اختلاف
الفقهاء للمروزي بَاب الشهادات
[شهادة القاذف إذا تاب]
335- اخْتَلَفَالناس فِي شهادة القاذفِ إِذَا تاب
فقَالَ سُفْيَانُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا تجوز شهادة القاذف إِذَا جلد
عَلَى قذف أبدا تاب أَوْ لم يتب.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْمَدِيْنَةِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ وأَبُوْعُبَيْدٍ وأَصْحَابنا كلهم: إِذَا تاب القاذف فشهادته
جائزة لقول الله تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [4] إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ
ذَلِكَ [النور:4-5} .
ويروى عَن عُمَر بْن الخطاب أَنَّهُ قَالَ لأبي بكرة: إن تبت قبلت شهادتك
(1/555)
[شهادة القرابات]
336- واخْتَلَفُوْا فِي شهادات القرابات
فقَالَ سُفْيَانُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا تجوز شهادة الوالدين [103/ب]
والولد.
وكذَلِكَ الجد والجدة ويجوز شهادة سائر القرابات.
وكذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وأَحْمَد.
يروى عَن الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ يجيز شهادة الابن لأبيه ولا يجيز شهادة
الأب لابنه لِأَنَّ للأب أن يأخذ من مال ابنه ما شاء.
قَالَ إِسْحَاق وأَبُوْ ثَوْرٍ: شهادة القرابات
كلهم جائزة إِذَا كانوا عدولا إِلَّا الأب لابنه والابن لأبيه.
يروى ذَلِكَ عَن قتادة عَن أبي بكر بْن عَمْرو ابْن حزم.
ويروى عَن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيْزِ أجاز شهادة الابن لأبيه
(1/556)
[شهادة
أحدالزوجين للآخر]
337- واخْتَلَفُوْا فِي شهادة الزوجين:
فقَالَ أَصْحَاب الرَّأْيِ: لَا تجوز شهادة واحد منهما لصاحبه.
وكَانَ ابْن أَبِيْ لَيْلَى يجيز شهادة الزوج لامرأته ولا يجيز شهادتها له.
وكذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ.
وَقَالَ ابْن شُبْرُمَةَ: شهادة كُلّ واحد منهما لصاحبه جائزة.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ وإِسْحَاق وأَبُوْثَوْرٍ.
[شهادة العبيد]
338- واخْتَلَفُوْا فِي شهادة الْعَبِيْد
فقَالَ سُفْيَانُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَمَالِكٌ: لَا تجوز شهادة
الْعَبِيْد فِي شَيْء. وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ.
يروى عَن أَنَس بْن مَالك أَنَّهُ قَالَ: شهادة الْعَبِيْد جائزة ما علمت
أحد ردها.
ويروى عَن شريح ومُحَمَّد بْن سيرين
(1/557)
أنهما كانا يجيزان شهادة العبد.
وكذَلِكَ قَالَ أَحْمَد وإِسْحَاق وأَبُوْثَوْرٍ.
[شهادة النساء مع الرجال]
339- واخْتَلَفُوْا فِي شهادة النساء مَعَ الرجال فيما سِوَى الدين
وأجمعوا أَنَّهُا جائزة فِي الأموال خاصة:
فقَالَ مَالِكٌ وأَهْل الْمَدِيْنَة والْأَوْزَاعِيّ: لَا تجوز شهادتهن
مَعَ الرجال إِلَّا فِي الأموال خاصة.
وكذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُُّ وَأَحْمَدُ وأَبُوْعُبَيْدٍ وأَبُوْثَوْرٍ.
وقَالَ سُفْيَانُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: شهادتهن مَعَ الرجال
(1/558)
جائزة وكل شَيْء ما خلا الحدود والقصاص.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: شهادتهن مَعَ الرجال جائزة فِي كُلّ شَيْء من
الحدود والقصاص وغيره.
ويروى ذَلِكَ عَن عَطَاء بْن أبي رباح.
[شهادة النساء في الحدود]
340- وأجمعوا أَنَّهُ لَا تجوز شهادتهن فِي الحدود.
وأجمعوا أَنَّهُا جائزة فِي الأموال.
[العدد في الشهادة]
341- واخْتَلَفُوْا فِي العدد.
يروى عَن الشعبي وحماد بْن أبي سليمان أَنَّهُما كانا لَا يجيزان شهادة رجل
عَلَى شهادة رجل حَتَّى يكونا رجلين فَإِذَاشهد رجلان عَلَى شهادة رجل جازت
شهادتهما.
وكذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وأَصْحَاب الرَّأْيِ.
وَهُوَ قَوْل أبي عُبَيْد.
ويروى عَن شريح وقتادة أَنَّهُما كانا يجيزان شهادة الرَّجُل عَلَى شهادة
الرَّجُل.
وَهُوَ قَوْل ابْن أَبِيْ لَيْلَى وابن شُبْرُمَةَ.
(1/559)
وَقَالَ ابْنُ [104/ب] أَبِيْ لَيْلَى:
كَانَ شريح والناس إِلَى يومنا هَذَا يجيزان شهادة الرَّجُل عَلَى شهادة
الرَّجُل.
وكذَلِكَ قَوْل أَحْمَد وإِسْحَاق.
[شهادة أهل الملل عَلَى بعضهم]
342- واخْتَلَفُوْا فِي شهادة أَهْل الملل بعضهم عَلَى بعض:
فقَالَ الثَّوْرِيُّ وأَصْحَابُ الرَّأْيِ: الشرك كله ملة واحدة وشهادة
بعضهم علي بعض جائزة
وَقَالَ ابْن أَبِيْ لَيْلَى والْحَسَن بْن صَالِح وشَرِيْك: لَا تجوز
شهادة الْيَهُوْدِيّ عَلَى النَّصْرَانِيّ ولا النَّصْرَانِيّ عَلَى
الْيَهُوْدِيّ وتجوز شهادة كُلّ ملة عَلَى ملتهم.
يروى هَذَا عَن جماعة من التابعين
وَقَالَ أَبُوْ ثَوْرٍ: لَا تجوز شهادة أَهْل الْكِتَاب أصلا عَلَى ملتها
(1/560)
ملتها وغير ملتها لِأَنَّ الله تعالى
قَالَ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ [الطلاق: 2}
وَقَالَ: {فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ
[المائدة:42}
وَقَالَ: {فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة: 42} .
قَالُوْا: فلَيْسَ لنا أن نحكم بينهم إِلَّا بحكم الإسلام أَنَّهُ لَا تجوز
إِلَّا شهادة العدول من المسلمين.
قَالَ: وقد أجمعوا أن الفاسقين من المسلمين لو شهدا عَلَى رجل من أَهْل
الْكِتَاب بشهادة لم تجز شهادتهما.
قَالَ: وفساقنا خير من عدولهم فَإِذَالم تجز شهادة الفاسق منا فشهادتهم
أحرى ألا تجوز.
[إذا اخْتَلَفَالشاهدان في الشهادة]
343- واخْتَلَفُوْا [105/أ] فِي الرَّجُل يدعي عَلَى الرَّجُل ألفي درهم
فيشهد له شاهدان أحدهما بألف والآخر بألفين.
فروي عَن شريح أَنَّهُ أجاز شهادتهما عَلَى ألف.
وكذَلِكَ ابْن أَبِيْ لَيْلَى.
وَقَالَ أَبُوْ حَنِيْفَةَ: لاتجوز شهادتهما لأنهما قد اختلفا قَالَ: ولو
شهد أحدهما بألف والآخر بألف وخمس ومائة كَانَ الألف جائزة
قَالَ: لأن الشاهدين قد سميا الألف.
وَقَالَ
(1/561)
الآخر خمس مائة فصارت هَذِهِ مفصولة.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: إِذَا ادعى الرَّجُل عَلَى الرَّجُل ألفي درهم
وجاء بشاهدين فشهد احدهما بالألف والآخر بألفين سألهما فإن زعما أَنَّهُما
شهدا عَلَيْهِ بإقراره وزعم الذي شهد بالألف أَنَّهُ شكل فِي الألفين فأثبت
ألفا فقد ثبت عَلَيْهِ ألف بشاهدين أَنَّهُ أراد أحدهما بلا يمين وإن أراد
الألف الأُخْرَى التي له عليها بشاهد واحد أحدهما يمني مَعَ شاهد فإن كانا
اختلفا
فقَالَ الذي شهد بألفين: شهدت بما عَلَيْهِ من ثمن عبد قبضه وَقَالَ الذي
شهد بالألف: شهدت بِهَا عَن ثمن ثياب فقد ثبت أن أصل الحقين مختلف فلا يأخذ
إِلَّا بيمين مَعَ كُلّ واحد منهما.
قَالَ الشَّافِعِيُُّ: [105/ب] وسواء ألفين وألف وخمسمائة.
وكَانَ الشعبي يَقُوْل: السمع شهادة فمن كتم سمعا كتم شهادة.
وكذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ وابْن أَبِيْ لَيْلَى.
ويروى عَن عَطَاء وشريح.
وَقَالَ ابْن سِيْرِيْنَ فِي الرَّجُل يقَالَ له تعال فانظر بيننا ولا
(1/562)
تشهد قَالَ: لا يتحمل لهم ذَلِكَ فإن احتيج
عَلَيْهِ فليشهد.
وَهُوَ قَوْل سُفْيَان الثوري.
[شهادة أهل الأهواء]
344- واخْتَلَفُوْا فِي شهادة أَهْل الأهواء:
فقَالَ سُفْيَانُ: شهادات أَهْل الأهواء جائزة إِذَا كانوا عدولا وفيما
سِوَى ذَلِكَ لَا يستحلون الشهادة فِي أهوائهم.
وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، والشَّافِعِيّ قَالَ: إلا الخطابية فإن
شهادتهم لَا تجوز هم صنف من الرافضة يشهد بعضهم لبعض بما ادعى.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تجوز شهادة أَهْل الأهواء.
وكذَلِكَ قَالَ
(1/563)
شَرِيْك.
وَهُوَ قَوْل أبي عُبَيْد وأبي ثور.
[شهادة النساء فيما لَا يطلع عَلَيْهِ الرجال]
345- واخْتَلَفُوْا فِي شهادات النساء فيما لَا يطلع عَلَيْهِ الرجال.
فقَالَ سُفْيَانُ وعامة أَصْحَاب الرَّأْيِ: تجوز شهادة امرأة واحدة.
وكذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ.
يروى عَن علي أَنَّهُ أجاز شهادة القابلة وحدها.
قَالَ مَالِكٌ وابْن أَبِيْ لَيْلَى وابن شُبْرُمَةَ: تجوز شهادة امرأتين.
وكذَلِكَ قَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ وإِسْحَاق، قياسا عَلَى الرَّجُلين [106/أ]
أَنَّهُ لَا يجوز رجل واحد ولا تكون الْمَرْأَة أكثر من الرَّجُل.
ويروى عَن عَطَاء والشعبي أَنَّهُما قَالَا: لَا يجوز أكثر من أربع نسوة.
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وأَبِيْ ثَوْرٍ.
(1/564)
قَالُوْا: بدل كُلّ رجل امرأتين تقوم مقام
شهادة رجل فلما سقط شهادة الرَّجُل أقمنا مقام كُلّ رجل امرأتين.
بَاب الرهن
[إذا هلك الرهن عند المرتهن]
346- واخْتَلَفُوْا فِي الرهن إِذَا هلك عِنْدَ المرتهن مِنْ غَيْرِ أن
يكون [هو] المستهلك:
فقَالَ سُفْيَانُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: إن كَانَ الرهن مثل الدين أَوْ
أكثر منه فَهُوَ بما فيه وإن كَانَ أقل من الدين ذهب الدين بقدره ورجع
المرتهن عَلَى الراهن بما فضل عَن قيمة الرهن.
وَقَالَ شريح والشعبي وغير واحد من الكوفيين: يذهب الرهن بما فيه من الدين
كانت قيمته مثل الدين أَوْ أكثر منه أَوْ أقل ولا يرجع أحد منهما عَلَى
صاحبه شَيْء فيما بينهما.
وَقَالَ ابْن أَبِيْ لَيْلَى وعُبَيْد الله بْن الْحَسَن: يترادان
(1/565)
الْفَضْل بينهما إن كَانَ قيمة الرهن عَلَى
المرتهن بما فضل عَن الدين من قيمة الرهن وإن كانت قيمة الرهن أقل من الدين
ذهب بقدر قيمة الرهن ورجع المرتهن عَلَى الراهن [106/ب] بالْفَضْل وإن كانت
قيمة الرهن مثل الدين ذهب بما فيه.
وكذَلِكَ قال
إِسْحَاق وأَبُوْعُبَيْدٍ.
يروى هَذَا الْقَوْل عَنِ ابْنِ عُمَر وعن علي بْن أبي طالب رضي الله عنهم.
وَقَالَ مَالِكٌ والْأَوْزَاعِيُّ: إِذَا كَانَ الرهن مما يخفى هلاكه نحو
الذهب والفضة والحلي والمتاع يزاد الْفَضْل بينهما مثل قَوْل ابْن أَبِيْ
لَيْلَى.
وإن كَانَ الرهن بما يظهر هلاكه نحو الدور والأرضين والحيوان فهلك فَهُوَ
من مال الراهن ودين المرتهن ثابت عَلَى حاله.
وروى الْأَوْزَاعِيّ هَذَا الْقَوْل عَن يحيى بْن أبي كثير عَن علي بْن أبي
طالب.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى من أَهْل الْمَدِيْنَة وأَهْل مكة-منهم
الزُّهْرِيّ وغيره-: إِذَا ذهب المرهن مِنْ غَيْرِ جناية للمرتهن فَهُوَ من
مال الراهن ودين المرتهن ثابت عَلَى حاله وسواء ما ظهر هلاكه وما خفي.
وهَذَا قَوْل الشَّافِعِيّ وأَحْمَد بْن حَنْبَلٍ وأبي ثَوْرٍ وعامة
(1/566)
أَصْحَابنا.
واحتجوا بحَدِيْث الزُّهْرِيّ عَن سعيد بْن المسيب أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الرهن لمن رهن له غنمه وعَلَيْهِ غرمه.
قالوا: فغنم الرهن نماؤه، وغرمه: نقصانه وذهابه.
وأما حَدِيْث ابْن عُمَر الذي احتج بِهِ أولئك فإنما رواه إدريس الأودي عَن
إِبْرَاهِيْم بْن عمير عَنِ ابْنِ عمر.
وإِبْرَاهِيْم شيخ مجهول.
وأما حَدِيْث علي فَإِنَّهُ قد اختلفت الرواية عنه فِي هَذَا البَاب فروي
عن علي بْن صَالِح عَن عبد الأعلى عَن مُحَمَّد بْن الحنفية عَن علي مثل
قَوْل سُفْيَان وأَصْحَاب الرَّأْيِ.
وروى سعيد بْن أبي عروبة عَن قتادة عَن خلاس عَن علي أَنَّهُ قَالَ:
يترادان الْفَضْل.
ولَيْسَ يثبت عَن علي قَوْل صحيح.
(1/567)
[إذا كان الرهن
عبدا فأعتقه الراهن]
347- وأجمعوا أَنَّهُ إِذَا رهن رهنا وقبضه المرتهن فلَيْسَ للراهن
عَلَيْهِ سبيل والمرتهن أحق بِهِ فإن كَانَ الرهن عبدا فأعتقه الراهن فإنهم
اخْتَلَفُوْا فِي عتقه.
فقالت طائفة: عتقه باطل لأنه لي له أن يتلف الرهن ولا يخرجه من الرهن وعتقه
إياه إبطال للرهن وإخراجه له من الرهن.
وممن قَالَ ذَلِكَ: عَطَاء بْن أبي رباح وعَمْرو بْن دينار.
وَهُوَ قَوْل أبي ثَوْرٍ وجماعة من أصجابنا.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْن صَالِح: عتقه جائز ولا يرجع المرتهن عَلَى الراهن
كأنه يعني بقيمة الرهن.
وكذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ: عتقه جائز ويؤخذ الراهن للمرتهن بمثل
قيمة العبد فيكون رهنا مكانه.
(1/568)
قال: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: [107/ب]
العتق موقوف فإن أفتك الرهن يوما ما جاز عتقه وإن لم يفتك وأفلس أَوْ مَاتَ
بيع العبد فِي ديته وأبطل العتق.
[انتفاع المرتهن بالرهن]
348- وأجمعوا فِي الرهن أَنَّهُ لَيْسَ للمرتهن أن ينتفع فيما سِوَى
الحيوان.
[انتفاع المرتهن بالحيوان]
349- واخْتَلَفُوْا فِي الحيوان:
فقالت طَائِفَة من أَصْحَابنا: إِذَا كَانَ الرهن حيوانا شاة أَوْ بقرة
أَوْغَيْر ذَلِكَ فله أن يحلب الشاة والبقرة ويركب الحمار بما يعلقه.
واحتجوا بحَدِيْث أبي هريرة عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: الرهن يركب ويحلب بقدر نفقته وَعَلَى الذي يحلب ويركب نفقته".
وَهُوَ قَوْل أَحْمَد وإِسْحَاق.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: لَيْسَ له أن ينتفع بالحيوان ولا بغيره.
وَهُوَ قَوْل سُفْيَان وأَصْحَاب الرَّأْيِ.
(1/569)
وكذَلِكَ قَوْل مَالك والشَّافِعِيّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: قَوْل أبي هريرة "الرهن مركوب محلوب": معناه
عِنْدِيْ أن الرهن الذي يركبه ويحلبه ويعلفه لأنه ملكه إِلَّا المرتهن.
واحتج هو وغيره بحَدِيْث ابْن عُمَر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يحلبن أحد ماشية أحد إِلَّا بإذنه.
[إذا ضاع الرهن]
350- قَالَ سُفْيَانُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِذَا رهنت رهنا فدفعت
عَلَيْهِ الذي له ولم يقبض الرهن حَتَّى ضاع رد عَلَيْك الذي أخذ منك
وَقَالَ الشَّافِعِيُُّ: وكذَلِكَ إِذَا أديت عَلَيْهِ بعضه رد عَلَيْك
الذي أخذ منك.
قَالَ الشَّافِعِيُُّ وَأَحْمَدُ: لَيْسَ عَلَيْهِ أن يرد مما
(1/570)
أخذ شيئا ويذهب الرهن من مال الراهن إِلَّا
أن يكون المرتهن جنى عَلَيْهِ أَوْ تعدى فيه فيكون ضامنا قيمته إن كَانَ
أقل من الدين أَوْ أكثر.
بَاب الصدقة والعمرى والسكنى
[تفضيل بعض الولد في العطية]
351-اخْتَلَفَأَهْل العلم فِي الرَّجُل أن يفضل بعض ولده عَلَى بعض فِي
النحل والعطية:
فكره ذَلِكَ سُفْيَان وابن الْمُبَارَك وجماعة من أَهْل العلم منهم أَحْمَد
وإِسْحَاق.
واحتجوا بحَدِيْث النعمان بْن بشير.
ورخص فيه آخرون.
وممن رخص فِي ذَلِكَ: أَصْحَاب الرَّأْيِ
(1/571)
وكَانَ الشَّافِعِيّ يَقُوْل: أختار له أن
يسوي بينهم ولا يفضل بعضهم عَلَى بعض فإن فعل أجزت ذَلِكَ.
واحتج بأنهم قد أجمعوا أن له أن يهب بعض
ماله لأجنبي ولا يعطي ولده شيئا فَإِذَااختار أن يعطي أجنبيا ويحرم ولده
كلهم كَانَ له أن [108/ب] يعطي بعضهم ويحرم بعضهم.
واحتج بحَدِيْث أبي بكر فِي نحله عَائِشَة دون سائر ولده.
ويحكى عَنِ ابْنِ الْمُبَارَك فِي حَدِيْث عَائِشَة: لَا بَأْسَ بأن يفضل
بعض ولده فِي العطية عِنْدَ نائبة تنوبه، وكلك إِذَا نابت الولد الآخر مثل
تلك النائبة أن يعطيه مثل ذَلِكَ ولا يعطيه وَهُوَ يريد بعطيته التفضيل له
عَلَى غيره. قَالَ: وَعَلَى هَذَا الوجه حَدِيْث أبي بكر فِي نحله
عَائِشَة.
وكَانَ إِسْحَاق يذهب إِلَى هَذَا.
[كيفية التسوية في العطية]
352- واخْتَلَفَالذين لم يرو التفضيل بعضهم عَلَى بعض فِي العطية فِي
الرَّجُل يكون له أولاد ذكور وإناث فأراد أن يعطي كُلّ واحد منهم عطية أيجب
عَلَيْهِ أن يسوي بينهم
(1/572)
فيعطي الذكر مثل ما يعطي الأنثى أم يعطي
الذكر مثل حظ الأنثيين؟
فقالت طَائِفَة منهم: أن يسوي بين الذكر والأنثى.
وممن قَالَ ذَلِكَ: سُفْيَان وابن الْمُبَارَك. قَالَ ابْن الْمُبَارَك:
ألا ترى الْحَدِيْث الذي يروى عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فقال: سووا بين أولادكم فلو كنت مؤثرا أحدا عَلَى أحد لآثرت
الرجال عَلَى النساء.
وَقَالَ طَائِفَة أُخْرَى: بَلْ عَلَيْهِ أن يعطي [109/أ] الذكر مثلي ما
يعطي الأنثى لِأَنَّ الله جل ذكره كذَلِكَ قسم الميراث بينهم قَالُوْا:
فَإِذَاقسم هو ماله بينهم فِي حياته فعَلَيْهِ أن يقسمه كما قسمه الله
بَعْد الموت قياسا عَلَى ذَلِكَ.
يروى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ جريج عَن عَطَاء.
وكَانَ إِسْحَاق يذهب إِلَيْهِ.
(1/573)
[شرط القبض في
الهبة]
353- واخْتَلَفُوْا فِي الهبة هل تجوزغَيْر مقبوضة أم لا:
فقَالَ سُفْيَانُ والْكُوْفِيُّوْنَ ومَالك وأَهْل الْمَدِيْنَة
والشَّافِعِيّ وإِسْحَاقُ: لَا تجوز الهبة الا مقبوضة واحتجوا بعمر بْن
الخطاب أَنَّهُ قَالَ: ما بال أقوام ينحلون أولادهم نحلا ثُمَّ يسلمون له
فإن مَاتَ أحدهم قَالَ: مالي وفي يدي لَا نحل الا نحل يجوزه الولد دون
الولد.
وإن ذَلِكَ شكي إِلَى عثمان بْن عفان فرأى عثمان أن الولد إِذَا كَانَ
صغيرا فإن الوالد يقبض له.
فقَالُوْا: قد اتفق أَبُوْ بكر وعمر وعثمان عَلَى أن الهبة لَا تجوز إِلَّا
مقبوضة.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: الهبة جائزة وإن لم يقبض إِذَا كانت
(1/574)
معلومة وممن قَالَ ذَلِكَ: أَحْمَد بْن
حَنْبَلٍ وأَبُوْ ثَوْرٍ. وجعلوا ذَلِكَ قياسا عَلَى البيع، وَقَالُوْا:
كما يصح البيع بالكلام دون [109/ب] القبض فكذَلِكَ الهبة تصح بالكلام دون
القبض.
ويروى نحو هَذَاالْقَوْل عَن علي بإسنادغَيْر قوي.
وتأولوا قول
أبي بكر فِي قصة عَائِشَة عَلَى أن تلك الهبة إنما ردها أَبُوْ بكر لأنها
لم تكن معلومة لَا لأنها لم تقبض لقوله: إني نحلتك جذاذ عشرين وسقا فلو
جزيته واجتزتيه" ولو أن رجلا باع جذاذ عشرين وسقا من نحل له قبل أن يجده لم
يجز البيع فيه لِأَنَّ ذَلِكَ مجهول.
وكذَلِكَ الهبة والصدقة هي جائزة وإن لم تقبض فِي قَوْل من أجاز الهبةغَيْر
مقبوضة.
[شرط القبض في الصدقة]
354- واخْتَلَفَالذين رأوا أن الهبة لَا تجوز إِلَّا مقبوضة فِي الصدقة:
فسِوَى أكثرهم بين الصدقة والهبة.
وفرقت طَائِفَة أُخْرَى بينهما فقالت فِي الهبة: لَا تجوز إِلَّا مقبوضة
والصدقة جائزة وإن لم تقبض لِأَنَّ الصدقة يراد بِهَا وجه الله.
وكَانَ إِسْحَاق يذهب إِلَى هَذَا.
ويروى ذَلِكَ
(1/575)
عن إِبْرَاهِيْم النخعي.
وكَانَ الشَّافِعِيّ يَقُوْل بِهِ ثُمَّ رجع عنه.
[شرط القسم في الهبة]
355- واخْتَلَفَالذين رأوا الهبة لَا تجوز إِلَّا مقبوضة فيها هل تجوزغَيْر
مقسومة أم لا؟ [110/أ]
فقَالَ أَصْحَاب الرَّأْيِ: لَا تجوز الهبة إِلَّا مقبوضة مقسومة مفروزة.
قَالَ مَالِكٌ وأَهْل الْمَدِيْنَة والشَّافِعِيّ وإِسْحَاق: الهبة جائزة
وإن لم تقسم إِذَا كانت معلومة وقبض الهبة إن كانت مشاعاغَيْر مقسومة كقبض
المشتري إِذَا كَانَ مشاعاغَيْر مقسوم
وَقَالَ: قد أجاز معنا أَصْحَاب الرَّأْيِ عَلَى أن قبض المشاع فِي البيع
00000 جائز قَالُوْا فكذَلِكَ الهبة قياسا عَلَى البيع وكذَلِكَ إجازة
المشاع والرهن المشاع جائز فِي قَوْل هؤلاء ويقبض ذَلِكَ كما يقبض فِي
البيع
(1/576)
[الإجارة
والرهن في المشاع]
356- وفي قَوْل أَصْحَاب الرَّأْيِ: لَا تجوز الإجازة ولا الرهن فِي
المشاع.
[الرجوع في الهبة]
357- واخْتَلَفُوْا فِي الرجوع فِي الهبة إِذَا كانت لغير ذي رحم محرم.
وأجمعوا عَلَى أَنَّهُا إِذَا كانت لذي رحم محرم فلا رجوع فيها.
358- قَالَ سُفْيَانُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: كُلّ من وهب عبدا لغير ذي رحم
محرم فله أن يرجع فيها ما لم يثب منها.
وكذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ إِلَّا الزوج والْمَرْأَة فإنهما فِي قَوْل
أَصْحَاب الرَّأْيِ بمنزلة ذي الرحم ولَيْسَ لواحد أن يرجع فيما أعطى
صاحبه.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: لَا رجوع فِي الهبة كانت لذي رحم محرم أَوْ
لغير ذي رحم إِلَّا الوالد فيما يعطي ولده فإن له أن
(1/577)
يرجع فيه.
يروى هَذَا الْقَوْل عَن الْحَسَن وقتادة.
وَهُوَ قَوْل أَحْمَد وأبي ثَوْرٍ.
واحتجا بحَدِيْث ابْن عَبَّاس وابن عُمَر عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لا يحل لأحد أن يعطي عطية ثُمَّ يرجع
فيها إِلَّا الولد فيما يعطي ولده. واحتجوا بحَدِيْث النَّبِيّ صلىالله
عَلَيْهِ وسلم: العائد فِي هبته كالعائد فِي قيئه.
قَالَ قتادة فِي عقب هَذَا الْحَدِيْث: ولا أعلم القيىء إِلَّا حراما.
وأجمعوا أن الصدقة لَا رجوع فيها إن كانت لذي رحم محرم.
واحتج الذين رأوا الرجوع فِي الهبة إِذَا كانت لغير ذي رحم محرم بحَدِيْث
عُمَر بْن الخطاب أَنَّهُ قَالَ: من وهب هبة لغير ذي رحم محرم فَهُوَ أحق
بهبته ما لم يثب منها.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: والزوج والْمَرْأَة عندنا بمنزلة ذي الرحم
المحرم ولَيْسَ فِي حَدِيْث عُمَر استثناء للزوج والْمَرْأَة وَقَالَ: عم
عُمَر بقوله فاستثناء أَصْحَاب الرَّأْيِ الزوج والْمَرْأَة خلافا لحَدِيْث
عمر
(1/578)
وكَانَ إِسْحَاق يَقُوْل: للمرأة أن ترجع
فيما تعطي زوجها ولَيْسَ للزوج أن يرجع فيما أعطى امرأته.
يذهب إِلَى ما يروى عَن عُمَر أَنَّهُ قَالَ: إن النساء يعطين رغبة ورهبة.
ويروى عَن شريح وغيره من التابعين مثل قوله.
وَقَالَ هؤلاء فِي قوله: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ [النساء:4} : إِلَى الممات.
[إذا زادت الهبة عند الموهوب له]
359- واخْتَلَفَ الذين رأوا الرجوع فِي الهبة إِذَا زادت عِنْدَ
الموْهُوْبِ أَوْ نقصت:
فقَالَ سُفْيَانُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِذَا زادت الهبة أَوْ نقصت أَوْ
هلكت فلا رجوع فيها
(1/579)
وَقَالَ- يعني- مَالك: إن شاء الله إِذَا
زادت أَوْ نقصت فِي يد الموْهُوْب لم يرجع فيها الواهب وَعَلَى الموْهُوْب
له قيمتها يوم قبضها.
وكَانَ إِسْحَاق يميل إِلَى هَذَا.
بَاب السير
[متاع المسلم يحرزه العدو ثم يصيبه المسلم]
360- واخْتَلَفُوْا فِي المتاع من متاع المسلمين يحرره العدو ثُمَّ يصيبه
المسلمون بَعْد فِي غنيمة فيجيء صاحبه فيجده قبل أن تقسم أَوْ مابَعْد ما
قسم
فقَالَ سُفْيَانُ [111/ب] والْأَوْزَاعِيّ وأَصْحَاب الرَّأْيِ: إن وجده
فِي يد رجل قد ابتاعه من العدو أَوْ من المقسم وأقام الذي فِي يده البينة
أَنَّهُ ابتاعه أخذه صاحبه بالثمن وإن كَانَ وقع له فِي قسمة أخذه بالقيمة
وإن وجده قبل أن تقسم أخذه بلا شَيْء
(1/580)
فقَالَ سُفْيَانُ والْأَوْزَاعِيّ
وأَصْحَاب الرَّأْيِ: إن وجده فِي يد رجل قد ابتاعه من العدو أَوْ من
المقسم وأقام الذي فِي يده البينة أَنَّهُ ابتاعه أخذه صاحبه بالثمن. وإن
كَانَ وقع له فِي قسمة أخذه بالقيمة وإن وجده قبل أن تقسم أخذه بلا شَيْء.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: قد حرم الله دمَاء المسلمين وأموالهم عَلَى
المشركين وغيرهم فكل ما أخذ المشركون من أموالهم فغير جائز أخذه ولا ينتقل
ملك المسلم عَن ماله بأخذهم إياه ولا يملكوه عَلَيْهِ فمَتَى ما غنم
المسلمون شيئا من أموال المسلمين الذي أحرزه العدو فملك المسلم ثابت مَتَى
ما وجدوه فِي يد مسلم أخذ قبل القسم وبعده بلا ثمن ولا قيمة.
واحتجوا بحَدِيْث عمران بْن حصين فِي قصة العضباء وكَانَ قد أحرزها العدو
فنجت عليها الْمَرْأَة ونذرت بأن الله أنجاها عليها لتنحرنها فلما قدمت أتت
النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته بنذرها فقَالَ
النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بئس ما جزيتيها لَا وفاء لنذر
فِي معصية الله ولا فيما لَا يملك ابْن آدم وقبض ناقته صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم
يكن زال عَن ناقته بإحراز العدو إياها ولم ير للمرأة ولا للعدو ملكا عليها
وَقَالَ: لَا يخلو المتاع إِذَا أحرزه العدو من أن يكون ملك صاحبه قد زال
عنه وملكه العدو فإن كَانَ كذَلِكَ فإن المسلمين إِذَا غنموه فإنما غنموا
مالا من أموال العدو فَهُوَ لهم فإن أدركه صاحبه قبل القسم أَوْ بعده لم
يكن فيه شَيْء وكَانَ هو وسائر الناس فيه سواء لأنه قد خرج عن
(1/581)
ملكه وإن لم يكن زال ملكه عنه بإحراز العدو
إياها فإن المسلمين إِذَا غنموا مال المسلمين فلا يحل قسمه إن علموا
أَنَّهُ لمسلم وإن علموا فقسموا ثُمَّ أدركه صاحبه فعليهم أن يردوه لأنه
ماله وقسمهم إياه باطل.
وهَذَا قَوْل أبي ثَوْرٍ وطَائِفَة من أَصْحَابنا وَهُوَ القياس.
(تم الْكِتَاب وربنا محمود، وله الْفَضْل والعلا والجود، والحمد لله كثيرا
عَلَى كُلّ حال وصلى الله عَلَى مُحَمَّد وآله وسلم تسليما كثيرا ولا حول
ولا قوة إِلَّا بالله العلي العظيم) .
(1/582)
|