اختلاف الأئمة العلماء

بَاب اللّقطَة

اتَّفقُوا على أَن اللّقطَة مَا لم تكن تافها يَسِيرا أَو شَيْئا لَا بَقَاء لَهُ فَأَنَّهَا تعرف حولا.
وَأَجْمعُوا على أَن صَاحبهَا أَن جَاءَ فَهُوَ أَحَق بهَا من ملتقطها إِذا ثَبت لَهُ أَنه صَاحبهَا.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا أكلهَا بعد الْحول ملتقطها فَأَرَادَ صَاحبهَا أَن يضمنهُ أَن ذَلِك لَهُ وَأَنه إِن تصدق بهَا ملتقطها بعد الْحول فصاحبها مُخَيّر بَين الضمين وَبَين

(2/59)


أَن تكون لَهُ على أجرهَا فَأَي ذَلِك تخير كَانَ لَهُ ذَلِك بِإِجْمَاع وَلَا تَنْطَلِق يَد ملتقطها عَلَيْهَا بصدقه وَلَا تصرف قبل الْحول إِلَّا ضَالَّة الْغنم.
فَإِنَّهُم أَجمعُوا على أَن ملتقطها فِي الْموضع الْمخوف عَلَيْهَا لَهُ أكلهَا.
وَاتَّفَقُوا على جَوَاز الِالْتِقَاط فِي الْجُمْلَة.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل الْأَفْضَل ترك اللّقطَة أَو أَخذهَا؟
فَاخْتلف عَن أبي حنيفَة فَروِيَ عَنهُ أَن الْأَفْضَل أَخذهَا وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَن الْأَفْضَل تَركهَا.
وَعَن الشَّافِعِي فِي الِالْتِقَاط قَولَانِ، أَحدهمَا: يجب أَخذهَا، وَالْآخر: أَن الْأَفْضَل أَخذهَا.
وَقَالَ أَحْمد: الْأَفْضَل تَركهَا.
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ شَيْء لَهُ بَال وخطر وَيُمكن تَعْرِيفه فَيَنْبَغِي لمن رَآهُ أَخذه
ويعتقد بِأَخْذِهِ حفظه على صَاحِبَة وَإِن كَانَ شَيْئا يَسِيرا من الدَّرَاهِم أَو يَسِيرا من الْمَأْكُول فَهَذَا لَا فَائِدَة فِي أَخذه، فَإِن أَخذه جَازَ وَإِن وجد آبقا لجاره أَو لِأَخِيهِ أَو أُخْته فَلهُ أَن يَأْخُذهُ وَهُوَ فِي السعَة من تَركه، فَإِن كَانَ لَا يعرف صَاحِبَة فَلَا يقربهُ.
وَقَالَ الْوَزير: الَّذِي أرى أَنه إِذا أَخذهَا نَاوِيا بأخذها حفظهَا على صَاحبهَا واثقا من نَفسه بتحمل الْأَمَانَة فِي ذَلِك، فَإِن الْأَفْضَل أَن يَأْخُذهَا، وَإِن كَانَ يخَاف

(2/60)


مِنْهَا الْفِتْنَة أَو أَنَّهَا تكلّف وَجه أَمَانَته فليتركها.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَخذ اللّقطَة ثمَّ ردهَا إِلَى مَكَانهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن أَخذهَا ليردها إِلَى صَاحبهَا، ثمَّ ردهَا إِلَى موضعهَا الَّذِي وجدهَا فِيهِ فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ، وَإِن أَخذهَا وَهُوَ لَا يُرِيد ردهَا ثمَّ بدا لَهُ فَردهَا إِلَى موضعهَا، ثمَّ سرقت ضمنهَا.
وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: يضمن على كل حَال.
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ التقطها بنية الْحِفْظ على صَاحبهَا فَردهَا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ.
وَاخْتلفُوا فِي اللّقطَة هَل تملك بعد الْحول والتعريف؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تملك جَمِيع الملتقطات سَوَاء كَانَ غَنِيا أَو فَقِيرا، وَسَوَاء كَانَت اللّقطَة أثمانا أَو عرُوضا أَو حليا أَو ضَالَّة غنم.
وَقَالَ مَالك: هُوَ بِالْخِيَارِ بعد السّنة بَين أَن يَتْرُكهَا فِي يَد أَمَانَة، فَإِن تلفت فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَبَين أَن يتَصَدَّق بِشَرْط الضَّمَان وَبَين أَن يتملكها فَتَصِير دينا فِي ذمَّته

(2/61)


وَيكرهُ لَهُ تَملكهَا إِلَّا فِي ضَالَّة الْغنم يجدهَا فِي مفازة لَيْسَ بقربها قَرْيَة، وَيخَاف عَلَيْهَا الذِّئْب إِن شَاءَ تَركهَا وَإِن شَاءَ أَخذهَا وأكلها وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يملك شَيْئا من الملتقطات بِحَال وَلَا ينْتَفع بهَا إِن كَانَ غَنِيا، فَإِن كَانَ فَقِيرا أجَاز لَهُ الِانْتِفَاع بهَا بِشَرْط الضَّمَان فَأَما الْغَنِيّ فَإِنَّهُ يتَصَدَّق بهَا بِشَرْط الضَّمَان.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: إِن كَانَت أثمانا ملكهَا بِغَيْر اخْتِيَاره وَجَاز لَهُ الِانْتِفَاع بهَا غَنِيا كَانَ أَو فَقِيرا، وَإِن كَانَت عرُوضا أَو حليا لم يملكهَا لَا بِاخْتِيَارِهِ وَلَا بِغَيْر اخْتِيَاره، وَلم يجز لَهُ الِانْتِفَاع بهَا غَنِيا كَانَ أَو فَقِيرا، وَالْأُخْرَى: أَنه لَا يملك الْأَثْمَان أَيْضا بل يتَصَدَّق بهَا فَإِن جَاءَ صَاحبهَا بعد الْحول خَيره بَين الْأَخْذ وَبَين أَن يرد عَلَيْهِ مثلهَا. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ضَاعَت بعد التقاطها فِي يَد الْمُلْتَقط فِي مُدَّة التَّعْرِيف.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لاضمان عَلَيْهِ.

(2/62)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن أشهد حَيْثُ أَخذهَا ليردها لم يضمن، وَإِن لم يشْهد ضمن.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز الْتِقَاط الْإِبِل وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْبَقر وَالْحمير وَالطير؟
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجوز التقاطها إِلَّا أَن الشَّافِعِي فرق بَين صغارها وكبارها، فَقَالَ: يجوز الْتِقَاط صغارها.
قَالَ الْوَزير رَحْمَة الله: وَالظَّاهِر أَن نطق رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا ينْصَرف إِلَّا إِلَى كِبَارهَا وَهِي الَّتِي تضل.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز.
وَقَالَ مَالك: أما الْإِبِل فَلَا يجوز التَّعَرُّض لَهَا بِحَال، وَأما الْبَقر فَإِن خَافَ عَلَيْهَا السبَاع أَخذهَا، وَإِن لم يخف عَلَيْهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَة الْإِبِل وَكَذَلِكَ الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير، وَأما الطير فَلم نر عَنهُ شَيْئا فِيهِ.
قَالَ الْوَزير: فَأَما الطير فَالَّذِي أرى فِيهِ أَن الْحمام مِنْهُ وَمَا يألف أوكاره فَإِنَّهُ لَا

(2/63)


يلتقط، فَأَما الضواري من الطير الَّتِي إِذا أهملت التقاطها عَادَتْ إِلَى مَا كَانَت عَلَيْهِ من التوحش من (الأسن) فَكَانَ إهمال التقاطها على نَحْو الْإِتْلَاف أَو مُؤديا إِلَى نَحْو الْإِتْلَاف، فَكَانَ التقاطها جَائِزا بنية الْحِفْظ لَهَا على أَرْبَابهَا.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْتِقَاط الْغنم جَائِز عدا رِوَايَة عَن أَحْمد: أَن التقاطها لَا يجوز.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْعدْل إِذا الْتقط اللّقطَة أقرَّت فِي يَده.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْفَاسِق.
فَذهب أَبُو حنيفَة وَأحمد إِلَى أَنَّهَا تقر فِي يَده قِيَاسا على الْعدْل.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: أَحدهمَا: يَنْزِعهَا الْحَاكِم من يَده ويجعلها فِي يَد أَمِين، وَالْآخر: لَا تنْزع من يَده وَيضم إِلَيْهِ الْحَاكِم أَمينا.
وَقَالَ مَالك: لَا تقر فِي يَده بِحَال.
وَاخْتلفُوا فِي لقطَة الْحرم.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: هِيَ كَغَيْرِهَا من اللقطات فِي جَمِيع أَحْكَامهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَهُ أَخذهَا ليعرفها وَلَا يملكهَا بعد السّنة، وَعنهُ قَول آخر كمذهبهما.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: هِيَ كَغَيْرِهَا، وَالْأُخْرَى: وَهِي الْمَشْهُورَة، أَنه لَا يحل التقاطها إِلَّا لمن يعرفهَا أبدا حَتَّى يجد صَاحبهَا فيدفعها إِلَيْهِ وَلَا يملكهَا بعد

(2/64)


مضى الْحول.
وَقَالَ الْوَزير: وَبِهَذَا نقُول وَقد تقدم ذكر ذَلِك.
وَاخْتلفُوا هَل يجب تَعْرِيف مَا دون الْعشْرَة دَرَاهِم أَو دون دِينَار فَلَا يعرفهَا حولا، وَلَكِن يعرفهَا وَلم يجد الْوَقْت وَإِن كَانَت دِينَارا أَو عشرَة دَرَاهِم عرفهَا حولا؟
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: يجب تَعْرِيفهَا إِن كَانَ مِمَّا تطلبه النَّفس فِي الْعَادة.
وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي مُفَسرًا لما تطلبه النَّفس: أَنه مَا زَاد على الدِّينَار.
وَأما مَالك فَلم نجد عَنهُ نصا إِلَّا مَا قدمْنَاهُ، وَهُوَ أَن كل شَيْء لَهُ خطر وبال فَإِنَّهُ يُؤْخَذ وَإِن كَانَ يَسِيرا فَلَا فَائِدَة فِي أَخذه.
وَحكى بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي عَن مَالك أَنه قَالَ: إِذا كَانَ ربع دِينَار عرفه حولا، وَإِن كَانَ أقل من ذَلِك فَلَا يعرفهُ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا جَاحد على اللّقطَة فَأخْبر بعددها وعفاصها ووكائها هَل تدفع إِلَيْهِ بِلَا بَينه؟

(2/65)


فَقَالَ مَالك وَأحمد: تدفع إِلَيْهِ بِغَيْر بَيِّنَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: لَا يلْزم الدّفع إِلَيْهِ إِلَّا بِبَيِّنَة وَيجوز أَن يدْفع إِلَيْهِ بِلَا بَيِّنَة إِذا غلب على ظَنّه صَدَقَة.

بَاب اللَّقِيط

اتَّفقُوا على أَنه إِذا وجد لَقِيط فِي دَار الْإِسْلَام فَهُوَ مُسلم.
إِلَّا أَبَا حنيفَة قَالَ: إِن وجد فِي كَنِيسَة أَو بيعَة أَو قَرْيَة من قرى أهل الذِّمَّة فَهُوَ ذمِّي.
وَاتَّفَقُوا على أَنه حر وَأَن ولاءه لجَمِيع الْمُسلمين وَأَنه إِن وجد مَعَه مَال أنْفق عَلَيْهِ مِنْهُ، فَإِن لم يُوجد مَعَه نَفَقَة، أنْفق عَلَيْهِ من بَيت المَال، فَإِن امْتنع بعد بُلُوغه

(2/66)


من الْإِسْلَام لم يقر على ذَلِك فَإِن أَبى قتل عِنْد مَالك وَاحْمَدْ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحبس وَلَا يقتل.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يزْجر عَن الْكفْر فَإِن أَقَامَ عَلَيْهِ أقرّ عَلَيْهِ إِلَّا أَنه أظهر دينا يقر عَلَيْهِ بالجزية كَانَ كَأَهل الذِّمَّة وَإِن أظهر دينا لَا يقر عَلَيْهِ أَهله رد إِلَى مأمنه من أهل الْحَرْب.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يحكم بِإِسْلَام الصَّغِير بِإِسْلَام أَبِيه.
وَاتَّفَقُوا على أَنه يحكم بِإِسْلَامِهِ بِإِسْلَام أمه كأبيه سوى مَالك فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يحكم بِإِسْلَامِهِ بإسلامها.
وَقد رُوِيَ أبن نَافِع عَن مَالك كمذهب الْجَمَاعَة.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي إِسْلَام الصَّبِي وردته.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يَصح إِذا كَانَ مُمَيّزا.
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَصح إِلَّا بعد بُلُوغه.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
بَاب الْجعَالَة

اتَّفقُوا على أَن رد الْآبِق يسْتَحق الْجعل برده إِذا اشْتَرَطَهُ.

(2/67)


ثمَّ اخْتلفُوا فِي اسْتِحْقَاقه الْجعل إِذا لم يشرطه.
فَقَالَ مَالك فِيمَا رُوِيَ عَنهُ ابْن الْقَاسِم: إِذا كَانَ مَعْرُوفا برد الآباق اسْتحق على حسب الْموضع وقربه، وَإِن لم يكن شَأْنه ذَلِك فَلَا جعل لَهُ وَيُعْطى على مَا أنْفق عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يسْتَحق على الْإِطْلَاق.
وَلم يعتبروا وجود الشَّرْط وَلَا عَدمه وَلَا أَن يكون مَعْرُوفا برد الآباق وَأَن لَا يكون.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يسْتَحق إِلَّا أَن يَشْتَرِطه.
وَاخْتلفُوا هَل هُوَ مُقَدّر؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن رده من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام اسْتحق أَرْبَعِينَ درهما.
وَإِن رده من دون ذَلِك يرْضخ لَهُ الْحَاكِم.
وَقَالَ مَالك: لَهُ أُجْرَة الْمثل وَلم يقدر.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: دِينَارا، وإثني عشرَة درهما وَلَا فرق عِنْده بَين قصير الْمسَافَة وطويلها وَلَا بَين خَارج الْمصر والمصر، وَالْأُخْرَى: إِن جَاءَ بِهِ من

(2/68)


الْمصر فعشرة دَرَاهِم، وَإِن جَاءَ بِهِ من خَارج الْمصر فأربعون درهما، وَلم يفرق بَين قرب الْمسَافَة أَيْضا وَبعدهَا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا أنفقهُ على الْآبِق فِي طَريقَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يجب على سَيّده إِذا كَانَ الْمُنفق مُتَبَرعا وَهُوَ الَّذِي ينْفق من غير أَمر الْحَاكِم، وَإِن أنْفق بِأَمْر الْحَاكِم كَانَ مَا ينْفق دينا على سيد العَبْد وَله أَن يحبس العَبْد عِنْده حَتَّى يَأْخُذ نَفَقَته. وَقد تقدم مَذْهَب مَالك فِي الْفضل عَنهُ فِي الْمَسْأَلَة الأولى.
وَقَالَ أَحْمد: هُوَ على سَيّده بِكُل حَال.
بَاب الْوَصِيَّة
وَأَجْمعُوا على أَن الْوَصِيَّة غير وَاجِبَة لمن لَيست عِنْده أَمَانَة يجب عَلَيْهِ الْخُرُوج مِنْهَا وَلَا عَلَيْهِ دين لَا يعلم بِهِ من هُوَ لَهُ، أَو لَيست عِنْده وَدِيعَة بِغَيْر إِشْهَاد.
وَأَجْمعُوا على أَن من كَانَت ذمَّته مُتَعَلقَة بِهَذِهِ الْأَشْيَاء أَو بأحدها، فَإِن الْوَصِيَّة بهَا وَاجِبَة عَلَيْهِ فرضا.
وَأَجْمعُوا على أَنَّهَا مُسْتَحبَّة مَنْدُوب إِلَيْهَا كمن لَا يَرث الْمُوصي من أَقَاربه وَذَوي أرحامه.

(2/69)


وَأَجْمعُوا على أَن الْوَصِيَّة بِالثُّلثِ لغير وَارِث جَائِزَة وَأَنَّهَا لَا تفْتَقر إِلَى إجَازَة الْوَرَثَة.
وَأَجْمعُوا على أَن مَا زَاد على الثُّلُث إِذا أوصى بِهِ من ترك بَنِينَ وعصبة أَنه لَا ينفذ إِلَّا الثُّلُث وَأَن الْبَاقِي مَوْقُوف على إجَازَة الْوَرَثَة فَإِن أجازوه نفذ، وَإِن أبطلوه لم ينفذ.
وَأَجْمعُوا على أَن لُزُوم الْعَمَل بِالْوَصِيَّةِ إِنَّمَا هُوَ بعد الْمَوْت.
وَأَجْمعُوا على أَنه يسْتَحبّ للْمُوصي أَن يُوصي بِدُونِ الثُّلُث مَعَ إجازتهم لَهُ الْوَصِيَّة بِهِ يُقَال: وصّى فلَان السَّيِّد إِذا اتبع بعضه بَعْضًا وَالْوَصِيَّة فِي اللُّغَة: من وصّى يصي. وأنشدوا
(يصي اللَّيْل وَالْأَيَّام حَتَّى صَلَاتنَا ... مقاسمة تشق أنصافها السّفر)

(2/70)


وَهِي من حَيْثُ الشَّرْع رَاجِعَة إِلَى معنى الْأَمر.
وَاخْتلفُوا فِي إجَازَة الْوَرَثَة هَل هِيَ تَنْفِيذ لما كَانَ أَمر بِهِ الْمُوصي أَو هبة مستأنفة؟
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: هِيَ تَنْفِيذ لما كَانَ أَمر بِهِ الْمُوصي أَو هبة مستأنفة.
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: هِيَ تَنْفِيذ لما كَانَ أَمر بِهِ الْمُوصي وَلَيْسَ بابتداء.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: كمذهبهم، وَالْآخر: أَنَّهَا هبة مبتدأه، يعْتَبر فِيهَا مَا يعْتَبر من الْهِبَة من الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَالْقَبْض.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا وَصِيّه لوَارث إِلَّا أَن يُجِيز ذَلِك الْوَرَثَة.

(2/71)


وَاخْتلفُوا هَل يَصح التَّزْوِيج فِي مرض الْمَوْت؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يَصح ذَلِك.
وَقَالَ مَالك: لَا يَصح للْمَرِيض الْمخوف عَلَيْهِ تَزْوِيج فَإِن تزوج وَقع فَاسِدا وَفسخ سَوَاء دخل بهَا أَو لم يدْخل وَيكون الْفَسْخ بِالطَّلَاق فَإِن بَرِيء من الْمَرَض فَهَل يَصح النِّكَاح أَو يفْسخ؟
فِيهِ عَنهُ رِوَايَتَانِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ لَهُ ثَلَاثَة أَوْلَاد فأوصى لآخر بِمثل نصيب أحدهم.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَهُ الرّبع.
وَقَالَ مَالك: لَهُ الثُّلُث.
وَاتَّفَقُوا على أَن عطايا الْمَرِيض وهباته من الثُّلُث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى بِجَمِيعِ مَاله وَلَا وَارِث لَهُ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: الْوَصِيَّة صَحِيحَة.
وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى روايتيه، وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يَصح مِنْهَا إِلَّا الثُّلُث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى بِثُلثِهِ لجيرانه؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْجِيرَان المتلاصقون.

(2/72)


وَقَالَ الشَّافِعِي: حد الْجوَار أَرْبَعُونَ دَارا من كل جَانب.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: كَقَوْل الشَّافِعِي، وَالْأُخْرَى: ثَلَاثُونَ دَارا من كل جَانب.
وَلم نجد عَن مَالك حدا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وهب أَو أعتق، ثمَّ أعتق فِي مَرضه وَعجز عَن الثُّلُث.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يتخاصان. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تبدأ بِالْأولِ.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْوَصِيَّة إِلَى عدل جَائِزَة.
وَاخْتلفُوا فِي وَصِيَّة الْمَقْتُول.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تصح.
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: تصح.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنهُ: لَا تصح.
وَعَن الشَّافِعِي ثَلَاثَة أَقْوَال، أَحدهَا: لَا تصح على الْإِطْلَاق، وَالثَّانِي: تصح على الْإِطْلَاق.

(2/73)


وَالثَّالِث: إِن أوصى ثمَّ جرح فالتوصية بَاطِلَة. وَإِن جرح ثمَّ أوصى فَالْوَصِيَّة صَحِيحَة.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْوَصِيَّة إِنَّمَا تلْزم بعد الْمَوْت.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْوَصِيَّة إِلَى الْكَافِر لَا تصح.
وَاخْتلفُوا فِي العَبْد.
فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا تصح إِلَى العَبْد على الْإِطْلَاق سَوَاء كَانَ لَهُ أَو لغيرة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تصح الْوَصِيَّة إِلَيْهِ على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز الْوَصِيَّة إِلَى عبد غَيره وَتجوز إِلَى عَبده نَفسه بِشَرْط أَن يكون الْوَرَثَة كبارًا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى إِلَى فَاسق.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُخرجهُ القَاضِي من الْوَصِيَّة، فَإِن لم يُخرجهُ نفذ تصرفه وَصحت وَصيته.
وَقَالَ مَالك: لَا تصح الْوَصِيَّة إِلَى فَاسق لِأَنَّهُ لَا يُؤمن عَلَيْهَا وَلَا يقر يَده بِحَال.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: لَا تصح الْوَصِيَّة، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تصح وَيضم إِلَيْهِ الْحَاكِم أَمِين. وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ.
وَاخْتلفُوا فِي الصَّبِي الْمُمَيز هَل تصح وَصيته؟

(2/74)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: لَا تصح.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي القَوْل الآخر وَأحمد: يَصح إِذا وَافق الْحق.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى إِلَى رجل فِي شَيْء مَخْصُوص؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يتَعَدَّى إِلَى جَمِيع أُمُوره فَيكون وَصِيّا فِيهَا.
وَقَالَ مَالك: إِن قَالَ: أَنْت وصيي فِي كَذَا دون غَيره فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَأما إِن قَالَ: أَنْت وصيي فِي كَذَا وَعين نوعا وَلم يذكر قصره عَلَيْهِ. فَاخْتلف أَصْحَابه فَمنهمْ من قَالَ: يكون وَصِيّا فِي الْجَمِيع كَمَا لَو قَالَ: فلَان وصيي وَأطلق، فَإِنَّهُ عِنْد مَالك يكون وَصِيّا فِي الْكل.
وَمِنْهُم من قَالَ: يكون وَصِيّا فِيمَا نَص عَلَيْهِ خَاصَّة دون مَا لم يذكرهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: تقف الْوَصِيَّة على مَا أوصاه فِيهِ.
وَاخْتلفُوا فِي الْوَصِيّ إِذا أوصى فِيمَا أوصى بِهِ إِلَيْهِ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يَصح.
وَقَالَ مَالك: إِذا أطلق وَلم يَنْهَهُ عَن الْوَصِيَّة فَلهُ ذَلِك، وَكَذَلِكَ إِذا أذن لَهُ أَن يُوصي وَلم يعين إِلَى من يُوصي فَيجوز.

(2/75)


وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يَصح إِلَّا أَن يعين فَيَقُول: أوصِي إِلَى فلَان.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز للْمُوصي أَن يَشْتَرِي لنَفسِهِ شَيْئا من مَال الْيَتِيم؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بِزِيَادَة على الْقيمَة اسْتِحْسَانًا وَإِن اشْتَرَاهُ بِمثلِهِ أَو قِيمَته لَا يجوز.
وَقَالَ مَالك يَشْتَرِيهِ بِالْقيمَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز على الْإِطْلَاق.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: كمذهب الشَّافِعِي وَهِي الْمَشْهُورَة، وَالْأُخْرَى: إِذا وكل غَيره جَازَ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى بِسَهْم من مَاله لَهُ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ مثل مَا لأَقل أهل الْفَرِيضَة، إِلَّا أَنه إِن كَانَ هَذَا الْأَقَل يزِيد على السُّدس فَإِنَّهُ يرد إِلَيْهِ وَإِن نقص عَنهُ أعْطِيه نَاقِصا.
وَعَن رِوَايَة أُخْرَى أَنه إِن نقص عَن السُّدس أعطي السُّدس.
وَعَن مَالك رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: يُعْطي السُّدس إِلَّا أَن تعول الْمَسْأَلَة فيعطي سدسا عائلا، وَالْأُخْرَى: يُعْطي الثّمن، وَالْأُخْرَى: سهم مِمَّا تصح مِنْهُ الْمَسْأَلَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: الْخِيَار إِلَى الْوَرَثَة يعطونه مَا شَاءُوا.
وَاتَّفَقُوا فِي الرِّوَايَات الثَّلَاث عَن مَالك أَنه: لَا يُزَاد على الثُّلُث.

(2/76)


وَاخْتلف عَن أَحْمد فَروِيَ عَنهُ: يُعْطي السُّدس إِلَّا أَن تعول الْفَرِيضَة فيعطي سدسا عائلا.
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَنه أقل سِهَام الْوَرَثَة، وَإِن كَانَ أقل من السُّدس، فَإِن زَاد على السُّدس أعْطى السُّدس.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أعتقل لِسَان الْمَرِيض فَهَل تصح وَصيته بِالْإِشَارَةِ أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا تصح.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يَصح.
وَذكر الطَّحَاوِيّ: أَن الظَّاهِر من مَذْهَب مَالك جَوَاز ذَلِك.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى أَن تشتري نسمَة بِأَلف وتعتق عَنهُ فعجز الثُّلُث عَنْهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة تبطل الْوَصِيَّة.

(2/77)


وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تشتري نسمَة بِمِقْدَار الثُّلُث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ادّعى الْوَصِيّ دفع المَال إِلَى الْيَتِيم بعد بُلُوغه؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: القَوْل قَول الْوَصِيّ مَعَ يَمِينه وَكَذَلِكَ الحكم فِي الْأَب، وَالْحَاكِم وَالشَّرِيك وَالْمُضَارب.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يقبل قَول الْوَصِيّ إِلَّا بِبَيِّنَة، وَاسْتثنى الشَّافِعِي الشَّرِيك وَالْمُضَارب فَذكر فيهمَا قَوْلَيْنِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى إِلَى رجل بِثلث مَاله.
فَقَالَ لَهُ: ضَعْهُ حَيْثُ شِئْت.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ أَن يَدْفَعهُ إِلَى نَفسه وَأَن يُعْطِيهِ بعض أَوْلَاده.
وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَيْسَ لَهُ ذَلِك.
وَاسْتثنى مَالك أَن لَا يكون لذَلِك أَهلا.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: تصح.

(2/78)


وَعَن أَصْحَاب الشَّافِعِي كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قدم ليقتص مِنْهُ أَو كَانَ بِإِزَاءِ الْعَدو أَو ضرب الْحَامِل الطلق أَو هَاجَتْ الرّيح وهم قرب وسط الْبَحْر.
فَذهب أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ أَن عطايا هَؤُلَاءِ من الثُّلُث. وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا كَقَوْلِهِم. وَالثَّانِي فِي جَمِيع المَال. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى لمَسْجِد. فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يَصح. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَصح إِلَّا أَن يَقُول: ينْفق عَلَيْهِ. وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى لِقَرَابَتِهِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يخْتَص ذَلِك بالأقرب فَالْأَقْرَب من كل ذِي رحم محرم مِنْهُ من قبل أَبِيه وَأمه وَلَا يدْخل فِيهِ الْوَالِدَان، وَالْولد وَولد الْوَلَد والجدات والأجداد، وَلَا ابْن الْعم وترتقي فِي ذَلِك إِلَى أَي شَيْء أمكن وَإِن زَاد على أَرْبَعَة أباء من الْجَانِبَيْنِ لَكِن نبدأ بالأقرب وَلَا يسْتَحق الْأَبْعَد مَعَ وجود الْأَقْرَب.
وَيَسْتَوِي فِي ذَلِك الْكَافِر مِنْهُم وَالْمُسلم، والغني وَالْفَقِير، وَالذكر وَالْأُنْثَى، وَلَا

(2/79)


يدْخل الْوَارِث فِي قرَابَة نَفسه.
وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الراويتين: يدْخل فِي ذَلِك قرَابَته من قبل أَبِيه، وَمن قبل أمه.
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنهُ: يدْخل فِيهِ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب من جِهَة الْأَب، وَلَا يدْخل ولد الْبَنَات فِيهِ وترتقي من ذَلِك مهما أمكن ذَلِك، وَإِن زَاد على أَرْبَعَة أباء لَكِن يبْدَأ بالأقرب فَالْأَقْرَب وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُسلم وَالْكَافِر، وَالذكر وَالْأُنْثَى وَاخْتلف الرِّوَايَة عَنهُ فِي الْفَقِير والغني.
فَروِيَ عَنهُ: أَنَّهُمَا متساويان، وَرُوِيَ عَنهُ: يبْدَأ بالأحوج وَيدخل فيهم الْوَارِث وَابْن الْعم.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يدْخل فِيهِ قرَابَته من قبل أَبِيه وَأمه إِلَّا أَن يكون الْمُوصي عَرَبيا، فَإِنَّهُ لَا يتَنَاوَل قرَابَته من جِهَة أمه أظهر الْقَوْلَيْنِ.
ويشترك فِيهِ الْقَرِيب والبعيد مِنْهُم، وَالرحم الْمحرم وَالْوَالِد وَالْولد وَالْجد ابْن الْعم، وَيدخل فيهم ولد الْأَب الْخَامِس وَيَنْتَهِي فِي ذَلِك إِلَى الْجد الَّذِي ينسبون إِلَيْهِ وَيعرف الْمُوصى بِهِ.
وَمثل ذَلِك المتقدمون من أَصْحَابه فَقَالُوا: كَمَا لَو أوصى لقرابة الشَّافِعِي فَإِنَّهُ يرتقي إِلَى بني شَافِع ثمَّ يَنْتَهِي إِلَيْهِم وَلَا يُعْطي بَنو الْمطلب وَلَا بَنو عبد منَاف، وَإِن كَانُوا أقَارِب.

(2/80)


وَهل يدْخل الْوَارِث فِي ذَلِك؟ عَنهُ فِيهِ قَولَانِ. وَيدخل فيهم الْكفَّار من قراباته كَمَا يدْخل الْمُسلمُونَ مِنْهُم.
وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: ينظر من كَانَ يصله فِي حَال حَيَاته مِنْهُم فَيصْرف إِلَيْهِ ذَلِك فَإِن لم يكن لَهُ عَادَة بذلك فِي حَيَاته، فَالْوَصِيَّة لقراباته من قبل أَبِيه خَاصَّة.
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: يُعْطي من كَانَ يصله مِنْهُم وَمن لم يصله، فَأَما الْقرَابَات الَّذين من قبل أَبِيه المستحقون على الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا فهم أباؤه وأجداده وَأَوْلَاده لصلبه وَأَوْلَاد الْبَنِينَ وَإِخْوَته وأخواته وأعمامه وعماته.
وَلَا تدخل الْأُم فِي ذَلِك بِحَال وَلَا أَوْلَادهَا من غير أَبِيه وَلَا الْخَال وَلَا الخالات من قبل أَبِيه وَأمه وَيكون الْمُسْتَحق مِنْهُم ولد أَرْبَعَة أباء، وَلَا يجاوزنهم إِلَى بني الْأَب الْخَامِس وهم أَوْلَاد أبي جد الْجد وَيَسْتَوِي فيهم الْقَرِيب والبعيد مِنْهُم. وَلَا يدْخل الْكفَّار فيهم، ويعطون بِالسَّوِيَّةِ الذّكر مِنْهُم وَالْأُنْثَى، والغني وَالْفَقِير يخْتَص ذَلِك بأولاد أَبِيه وهم الْأُخوة وَأَوْلَاد الْجد وهم العمومة. وَأَوْلَاد أَب الْجد وهم عمومة الْأَب، وَأَوْلَاد جد الْجد وهم عمومة الْجد، لِأَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يتَجَاوَز بِسَهْم ذَوي الْقُرْبَى بني هَاشم.

(2/81)


فَأَما الْخلاف بَينهم إِذا أوصى لأَهله وَلم يقل: لأهل بَيْتِي.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يتَصَرَّف إِلَى زَوجته خَاصَّة.
وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: هُوَ للْعصبَةِ إِلَّا أَن يعلم أَنه أَرَادَ بِهِ ذَوي رَحمَه.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هُوَ للعصبية وَذَوي الْأَرْحَام مِمَّن يَرِثهُ وَولد الْبَنَات والعمات والخالات جَمِيعًا يدْخلُونَ فِيهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ والقرابة سَوَاء كل مِنْهُم على أَصله الممهد، فإمَّا إِن أوصى لأهل بَيته.
فاتفقوا على أَنه يدْخل فِيهِ قراباته من قبل أَبِيه وَأمه.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا أوصى لأهل بَيته فَكل من ينتسب إِلَى الْأَب الَّذِي ينتسب الْمُوصي إِلَيْهِ من جِهَة الأباء يدْخلُونَ فِي الْوَصِيَّة مثل الْعَبَّاس إِذا أوصى لأهل بَيته فَكل من ينتسب إِلَى الْعَبَّاس بالأباء يسْتَحق مِنْهُ.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أوصى لبني فلَان بِثلث مَاله لم يدْخل فِيهِ إِلَّا الذُّكُور من ولد فلَان الْمُوصي بِهِ وَكَانَ بَينهم بِالسَّوِيَّةِ.

(2/82)


وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أوصى لولد فلَان كَانَ للذكور وَالْإِنَاث من وَلَده وَكَانَ بَينهم بِالسَّوِيَّةِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كتب وَصِيّه بِخَطِّهِ يعلم أَنه خطه وَلم يشْهد فِيهَا هَل يحكم بهَا كَمَا لَو أشهد عَلَيْهِ بهَا.
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يحكم بهَا.
وَقَالَ أَحْمد: من كتب وَصِيَّة بِخَطِّهِ وَلم يشْهد فِيهَا حكم بهَا مَا لم يعلم رُجُوعه عَنْهَا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أوصى إِلَى رجلَيْنِ وَأطلق فَهَل لأَحَدهمَا التَّصَرُّف دون الآخر؟
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك: لَا يجوز لأَحَدهمَا أَن يتَصَرَّف دون الآخر فِي شَيْء بِوَجْه.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز لأَحَدهمَا أَن ينْفَرد دون صَاحِبَة إِلَّا فِي ثَمَانِيَة أَشْيَاء مَخْصُوصَة شرى الْكَفَن وتجهيز الْمَيِّت وإطعام الصغار وكسوتهم، ورد وَدِيعَة بِعَينهَا، وَقَضَاء الدّين، وإنفاذ وَصِيَّة بِعَينهَا، وَعتق عبد بعينة، وَالْخُصُومَة فِي حُقُوق الْمَيِّت وَاخْتلفُوا فِي الْوَصِيَّة للْكفَّار.

(2/83)


فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تصح لَهُم سَوَاء كَانُوا أهل حَرْب أَو ذمَّة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تصح لأهل الْحَرْب، وَتَصِح لأهل الذِّمَّة خَاصَّة.
وَاخْتلفُوا فِي الْوَصِيَّة هَل تتَنَاوَل مَا علمه الْمَيِّت وَمَا لم يُعلمهُ، أَو مَا علمه خَاصَّة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تتناولهما.
وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ: لَا تتَنَاوَل إِلَّا مَعْلُومَة خَاصَّة.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْوَصِيّ مَعَ الْغَنِيّ لَا يحل لَهُ أَن يَأْكُل من مَال الْيَتِيم.
وَاخْتلفُوا فِي الْوَصِيّ هَل لَهُ أَن يَأْخُذ من مَال الْيَتِيم عِنْد الْحَاجة.
فمذهب أبي حنيفَة الَّذِي ذكره مُحَمَّد أَنه لَا يَأْكُل بِحَال لَا قرضا وَلَا غَيره.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يجوز لَهُ أَن يَأْكُل بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من أُجْرَة عملة أَو كِفَايَته وَهل يلْزمه عِنْد الْوُجُود رد الْعِوَض؟ على رِوَايَتَيْنِ عَن احْمَد وقولين للشَّافِعِيّ.
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ غَنِيا فليستعفف، وَإِن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ أَي بِمِقْدَار نظره وَأُجْرَة عمل مثله.

(2/84)