اختلاف
الأئمة العلماء كتاب الْفَرَائِض
فَأَما الْفَرَائِض، فَقَالَ ابْن فَارس اللّغَوِيّ: أصل الْفَرَائِض
الْحُدُود وَهُوَ من فرضت الْخَشَبَة إِذا حززت فِيهَا حزا يُوتر فِيهَا.
وَكَذَلِكَ الْفَرَائِض حُدُود وَأَحْكَام مبينَة، وَهُوَ عبارَة عَن
تَقْدِير الشَّيْء، قَالَ الله تَعَالَى: {سُورَة أنزلنها وفرضنها} ، أَي
قدرناها.
وَأجْمع الْمُسلمُونَ على أَن الْأَسْبَاب المتوارث بهَا ثَلَاثَة: رحم
وَنِكَاح وَوَلَاء.
والأسباب الَّتِي تمنع الْمِيرَاث ثَلَاثَة: رق وَقتل وَاخْتِلَاف دين.
وَأَجْمعُوا على أَن الْمُجْتَمع على توريثهم من الذُّكُور عشرَة: الابْن
وإبنه وَإِن سفل، وَالْأَب وَأَبوهُ وَإِن علا، وَالْأَخ من كل جِهَة،
وَابْن الْأَخ إِذا كَانَ عصبَة، وَالْعم وَابْن الْعم إِذا كَانَ عصبَة،
وَالزَّوْج وَمولى النِّعْمَة وَهُوَ السَّيِّد المتعتق، وَمن الْإِنَاث
(2/85)
سبع وَهِي: الْبِنْت وَبنت الإبن وَإِن سفل
وَالأُم وَالْجدّة وَأم الْأُم وَأم الْأَب وَإِن علتا وَالْأُخْت من كل
جِهَة وَالزَّوْجَة ومولاة النِّعْمَة وَهِي السيدة المتعتقة، فَهَؤُلَاءِ
الْمجمع على توريثهم وهم على ضَرْبَيْنِ: عصبَة وذوو فرض، فالذكور كلهم
عصبَة إِلَّا الزَّوْج، وَالْأَخ من الْأُم وَالْأَب وَالْجد مَعَ الإبن،
أَو إِبْنِ الابْن، والأناث كلهم ذَوَات فروض إِلَّا المولاة المتعتقة،
وَإِلَّا الْأَخَوَات مَعَ الْبَنَات وَمن عصبها أَخُوهَا أوابن عَمها وكل
هَؤُلَاءِ السَّبْعَة عشر يَرِثُونَ فِي حَال ويحجبون حجب إِسْقَاط عَن
الْمِيرَاث أصلا فِي حَال أُخْرَى، سوى خَمْسَة مِنْهُم فَإِنَّهُم لَا
يسقطون بِحَال أصلا وهم: الزَّوْجَانِ والأبوان وَولد الصلب وَأَرْبَعَة
لَا يَرِثُونَ بِحَال: الْمَمْلُوك وَالْقَاتِل من الْمَقْتُول إِذا كَانَ
قَتله لَهُ عمدا بِغَيْر حق، وَأهل ملتين لَا يَرث أَحدهمَا الآخر.
الْعَصَبَات
فَأَما معنى الْعصبَة، فَقَالَ القتيبي: عصبَة الرجل قرَابَته لِأَبِيهِ
وَبَنوهُ، سموا عصبَة لأَنهم عصبوا بِهِ أَي أحاطوا بِهِ فالأب طرف
وَالِابْن طرف، وَالْعم جَانب، وَالْأَخ جَانب، فَلَمَّا أحاطت بِهِ هَذِه
الْقرَابَات عصبت بِهِ وكل شَيْء اسْتَدَارَ حول شَيْء فقد
(2/86)
عصب بِهِ وَمِنْه الْعِصَابَة. وَأَرْبَعَة
من الذُّكُور يَرِثُونَ أَرْبعا من النِّسَاء وَلَا يرثنهم بِفَرْض وَلَا
بتعصب وهم ابْن الْأَخ يَرث عمته وَلَا تَرثه، وَالْعم يَرث أبنة أَخِيه
وَلَا تَرثه، وأبن الْعم يَرث ابْنة عَمه وَلَا تَرثه، وَالْمولى الْمُعْتق
يَرث عقيقته وَلَا تَرثه وَامْرَأَتَانِ ترثان رجلَيْنِ وَلَا يرثانهما وهم
أم الْأُم تَرث ابْنَتهَا وَلَا ترثها والمولاة الْمُعتقَة تَرث عتيقها
وَلَا يَرِثهَا.
وَأَرْبَعَة يعصبون أخواتهم فيمنعوهن الْفَرْض ويقتسمون مَا ورثوا للذّكر
مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وهم البنون وبنوهم وَإِن نزلُوا وَالإِخْوَة من
الْأَب وَالأُم، والأخوة من الْأَب وَمن عدا هَؤُلَاءِ من الْعَصَبَات
فَإِنَّهُم ينْفَرد الذّكر مِنْهُم بِالْمِيرَاثِ دون الأناث كبني الْأُخوة
وكالأعمام وَبني الْأَعْمَام وَإِنَّمَا لم يعصبوا هَؤُلَاءِ أخواتهم لِأَن
أخواتهم لَا يرثن منفردات فهن لم يرثن مَعَ الذُّكُور، وَلَا يُرَاعى فِي
تعصيب الذُّكُور للإناث الْإِضْرَار بِهن وَلَا التوفير عَلَيْهِنَّ
وَالْأَخَوَات مَعَ الْبَنَات عصبَة لَهُنَّ مَا فضل وَلَيْسَت لَهُنَّ
مَعَهُنَّ فَرِيضَة مُسَمَّاة فَكل هَذِه الْأَحْكَام مِمَّا أَجمعُوا
عَلَيْهِ.
(2/87)
وَأَجْمعُوا على أَن الْفَرَائِض الْمقدرَة
المحددة فِي كتاب الله الْعَزِيز الَّذِي فَرضهَا الله سِتّ.
وَهِي النّصْف وَنصفه وَهُوَ الرّبع ونصفهما وَهُوَ الثُّلُث وَنصف
الثُّلُث وَهُوَ السُّدس.
فَأَما النّصْف فَأَجْمعُوا أَيْضا على أَنه فرض خَمْسَة وهم: بنت الصلب،
وَبنت الإبن مَعَ عدم بنت الصلب، وَالْأُخْت الْوَاحِدَة من الْأَب
وَالأُم، وَالزَّوْج إِذا لم يكن للميتة ولد وَلَا ولد إِبْنِ.
وَأما الرّبع فَأَجْمعُوا على أَنه فرض أثنين، فرض الزَّوْج إِذا كَانَ
للميتة ولد أَو ولد ابْن، وَفرض الزَّوْجَة أَو الزوجتين أَو الثَّلَاث أَو
الْأَرْبَع إِذا لم يكن للزَّوْج ولد وَلَا ولد ابْن.
وَأما الثّمن فَأَجْمعُوا على أَنه فرض الزَّوْجَة أَو الزوجتين أَو
الثَّلَاث أَو الْأَرْبَع إِذا كَانَ للزَّوْج ولد أَو ولد ابْن، وَأما
الثُّلُثَانِ فَأَجْمعُوا على أَنَّهُمَا فرض أَرْبَعَة وهم كل اثْنَتَيْنِ
فَصَاعِدا من الْبَنَات وَبَنَات الابْن مَعَ عدم الْبَنَات وَالْأَخَوَات
من الْأَب وَالأُم، وَالْأَخَوَات من الْأَب مَعَ عدم الْأَخَوَات من
الْأَب وَالأُم وَلَو شِئْت قلت: الثُّلُثَانِ فرض كل اثْنَتَيْنِ
فَصَاعِدا مِمَّن إِذا انْفَرَدت إِحْدَاهُنَّ كَانَ لَهَا النّصْف وَهن
الْبَنَات وَبَنَات الإبن وَالْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم وَالْأَخَوَات
من الْأَب.
(2/88)
وَأما الثُّلُث فَهُوَ فرض اثْنَيْنِ، فرض
الْأُم إِذا لم يكن لأبنها ولد وَلَا اثْنَان فَصَاعِدا من الْأُخوة
وَالْأَخَوَات وَقد يفْرض لَهما ثلث مَا بقى فِي مَسْأَلَتَيْنِ وهما: زوج
وأبوان وَزَوْجَة وأبوان، فَإِن للزَّوْج النّصْف وَفِي الْمَسْأَلَة
الْأُخْرَى للزَّوْجَة الرّبع، وَللْأُمّ فيهمَا ثلث مَا يبقي وَالْبَاقِي
للْأَب. وَأما الْمُجِيز الآخر من خيري الثُّلُث فَهُوَ فرض الِاثْنَيْنِ
فَصَاعِدا من ولد الْأُم، الذّكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء، وَأما السُّدس
فَهُوَ فرض تِسْعَة: فرض كل وَاحِد من الْأَب وَالْجد إِذا كَانَ للْمَيت
ولد أَو ولد ابْن، وَفرض الْأُم مَعَ الْوَلَد وَولد الابْن أَو مَعَ
الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدا من الْأُخوة وَالْأَخَوَات من أَي جِهَة كَانُوا،
وَفرض الْجدّة الْوَاحِدَة والجدتين إِن اجتمعتا بِالْإِجْمَاع أَو
الْجدَّات إِن اجْتَمعْنَ على مَذْهَب أبي حنيفَة
(2/89)
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد خلافًا لمَالِك
فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر فِي مذْهبه اجْتِمَاع ثَلَاث جدات يرثن كَمَا
يَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله.
وَفرض بنت الإبن أَو بَنَات الإبن مَعَ بنت الصلب تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ
وَفرض الْأُخْت مَعَ الْأَب أَو الْأَخَوَات من الْأَب مَعَ الْأَخَوَات من
الْأَب وَالأُم تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَفرض الْوَاحِد من ولد الْأُم
الذّكر وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء فَهَذِهِ الْفُرُوض ومستحقوها.
وَأما الْحجب فَهُوَ على ضَرْبَيْنِ: حجب عصبات، وحجب ذَوي فروض، فَأَما
حجب ذَوي الْفُرُوض فعلى ضَرْبَيْنِ: حجب عَن بعض المَال، وحجب عَن
جَمِيعه.
فَأَما حجب الْبَعْض فَهُوَ: الْوَلَد وَولد الإبن يحجبان الزَّوْج من
النّصْف إِلَى الرّبع ويحجبان الزَّوْج من النّصْف إِلَى الرّبع، ويحجبان
الزَّوْجَة أَو الزَّوْجَيْنِ أَو الثَّلَاث أَو الْأَرْبَع إِلَى الثّمن.
ويحجبان كل وَاحِد من الْأَبَوَيْنِ إِلَى السُّدس، ويحجب الْأُم خَاصَّة
من الثُّلُث إِلَى السُّدس الِاثْنَان فَصَاعِدا من الْأُخوة وَالْأَخَوَات
من أَي جِهَة كَانُوا ويحجب بنت الصلب بنت الابْن من النّصْف إِلَى
السُّدس، وتحجب بنت الصلب أَيْضا بَنَات
(2/90)
الابْن من الثُّلثَيْنِ إِلَى السُّدس،
وتحجب الْأُخْت من الْأَب وَالأُم الْأُخْت من الْأَب من النّصْف إِلَى
السُّدس، وتحجب الْأُخْت من الْأَب وَالأُم أَيْضا الْأَخَوَات من الْأَب
من الثُّلثَيْنِ إِلَى السُّدس.
فَهَذَا هُوَ حجب الْبَعْض وَكله بِجَمِيعِ أَحْكَامه الَّتِي ذَكرنَاهَا
إِجْمَاع من الْأَئِمَّة إِلَّا مَا بَيناهُ.
وَأما حجب الْجَمِيع وَيُسمى حجب الْإِسْقَاط، فَإِن إِجْمَاعهم وَقع على
أَن الإبن يسْقط ولد الإبن الذّكر وَالْأُنْثَى، وَأَن الْأَب يسْقط الْجد
والأجداد، وَأَن الْأُم تسْقط الْجدّة والجدات.
وَأَجْمعُوا على أَن ولد الْأُم يسْقط بأَرْبعَة: بِالْوَلَدِ وَولد الابْن
وَالْأَب وَالْجد.
وَاتَّفَقُوا على أَن ولد الْأَب وَالأُم يسْقط بِثَلَاثَة: بالابن وَابْن
الابْن وَالْأَب وكل وَاحِد من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة يسْقط ولد
الْأَبَوَيْنِ بِالْإِجْمَاع.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْجد هَل يسْقط ولد الْأَبَوَيْنِ كهؤلاء.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْقط الْجد الْأُخوة وَالْأَخَوَات من
الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب كَمَا يسقطهم الْأَب لَا فرق.
(2/91)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: أَن
الْجد لَا يسقطهم وَلَكِن يقاسم الْأُخوة وَالْأَخَوَات من الْأَبَوَيْنِ
أَو من الْأَب مَا لم تنقصه الْمُقَاسَمَة عَن ثلث الأَصْل، فَإِن نقصته
الْمُقَاسَمَة عَن ثلث الأَصْل فرض لَهُ ثلث الأَصْل وَأعْطِي الْأُخوة
وَالْأَخَوَات مَا بَقِي هَذَا إِذا لم يكن مَعَ الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات
من لَهُ فرض فَإِن كَانَ مَعَهم من لَهُ فرض أعطي فَرْضه قاسمهم الْجد مَا
لم تنقصه الْمُقَاسَمَة عَن سدس الأَصْل أَو ثلث مَا بَقِي فَأَيّهمَا
كَانَ أحظ لَهُ أعْطِيه، فَأَما ولد الْأَب فَإِن إِجْمَاع الْأَئِمَّة
وَقع على أَنهم يسقطون بالإبن وَابْن الإبن وَالْأَب وَالْأَخ من الْأَب
وَالأُم.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْجد هَل يسقطهم أم لَا؟
وَقدمنَا ذكر ذَلِك فِي أَوْلَاد الْأَبَوَيْنِ أَن يكون بإزائهم أَو أنزل
مِنْهُنَّ ذكر فيعصبهن فِيمَا يبْقى للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا اسْتكْمل الْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم
الثُّلثَيْنِ سقط الْأَخَوَات من الْأَب إِلَّا أَن يكون مَعَهُنَّ أَخ
لَهُنَّ فيعصبهن فِيمَا يبْقى للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ.
(2/92)
مِيرَاث الْعَصَبَات
وَأما حجب الْعَصَبَات فالعصبة: كل ذكر لَيْسَ بَينه وَبَين الْمَيِّت
أُنْثَى.
وَأَجْمعُوا على أَنه يبْدَأ بذوي الْفُرُوض فَيدْفَع إِلَيْهِم فروضهم،
ثمَّ يُعْطي الْعَصَبَات مَا بَقِي وَيقدم فِي ذَلِك أقربهم فأقربهم،
وأقربهم هم البنون، ثمَّ بنوهم وَإِن نزلُوا، ثمَّ الْأَب ثمَّ أَبوهُ
وَإِن علا مَا لم يكن أَخُوهُ، ثمَّ بَنو الْأَب وهم الْأُخوة، ثمَّ بنوهم
وَإِن نزلُوا، ثمَّ بَنو الْجد وهم الْأَعْمَام، ثمَّ بنوهم وَإِن نزلُوا،
ثمَّ بنوا أبي الْجد وهم أعمام الْأَب، ثمَّ بنوهم وَإِن نزلُوا، ثمَّ على
هَذَا أبدا لَا يَرث ولد أحد من هَؤُلَاءِ مَعَ وجوده، وَلَا يَرث بَنو أَب
أبعد.
وَهُنَاكَ بَنو أَب أقرب مِنْهُ وَإِن سفلوا، فَإِن اسْتَووا فِي الدرجَة
فأولاهم بِالْمِيرَاثِ من انتسب إِلَى الْمَيِّت بأب وَأم.
فَهَذَا حكم الْعَصَبَات غير الْأَب وَالْجد.
فَأَما الْأَب وَالْجد فَإِن الْأَب وَالْجد ينفردان عَنْهُم بِثَلَاثَة
أَحْوَال اختصا بهَا،
(2/93)
أَحدهَا: أَنَّهُمَا يرثان بِالْفَرْضِ
خَاصَّة فِي حَالَة وَهِي مَعَ الابْن وَابْن وَالِابْن.
وَالْحَالة الثَّانِيَة: أَنَّهُمَا يرثان بِالتَّعْصِيبِ خَاصَّة وَذَلِكَ
من عدم الْوَلَد وَولد الابْن.
وَالْحَالة الثَّالِثَة: أَنَّهُمَا يرثان بِالْفَرْضِ والتعصيب مَعًا،
وَذَلِكَ مَعَ الْبَنَات وَبَنَات الابْن وَحكم الْجد فِي جَمِيع أَحْوَاله
حكم الْأَب إِلَّا فِي ثَلَاثَة أَحْوَال، أَحدهَا: أَن الْأَب يسْقط الْجد
وَالْأَب لَا يسْقطهُ أحد.
وَالثَّانيَِة: أَن الْأَب مَعَ الزَّوْجَيْنِ يزاحم الْأُم من ثلث الأَصْل
إِلَى ثلث الْبَاقِي، وَالْجد بِخِلَافِهِ، وَهَاتَانِ الحالتان إِجْمَاع.
وَالثَّالِثَة: أَن الْأَب يسْقط الْأُخوة وَالْأَخَوَات من الْأَبَوَيْنِ
أَو من الْأَب، وَالْجد يقاسمهم على الِاخْتِلَاف الَّذِي ذَكرْنَاهُ.
وَكلما كَانَ فِيهِ نصف وَثلث، أَو نصف وَسدس، أَو نصف وَثُلُثَانِ فأصله
من سِتَّة ويعول إِلَى سَبْعَة وَإِلَى ثَمَانِيَة وَإِلَى تِسْعَة وَإِلَى
عشرَة، وَلَا يعول إِلَى أَكثر من ذَلِك. وَكلما كَانَ فِيهِ ربع وَثلث أَو
ربع وَثُلُثَانِ أَو ربع وَسدس فاصلة من إثني عشر وتعول إِلَى ثَلَاثَة
عشر، وَإِلَى خَمْسَة عشر، وَإِلَى سَبْعَة عشر، وَلَا تعول إِلَى أَكثر من
ذَلِك. وكل مَا فِيهِ ثمن وَثُلُثَانِ أَو ثمن وَسدس فأصله من أَرْبَعَة
وَعشْرين وتعول إِلَى سَبْعَة وَعشْرين وَلَا تعول إِلَى أَكثر من ذَلِك.
(2/94)
ذَوُو الْأَرْحَام
اخْتلفُوا فِي تَوْرِيث ذَوي الْأَرْحَام إِذا لم يخلف الْمَيِّت ذَا فرض
وَلَا عصبَة وعددهم عشرَة أَصْنَاف: ولد الْبِنْت، وَولد الْأُخْت، وَبنت
الْأَخ وَبنت الْعم، وَالْخَال وَالْخَالَة وَأَبُو الْأُم، وَالْعم
للْأُم، والعمة وَولد الْأَخ من الْأُم، ثمَّ من أولى بهم.
فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَن بَيت المَال أولى من ذَوي
الْأَرْحَام.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَاحْمَدْ: بل هُوَ أَحَق ثمَّ اخْتلفَا مورثاهم فِي
كَيْفيَّة توريثهم هَل هُوَ بالتنزيل أم على تَرْتِيب الْعَصَبَات؟ فَقَالَ
أَبُو حنيفَة: توريثهم على تَرْتِيب الْعَصَبَات الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب.
وَقَالَ أَحْمد: توريثهم بالتنزيل.
فمثال خلافهم فِي ذَلِك نذكرهُ فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة يُقَاس عَلَيْهَا
مَا لم نذكرهُ وَهِي بنت بنت، وَبنت أُخْت.
(2/95)
فَعِنْدَ أبي حنيفَة: أَن الْمِيرَاث
لبِنْت الْبِنْت لِأَنَّهَا أقرب وَتسقط بنت الْأَخ.
وَعند أَحْمد: أَن المَال بَينهمَا نِصْفَانِ لبِنْت الْبِنْت النّصْف، سهم
أمهَا، ولبنت الْأُخْت الْبَاقِي سهم أمهَا وعَلى ذَلِك.
وَاخْتلف أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي التَّسْوِيَة بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث
من ذَوي الْأَرْحَام فِي الْمَوَارِيث أَو المفاضلة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وصاحباه: إِن اتَّفقُوا فِي الأباء والأجداد كَانَ
المَال بَينهم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ.
وَإِن اخْتلفُوا فَاخْتلف صَاحِبَاه، فَقَالَ مُحَمَّد بالتسوية.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف بتفضيل الذّكر على الْأُنْثَى.
وَأما أَحْمد فَقَالَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: يسوى بَينهم فِي
الْمِيرَاث ذكرهم وأنثاهم سَوَاء اسْتَووا فِي قرَابَة الأباء والأجداد.
أَو اخْتلفُوا فِي الأباء، فمثال استوائهم الْخَال وَالْخَالَة وأبن
الْأُخْت وَبنت الْأُخْت أَنَّهُمَا فِي الْحَالَتَيْنِ وَاحِدَة. وَفِي
اخْتلَافهمْ كإبن خَالَة وَبنت خَالَة وَهَذِه الرِّوَايَة مَذْهَب أبي
عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه الْإِمَامَيْنِ، وَقَالَ
فِي
(2/96)
الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَهِي اخْتِيَار
الْخرقِيّ، بالتسوية بَين الذُّكُور مِنْهُم وَالْإِنَاث إِلَّا الْخَال
وَالْخَالَة خَاصَّة فَإِنَّهُ يعْطى الْخَال سَهْمَيْنِ وَالْخَالَة
سَهْما.
وَأَجْمعُوا على أَن من مَاتَ وَلَا وَارِث لَهُ من دَعْوَى فرض وَلَا
تعصيب وَلَا رحم فَإِنَّهُ لبيت مَال الْمُسلمين.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل صَار مَاله إِلَى بَيت المَال إِرْثا، أم على وَجه
الْمصلحَة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: على وَجه الْمصلحَة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: على جِهَة الْإِرْث.
وَأَجْمعُوا على أَن الْكَافِر لَا يَرث الْمُسلم، وَالْمُسلم لَا يَرث
الْكَافِر.
وَاخْتلفُوا هَل يَرث الْيَهُودِيّ من النَّصْرَانِي، وَالنَّصْرَانِيّ من
الْيَهُودِيّ أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يَرث
كل وَاحِد مِنْهُمَا الآخر وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن الْكفْر مِلَّة
وَاحِدَة.
وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ: لَا يَرث أَحدهمَا صَاحِبَة
لِأَنَّهُمَا ملتين وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن الْكفْر ملل. فَأَما مَالك
فَلم يُوجد لَهُ قَول فِي الْمَسْأَلَة.
(2/97)
قَالَ أبن الْقَاسِم: لَا أحفظ عَن مَالك
شَيْئا، وَلَكِن لَا يُورث أهل مِلَّة من مِلَّة أُخْرَى غَيرهَا.
قَالَ الْوَزير: وَالْكفْر فِي ظَاهر مذْهبه مِلَّة وَاحِدَة فَلذَلِك
قَالَ أبن الْقَاسِم ذَلِك. وَأَجْمعُوا على أَن الْقَاتِل عمدا ظلما لَا
يَرث من الْمَقْتُول كَمَا مر.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن قتل خطأ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَرث.
وَقَالَ مَالك: يَرث من المَال دون الدِّيَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ الْقَاتِل صَغِيرا أَو مَجْنُونا؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يحرمان الْإِرْث بِكُل حَال.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يرثان وَكَذَلِكَ صَغِيرا.
وَاخْتلفُوا فِيمَن حفر بِئْرا أَو وضع حجرا فِي طَرِيق وَهلك بِهَذَيْنِ
السببين أَو بِأَحَدِهِمَا مورثة
فورثه مِنْهُمَا أَبُو حنيفَة وَمنعه مَالك الْمِيرَاث من الدِّيَة دون
المَال.
وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يَرث على الْإِطْلَاق.
(2/98)
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتل الْبَاغِي
الْعَادِل؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن قَالَ: قتلته وَأَنا على حق فِي رَأْيِي حِين
قتلته، وَأَنا الْآن على حق ورث مِنْهُ، وَإِن قَالَ: كنت على بَاطِل فِي
قَتْلِي لَهُ لم يَرث مِنْهُ.
وَقَالَ مَالك وأجمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يَرِثهُ على الْإِطْلَاق وَإِن
قتل الْعَادِل الْبَاغِي فَإِنَّهُ يَرث عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد،
وَكَذَلِكَ كل قَاتل بِحَق كالحاكم وَالْقصاص والدافع عَن نَفسه فِي
الْمُحَاربَة.
وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي، فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن شُرَيْح
كَقَوْل أبي حنيفَة وَأحمد وَذَلِكَ أَنه جعل الْإِرْث مَانِعا لما يجوز
فعله من الْأَسْبَاب وَمَا لَا جنَاح على فَاعله، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق
الْمروزِي: إِن كَانَ الْقَاتِل مِنْهُمَا كالمخطىء وَكَانَ حَاكما فَقتله
فِي الزِّنَا بِالْبَيِّنَةِ لم يَرِثهُ لِأَنَّهُ مُتَّهم فِي قَتله
لاستعجال الْمِيرَاث وَإِن كَانَ غير ذَلِك بِأَن قَتله بِإِقْرَارِهِ
بِالزِّنَا وَرثهُ لِأَنَّهُ غير مُتَّهم فِي استعجال الْمِيرَاث.
وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي: كل قَتِيل يسْقط الْمِيرَاث بِكُل حَال.
(2/99)
قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَهُوَ الصَّحِيح.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وَقع حَائِط على جمَاعَة أَو غرق أهل سفينة وَجَهل
أَوَّلهمْ موتا.
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يرثهم ورثتهم الْأَحْيَاء
وَلَا يَرث بَعضهم من بعض من تلاف أَمْوَالهم لَا مِمَّا ورث كل وَاحِد
مِنْهُم من صَاحبه، وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى كمذهب الْجَمَاعَة.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْجد لَا ينقص عَن السُّدس فِي كل حَال كَامِلا أَو
عائلا.
وَاخْتلفُوا فِي مَال الْمُرْتَدين يصرف.
وَهل يُورث بعد اتِّفَاقهم كَمَا وَصفنَا من مذاهبهم أَنه لَا يَرث.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر الرِّوَايَات عَنهُ: إِذا
قتل الْمُرْتَد أَو مَاتَ على ردته يَجْعَل كل مَاله فِي بَيت مَال
الْمُسلمين وَلَا يَرِثهُ ورثته سَوَاء فِي ذَلِك مَا اكْتَسبهُ فِي حَال
أَبَاحَهُ دَمه أَو حقنه.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: أَن مِيرَاثه يكون لوَرثَته من أهل دينه
الَّذين اخْتَارَهُمْ إِذا لم يَكُونُوا مرتدين.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكون مَا أكتسبه الْمُرْتَد فِي حَال إِسْلَامه
لوَرثَته الْمُسلمين،
(2/100)
وَمَا اكْتَسبهُ فِي حَال ردته يكون
فَيْئا. وَاخْتلفُوا فِي ابْن الْمُلَاعنَة من يَرِثهُ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تسْتَحقّ الْأُم جَمِيع المَال بِالْفَرْضِ
وَالرَّدّ.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تَأْخُذ الْأُم الثُّلُث بِالْفَرْضِ
وَالْبَاقِي لبيت المَال.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: عصب عصبه أمه فَإِن خلف أما وخالا،
فللأم الثُّلُث، وَالْبَاقِي للخال. وَالْأُخْرَى: عصبه فتحويه دون
الْخَال.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أسلم رجل على يَد رجل فوالاه وعاقده ثمَّ مَاتَ
وَلَا وَارِث لَهُ.
فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَى أَنه لَا يسْتَحق وميراثه لبيت مَال
الْمُسلمين.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْتَحق مِيرَاثه.
(2/101)
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أسلم الْوَرَثَة
الْكفَّار قبل قسْمَة مِيرَاث ميتهم الْمُسلم.
فَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يسْتَحقُّونَ بِالْمِيرَاثِ.
وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَا يسْتَحقُّونَ مِيرَاثا.
وَعَن أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى مثل قَوْلهم.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا مَاتَ وَترك حملا ثمَّ انْفَصل وَلم يستهل
صَارِخًا؟
فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يَرث وَإِن تحرّك وتنفس إِلَّا أَن يطول ذَلِك
ويرضع وَإِن عطس فَعَن مَالك رِوَايَتَانِ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: إِن تحرّك أَو تنفس أَو عطس ورث
وَورث عَنهُ.
وَاخْتلفُوا فِي الْجَنِين الْمُشكل وَهُوَ أَن يكون للشَّخْص فرج وَذكر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ يَبُول من الذّكر فَهُوَ غُلَام. وَإِن
كَانَ يَبُول من الْفرج فَهُوَ أُنْثَى، وَإِن بَال مِنْهُمَا اعْتبر
أسبقهما فَإِن كَانَ فِي السَّبق سَوَاء لم يعْتَبر أكثرهما بل هُوَ بَاقٍ
على إشكاله إِلَّا أَن يخرج لَهُ لحيه أَو يصل إِلَى النِّسَاء فَحِينَئِذٍ
هُوَ رجل، وَإِن ظهر لَهُ ثدي كثدي الْمَرْأَة، أَو نزل لَهُ لبن من ثدييه،
أَو أمكن الْوُصُول إِلَيْهِ من الْفرج، أَو حاض أَو حَبل، فَهُوَ امْرَأَة
فَإِن لم يظْهر لَهُ أحد هَذِه العلامات فَهُوَ خُنْثَى
(2/102)
مُشكل وميراثه مِيرَاث أُنْثَى سَوَاء
كَانَ ذَلِك انفع لَهُ أم لَا، فَإِن مَاتَ أَبوهُ وَخلف إبنا وَهُوَ،
فَالْمَال بَينهمَا على ثَلَاثَة أسْهم للإبن سَهْمَان وَله سهم، هَذِه
الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة عَنهُ.
وَقد رويت عَنهُ رِوَايَة أُخْرَى وَهُوَ أَن يُعْطي دون الْأَحْوَال فَإِن
كَانَ كَونه أُنْثَى دون أَحْوَاله فَيجْعَل أُنْثَى وَإِن كَانَ كَونه
ذكرا دون أَحْوَاله فَيجْعَل ذكرا.
وَقَالَ الشَّافِعِي مثل قَول أبي حنيفَة إِلَّا قَوْله الأسبق هُوَ
الَّذِي يعْتَبر، وَلَا اعْتِبَار بِالْكَثْرَةِ فِي الْبَوْل، ثمَّ خَالفه
فِي مِيرَاثه فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة فَقَالَ: يُعْطي الإبن
النّصْف وَالْخُنْثَى الثُّلُث، وَيُوقف السُّدس حَتَّى يبين أمره أَو
يصطلحا.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يُورث من حَيْثُ يَبُول، فَإِن كَانَ يَبُول
مِنْهُمَا اعْتبر بسبقهما فَإِن كَانَا فِي السَّبق سَوَاء اعْتبر أكثرهما
فيورث مِنْهُ، فَإِن كَانَا سَوَاء بَقِي على إشكاله، فَإِن خلف رجل
خُنْثَى مُشكلا وَأُنْثَى قسم للخنثى نصف مِيرَاث ذكر، وَنصف مِيرَاث
أُنْثَى، فَيكون للإبن ثلث المَال وربعه، وللخنثى ربع المَال وسدسه.
(2/103)
وَاخْتلفُوا فِيمَن بعضه حر، وَبَعضه
رَقِيق.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يَرث بِقدر مَا فِيهِ من
الْحُرِّيَّة.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيهِ هَل يُورث؟
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: لَا يُورث.
وَقَالَ احْمَد: يَرث وَيُورث بِقدر مَا فِيهِ من الْحُرِّيَّة.
وَاخْتلفُوا فِي الْمسَائِل الملقبات فِي الْفَرَائِض فَمِنْهَا:
الْمُشْتَركَة: وَهِي امْرَأَة مَاتَت وخلفت زوجا وَأما وأخوين لأم، وأخا
لأم وَأب.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: للزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ السُّدس وللأخوين
من الْأُم الثُّلُث وَيسْقط ولد الْأَبَوَيْنِ لاستغراق المَال ذَوا
الْفَرْض وَهِي عصبَة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يشْتَرك الْأُخوة كلهم فِي الثُّلُث
بِالسَّوِيَّةِ.
ومسائل الْجد: اخْتلفُوا فِي رجل مَاتَ وَخلف أَخا وأختا لأم وَأب، أَو
لأَب وجد.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: المَال كُله للْجدّ.
وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: المَال بَينهم على خَمْسَة أسْهم،
للْجدّ سَهْمَان وللأخ سَهْمَان، وَللْأُخْت سهم.
وَاخْتلفُوا فِي مسَائِل الْجد فِي الأكدريه وَهِي امْرَأَة مَاتَت وخلفت
زوجا وَأما وجدا وأختا للْأَب وَالأُم، أَو لأَب.
(2/104)
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد:
للزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ الثُّلُث وَللْأُخْت النّصْف وللجد السُّدس،
ثمَّ يقسم سدس الْجد وَنصف الْأُخْت بَينهمَا على ثَلَاثَة أسْهم فَتُصْبِح
من سَبْعَة وَعشْرين سَهْما، للزَّوْج تسعه، وَللْأُمّ سِتَّة، وللجد
ثَمَانِيَة، وَللْأُخْت أَرْبَعه.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: للْأُم الثُّلُث، وَللزَّوْج النّصْف، وَالْبَاقِي
للْجدّ وَتسقط الْأُخْت، وَلَا يفْرض للْجدّ مَعَ الْأَخَوَات فِي غير
هَذِه الْمَسْأَلَة.
وَاخْتلفُوا فِي أُخْت وَأم وجد.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: للْأُم الثُّلُث وَمَا بَقِي بَين
الْجد وَالْأُخْت على ثَلَاثَة أسْهم للْجدّ سَهْمَان وَللْأُخْت سهم.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: للْأُم الثُّلُث وَالْبَاقِي للْجدّ.
وَهَذِه الْمَسْأَلَة تسمى الحزقا لِأَن أَقْوَال الصَّحَابَة تحزقت
فِيهَا.
وانْتهى الْأَمر فِيهَا بَين الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة إِلَى هذَيْن
الْقَوْلَيْنِ الَّذِي ذكرناهما لَا غير.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا زَادَت الْفَرَائِض على سِهَام التَّرِكَة دخل
النَّقْص على كل وَاحِد على قدر حِصَّته وأعيلت الْمَسْأَلَة ثمَّ تقسم على
الْعَوْل فيعطي كل ذِي سهم على قدر سَهْمه عائلا كالديون إِذا زَادَت على
التَّرِكَة تقسم على الحصص وَينْقص كل وَاحِد مِنْهُم على قدر دينه كَمَا
وَصفنَا.
(2/105)
وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يكون الْعَوْل
إِلَّا فِي الْأُصُول الثَّلَاثَة الَّتِي ذكرنَا وَهُوَ مَا فِيهِ نصف
وَسدس أَو نصف وَثلث، أَو نصف وَثُلُثَانِ وَمَا فِيهِ ربع وَسدس أَو ربع
وَثلث أَو ربع وَثُلُثَانِ وَمَا فِيهِ ثمن وَسدس، أَو سدس وَسدس، أَو ثمن
وَثُلُثَانِ.
وَمن مسَائِل الْعَوْل الَّتِي أَجمعُوا عَلَيْهَا: زوج وَأم وأختان لأم
وأختان لأَب للزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ السُّدس، وللأختين الثُّلُثَانِ،
وللأختين من الْأُم الثُّلُث فأصلها من سِتَّة.
وتعول إِلَى عشرَة وَتسَمى هَذِه الْمَسْأَلَة الشريحية وَذَلِكَ أَنه
رُوِيَ أَن رجلا أَتَى شريحا وَهُوَ قَاضِي الْبَصْرَة فاستفتاه عَن نصيب
الزَّوْج من زَوجته، فَقَالَ: النّصْف مَعَ عدم الْوَلَد، وَولد الإبن
وَالرّبع مَعَ وجودهما.
فَقَالَ امْرَأَتي مَاتَت وخلفتني وَأمّهَا وأختيها من أمهَا وأختيها من
أَبِيهَا وَأمّهَا.
فَقَالَ لَهُ: لَك إِذا ثَلَاثَة من عشرَة، فَخرج الرجل من عِنْده وَهُوَ
يَقُول: لم أَرض كقاض مُسلم سَأَلته عَن نصيب الزَّوْج من امْرَأَته
فَقَالَ لي: كَيْت وَكَيْت،
(2/106)
فَلَمَّا قصصت إِلَيْهِ أَمْرِي لم
يُعْطِنِي مِمَّا قَالَ أَعْلَاهُ وَلَا أدناه. فَكَانَ الرجل يلقِي
الْفَقِيه فيستفتيه مُطلقًا عَن امْرَأَة مَاتَت وَلم تخلف ولدا وَلَا
والدا فَيَقُول لَهُ: لَك مِنْهَا النّصْف فَيَقُول: وَالله مَا أَعْطَيْت
نصفا وَلَا ثلثا، فَيُقَال من أَعْطَاك هَذَا، فَيَقُول: شُرَيْح، فَيلقى
القَاضِي شُرَيْح فيخبره الْخَبَر فَكَانَ شُرَيْح إِذا لَقِي الرجل بعد
يَقُول: إِذا رَأَيْتنِي ذكرت لي حكما جَائِزا، وَإِذا رَأَيْتُك ذكرت لَك
رجلا فَاجِرًا يتَبَيَّن لي فجورك إِنَّك تشيع الْفَاحِشَة وتكتم
الْقَضِيَّة، وَتسَمى هَذِه الْمَسْأَلَة أَيْضا أم الفروخ لِكَثْرَة عولها
فتشبه الْأَرْبَعَة الزَّوَائِد بالفروخ وَمثلهَا فِي الْعَوْل لعشرة: زوج
وَأم وأخوة وأخوات لأم وَأُخْت لأَب وَأم وَأُخْت وأخوات لأَب، فأصلها فِي
سِتَّة وتعول إِلَى عشرَة للزَّوْج النّصْف ثَلَاثَة، وَللْأُخْت
لِلْأَبَوَيْنِ النّصْف ثَلَاثَة، وَللْأُمّ السُّدس سهم، ولأولاد الْأُم
الثُّلُث سَهْمَان، وَللْأُخْت للْأَب السُّدس سهم، وَهَذِه إجماعية.
وَقد أعطي فِيهَا ولد الْأَبَوَيْنِ وَولد الْأَب مَعَ استكمال الْفَرِيضَة
بِالْإِجْمَاع بِخِلَاف الْمُشْتَركَة الَّتِي يسْقط فِيهَا ولد
الْأَبَوَيْنِ مَعَ ولد الْأُم على مَذْهَب أبي حنيفَة وَأحمد وَالْعلَّة
لمن أسقطتهم هُنَاكَ وَأَعْطَاهُمْ هُنَا أَن الْأُخوة من الْأَبَوَيْنِ
يَرِثُونَ بِالتَّعْصِيبِ وذوو التَّعْصِيب إِنَّمَا يَرِثُونَ مَا بَقِي
من ذَوي الْفُرُوض.
(2/107)
وَفِي مَسْأَلَة الْمُشْتَركَة استغرق
المَال ذَوُو الْفُرُوض فَلم يبْقى للتعصيب حكم وَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة
الْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ وَالْأُخْت من الْأَب يرثان بالفروض، وذووا
الْفَرْض يفْرض لَهُم وَإِن ضَاقَتْ السِّهَام بِالْإِجْمَاع وأعيلت
الْمَسْأَلَة.
وَمن الْمسَائِل الإجماعية فِي الْعَوْل الملقبة بالغراء وَهِي زوج وَأم
وَثَلَاث أَخَوَات متفرقات. للزَّوْج النّصْف، وَللْأُمّ السُّدس،
وَللْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ النّصْف وَللْأُخْت من الْأَب السُّدس،
وَللْأُخْت من الْأُم السُّدس، فأصلها فِي سِتَّة وتعول إِلَى تِسْعَة.
وَسميت الغراء لِأَن الزَّوْج أَرَادَ أَن يَأْخُذ نصف المَال فَسَأَلَ
فُقَهَاء الْحجاز فَقَالُوا لَهُ: النّصْف عائلا، فشاع ذَلِك فسميت الغراء
تَشْبِيها بالكوكب الْأَغَر، وَقيل: الْميتَة فِيهَا تسمى الغراء، فسميت
فريضتها بهَا.
وَمن الْمسَائِل الخلافية فِي الْجد والأخوة أُخْت لأَب وَأم وَأُخْت لأَب
وجد.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْفَرِيضَة بَين الْأُخْتَيْنِ على
أَرْبَعَة أسْهم: للْجدّ سَهْمَان وَلكُل أُخْت سهم، ثمَّ رجعت الْأُخْت
لِلْأَبَوَيْنِ على الْأُخْت للْأَب فَأخذت مَا بِيَدِهَا حَتَّى استكملت
النّصْف فَإِن كَانَ مَعَ الَّتِي من قبل الْأَب أَخُوهَا فَإِن المَال
بَين الْجد وَالْأَخ والأختين على سِتَّة أسْهم، للْجدّ سَهْمَان وَلكُل
أُخْت سهم ثمَّ رجعت الْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ على الْأَخ وَالْأُخْت من
الْأَب وَأخذ مِمَّا فِي أيديها لتستكمل النّصْف فَتُصْبِح الْفَرِيضَة من
ثَمَانِيَة عشر سَهْما، للْجدّ سِتَّة أسْهم وَللْأُخْت للْأَب وَالأُم
تِسْعَة أسْهم، وللأخ من الْأَب سَهْمَان، وَللْأُخْت من الْأَب سهم.
(2/108)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: المَال كُله للْجدّ.
وَمن الْمسَائِل الإجماعية الملفتة.
زوج وَأُخْت لأَب وَأم وَأُخْت لأَب.
للزَّوْج النّصْف، وَللْأُخْت النّصْف.
وَهَذِه الْمَسْأَلَة تسمى: الْيَتِيمَة، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْفَرَائِض
مَسْأَلَة فِيهَا شخصان يرثان المَال جَمِيعه بفرضين غير هَذِه
الْمَسْأَلَة، فاعرف.
وَأَجْمعُوا على أَن الْبِنْت لَا تسْقط الْأُخوة وَلَا العمومة وَإِنَّمَا
يفْرض لَهَا فَرضهَا النّصْف مَعَ الْعَصَبَات. وَاخْتلفُوا فِي الرَّد على
فرض ذَوي السِّهَام مَا فضل عَن سِهَامهمْ على قدر سِهَامهمْ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: ردهَا عَلَيْهِم على قدر سِهَامهمْ إِلَّا
الزَّوْج وَالزَّوْجَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: الْبَاقِي لبيت المَال، وَلم يَقُولَا
بِالرَّدِّ.
(2/109)
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا مَاتَ وَترك حملا
وأبنا أَو حملا وبنتا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ حملا وإبنا أعطي الابْن خمس المَال، وَإِن
كَانَ بِنْتا أَعْطَيْت تسع المَال ووقف الْبَاقِي. وَقَالَ مَالك
وَالشَّافِعِيّ: يُوقف المَال كُله وَلَا يُعْطي الإبن شَيْئا، وَلَو كَانَ
الْمَيِّت خلف أبوين وَزَوْجَة حاملة أعطي الأبوان السُّدس، وَالزَّوْجَة
الثّمن ووقف الْبَاقِي.
وَقَالَ أَحْمد: يُعْطي الإبن ثلث المَال وَتُعْطِي الْبِنْت الْخمس
وَيُوقف الْبَاقِي.
وَأَجْمعُوا على أَن من خلف إبنا عَم وَأَحَدهمَا أَخ لأم فَإِن الْأَخ من
الْأُم لَهُ السُّدس، وَمَا بَقِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
وَكَذَلِكَ اتَّفقُوا على أَن من خلفت زوجا هُوَ أبن عَمها وَابْن عَم آخر،
فَإِن للزَّوْج النّصْف وَالْبَاقِي بَينهمَا نِصْفَيْنِ.
وَأَجْمعُوا على أَن الْأَنْبِيَاء لم يورثوا وَإِن الَّذِي خلفوه صَدَقَة
مصروفه فِي الْمصَالح.
(2/110)
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمولى الْمُنعم
مقدم على ذَوي الْأَرْحَام إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن
أَحْمد: أَن ذَوي الْأَرْحَام يقدمُونَ على الْمولى الْمُنعم.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اجْتمع فِي الشَّخْص الْوَاحِد سببان يُورث بهما
فرض مُقَدّر، فَهَل يُورث بهما أَو بأقواهما وَيسْقط الأضعف، وَسَوَاء
اتّفق ذَلِك فِي الْمُسلمين أم فِي غَيرهم من الْمَجُوس؟
فَأَما فِي الْمُسلمين فَمثل أَن يكون ابْن عَم وأخا لأم، وَابْن عَم وزوجا
وَأما فِي الْمَجُوس، فكأم تكون أُخْتا وأختا تكون بِنْتا.
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: يَرث كل وَاحِد مِنْهُم بالسببين.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يَرث الْمُسلم بالسببين وَيَرِث
الْمَجُوسِيّ بأقواهما وَيسْقط أضعفهما.
وَأَجْمعُوا على أَن فرض البنتين الثُّلُثَانِ لَا خلاف بَينهم فِيهِ
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا أستكمل الْبَنَات للصلب الثُّلثَيْنِ فَلَا
شَيْء لبنات الابْن إِلَّا أَن يكون مَعَهُنَّ ذكر فيعطيهن فَلَا يسقطن
كَمَا قدمْنَاهُ.
وَأَجْمعُوا على أَن أَوْلَاد الابْن إِذا كَانُوا مَعَ بنت الصلب أخذُوا
مَا بَقِي بِالتَّعْصِيبِ وَلم يخص الْإِنَاث مِنْهُم إِلَّا السُّدس.
(2/111)
واجمعوا على أَن بَنَات الابْن إِذا كَانَ
مَعَهُنَّ ذكر أنزل مِنْهُنَّ عصبهن كَمَا قدمنَا ذكره.
وَأَجْمعُوا على أَن العَبْد وَالْكَافِر لَا يرثان وَلَا يحجبان.
وَأَجْمعُوا على أَن الْجد يقاسم الْأَخَوَات من الْأَبَوَيْنِ أَو من
الْأَب كَمَا يقاسم الْأُخوة مِنْهُم وَإِن انْفَرَدت عَن أخواتهن. إِلَّا
أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ على أَصله فِي إسقاطهن.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا كَانَ مَعَ الْإِخْوَة لِلْأَبَوَيْنِ إخْوَة
أَو أَخَوَات لأَب فأنهم يعادون الْجد بهم فِي الْمُقَاسَمَة كَمَا
قدمْنَاهُ.
ثمَّ يرجع ولد الْأَبَوَيْنِ على ولد الْأَب فَيَأْخُذُونَ تَمام حُقُوقهم
مِنْهُم فَإِن فضل بعد اسْتِيفَاء حُقُوق ولد الْأَبَوَيْنِ شَيْء كَانَ
لولد الْأَب وَإِن لم يفضل فَلَا شَيْء لَهُم.
وَمعنى الْمُعَادَة فِي مَذْهَب الْفُقَهَاء: أَنهم يعدون أَوْلَاد الْأَب
مَعَ الْجد إِضْرَارًا بِهِ، فَإِذا أَخذ الْجد سَهْمه من الْمِيرَاث أضروا
ولد الْأَبَوَيْنِ وَولد الْأَب فِيمَا بَقِي على حكمهم لَو انفردوا
بِالْمِيرَاثِ.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْجدَّات يَرث مِنْهُنَّ إثنان: أم الْأُم إِذا لم
تكن الْأُم حيه، وَأم الْأَب إِذا لم يكن الْأَب مَوْجُودا.
إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد انه قَالَ تَرث أم الْأُم
وَابْنهَا الْأَب حَيّ.
(2/112)
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا سوى هَاتين الجدتين.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد: تَرث أم الْجد.
وَقَالَ مَالك لَا تَرث أم الْجد.
ثمَّ اخْتلفُوا بعْدهَا إِلَى الْجدَّات الثَّلَاث من أمهاتهن من يَرث
مِنْهُنَّ فَكل مِنْهُنَّ على أصل سنبينه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد: يرثن
الْجدَّات الثَّلَاث أم الْأُم، وَأم الْأَب، وَأم الْجد. وترث أَيْضا أم
ابْن الْجد إِذا انْفَرَدت، وترث الْجدَّات وَإِن كثرت إِذا اسْتَوَت
درجاتهن.
وَقَالَ مَالك: لَا يَرث أَكثر من دَرَجَتَيْنِ: أم الْأُم وَأمّهَا، وَأم
الْأَب وَأمّهَا.
وَهُوَ القَوْل الْقَدِيم للشَّافِعِيّ، رَوَاهُ عَنهُ أَبُو ثَوْر.
وَقَالَ أَحْمد: يَرث من الْجدَّات ثَلَاثَة: أم الْأُم، وَأم الْأَب وَأم
الْجد خَاصَّة.
وَلَا يَرث سواهن فَيظْهر فَائِدَة الْخلاف أَن أم أبي الْجد إِذا
انْفَرَدت تَرث عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ، وَلَا تَرث عِنْد أَحْمد
وَمَالك.
وَاخْتلفُوا فِي الجدتين يَجْتَمِعَانِ قربى وبعدى الْقُرْبَى من جِهَة
الْأَب، والبعدى من جِهَة الْأُم مثل أم الْأَب وَأم أم الْأُم الْأَهْل
هَل تحجب الْقُرْبَى البعدى؟
(2/113)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تسْقط الْقُرْبَى من
جِهَة الْأَب البعدي من جِهَة الْأُم.
وَقَالَ مَالك: لَا تحجبها بل يَشْتَرِكَانِ فِي السُّدس.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين أظهرهمَا: أَنَّهَا لَا تسْقط
البعدى، ويشتركان كمذهب مَالك.
وَالْأُخْرَى: تسقطها كمذهب أبي حنيفَة وأختارها الْخرقِيّ.
مسَائِل فِي الْعتْق وَالْمِيرَاث
اتَّفقُوا على أَن الرجل وَالْمَرْأَة إِذا أعتق كل وَاحِد مِنْهُمَا
مَمْلُوكَة عتقا مُطلقًا بَاشرهُ بِهِ مُتَبَرعا وَهُوَ أَن يَقُول لَهُ:
أَنْت حر، فَإِن مِيرَاث هَذَا الْمُعْتق إِذا مَاتَ وَلم يخلف وَارِثا من
عصبَة وَلَا ذِي فرض لمعتقه ولورثته الذُّكُور من بعده مَا تَنَاسَلُوا
ثمَّ لوَرثَته على سَبِيل التَّعْصِيب.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمولى إِذا أعتق عَبده أَيْضا عتقا مُقَيّدا للشّرط
على الْكِتَابَة أَو على التَّدْبِير أَو على غير ذَلِك من الشُّرُوط أَن
هَذَا كَالْأولِ.
(2/114)
ثمَّ اخْتلفُوا إِذا أعْتقهُ سائبة ويتخصص
هَذَا الْعتْق بنطقين وَهُوَ أَن يَقُول: أَعتَقتك سائبة أَو أَعتَقتك لَا
وَلَاء عَلَيْك.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يكون وَلَاؤُه لمعتقه وَيَقَع
الشَّرْط بَاطِلا.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يكون مِيرَاثه مصروفا فِي الرّقاب.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا أنْفق الدينان بَين الْمُعْتق وَالْمُعتق،
فالميراث ثَابت.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا اخْتلف الدينان بَينهمَا وَكَانَ أَحدهمَا
مُسلما وَالْآخر كَافِرًا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يسْتَحق بِالْإِرْثِ الْوَلَاء
مَعَ اخْتِلَاف الدّين بل يكون الْأَمر مَوْقُوفا فَإِن أسلم السَّيِّد
وَرثهُ.
وَإِن مَاتَ قبل أَن يسلم كَانَ مِيرَاثه للْمُسلمين.
وَقَالَ أَحْمد: يَرِثهُ وَإِن اخْتلف الدينان فِيمَا رَوَاهُ الْمروزِي
وَالْفضل بن زِيَاد.
وَقد رُوِيَ أَبُو طَالب عَن أَحْمد: الْوَلِيّ شعبه من الرّقّ فَكَانَ
ظَاهره أَن يَأْخُذهُ لَا على سَبِيل الْمِيرَاث. ذكره القَاضِي أَبُو يعلى
فِي الْمُجَرّد.
وَاخْتلفُوا فِيمَن أعتق عَبده عَن غَيره بِغَيْر إِذْنه؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: الْوَلَاء للْمُعْتق.
(2/115)
وَزَاد أَبُو حنيفَة فَقَالَ: الْوَلَاء
للْمُعْتق وَلَو كَانَ الْمُعْتق عَنهُ أذن فِي أَن يعْتق عَنهُ.
وَقَالَ مَالك: الْوَلَاء للْمُعْتق عَنهُ.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا قَالَ رجل لرجل آخر: أعتق عَبدك عني وَعلي ثمنه
أَو قِيمَته: أَن الْوَلَاء لَا يكون إِلَّا للْمُعْتق عَنهُ.
وَاخْتلفُوا فِيمَن أعتق عَبده من غَيره بِغَيْر إِذْنه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: الْوَلَاء للْمُعْتق.
وَزَاد أَبُو حنيفَة فَقَالَ: الْوَلَاء للْمُعْتق وَلَو كَانَ الْمُعْتق
عَنهُ أذن فِي أَن يعْتق عَنهُ.
وَقَالَ مَالك: الْوَلَاء للْمُعْتق عَنهُ.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: أَحدهمَا: للْمُعْتق عَنهُ.
وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ.
وَالثَّانِي: كمذهب أبي حنيفَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أعتق عَبده عَن كَفَّارَته أَو من زَكَاته.
(2/116)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ:
وَلَاؤُه لمعتقه.
وَقَالَ مَالك: لَا يَرِثهُ مُعْتقه وَيَشْتَرِي مِمَّا يخلفه من يعْتق
كَمثل عتقه.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
وَاتَّفَقُوا على أَن من ملك وَالِديهِ وَإِن علو، وَأَوْلَاده وَأَن
سفلوا، فَإِنَّهُم يعتقون بِنَفس الشِّرَاء وَأَن ولاءهم لَهُ.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَن عدا الْوَالِدين والمولودين.
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: كل ذِي رحم محروم مِنْهُ إِذا ملكه مَالك
عتق عَلَيْهِ، وَعَلِيهِ وَلَاؤُه.
وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ: يعْتق عَلَيْهِ بعد الْوَالِدين
والمولودين من علو أَو سفل من الْأُخوة وَالْأَخَوَات من كل جِهَة دون
أَوْلَادهم وولاءهم لَهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يعْتق لَهُ إِلَّا عمودي النّسَب من علو وسفل
فَقَط.
وَاتَّفَقُوا على أَن وَلَاء أم الْوَلَد لسَيِّدهَا، وَإِن كَانَت لَا
تعْتق إِلَّا بِمَوْتِهِ، وَكَذَلِكَ
(2/117)
الْمُدبر أَلا أَن الْإِجْمَاع حصل أَن
الْوَلَاء لَهُ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَب فِي عتقه ويرثه عصبته بعده.
وَاتَّفَقُوا على أَن النِّسَاء يرثن بِالْوَلَاءِ من أعتقنه أَو أعتق من
أعتقنه، أَو كاتبن أَو كَاتب من كاتبنه.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا مدْخل للنِّسَاء فِي مِيرَاث الْوَلَاء بعد
ذَلِك إِلَّا بنت الْمُعْتق فَإِنَّهُم اخْتلفُوا فِيهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا تَرث من الْوَلَاء.
وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِي ذَلِك عَن أَحْمد فَروِيَ عَنهُ: أَنَّهَا لَا
تَرث كَقَوْل الْجَمَاعَة وَهِي اخْتِيَار عبد الْعَزِيز.
وَرُوِيَ عَنهُ أَنَّهَا تَرث من أعتق أَبوهَا احتجاجا بِالْحَدِيثِ: أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ورث ابْنة حَمْزَة.
وَكَيْفِيَّة توريثها على هَذِه الرِّوَايَة عَن أَحْمد على ثَلَاثَة
أَقسَام لَا يَنْفَكّ عَنْهَا: أَن تكون مُنْفَرِدَة ووارث مَعهَا فترث
المَال كُله بِالتَّعْصِيبِ، أَو يكون مَعهَا ذَوا فرض من أقَارِب
الْمَيِّت فَإِنَّهَا تَأْخُذ الْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ.
أَو يكون مَعهَا أَخُوهَا فَإِنَّهُ يقاسمها للذّكر مثل حَظّ
الْأُنْثَيَيْنِ.
وَقد ذكر الْخرقِيّ عَن أَحْمد: أَنَّهَا إِنَّمَا تَرث إِذا كَانَ مَعهَا
أَخُوهَا خَاصَّة فَإِنَّهُ يقاسمها لذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْأَب يجر الْوَلَاء لَا خلاف بَينهم فِيهِ ثمَّ
اخْتلفُوا فِي الْجد، هَل يجر الْوَلَاء؟
(2/118)
فَقَالَ مَالك: يجر الْوَلَاء كَالْأَبِ
مَا دَامَ الْأَب عبدا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجر الْجد الْوَلَاء سَوَاء كَانَ حَيا أم
مَيتا.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
وَمن فقه قَاسم التَّرِكَة أَن يعرف تَصْحِيح الْمَسْأَلَة ثمَّ يضْرب سهم
كل وَارِث فِي جملَة التَّرِكَة، ثمَّ يقسم الْمبلغ على مَا صحت منَّة
الْمَسْأَلَة فَمَا خرج فِي سِهَام كل وَارِث فَهُوَ نصِيبه، وَإِن شِئْت
نسبت سِهَام كل وَارِث من الْمَسْأَلَة وَأخذت منَّة بِتِلْكَ النِّسْبَة
عَن التَّرِكَة، فَإِن كَانَ فِي التَّرِكَة دَرَاهِم فِيهَا كسر قسطت
الدَّرَاهِم على مُقْتَضى الْكسر ثمَّ فعلت فِيهَا مثل ذَلِك.
(2/119)
|