اختلاف
الأئمة العلماء كتاب الْإِجَارَة
اتَّفقُوا على أَن الْإِجَارَة من الْعُقُود الْجَائِزَة الشَّرْعِيَّة
وَهِي تمْلِيك الْمَنَافِع بِالْعِوَضِ، وَإِن من شَرط صِحَّتهَا أَن تكون
الْمَنْفَعَة والعوض معلومين.
وَاخْتلفُوا هَل تملك الْأُجْرَة بِنَفس العقد؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تملك بِالْعقدِ وَتجب على آخر كل يَوْم
بِقسْطِهِ من الْأُجْرَة. وَقَالَ مَالك: لَا يملك الْمُطَالبَة بهَا
إِلَّا يَوْمًا بِيَوْم فَأَما الْأُجْرَة فقد ملكت بِالْعقدِ.
(2/27)
وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي وَأحمد: تملك
الْأُجْرَة بِنَفس العقد وتستحق بِالتَّسْلِيمِ وتستقر بِمُضِيِّ الْمدَّة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اسْتَأْجر دَارا كل شهر بِشَيْء مَعْلُوم.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يَصح
الْأُجْرَة فِي الشَّهْر الأول وَتلْزم.
وَأما مَا عداهُ من الشُّهُور فتلزم بِالشُّرُوعِ فِيهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَأحمد فِي الرِّوَايَة
الْأُخْرَى: تبطل الْإِمَارَة فِي الْجَمِيع.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اسْتَأْجر مِنْهُ شهر رَمَضَان فِي شهر رَجَب.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: يَصح العقد وَوَافَقَهُمَا أَحْمد على
ذَلِك.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح
وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا هَل تصح الْإِجَارَة على مُدَّة تزيد على سنة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يجوز.
وَعَن الشَّافِعِي أَقْوَال، أظهرها: لَا تصح أَكثر من سنة.
(2/28)
وَعنهُ يجوز إِلَى ثَلَاثِينَ سنة.
وَعنهُ يجوز أَكثر من سنة بِغَيْر تَقْدِير.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حول الْمَالِك وَالْمُسْتَأْجر فِي أثْنَاء
الشَّهْر.
فَقَالُوا لَهُ أُجْرَة مَا سكن إِلَّا أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ: لَا
أُجْرَة لَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ: إِن تحول السَّاكِن لم يكن لَهُ أَن
يسْتَردّ أُجْرَة مَا بَقِي، فَإِن أخرجته يَد غالبة كَانَ عَلَيْهِ
أُجْرَة مَا سكن.
وَاخْتلفُوا فِي الْعين الْمُسْتَأْجرَة هَل يجوز لمَالِكهَا بيعهَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تبَاع إِلَّا بِرِضا الْمُسْتَأْجر أَو يكون
عَلَيْهِ دين يحْبسهُ الْحَاكِم عَلَيْهِ فيبيعها عَلَيْهِ فِي دينه.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يجوز بيعهَا من الْمُسْتَأْجر وَغَيره ويتسلمها
المُشْتَرِي إِذا كَانَ غير الْمُسْتَأْجر بعد انْقِضَاء مُدَّة
الْإِجَارَة.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ.
(2/29)
وَاخْتلفُوا فِي إِجَارَة الْمشَاع.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تصح إِجَارَة الْمشَاع إِلَّا من الشَّرِيك.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تصح على الْإِطْلَاق.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: أَنَّهَا لَا تصح على الْإِطْلَاق،
وَالْأُخْرَى: تصح، اخْتَارَهَا أَبُو حَفْص العكبراوي.
وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز الِاسْتِئْجَار لِاسْتِيفَاء الْقصاص فِي النَّفس،
وَفِيمَا دون النَّفس.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح الِاسْتِئْجَار على الْقصاص فِي النَّفس
وَقتل أهل
الْحَرْب وَيصِح فِيمَا دون النَّفس.
وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يجوز فِيمَا دون النَّفس، وَفِي
النَّفس أَيْضا.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل تجب الْأُجْرَة على الْمُقْتَص مِنْهُ أَو على
الْمُقْتَص لَهُ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ على الْمُقْتَص لَهُ إِذا كَانَ فِي الطّرف
وَفِيمَا دون النَّفس وَمَا فَوق ذَلِك فَلَا يجوز الِاسْتِئْجَار فِيهِ
أصلا بِنَاء على مذْهبه.
وَقَالَ مَالك: هِيَ على الْمُقْتَص مِنْهُ لَهُ فِي الْجَمِيع ثَابتا على
أَصله.
(2/30)
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هِيَ على
الْمُقْتَص مِنْهُ فِي الْجَمِيع.
وَاخْتلفُوا هَل للْمُسْتَأْجر فسخ عقد الْإِجَارَة من غير عذر يخْتَص بِهِ
كَمَرَض أَو
غَيره؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: للْمُسْتَأْجر الْفَسْخ بِعُذْر يلْحقهُ مثل أَن
يمرض أَو يَحْتَرِق مَتَاعه أَو غير ذَلِك.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز ذَلِك وَهِي لَازمه من
الطَّرفَيْنِ لَا يجوز لأحد مِنْهُمَا فَسخهَا إِلَّا أَن يمْتَنع
اسْتِيفَاء الْمَنْفَعَة من عيب فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ.
وَاخْتلفُوا هَل تَنْفَسِخ الْإِجَارَة بِمَوْت أحد الْمُتَعَاقدين؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تبطل وَإِن لم يتَعَذَّر اسْتِيفَاء الْمَنَافِع
وَاخْتلفُوا فِي أَخذ
(2/31)
الْأُجْرَة على الْقرب كتعليم الْقُرْآن
وَالْحج وَالْأَذَان والإمامة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يجوز.
وَقَالَ مَالك يجوز ذَلِك فِي تَعْلِيم الْقُرْآن وَالْحج وَالْأَذَان
فَأَما الْإِمَامَة فَإِن أفردها وَحدهَا لم يجز أَخذ الْأُجْرَة
عَلَيْهَا، وَإِن جمعهَا مَعَ الْأَذَان جَازَ وَكَانَت الْأُجْرَة على
الْأَذَان لَا على الصَّلَاة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز فِي تَعْلِيم الْقُرْآن وَالْحج.
فَأَما الْإِمَامَة فِي الْفُرُوض فَلَا يجوز ذَلِك فِيهَا ولأصحابه فِي
جَوَاز ذَلِك فِي التَّرَاوِيح وَجْهَان.
وَفِي الْأَذَان ثَلَاثَة أوجه.
(2/32)
وَاخْتلفُوا فِي أُجْرَة الْحجام. فَقَالَ
مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة: يجوز وَيُبَاح للْحرّ.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يجوز فَإِن أَخذهَا من غير شَرط وَلَا عقد عَلفهَا
ناضحة، وأطعمها رقيقَة، وَهُوَ حرَام فِي حق الْحر.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز للْمُسْتَأْجر أَن يُؤجر الْعين الْمُسْتَأْجرَة
بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجرهَا بِهِ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز إِلَّا أَن يكون قد أحدث فِيهَا شَيْئا
فَإِن لم يكن أحدث فِيهَا شَيْئا لم يكن لَهُ أَن يكْرِي بِزِيَادَة، فَإِن
أكرى تصدق بِالْفَضْلِ.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يجوز سَوَاء أصلح فِي الْعين شَيْئا أَو بنى
فِيهَا بِنَاء أَو لم يفعل.
وَعَن أَحْمد أَربع رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: كمذهب أبي حنيفَة،
وَالثَّانيَِة: كمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ. وَالثَّالِثَة: لَا تجوز
إِجَارَتهَا بِزِيَادَة بِحَال، وَالرَّابِعَة: يجوز ذَلِك بِإِذن
الْمُؤَجّر، وَلَا يجوز بِغَيْر إِذْنه.
وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز اسْتِئْجَار الْخَادِم والظئر بِالطَّعَامِ
وَالْكِسْوَة.
(2/33)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز فِي الظِّئْر
دون الْخَادِم.
وَقَالَ مَالك: يجوز فيهمَا جَمِيعًا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز فيهمَا جَمِيعًا.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا الْجَوَاز فيهمَا كَقَوْل مَالك،
وَالْأُخْرَى: الْمَنْع فيهمَا كَقَوْل الشَّافِعِي.
وَاخْتلفُوا فِي جَوَاز اسْتِئْجَار الْكتب للنَّظَر فِيهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يجوز.
وَاخْتلفُوا فِي الْأَجِير الْمُشْتَرك هَل يجب عَلَيْهِ الضَّمَان فِيمَا
جنت يَده؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يضمن مَا جنت يَده.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ إِحْدَاهمَا لَا يضمن، وَالْآخر: يضمن.
وَاخْتلفُوا فِي الْأَجِير الْمُشْتَرك: هَل يضمن مَا لم تجن يَده؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لاضمان عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك: عَلَيْهِ الضَّمَان.
(2/34)
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين.
وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات إِحْدَاهُنَّ: لاضمان عَلَيْهِ كمذهب أبي
حنيفَة، وَالْأُخْرَى: يضمن كمذهب مَالك، وَالثَّالِثَة: إِن كَانَ إهلاكه
بِمَا لَا يُسْتَطَاع مِنْهُ الِامْتِنَاع كالحريق واللصوص وَمَوْت
الْبَهِيمَة فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ بِأَمْر خَفِي يُسْتَطَاع
الِاحْتِرَاز مِنْهُ ضمن.
وَاتَّفَقُوا على أَن الرَّاعِي مَا لم يَتَعَدَّ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ضرب الْبَهِيمَة الْمُسْتَأْجرَة الضَّرْب
الْمُعْتَاد فَهَلَكت.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا ضَمَان وَوَافَقَهُمَا أَحْمد على
ذَلِك.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يضمن وَأَن كَانَ ضربا مُعْتَادا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عقد مَعَ حمال على حمل مائَة رَطْل ثمَّ أكل
مِنْهَا.
(2/35)
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة وَمَالك:
كلما أكل مِنْهُ ترك عوضه.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أظهر قوليه: لَيْسَ لَهُ أَن يتْرك عوضه.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اسْتَأْجر دَابَّة فَهَل لَهُ أَن يؤجرها لغيره؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز إِلَّا لمن يُسَاوِيه فِي معرفَة الرّكُوب.
وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: يجوز لَهُ أَن يؤجرها لمن يُسَاوِيه فِي
الطول وَالسمن.
وَقَالَ مَالك: لَهُ أَن يكريها من مثله فِي رفْقَة يسيرَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَن صَمد نَفسه للمعاش من غير عقد الْإِجَارَة كالملاح
والحلاق.
فَقَالَ مَالك وَأحمد: يسْتَحق كل مِنْهُم الْأُجْرَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يسْتَحق الْأُجْرَة من غير عقد وَلم نجد عِنْد
أبي حنيفَة نصا بل قَالَ أَصْحَابه الْمُتَأَخّرُونَ: إِنَّهُم
يسْتَحقُّونَ الْأُجْرَة.
وَاخْتلفُوا فِي إِجَارَة الْحلِيّ الذَّهَب بِالذَّهَب، أَو الْفضة
بِالْفِضَّةِ هَل يكره؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يكره.
وَكَرِهَهُ أَحْمد.
وَاخْتلفُوا فِي كرى الأَرْض بِالثُّلثِ وَالرّبع وَمِمَّا يخرج مِنْهَا.
فَقَالُوا: لَا يَصح.
إِلَّا أَحْمد فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ أظهرهمَا جَوَازه.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا اسْتَأْجر أَرضًا ليزرعها حِنْطَة فَلهُ أَن
يؤجرها حِنْطَة، وَمَا
(2/36)
ضَرَره بهَا ضَرَر الْحِنْطَة.
وَاخْتلفُوا فِي الرجل يسْتَأْجر زَوجته لرضاع وَلَده.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَصح، وَزَاد مَالك
فَقَالَ: تجبر على ذَلِك إِلَّا أَن تكون شريفة لَا يرضع مثلهَا.
وَقَالَ أَحْمد: يَصح.
وَاخْتلفُوا فِيمَن اكترى بَهِيمَة إِلَى أمد فجاوزه فعطبت.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَلَيْهِ الْأُجْرَة الْمُسَمَّاة إِلَى الْموضع
الْمُسَمّى وَعَلِيهِ قيمتهَا، وَلَا أُجْرَة فِيمَا جاوزه.
وَقَالَ مَالك: صَاحبهَا بعد تلفهَا بِالْخِيَارِ بَين أَن يضمنهُ الْقيمَة
بِلَا أُجْرَة أَو أُجْرَة الْمثل بِلَا قيمَة بعد أَن يُؤَدِّي الْأُجْرَة
الأولى.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: عَلَيْهِ الْمُسَمّى وَأُجْرَة مَا تعدى
وَقيمتهَا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اسْتَأْجر دَارا ليُصَلِّي فِيهَا.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يجوز أَن يُؤجر الرجل دَاره مِمَّن
يتخذها مصلى مُدَّة مَعْلُومَة، ثمَّ تعود إِلَيْهِ ملكا، وَله الْأُجْرَة.
(2/37)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز ذَلِك
وَلَا أُجْرَة لَهُ.
قَالَ الْوَزير: وَهَذَا الَّذِي ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة مبْنى على أَن
الْقرب عِنْده لَا تُؤْخَذ عَلَيْهِ أُجْرَة، وَهُوَ من محَاسِن أبي حنيفَة
لَا يعاب عَلَيْهِ.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز اشْتِرَاط الْخِيَار ثَلَاثًا فِي الْإِجَارَة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يجوز، وَسَوَاء أَكَانَت على مده أم
فِي الذِّمَّة؟
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز فِي الْمدَّة قولا وَاحِدًا، وَفِي
الذِّمَّة على قَوْلَيْنِ. وَاتَّفَقُوا على أَن العقد فِي الْإِجَارَة
إِنَّمَا يتَعَلَّق بِالْمَنْفَعَةِ دون الرّقية خلافًا لأحد قولي
الشَّافِعِي.
(2/38)
فأجازها مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ
بِبَعْض مَا يخرج مِنْهَا ومنعها أَبُو حنيفَة.
وَاتفقَ مجيزوها فِي الْجُمْلَة أَنَّهَا تجوز فِي النّخل وَالْكَرم.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي بَقِيَّة الشّجر وَالْأُصُول الَّتِي لَهَا ثَمَرَة
والرطاب.
فأجازها مَالك وَأحمد وَللشَّافِعِيّ فِيهَا قَولَانِ.
وَاخْتلفُوا هَل تجوز الْمُسَاقَاة على ثَمَرَة مَوْجُودَة؟
فَقَالَ مَالك: يجوز مَا لم تزهو، فَإِذا زهت وَجَاز بيعهَا فَإِنَّهُ لَا
يجوز الْمُسَاقَاة قولا وَاحِدًا.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ الْجَدِيد مِنْهُمَا: أَنَّهَا لَا تجوز.
وَلأَحْمَد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: الْجَوَاز كمذهب مَالك.
(2/39)
وَاخْتلفُوا فِي الْجذاذ فِي الْمُسَاقَاة
على من هُوَ؟
فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. عَن
أَحْمد: جَمِيعه على الْعَامِل.
وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هُوَ على الْعَامِل وَصَاحب
النّخل جَمِيعًا وَهُوَ مَذْهَب مُحَمَّد بن الْحسن.
وَاخْتلفُوا فِي جُزْء الْعَامِل فِي الْمُسَاقَاة إِذا اخْتلف فِيهِ
الْعَامِل وَصَاحب النّخل.
فَقَالَ مَالك: القَوْل قَول الْعَامِل مَعَ يَمِينه.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يَتَحَالَفَانِ ويتفاسخان، وللعامل على أُجْرَة
الْمثل.
وَقَالَ أَحْمد: القَوْل قَول الْمَالِك.
وَاخْتلفُوا فِي الْمُزَارعَة وَهِي أَن يدْفع الرجل أرضه الْبَيْضَاء
إِلَى آخر يَزْرَعهَا بِبَعْض مَا تخرج الأَرْض، شَرط أَن يكون الْبذر من
صَاحب الأَرْض وَلَا يرتجع بذره فَمنعهَا على هَذِه الصّفة أَبُو حنيفَة
وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وأجازها أَحْمد وَحده مِنْهُم. وَهُوَ مَذْهَب أبي
يُوسُف وَمُحَمّد، إِلَّا أَن أَبَا يُوسُف رُوِيَ عَنهُ: أَنه إِن اشْترط
على أَن يكون الْبذر يرتجعه وسطا من بذره وَيقسم الْبَاقِي، جَازَ.
(2/40)
وَسَوَاء كَانَ الْبذر لِلْعَامِلِ أَو
لَهما.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الأَرْض فِيهَا نخل هَل تجوز الْمُزَارعَة فِيهَا على
الْوَجْه الْمَذْكُور؟ فَمنعهَا أَبُو حنيفَة على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ تبعا لِلْأُصُولِ جَازَت الْمُزَارعَة تبعا
للمساقاة.
وأجازها الشَّافِعِي وَأحمد إِلَّا أَن الشَّافِعِي اشْترط أَن يكون
الْبيَاض يَسِيرا.
بَاب أَحيَاء الْموَات
اتَّفقُوا على جَوَاز إحْيَاء الأَرْض الْميتَة الْعَارِية.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل يشْتَرط فِي ذَلِك إِذن الإِمَام.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحْتَاج إِلَى إِذْنه.
وَقَالَ مَالك: مَا كَانَ فِي الفلاة وَحَيْثُ لَا يتساح النَّاس فِيهِ
فَلَا يحْتَاج إِلَى إِذن الإِمَام. وَمَا كَانَ قَرِيبا من الْعمرَان
وَحَيْثُ يتساح النَّاس فِيهِ أفتقر إِلَى إِذن الإِمَام.
(2/41)
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يفْتَقر
إِلَى إِذن الإِمَام.
وَاخْتلفُوا فِي أَرض كَانَت للْمُسلمين مَمْلُوكَة، ثمَّ باد أَهلهَا
وَخَربَتْ هَل يملك بِالْإِحْيَاءِ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: تملك بذلك.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تملك.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين، أظهرهمَا: أَنَّهَا لَا تملك.
وَاخْتلفُوا بِأَيّ شَيْء يملك الأَرْض وَيكون إحْيَاء لَهَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: بتحجيرها وَإِن لم يتَّخذ لَهَا مَاء، وَفِي
الدَّار بتحويطها، وَإِن لم يسقفها.
وَقَالَ مَالك: مَا يعلم بِالْعَادَةِ أَنه إحْيَاء لمثلهَا من بِنَاء
وغراس وحفر بِئْر وَغير ذَلِك.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَت للزَّرْع فيزرعها، واستخراج مَاء لَهَا،
وَأَن كَانَت للسُّكْنَى فيقطعها بُيُوتًا وتسقيفها.
(2/42)
وَاخْتلفُوا فِي حَرِيم الْبِئْر
الْعَارِية.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَت تَسْقِي الْإِبِل المَاء فحريمها
أَرْبَعُونَ ذِرَاعا، لأجل عطن الْإِبِل وَهِي مباركة عِنْد وُرُودهَا،
وَإِن كَانَت للناضح فستون ذِرَاعا وَإِن كَانَت عينا فثلاثمائة ذِرَاع،
وَفِي رِوَايَة عَنهُ: خَمْسمِائَة ذِرَاع من أَرَادَ أَن يحْفر فِي حريمها
منع مِنْهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: لَيْسَ لذَلِك حد مُقَدّر والمرجع فِيهِ
إِلَى الْعرف.
وَقَالَ أَحْمد: إِن كَانَت فِي أَرض موَات فخمسة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا،
وَإِن كَانَت فِي أَرض عاديه فخمسون، وَإِن كَانَت عينا فخمسمائة ذِرَاع.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يجوز للْإِمَام أَن يحمي الْحَشِيش من أَرض الْموَات
لإبل الصدفة. وخيل الْمُجَاهدين، وَنعم الْجِزْيَة والضوال إِذا احْتَاجَ
إِلَيْهَا، وَرَأى فِيهَا الْمصلحَة خلافًا لأحد قولي الشَّافِعِي.
وَاخْتلفُوا فِي الْحَشِيش إِذا نبت فِي أَرض مَمْلُوكَة هَل يملكهُ
صَاحبهَا بملكها؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يملكهُ وكل من أَخذه فَهُوَ لَهُ.
(2/43)
وَقَالَ الشَّافِعِي: يملكهُ بِملكه
الأَرْض.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا كمذهب أبي حنيفَة.
وَقَالَ مَالك إِن كَانَت الأَرْض محوطة ملكهَا صَاحبهَا وَإِن كَانَت غير
محوطة لم يملكهُ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا يفضل عَن حَاجَة الْإِنْسَان وبهائمه وزرعه من المَاء
فِي بِئْر أَو نهر.
فَقَالَ مَالك: إِن كَانَت الْبِئْر أَو النَّهر فِي الْبَريَّة فمالكها
أَحَق بِمِقْدَار حَاجته مِنْهَا وبذل مَا فضل من ذَلِك وَاجِب عَلَيْهِ
وَإِن كَانَت فِي حَائِطه فَلَا يلْزمه الْفضل إِلَّا أَن جَاره زرع على
بِئْر فانهدمت أَو عين فغارت، فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ بذل الْفضل لَهُ
إِلَى أَن يصلح جَاره بِئْر نَفسه أَو عينه، فَإِن تهاون جَاره بإصلاح
ذَلِك لم يلْزمه أَن يبْذل لَهُ وَبعد الْبَذْل لَهُ هَل يسْتَحق عوضه؟
فِيهِ رِوَايَتَانِ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَاب الشَّافِعِي: يلْزمه بذله للشُّرْب
للنَّاس وَالدَّوَاب من غير عوض، وَلَا يلْزم للمزارع، وَله أَخذ الْعِوَض
عَنهُ فِيهَا إِلَّا أَنه يسْتَحبّ لَهُ بذله بِغَيْر عوض.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا: أَنه يلْزمه بذله من غير عوض للماشية
وَالسّفر مَعًا.
(2/44)
وَلَا يحل لَهُ مَنعه، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة وَمن
وَافقه من الشَّافِعِيَّة.
وَاتَّفَقُوا على أَن الأَرْض إِذا كَانَت أَرض ملح أَو مَاء للْمُسلمين
فِيهِ الْمَنْفَعَة. فَأَنَّهُ لَا يجوز للْمُسلمِ أَن ينْفَرد بهَا. |