اختلاف
الأئمة العلماء كتاب القضايا
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز أَن يتَوَلَّى الْقَضَاء من لَيْسَ من أهل
الِاجْتِهَاد.
إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يجوز ذَلِك وَإِذا مَاتَ الإِمَام
أَو نَائِبه يَنْعَزِل ولَايَته فِي الْمَشْهُور.
قلت: وَالصَّحِيح فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن قَول من قَالَ: لَا يجوز
تَوْلِيَة قَاضِي حَتَّى يكون من أهل الِاجْتِهَاد فَإِنَّهُ إِنَّمَا عني
بذلك مَا كَانَت الْحَال عَلَيْهِ قبل اسْتِقْرَار مَا اسْتَقر من هَذِه
الْمذَاهب الْأَرْبَعَة الَّتِي أَجمعت الْأمة عَلَيْهِ على أَن كل وَاحِد
مِنْهَا يجوز الْعَمَل بِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَند إِلَى أَمر رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِلَى سنته.
فَالْقَاضِي فِي هَذَا الْوَقْت وَإِن لم يكن أهل من الِاجْتِهَاد وَإِن لم
يكن قد سعى فِي طلب الحَدِيث واتقان طرقه وَعرف من لُغَة النَّاطِق
بالشريعة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا لَا يعوزه مَا
(2/395)
يحْتَاج إِلَيْهِ فِيهِ وَغير ذَلِك من
شُرُوط الِاجْتِهَاد، فَإِن ذَلِك مِمَّا قد فرغ لَهُ مِنْهُ غَيره ودأب
لَهُ فِيهِ، وانْتهى الْأَمر من هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين إِلَى
مَا أرى جَوَابه من بعدهمْ، وانحصر الْحق فِي أقاويلهم، وتدونت الْعُلُوم،
وانتهت إِلَى مَا اتَّضَح فِيهِ الْحق، فَإِذا على القَاضِي فِي أقضيته
بِمَا يَأْخُذهُ عَنْهُم أَو عَن الْوَاحِد مِنْهُم فَإِنَّهُ فِي معنى من
كَانَ أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى قَول قَالَه، وعَلى ذَلِك فَإِنَّهُ إِذا
أخرج من خلافهم متوخيا مَوَاطِن الاتقان مَا أمكنه كَانَ أَخذ بِالْحرم
عَاملا بِالْأولَى.
وَكَذَلِكَ إِذا قصد فِي مَوَاطِن الْخلاف توخي مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَر
مِنْهُم وَالْعَمَل بِمَا قَالَه الْجُمْهُور دون الْوَاحِد، فَإِنَّهُ قد
أَخذ بِالْجَزْمِ، وَالْأَحْسَن والاقوى مَعَ سَوَاء أَن يعْمل بقول
الْوَاحِد إِلَّا أَنِّي أكره لَهُ أَن يكون ذَلِك، من حَيْثُ أَنه قَرَأَ
مَذْهَب وَاحِد مِنْهُم أَو نَشأ فِي بَلْدَة لم يعرف فِيهَا إِلَّا
مَذْهَب وَاحِد مِنْهُم أَو كَانَ شَيْخه أَو معلمه على مَذْهَب فَقِيه من
الْفُقَهَاء خَاصَّة فقصر نَفسه على اتِّبَاع ذَلِك الْمَذْهَب حَتَّى
(2/396)
أَنه إِذا حضر عِنْده خصمان فَكَانَ مَا
تشاجرا فِيهِ مِمَّا يَعْنِي الْفُقَهَاء الثَّلَاث فِيهِ بِحكم بِحَدّ
التَّوْكِيل بِغَيْر رضى الْخصم، وَكَانَ الْحَاكِم حَنِيفا وَقد علم أَن
مَالِكًا وَأحمد وَالشَّافِعِيّ.
وَاتَّفَقُوا على جَوَاز هَذَا التَّوْكِيل.
إِلَّا أَبَا حنيفَة لم يجز هَذِه الْوكَالَة فَعدل عَن مَا أجمع عَلَيْهِ
هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة إِلَى مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة بِمُجَرَّد
أَنه قَالَ فَقِيه فِي الْجُمْلَة من فُقَهَاء الِاتِّبَاع لَهُ من غير أَن
يثبت عِنْده بِالدَّلِيلِ وَلَا أَدَاة الِاجْتِهَاد إِلَّا أَن مَا قَالَه
أَبُو حنيفَة أولى مِمَّا اتّفق عَلَيْهِ
(2/397)
الْجَمَاعَة، فَإِنِّي أَخَاف على هَذَا
أَن يكون متبوعا من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنَّهُ اتبع فِي ذَلِك
هَوَاهُ، وَأَن لَا يكون مِمَّن لَا يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه.
وَكَذَلِكَ إِن كَانَ القَاضِي على مَذْهَب مَالك فاختصم إِلَيْهِ فِي
سُؤْر الْكَلْب مَعَ كَونه يعلم أَن الْفُقَهَاء كلهم قضوا بِنَجَاسَتِهِ
فَعدل إِلَى مذْهبه وَكَذَلِكَ إِن كَانَ القَاضِي على مَذْهَب الشَّافِعِي
فَتَنَازَعَ إِلَيْهِ خصمان فِي ترك التَّسْمِيَة عمدا.
فَقَالَ أَحدهمَا: إِن هَذَا مَنَعَنِي من بيع مذكاة وأفسدها عَليّ،
وَقَالَ الآخر: إِنَّمَا منعته من بيع الْميتَة فقضي عَلَيْهِ بمذهبه وَقد
علم أَن الْفُقَهَاء الثَّلَاثَة على خِلَافه، وَكَذَلِكَ لَو كَانَ
القَاضِي على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد فاختصم إِلَيْهِ خصمان.
فَقَالَ أَحدهمَا: عَليّ مَال، وَقَالَ الآخر: قد كَانَ لَهُ عَليّ
وَقَضيته فَقضى عَلَيْهِ بِالْبَرَاءَةِ من إِقْرَاره، وَقد علم أَن
الْفُقَهَاء الثَّلَاثَة على خِلَافه، فَإِن هَذَا وَأَمْثَاله مِمَّا يوحي
اتِّبَاع الْأَكْثَر فِيهِ أقرب عِنْدِي الْخَلَاص وأرجح فِي الْعَمَل
وَيَقْتَضِي هَذَا، فَإِن ولايات الْأَحْكَام فِي وقتنا هَذَا ولَايَة
صَحِيحَة، وَإِنَّهُم قد سدوا ثغرا من ثغور الْإِسْلَام سدة فروض كِفَايَة.
وَقد أهملنا هَذَا القَوْل وَلم نذكرهُ ومشينا على طَرِيق التغافل الَّتِي
يمشي من يمشي فِيهَا من الْفُقَهَاء الَّذين يذكر كل مِنْهُم فِي كتاب أبي
حنيفَة أَو كَلَام إِن قَالَ أَنه لَا يَصح أَن يكون أصلة قَاضِيا حَتَّى
يكون من أهل الِاجْتِهَاد، ثمَّ يذكر من شُرُوط
(2/398)
الِاجْتِهَاد أَشْيَاء لَيست مَوْجُودَة
فِي الْحُكَّام فَإِن ذَلِك كالأصالة وكالتناقص فَكَأَنَّهُ تَعْطِيل
الْأَحْكَام وسد لباب الحكم وَأَن لَا ينفذ حق وَلَا يُكَاتب بِهِ وَلَا
تُقَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ إِلَى غير ذَلِك من هَذِه الْقَوَاعِد
الشَّرْعِيَّة، فَكَانَ هَذَا غير صَحِيح، وَبَان أَن الصَّحِيح أَن
الْحُكَّام الْيَوْم حكوماتهم صَحِيحَة نَافِذَة وولايتهم جَائِزَة شرعا.
وَاخْتلفُوا هَل الْقَضَاء من فرض الكفايات؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: هُوَ من فروض الكفايات
وَيتَعَيَّن على الْمُجْتَهدين الدُّخُول فِيهِ إِذا لم يُوجد غَيرهم.
وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر روايتيه: هُوَ لَيْسَ فروض الكفايات وَلَا
يتَعَيَّن على الْمُجْتَهد الدُّخُول فِيهِ، وَإِن لم يُؤْخَذ غَيره
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنهُ كمذهب البَاقِينَ.
(2/399)
وَاخْتلفُوا هَل يكره الْقَضَاء فِي
الْمَسْجِد.
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يكره.
وَقَالَ مَالك: بل هُوَ السّنة.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يكره إِلَّا أَن يدْخل الْمَسْجِد للصَّلَاة فَتحدث
حَادِثَة فَيحكم فِيهَا.
وَاخْتلفُوا هَل يَصح أَن تقضي فِيمَا تصح شهادتها فِيهِ؟
وَاخْتلفُوا فِي عدد من يقبل القَاضِي فِي تَفْسِير التَّرْجَمَة وتأديته
للرسالة وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل والتعريف.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: تقبل شَهَادَة
الرجل فِي ذَلِك كُله.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة خَاصَّة: وَيجوز أَن تكون امْرَأَة.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يقبل أقل من
اثْنَيْنِ رجلَيْنِ.
(2/400)
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ المتخاصم فِيهِ
إِقْرَار بِمَال أَو مَا يتَعَلَّق بِالْمَالِ قبل فِيهِ رجل
وَامْرَأَتَانِ، وَإِن كَانَ إِقْرَار يتَعَلَّق بِأَحْكَام الْأَبدَان لم
يقبل بذلك إِلَّا اثْنَان رجلَانِ.
وَاخْتلفُوا فِي سَماع شَهَادَة من لَا تعرف عَدَالَته الْبَاطِنَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يسْأَل الْحَاكِم عَن بَاطِن عدالتهم فِي الْحُدُود
وَالْقصاص قولا وَاحِدًا وَفِي مَا عدا ذَلِك لَا يسْأَل عَنهُ إِلَّا أَن
يطعن الْخصم فِيهِ بِمَا لم يطعن فيهم لم يسْأَل عَنهُ وَيسمع شَهَادَتهم
ويكتفي بِعَدَالَتِهِمْ فِي ظَاهر أَحْوَالهم.
وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يَكْتَفِي
الْحَاكِم بِظَاهِر الْعَدَالَة حَتَّى تعرف عدالتهم الْبَاطِنَة سَوَاء
طعن الْخصم فيهم أَو لم يطعن، أَو كَانَت عدالتهم فِي أحد أَو غَيره.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: أَن الْحَاكِم يَكْتَفِي بِظَاهِر
الْإِسْلَام وَلَا يسْأَل عَنْهُم على الْإِطْلَاق وَهِي اخْتِيَار أبي
بكر.
وَاخْتلفُوا فِي الْجرْح الْمُطلق هَل يقبله؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقبل. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يقبل حَتَّى
يعين نسبه.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة.
(2/401)
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ الْجَارِح عَالما
بِمَا يُوجب الْجرْح مبررا فِي عَدَالَته قبل جرحه مُطلقًا، وَإِن كَانَ
غير متضيق بِهَذِهِ الصّفة لم يقبل مِنْهُ إِلَّا بعد تبين السَّبَب.
وَاخْتلفُوا فِي جرح النِّسَاء وتعديلهن.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقبل.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَمَالك: لَا مدْخل لَهُنَّ فِي ذَلِك.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ الْمُزَكي: فلَان عدل رَضِي.
فَقَالَ أَحْمد وَأَبُو حنيفَة: يَكْفِي ذَلِك.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يقبل حَتَّى يَقُول: هُوَ عدل رضَا لي وَعلي.
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ المذكي عَالما بأَشْيَاء الْعَدَالَة قبل قَوْله
فِي تذكيته عدل ورضا. وَلم يفْتَقر إِلَى قَوْله لي وَعلي.
وَاتَّفَقُوا على أَن كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي من مصر إِلَى مصر فِي
الْحُدُود وَالنِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْخلْع غير مَقْبُول.
إِلَّا مَالك فَإِنَّهُ يقبل عِنْده كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي فِي
ذَلِك كُله.
وَاتَّفَقُوا على أَن كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي من مصر إِلَى مصر فِي
الْحُقُوق الَّتِي هِيَ المَال أَو مَا كَانَ الْمَقْصُود مِنْهُ المَال
جَائِز مَقْبُول.
وَاخْتلفُوا فِي صِيغَة تأديته الَّتِي يقبل مَعهَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يقبل إِلَّا أَن يشْهد
اثْنَان أَنه كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي قَرَأَهُ علينا أَو قَرَأَ
عَلَيْهِ بحضرتنا.
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا: كَقَوْل الْجَمَاعَة، وَالْأُخْرَى:
أَنَّهَا إِذا قَالَت: هَذَا كتاب القَاضِي فلَان الْمَشْهُود عِنْده كفىء.
(2/402)
وَهُوَ قَول أبي يُوسُف.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا تكاتب القاضيان فِي بلد وَاحِد.
فَاخْتلف أَصْحَاب أبي حنيفَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَذكر الطَّحَاوِيّ
مِنْهُم أَنه يقبل ذَلِك.
وَقَالَ النَّسَفِيّ مِنْهُم أَيْضا: الَّذِي حَكَاهُ الطَّحَاوِيّ
إِنَّمَا هُوَ مَذْهَب مُحَمَّد وَأبي يُوسُف وَمذهب أبي حنيفَة أَنه لَا
يقبل.
قَالَ النَّسَفِيّ: وَهَذَا هُوَ الْأَظْهر عِنْدِي.
وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك: لَا يقبل وَيحْتَاج إِلَى إِعَادَة
التنبه عِنْد الآخر بِالْحَقِّ، وَإِنَّمَا يقبل ذَلِك فِي الْبَلَد
الثَّانِيَة.
بَاب الْمُقَاسَمَة فِي الْعقار.
وَاتَّفَقُوا على جَوَاز الْقِسْمَة مِمَّا يقابلها.
(2/403)
ثمَّ اخْتلفُوا هَل هِيَ بيع أم إِفْرَاز؟
فَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة: الْقِسْمَة تكون بِمَعْنى البيع وَتَكون
بِمَعْنى الْإِفْرَاز.
فالموضع الَّذِي تكون فِيهِ بِمَعْنى الْإِفْرَاز هُوَ فِيمَا لَا
يتَفَاوَت كالمكيلات والموزونات والمعدودات الَّتِي لَا تَتَفَاوَت كالجوز
وَالْبيض فَهِيَ فِي هَذِه إِفْرَاز وتمييز حق حَتَّى يجوز لكل وَاحِد
مِنْهُم أَن يتبع نصِيبه مُرَابحَة.
والموضع الَّذِي هِيَ فِيهِ بِمَعْنى البيع هُوَ فِيمَا يتَفَاوَت كالثياب
وَالْعَقار فَلَا يجوز بَيْعه مُرَابحَة.
وَقَالَ مَالك: إِن تَسَاوَت الْأَعْيَان وَالصِّفَات كَانَت إِفْرَاز،
وَإِن اخْتلفت الْأَعْيَان وَالصِّفَات كَانَ بيعا.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: هِيَ بيع.
وَقَالَ أَحْمد: هِيَ إِفْرَاز.
فعلى قَول من يَرَاهَا إِفْرَاز يجوز عِنْده قسْمَة الثِّمَار الَّتِي
يجْرِي فِيهَا الرِّبَا بالخرص، وَمن يَقُول: أَنَّهَا بيع يمْنَع من
ذَلِك، وَفِي الْخلاف فِي ذَلِك فَائِدَة أُخْرَى. وَهُوَ أَنه إِذا كَانَ
الْوَقْف مشَاعا، فَأَرَادَ صَاحب الْمُطلق قسْمَة حَقه مِنْهُ جَازَ
(2/404)
على قَول من يَرَاهَا إِفْرَاز وَلَا يجوز
على قَول من يَرَاهَا بيعا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا طلب أحد الشَّرِيكَيْنِ الْقِسْمَة، وَكَانَ
فِيهَا ضَرَر على الآخر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الطَّالِب للْقِسْمَة مِنْهَا هُوَ
المتضرر بِالْقِسْمَةِ لَا يقسم وَإِن كَانَ الطَّالِب ينْتَفع بهَا، أجبر
الْمُمْتَنع مِنْهُمَا عَلَيْهِمَا. وَقَالَ مَالك: فحيز الْمُمْتَنع على
الْقِسْمَة بِكُل حَال.
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ الطَّالِب للْقِسْمَة ينْتَفع بهَا أجبر
شَرِيكه الْمُمْتَنع من الْقِسْمَة.
وَإِن كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا ضَرَر، وَإِن كَانَ الطَّالِب للْقِسْمَة هُوَ
المتضرر فعلى قَوْلَيْنِ.
وَقَالَ أَحْمد: لَا يقسم ذَلِك وَيُبَاع وَيقسم ثمنه بَينهمَا.
وَاخْتلفُوا فِي أُجْرَة الْقَاسِم.
فَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى روايتيه وَأَبُو حنيفَة: هِيَ على الْقَاسِم
برؤوس المقتسمين.
وَقَالَ مَالك فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَالشَّافِعِيّ: هِيَ على قدر
الْإِنْشَاء.
وَاخْتلفُوا هَل هِيَ على الطَّالِب وَالْمَطْلُوب مِنْهُ؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ على الطَّالِب خَاصَّة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَاب أَحْمد: هِيَ على الْجَمِيع على
قِيَاس قَوْلهم.
وَاخْتلفُوا فِي قسْمَة الرَّقِيق بِالْقيمَةِ بَين جمَاعَة إِذا طلب
الْقِسْمَة أحدهم هَل يجوز؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقسم وَلَا يَصح فِيهِ الْقِسْمَة.
وَقَالَ الْبَاقُونَ: تصح قسمته بِالْقيمَةِ كَمَا يقسم سَائِر الْحَيَوَان
بالتعديل والقرعة، وَإِن تَسَاوَت الْأَعْيَان وَالصِّفَات.
(2/405)
بَاب الدَّعَاوَى والبينات
اخْتلفُوا فِيمَا إِذا ادّعى رجل على رجل لَا يعرف بَينهمَا مُعَاملَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: يستدعيه
الْحَاكِم ويسأله، فَإِن أنكر حلفه.
وَلَا يُرَاعى فِي ذَلِك أَن يكون بَينهمَا مُعَاملَة أَو مُخَالطَة.
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: لَا يستدعيه وَلَا
يسْأَله إِلَّا أَن يكون بَينهمَا مُخَالطَة أَو مُعَاملَة من معِين يزِيد
على مُجَرّد الدَّعْوَى، إِلَّا أَن يكون غريبين فَلَا يُرَاعى ذَلِك
بَينهمَا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا طلب الْحَاضِر إِحْضَار خصم لَهُ من بلد آخر
فِيهِ حَاكم إِلَى الْبَلَد الَّذِي فِيهِ الْخصم الآخر الطَّالِب،
فَإِنَّهُ لَا يُجَاب سُؤَاله، فَإِن كَانَ ذَلِك لَا حَاكم فِيهِ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يلْزمه الْحُضُور إِلَّا أَن يكون من مَسَافَة
يُمكنهُ أَن يرجع فِيهَا فِي يَوْمه.
وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: يحضرهُ الْحَاكِم سَوَاء بَعدت الْمسَافَة
بَينهمَا أَو قربت.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْحَاكِم يسمع دَعْوَى الْحَاضِر ويثبته على
الْغَائِب.
(2/406)
ثمَّ اخْتلفُوا هَل يحكم بهَا على
الْغَائِب.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يحكم لَهُ عَلَيْهِ وَلَا على من هرب قبل الحكم
وَبعد إِقَامَة الْبَيِّنَة، وَلَا يحكم على الْغَائِب بِحَال، إِلَّا أَن
يتَعَلَّق الحكم بحاضر مثل أَن يكون للْغَائِب وَكيل أَو وَصِيّ أَو يكون
جمَاعَة شُرَكَاء فِي شَيْء فيدعي على أحد مِنْهُم وَهُوَ حَاضر فَيحكم
عَلَيْهِ وعَلى الْغَائِب.
وَاسْتحْسن مَالك التَّوَقُّف فِي الذَّبَائِح فِي رِوَايَة.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى قَالَ: يحكم فِيهَا أَيْضا.
وَقَالَ أَصْحَابه: وَهُوَ النّظر.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يحكم على الْغَائِب إِذا قَامَت الْبَيِّنَة
للْمُدَّعِي على الْإِطْلَاق.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أظهرهمَا: جَوَاز ذَلِك على الْإِطْلَاق كمذهب
الشَّافِعِي وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ والخلال.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: لَا يجوز ذَلِك كمذهب أبي حنيفَة،
وَكَذَلِكَ اخْتلَافهمْ إِذا كَانَ الَّذِي قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة
حَاضرا وَامْتنع من أَن يحضر بِمَجْلِس الحكم،
(2/407)
وَاخْتلف الْقَائِلُونَ بالحكم على
الْغَائِب فِيمَا إِذا قَامَت الْبَيِّنَة على غَائِب أَو وَصِيّ أَو 0
مَجْنُون فَهَل يسْتَحْلف الْمُدَّعِي مَعَ الْبَيِّنَة، أَو يحكم
بِالْبَيِّنَةِ لصَاحِبهَا من غير استحلاف؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يسْتَحْلف.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا كمذهبهما.
وَالْأُخْرَى يحكم بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي أَقَامَهَا من غير أَن
يسْتَحْلف.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا ثَبت الْحق للْمُدَّعِي على خصم حَاضر مَعَه
عِنْد الْحَاكِم شَاهِدين عرف عدالتهما، حكم وَلَا يعرف الْمُدَّعِي مَعَ
شاهديه.
وَاخْتلفُوا فِي الْحَاكِم هَل يجوز لَهُ الحكم بِعِلْمِهِ؟
فَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: لَا يجوز لَهُ ذَلِك فِي شَيْء
أصلا، لَا فِيمَا علمه قبل ولَايَته وَلَا بعْدهَا لَا فِي حُقُوق الله
وَلَا فِي حُقُوق الْآدَمِيّين، لَا فِي مجْلِس الحكم وَلَا غيرَة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: لَهُ أَن يحكم فِي الْجَمِيع على
الْإِطْلَاق سَوَاء علمه قبل ولَايَته أَو بعْدهَا.
(2/408)
وَقَالَ عبد الْملك بن الْمَاجشون من
أَصْحَاب مَالك: لَهُ أَن يحكم بِعِلْمِهِ فِي مجْلِس حِكْمَة فِي
الْأَمْوَال خَاصَّة.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يحكم بِعِلْمِهِ فِيمَا علمه فِي حَال قَضَائِهِ
إِلَّا فِي الْحُدُود الَّتِي هِيَ حُقُوق الله فَيحكم بِعِلْمِهِ فِي
الْقَذْف إِذا كَانَ علمه فِي حَال قَضَائِهِ، فَأَما مَا علمه قبل
قَضَائِهِ فَلَا يحكم بِهِ على الْإِطْلَاق.
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ، إِحْدَاهمَا كالرواية عَن أَحْمد وَمَالك،
وَالثَّانِي: يحكم فِيمَا علمه قبل ولَايَته وَبعدهَا فِي علمه وَغير علمه
إِلَّا فِي الْحُدُود فَإِنَّهَا على قَوْلَيْنِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ القَاضِي فِي حَال ولَايَته: قد قضيت على
هَذَا الرجل بِحَق أَو بِحَدّ.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يقبل مِنْهُ ويستوفي مِمَّن عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَالك: لَا يقبل قَوْله حَتَّى يشْهد مَعَه عَدْلَانِ أَو عدل.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: كمذهب مَالك.
وَالْآخر: كمذهب أبي حنيفَة وَأحمد.
فَإِن قَالَ بعد عَزله: كنت قضيت بِكَذَا فِي حَال ولايتي.
(2/409)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَمَالك: لَا يقبل مِنْهُ.
وَقَالَ أَحْمد: يقبل مِنْهُ.
وَاخْتلفُوا هَل يكره للْقَاضِي أَن يتَوَلَّى البيع لنَفسِهِ وَالشِّرَاء؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يكره ذَلِك.
وَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يكره لَهُ لَكِن يُوكل وَكيلا لَا
يعرف أَنه وَكيل القَاضِي فيتولى ذَلِك لَهُ.
وَاخْتلفُوا فِي الرجلَيْن يحتكمان إِلَى رجل من الرّعية من أهل
الِاجْتِهَاد ويرضيان بِهِ حكما عَلَيْهِمَا ويسألانه ليحكم بَينهمَا فَهَل
يلْزمهُمَا مَا حكم بِهِ؟ فَقَالَ مَالك وَأحمد: يلْزمهُمَا حِكْمَة وَلَا
يعْتَبر رضاهما بذلك وَلَا يجوز لحَاكم الْبَلَد نقضه، وَإِن خَالف رَأْيه
أَو رَأْي غَيره إِذا كَانَ مِمَّا يجوز شرعا.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه حكمه إِذا كَانَ وَافق حكم حَاكم الْبَلَد،
ويمضي حَاكم الْبَلَد إِذا رفع إِلَيْهِ فَإِن لم يُوَافق رَأْي حَاكم
الْبَلَد فَلهُ أَن يُبطلهُ، وَإِن كَانَ فِيهِ خلاف بَين أهل الْعلم.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: كمذهب مَالك وَأحمد، وَالثَّانِي:
لَا يلْزمهُمَا حكمه إِلَّا بتراضيهما، وَهَذَا الْخلاف بَينهم فِي هَذِه
الْمَسْأَلَة أَن مَا يعود فِي الحكم
(2/410)
فِي الْأَمْوَال فَأَما فِي اللّعان
وَالْقصاص وَالنِّكَاح وَالْحُدُود وَالْقَذْف فَلَا يجوز ذَلِك فِيهِ
إِجْمَاعًا.
وَاخْتلفُوا فِي الْحَاكِم إِذا حكم بِشَيْء وَهُوَ فِي الْبَاطِن على خلاف
مَا يحكم بِهِ، هَل ينفذ حكمه فِي الْبَاطِن؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا ينفذ حكمه فِيهِ بَاطِنا، وَلَا
يحل حكمه الشَّيْء الْمَحْكُوم فِيهِ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ، وَسَوَاء كَانَ
ذَلِك فِي مَال أَو نِكَاح أَو طَلَاق أَو مِمَّا يملك الْحَاكِم ابتدأه
أَو أنشأه أَو مِمَّا لَا يملكهُ على الْإِطْلَاق.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ الْمَحْكُوم فِيهِ مِمَّا يتَغَيَّر فَإِن
الحكم فِيهِ فِي الْبَاطِن، فَأَما مَا ينفذ فِي الظَّاهِر، وَإِن كَانَ
عقدا أَو كَانَ فسخا، فَإِن الحكم يعْقد فِيهِ ظَاهرا وَبَاطنا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا حكم بِاجْتِهَادِهِ، ثمَّ بَان لَهُ اجْتِهَاد
بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ لَا ينْقض الأول وَكَذَلِكَ إِذا رفع إِلَيْهِ حكم
غَيره فَلم يره فَإِنَّهُ لَا ينْقضه.
بَاب الشَّهَادَات.
اتَّفقُوا على أَنه لَيْسَ للْقَاضِي أَن يلقن الشُّهُود بل يسمع مَا
يَقُولُونَ.
(2/411)
وَاتَّفَقُوا على أَن الْإِشْهَاد فِي
المبايعات مُسْتَحبّ وَلَيْسَ بِوَاجِب.
وَاتَّفَقُوا على أَن النِّسَاء لَا تقبل شَهَادَتهنَّ فِي الْحُدُود
وَالْقصاص.
ثمَّ اخْتلفُوا هَل تقبل شَهَادَتهنَّ فِي الْغَالِب فِي مَسْأَلَة بِأَن
يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاق وَالْعتاق وَغير ذَلِك.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تقبل شَهَادَتهنَّ فِي ذَلِك كُله وَسَوَاء كن
منفردات فِيهِ أَو مَعَ الرِّجَال.
وَلم يذكر عَن مَالك شَيْء.
وَاتَّفَقُوا على أَنه تقبل شَهَادَتهنَّ فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ
الرِّجَال كالولادة وَالرّضَاع والبكارة وعيوب النِّسَاء، وَمَا يخفى عَن
الرِّجَال غَالِبا.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْعدَد الَّذِي يعْتَبر مِنْهُنَّ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: تقبل شَهَادَة امْرَأَة عدل فِيهِ.
وَقَالَ مَالك: لَا يقبل أقل من شَاهد وَامْرَأَتَيْنِ عدل.
وَعَن أَحْمد مثله.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا تقبل أقل من أَربع نسْوَة عدل.
وَاتَّفَقُوا على أَن الشَّاهِد لَا يشْهد إِلَّا بِمَا علمه يَقِينا
وَبِذَلِك جَاءَ الحَدِيث على مثلهَا: فاشهد وَأَشَارَ إِلَى الشَّمْس
وَإِلَّا فَلَا.
وَاخْتلفُوا فِي استهلال الطِّفْل.
(2/412)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يحْتَاج إِلَى
شَهَادَة رجلَيْنِ، أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ لِأَنَّهُ ثُبُوت.
فَأَما فِي حق الصَّلَاة عَلَيْهِ وَالْغسْل فَيقبل فِيهِ شَهَادَة
النِّسَاء وحدهن، وَشَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة.
وَقَالَ مَالك: يقبل فِيهِ شَهَادَة امْرَأتَيْنِ.
وَقَالَ أَحْمد: يقبل فِيهِ شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة فِي الاستهلال.
وَقَالَ الشَّافِعِي: تقبل شَهَادَة النِّسَاء منفردات إِلَّا أَنه على
أصلة فِي اشْتِرَاط الْأَرْبَع.
وَاخْتلفُوا فِي الرَّضَاع.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقبل فِيهِ إِلَّا شَهَادَة رجلَيْنِ، أَو رجل
وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَا تقبل فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء بانفرادهن.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: تقبل شَهَادَة النِّسَاء منفردات إِلَّا أَن
مَالِكًا يَقُول: لَا تجزى فِيهِ أقل من شَهَادَة امْرَأتَيْنِ وَرُوِيَ
عَن وهب عَنهُ أَنه يقبل فِيهِ شَهَادَة الْوَاحِد إِذا فشى ذَلِك فِي
الْجِيرَان قبل الْخطْبَة.
وَالشَّافِعِيّ يَقُول: لَا يجزى فِيهِ أقل من أَربع.
وَقَالَ أَحْمد: يقبل شَهَادَة النِّسَاء منفردات فِيهِ، وَيجْزِي
مِنْهُنَّ امْرَأَة وَاحِدَة فِي
(2/413)
إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ.
وَالْأُخْرَى لَا يقبل أَي من امْرَأتَيْنِ.
وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: لَا تقبل
شَهَادَته وَإِن تَابَ، إِذا كَانَت تَوْبَته بعد الْحَد لَا قبله.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: تقبل
شَهَادَته سَوَاء كَانَت تَوْبَة قبل الْحَد أَو بعدة.
إِلَّا أَن مَالِكًا اشْترط مَعَ التَّوْبَة أَن لَا تقبل شَهَادَته فِي
مثل الْحَد الَّذِي أقيم عَلَيْهِ.
وَاخْتلف قائلو الشَّهَادَة مَعَ التَّوْبَة: هَل من شَرط تَوْبَته
اصْطِلَاح الْعَمَل.
فَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ شَرط فِي تَوْبَته وَإِصْلَاح الْعَمَل الْكَفّ
عَن الْمعْصِيَة سنة.
وَقَالَ أَحْمد: لَيْسَ بِشَرْط، وَمُجَرَّد التَّوْبَة عَن الْمعْصِيَة
كَاف.
وَقَالَ مَالك: من شَرط قبُول شَهَادَته مَعَ تَوْبَة إِظْهَار فعل
الْخَيْر عَلَيْهِ والتقرب بِالطَّاعَةِ من غير حد بِسنة.
وَاخْتلفُوا فِي صفة تَوْبَته.
(2/414)
فَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ أَن يَقُول:
الْقَذْف بَاطِل حرَام وَلَا أَعُود إِلَى مَا قلت.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: هِيَ أَن يكذب نَفسه.
وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة الْأَعْمَى.
فَقَالَ مَالك وَأحمد: تصح فِيمَا طَريقَة السماع كالنسب وَالْمَوْت
وَالْملك الْمُطلق، وَالْوَقْف وَالْعِتْق وَسَائِر الْعُقُود كَالنِّكَاحِ
وَالْبيع وَالصُّلْح وَالْإِجَارَة وَالْإِقْرَار وَنَحْوه، وَسَوَاء
تحملهَا أعمى، أَو بَصيرًا ثمَّ عمى.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تقبل شَهَادَته أصلا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: تقبل شَهَادَته فِي أَرْبَعَة أَشْيَاء، فِي ثَلَاثَة
أَشْيَاء: طَريقَة الاستفاضة والترجمة والضبط.
وَلَا تقبل شَهَادَته بالضبط حَتَّى يتَعَلَّق بِإِنْسَان يسمع إِقْرَاره،
ثمَّ لَا يتْركهُ من يَده حَتَّى يُؤَدِّي شَهَادَته عَلَيْهِ وَلَا يقبل
فِيمَا عدا ذَلِك.
وَاتَّفَقُوا على أَن شَهَادَة العبيد لَا تصح على الْإِطْلَاق إِلَّا
أَحْمد فَإِنَّهُ أجازها فِيمَا عدا الْحُدُود وَالْقصاص على الْمَشْهُور
من مذْهبه.
وَاخْتلف مانعوا شَهَادَة العبيد فِيمَا تَحملُوهُ من الشَّهَادَة حَال
رقهم، ثمَّ أدوه بعد عتقهم هَل تقبل؟
(2/415)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تقبل
شَهَادَتهم بعد زَوَال الْمَانِع سَوَاء كَانُوا شهدُوا بِهِ فِي حَال رقهم
فَردَّتْ شَهَادَتهم بِهِ أَو لم يشْهدُوا بِهِ حَتَّى عتقوا.
وَقَالَ مَالك: إِن شهدُوا بِهِ فِي حَال رقهم فَردَّتْ شَهَادَتهم لم تقبل
شَهَادَتهم بعد عتقهم، وَإِن لم يشْهدُوا بِهِ إِلَّا بعد الْعتْق قبلت
شَهَادَتهم.
وَكَذَلِكَ اخْتلَافهمْ فِيمَا شهد بِهِ الْكَافِر قبل إِسْلَامه
وَالصَّبِيّ قبل بُلُوغه فَإِن الحكم فِيهِ عِنْد كل مِنْهُم على مَا
ذَكرْنَاهُ فِي مَسْأَلَة العبيد.
وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة الْأَخْرَس.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا تصح وَإِن كَانَت لَهُ إِشَارَة تفهم.
وَقَالَ مَالك: تصح إِذا كَانَ لَهُ إِشَارَة تفهم.
وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فَمنهمْ من قَالَ: تقبل إِذا كَانَت لَهُ
إِشَارَة تفهم، وَمِنْهُم من قَالَ: لَا تقبل. وَهُوَ الَّذِي نصْرَة
الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق.
وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة الإستفاضة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تجوز الشَّهَادَة بالإستفاضة فِي خَمْسَة أَشْيَاء:
فِي النِّكَاح
(2/416)
وَالدُّخُول وَالنّسب وَالْمَوْت وَولَايَة
الْقَضَاء.
وَعَن أَصْحَاب الشَّافِعِي خلاف، فَمنهمْ من قَالَ: يجوز فِي النّسَب
وَالْمَوْت وَالْملك.
وَقَالَ الأصطخري مِنْهُم: يجوز فِي الْملك الْمُطلق وَالْوَقْف
وَالنِّكَاح وَالْعِتْق وَالنّسب وَالْمَوْت وَالْوَلَاء.
وَقَالَ أَحْمد: تصح فِي هَذِه الْأَشْيَاء السَّبْعَة.
وَاخْتلفُوا هَل تجوز الشَّهَادَة فِي الْأَمْلَاك من جِهَة ثُبُوت الْيَد.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا يجوز.
وَقَالَ مَالك: يشْهد بِالْيَدِ خَاصَّة فِي الْمدَّة الْيَسِيرَة دون
الْملك وَإِن كَانَت الْمدَّة طَوِيلَة لعشر سِنِين فَمَا فَوْقهَا، قطع
لَهُ بِالْملكِ إِذا كَانَ الْمُدَّعِي حَاضرا حَال تصرفه فِيهَا وَجوزهُ
لَهَا. إِلَّا أَن يكون للْمُدَّعِي قرَابَة أَو يخَاف من سُلْطَان إِن
عَارضه.
(2/417)
وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فَمنهمْ من
قَالَ كَقَوْل أبي حنيفَة وَأحمد، وَهُوَ الأصطخري.
وَمِنْهُم من قَالَ: يشْهد فِي التَّصَرُّف الطَّوِيل الْمدَّة بِالْملكِ،
وَفِي التَّصَرُّف الْقصير الْمدَّة بِالْيَدِ.
وَهُوَ قَول الْمروزِي.
وَاخْتلفُوا هَل تقبل شَهَادَة أهل الذِّمَّة على بَعضهم بَعْضًا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تقبل.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك: لَا تقبل.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة أهل الذِّمَّة على الْمُسلمين فِي الْوَصِيَّة
خَاصَّة فِي السّفر، إِذا لم يُوجد غَيرهم.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز.
وَقَالَ أَحْمد: يجوز بِهَذِهِ الشُّرُوط ويحلفان بِاللَّه مَعَ
شَهَادَتهمَا أَنَّهُمَا مَا خَانا وَلَا كتما وَلَا غيرا، وَأَنَّهَا
وَصِيَّة الرجل.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يَصح الحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين فِيمَا عدا
الْأَمْوَال. وحقوقها.
(2/418)
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْأَمْوَال بحقوقها
هَل يَصح فِيهَا الحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين أم لَا؟
فَقَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: يجوز.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجوز.
وَاخْتلفُوا فِي الْعتاق هَل يقبل فِيهِ شَهَادَة وَاحِد وَيَمِين
الْمُعْتق أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أَحدهمَا كمذهبهم، وَالْأُخْرَى: يجوز أَن يحلف
الْمُعْتق مَعَ شَاهده وَيحكم لَهُ بذلك.
وَاخْتلفُوا هَل يجوز أَن تقبل فِي الْأَمْوَال وحقوقها شَهَادَة
امْرَأتَيْنِ مَعَ يَمِين الطَّالِب؟
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجوز.
وَقَالَ مَالك: يجوز.
وَاخْتلفُوا فَمَا إِذا حكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين ثمَّ رَجَعَ
الشَّاهِد.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يغرم الشَّاهِد نصف المَال.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يغرم الْجَمِيع الشَّاهِد.
(2/419)
وَاخْتلفُوا هَل تقبل شَهَادَة الْعَدو على
عدوه؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: تقبل إِذا لم تكن الْعَدَاوَة بَينهمَا تخرج إِلَى
الْفسق.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: لَا تقبل على الْإِطْلَاق.
وَاخْتلفُوا هَل تقبل شَهَادَة الْوَالِد لوَلَده؟
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة: لَا تقبل شَهَادَة
الْوَالِدين للمولودين وَلَا المولودين للْوَالِدين الذُّكُور وَالْإِنَاث،
قربوا أَو بعدوا من الطَّرفَيْنِ.
وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات، إِحْدَاهُنَّ: كمذهب الْجَمَاعَة،
وَالْأُخْرَى: تجوز شَهَادَة الابْن لِأَبِيهِ وَتجوز شَهَادَة الْأَب
لِابْنِهِ.
وَالرِّوَايَة الثَّالِثَة: تجوز شَهَادَة كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه مَا
لم تجر نفعا فِي الْغَالِب وشبهة.
وَأما شَهَادَة كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحِبَة فمقبولة عِنْد الْجَمِيع.
إِلَّا مَا رُوِيَ عَن الشَّافِعِي فِي أحد قوليه: أَنَّهَا لَا تقبل
شَهَادَة الْوَالِد على وَلَده فِي الْحُدُود وَالْقصاص.
(2/420)
قلت: وَأَرَادَ بذلك لِأَنَّهَا مُدَّة
جملَة فِي الْمِيرَاث.
وَاخْتلفُوا هَل تقبل شَهَادَة الْأَخ لِأَخِيهِ وَالصديق لصديقه؟
فأجازها أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ.
وَقَالَ مَالك: لَا تقبل شَهَادَة الْأَخ الْمُنْقَطع لِأَخِيهِ وَالصديق.
وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: لَا تقبل.
وَقَالَ الشَّافِعِي: تقبل.
وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء والبدع.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: يقبل شَهَادَتهم إِذا كَانُوا
مجتنبين للكذب إِلَّا الخطابية من الرافضة فَإِنَّهُم يصدقون من حلف
عِنْدهم بِأَن لَهُ على فلَان كَذَا فَيَشْهَدُونَ بذلك.
وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا تقبل على الْإِطْلَاق.
وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة من شرب النَّبِيذ تناولا.
(2/421)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ::
تقبل شَهَادَتهم.
وَقَالَ مَالك: لَا تقبل.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة ولد الزِّنَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: تقبل فِي جَمِيع الْأَشْيَاء.
وَقَالَ مَالك: لَا تقبل فِي الزِّنَا وَتقبل فِيمَا عداهُ.
وَاخْتلفُوا هَل تقبل شَهَادَة بدوي على قروي إِذا كَانَ البدوي عدلا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تقبل فِي كل شَيْء.
وَقَالَ مَالك يجوز فِي الْجراح وَالْقَذْف خَاصَّة وَلَا تقبل فِيمَا عدا
ذَلِك من الْحُقُوق الَّتِي يُمكن التَّوَقُّف عَنْهَا بإشهاد الْحَاضِرين
إِلَّا أَن تكون تحملهَا بالبادية.
وَقَالَ أَحْمد: لَا تقبل على الْإِطْلَاق.
وَاخْتلفُوا فِي ثُبُوت الشَّهَادَة على الشَّهَادَة.
فَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ: تقبل فِي كل شَيْء من
الْأَحْكَام من حُقُوق الله وَحُقُوق الْآدَمِيّين.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: تقبل فِي حُقُوق الْآدَمِيّين وَلَا تقبل
فِي حُقُوق الله.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تجوز فِي الْعُقُوبَات سَوَاء كَانَت لله أَو
لآدميين وَتقبل فِيمَا عدا ذَلِك.
(2/422)
وَقَالَ الشَّافِعِي: تقبل فِي حُقُوق
الْآدَمِيّين قولا وَاحِدًا.
وَهل تقبل فِي حُقُوق الله كَحَد الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر؟
قَولَانِ، أظهرهمَا: أَنَّهَا لَا تقبل.
وَاخْتلفُوا فِي شُهُود الْفَرْع هَل يجوز أَن يكون فيهم شَاهد؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز.
وَقَالَ أَحْمد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: لَا يجوز.
وَاخْتلفُوا فِي عدد شُهُود الْفَرْع أَيْضا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: يجوز فِيهِ شَهَادَة اثْنَيْنِ كل
وَاحِد مِنْهُمَا على شَاهِدي الأَصْل.
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ، أَحدهمَا: مثل هَذَا، وَالثَّانِي: يحْتَاج إِلَى
أَن يكون أَرْبَعَة فَيكون على كل شَاهد من شُهُود الأَصْل شَاهد.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز شَهَادَة شُهُود الْفَرْع مَعَ وجود شُهُود
الأَصْل، إِلَّا أَن يكون ثمَّ عذر يمْنَع شُهُود الأَصْل من مرض أَو غيبَة
تقصر فِيهَا الصَّلَاة.
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى: لَا تقبل شَهَادَة شُهُود الْفَرْع إِلَّا
بعد موت شُهُود الأَصْل.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شهد شَاهِدَانِ بِالْمَالِ، ثمَّ رجعا بعد الحكم.
(2/423)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك
وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم وَأحمد: عَلَيْهِمَا الْغرم.
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد: لَا شَيْء عَلَيْهِمَا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا ينْقض الحكم الَّذِي حكم شَهَادَتهمَا.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا رَجَعَ الشُّهُود عَن الْمَشْهُود بِهِ قبل
الحكم فَإِنَّهُ لَا يحكم بِشَهَادَتِهِم.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا حكم بِشَهَادَة فاسقين، ثمَّ علم بعد ذَلِك.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا ينْقض حِكْمَة.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: ينْقض حِكْمَة.
وَالثَّانِي: لَا ينْقضه.
وَقَالَ أَحْمد وَمَالك: ينْقض حكمه.
وَاخْتلفُوا فِي عُقُوبَة شَاهِدي الزُّور.
(2/424)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا تعزيز عَلَيْهِ
بل يُوقف فِي قومه ويعرفون أَنه شَاهد زور.
زَاد مَالك بِأَن قَالَ: ويشهر فِي الْجَوَامِع والأسواق والمجامع.
قلت: وَالَّذِي أَظن أَبَا حنيفَة إِنَّمَا سقط عَنهُ التعزيز لِأَن
الَّذِي أَتَاهُ أعظم من أَن يكون عُقُوبَة التَّعْزِير.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ: لَا بَينه لي أَو كل بَينه لي أقيمها زور
ثمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَة.
فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تقبل.
وَقَالَ أَحْمد: لَا تقبل.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يحلف الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا قَالَ الْمُدَّعِي:
لي بَيِّنَة حَاضِرَة.
وَاتَّفَقُوا على أَن الْبَيِّنَة على من ادّعى، وَالْيَمِين على من أنكر.
وَاخْتلفُوا فِي بَيِّنَة الْخَارِج هَل هِيَ أولى من بَيِّنَة صَاحب
الْيَد أم لَا؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: بَيِّنَة الْخَارِج
أولى.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: بَيِّنَة
صَاحب الْيَد أولى.
(2/425)
وَاخْتلفُوا فِي بَيِّنَة الْخَارِج هَل
هِيَ مُقَدّمَة على بَيِّنَة صَاحِبَة الْيَد فِي الْأَشْيَاء كلهَا على
الْإِطْلَاق أم فِي أَمر مَخْصُوص؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: بَيِّنَة الْخَارِج أولى من بَيِّنَة صَاحب الْيَد
فِي الْملك الْمُطلق فَأَما مَا يكون مُضَافا إِلَى سَبَب لَا يتَكَرَّر
كالنسيج فِي الثِّيَاب الَّتِي لَا تنسج إِلَّا مرّة وَاحِدَة والنساج
الَّذِي لَا يتَكَرَّر فَبَيِّنَة صَاحب الْيَد مُقَدّمَة حِينَئِذٍ على
بَيِّنَة الْخَارِج أَو أَن يَكُونَا أرخا وَصَاحب الْيَد أسبق تَارِيخا
فَإِنَّهُ لَا يكون أولى.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: أَن بَيِّنَة الْخَارِج مُقَدّمَة
على الْإِطْلَاق فِي هَذَا كُله، وَالْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: بَيِّنَة صَاحب الْيَد مُقَدّمَة على
الْإِطْلَاق.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا تَعَارَضَت بينتان إِلَّا أَن أحداهما أشهر
عَدَالَة فَهَل ترجع؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَالشَّافِعِيّ: لَا ترجع باشتهار
الْعَدَالَة.
وَقَالَ مَالك: ترجح بذلك.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ادّعى رجلَانِ دَارا فِي يَد إِنْسَان آخر وتعارضت
الْبَيِّنَتَانِ.
(2/426)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يسقطان وَيقسم
الشَّيْء بَينهمَا.
وَقَالَ مَالك: يَتَحَالَفَانِ ويقسمان وَإِن حلف أَحدهمَا وَنكل الآخر قضى
للْحَالِف دون الناكل وَإِن نكلا جَمِيعًا فروايتان عَنهُ، أَحدهمَا: يُوقف
حَتَّى يَتَّضِح، وَالْأُخْرَى: تقسم بَينهمَا.
وَقَالَ أَحْمد فِي أحد الرِّوَايَتَيْنِ: يسقطان مَعًا.
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَنهُ كمذهب أبي حنيفَة.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: تسقطان مَعًا كَمَا لَو لم تكن
بَيِّنَة، وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى: يستعملان.
وَفِي كَيْفيَّة الِاسْتِعْمَال ثَلَاثَة أَقْوَال، أَحدهمَا: الْقِسْمَة،
وَالثَّانِي: الْقرعَة، وَالثَّالِث: الْوُقُوف.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ادّعى رجلَانِ شَيْئا فِي يَد ثَالِث وَلَا
بَيِّنَة لَو أَخذ مِنْهُمَا لَا بِعَيْنِه.
فمذهب أبي حنيفَة: أَنه إِن اصطلحا على أَخذه فَهُوَ لَهما، وَإِن لم
يصطلحا وَلم يعين: أَحدهمَا: يحلف لكل وَاحِد مِنْهُمَا على التَّعْيِين
أَنه لَيْسَ لهَذَا، فَإِذا حلف لَهما، فَلَا شَيْء لَهما، فَإِن نكل عَن
الْيَمين لأَحَدهمَا أَخذه المنكول عَن الْيَمين لَهُ، وَإِن نكل لَهما
أخذا ذَلِك أَو قِيمَته مِنْهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يُوقف الْأَمر حَتَّى ينْكَشف الْمُسْتَحق أَو
يصطلحا.
وَقَالَ أَحْمد: يقرع بَينهمَا فَمن خرجت قرعته حلف واستحقه.
(2/427)
وَاخْتلفُوا فِي رجل ادّعى تَزْوِيج
امْرَأَة تزويجا صَحِيحا. فَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة: تسمع دَعْوَاهُ من
غير ذكر شُرُوط الصِّحَّة.
وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ: لَا يسمع الْحَاكِم دَعْوَاهُ حَتَّى يذكر
الشَّرَائِط الَّتِي يفْتَقر إِلَيْهَا صِحَة النِّكَاح وَهُوَ أَن يَقُول:
تَزَوَّجتهَا بولِي مرشد وشاهدي عدل ورضاها إِن كَانَت ثَيِّبًا.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا نكل الْمُدَّعِي عَلَيْهِ عَن الْيَمين.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: لَا ترد الْيَمين على الْمُدَّعِي وَيَقْضِي
على الْمُدعى عَلَيْهِ بِالنّكُولِ.
وَقَالَ مَالك: ترد الْيَمين على الْمُدَّعِي وَيقْضى على الْمُدعى
عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ فِيمَا يثبت بِشَاهِد وَيَمِين وبشاهد
وَامْرَأَتَيْنِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: ترد الْيَمين على الْمُدَّعِي وَيَقْضِي على الْمُدعى
عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ فِي جَمِيع الْأَشْيَاء.
(2/428)
وَاخْتلفُوا فِي تَغْلِيظ الْيَمين
بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان.
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: يغلظ.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يغلظ.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ادّعى نفسان عبدا كَبِيرا فَأقر أَنه لأَحَدهمَا.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يقبل إِقْرَاره إِذا كَانَ مدعياه اثْنَان فَإِن
كَانَ مدعيه وَاحِدًا، قبل إِقْرَاره لَهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يقبل إِقْرَاره فِي الْحَالين.
وَمذهب أَحْمد وَمَالك: أَنه لَا يقبل إِقْرَاره لوَاحِد مِنْهُمَا إِذا
كَانَ اثْنَيْنِ، فَإِن كَانَ الْمُدَّعِي وَاحِدًا فعلى رِوَايَتَيْنِ عَن
أَحْمد.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شهد شَاهِدَانِ على رجل أَنه أعتق عَبده فَأنْكر
العَبْد.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَتى أنكر لم تصح الشَّهَادَة على السَّيِّد.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: يحكم بِعِتْقِهِ.
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي قماش الْبَيْت؟
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: مَا يصلح للرجل فَهُوَ لَهُ وَمَا يصلح للنِّسَاء
فَهُوَ لَهَا، وَمَا يصلح لَهما فَإِنَّهُ يكون للرجل فِي الْحَيَاة؟ وَفِي
الْمَوْت للْبَاقِي مِنْهُمَا، وَفرق بَين.
(2/429)
الشَّهَادَة وَالْحكم.
وَقَالَ مَالك: مَا يصلح لوَاحِد مِنْهُمَا فَهُوَ لَهُ دون الآخر، وَمَا
يصلح لكل وَاحِد مِنْهُمَا فَهُوَ للرجل.
وَقَالَ الشَّافِعِي: يكون بَينهمَا فِي عُمُوم الْأَحْوَال.
وَقَالَ أَحْمد: كل مل اخْتصَّ صَلَاحه بِأَحَدِهِمَا كَانَ لَهُ نَحْو
السَّيْف للرجل، والخلخال للْمَرْأَة، وَمَا يكون صَلَاحه لَهما فَهُوَ
لَهما فِي حَال الْحَيَاة وَبعد الْوَفَاة وَلَا فرق بَين أَن يكون
أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ من طَرِيق الْمُشَاهدَة أَو من طَرِيق الحكم.
وَاخْتلفُوا فِيمَن كَانَ لَهُ على رجل دين فجحده إِيَّاه وَقدر لَهُ على
مَال، فَهَل لَهُ أَن يَأْخُذ مِنْهُ مِقْدَار دينة بِغَيْر إِذْنه.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ أَن يَأْخُذ ذَلِك من جنس مَاله.
وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهِي رِوَايَة ابْن وهب
وَابْن نَافِع: إِن لم يكن على غَرِيمه غير دينه استوفى بِقدر حِصَّته من
الْمَقَاصِد ورد مَا فضل.
وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى هِيَ رِوَايَة ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب
وَهِي مَذْهَب أَحْمد وَهِي: أَنه لَا يَأْخُذ بِغَيْر إِذْنه سَوَاء كَانَ
بأدائها لما عَلَيْهِ أَو مَانِعا وَسَوَاء كَانَ لَهُ على حَقه بَيِّنَة
أَو لم تكن، وَسَوَاء الدّين قيم المتسلفات كالأثمان، فَوجدَ من جِنْسهَا
أَو
(2/430)
من غير جِنْسهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَهُ أَن يَأْخُذ ذَلِك بِغَيْر إِذْنه على
الْإِطْلَاق.
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا قَالَ الشَّاهِدَانِ: مَاتَ فلَان وَهَذَا
ابْنه لَا يعلم لَهُ وَارِث غَيره فَلذَلِك إِذا قَالَا: لَا نعلم لَهُ فِي
هَذَا الْبَلَد وَارِثا غَيره أَنه يَرِثهُ. |