اختلاف
الأئمة العلماء كتاب الْأُضْحِية
اتَّفقُوا على أَن الْأُضْحِية مَشْرُوعَة بِأَصْل الشَّرْع.
ثمَّ اخْتلفُوا فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ وَاجِبَة على كل حر مُسلم مُقيم
مَالك لنصاب من أَي الْأَمْوَال كَانَ.
وَقَالَ مَالك: هِيَ مسنونة غير مَفْرُوضَة.
وَهِي على كل من قدر عَلَيْهَا من الْمُسلمين من أهل الْأَمْصَار والقرى
والمسافرين إِلَّا الْحَاج الَّذِي بمنى فَإِنَّهُم لَا أضْحِية عَلَيْهِم.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هِيَ مُسْتَحبَّة.
إِلَّا أَن أَحْمد قَالَ: وَلَا يسْتَحبّ تَركهَا مَعَ الْقُدْرَة
عَلَيْهَا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا تلْزمهُ أضْحِية عَن وَلَده الصَّغِير، وَإِن
كَانَ مُوسِرًا.
(1/331)
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ:
يلْزمه عَن كل وَاحِد مِنْهُم شَاة.
وَاتفقَ الموجبان لَهَا، وهما أَبُو حنيفَة وَمَالك، على أَن من لم يجد
الْأُضْحِية وَلَا قدر على قيمتهَا لم تجب عَلَيْهِ.
وَاخْتلفُوا فِي الْوَقْت الَّذِي تُجزئ فِيهِ الْأُضْحِية.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يَوْم النَّحْر ويومان بعده.
وَقَالَ الشَّافِعِي: وَثَلَاثَة أَيَّام بعده إِلَى آخر انْقِضَاء
التَّكْبِير من الْيَوْم الرَّابِع.
وَاتَّفَقُوا على أَنه تُجزئ الْأُضْحِية ببهيمة الْأَنْعَام كلهَا.
وَهِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم.
(1/332)
وَاتَّفَقُوا أَيْضا على أَنه لَا يُجزئ من
الضَّأْن إِلَّا الْجذع وَهُوَ الَّذِي لَهُ سِتَّة أشهر وَقد دخل فِي
السَّابِع كَمَا ذكرنَا فِي كتاب الزَّكَاة.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يُجزئ مِمَّا سوى الضَّأْن إِلَّا الثني على
الْإِطْلَاق من الماعز وَالْبَقر.
والثنى من الماعز هُوَ الَّذِي لَهُ سنة كَامِلَة وَدخل فِي الثَّانِيَة.
والثنى من الْبَقر إِذا أكملت لَهُ سنتَانِ وَدخل فِي الثَّالِثَة.
والثنى من الْإِبِل إِذا كمل لَهُ خمس سِنِين وَدخل فِي السَّادِسَة.
وَاتَّفَقُوا على أَنه من ذبح الْأُضْحِية من هَذِه الْأَجْنَاس بِهَذِهِ
الْأَسْنَان فَمَا زَادَت أَن أضحيته مجزئه صَحِيحه.
وَأَن من ذبح مِنْهَا مَا دون هَذِه الْأَسْنَان من كل جنس مِنْهَا لم تجزه
أضحيته.
وَاخْتلفُوا فِي الْأَفْضَل مِنْهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: أفضلهَا الْإِبِل ثمَّ
الْبَقر ثمَّ الْغنم، والضأن أفضل من الماعز.
وَقَالَ مَالك: الْأَفْضَل الْغنم، ثمَّ الْإِبِل، ثمَّ الْبَقر.
وروى عَنهُ ابْن شعْبَان: الْغنم، ثمَّ الْبَقر، ثمَّ الْإِبِل.
وَأَيْضًا من الْغنم أفضل من الماعز، وفحول كل جنس أفضل من إناثه.
(1/333)
وَاتَّفَقُوا على أَنه يكره لمن أَرَادَ
الْأُضْحِية أَن يَأْخُذ من شَعْرَة وظفرة فِي الْعشْر إِلَى أَن يُضحي.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يكره.
وَاخْتلفُوا فِي أول وَقت الْأُضْحِية.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز لأهل الْأَمْصَار الذّبْح حَتَّى يُصَلِّي
الإِمَام الْعِيد، فَأَما أهل الْقرى فَيجوز لَهُم بعد طُلُوع الْفجْر.
وَقَالَ مَالك: وقته بعد الصَّلَاة وَالْخطْبَة، وَذبح الإِمَام.
وَقَالَ الشَّافِعِي: وَقت الذّبْح إِذا مضى من الْوَقْت مِقْدَار مَا
يُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وخطبتين بعدهمَا، وَقَالَ: يجوز ذَلِك بعد
صَلَاة الإِمَام وَإِن لم يكن الإِمَام ذبح وَلم يفرق بَين أهل الْقرى
والأمصار بل قَالَ: إِن الْقرى يتوخى أَهلهَا مِقْدَار صَلَاة الإِمَام
وخطبتيه، أَن يُصَلِّي عِنْدهم صَلَاة الْعِيد، وَإِن كَانَت تصلى فبعدها.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز ذبح الْأُضْحِية لَيْلًا فِي وَقتهَا
الْمَشْرُوع لَهَا، كَمَا يجوز فِي نَهَاره.
(1/334)
إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجوز
ذَبحهَا لَيْلًا.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة مثله.
وَأَبُو حنيفَة يكرههُ مَعَ جَوَازه.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن يذبحها كتابي؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يجوز مَعَ الْكَرَاهَة.
وَقَالَ مَالك: لَا يجوز أَن يذبحها إِلَّا مُسلم.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين أشهرهما الْجَوَاز.
وَاتَّفَقُوا على أَن ذبح العَبْد من الْمُسلمين فِي الْجَوَاز كَالْحرِّ
وَامْرَأَة من الْمُسلمين، والمراهق فِي ذَلِك كَالرّجلِ.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يُجزئ فِيهَا ذبح معيب ينقص عَيبه لَحْمه
كالعمياء والعوراء والعرجاء الْبَين عرجها والمريضة الَّتِي لَا يُرْجَى
برؤها، والعجفاء الَّتِي لَا تنقى.
(1/335)
وَاخْتلفُوا فِي العضباء وَجَوَاز
الْأُضْحِية بهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: المقطوعة كل الْأذن والذنب لَا تُجزئ فَإِن كَانَ
الذَّاهِب مِنْهَا الْأَقَل وَالْبَاقِي الْأَكْثَر جَازَ وَإِن كَانَ
الذَّاهِب الْأَكْثَر لم تجز.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز على الْإِطْلَاق.
وَمذهب مَالك كمذهب أبي حنيفَة إِلَّا أَنه اسْتثْنى فِي الْمَكْسُورَة
الْقرن.
فَقَالَ: إِن كَانَت تدمى فَلَا تُجزئ.
وَقَالَ أَحْمد: أما العضباء الَّتِي ذهب أَكثر قرنها فَلَا تُجزئ رِوَايَة
وَاحِدَة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ فِيمَا زَاد على الثُّلُث، أَحدهمَا: إِن كَانَ
دون النّصْف جَازَ، اخْتَارَهَا الْخرقِيّ.
وَالثَّانيَِة: إِن كَانَ ثلث الْقرن فَصَاعِدا لم يجز. وَإِن كَانَ أقل
جَازَ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اشْترى أضْحِية وأوجبها ثمَّ أتلفهَا.
فَقَالَ الشَّافِعِي: يلْزمه أَكثر الْأَمريْنِ من قيمتهَا وَقت التّلف أَو
قيمَة مثلهَا وَقت الذّبْح فيشتري بِهِ مثلهَا وَإِن زَاد على مثلهَا شَارك
فِي الْأُخْرَى.
وَقَالَ أَحْمد: يجب عَلَيْهِ قيمتهَا يَوْم التّلف وَلَا يجب عَلَيْهِ
أَكثر من ذَلِك، فَإِن كَانَت قيمتهَا تفي بأضحية صرفه فِيهَا، وَإِن لم تف
بأضحية تصدق بهَا.
وَاخْتلفُوا فِي إِيجَاب الْأُضْحِية بِأَيّ شَيْء يَقع.
(1/336)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا نوى شراها
للأضحية فَهُوَ إِيجَابهَا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا
يُوجِبهَا إِلَّا القَوْل.
وَاتَّفَقُوا على أَن مَا فضل عَن حَاجَة الْوَلَد من لبن الْأُضْحِية
وَالْهَدْي يجوز شربه.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجوز.
وَاتَّفَقُوا على أَن الِاشْتِرَاك فِي الْأُضْحِية على سَبِيل الإفادة من
الْبَعْض للْبَعْض جَائِز.
ثمَّ اخْتلفُوا بالاشتراك فِيهَا بالأثمان والأعراض فَأَجَازَهُ الْكل.
إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يجوز ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز بيع شَيْء من الْأَضَاحِي بعد ذَبحهَا.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي جلودها.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بِآلَة الْبَيْت كالغربال والمنخل فَإِن
بَاعهَا بِدَرَاهِم أَو دَنَانِير أَو فلوس كره ذَلِك.
(1/337)
وَجَاز إِلَّا أَن يَبِيعهَا بذلك
وَيتَصَدَّق بِهِ فَلَا يكره ذَلِك عِنْد مُحَمَّد بن الْحسن خَاصَّة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز.
وَاتَّفَقُوا على اسْتِحْبَاب التَّسْمِيَة على الْأَضَاحِي وَالتَّكْبِير
عَلَيْهَا، فَإِن تَركهَا، أَعنِي التَّسْمِيَة، نَاسِيا، أَجْزَأته فَإِن
تعمد تَركهَا فَقَالَ مَالك: لَا يجوز أكلهَا.
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَنه إِن ترك التَّسْمِيَة سَاهِيا لم يجز
أكلهَا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يُعْطي ذابحها بأجرته شَيْئا مِنْهَا لَا من
الْجلد وَلَا من اللَّحْم.
وَاتَّفَقُوا على أَنه تُجزئ الْبَدنَة عَن سَبْعَة.
وَكَذَلِكَ الْبَقَرَة وَالشَّاة خَاصَّة عَن وَاحِد.
إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: الْبَدنَة وَالْبَقَرَة كالشاة لَا تُجزئ
إِلَّا عَن وَاحِد، إِلَّا أَن يكون رب الْبَيْت يُشْرك فِيهَا أهل بَيته
فِي الْأجر فَإِنَّهُ يجوز.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يسْتَحبّ للمضحي أَن يَلِي الذّبْح بِيَدِهِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ذبح أضْحِية غَيره بِغَيْر إِذْنه ونواه بهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: قد أَجْزَأت عَن صَاحبهَا وَلَا ضَمَان
عَلَيْهِ.
(1/338)
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَت وَاجِبَة جزت
عَن صَاحبهَا.
وَاخْتلف أَصْحَابه هَل يعزم الذَّابِح النُّقْصَان بِالذبْحِ أم لَا؟ ،
وَإِن كَانَت غير وَاجِبَة فَهَل يُجزئ عَن صَاحبهَا أم لَا؟ ، وَهل
يضمنهَا؟ على رِوَايَتَيْنِ.
قَالَ الشَّافِعِي: يُجزئ عَن صَاحبهَا وَيضمن الذَّابِح النُّقْصَان
وَيتَصَدَّق بِهِ.
وَاتَّفَقُوا على أَن هَذِه الْأُضْحِية المذبوحة لَا تصير بِهَذَا الذّبْح
ميتَة.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا خرج وَقت الْأُضْحِية على اخْتلَافهمْ فِيهِ
فقد فَاتَ وَقتهَا وَإنَّهُ إِن تطوع بهَا مُتَطَوّع لم يَصح إِلَّا أَن
تكون منذورة فَيجب عَلَيْهِ ذَلِك وَإِن خرج وَقتهَا.
وَاخْتلفُوا فِي قدر مَا يَأْكُل مِنْهَا وَيتَصَدَّق وتهدى.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ أَن يَأْكُل مِنْهَا وَيطْعم الْأَغْنِيَاء
والفقراء ويدخر وَيسْتَحب لَهُ أَن لَا ينقص الصَّدَقَة من الثُّلُث.
وَقَالَ مَالك: يَأْكُل مِنْهَا وَيطْعم غَنِيا وَفَقِيرًا، حرا وعبدا،
نيئا ومطبوخا، وَيكرهُ أَن يطعم مِنْهَا يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا،
وَلَيْسَ لما يَأْكُلهُ، وَلَا لما يطعمهُ حد.
وَالِاخْتِيَار أَن يَأْكُل الْأَقَل وَيقسم الْأَكْثَر، وَلَو يَأْكُل
الثُّلُث وَيقسم الْبَاقِي كَانَ حسنا.
(1/339)
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه:
الْمُسْتَحبّ أَن يَأْكُل الثُّلُث وَيتَصَدَّق بِالثُّلثِ وَيهْدِي
الثُّلُث.
وَقَالَ فِي الآخر: يَأْكُل النّصْف وَيتَصَدَّق بِالنِّصْفِ.
وَقَالَ أَحْمد: الْمُسْتَحبّ أَن يَأْكُل ثلثهَا وَيتَصَدَّق بثلثها
وَيهْدِي ثلثهَا.
وَلَو أكل أَكثر جَازَ.
بَاب الْعَقِيقَة
أَجمعُوا على أَن الْعَقِيقَة مَشْرُوعَة.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: هِيَ غير مَشْرُوعَة.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبهَا.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هِيَ غير وَاجِبَة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: وَاجِبَة، واختارها عبد الْعَزِيز
فِي التَّنْبِيه، وَأَبُو إِسْحَاق الْبَرْمَكِي، وَالْأُخْرَى: مسنونة
وَهِي الْمَشْهُورَة عِنْد أَصْحَابه.
والعقيقة فِي اللُّغَة: أَن يحلق عَن الْغُلَام أَو الْجَارِيَة شعرهما
الَّذِي ولدا فِيهِ،
(1/340)
وَيُقَال لذَلِك: عقيقة.
وَإِنَّمَا سميت الشَّاة عقيقة لِأَنَّهَا تذبح فِي الْيَوْم السَّابِع
وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي يعق فِيهِ شعر الْغُلَام الَّذِي ولد فِيهِ وَهُوَ
عَلَيْهِ أَي يحلق.
وَقَالَ الْفُقَهَاء: هِيَ شرعا عبارَة عَن الذّبْح عَن الْمَوْلُود.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي مِقْدَار مَا يذبح.
فَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: عَن الْغُلَام شَاتَان وَالْجَارِيَة شَاة.
وَقَالَ مَالك: شَاة عَن الذّكر وشَاة عَن الْأُنْثَى من غير تَمْيِيز
بَينهمَا.
وَاتَّفَقُوا على أَن الذّبْح يكون يَوْم السَّابِع من الْولادَة وسبيلها
فِي الْجِنْس وَالسّن واتقاء الْعَيْب، وَوقت الذّبْح، وَالْأكل، سَبِيل
الْأُضْحِية على مَا بَينا من اتِّفَاقهم وَاخْتِلَافهمْ.
إِلَّا أَن الشَّافِعِي وَأحمد اتفقَا على أَنه لَا يسْتَحبّ كسر عظامها بل
تصح جدا.
قَالَ الْمُؤلف: وَأرى ذَلِك تفاؤلا بسلامة الْمَوْلُود.
(1/341)
وَقَالَ مَالك: لَيْسَ بمستحب وَلَا تَركه
بممنوع مِنْهُ وَلَا بَأْس بِهِ.
بَاب الْخِتَان
اتَّفقُوا على أَن الْخِتَان فِي حق الرِّجَال، والخفاض فِي حق الْأُنْثَى
مَشْرُوع.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وُجُوبه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هُوَ سنة فِي حَقّهَا، وَلَيْسَ بِوَاجِب
وجوب فرض، وَلَكِن يَأْثَم تاركوه.
وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ فرض على الذُّكُور وَالْإِنَاث.
وَقَالَ أَحْمد: هُوَ وَاجِب على الرِّجَال رِوَايَة وَاحِدَة.
وَعنهُ فِي النِّسَاء رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا الْوُجُوب.
قَالَ الْمُؤلف: هَذِه الْعِبَادَات الْخمس الَّتِي دلّ عَلَيْهَا
الحَدِيث، قد ذكر نل فِيهَا من الْمسَائِل مَا نرجو أَن تكون أصولا لما لم
نذكرهُ يستنبط مِنْهَا وَيُقَاس عَلَيْهَا.
بِحَيْثُ أَنه إِذا نظر ذُو الْفَهم الْمُوفق فِيهِ عرف بِهِ مَا لم نذكرهُ
إِن شَاءَ اللَّهِ.
فَأَما مَا يدل عَلَيْهِ بَاطِن الحَدِيث وَيُشِير إِلَيْهِ بِدَلِيل خطابه
فَهُوَ أَن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَقَامَ الصَّلَاة فِيمَا يفهم
كل ذِي لب لَا بتصور من العَبْد إِلَّا بِقُوَّة يخلقها اللَّهِ عز وَجل
فِي بدنه، وَأَنه سُبْحَانَهُ أجْرى الْعَادة بِأَن تِلْكَ الْقُوَّة لَا
تدم إِلَّا بمادة،
(1/342)
وَأَن الْمَادَّة يكون تَحْصِيلهَا عَن كسب
الْآدَمِيّ، وَأَن كسب الْآدَمِيّ يكون فِيمَا أَبَاحَهُ اللَّهِ من
السَّعْي فِي وُجُوه الْمُعَامَلَات من البيع وَالتِّجَارَة وَالتَّصَرُّف،
وكل ذَلِك لَا يُبَاح للْمُسلمِ أَن يفعل شَيْئا مِنْهُ إِلَّا بِمُوجب
الشَّرْع الْمَأْذُون لَهُ فِيهِ، فَتخرج من هَذِه الْحَاجة إِلَى عُلُوم
الْمُعَامَلَات، وَمن هَذِه أَيْضا يستنبط أَن الْإِنْسَان لما أَمر بأقام
الصَّلَاة وَلم يُفِيد ذَلِك بِإِقَامَة صلَاته كَانَ مُحْتَمل القَوْل
نادبا لَهُ إِلَى أَن يكون مُقيم الصَّلَاة فِي الأَرْض كلهَا وَإِلَى
يَوْم الْقِيَامَة فَيكون مُقيما للصَّلَاة فِي عمره حَال حَيَاته.
ثمَّ إِنَّه يسْعَى فِي ترك ذُرِّيَّة بعده تقيم الصَّلَاة فِي الأَرْض
عِنْد خُرُوجه من الدُّنْيَا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي التناكح والتناسل، وَأَن
النِّكَاح يتشعب علمه إِلَى مَا يحل نِكَاحه وَمَا لَا يحل.
وَعشرَة النِّسَاء، وَالْعدة، وَالْحيض، وَالطَّلَاق وَغير ذَلِك مِمَّا
تشْتَمل عَلَيْهِ
(1/343)
عُلُوم الْأَنْكِحَة، وَلما كَانَ من
أَحْوَال الْعِبَادَة فِي هَذِه الدُّنْيَا أَن الصَّلَاة تحْتَاج إِلَى
طمأنينة فِيهَا وَظُهُور يَد لإقامتها والمدافعة لمن ينْهَى عَنْهَا من
الْمُشْركين كَانَ الْجِهَاد لَازِما فَوَجَبَ ذكر علمه وَلما كَانَ مِمَّا
أخبر اللَّهِ أَن الخلطاء يَبْغِي بَعضهم على بعض وَإِن الْجِنَايَات فِي
ذَلِك والخصومات تُفْضِي إِلَى تنَازع، وَلَا بُد فِيهَا من قضايا تفصله
وحكومات فِي جراح تنشأ عَن هَذِه الحكومات كَانَ حِينَئِذٍ تَوْلِيَة
الْقَضَاء وترتيب الشُّهُود، وأروش الْجِنَايَات وَالْقصاص مُتَعَلقا كُله
بِالْحَيَاةِ كَمَا قَالَ اللَّهِ: {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} .
وَالْعِبَادَة إِنَّمَا تصح بِالْحَيَاةِ، فَكَانَ هَذَا كُله يتمعنى فِي
الصَّلَاة وَكَذَلِكَ فِي الصّيام وَالزَّكَاة وَالْحج، وَإِنَّمَا تحصل
الْأَمْوَال الَّتِي تُؤْخَذ مِنْهَا الزَّكَاة بالمعاملات فتطيب
بِالزَّكَاةِ، وَنحن نشرع إِن شَاءَ اللَّهِ فِي ذكر الْمُعَامَلَات ثمَّ
نأتي بباقي الْأَشْيَاء من النِّكَاح والجنايات والقضايا وَغير ذَلِك على
تَرْتِيب الْفُقَهَاء، فَنَقُول:
(1/344)
|