اختلاف
الأئمة العلماء كتاب الْأَيْمَان
وَاتَّفَقُوا على أَنه من حلف على يَمِين لزمَه الْوَفَاء بذلك إِذا كَانَ
طَاعَة.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل لَهُ أَن يعدل عَن الْوَفَاء بهَا إِلَى الْكَفَّارَة
مَعَ الْقُدْرَة على فعلهَا.
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: لَا يجوز.
وَقَالَ الشَّافِعِي: الأولى أَن لَا يعدل، فَإِن عدل جَازَ، وَلَزِمتهُ
الْكَفَرَة.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز أَن يَجْعَل أسم الله عز وَجل عرضة للأيمان
يمْنَع من بر وصلَة، فَإِن كَانَ قد حلف فَالْأولى لَهُ أَن يَحْنَث إِذا
حلف على ترك الْبر وَيكفر، وَيرجع فِي إِيمَان إِلَى النِّيَّة، فَإِن لم
يكن نِيَّة نظر إِلَى سَبَب الْيَمين وَمَا هاجها.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْيَمين بِاللَّه منعقدة، وبجميع أَسْمَائِهِ
الْحسنى كالرحمن والرحيم والحي وَغَيرهَا وبجميع صِفَات ذَاته سُبْحَانَهُ
كعزة الله وجلاله.
(2/363)
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ:
اسْتثْنى علم الله فَلم يره يَمِينا، وَسَيَأْتِي ذَلِك فِيمَا بعد.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْيَمين المغموس هَل لَهَا كَفَّارَة؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي إِحْدَى روايتيه: لَا كَفَّارَة لَهَا
لِأَنَّهَا أعظم من أَن تكفر.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تكفر. وَالْيَمِين
المغموس هِيَ الْحلف بِاللَّه على أَمر مَاض مُعْتَمد الْكَذِب فِيهِ.
واجمعوا على أَن الْيَمين المنعقد هُوَ أَن يحلف بِاللَّه على أَمر فِي
الْمُسْتَقْبل على أَن يَفْعَله أَو لَا يَفْعَله، وَإِذا حنث وَجَبت
عَلَيْهِ الْكَفَّارَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: أقسم بِاللَّه، وَأشْهد بِاللَّه.
(2/364)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ يَمِين وَإِن
لم تكن لَهُ نِيَّة.
وَقَالَ مَالك: مَتى قَالَ: أقسم أَو أَقْسَمت، فَإِن قَالَ: بِاللَّه لفظا
أَو نِيَّة، كَانَ يَمِينا، وَإِن لم يتَلَفَّظ بِهِ، وَلَا نَوَاه
فَلَيْسَ بِيَمِين.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا قَالَ: أقسم بِاللَّه وَنوى بِهِ الْيَمين كَانَ
يَمِينا، وَإِن نوى بِهِ الْإِخْبَار فَلَيْسَ بِيَمِين، وَإِن أطلق وَلم
ينْو شَيْئا فلأصحابه وَجْهَان: مِنْهُم من رجح كَونه يَمِينا وَهُوَ صَاحب
الشَّامِل.
وَمِنْهُم من رَجَعَ كَونه لَيْسَ بِيَمِين. فَأَما إِذا قَالَ: أشهد
بِاللَّه وَنوى الْيَمين.
قَالَ الشَّافِعِي: يكون يَمِينا، فَأَما إِذا أطلق فلأصحابه خلاف كالخلاف
فِي الْمَسْأَلَة الأولى.
قَالُوا: وَالصَّحِيح من مذْهبه أَنه إِذا أطلق لم يكن يَمِينا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: أشهد لَأَفْعَلَنَّ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر روايتيه: يكون يَمِينا.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يكون
يَمِينا.
(2/365)
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: وَعلم
الله.
فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يكون يَمِينا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يكون يَمِينا اسْتِحْسَانًا.
قَالَ الْوَزير: وَالَّذِي أرَاهُ فِي هَذَا أَن أَبَا حنيفَة لم يكن يرتاب
فِي أَن الله عز وَجل عَالم بِعلم، وَأَن الْعلم صفة من صِفَات ذَاته،
فَإِذا حلف بهَا حَالف وَحنث لَزِمته الْكَفَّارَة، وَإِنَّمَا الَّذِي
أرَاهُ فِي مقْصده لذَلِك أَن الْعلم يتَنَاوَل المعلومات كلهَا.
فَإِذا قَالَ الْقَائِل: وَعلم الله فَيجوز أَن ينْصَرف إِلَى أَنه
سُبْحَانَهُ قد علم بَاطِن سره فِي صَدَقَة فِي ذَلِك أَو صريمه عزيمته فِي
الثَّبَات عَلَيْهِ مَعَ كَونه يجوز أَن قد حلف بِصفة الله الَّتِي هِيَ
الْعلم.
فَلَمَّا تردد الْأَمر فِي احْتِمَال هَذَا النُّطْق بَين هذَيْن المعنين
لم ير انْعِقَاد الْيَمين.
قَالَ الْوَزير: ثمَّ أَنِّي بعد كَلَامي هَذَا علمت أَن الْبَزْدَوِيّ
وَأَبا زيد ذكرا نَحوا مِنْهُ وعللا بِهِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: وَحقّ الله.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يكون يَمِينا.
(2/366)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يكون يَمِينا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: لعَمْرو الله، وأيم الله.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: هُوَ يَمِين،
سَوَاء نوى بِهِ الْيَمين أم لم ينْو.
وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: أَن لم يرد بِهِ الْيَمين لم
يكن يَمِينا.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف بالمصحف.
فَقَالَ مَالك وَأحمد: ينْعَقد يَمِينه فَإِن حنث فَعَلَيهِ كَفَّارَة
وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي أَيْضا.
قَالَ الْوَزير: وَقد نقل فِي ذَلِك خلاف لما ذَكرْنَاهُ وَلَكِن هُوَ
مِمَّن لَا يعْتد بقوله.
قَالَ الْوَزير: قلت أَن من خَالف فِي هَذَا فَإِنَّهُ لَا يعْتد بقوله
لكَونه أعلم أَنه لَيْسَ بقول صَحِيح لَكِن لم أعلم أَنِّي سبقت إِلَيْهِ
حَتَّى رَأَيْت بعد فِي كتاب التَّمْهِيد لِابْنِ عبد الْبر هَذِه
الْمَسْأَلَة بِعَينهَا، وَقد حكى فِيهَا أَقْوَال الصَّحَابَة
وَالتَّابِعِينَ
(2/367)
وَاخْتِلَافهمْ فِي قدر الْكَفَّارَة مَعَ
اتِّفَاقهم على إِيجَابهَا، ثمَّ قَالَ: وَلَا مُخَالف لهَذَا إِلَّا من
لَا يعْتد بقوله، وَذكر كلَاما كثيرا على عَادَته فِي الْبسط، وَأَشَارَ
إِلَى توهين الْمُخَالفين لذَلِك بِمَا هُوَ مسطور فِي كِتَابه لمن أثر
الْوُقُوف عَلَيْهِ وَالْحَمْد لله على التَّوْفِيق.
وَاخْتلف مَالك وَأحمد فِي قدر الْكَفَّارَة إِذا حنث وَكَانَ قد حلف
بالمصحف.
فَقَالَ مَالك: كَفَّارَة وَاحِدَة وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: كمذهب مَالك فِي إِيجَاب كَفَّارَة
وَاحِدَة، وَالْأُخْرَى: يلْزمه بِكُل آيَة مِنْهُ كَفَّارَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ -.
فَقَالَ أَحْمد: تَنْعَقِد يَمِينه، وَإِن حنث فَعَلَيهِ كَفَّارَة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: لَا تَنْعَقِد يَمِينه.
(2/368)
وَاخْتلفُوا فِي يَمِين الْكَافِر هَل
تَنْعَقِد؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا تَنْعَقِد يَمِينه سَوَاء حنث حَال كفره
أَو بعد إِسْلَامه، وَلَا يَصح مِنْهُ كَفَّارَة.
وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: تَنْعَقِد يَمِينه وَتلْزَمهُ الْكَفَّارَة
بِالْحِنْثِ فيهمَا فِي الموضوعين.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْكَفَّارَة تجب عِنْد الْحِنْث فِي الْيَمين على
أَي وَجه كَانَ من كَونه طَاعَة أَو مَعْصِيّة أَو مُبَاحا.
وَاخْتلفُوا فِي مَوضِع الْكَفَّارَة هَل يتَقَدَّم الْحِنْث أَو يكون
بعده؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز إِلَّا بعد الْحِنْث بِكُل حَال.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز تَقْدِيمهَا على الْحِنْث مَتى كَانَ مُبَاحا.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: يجوز تَقْدِيمهَا قبل الْحِنْث وَهُوَ
مَذْهَب أَحْمد، وَالْأُخْرَى: لَا يجوز فَإِن كفر قبل الْحِنْث فَهَل بَين
مَا كفر بِهِ من الصّيام وَالْإِطْعَام وَالْعِتْق فرق أم لَا؟
فَقَالَ أَحْمد وَمَالك: لَا فرق بَين ذَلِك كُله.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز تَقْدِيم التَّكْفِير بالصيام وَيجوز مَا
عداهُ.
(2/369)
وَاخْتلفُوا فِي لَغْو الْيَمين.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَات عَنهُ:
لَغْو الْيَمين أَن يحلف بِاللَّه على أَمر يَظُنّهُ على مَا حلف عَلَيْهِ
ثمَّ يتَبَيَّن أَنه بِخِلَافِهِ سَوَاء قَصده أَو لم يَقْصِدهُ، فَسبق على
لِسَانه.
إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: يجوز أَن يكون فِي الْمَاضِي وَفِي
الْحَال.
وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك وَقَالَ أَحْمد: هُوَ فِي الْمَاضِي فَحسب.
وَأَجْمعُوا، أَعنِي ثَلَاثَتهمْ، على أَنه لَا إِثْم فِيهَا وَلَا
كَفَّارَة.
وَعَن مَالك: أَن لَغْو الْيَمين هُوَ أَن يَقُول: لَا وَالله، وبلى
وَالله، على وَجه المحاورة من غير قصد إِلَى عقدهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَغْو الْيَمين مَا لم يعقده، فَإِن عقده فَلَيْسَ
بلغو، وَإِنَّمَا يتَصَوَّر اللُّغَة عِنْده فِي مثل قَول الرجل: لَا
وَالله، وبلى وَالله عِنْد المحاورة وَالْغَضَب
(2/370)
واللجاج من غير قصد، سَوَاء كَانَت على
الْمَاضِي أَو الْمُسْتَقْبل وَهِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد:
ففائدة الْخلاف بَين أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي
رِوَايَته الأولى أَنه إِذا جرى على لِسَانه يَمِين على فعل مُسْتَقْبل
فَإِنَّهَا تَنْعَقِد على مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى
روايتيه، وَإِن حنث فِيهَا وَجَبت الْكَفَّارَة، وعَلى الْمَذْهَب الآخر
لَا تَنْعَقِد.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف ليتزوجن على امْرَأَته.
فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يبر حَتَّى يَأْتِي بِشَرْطَيْنِ: أَن يتَزَوَّج
بِمن يشْتَبه أَن تكون نظيرة لَهُ، وَالْأُخْرَى: أَن يدْخل بهَا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يبر بِمُجَرَّد العقد فَقَط.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: وَالله لَا شربت لزيد المَاء، يقْصد بِهِ
قطع الْمِنَّة.
فَقَالَ أَحْمد وَمَالك: مَتى انْتفع بِشَيْء من مَاله بِأَكْل أَو شرب أَو
عَارِية أَو ركُوب أَو غير ذَلِك، حنث.
يذهبان فِي ذَلِك إِلَى مَا يفهم من هَذَا النُّطْق من قطع الْمِنَّة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يَحْنَث إِلَّا بِمَا تنَاوله
ونطقه من شرب المَاء فَقَط.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يسكن هَذِه الدَّار، وَهُوَ ساكنها، فَخرج
مِنْهَا بِنَفسِهِ
(2/371)
دون رحْلَة وَأَهله.
فَقَالَ أَحْمد وَمَالك وَأَبُو حنيفَة: لَا يبر حَتَّى يخرج بِنَفسِهِ
ورحله وَأَهله.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يبر إِذا خرج بِنَفسِهِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يدْخل دَار فَقَامَ على سطحها أَو حائطها
أَو دخل إِلَى بَيت فِيهَا شَارِع إِلَى الطَّرِيق، فَإِنَّهُ يَحْنَث
عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد وَمَالك.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَحْنَث إِلَّا أَن يدْخل شَيْئا من عرصاتها،
فَإِن رقا على سطحها من غَيرهَا وَلم ينزل إِلَيْهَا لَا يَحْنَث.
ولأصحابه فِي تَخْصِيص هَذَا النُّطْق بالسطح المتحجر وَجْهَان.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا أَدخل دَار زيد هَذِه فَبَاعَهَا زيد،
فَدَخلَهَا الْحَالِف.
فَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: مَتى دَخلهَا حنث، وَإِن كَانَت خرجت
عَن ملك زيد.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَحْنَث إِذا دَخلهَا بعد انتقالها من ملك زيد.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يكلم هَذَا الصَّبِي، فَصَارَ شَيخا،
وَلَا آكل هَذَا
(2/372)
الْحمل فَصَارَ كَبْشًا، وَلَا آكل هَذَا
الْبُسْر فَصَارَ رطبا، أَو هَذَا الرطب فَصَارَ تَمرا، أَو هَذَا التَّمْر
فَصَارَ حلواً، وَلَا أَدخل هَذِه الدَّار فَصَارَت ساحة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَحْنَث فِي الْبُسْر وَالرّطب، وَيحنث فِيمَا
عدا ذَلِك.
وللشافعية فِي ذَلِك وَجْهَان.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يَحْنَث إِذا فعل ذَلِك فِي الْجَمِيع.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يدْخل بَيْتا فَدخل الْمَسْجِد وَالْحمام.
فَقَالَ أَحْمد وَحده: يَحْنَث.
وَقَالَ الْبَاقُونَ: لَا يَحْنَث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يسكن بَيْتا، فسكن بَيْتا من جُلُود أَو
شعر أَو خيمة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا كَانَ من أهل الْأَمْصَار فَإِنَّهُ لَا
يَحْنَث، وَإِن كَانَ من أهل الْبَادِيَة حنث.
وَلم نجد عَن مَالك فِيهَا قولا إِلَّا أَن أُصُوله تَقْتَضِي حُصُول
الْحِنْث.
(2/373)
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْمَنْصُوص
عَنهُ، وَأحمد: يَحْنَث إِذا لم تكن لَهُ نِيَّة قرويا كَانَ أَو بدويا.
وَقد ذكر بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي فَقَالَ: إِن كَانَ من أهل الْبَادِيَة
حنث، وَإِن كَانَ قرويا فَثَلَاثَة أوجه، أَحدهَا: يَحْنَث، وَالثَّانِي:
لَا يَحْنَث، وَالثَّالِث: إِن كَانَت قريته قَرْيَة من البدو (وَنظر)
فَوْقهَا حنث، وَإِلَّا فَلَا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف أَن لَا يفعل شَيْئا فَأمره غَيره فَفعله.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَحْنَث فِي الطَّلَاق وَالنِّكَاح، وَلَا يَحْنَث
فِي البيع وَالْإِجَارَة إِلَّا أَن يكون أَمِيرا، أَو مِمَّن لم يجر
عَادَته أَن يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ، فَإِنَّهُ يَحْنَث على
الْإِطْلَاق.
وَقَالَ مَالك: إِن لم ينْو تَوْلِيَة ذَلِك بِنَفسِهِ فَلَيْسَ يَحْنَث
بِأَيّ فعل كَانَ، سَوَاء كَانَ مِمَّا يَصح فِيهِ النِّيَابَة أَو لَا
يَصح.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ سُلْطَانا أَو كَانَ مِمَّن لَا يتَوَلَّى
ذَلِك بِنَفسِهِ، أَو كَانَ لَهُ نِيَّة فِي ذَلِك حنث وَإِن كَانَ سوقه:
لم يَحْنَث.
وَقَالَ أَحْمد: يَحْنَث على الْإِطْلَاق.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف ليقضينه دينه فِي غَد، فقضاه قبله.
(2/374)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا
يَحْنَث.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يَحْنَث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف ليشربن المَاء الَّذِي فِي هَذَا الْكوز فِي
غَد فأهريق قبل الْغَد.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْقط يَمِينه وَلَا يَحْنَث.
وَقَالَ أَحْمد: يَحْنَث.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: إِن تلف المَاء قبل الْغَد بِغَيْر
اخْتِيَاره لم يَحْنَث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا فعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ نَاسِيا، وَكَانَ
الْيَمين أَن لَا يَفْعَله مُطلقًا من غير تَقْيِيد.
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: يَحْنَث بِإِطْلَاقِهِ، سَوَاء كَانَت
الْيَمين بِاللَّه أَو بالظهار أَو بِالطَّلَاق أَو بالعتاق.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي إِحْدَى قوليه: لَا يَحْنَث وَهُوَ أظهرهمَا.
وَاخْتَارَ الْقفال أَن الطَّلَاق يَقع، والحنث لَا يحصل.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: إِن كَانَت الْيَمين بِاللَّه أَو
بالظهار أَن لَا يفعل
(2/375)
شَيْئا فَفعله نَاسِيا لم يَحْنَث وَإِن
كَانَ بِالطَّلَاق وَالْعتاق حنث.
وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة: أَنه يَحْنَث فِي الْجَمِيع.
وَالرِّوَايَة الثَّالِثَة: لَا يَحْنَث فِي الْجَمِيع.
وَاخْتلفُوا فِي يَمِين الْمُكْره.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا ينْعَقد.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: ينْعَقد.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا حلف لَا أكلم فلَانا حينا، وَنوى شَيْئا معينا
أَنه مَا نَوَاه.
وَاخْتلف فِيمَا إِذا حلف بذلك وَلم يُنَوّه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يكلمهُ سِتَّة أشهر.
وَقَالَ مَالك: سنة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: سَاعَة، هَكَذَا من ذكر مذْهبه.
وَرُوِيَ عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: لَو حلف ليقضينه دينه إِلَى حِين،
فَلَيْسَ بِمَعْلُوم لِأَنَّهُ يَقع على مُدَّة الدُّنْيَا على يَوْم إِلَى
آخِره. كَمَا ذكره صَاحب الشَّامِل.
(2/376)
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا قَالَ: إِن
خرجت بِغَيْر إذني فَأَنت طَالِق، فَخرجت وَنوى شَيْئا معينا فَهُوَ على
مَا نَوَاه، فَإِن حلف بذلك وَلم ينْو شَيْئا، أَو قَالَ: أَنْت طَالِق إِن
خرجت، إِلَّا أَن آذن لَك أَو حَتَّى آذن لَك.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن قَالَ لَهَا: إِن خرجت بِغَيْر إذني فَأَنت
طَالِق فالإذن فِي كل مرّة لَا بُد مِنْهُ.
وَإِن قَالَ: إِلَّا أَن آذن لَك، أَو حَتَّى آذن لَك، أَو إِلَى أَن آذن
لَك، كفى مرّة وَاحِدَة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: الْخُرُوج الأول يحْتَاج إِلَى الْإِذْن،
وَسَوَاء قَالَ: بِغَيْر إذني أَو إِلَى أَن آذن لَك، أَو حَتَّى آذن لَك،
وَلَا يفْتَقر إِلَى إِذن بعده فِي كل مرّة، هَذَا نصهما.
وَقَالَ أَحْمد: يحْتَاج إِلَى إِذن كل مرّة، وَسَوَاء قَالَ حَتَّى آذن،
أَو إِلَى أَن آذن لَك.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يَأْكُل اللَّحْم فَأكل السّمك.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا يَحْنَث.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يَحْنَث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يَأْكُل الرؤوس، وَأطلق، وَلم ينْو شَيْئا
بِعَيْنِه، وَلَا وجد سَبَب يسْتَدلّ بِهِ على النِّيَّة.
(2/377)
فَقَالَ مَالك وَأحمد: يحمل على جَمِيع مَا
يُسمى رَأْسا حَقِيقَة فِي وضع اللُّغَة وَعرفهَا من الْأَنْعَام والطيور
والسمك وَالْحِيتَان.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحمل على رُؤُوس الْبَقر وَالْغنم خَاصَّة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يحمل على رُؤُوس الْبَقر وَالْإِبِل وَالْغنم.
وَاخْتلفُوا (فِيمَا إِذا قَالَ) : لَا أكلم فلَانا فكاتبه أَو أرسل
إِلَيْهِ رَسُولا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد: لَا يَحْنَث.
وَقَالَ مَالك: يَحْنَث فِي الْمُكَاتبَة.
وَفِي الرسَالَة ولإشارة رِوَايَتَانِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: يَحْنَث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف ليضربنه مائَة سَوط، فَضَربهُ بضغث فِيهِ
مائَة شِمْرَاخ، فَهَل يبر؟
(2/378)
فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا يبر، وَإِن علم
أَن جَمِيعه قد أَصَابَهُ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يبر.
وَعَن أَحْمد مَا يدل على أَنه يبر.
وَاخْتلفُوا فِيمَا لَو وَحلف لَا يهب لفُلَان هبة فَتصدق عَلَيْهِ
بِصَدقَة.
فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يَحْنَث.
إِلَّا أَن مَالِكًا اشْترط أَن يكون على وَجه الْمَنْفَعَة أَو الْمَنّ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَحْنَث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف أَنه لَيْسَ مَال وَله دُيُون.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَحْنَث.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: يَحْنَث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا خلف لَا يَأْكُل فَاكِهَة، فَأكل الرطب
وَالرُّمَّان وَالْعِنَب.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَحده: لَا يَحْنَث.
(2/379)
وَقَالَ الْبَاقُونَ: يَحْنَث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يَأْكُل أدما فَأكل اللَّحْم أَو الْخبز
أَو الْبيض.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَحْنَث إِلَّا بِأَكْل مَا يصنع بِهِ.
وَقَالَ أَحْمد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يَحْنَث بِأَكْل مَا قدمنَا ذكره.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يشم البنفسج، فشم دهنه.
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد: يَحْنَث.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَحْنَث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يستخدم هَذَا العَبْد فخدمه من غير أَن
يستخدمه وَهُوَ سَاكِت لَا ينهاه عَن خدمته.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن لم يسْتَحق مِنْهُ الْخدمَة قبل الْيَمين فخدمه
بِغَيْر أمره لم يَحْنَث.
وَإِن كَانَ الْيَمين على خَادِم قد استخدمه قبل الْيَمين فَلم يجدد أمره
بِشَيْء من الْخدمَة، وَبَقِي على الْخدمَة لَهُ حنث.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَحْنَث فِي عبد غَيره، وَفِي عبد نَفسه وَجْهَان
لأَصْحَابه.
(2/380)
وَقَالَ أَحْمد وَمَالك: يَحْنَث سَوَاء
كَانَ استخدمه قبل ذَلِك أَو لم يكن يستخدمه، وَسَوَاء كَانَ عِنْده أَو
عِنْد غَيره.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يتَكَلَّم فَقَرَأَ الْقُرْآن.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يَحْنَث سَوَاء قَرَأَ فِي
صَلَاة أَو غَيرهَا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن قَرَأَ فِي الصَّلَاة لم يَحْنَث، وَإِن قَرَأَ
فِي غير الصَّلَاة حنث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يدْخل دَارا وَهُوَ فِيهَا فاستدام
الْمقَام.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يَحْنَث.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يَحْنَث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: وَالله لَا أَدخل على فلَان بَيْتا،
فَأدْخل فلَان عَلَيْهِ واستدام الْمقَام عَلَيْهِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه: لَا يَحْنَث.
(2/381)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي القَوْل
الآخر وَأحمد: يَحْنَث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يسكن مَعَ فلَان فِي دَار بِعَينهَا،
فاقتسمها وَجعلا بَينهمَا حَائِطا، وَجعل كل وَاحِد لَهُ بَابا وعلقا وَسكن
كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي خير.
فَقَالَ مَالك: يَحْنَث.
وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يَحْنَث.
وَعَن أَبُو حنيفَة رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: يَحْنَث، وَالْآخر: كمذهب
الْجَمَاعَة فِي أَنه لَا يَحْنَث.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: مماليكي أَو عَبِيدِي أَحْرَار.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يدْخل فِي الْمُدبر وَأم الْوَلَد.
وَأما الْمكَاتب فَلَا يدْخل فِيهِ إِلَّا بنية.
وَأما الشّقص فَلَا يدْخل أصلا.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: يدْخل الْكل فِيهِ.
(2/382)
وَقَالَ مَالك: يدْخل فِي ذَلِك العَبْد
وَالْمكَاتب وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد والشقص.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يدْخل فيهم العَبْد وَالْمُدبر وَأم الْوَلَد.
وَعِنْده فِي الْمكَاتب قَولَانِ، أصَحهمَا عِنْد أَصْحَابه: لَا يدْخل فِي
الطَّلَاق.
وَقَالَ أَحْمد: يدْخل فيهم العَبْد وَالْمُدبر وَالْمكَاتب وَأم الْوَلَد
والشقص.
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى: أَنه لَا يدْخل الشّقص إِلَّا بنية.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا حلف لَا يَأْكُل رطبا فَأكل مدينا أَنه
يَحْنَث.
بَاب كَفَّارَة الْيَمين
اتَّفقُوا على أَن الْكَفَّارَة إطْعَام عشرَة مَسَاكِين أَو كسوتهم أَو
تَحْرِير رَقَبَة، والحالف مُخَيّر فِي أَي ذَلِك شَيْئا، فَإِن لم يجد
شَيْئا من ذَلِك انْتقل حِينَئِذٍ إِلَى صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل يجب التَّتَابُع فِي الصَّوْم؟
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: يجب.
وَقَالَ مَالك لَا يجب.
(2/383)
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، جديدهما: أَنه
لَا يجب التَّتَابُع، وقديمهما يجب، وَله اخْتَار الْمُزنِيّ.
فَإِن وَجب على الْمَرْأَة الصَّوْم فِي كَفَّارَة الْيَمين فصامت، ثمَّ
حَاضَت فِي بعض الْأَيَّام أَو مَرضت فِي بعض الْأَيَّام.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يبطل التَّتَابُع بهما.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يبطل التَّتَابُع بهما.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يبطل التَّتَابُع فِي الْحيض وَفِي الْمَرَض
قَولَانِ.
وَقَالَ مَالك: بَاقٍ على أَصله من كَونه لَا يجب التَّتَابُع.
وَأما الْإِعْتَاق فَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجْرِي فِيهِ إِلَّا عتق
رَقَبَة سليمَة من الْعُيُوب خَالِيَة من شركَة أَو عقد وَعتق أَو
استحقاقة.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر فِيهَا الْإِيمَان.
قلت: وَأما هَذِه الشُّرُوط فَإِن الله سُبْحَانَهُ قَالَ: {أَو تَحْرِير
رَقَبَة} وَهَذَا الْكَلَام يفهم مِنْهُ أَنَّهَا تكون كَامِلَة خاليه من
شركَة، إِذْ لَو عتق رَقَبَة مُشْتَركَة لَكَانَ قد أعتق بعض رَقَبَة،
وَكَذَلِكَ فِي أَنه يتَنَاوَل أَن تكون سليمَة الْأَطْرَاف غير مَعِيبَة
عَيْبا يهدم مَنْفَعَة من مَنَافِعهَا لِأَن الرَّقَبَة تسْتَعْمل وَيُرَاد
بهَا الْجُمْلَة لأَنهم يَقُولُونَ: ملك كَذَا وَكَذَا
(2/384)
رَقَبَة، إِذا ملك كَذَا وَكَذَا إنْسَانا،
وَالله مَالك رِقَاب الْعباد، فَهُوَ نطق يتَنَاوَل جُمْلَتهمْ، فَإِذا
أطلق فِي عتق الرَّقَبَة، وَقد كَانَ عدم من تِلْكَ الرَّقَبَة جُزْءا
فَإِن الْمُعْتق لَا يكون حِينَئِذٍ قد أعتق رَقَبَة يشْتَمل نطقها على
كمالها بل يكون كمن أعتق رَقَبَة إِلَّا جُزْءا أَو جزئين أَو غير ذَلِك،
فَأَما أَن تكون مُؤمنَة، فَإِنِّي أرى هَذَا النُّطْق يُسْتَفَاد مِنْهُ
أَن لَا تكون مُؤمنَة لِأَن الْعتْق حِينَئِذٍ فِي لُغَة الْعَرَب الخلوص.
وَكَذَلِكَ يُقَال: فرس عَتيق إِذا كَانَ خَالِصا لم يُشبههُ هجنة، فَإِذا
أعتق نفسا هِيَ رهن بِدُخُول النَّار فَكَأَنَّمَا أخرج فِي عتقه نفسا
مَرْهُونَة عَن حق هُوَ أعظم من الْحق الَّذِي انْتَقَلت إِلَيْهِ، ولان
الْعتْق إِنَّمَا يُرَاد بِهِ تَخْلِيص رَقَبَة الْمُعْتق لِعِبَادِهِ
الله. فَإِذا أعتق رَقَبَة كَافِرَة فَكَأَنَّهُ إِنَّمَا فرغها لعباد
إِبْلِيس وخلصها من شغل الْخلق لَهَا من عبَادَة الْأَوْثَان إِلَى العكوف
عَلَيْهَا، فَكَأَنَّهُ لَا يفهم مِنْهَا إِلَّا مُؤمنَة. وَأَيْضًا أَن
الْعتْق قربه إِلَى الله على سَبِيل الْحمل والهدية أفيحسن أَن يتَقرَّب
إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِعَبْد كَافِر كَانَت رقبته مَشْغُولَة بِالرّقِّ
فخلصها مِنْهُ لتشرك بِهِ تَعَالَى.
وَأَجْمعُوا على أَنه لَو أطْعم مِسْكينا وَاحِدًا عشرَة أَيَّام فَإِنَّهُ
لَا يحْسب لَهُ إِلَّا بإطعام وَاحِد.
(2/385)
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ:
يُجزئهُ عَن عشرَة مَسَاكِين.
وَاخْتلفُوا فِي مِقْدَار مَا يطعم لكل مِسْكين؟
فَقَالَ مَالك: مد بِالْمَدِينَةِ إِذا أخرج الْكَفَّارَة فِيهَا، وَفِي
بَقِيَّة الْأَمْصَار وسط من الشِّبَع وَهُوَ رطلان بالبغدادي، وَشَيْء من
الْأدم.
فَإِن اقْتصر على مد أَجزَأَهُ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا اخْرُج جُزْءا اقْتصر بِصَاع، وَإِن أخرج
شَعِيرًا أَو تَمرا فصاع، وَلم يعْتَبر بَلَدا دون بلد.
وَقَالَ أَحْمد: لكل مِسْكين شَعِيرًا أَو تَمرا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لكل مِسْكين مد.
فَأَما الْكسْوَة فَهِيَ مقدرَة لكل مِسْكين، بِأَقَلّ مَا تجزى بِهِ
الصَّلَاة عِنْد مَالك وَأحمد.
فَفِي حق الرجل ثوب كالقميص والإزار، وَفِي حق الْمَرْأَة قَمِيص وخمار،
فيجزى فِي حق الرجل ثوب وَاحِد، وَلَا يجزى فِي حق الْمَرْأَة أقل من
ثَوْبَيْنِ، وبأقل مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم عِنْد الشَّافِعِي وَأبي
حنيفَة.
(2/386)
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: اقل مَا يَقع
عَلَيْهِ الِاسْم قبَاء أَو قَمِيص أَو رِدَاء أَو كسَاء، فَأَما
الْعِمَامَة والمنديل والسراويل والمئزر فَلهم فِيهِ رِوَايَتَانِ.
وَقَالَ: تجزىء جَمِيع ذَلِك، وَفِي القلنسوة وَجْهَان لأَصْحَابه وَلَا
يَخْتَلِفُونَ أَن الْخُف والنعل لَا يجزى فِي الْكسْوَة.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِنَّمَا يجوز دَفعهَا إِلَى الْفُقَرَاء الْمُسلمين
الْأَحْرَار.
وَفِي الصَّغِير المتغذي بِالطَّعَامِ يدْفع إِلَى وليه، فَأَما الصَّغِير
الَّذِي لم يطعم. الطَّعَام.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يَصح أَيْضا أَن يدْفع
لوَلِيِّه.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يَصح ذَلِك.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يَصح ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز دَفعهَا إِلَى ذمِّي.
(2/387)
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يجوز
أَن يَدْفَعهَا إِلَى فقراءهم.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز إِخْرَاج الْقيمَة إِلَى على الطَّعَام
وَالْكِسْوَة.
إِلَّا أَبُو حنيفَة فَإِنَّهُ أجَازه.
وَاخْتلفُوا فِيمَا لَو أطْعم خَمْسَة وكسا خَمْسَة.
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: يُجزئهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: لَا تُجزئه.
وَكَذَلِكَ اخْتلَافهمْ فِيمَا إِذا أطْعم من جِنْسَيْنِ فأطعم خَمْسَة برا
وخمسه تَمرا، أَو خَمْسَة برا وَخَمْسَة شَعِيرًا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كرر الْيَمين على شَيْء وَاحِدًا، وعَلى أَشْيَاء
وَحنث.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ:
عَلَيْهِ بِكُل يَمِين كَفَّارَة سَوَاء كَانَت على فعل وَاحِد أَو على
أَفعَال.
إِلَّا أَن مَالِكًا اعْتبر إِرَادَة التَّأْكِيد فَقَالَ: إِن أَرَادَ
التَّأْكِيد فكفارة وَاحِدَة، وَإِن أَرَادَ الِاسْتِئْنَاف فَلِكُل يَمِين
كَفَّارَة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة فِي الْجَمِيع
وَهِي الْجَمِيع، وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا أَبُو بكر عبد الْعَزِيز من
أَصْحَابه، وَظَاهر كَلَام الْخرقِيّ فِي أَنه إِذا حلف بهَا على أَشْيَاء
مُخْتَلفَة فَفِي كل وَاحِد مِنْهَا كَفَّارَة، وَإِن كَانَ على شَيْء
وَاحِد فكفارة وَاحِدَة.
(2/388)
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَت على شَيْء
وَاحِد، وَنوى بِمَا زَاد على الأولى التَّأْكِيد فَهُوَ على مَا نوى،
وَيلْزمهُ كَفَّارَة وَاحِدَة، وَإِن أَرَادَ بالتكرار الِاسْتِئْنَاف
فَفِي الْكَفَّارَة قَولَانِ، أَحدهمَا: كَفَّارَة وَاحِدَة، وَالثَّانِي:
كفارتان وَإِن كَانَت على أَشْيَاء مُخْتَلفَة فكفارات لكل شَيْء مِنْهَا
كَفَّارَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَرَادَ العَبْد التَّكْفِير بالصيام فَهَل يملك
سَيّده مَنْعَة؟
فَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ سيدة أذن لَهُ فِي الْيَمين والحنث لم يكن
لَهُ مَنعه، وَإِن لم يَأْذَن لَهُ فيهمَا كَانَ لَهُ مَنعه.
وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ لسَيِّده مَنْعَة على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة: لسَيِّده مَنعه من ذَلِك سَوَاء كَانَ أذن
لَهُ أَو لم يَأْذَن إِلَّا فِي كَفَّارَة الظِّهَار فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ
مَنْعَة.
وَقَالَ مَالك: إِن أضرّ بِهِ الصَّوْم كَانَ لسيدة مَنْعَة وَإِن لم يضر
بِهِ فَلَا يمنعهُ وَله الصَّوْم من غير إِذْنه إِلَّا فِي كَفَّارَة
الظِّهَار. فَلَيْسَ لَهُ مَنعه مِنْهَا مُطلقًا.
بَاب النّذر
اتَّفقُوا على أَن النّذر ينْعَقد بِنذر النَّاذِر إِذا كَانَ فِي طَاعَة،
فإمَّا إِذا نذر أَن يَعْصِي الله تَعَالَى.
(2/389)
فاتفقوا على أَنه لَا يجوز أَن يَعْصِي
الله.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي وجوب الْكَفَّارَة بِهِ، وَهل ينْعَقد؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا ينْعَقد نَذره وَلَا
يلْزمه بِهِ كَفَّارَة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: ينْعَقد وَلَا يحل لَهُ فعلة
وموجبه كَفَّارَة، وَالْأُخْرَى: لَا ينْعَقد وَلَا يلْزمه كَفَّارَة
كالباقين ولأصحاب الشَّافِعِي فِي وجوب الْكَفَّارَة فِيهِ وَجْهَان.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا كَانَ النّذر مَشْرُوط بِشَيْء فَإِنَّهُ
يَحْنَث بِحُصُول ذَلِك الشَّيْء.
وَأَجْمعُوا فِيمَا إِذا قَالَ: أَن شفا الله مريضي فَمَا لي صَدَقَة.
فَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة: يتَصَدَّق بِثلث جَمِيع أَمْوَاله الزكوية
اسْتِحْسَانًا قَالُوا: وَهُوَ الْقيَاس.
وَلَهُم قَول آخر يتَصَدَّق بِجَمِيعِ مَا يملكهُ.
وَلم يحفظ عَن أبي حنيفَة فِيهَا نَص.
وَقَالَ مَالك: يتَصَدَّق بِثلث جَمِيع أَمْوَاله الزكوية وَغَيرهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يتَصَدَّق بِجَمِيعِ مَا يملكهُ.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهمَا: يتَصَدَّق بِثلث جَمِيع أَمْوَاله
الزكوية وَغَيرهَا،
(2/390)
وَالْأُخْرَى: يرجع فِي ذَلِك إِلَى مَا
نَوَاه من مَال دون مَال.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ على وَجه اللجاج وَالْغَضَب: إِن دخلت
الدَّار فَمَالِي صَدَقَة أَو عَليّ حجَّة أَو صِيَام سنة فَفعل
الْمَحْلُوف عَلَيْهِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ: يلْزمه
الْوَفَاء بِمَا قَالَه وَلَا يُجزئهُ الْكَفَّارَة.
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: يُجزئهُ عَن ذَلِك كَفَّارَة يَمِين.
قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: وَرجع أَبُو حنيفَة عَن القَوْل الأول إِلَى
القَوْل بِالْكَفَّارَةِ.
وَقَالَ مَالك: يلْزمه فِي الصَّدَقَة أَن يتَصَدَّق بِثلث مَاله وَلَا
يُجزئهُ الْكَفَّارَة عَنهُ.
وَفِي الْحَج وَالصَّوْم يلْزمه الْوَفَاء بِمَا قَالَه لَا غير.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ: أَحدهمَا: يجب الْوَفَاء، وَالْآخر: هُوَ
مُخَيّر إِن شَاءَ وفا بِمَا قَالَه، وَإِن شَاءَ كفر كَفَّارَة يَمِين.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهمَا: هُوَ مجير بَين أَن يكفر
كَفَّارَة يَمِين، وَبَين أَن يَفِي بِمَا قَالَ.
(2/391)
وَالْأُخْرَى: الْوَاجِب بِمَا قَالَ:
الْكَفَّارَة لَا غير.
وَاخْتلفُوا فِيمَن نذر منذرا مُطلقًا.
فَقَالَ أَحْمد وَمَالك وَأَبُو حنيفَة: يَصح وَيلْزمهُ كلزوم الْمُطلق
وَفِيه كَفَّارَة يَمِين.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي إِحْدَى قوليه: لَا يَصح حَتَّى يعلقه بِشَرْط أَو
صفة فَيَقُول: أَن كَانَ كَذَا فعلى كَذَا، وَفِي القَوْل الآخر: يَصح
وَيلْزمهُ كلزوم الْمُعَلقَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نذر ذبح وَلَده.
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر روايتيه: يلْزمه أَن يذبح
شَاة وَيتَصَدَّق بلحمها كالمدي.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: يلْزمه كَفَّارَة يَمِين.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يلْزمه شَيْء.
وَاخْتلفُوا فِي النّذر الْمُبَاح هَل ينْعَقد مثل قَوْله: لله عَليّ أَن
اركب دَابَّتي، أَو ألبس ثوبي.
(2/392)
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة
وَالشَّافِعِيّ: لَا ينْعَقد وَلَا يلْزمه شَيْء.
وَقَالَ أَحْمد: ينْعَقد وَيكون مُخَيّرا بَين الْوَفَاء بِمَا الْتزم
وَبَين تَركه وَتلْزَمهُ الْكَفَّارَة لتَركه.
وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي: يلْزمه كَفَّارَة يَمِين بِمُجَرَّد
اللَّفْظ لَا بِالْحِنْثِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نذر أَن يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد الْحَرَام.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يُجزئهُ أَن يُصَلِّي أَيْن شَاءَ من الْمَسَاجِد.
وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يلْزمه أَن يُصَلِّي فِيهِ، وَلَا
يُجزئهُ صلَاته فِي غَيره.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نذر الصَّلَاة فِي مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو بَيت الْمُقَدّس أَو الْمَشْي
إِلَيْهِمَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يلْزمه وَلَا ينْعَقد نَذره.
وَقَالَ أَحْمد وَمَالك: يلْزمه ذَلِك وَينْعَقد.
وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نذر صَلَاة.
(2/393)
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد فِي
إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: يلْزمه رَكْعَتَانِ.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: تلْزمهُ رَكْعَة.
وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين.
(2/394)
|