر فِيهِ الصَّلَاة سقط عَنهُ دم الْمُتْعَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أحرم بِعُمْرَة فِي شهر رَمَضَان وَطَاف لَهَا فِي شَوَّال وَحج فِي عَامه ذَلِك هَل يكون مُتَمَتِّعا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يكون مُتَمَتِّعا.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يكون مُتَمَتِّعا مَا لم يحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين.
وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب الِاغْتِسَال للأركان وَغَيرهَا.

(1/298)


كالإحرام بِالْحَجِّ، وَالْوُقُوف بِعَرَفَة، وَدخُول الْحرم، وَالطّواف بِهِ، وَصَلَاة الرَّكْعَتَيْنِ عِنْد عقد الْإِحْرَام.
وَأَجْمعُوا على اسْتِحْبَاب الرمل والاضطباع فِيمَا سنا لَهُ والأذكار، وَالدُّخُول إِلَى مَكَّة من أَعْلَاهَا، وَرفع الصَّوْت بِالتَّلْبِيَةِ للرجل عقيب الصَّلَوَات وعَلى كل شرف، وَفِي كل هبوط وصعود.
وَمَعَ التقاء الرفاق، وبالأسحار، وَقلة الْكَلَام فِي حَال الْإِحْرَام إِلَّا فِيمَا ينفع، وَالتّرْك للمراء والجدال، وشهود خطب الْحَج، والتطوع بِالْهَدْي إِذا لم يجب عَلَيْهِ، والرقي إِلَى الصَّفَا، والهرولة وَالْمَشْي فِي السَّعْي، كل وَاحِد فِي مَوْضِعه الَّذِي سنّ فِيهِ.

(1/299)


وَدخُول الْبَيْت، وَالشرب من مَاء زَمْزَم، والاستكثار من الْعمرَة النَّافِلَة مهما اسْتَطَاعَ.
وَاتَّفَقُوا على أَن من إِحْرَام الرجل فِي وَجهه وَرَأسه.
فَلَا يجوز لَهُ تغطيتها بِشَيْء من اللبَاس.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ظلل الْمحرم الْمحمل.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يجوز وَلَا فديَة.
وَقَالَ مَالك: لَا يجوز للْمحرمِ تظليل الْمحمل، فَإِن ظلله فَعَلَيهِ الْفِدْيَة.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز تظليل الْمحمل رِوَايَة وَاحِدَة.
فَإِن فعل فَفِي الْفِدْيَة رِوَايَتَانِ أصَحهمَا: الْإِيجَاب، اخْتَارَهَا الْخرقِيّ.
وَالْأُخْرَى: لَا فديَة عَلَيْهِ.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز للْمحرمِ أَن يلبس الْمخيط كُله فَلَا يجوز لَهُ لبس

(1/300)


الْقَمِيص وَلَا السَّرَاوِيل، وَلَا يجوز لَهُ لبس الْعِمَامَة وَلَا القلنسوة وَلَا القباء وَلَا الْخُفَّيْنِ إِلَّا أَن لَا يجد النَّعْلَيْنِ، وَلَا يُجَامع فِي الْفرج وَلَا دون الْفرج، وَلَا يقبل وَلَا يلمس بِشَهْوَة، وَأَن لَا ينظر إِلَى مَا يَدعُوهُ لشَهْوَة أَو قبْلَة، أَو إمناء، وَلَا يتَزَوَّج وَلَا يُزَوّج، وَلَا يقتل مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه، وَلَا يقتل الصَّيْد على الْإِطْلَاق وَلَا يصيده وَلَا يدل عَلَيْهِ حَلَالا وَلَا محرما وَلَا يُشِير إِلَيْهِ، وَلَا يتطيب وَلَا يتَعَمَّد لشمه، وَلَا يقتل الْقمل، وَلَا يقطع شَيْئا من شعره وَلَا ظفره، وَلَا يُغطي رَأسه وَلَا وَجهه وَعَلِيهِ شَعْرَة قبل حلَّة، وَلَا يلبس ثوبا مصبوغا بورس وَلَا زعفران، وَلَا يغسل رَأسه وَلَا لحيته بالسدر والخطمي، وَلَا يدهن بدهن فِيهِ طيب وَلَا مَا لَا طيب فِيهِ، لَا رَأسه وَلَا لحيته.
وَالْمَرْأَة فِي ذَلِك كَالرّجلِ، وتنفرد عَنهُ بِأَنَّهُ يجوز لَهَا لبس الْقَمِيص والسراويل والخمار وَالْحق.

(1/301)


وَأَنَّهَا لَا تكشف رَأسهَا بل تكشف وَجههَا.
وَقد رخص لَهَا أَن تسدل عَلَيْهِ مَعَ الْحَاجة مَا لَا يَقع على بَشرته.
وَأَنَّهَا لَا ترفع صَوتهَا بِالتَّلْبِيَةِ إِلَّا بِمِقْدَار مَا تسمع رفيقتها، وَلَا رمل عَلَيْهَا، وَلَا سعي، بل طوافها وسعيها مشي كُله. وَأَنه لَا حلاقة عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا عَلَيْهَا التَّقْصِير.
فَهَذِهِ مَحْظُورَات الْإِحْرَام الْمجمع عَلَيْهَا فَأَما مَا فِيهَا مِمَّا يجب فِيهِ الْفِدَاء على فَاعله فسنذكر أَقْوَالهم فِيهِ إِن شَاءَ اللَّهِ.
فَمِنْهُ: أَنهم أَجمعُوا على أَن الْمحرم لَا يعْقد عقد نِكَاح لنَفسِهِ وَلَا لغيره.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ إِذا فعل هَذَا، هَل يَقع صَحِيحا أَو فَاسِدا؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَصح وَيَقَع فَاسِدا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَصح.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا فعل مَحْظُورَات الْإِحْرَام عَن طَرِيق الرَّفْض لإحرامه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة للْكُلّ اسْتِحْسَانًا.
وَقَالَ مَالك كَفَّارَة وَاحِدَة إِلَّا فِي الصَّيْد فَإِنَّهُ لَا يتداخل.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: عَلَيْهِ لكل فعل فعله دم.

(1/302)


وَأَجْمعُوا على أَن الْمحرم إِذا قَالَ: أَنا أرفض إحرامي، أَو نوى الرَّفْض لإحرامه لم يخرج مِنْهُ بذلك كَمَا لَا يخرج مِنْهُ بالإفساد لَهُ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كرر الْمَحْظُورَات فِي الْإِحْرَام مثل إِن حلق ثمَّ حلق، أَو لبس ثمَّ لبس، أَو وطئ ثمَّ وطئ.
وَلم يكفر عَن الأول حَتَّى أَتَى الثَّانِي.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَا دَامَ فِي الْمجْلس فكفارة وَاحِدَة.
وَإِن كَانَ فِي مجَالِس فكفارات.
وَقَالَ مَالك: يتداخل الوطئ وَمَا عداهُ لَا يتداخل.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: لَا يتداخل على الْإِطْلَاق سَوَاء كَانَ فِي مجْلِس أَو مجَالِس.
وَالْقَوْل الثَّانِي: يتداخل.
وَقَالَ أَحْمد فِي أحد روايتيه: مَا لم يكفر عَن الأول فكفارة وَاحِدَة، فَإِن كفر ثمَّ وَاقع فكفارة ثَانِيَة.
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى إِن كَانَ السَّبَب وَاحِدًا فكفارة وَاحِدَة، وَإِن كَانَ السَّبَب مُخْتَلفا مثل إِن لبس بِالْغَدَاةِ للبرد، وَوقت الظّهْر للْحرّ لَزِمته كفارتان.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلق ثَلَاث شَعرَات أَو قصر.

(1/303)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن حلق ربع رَأسه فَصَاعِدا فَعَلَيهِ دم، وَإِن كَانَ أقل من ذَلِك فَعَلَيهِ صَدَقَة.
إِلَّا أَن يحلق مَوضِع المحاجم فَعَلَيهِ دم فِيهَا.
وَقَالَ مَالك: إِن حلق مَا يحصل بزواله إمَاطَة الْأَذَى وَجب عَلَيْهِ دم وَلم يعْتَبر عددا إِلَّا أَنه إِن حلق مَوضِع المحاجم من رقبته فَعَلَيهِ دم كمذهب أبي حنيفَة سَوَاء.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجب عَلَيْهِ دم فِي حلق ثَلَاث شَعرَات فَصَاعِدا، أَو تَقْصِيرهَا.
وَاخْتلف عَن احْمَد فَروِيَ عَنهُ كمذهب الشَّافِعِي هَذَا، وَهِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ.
وَرُوِيَ عَنهُ فِي الْأُخْرَى: أَن الدَّم إِنَّمَا يجب فِي أَربع شَعرَات فَصَاعِدا وَإِن حلق دون الثَّلَاث فمذهب أبي حنيفَة كَمَا تقدم من اعْتِبَار الدَّم فِي الرّبع وَمَا دونه صَدَقَة.
وَأما مَالك فَيعْتَبر حُصُول الترفه وَإِزَالَة الشعث فَيُوجب الدَّم بِهِ.
وَللشَّافِعِيّ ثَلَاثَة أَقْوَال، أَحدهَا: ثلث الدَّم، وَالثَّانِي: مد، وَالثَّالِث: دِرْهَم.
وَقَالَ أَحْمد: فِي كل شَعْرَة قَبْضَة من طَعَام، وَفِي شعرتين مدان.
وَرُوِيَ عَنهُ، فِي كل شَعْرَة مد من طَعَام.

(1/304)


وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ترك حَصَاة من حصي الْجمار؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ نصف صَاع.
وَقَالَ مَالك: عَلَيْهِ دم.
وَقَالَ الشَّافِعِي: عَلَيْهِ مد أَو صَدَقَة أَو ثلث دم.
وَقَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة: عَلَيْهِ مد، وَفِي أُخْرَى: قَبْضَة من طَعَام، وَفِي أُخْرَى: لَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ترك الْمبيت بمنى لياليها.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك: قد أَسَاءَ وَعَلِيهِ دم.
وَعَن الشَّافِعِي أَقْوَال، أظهرها عِنْد أَصْحَابه: أَنه يجب بترك الْمبيت ليَالِي منى دم.
وَعَن أَحْمد رِوَايَات، إِحْدَاهَا: عَلَيْهِ دم مَعَ الْإِسَاءَة، وَالْأُخْرَى: لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَالْأُخْرَى: عَلَيْهِ لكل يَوْم صَدَقَة قدرهَا دم أَو نصف دِرْهَم.

(1/305)


وَاتَّفَقُوا على أَن قتل المرحم الصَّيْد عَامِدًا أَو خطأ سَوَاء فِي وجوب الْجَزَاء.
وَاتَّفَقُوا على أَن صيد الْمحرم مَضْمُون.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا قتل صيدا لَهُ مثل، فدَاه بِمثلِهِ من النعم.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يضمنهُ بِقِيمَتِه.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا أَحرمت الْمَرْأَة بِحجَّة الْفَرْض فَقَالُوا كلهم: لَيْسَ لزَوجهَا تحليلها. وَأَجْمعُوا على أَن الْمحرم إِذا وطئ عَامِدًا فِي الْفرج فَأنْزل أَو لم ينزل قبل الْوُقُوف بِعَرَفَة أَن حجهما قد فسد ويمضيان فِي فاسده وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاء.
وَسَوَاء كَانَ الْحَج تَطَوّعا أَو وَاجِبا، أَو كَانَت مطاوعة أَو مُكْرَهَة.

(1/306)


ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْكَفَّارَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجب عَلَيْهِ شَاة.
وَقَالَ مَالك: عَلَيْهِ الْهَدْي.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: بَدَنَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ ذَلِك سَهوا لَا عَن عمد.
فَقَالُوا كلهم: حكم السَّهْو والعمد فِي ذَلِك سَوَاء.
إِلَّا الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: أَن وطئ النَّاسِي لَا يفْسد الْإِحْرَام.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وطئ بعد الْوُقُوف بِعَرَفَة.
وَقبل التَّحَلُّل الأول.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ بَدَنَة وحجه تَامّ.
وَاخْتلف عَن مَالك، فَالْمَشْهُور عَنهُ: أَن حجه فَاسد، وَرُوِيَ عَنهُ كمذهب أبي حنيفَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: قد فسد حجه وَعَلِيهِ بَدَنَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وطئ بعد التَّحَلُّل الأول وَقبل الطّواف للإفاضة.

(1/307)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يَأْتِي بِمَا بَقِي من أَفعَال الْحَج وَلَا يحْتَاج إِلَى اسْتِئْنَاف إِحْرَام ثَان وَعَلِيهِ بدنه عِنْد الشَّافِعِي فِي أحد قوليه. .
وَفِي القَوْل الآخر: شَاة.
وَعند أبي حنيفَة فِي إِحْدَى روايتيه: شَاة، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: بدنه.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يمْضِي فِي بَقِيَّة الْحَج الَّذِي أفْسدهُ وَيحرم بعد ذَلِك من التَّنْعِيم وَهُوَ أدنى الْحل من حَيْثُ يحرم المعتمرون ليقضي الطّواف وَالسَّعْي بِإِحْرَام صَحِيح وَعَلِيهِ بَدَنَة.
وَرُوِيَ أَبُو مُصعب الزُّهْرِيّ عَن مَالك: أَن حجه فَاسد. وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا فسد الْحَج لم يتَحَلَّل مِنْهُ بالإفساد، وَمعنى ذَلِك أَنه مَتى أَتَى مَحْظُورَات الْإِحْرَام فَعَلَيهِ فِيهِ مَا على الْمحرم فِي الْحَج الصَّحِيح ويمضي فِي فاسده، وَيلْزمهُ ذَلِك ثمَّ يقْضِي فِيمَا بعد.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا وطئ فِيمَا دون الْفرج فَلم ينزل وَكَانَ ذَلِك قبل الْوُقُوف بِعَرَفَة أَن عَلَيْهِ دم وَلَا يفْسد حجه.

(1/308)


وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وَطئهَا قبل الْوُقُوف أَيْضا فِيمَا دون الْفرج فَأنْزل أَو قبل أَو لمس فَأنْزل.
فَقَالَ مَالك: يفْسد حجه.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يفْسد حجه.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا كمذهب مَالك، وَالْأُخْرَى كمذهبهما.
وَاخْتلفُوا فِي مَاذَا يجب عَلَيْهِ إِذا لم يفْسد حجه؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يفْسد حجه.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا كمذهب مَالك، وَالْأُخْرَى كمذهبهما
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قبل أَو لمس فَلم ينزل؟
فَقَالَ الشَّافِعِي: لَا شَيْء عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه: عَلَيْهِ بَدَنَة.
وَالثَّانيَِة: عَلَيْهِ شَاة اخْتَارَهَا الْخرقِيّ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: عَلَيْهِ شَاة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كرر النّظر فَأنْزل أَو أمذى.

(1/309)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا شَيْء عَلَيْهِ أنزل أَو لم ينزل.
وَقَالَ مَالك: إِن نظر أَو تذكر فأدام النّظر والتذكر حَتَّى أنزل فسد حجه.
وَكَذَلِكَ إِن قبل أَو بَاشر فَأنْزل فسد حجه وَإِن وجد لَذَّة من تَحْرِيك دَابَّة فتمادى فِيهِ حَتَّى أنزل فسد حجه، وَإِن أمذى عَلَيْهِ شَاة.
وَقَالَ أَحْمد: إِن كرر النّظر فَأنْزل لم يفْسد حجه وَوَجَبَت عَلَيْهِ بَدَنَة، وَإِن كَرَّرَه حَتَّى أمذى فَعَلَيهِ شَاة وحجه صَحِيح وَهِي أظهر الرِّوَايَات.
وَاخْتلفُوا فِي وطئ النَّاسِي هَل يفْسد الْإِحْرَام؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: يُفْسِدهُ كالعمد، وَقَالَ فِي الآخر: لَا يفْسد إِلَّا الْعمد.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا وطئ فِي الْعمرَة أفسدها وَعَلِيهِ الْقَضَاء.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن وطئ فِي الْعمرَة وأفسدها وَوَجَب عَلَيْهِ الْقَضَاء، مَاذَا يجب عَلَيْهِ بعد ذَلِك؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: عَلَيْهِ شَاة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: بَدَنَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وطئ الْقَارِن فأفسد حجه وعمرته أَو الْمُتَمَتّع فأفسد

(1/310)


عمرته هَل يسْقط عَنهُ دم التَّمَتُّع وَالْقرَان بالإفساد أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْقط عَنهُ ذَلِك.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يسْقط.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين، أظهرهمَا: أَنه لَا يسْقط.
وَاخْتلفُوا فِي الدِّمَاء الْمُتَعَلّقَة بِالْإِحْرَامِ وبمن يخْتَص تفريقها؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الذّبْح كُله يتَعَلَّق بِالْحرم وَلَا يخْتَص تفرقته بأَهْله.
وَقَالَ مَالك: مَا كَانَ من فديَة الْأَذَى وفديه لبس الْمخيط فَإِنَّهُ نسك ينحره حَيْثُ شَاءَ مَا عدا ذَلِك فَإِنَّهُ هدي ينحره بِمَكَّة وَيخْتَص بِأَهْل الْحرم.
وَقَالَ الشَّافِعِي: الدِّمَاء الْمُتَعَلّقَة بِالْإِحْرَامِ تخْتَص تفرقتها بِالْحرم إِلَّا دم الْإِحْصَار.
وَقَالَ أَحْمد: مثله، وَزَاد عَلَيْهِ فِي الِاسْتِثْنَاء دم الْحلق.
وَاخْتلفُوا فِي حمام الْحل وَالْحرم إِذا أَصَابَهُ الْمحرم؟

(1/311)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة: فِي ذَلِك قِيمَته فَإِن بلغت مَا يشترى بِهِ الْهَدْي ابتاعه وفرقه، وَإِلَّا ابْتَاعَ بِهِ طَعَاما ففرقه على الْمَسَاكِين.
وَقَالَ مَالك: فِي حمامة الْحل حُكُومَة، وَفِي حمامة الْحرم شَاة.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: شَاة فِي كل وَاحِد.
وَاتَّفَقُوا على أَن بيض النعام مَضْمُون.
ثمَّ اخْتلفُوا بِمَاذَا يضمنهُ؟
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يضمنهُ بِالْقيمَةِ.
وَقَالَ الإِمَام مَالك: يضمنهُ بِعشر قيمَة الْبَدنَة.
وَاخْتلفُوا فِي كَفَّارَة الصَّيْد، هَل هِيَ على التَّخْيِير أم على التَّرْتِيب؟
فَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد.
وَأَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: هِيَ على التَّخْيِير.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هِيَ التَّرْتِيب، وَصفَة التَّخْيِير فِيمَا لَهُ مثل النظير، أَو قيمَة النظير يشترى بِهِ طَعَاما يُعْطي الْفُقَرَاء أَو يصام

(1/312)


عَن كل مد يَوْمًا، وَإِن كَانَ الصَّيْد لَا مثل لَهُ فالتخيير بَين شَيْئَيْنِ الْإِطْعَام وَالصِّيَام.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمحرم لَا يجوز لَهُ أَن يَأْكُل مِمَّا صَاده.
وَاخْتلفُوا فِيمَا صَاده الْحَلَال لأَجله.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز للْمحرمِ أكله سَوَاء صيد بِعِلْمِهِ أَو بِغَيْر علمه.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز للْمحرمِ أكل مَا صيد لَهُ إِذا لم يكن قد دلّ عَلَيْهِ. وَفِي الْأَمر رِوَايَتَانِ عَنهُ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ذبح الْمحرم صيدا.
فَقَالُوا: إِنَّه ميتَة لَا يحل أكله.
إِلَّا الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: أَنه مُبَاح.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ذبح الْحَلَال صيدا فِي الْحرم.
فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: لَا يحل أكله وَهُوَ ميتَة.
وَاخْتلف أَصْحَاب أبي حنيفَة، فَقَالَ الْكَرْخِي: هُوَ ميتَة كالجماعة، وَقَالَ غَيره: هُوَ مُبَاح.

(1/313)


وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترك جمَاعَة محرمون فِي قتل.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك: على كل وَاحِد مِنْهُم جَزَاء كَامِل.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: على جَمِيعهم جَزَاء وَاحِد.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا عدى السَّبع على محرم فَقتله الْمحرم فَلَا ضَمَان. ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتل الْمحرم السَّبع ابْتِدَاء.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا ضَمَان عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ ضَمَان.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَدخل الْحَلَال صيدا من الْحل إِلَى الْحرم؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجب عَلَيْهِ إرْسَاله وتخليته.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: لَا يلْزمه إرْسَاله وَله ذبحه وَالتَّصَرُّف فِيهِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اضْطر الْمحرم إِلَى ميتَة وصيد.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه وَأحمد: لَهُ أَن يَأْكُل من الْميتَة مَا يدْفع بِهِ ضَرُورَته.
وَلَا يَأْكُل الصَّيْد.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: يذبح الصَّيْد ويأكله وَعَلِيهِ جزاءه وَهِي رِوَايَة ابْن عبد الحكم عَن مَالك.

(1/314)


وَاخْتلفُوا فِي الْأَيَّام المعدودات وَالْأَيَّام المعلومات مَا هِيَ؟
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: المعدودات هِيَ أَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة، والمعلومات هِيَ أَيَّام الْعشْر الأول من ذِي الْحجَّة.
آخرهَا يَوْم النَّحْر فَهِيَ مُنْفَصِلَة عَن المعدودات.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هما ممتزجان.
وَقَالَ مَالك: الْأَيَّام المعلومات أَيَّام الذّبْح وَهِي يَوْم النَّحْر ويومان بعده، وَالْأَيَّام المعدودات أَيَّام التَّشْرِيق فَهِيَ ممتزجة مَعهَا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْأَيَّام المعلومات ثَلَاثَة أَيَّام: يَوْم عَرَفَة، وَيَوْم النَّحْر، وَيَوْم بعده.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمحرم إِذا أَقُود بعيره جَازَ لَهُ ذَلِك.
إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجوز لَهُ ذَلِك.
وَأَجْمعُوا على أَن شجر الْحرم مَضْمُون على الْمحل وَالْمحرم.
إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بمضمون.
وَاخْتلفُوا فِيمَا غرسه الأدميون؟

(1/315)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ من جنس مَا يغرسه النَّاس جَازَ قطعه سَوَاء غرسه غارس أَو لم يغرسه مثل شجر اللوز والجوز وَغَيره.
وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يغرسه النَّاس فغرسه.
لم يجب بِقطعِهِ جَزَاء.
وَإِن أَنْبَتَهُ لَا بكسب آدَمِيّ وَجب الْجَزَاء.
كالقصب وَنَحْوه.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجب بإتلافه الْجَزَاء فِي الْحَالين.
وَقَالَ أَحْمد: مَا غرسه الآدميون من الشّجر يجوز قطعه وَلَا ضَمَان على قاطعه.
وَمَا نبت لَا بكسب آدَمِيّ فَلَا يجوز قطعه.
وَإِن قطعه ضمنه سَوَاء كَانَ من جنس مَا يغرسه الآدميون أم لم يكن.
وَاخْتلفُوا فِيمَا تضمن بِهِ الشَّجَرَة الْكَبِيرَة وَالصَّغِيرَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يضمن جَمِيع ذَلِك بِالْقيمَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: تضمن الْكَبِيرَة ببقرة. وَالصَّغِيرَة بِشَاة.

(1/316)


وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز رعي حشيش الْحرم.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يجوز. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي رِوَايَته الْأُخْرَى: يجوز وَاخْتلفُوا فِي أَي الْحَرَمَيْنِ أفضل.
فَقَالَ مَالك وَأحمد فِي أحد الرِّوَايَتَيْنِ: الْمَدِينَة أفضل.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: مَكَّة أفضل.
وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب الْمُجَاورَة بِمَكَّة.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يسْتَحبّ ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على أَن صيد الْمَدِينَة محرم قَتله واصطياده وَكَذَا شَجَرهَا محرم قطعه.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِمحرم.
ثمَّ اخْتلف محرموه هَل فِيهِ الْجَزَاء إِذا صيد، وَفِي شَجَرهَا إِذا قطع؟

(1/317)


فَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: لَا جَزَاء فِيهِ. وَفِي الْأُخْرَى: الْجَزَاء.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالروايتين، وَالْجَزَاء فِي أحد قوليه.
وَعند أَحْمد هُوَ سلب العادي يَتَمَلَّكهُ الْآخِذ لَهُ.
وَالْقَوْل الثَّانِي للشَّافِعِيّ: أَنه يتَصَدَّق بالسلب على فُقَرَاء الْمَدِينَة.
وَاتَّفَقُوا فِي صيد وَج وشجره، وَهُوَ مَوضِع بِالطَّائِف، أَنه غير محرم الِاصْطِيَاد وَلَا الْقطع إِلَّا الشَّافِعِي فَإِنَّهُ قَالَ: يمْنَع من صيدها وَقتل الصَّيْد بهَا.
وَهل يضمن إِن فعل على قَوْلَيْنِ لَهُ.
وَاتَّفَقُوا على أَن للْمحرمِ تحللين، أَولهمَا: رمي جَمْرَة الْعقبَة، وآخرهما: طواف الْإِفَاضَة وَيُسمى طواف الْفَرْض، وَطواف الزِّيَارَة، وَطواف النِّسَاء لِأَنَّهُنَّ يبحن بعده.
وَاتَّفَقُوا على أَن التَّحَلُّل الأول يحصل بشيئين من ثَلَاثَة هِيَ: الرَّمْي:، وَالْحلق، وَالطّواف، فَهُوَ يحصل بِالرَّمْي وَالْحلق، أَو بِالرَّمْي وَالطّواف، أَو بِالطّوافِ وَالْحلق.
والتحلل الثَّانِي يحصل بِمَا بَقِي من الثَّلَاثَة الَّتِي ذَكرنَاهَا.
فَالْأول: يَقع بِاثْنَيْنِ مِنْهَا.

(1/318)


وَالثَّانِي: يَقع بِمَا بَقِي من الثَّلَاثَة.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا يُبِيح التَّحَلُّل الأول؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: التَّحَلُّل الأول يُبِيح جَمِيع الْمَحْظُورَات إِلَّا الوطئ فِي الْفرج. .
وَقَالَ مَالك: التَّحَلُّل الأول يُبِيح جَمِيع الْمَحْظُورَات إِلَّا النِّسَاء وَقتل الصَّيْد، وَيكرهُ لَهُ الطّيب.
إِلَّا أَنه إِن تطيب فَلَا شَيْء عَلَيْهِ بِخِلَاف النِّسَاء وَالصَّيْد، فَإِنَّهُمَا يوجبان عَلَيْهِ مَا تقدم وَصفا لَهُ من مذْهبه.
وَقَالَ الشَّافِعِي: التَّحَلُّل الأول يُبِيح الْمَحْظُورَات إِلَّا الوطئ فِي الْفرج قولا وَاحِدًا فَإِنَّهُ لَا يبيحه.

(1/319)


وَعنهُ فِي دَاعِي الوطئ وَعقد النِّكَاح وَقتل الصَّيْد وَالطّيب قَولَانِ.
وَقَالَ أَحْمد: التَّحَلُّل الأول يُبِيح الْمَحْظُورَات جَمِيعهَا إِلَّا الوطئ وَعقد النِّكَاح ودواعي الوطئ كالقبلة واللمس بِشَهْوَة.
وَاتَّفَقُوا على أَن التَّحَلُّل الثَّانِي يُبِيح جَمِيع الْمَحْظُورَات للْإِحْرَام وَيُعِيد الْمحرم حَلَالا.
وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب زِيَارَة قبر الْمُصْطَفى وصاحبيه أبي بكر وَعمر المدفونين مَعَه، وندبوا إِلَيْهِ. وَاتَّفَقُوا على أَن الْإِحْصَار بالعدو يُبِيح التَّحَلُّل.
وَاخْتلفُوا فِيمَن قدر على أحد هذَيْن الرُّكْنَيْنِ الْوُقُوف أَو الطّواف ثمَّ صد عَن التَّمام هَل يكون محصرا كمن لم يقدر على وَاحِد مِنْهُمَا أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم: مَتى وقف بِعَرَفَة وَرمى جَمْرَة الْعقبَة وتحلل التَّحَلُّل الأول، ثمَّ صد عَن الْبَيْت فَإِنَّهُ لَا يكون محصرا وَلَا سَبِيل إِلَى تحلله وَيبقى محرما أبدا حَتَّى يطوف للزيارة.

(1/320)


فَإِن سَافر إِلَى بَلَده فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الْعود بإحرامه الأول وَيَطوف وَيسْعَى وَعَلِيهِ دم لتَركه الْوُقُوف بِالْمُزْدَلِفَةِ إِن لم يكن وقف بهَا.
وَعَلِيهِ دم لرمي الْجمار إِن لم يكن رَمَاهَا وَكَذَلِكَ لتأخير الْحلق، وَعَلِيهِ دم لتأخير طواف الزِّيَارَة عَن أَيَّام النَّحْر عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ.
وَعند مَالك يجب عَلَيْهِ دم لتأخير طواف الزِّيَارَة إِلَى آخِره إِلَى الْمحرم كَمَا تقدم من مذْهبه. وَإِن جَامع قبل أَن يطوف للزيارة بعد التَّحَلُّل الأول فِي هَذِه الصُّورَة فَعَلَيهِ بَدَنَة عِنْدهم. وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَة أُخْرَى، عَلَيْهِ شَاة فَإِن تكَرر الوطئ مِنْهُ، نظر فَإِن كَانَ نِيَّته ترك الْإِحْرَام ورفضه فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ دم وَاحِد.
وَإِن لم يكن على نِيَّة رفض الْإِحْرَام، نظر، فَإِن كَانَ الوطئ المتكرر فِي

(1/321)


مجْلِس وَاحِد فليزمه دم وَاحِد. وَإِن كَانَ فِي مجَالِس مُتَفَرِّقَة فَلِكُل مجْلِس دم.
فَأَما من أحْصر بِمَكَّة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ بمحصر.
قَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ من أَصْحَابه: إِنَّمَا هَذَا فِي حق من قدر على طواف الزِّيَارَة وَالْوُقُوف بِعَرَفَة فَإِنَّهُ مَتى قدر على أحد هذَيْن الرُّكْنَيْنِ فَلَا يكون محصرا.
فَأَما إِذا لم يقدر على الطّواف وَلَا على الْوُقُوف بِعَرَفَة فَهُوَ محصر.
وَقَالَ مَالك: من حصر الْعَدو تحلل بِعَمَل عمْرَة، إِلَّا أَن يكون مكيا فَيخرج إِلَى الْحل، ثمَّ يتَحَلَّل بِعُمْرَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد وَأحمد: إِن الْإِحْصَار بِمَكَّة والإحضار قبل الوقفة بِعَرَفَة وَبعد الْوُقُوف بهَا كُله سَوَاء فِي إِثْبَات حكم الْإِحْصَار، وَأَن الْمحصر فِي حَالَة

(1/322)


من هَذِه الْأَحْوَال كمن لم يقدر عَلَيْهَا كلهَا.
قَالَ الْمُؤلف: وَالصَّحِيح عِنْدِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي فِي قَوْله الْجَدِيد وَأحمد وَأَن قَوْله سُبْحَانَهُ: {فَإِن أحصرتم فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهدى} .
مَحْمُول على الْعُمُوم فِي حق كل من أحْصر سَوَاء كَانَ قبل الْوُقُوف أَو بعده بِمَكَّة أَو بغَيْرهَا، وَسَوَاء كَانَ طَاف بِالْبَيْتِ أَو لم يطف، وَإِن لم يتَحَلَّل كَمَا قَالَ اللَّهِ عز وَجل وَلِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أطلق فِي ذَلِك فِي قَوْله وَلم يخصصه وعَلى ذَلِك فِيمَا جرى للْحَاج فِي سنة سبع وَخمسين فَإِنَّهُ ذَلِك.
فَإِن الَّذين صدوا عَن الْمَسْجِد الْحَرَام وَخَافَ كل وَاحِد مِنْهُم الْهَلَاك واتصل لَيْسَ على أحدهم إِلَّا مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي.
وَاخْتلفُوا فِي إِيجَاب الْهدى على الْمحصر بعدو.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ بِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يتَحَلَّل إِلَّا بِهَدي.
وَقَالَ مَالك: لَا يجب عَلَيْهِ ويتحلل بِغَيْر هدي.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترط الْمحرم التَّحَلُّل.
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَهُ شَرطه ويستفيد بِهِ التَّحَلُّل إِذا وجد الشَّرْط سَوَاء كَانَ

(1/323)


الْمحصر بِمَرَض أَو عَدو أَو غَيره فيستفيد بِالشّرطِ عِنْد الْمَرَض وَالْخَطَأ التَّحَلُّل وَإِسْقَاط الْهَدْي وَعند الْعَدو إِسْقَاط الدَّم.
وَقَالَ مَالك: وجود الشَّرْط كَعَدَمِهِ وَلَا يَسْتَفِيد شَيْئا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الشَّرْط يُفِيد سُقُوط الدَّم، وَلَا يُفِيد التَّحَلُّل، لِأَن التَّحَلُّل يُسْتَفَاد بِالْإِطْلَاقِ.
وَاخْتلفُوا فِي الْمحصر بِالْمرضِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْمحصر بِالْمرضِ، كالمحصر بالعدو عِنْده سَوَاء.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِذا مرض الْمحرم لم يجز لَهُ أَن يتَحَلَّل وَيُقِيم على إِحْرَامه حَتَّى يصل إِلَى الْبَيْت، فَإِن فَاتَهُ الْحَج فعل مَا يفعل المفوت من عمل الْعمرَة وَالْهَدْي وَالْقَضَاء.
وَاخْتلفُوا فِيمَن عدم دم الْإِحْصَار هَل يقوم الصَّوْم مقَامه؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يُجزئ عَنهُ الصّيام.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: لَا بدل للهدى، وَقَالَ فِي الآخر وَأحمد: يُجزئ عَنهُ الصَّوْم.
وَللشَّافِعِيّ فِي صفة الصَّوْم المجزئ عَنهُ ثَلَاثَة أَقْوَال:
أَحدهَا: صَوْم التَّمَتُّع.

(1/324)


وَالثَّانِي: صَوْم الْحلق.
وَالثَّالِث: صَوْم التَّعْدِيل عَن كل مد يَوْمًا.
وَقَالَ أَحْمد: مِقْدَاره عشرَة أَيَّام وَلَا يجوز لَهُ التَّحَلُّل حَتَّى يَأْتِي بِالْبَدَلِ الَّذِي هُوَ الصَّوْم كَمَا لَا يحل حَتَّى يَأْتِي بالمبدل الَّذِي هُوَ الدَّم عِنْد أَحْمد.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: أَحدهمَا كَهَذا وَالْآخر: لَهُ أَن يتَحَلَّل قبل الْإِتْيَان بِالْبَدَلِ.
وَاخْتلفُوا أَيْن ينْحَر الْمحصر الْهَدْي.
فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: ينحره مَوضِع تحلله من حل أَو حرم.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يذبح هدي الْإِحْصَار إِلَّا فِي الْحرم.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن ينْحَر ويتحلل قبل يَوْم النَّحْر أَو يؤخرهما إِلَى يَوْم النَّحْر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يجوز لَهُ أَن ينْحَر ويتحلل وَقت حصره وَلَا ينْتَظر يَوْم النَّحْر.
وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يجوز ذَلِك إِلَّا يَوْم النَّحْر.

(1/325)


وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد مثله.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أحْصر فِي حجَّة التَّطَوُّع فَحل مِنْهَا بِالْهَدْي فَهَل يلْزمه الْقَضَاء أم لَا؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمه الْقَضَاء. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه. وَعَن أَحْمد رِوَايَتَيْنِ كالمذهبين.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أحْصر فِي حجَّة الْفَرْض، وَحل مِنْهَا بِالْهَدْي أَنه يلْزمه الْقَضَاء.
إِلَّا مَا رَوَاهُ عبد الْملك بن الْمَاجشون، عَن مَالك أَنه مَتى حصر عَن حجَّة الْفَرْض بعد الْإِحْرَام سقط عَنهُ الْفَرْض.
قَالَ الْمُؤلف: وَأَنا اسْتحْسنَ هَذَا.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل يجب مَعَ الْقَضَاء عَلَيْهِ لِلْحَجِّ عمْرَة؟
فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يلْزمه مَعَ الْحَج عمْرَة.
إِلَّا أَن مَالِكًا أوجب عَلَيْهِ الْهَدْي مَعَ الْقَضَاء.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه مَعَه عمْرَة.

(1/326)


وَاخْتلفُوا فِي إِشْعَار الْهَدْي من الْإِبِل وَالْبَقر هَل هُوَ سنة أم لَا؟
فَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: هُوَ مسنون.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَيْسَ بمسنون بل مَكْرُوه.
وَصفَة الْإِشْعَار أَن يشق صفحة سنامها الْأَيْمن عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَات.
وَرُوِيَ عَن أَحْمد صفحة سنامها الْأَيْسَر حَتَّى يظْهر الدَّم. وَرُوِيَ عَنهُ رِوَايَة أُخْرَى: هُوَ مُخَيّر فِي أَي الصفحتين شَاءَ، وَلَيْسَت إِحْدَاهمَا بِأولى من الْأُخْرَى.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ فِي الْأَيْسَر والأيمن كالمذهبين فِي الْإِبِل فَأَما الْبَقر.
فَقَالَ: إِن كَانَ لَهَا أسنمة أشعرت، وَإِن لم يكن لَهَا أسنمة لم تشعر لِأَنَّهُ تَعْذِيب لَهَا.
وَاخْتلفُوا فِي تَقْلِيد الْغنم وإشعارها.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَيْسَ بمسنون تقليدها وَلَا إشعارها.

(1/327)


وَقَالَ الشَّافِعِي: تقلد الْغنم وَلَا تشعر.
وَقَالَ أَحْمد: هما مسنونان فِيهَا.
وَاخْتلفُوا هَل من شَرط الْهَدْي أَن يُوقف بِعَرَفَة أَو يجمع فِيهِ بَين الْحل وَالْحرم؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ من شَرط الْهَدْي أَن يُوقف بِعَرَفَة وَلَا يجمع فِيهِ بَين الْحل وَالْحرم. وَإِذا اشْتَرَاهُ فِي الْحرم وَلم يعرف بِهِ أَجزَأَهُ.
وَقَالَ مَالك: إِذا كَانَ محرما بِالْحَجِّ فَإِنَّهَا تساق من الْحل إِلَى الْحرم وَتوقف بِعَرَفَات فَإِن لم يقفها بِعَرَفَة إِلَّا أَنه جمع لَهَا بَين الْحل وَالْحرم أَجزَأَهُ، فأعتبر الْجمع بَينهمَا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه فِي أَي مَوضِع نحر فِيهِ من الْحرم أَجزَأَهُ.
إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا ينْحَر فِي الْحَج إِلَّا بمنى وَلَا فِي الْعمرَة إِلَّا بِمَكَّة.
وَاخْتلفُوا فِي اشْتِرَاك سَبْعَة فِي الْبَدنَة وَالْبَقَرَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانُوا متفقين صَحَّ الِاشْتِرَاك، وَإِن كَانَ بَعضهم يُرِيد الْقرْبَة وَبَعْضهمْ يُرِيد اللَّحْم، لم يَصح.

(1/328)


وَقَالَ مَالك: إِن كَانُوا متطوعين صَحَّ الِاشْتِرَاك بِشَرْط أَن يكون الْمَالِك لَهَا وَاحِدًا فيشركهم فِي أجرهَا، وَإِن كَانَ عَلَيْهِم هدي وَاجِب، لم يَصح.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجوز اشْتِرَاك السَّبْعَة فِي الْبَدنَة وَالْبَقَرَة سَوَاء كَانَ هديهم تَطَوّعا أَو وَاجِبا وَسَوَاء اتّفقت جِهَات قربهم، أَو اخْتلفت، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ بَعضهم مُتَطَوعا، وَبَعْضهمْ عَن وَاجِب، أَو كَانَ بَعضهم يُرِيد اللَّحْم وَبَعْضهمْ متقربا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا يجوز للمهدي أكله من الْهَدْي وَمَا لَا يجوز.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَأْكُل من شَيْء من الْهَدْي إِلَّا من هدي التَّمَتُّع وَالْقرَان والتطوع إِذا بلغ مَحَله.
وَقَالَ مَالك: يَأْكُل من الْهَدْي كُله إِلَّا من جَزَاء الصَّيْد وفدية الْأَذَى وَنذر الْمَسَاكِين، وهدي التَّطَوُّع إِذا عطب قبل أَن يبلغ مَحَله.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَأْكُل إِلَّا من التَّطَوُّع.
وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كمذهب أبي حنيفَة، وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة: لَا يَأْكُل من النّذر، وَلَا من جَزَاء الصَّيْد وَيَأْكُل مَا سوى ذَلِك.

(1/329)


وَاخْتلفُوا فِيمَن أوجب بَدَنَة هَل يجوز لَهُ بيعهَا؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: قد زَالَ ملكه عَنْهَا، فَلَا يجوز لَهُ بيعهَا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: إِذا أوجب بَدَنَة جَازَ لَهُ بيعهَا، وَعَلِيهِ بَدَنَة مَكَانهَا، فَإِن لم يجب مَكَانهَا حَتَّى زَادَت فِي بدنهَا أَو شعرهَا أَو ولدت كَانَ عَلَيْهِ مثلهَا زَائِدَة وَمثل وَلَدهَا وَلَو أوجب مَكَانهَا قبل الزِّيَادَة، وَالْولد لم يكن عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَة شَيْء.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: لَا يَبِيعهَا إِلَّا لمن أَرَادَ أَن يُضحي.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نذر هَديا.
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد من قوليه وَأحمد: يلْزمه شَاة.
فَإِن أخرج جزوراً أَو بقرة كَانَ أفضل وَلَا يُجزئ فِيهِ إِلَّا مَا يُجزئ فِي الْأُضْحِية.
وَاخْتلفُوا فِيمَن حج حجَّة الْإِسْلَام، ثمَّ ارْتَدَّ ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجب عَلَيْهِ حجَّة الْإِسْلَام وَلَا يعْتد لَهُ بالماضية.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تجب عَلَيْهِ حجَّة أُخْرَى.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالمذهبين.

(1/330)