اختلاف الفقهاء لابن جرير

كتاب الضمان والكفالة والحوالة
مدخل
...
خرم الضمان والكفالة والحوالة
1قضائه اياه ذلك وذلك انه كان يقول الكفالة والضمان والحوالة معنى واحد وفي ضمان الضامن للمضمون له ما على غريمه وقبوله الضمان منه عنده براءة المضمون عنه من المال ووجوبه2 له على الضامن فللضامن من أجل ذلك المطالبة بالمال الذي كان3 عليه للمضمون له مثل الذي كان من ذلك للمضمون له على قوله.
فإن اتبع المضمون له بما كان له على غريمه الضامن فلم يقضه الضامن ما ضمن له عن صاحبه حتى قضى المكفول عنه الكفيل ما تكفل عليه لغريمه فذلك حق للكفيل كان4 له قبل المكفول عليه يفعل به ما بدا له بمنزلة دين كان له قبل غريم له فقضاه إياه وذلك أن اتباع الغريم الكفيل براءة للمكفول عليه مما كان له قبله وتحول منه بحقه الذي كان له عليه على الكفيل وإن قضى ذلك المضمون عليه الضامن بعد اتباع الغريم بدينه الذي عليه الأصل وهو المضمون عنه كان للمضمون عنه حينئذ عندنا الرجوع على الضامن بما أعطاه من ذلك لأنه أعطاه مالا يحسب أنه لازم له إعطاؤه وهو له غير لازم فالواجب5 عليه رده عليه وغير جائز له إنفاقه ولا التصرف به وذلك أن الضامن قد بريء من الضمان باتباع المضمون له المضمون عنه فلا شيء للضامن قبل المضمون عنه عندنا.
وأما على قول مالك فإن كان المضمون عنه أعطى الضامن ما أعطاه من
ـــــــ
1 ضاع ما كان قبل هذا من الكتاب فكتب في أعلي هذه الصفحة: فيه متفرقات الضمان: ولعل القائل هنا أبو ثور: قال ابن المنذر في الأشراف: وكانأبو ثور يقول: الكفالة والحوالة سواء.
2 أي علي المضمون له.
3 أي علي المضمون عنه.
4 ن: كان قبل.
5 أي علي الضامن.

(1/186)


ذلك ليؤديه إلى المضمون له فليس للضامن إنفاقه ولا التصرف به وذلك أن الضامن في هذه الحال على قوله فيما أعطى على سبيل ما وصفت وكيل المضمون عنه في إيصال ما دفع إليه ليوصله إلى غريمه فليس له في ذلك إلا ما لوكيل الرجل في ماله وإن كان أعطاه ما أعطاه على أنه قضاء منه له ما لزمه له بسبب ضمانه عنه ما ضمن لغريمه فإن الواجب على قوله أن لا يتصرف به وأن يرده على المضمون عنه لأنه لا سبيل للمضمون1 له على الضامن في قوله ما كان المضمون عنه مليا2 في القول الذي رجع إليه آخرا وإذا كان ذلك كذلك لم يكن للضامن في الحال التي لا سبيل للمضمون له اخذ ما للمضمون عنه على وجه الإقتضاء مما لزمه بضمانه لغرمائه ما ضمن له.
وأما على قياس قول الأوزاعي والثوري والشافعي فإنه ليس للضامن التصرف به ولا إنفاقه والواجب عليه إما رده على المضمون عنه وإما قضى غريمه ذلك عنه ليبرأ به من حقه قبله لأن قياس قولهم إنه ليس للضامن قبل المضمون عنه مال بضمانه عنه ما لم يقض غريمه الدين الذي ضمن له عنه3.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن قضى المكفول عنه الكفيل المال الذي كفل عنه قبل أن يقضي المكفول له ما كفل له على صاحبه فجائز.
قالوا وللكفيل أن يتصرف به أو يكون له فضله من قبل أنه له
ـــــــ
1 ن: عليه.
2 قال الطحاوي في كتاب الكفالة والحوالة من كتاب اختلاف الفقهاء في باب في الكفالة بالمال: وقال مالك: إذا كان المطلوب مليا بالحق لم يأخذ الكفيل الذي كفل به عنه، ولكنه يأخذ حقه من المطلوب فإن نقص شئ من حقه أخذه من مال الحميل إلا أن يكون الذي عليه الدين فيخاف صاحب الحق إن يحاصه الغرماء أو كان غائبا فله أن يأخذ الحميل وبدعة. قال ابن القاسم: وقد كان مالك يقول له أن يأخذ أيهما شاء ثم رجع إلي هذا القول: قال المصحح لعل صوابه: أن يموت الذي عليه.
3 أم: الكفالة والحمالة والشركة: قال الشافعي: وإذا كان للرجل علي الرجال المال فكفل له به رجل آخر فلرب المال أن يأخذهما وكل واحد منهما لا يبرأ كل واحد منهما حتي يستوفي ماله إذا كانت الكفالة مطلقة وإذا كانت الكقالة بشرط كان للغريم أن يأخذ الكفيل علي ما شرط دونما لم يشرط.

(1/187)


ولو هلك منه كان ضامنا له من قبل أنه أخذه على وجه الأقتضاء.
قالوا ولو اقتضاه الطالب من الذي عليه الأصل وغاب الكفيل ثم تقدم فإن للذي عليه الأصل أن يرجع بذلك على الكفيل من قبل انه أداها إلى الكفيل الأول مرة وأداها إلى الذي له الأصل.
قالوا ولو أن الذي عليه الأصل لم1 يؤدها إلى أحد ولكنه دفعها إلى الكفيل فقال أنت رسولي بها إلى فلان الطالب فهلكت من الكفيل كان الكفيل مؤتمنا في ذلك ويرجع به على الذي عليه الأصل.
قالوا ولو لم يهلك من الكفيل ولكنه عمل به فربح كان له الربح وإن وضع كانت عليه الوضيعة ويتصدق بالربح من قبل أن المال هو غاصب له قالوا ولو كان الدين طعاما فأرسل به الذي عليه الأصل مع الكفيل إلى الطالب فباعه الكفيل ثم اشترى طعاما مثله بدون ذلك فقضاه الذي2 عليه الأصل فإن الربح له في قول أبي حنيفة.
وقال أبو حنيفة يتصدق به أحب إلي.
قال ولو كان أعطاه الطعام اقتضاه مما كفل به فباعه فربح فيه فإن الربح له ولو تصدق به كان أحب إلي وقال أبو يوسف ومحمد لا يتصدق به.
وأما على قول أبي ثور فإن المضمون عنه إذا أعطى الضامن المال الذي ضمنه عنه لغريمه فقد ملكه لأنه دين له عليه اقتضاه منه فله انفاقه والتصرف به وسواء كان قبضه ذلك من المضمون عنه قبل أدائه إلى المضمون له ما ضمن له عنه أو بعد أدائه ذلك إليه لأنه بضمانه ما ضمن عنه قد صار المضمون عنه غريما
ـــــــ
1 ن: يردها.
2 لعل صوابه: الذي له الأصل.

(1/188)


له وبرئ المضمون عنه مما كان للمضمون له قبله في قوله.
1قال وكفالة الرجل على كل من كفل عليه بمال المكفول له به ممن له على المكفول ذلك عليه جائز كائنا من كان ذلك المكفول عليه من ذكر أو أنثى قريب أو بعيد ولد أو والد صغير أو كبير بعد أن يكون المتكفل بذلك ممن يجوز فأما إن كان غير جائز حكمه في ماله فكفالته بما تكفل به من ذلك باطلة وهذا الذي قلناه قياس قول مالك والأوزاعي والثوري وهو نص قول أبي حنيفة وأصحابه وقياس قول الشافعي وأبي ثور.
ولو أن رجلا له على رجل ألف درهم إلى اجل فكفل بها رجل ولم يسم في الكفالة الأجل وتصادق الكفيل المكفول له على الأجل غير أن المكفول له طالب الكفيل إذ لم تكن وقعت عليه له شهادة بضمانه إلى الأجل الذي يحل بمجيئه المال على المكفول عليه فإنه لا يجب للمكفول له على الكفيل مطالبة قبل محل الأجل الذي إليه المال على صاحب الأصل لأن المال المضمون عن المضمون عنه إلى أجل فلا يصير حالا على الذي2 هو عليه إلا بإبطاله الأجل وإنما يقوم الضامن إذا اتبعه المضمون له مقام المضمون عنه ولا يصير المال عليه حالا بضمانه إياه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لو كان لرجل على رجل ألف درهم إلى أجل فكفل بها رجل ولم يسم في الكفل إلى أجل فان كفل فإن الكفيل لها ضامن إلى ذلك الأجل وإن لم يسم شيئا.
فإن مات الكفيل قبل محل الأجل فأراد المكفول له أخذ حقه من مال الكفيل ولم يكن اختار قبل ذلك مطالبة الذي عليه الأصل ولا اتبعه به بعد ضمان الضامن له به إلى أن أراد أخذه من مال الضامن بموته قبل مجيء الأجل
ـــــــ
1 أي الطبري.
2 ن: الذي عليه.

(1/189)


الذي إليه المال على الذي عليه الأصل فإن ذلك1 للمضمون له لأن الذي على الميت إلى أجل يحل بموته وإن كان اتبع بذلك المضمون عنه قبل قيامه بالمطالبة به في مال الضامن بعد موته لم يكن له ذلك وكان حقه على المضمون عنه والضامن منه بريء لما قد وصفنا قبل وإذا كان الضامن منه بريئا لم يكن للمضمون له بسبب ما كان منه بريئا على ماله سبيل.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن مات الكفيل قبل الأجل فهي عليه حالة تؤخذ من ماله قال فإن أخذ المكفول له ذلك2 بقيامه في مال الكفيل من مال الكفيل قبل اتباعه الذي عليه الأصل لم يكن لورثة الكفيل بسبب ما اخذ المكفول له من ماله مطالبة المكفول عنه قبل انقضاء الأجل الذي بمجيئه يحل المال عليه من أجل أنه لم يكن للمكفول له اتباع الكفيل به قبل انقضاء ذلك الأجل لو كان حيا وإنما كان له أخذه من ماله بموته لما ذكرنا من العلة وهي أن ما كان عليه من دين إلى أجل صار حالا بموته فليس لورثته من اتباع المكفول عنه الأصل الذي كان له في حياته وكذلك لو كان3 الميت هو الذي عليه الأصل قبل الأجل فأخذ حقه من ماله بحلول ما عليه من ديون غرمائه إلى أجل واختياره القيام بأخذه من ماله دون اختياره اتباع الكفيل به كان ذلك له إلا أن يكون قد كان اتبع الكفيل به قبل موت المكفول عنه أو قبل قيامه بذلك في مال الذي كان عليه الأصل فلا يكون له حيئذ على ماله سبيل وإنما يكون له اتباع الكفيل حينئذ ويصير الكفيل باتباع المكفول له إياه بدينه غريما من غرماء المكفول عنه يضرب في ماله بما اتبعه به المكفول له مع سائر غرمائه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن أخذ المكفول له حقه من مال الكفيل بموته لم
ـــــــ
1 ن: المضمون.
2 أي قيامه بأخذه.
3 كذا في النسخة ولعل صوابه: الميت قبل الأجل هو الذي عليه الأصل.

(1/190)


يرجع ورثته على الذي عليه الأصل حتى يحل الأجل قالوا و لو مات الذي عليه الأصل قبل الأجل حلت عليه ولم تحل على الكفيل إلا إلى الأجل.
1وقال ولو أن رجلا له على رجل ألف درهم حال من ثمن بيع فكفل به له رجل إلى سنة فالكفالة جائزة في قول الجميع ولا سبيل لرب المال على الكفيل حتى ينقضي الأجل وله إن شاء اتباع المكفول عنه بحقه حالا فإن اتبع المكفول عنه به بريء الكفيل من تباعته2 قبله بذلك للعلة التي قد بينا قبل.
وقال أبو حنيفة وأصحابه ليس للطالب أن يأخذ الذي عليه الأصل3 بها حتى يحل الأجل قالوا وهذا من الطالب تأخير عن الذي عليه الأصل وقالوا ألا ترى أنه لو كان عليه ذكر حق بألف درهم وفلان كفيل به إلى سنة كان عليهما جميعا إلى سنة.
وهذا إغفال منهم على مذهبهم لأن4 لرب المال عندهم لو أبرأ الضامن مما ضمن له لم يبرأ المضمون عنه وكان للمضمون له اتباع المضمون عنه بحقه حتى يستوفى جميعه فكذلك كان الواجب عليهم أن يقولوا إذا أخر الضامن بما ضمن لم يكن ذلك تأخيرا منه للمضمون عنه.
ـــــــ
1 أي الطبري.
2 بياعته.
3 كذا في النسخة: أي الدراهم: زلعل صوابه: به: أي الأصل.
4 كذا في النسخة.

(1/191)


القول في الكفالة بالمال إلى الأجال
وإذا كفل رجل لرجل بمال له على أخر إلى العطاء أو خروج الرزق أو الحصاد أو الدياس أو النوروز أو المهرجان أو صوم النصارى أو فصحهم أو ما أشبه ذلك فهو حائز للعلة التي ذكرناها في الحوالة وكذلك كان أبو حنيفة وأصحابه يقولون:

(1/191)


ولو كان الكفيل قال للمكفول له إن مات فلان قبل أن يعطيك الألف الدرهم الذي لك عليه فأنا به كفيل لك أو كان ذلك إلى أجل فقال إن حل فلم يعطه فأنا به لك كفيل أو فهو لك علي فإن ذلك جائز وللمكفول له أخذ الكفيل به إن انقضى الأجل أو مات الذي عليه الأصل قبل أن يعطيه حقه أو يبرأ منه لإجماع جميعهم على إجازة الكفالة إلى أجل معلوم فالأجل المجهول غير مبطل الصحيح من الكفالة صح الأجل أو بطل إذا لم يكن ذلك على وجه المخاطرة وذلك أن الجميع مجمعون على أن رجلا لو قال لرجل بايع فلانا فما أوجب لك عليه من كذا إلى كذا فهو لك علي فبايعه المقول ذلك له ولزمه له مال مبلغه الحد الذي حده له أو دون ذلك إن ذلك لازم الآمر بمبايعة صاحبه وذلك أحل لا شك فيه مجهول لأنه لم يحد له في ذلك أجلا محدودا وإنما حد لمبلغ المال حدا فكذلك قوله إذا مات فلان أو انقضى الأجل وكالذي قلنا في ذلك قال أبو حنيفة وأصحابه.
وإن كفل رجل على رجل بألف درهم لرجل له عليه ذلك إذا مطرت السماء أو هبت الريح أو إذا قدم فلان فإن الآجال في ذلك كله عندنا1 باطلة والكفالة جائزة والمال على الكفيل إن اتبعه به رب المال على ما بينا قبل حال وإنما أبطلنا الأجل في ذلك وجعلنا المال حالا لإجماع الحجة على ذلك وكذلك كان أبو حنيفة وأصحابه يقولون.
وإذا كفل رجل على رجل بألف درهم لغريم له على أن يعطيه إياه من وديعة عنده لرجل آخر فإن ذلك كفالة باطلة لا يلزم الكفيل بها شيء لأنه إنما وعد رب المال أن يقضيه ما له على غريمه من مال لا يجوز له قضاؤه منه لأنه له غير مالك ولم يضمن له على أنه عليه فيكون ذلك ضمانا.
ـــــــ
1 ن: باطل.

(1/192)


وقال أبو حنيفة وأصحابه هذه كفالة جائزة وقالوا إن هلكت الوديعة فلا ضمان على الكفيل.
وإذا كان لرجل عند رجل ألف درهم وديعة وعلى الذي له الوديعة ألف درهم لرجل فسأل الذي له الوديعة الذي عنده ذلك له أن يضمن الوديعة حتى يدفعها إلى الذي له عليه الألف الدرهم دينا قضاء من دينه ففعل ذلك الذي عنده الوديعة كان ذلك ضمانا باطلا ولم تكن الوديعة عند المودع مضمونة إلا أن يحدث فيها المودع حدثا يلزمه به ضمانها وكان لربها أخذها من المودع ولم يكن لغريم رب الوديعة على المودع سبيل بسبب ضمانه الوديعة لربها وإن هلكت الوديعة عنده لم يكن للمودع ولا1 للغريم عليه بسبب ذلك سبيل إذا لم يكن أحدث فيها حدثا يلزمه بسببه ضمانها وذلك أن الأمانة لا تصير مضمونة على المؤتمن إلا بإحداثه فيها من الحدث ما يلزمه به ضمانها فأما بقوله أنا لها ضامن فلا تصير مضمونة بإجماع الجميع على ذلك إذا كانت على غير وجه ضمانها لغريم لربها فكذلك حكمها في جميع الأحوال.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن طلب رب الوديعة إلى الذي عنده الوديعة أن يضمن الوديعة حتى يدفعها إلى فلان قضاء بدينه ففعل كان ذلك جائزا ولم يكن لصاحب الوديعة أن يأخذها من الكفيل.
قالوا فإن هلكت برئ الكفيل وإن اغتصبها إياه رب الوديعة برئ الكفيل وإن اغتصبها إنسان آخر فاستهلكها برئ الكفيل قالوا وكذلك لو ضمن له ألف درهم على أن يعطيه إياه من ثمن هذه الدار فلم يبعها لم يكن على الكفيل ضمان.
ولو كفل رجل على رجل بمال عليه لرجل على جعل جعله له المكفول
ـــــــ
1 ن: للكفيل.

(1/193)


عليه 1فالضمان على ذلك باطل ولا يلزم الضامن للمضمون له شيء إن كان ضمن له ما ضمن على شرط جعل على الذي عليه المال أو على المضمون له في حال الضمان وإن كان ضمانه للمضمون له ما ضمن عن غريمه بغير شرط2 كان في حال الضمان عليه الجعل ولا على غريمه كان للمضمون له اتباع الضامن بما ضمن له عن غريمه ولم يكن للضامن من اتباع من جعل له على ذلك جعلا بما جعل له وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه.
ولو أن رجلا كفل على رجل بمال عليه لأخر معلوم فاختلف الذي له المال والكفيل والمكفول عنه فقال الكفيل هو مائة وذلك جميع ما كفلت له عنه وقال المكفول عنه هو مائتان وذلك الذي كفل علي3 للغريم وقال المكفول له هو ثلثمائة فإن القول فيما يلزم الضامن إن اتبعه المضمون له بما ضمن له دون غريمه الذي عليه الأصل قول الضامن مع يمينه فيما أقر به أنه ضمن له عن غريمه إذا لم تكن للمضمون له بينة وعلى المضمون عنه الفضل عما أقر الضامن أنه ضمن عنه مما أقر به على نفسه والقول قول المضمون عنه في الزيادة التي ادعاها عليه المضمون له عما أقر به له مع يمينه لأنه لا يلزم أحدا مال بدعوى مدع ذلك عليه.
وإن كان الضامن ضمن مالا عن المضمون عنه للمضمون له غير محدود المبلغ وقال له أنا ضامن لك ما لك على فلان من المال من غير أن يبين له مبلغ ذلك فإن ذلك عندنا ضمان باطل لا يلزم الضامن له شيء لإجماع الجميع على أن رجلا لو قال ما لزم فلانا اليوم من دين فهو علي من غير أن يبين المضمون ذلك له أن ذلك ضمان باطل فكذلك ذلك إذا لم يكن المضمون للمال مبينا.
ـــــــ
1 لعل صوابه: أو المكفول له فالضمان الخ...
2 لعل صوابه: شرط جعل كان في حال الضمان عليه ولا الخ...
3 ن: الغريم.

(1/194)


وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا ضمن ضامن لرجل مالا على رجل ولم يحد له مبلغ ذلك فالضمان جائز فإن اختلف الضامن والمضمون له والمضمون عنه فأقر الكفيل أنه مائة درهم وادعى الطالب أكثر من ذلك وأقر المكفول عنه بما قال الطالب فإن القول في ذلك قول الكفيل مع يمينه على عمله ويؤخذ بما أقر به به ويؤخذ المكفول عنه بالفضل الذي أقر به.
ولو قال الضامن الذي ضمنت للمضمون له مائة درهم وقال المكفول له بل كفل لي عشرين دينارا وقال المضمون عنه بل ضمن له عني كر حنطة وذلك علي دون ما يدعى من الدنانير فإن القول في ذلك قول الكفيل مع يمنيه إن كان اتبعه به دون1 المضمون عنه إلا أن تكون له بينة على ما يدعي وإن نكل المتبوع2 منهما عن اليمين استحلف المكفول له3 ولزمه ما ادعى قبله من حقه إن حلف وبريء المتبوع4 والذي كان عليه الأصل في الحكم5 بما أقر له به لأنه يبرئهما منه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لو أقر الكفيل بمائة درهم وادعى المكفول له عشرين دينارا وأقر المكفول عنه بكر حنطة فإن للطالب أن يحلف الكفيل على العشرين الدينار فإن حلف بريء منها وإن نكل عن اليمين لزمته ويحلف المكفول عنه عليها فإن حلف بريء منها وإن نكل عن اليمين لزمته وهما جميعا بريئان من الدراهم والطعام لأن الطالب لم يدعي شيئا من ذلك على واحد منهما.
وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم إلى أجل فقال رجل إن حل
ـــــــ
1 ن: الكفيل إلا.
2 ن: منها.
3 أي لزم المتبوع,
4 أي إن اتبع الكفيل دون الذي عليه الأصل.
5 لعل صوابه: مما.

(1/195)


مالك هذا على فلان فلم يوفكه فهو لك علي فإن حل المال فلم يوفه مع حلوله فهو على الكفيل وكذلك إن قال إذا حل مالك على فلان فهو علي1 فإن حل الأجل الذي ضمن له بمضيه إن لم يوفه غريمه ما له عليه فإن للمكفول له بمضيه إن لم يوفه غريمه بماله الخيار في اتباع من شاء من غريمه والكفيل بماله فأيهما اتبع بذلك كان الآخر بريئا ولزم ذلك المتبع به ولو كان المال حالا فقال له إن لم يعطك مالك فلان فهو علي فتقاضى الطالب المطلوب فلم يعطه حتى تقاضاه كان للمكفول له الخيار على ما وصفنا.
وقال أبو حنيفة وأصحابه في ذلك مثل الذي قلناه وقد بينا العلة في المسألة قبلها.
ـــــــ
1 ن فإن: الأجل.

(1/196)


القول في الجماعة يضمنون عن رجل عليه لاخر مال ثم يضمن ذلك الضمناء له بعضهم عن بعض
وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم من ثمن متاع باعه إياه وكفل بذلك عليه ثلاثة نفر كل واحد منهم بثلثه وكفل الكفلاء بذلك بعضهم على بعض وضمنوه له فإن للذي له المال أن يتبع بحقه من شاء من الذي عليه أصل ماله ومن الكفلاء فإن اتبع الذي عليه أصل ماله برئ الكفلاء كلهم من كفالتهم له لم بما كفلوا له وإن اتبع بعض الكفلاء بذلك كله دون الآخرين برئ الذي عليه الأصل والكفيلان اللذان ترك اتباعهما به وكانت له مطالبة الذي اتبعه بجميع حقه وذلك أن كل واحد ضامن له جميع ماله الثلث من ذلك بضمانه إياه له عن الذي عليه الأصل والثلثان الآخران بضمانه ذلك عن صاحبيه اللذين هما معه في الضمان عن الذي عليه الأصل فإذا كان ذلك كذلك فبين أن له على القول الذي دللنا على صحته أن يتبع بجميع حقه من شاء من صاحب الأصل

(1/196)


والكفلاء على ما قد بينا وأنه إن اتبع أحد الكفلاء بجميع ماله برئ الآخرون من تباعته قبلهم وإن اتبع بعضهم بما كفل له عن صاحب الأصل خاصة دون ما كفل له من ذلك عن صاحبيه فله ذلك لأن الذي كفل له من ذلك عن كل واحد منهم غير الذي كفل له عن الآخرين فإذا كان ذلك كذلك فاتباعه إياه بما وجب له من قبل بعضهم غير موجب للآخرين براءة من مطالبته قبلهم بما لزمهم له وإنما ذلك براءة لمن انتقل عنه بما له عليه إلى من انتقل إليه وإذا اتبعه بما كفل له عن صاحب الأصل برئ الذي كان عليه أصل ماله1 إذ الكفلاء ثلاثة من ثلث ماله وبريء أيضا من ذلك شريكاه في الكفالة ثم كان له أيضا الخيار في الثلثين الآخرين إن شاء اتبع بذلك الذي عليه الأصل وإن شاء اتبع بجميعه أحد الكفلاء الثلاثة فأيهم اتبع به كان برءاة للآخرين منه وإن اتبع بعضهم بثلث آخر وهو نصف الباقي من حقه كان ذلك أيضا براءة لمن ترك تباعته به وكان له من الخيار في اتباع من شاء أيضا بالثلث الآخر على نحو ما قد بيناه وهذا على مذهب ابن شبرمة في القول الذي ذكرنا عنه في الضمان2.
وأما على قول مالك فإنه لا سبيل للمضمون له في قوله الآخر على أحد من الضمناء ما دام الذي عليه الأصل مليا بحقه فإن أعدم كان له حينئذ اتباع الضمناء بحقه.
وأما على قياس قول الأوزاعي والثوري وهو قول أبي حنيفة وأصحابه فإن لرب المال أخذ الذي عليه الأصل والكفلاء جميعا أو من شاء منهم بجميع حقه
ـــــــ
1 ن: إن.
2 طحاوي: قال أبو يوسف وابن شبرمة في الكفالة: إن اشترط أن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فأيهما اختار ابرأت الآخر إلا أن اشترط أن يأخذهما إن شاء جميها وإن شاء شتي.
وروي شعيب بن صفوان عن ابن شبرمة فيمن ضمن عن رجل مالا: أنه يبرأ المضمون عنه والمال علي الكفيل. وقال في: رجل أقرض رجلين ألف درهم علي أن كل واحد منهما كفيل عن صاحبه فليس له أن يأخذهما بجميع المال إنما له أن يأخذه بما كفل به عن صاحبه وهذا خلاف رزاية أبي يوسف.

(1/197)


إن شاء اخذهم بجميعه جميعا معا وإن شاء أخذ به بعضهم دون بعض ولا يبرئ أخذه من أحد منهم بجميع حقه اخذه به منه الباقين حتى يستوفي جميع حقه منهم أو من بعضهم سواء في ذلك كان بعضهم به مليا أو غير ملي في أن له اتباع الآخرين بجميع ذلك على ما وصفت في قولهم.
وهذا القول أيضا قياس قول الشافعي.
1وأما على قياس قول ابن أبي ليلى فإن النفر الثلاثة إذا ضمنوا عن الذي عليه أصل المال بأمره لرب المال ما له عليه برئ المضمون عنه من مطالبة غريمه إن كان الضمناء أملياء بما ضمنوا عنه لغريمه وكان الغريم اتباع كل واحد من الضمناء بثلث ما كان له على صاحبه وكذلك ذلك إذا ضمن له كل واحد من الضمناء الثلاثة عن كل واحد من صاحبيه ما عليه له بضمانه عن صاحب الأصل لأن ما على كل واحد منهم بذلك الضمان يتحول على ضامنه ذلك عنه فيصير عليه ويبرأ المضمون ذلك عنه.
وهذا قياس قول أبي ثور في ذلك.
فإن أخذ بعض الكفلاء رب المال بحقه كله فأداه إليه والمسألة على ما ذكرنا قبل كان للمؤدي اتباع صاحب الأصل بثلث ما أدى إلى غريمه عنه بضمانه عنه لأن الذي ضمن عنه لغريمه كل واحد من الضمناء الثلاثة الثلث دون الجميع وكان له الخيار بعد في اتباع من شاء من صاحبيه بنصف جميع المال وذلك ثلث
ـــــــ
1 أم ق: اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلي: باب الحوالة والكفالة والدين: وإذا كان لرجل دين فكفل له به عنه رجل فإن أبا حنيفة كان يقول: للطالب أن يأخذ أيهما شاء فإن كانت حوالة لم يكن له أن يأخذ الذي أحاله لأنه قد ابرأه. وبهذا يأخذ. وكا ابن أبي ليلي يقول: ليس له أن يأخذ الذي عليع الأصل فيهما جميعا لأنه حيث قبل منه الكفيل فقد ابرأه من المال أن يكون المال قد توي قبل الكفيل فيرجع به علي الذي عليه الأصل وإن كان كل واحد منهما كفيلا عن صاحبه كان له أن يأخذ أيهما في قولهما جميعا.وقال ابن المنذر: وكان أبو ثور يقول الكفالة والحوالة معني واجد ولا يجوز أن يكون مالا واحدا علي اثنين وبه قال ابن أبي ليلي إلا أن يشترط المكفول له أن يأخذ أيهما شاء.

(1/198)


جميعه وسدسه وهو حصة من اتبع منهما مما لزمه بكفالته لرب المال عن الذي كان عليه الأصل ونصف حصة الثالث وهو السدس فإن اتبع أحدهما بذلك برئ صاحبه الآخر من مطالبته قبله فيما أدى إليه صاحبه عنه وكان له اتباعه بالسدس الباقي له عليه وإنما كان له اتباع من شاء منهما على ما وصفت لأنه بأدائه إلى الغريم جميع ما كان له على المضمون عنه قد أدى عن كل واحد من صاحبيه بأمره إياه إلى الغريم جميع ما لزمه له بضمانه ما ضمن له عن الذي عليه الأصل وما لزمه له بضمانه عن شريكيه في الضمان.
وإنما لم نجعل للذي أدى جميع المال أن يرجع على أحد الشريكين في الكفالة بالثلثين كله لأن الثلث الذي كان لزم الثالث كان كفيلا عنه به الثاني ومؤدى الجميع فإنما كان له اتباعه بنصف ذلك وإن شاء اتبع كل واحد منهما بنصف الثلثين وذلك ما ضمنه عنه مما كان عليه بضمانه عن الذي كان عليه الأصل دون الذي لزمه بضمانه عن 1شريكيه في الضمان معه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كان لرجل على رجل ألف درهم من ثمن متاع باعه إياه وكفل به عنه ثلاثة نفر وبعضهم كفيل على بعض 2ضامنين لذلك فأدى أحد الكفلاء المال فإن له أن يرجع على الذي عليه الأصل بالمال كله وله أن يرجع على شريكيه في الكفالة إن شاء بثلثي المال ويترك صاحب الأصل وإن شاء ترك أحد الكفيلين وأخذ الآخر بالنصف ثم 3يتبع هو الذي أدى إليه النصف الكفيل الآخر بالثلث ثم يتبعون الذي عليه الأصل بالمال كله.
قالوا ولو كان ثلاثة نفر عليهم جميعا ألف درهم وبعضهم كفلاء عن
ـــــــ
1 ن: شريكه.
2 ن: ضامنون.
3 ن: تتبع.

(1/199)


بعض فأدى المال أحدهم كله فإنه إن شاء رجع على كل واحد منهما بالثلث وإن شاء رجع على أحدهما بالثلث وبالسدس حتى يكون قد أدى حصته1 وشريكه في الغرم ثم يتبعان الآخر بالثلث.
وهذا الذي قاله أبو حنيفة وأصحابه في الثلاثة يضمنون عن رجل ألف درهم بأمره إياهم بضمان ذلك ويضمن كل واحد منهم عن كل واحد من صاحبيه ما لزمه من ذلك بضمانه على قولهم إذا كان ضمان كل واحد منهم عن المضمون عنه جميع الألف.
فأما على مذهبنا فإن القول في ذلك خلاف ما قالوا والقول في ذلك عندنا إذا كان كل واحد منهم ضامنا عن صاحب الأصل جميع ما عليه لرب المال وهو ألف درهم وكان كل واحد من الكفلاء كفيلا عن كل واحد من صاحبيه بجميع ما ضمن عن صاحب الأصل لرب المال إن لرب المال اتباع من شاء من الذي عليه الأصل والكفلاء فإن اتبع بحقه الذي عليه الأصل بريء الكفلاء كلهم مما لزمهم له بضمانهم عن الذي عليه الأصل حقه ومن كفالة بعضهم على بعض له به وان اتبع بعض الكفلاء بذلك بريء الذي عليه الأصل وسائر الكفلاء من ذلك ولم يكن لرب المال قبل أحد منهم مطالبة فإن أدى المتبع من الكفلاء بذلك الجميع كان له اتباع الذي عليه الأصل به.
ولو كان أصل المال على ثلاثة نفر دينا عليهم وكل واحد منهم كفيل على كل واحد من صاحبيه بجميع ما عليه بأمره إياه بذلك فلقي رب المال أحدهم فطالبه بجميع حقه بريء صاحبا المطلوب منهم من مطالبة رب المال لأنه باتباعه أحدهم به قد ابرأ الاخرين من مطالبته للعلة التي بينت قبل فإن أدى المتبع جميع ما لرب المال عليه وعلى شريكيه كان له اتباع من شاء من صاحبيه بثلث وسدس
ـــــــ
1 لعل صوابه: ونصف حصة شريكه.

(1/200)


جميع ما كان لرب المال عليهم الثلث بأدائه ما كان عليه له بضمانه ذلك عنه والسدس بأدائه إليه ما كان لزمه بكفالته عن شريكه ثم يتبعان جميعا الثالث بما أديا عنه مما كان لزمهما بكفالتهما عليه وإنما لم نجعل لمؤدي جميع حق صاحب المال إليه اتباع الثاني بالثلثين لأنه إنما كفل عليه لرب المال ما كان له عليه وهو الثلث من جميع حقه وإن ما كان على الثالث فإنه والثاني كانا شريكين في الكفالة له عليه فإنما كان لزم كل واحد منهما نصف ذلك دون الجميع وهو السدس من أصل المال.
وإذا كفل رجل عن رجل بألف درهم لآخر ثم كفل الذي عليه الأصل آخر فذلك جائز في قول الجميع.
ولصاحب الحق عندنا أن يتبع أي الثلاثة شاء بجميع حقه فإن اتبع الذي عليه الأصل برئ الكفيلان من تباعته قبلهما وإن اتبع أحد الكفيلين بذلك برئ الكفيل الأخر.
والذي عليه الأصل فإن أدى المتبع من الكفيلين ذلك كان له الرجوع به على صاحب الأصل ولم تكن له على الكفيل الآخر سبيل في قول الجميع لأنه إنما كفل ما كفل على صاحب الأصل دون الكفيل الأخر فإن لم يتبع رب المال بذلك أحدا من هؤلاء الثلاثة حتى قال الكفيلان جميعا له كل واحد منا لك على صاحبه كفيل بما لزمه لك من هذا المال بكفالته ذلك على فلان لك فكان ذلك من كل واحد منهما بأمر صاحبه إياه به ثم اتبع رب المال أحدهما بالمال كله فأداه إليه كان له إن شاء اتباع الذي كان عليه الأصل بجميع الألف وله إن شاء اتباع صاحبه في الكفالة بالنصف من الأول فإذا اتبعه بذلك النصف برئ الذي عليه الأصل من تباعته بذلك النصف فإذا قبض ذلك النصف منه كان له وللكفيل الآخر اتباع المكفول عليه بجميع ما كانا كفلا عنه.
وهذا قياس قول ابن شبرمة.

(1/201)


وأما على قول مالك فإنه ليس لرب المال سبيل إلا على غريمه دون الكفيلين ما دام مليا فإن صار معدما1 كان له اتباع من شاء من الكفيلين بما له فإن اتبع أحدهما به فقضاه حقه كله كان له الرجوع به على المتحمل عنه.
وأما على قول الثوري والأوزاعي وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقياس قول الشافعي فإن لرب المال إذا كان الأمر على ما وصفنا اتباع من شاء من غريمه وكل واحد من الكفيلين حتى يستوفي جميع حقه فأيهم اتبع بذلك لم يبرأ الآخران من مطالبته به فإن أدى ذلك الغريم برئ هو والكفيلان منه وإن أداه أحد الكفيلين رجع بجميعه إن شاء على الذي عليه الأصل وإن شاء رجع بنصفه على شريكه في الكفالة ثم رجعا جميعا على الذي عليه الأصل كل واحد منهما بنصفه.
وأما على قول أبي ثور فإن الذي عليه المال بضمان الكفيل الأول عنه ما ضمن عنه قد برئ مما كان لرب المال عليه له وصار المال على الكفيل وكفالة الثاني عنه له ما كفل عنه من ذلك باطلة لأنه في حال ما كفل عنه لم يكن لرب المال عليه شيء وإنما لرب المال اتباع الكفيل بماله فإن كفل على قوله على الكفيل كفيل آخر وقبل الكفالة رب المال فقد برئ الكفيل الأول على قوله وصار المال على الكفيل الثاني فإن أدى ذلك الثاني إلى رب المال ما كفل عن كفيل الذي عليه الأصل رجع به على من كفل به عنه وهو الكفيل الأول ورجع به الكفيل الأول على الذي عليه الأصل.
وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فكفل به عليه رجل بأمره ثم إن الذي له المال أخذ الكفيل بذلك فأعطاه به كفيلا آخر فأداه الآخر إلى الطالب باتباع المكفول له إياه فإنه لا سبيل له على الذي كان عليه الأصل بسبب أدائه ذلك إلى رب المال لأنه لم يأمره بضمان ذلك عنه ولا ضممه عنه ولكنه إن أراد
ـــــــ
1 ن: معه مال.

(1/202)


اتباع الكفيل الأول الذي أمره بكفالته لرب المال به عليه كان له ذلك لأنه عنه ضمن لا عن الذي عليه الأصل وللكفيل الأول اتباع الذي عليه الأصل به.
وهذا الذي قلنا في ذلك قياس قول مالك والأوزاعي والثوري وهو قول أبي حنيفة وأصحاب وقياس قول الشافعي وأبي ثور.
وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فكفل به عنه رجلان ولم يقل كل واحد منهما كل واحد منا لك كفيل على صاحبه فإن كل واحد منهما يؤدي النصف ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء ولكن صاحب المال إن اتبع الذي عليه الأصل1 بماله برئ الكفيلان وإن اتبع أحد الكفيلين بما كفل كان له أخذه بنصف ما على صاحب الأصل وبرئ صاحب الأصل من ذلك النصف ورجع الكفيل المتبع بذلك على صاحب الأصل ثم إن اتبع بالنصف الآخر غريمه كان ذلك له وبرئ الكفيل الآخر من ذلك النصف2 وإن اتبع به الكفيل الآخر برئ منه صاحب الأصل ورجع به المتبع على الذي عليه الأصل وهذا قياس قول ابن شبرمة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كان لرجل على رجل ألف درهم فكفل به عنه رجلان ولم يقل كل واحد منهما إنه كفيل عن صاحبه فإن كل واحد منهما يؤدي النصف ولا يرجع على صاحبه بشيء فإن لم يؤد واحد منهما شيئا حتى قالا للطالب أينا شئت أخذت به أو كل واحد منا كفيل ضامن له فهو جائز ويأخذ أيهما شاء بالمال كله فإذا أداه رجع على صاحبه بالنصف.
قالوا وإن كانت هذه الكفالة متفرقة أو مجتمعة أو قالا هذه المقالة حين كفلا فهو سواء وإن لقي أحدهما فاشترط ذلك عليه بأمر صاحبه ولقي الآخر
ـــــــ
1 ن: ماله.
2 ن: ومن.

(1/203)


فاشترط مثل ذلك عليه بأمر صاحبه فهو سواء عندهم وأيهما أدى المال رجع على الكفيل معه بالنصف.
وإذا كتب رجل ذكر حق على رجل بألف درهم وفلان وفلان كفيلان به وأيهم شاء أخذه به فأقر المطلوب والكفيلان بذلك فهو جائز فإن اتبع رب المال أحد الكفيلين بما له عليه بالكفالة فأداه إليه لم يكن له الرجوع بما أدى من ذلك على المكفول به عنه إن لم يكن كفل عنه ما كفل بأمره وإن اختلف الكفيل 1المؤدي والمكفول عنه فقال الكفيل أديت ما أديت عنك إلى غريمك بأمرك فهو عليك وقال المكفول عنه بل أديت ذلك عني بغير أمري وكنت به متبرعا كان القول في ذلك قول المكفول عنه مع يمينه في أنه أدى ما أدى عنه بغير أمره فإن حلف بريء إلا أن يأتي الكفيل ببينة عادلة أنه أدى ما أدى عنه إلى غريمه بأمره إياه بأدائه إليه فإن احضر الكتاب الذي ذكرنا فشهد الشهود على الذي كان عليه المال وعلى الكفيلين بما فيه ولم يكن فيه إلا فلان وفلان كفيلان بذلك وأيهما شاء أخذه به لم يكن للكفيل المؤدي على المؤدي عنه سبيل بما أدى عنه إلا أن يكون في الكتاب وفلان وفلان كفيلان بذلك على فلان بأمره إياهما بذلك وشهد الشهود على إقرارهم بذلك فإن كان في ذكر الحق وشهد الشهود على إقرارهم به فقضى حينئذ للكفيل المؤدي عنه بما أدي عنه إلى غريمه من ذلك والذي يلزمه كل واحد من الكفيلين اللذين كفلا لرب الألف الدرهم الذي على المكفول عليه على ما وصفت في كتاب ذكر الحق النصف منه وهو خمس مائة وذلك أنهما جميعا كفلا لرب المال بالألف ولم يتفرد كل واحد منهما بضمان جميع ما له عليه فإن كان في كتاب ذكر الحق وكل واحد من فلان وفلان كفيل لفلان بجميع الألف أو بجميع ذلك أو بجميع ما عليه من المال المسمى مبلغه في هذا الكتاب وهو ألف درهم فاتبع غريم المكفول عليه أحد الكفيلين بجميع ما له على المكفول عليه
ـــــــ
1 ن: والمؤدي.

(1/204)


كان ذلك له حينئذ وإنما جعلنا ذلك له لأن كل واحد من الكفيلين قد ضمن له على انفراده جميع ما له على غريمه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لو كتب الغريم ذكر حق على رجل بألف درهم وفلان وفلان كفيلان به وأيهم شاء أخذه به فأقر المطلوب والكفيلان بذلك فهو جائز وإن أدى أحد الكفيلين المال رجع على الذي عليه الأصل به كله وإن شاء رجع على الكفيل معه بنصفه قالوا وإقرارهما بهذا القيل بمنزلة طلب الذي عليه الأصل إليهما أن يكفلا عنه.
وإذا كان لرجل على ثلاثة أنفس ألف درهم وبعضهم كفيل بذلك عن بعض بأمر بعضهم بعضا فاتبع رب المال أحدهم بالألف فإن كان كل واحد من النفر الثلاثة كفل له على كل واحد من صاحبيه بجميع ما له عليه بالقرض وبالكفالة فذلك له ويبرأ الآخران من المال والكفالة ولم يكن له سبيل إلا على الذي اتبعه بماله فإن أدى المتبع منهم المال كله رجع على صاحبيه بما أدى عنهما بأمرهما وذلك الثلثان وإن اتبع رب المال أحدهم بما عليه في خاصة نفسه مما اقترضه منه دون الذي له عليه بالكفالة عن1 صاحبيه فأدى ذلك وذلك ثلث الألف لم يكن للمؤدي ذلك سبيل على واحد من صاحبيه لأن ذلك هو الذي عليه باقتراضه من غريمه دون 2صاحبيه ولم يؤد عن الغريمين الأخرين شيئا بسبب الكفالة عنهما فيكون له الرجوع به على من أدى ذلك عنه.
فإن كان رب المال اتبع أحدهما بما عليه من دينه بسبب القرض وبسبب كفالته ما كفل له عن أحد صاحبيه في الكفالة دون ما على الثالث برئ الذي اتبع بحصته من الذي على صاحبه المتضمن عنه فإن أدى جميع ذلك كان للمؤدي ذلك
ـــــــ
1 ن: ذلك لأن.
2 ن: صاحبه.

(1/205)


حينئذ الرجوع على الذي أدى حصته من الدين بالنصف مما أدى إلى رب المال وذلك ثلثا جميع حقه نصف ذلك كان على المؤدي دينا في نفسه بسبب اقتراضه ذلك ونصفه الآخر بسبب كفالته عن الذي أدى عنه وإن كان رب المال اتبعه بجميع ما عليه بسبب اقتراضه ما اقترض منه وبسبب ما لزمه به بكفالته عن صاحبيه برئ حينئذ الغريمان الآخران من تباعته قبلهما فإن أدى الألف كله رجع حينئذ على كل واحد من صاحبيه إن شاء بما كان عليه جميع ما لرب المال وهو النصف بعد حصة المؤدي من الدين عليه وإن شاء رجع عليه بجميع ما عليه بسبب القرض والكفالة وذلك ثلث وسدس وهو نصف جميع ما لرب المال الثلث من ذلك بأدائه عنه ما كان عليه من دين غريمه ونصف الثلث الآخر لأنه كان والمؤدي شريكين في الكفالة عن الثالث فإنما أدى عنه المؤدي ما لزمه بسبب الكفالة وذلك نصف الثلث ثم يتبع كل واحد منهما الثالث بالسدس وذلك نصف جميع ما كان عليه لرب المال بسبب القرض.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن كان لرجل على ثلاثة رهط ألف درهم وبعضهم كفلاء على بعض به فأدى أحدهم مائة درهم فإنه لا يرجع على صاحبيه بشيء منها لأنها من حصته وكذلك كلما أدى حتى يبلغ الثلث فهو من حصته قالوا ولو قال هذا المال عن صاحبي جميعا لم يكن ذلك على ما قال لأن المال واحد وكل شيء أدى من ذلك فهو عن نفسه خاصة ما بينه وبين الثلث فإن زاد على الثلث فالزيادة عن صاحبيه لا يستطيع أن يصرفها إلى أحدهما دون الآخر ولكن عن كل واحد منهما النصف إن لقيه أخذه بذلك وبنصف ما غرم عن الآخر.
وقالوا إذا كان لرجل على رجل ألف درهم فكفل به عنه رجلان على أنه يأخذ أيهما شاء به فأدى أحدهما مائة فقال هذه من حصة صاحبي الكفيل معي
ـــــــ
1 ن: إلا.

(1/206)


فإنه لا يكون على ما قال ولكنها من جميع المال ويرجع على صاحبه بنصفها حتى يشاركه في الغرم.
وإذا كان لرجل على رجلين ألف درهم وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه فلزم رب المال أحدهما فأعطاه كفيلا به فأخذ الكفيل فأداه فإن الكفيل يرجع بذلك كله على الذي طلب إليه أن يكفل به ولا يرجع على الآخر منه بشيء لأنه لم يطلب إليه أن يكفل عنه بشيء فإذا أداه الذي طلب إليه أن يكفل رجع على صاحبه بالنصف في قولنا وقول أبي حنيفة وأصحابه.
وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم وكفل به عنه رجلان أحدهما عبد أو مكاتب فإنه لا تجوز كفالة المكاتب والعبد وأما كفالة الحر فجائزة ويلزمه نصف الألف بكفالته إن اتبعه بذلك المكفول له وإنما لم تجز كفالة العبد والمكاتب لأن ذلك ضرر عليهما فيما في أيديهما من الأموال وليس لهما أن يعملا فيما في أيديهما من الأموال إلا بما فيه الصلاح له إلا أن يكون مولى العبد لم يأذن له أن يتصرف فيما في يده فلا يكون له أن يحدث فيه حدثا بوجه من الوجوه1 لا بما فيه الصلاح له ولا بما فيه الفساد عليه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كان لرجل على رجل ألف درهم يكفل به عنه رجلان أحدهما عبد أو مكاتب فإنه لا يجوز على المكاتب ولا على العبد ولا يجوز على الآخر النصف فإن عتق المكاتب يوما أو العبد جاز عليه النصف قالوا ولو كان اشترط إن كل واحد منهما كفيل ضامن عن صاحبه فعتق العبد فأخذه بالمال فأداه كان للعبد أن يرجع على الكفيل معه بالنصف ثم يتبعان الذي عليه الأصل فما أدى إلى أحدهما شركه فيه الآخر.
ولو أن رجلا كفل لرجل على آخر بمال له عليه وهو ألف درهم بأمره إياه
ـــــــ
1 ن:إلا.

(1/207)


بذلك فاتبع الذي له المال الكفيل فأداه الكفيل إليه من ماله ثم رجع الكفيل على المكفول عليه بما أدى عنه فأنكر المكفول عنه أن يكون امره أن يكفل عنه أو يكون كان للمؤدي إليه شيء مما ذكر أنه أداه إليه عنه فأقام الكفيل البينة انه كان لفلان بن فلان على فلان بن بن فلان هذا الألف الدرهم وأن فلانا هذا امره أن يضمن ذلك له عنه وأنه ضمن ذلك له بأمره وأداه إلى المضمون ذلك له فإن اللازم للحاكم أن يقبل ذلك منه ويسمع من بينته ويقضي له بالمال على المكفول عليه فإن استوفاه ثم قدم المكفول1 له فادعى المال وجحد القبض لم يكلف الحاكم الكفيل المؤدي ولا الغريم الذي حكم به عليه بقضاء الكفيل ما أدى عنه أعادة البينة2 وامضى الحكم الذي حكم به على المكفول عليه على رب المال وبرئ الغريم والكفيل من مطالبته قبلهما بما شهدت شهود الكفيل عليه باقتضائه من كفيل غريمه.
وكالذي قلنا في ذلك قال أبو حنيفة وأصحابه.
ـــــــ
1 ن: عليه.
2 ن: وامضا.

(1/208)


أحكام الكفالة بالنفس
اختلفوا في حكم الكفالة بالنفس وهل يلزم بها المتكفل للمتكفل له بشيء؟.
فقال مالك وسئل عن الذي يتحمل بعين الرجل الذي عليه الحق فقال إن تحمل بعينه مبهمة فلم يأت به رأيت عليه ما كان عليه من الحق إلا أن يقول حين تحمل به إنما أتحمل بعينه آتيك به لست من الذي عليه في شيء فذلك له.
وقال الأوزاعي في الرجل يتكفل بوجه الرجل إلى أجل قال: إن

(1/208)


جاء به وإلا ضمن ما عليه قيل له فهل يضرب له أجل قال ينفس بقدر ما يرى أنه يجده فإن هو جاء به وإلا ضمن حدثت بذلك عن عمر بن عبد الواحد عنه و"حدثني ابن البرقي قال حدثنا عمرو بن أبي سلمة التنيسي" قال سألت الأوزاعي عن رجل اجتعل بوجه رجل ثم هرب المجتعل به قال يؤجل حتى يجئ به قلت فإنه ادعى أنه بمصر قال مصر بعيد قلت الشام قال نعم قلت فإن الإمام أجله فلم يأت به فضمنه الإمام الحق ثم جاء المجتعل به بعد فقال هذا جعيلك قال ليس ذلك له إذا ضمنه الإمام ولكن يكون له الحق1 بأخذه منه.
وقال الثوري في رجل كفل لرجل برجل فهرب قال يحبس "حدثنا بذلك علي قال حدثنا زيد عنه".
وقال أبو يوسف سألت أبا حنيفة عن الرجل يكفل بنفس الرجل هل يحبس به حتى يجيء به قال نعم2 إذا لم يأت به حبس ولا يكون ذلك في أول ما يتقدم به الجوزجاني عن محمد عن أبي يوسف.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كان المكفول له به غائبا في بلاد أخرى قد علم القاضي أو قامت به بينة أجل الكفيل أجلا مقدار الذهاب والجيئة فإن جاء به وإلا حبسه.
وقالوا إذا كفل3 رجل بنفس رجل فمات الكفيل والمكفول به حي فإنه لا سبيل للمكفول له على ورثة الكفيل ولا في شيء من تركته من قبل أنه لم يكفل بالمال
ـــــــ
1 ن: يأخذه.
2 ن: إذا إذا لم.
3 ن: نفس.

(1/209)


قال وإذا كفل الرجل بنفس الرجل ثم أقر الطالب أنه لا حق له قبل المكفول به وأراد أخذ الكفيل به فإن له أخذه به وقالوا ألا ترى أنه يكون وصيا لميت له عليه حق أو وكيل رجل في خصومة له قبل ذلك الرجل حق فيأخذ الكفيل بذلك وقالوا إذا كفل رجل بنفس رجل ثم إن الطالب لقي المكفول له فخاصمه ولزمه وأخذ منه كفلاء أخر أو لم يأخذ منه فإن أبا حنيفة قال لا يبرأ الكفيل الأول من قبل أنه لم يدفعه ولم يبرأ منه ولم يبرئه الطالب الجوزجاني عن محمد.
وقال الشافعي:1 الكفالة بالوجه ضعيف "حدثنا بذلك عنه الربيع"
وقال أبو ثور أما الكفالة بالنفس فليس لها في الكتاب ولا في السنة ولا في إجماع الناس أصل يرجع إليه وليست تشبه الضمانات فترد قياسا عليها وذلك أن كل من ضمن شيئا أو كفل به فلا يبرأ منه إلا بأدائه أو يبرئه الذي له الحق فلما كانت2 الكفالة يبرأ الكفيل منها بغير أدائها ولا يبرئه3 من هي له في قول من قال 4بالكفالة كانت مخالفة لجميع الضمانات التي لا يختلفون فيها فلم5 نر بها تشبيها وكانت عندنا بمنزلة العدة التي ينبغي لصاحبها أن يقر بها ولا تلزم في الحكم ولا يحكم بها ولا ينبغي لأحد أن يغر رجلا من نفسه ولا يؤخذ أحد بما لا يلزمه في الحكم وذلك أنهم قالوا إذا كفل رجل بنفس رجل ثم مات6 المكفول برئ الكفيل فيبرأ الكفيل من غير أن يبرئه صاحب
ـــــــ
1 الدعوى والبينات: قال الشافعي: وإذا ادعي رجل علي رجل كفالة بنفس أو مال فجحد الآخر فإن علي المدعي الكفالة البينة فإن لم تكن له بينة فعلي المنكر اليمين فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين ردت علي المدعي فإن حلف لزمه ما ادعى عليه وإن نكل سقط عنه غير أن الكفالة بالنفس ضعيفة.
2 لعل صوابه: الكفالة بالنفس.
3 ن: ممن.
4 لعل صوابه: بالكفالة بالنفس.
5 ن: يردها.
6 أي المكفول بنفسه.

(1/210)


الحق ويؤدي إليه ما كفل له به.
وعلة من قال بقول مالك والأوزاعي في أن الكفالة بالنفس مأخوذ بها المتكفل كما يؤخذ بالكفالة بالمال إجماع الجميع من الحجة على1 أن ذلك كذلك وأنها كفالة كسائر الكفالات المجتمع على لزومها موجها على نفسه على ما أوجبها.
وعلة مالك في أن المتكفل بالنفس إن لم يواف بالمتكفل به صاحبه المتكفل به له ولم يكن شرط في عقد2 الكفالة أنه إنما يتكفل له بعينه وأنه لا شيء له عليه إن هو لم يقدر على موافاته به فما على المكفول عليه لازم له لأن الكفيل هو السبب بكفالته لمن كفل عليه لتعريض مال رب المال للتلف إن تلف إذا هو لم يحضره إياه ويتبرأ إليه حتى يتخلص منه حقه ومن كان سببا لتلف مال غيره فعليه غرم ما أتلف من ذلك إذا كان إتلافه إياه بغير حق.
وأما علة الثوري ومن أوجب عليه الحبس إذا لم يسلمه إلى من تكفل3 له عنه فالقياس على إجماع الحجة على أن كفالته عليه لو كانت بمال له عليه حال ثم اتبعه به المكفول له فلم يخرج إليه مما كفل له عن غريمه وهو على الخروج إليه منه قادر وسأل رب المال الحاكم4 حبسه له بحقه حتى يخرج إليه منه قالوا فكذلك اللازم للحاكم حبس الكفيل بالنفس إذا لم يسلم المكفول به إلى المكفول له وهو على تسليمه إياه إليه قادر إذ كانتا كلتاهما كفالة بحق يجب على الكفيل الخروج5 إلى من تكفل له بها.
وأما علة من أبطل الكفالة بالنفس فقد بينتها مع حكاية قول قائل ذلك.
ـــــــ
1 ن: علي ذلك كذلك.
2 ن: الكفالة إنما.
3 ن: به عنه.
4 لعل صوابه: حبسه حبسه.
5 لعل صوابه: منه إلي.

(1/211)


والصواب من القول عندنا إن الكفالة بالنفس حق واجب يلزم الحاكم إذا احتكم إليه القضاء بها على الكفيل وأخذه بالخروج إلى المتكفل له منها فإن لم يفعل ذلك ومطل المتكفل له بالخروج منها وهو على الخروج منها إليه قادر وسأل المتكفل له الحاكم حبسه بها حتى يسلم إليه من تكفل له بنفسه لزمه حبسه وإنما ألزمناه ذلك لإجماع الحجة على إلزامه إياه ولا معنى لاعتلال من اعتل في إبطال الكفالة بالنفس بأنها لما كانت تبطل بموت المتكفل به عن الكفيل من غير إبراء المكفول له إياه منها كان معلوما أنها باطلة لأنه يوجب المتكفل له بالمال ويلزم المتكفل ما كفل به من ذلك1 ونرى أن الذي كفل به للمكفول له تزول مطالبته إياه به بعدمه وإفلاسه وعجزه عن أدائه إلى المكفول له به من غير إبراء المكفول له به إياه منه ولم تبطل بزوال ذلك عنه بسبب عجزه عن أدائه إليه صحة وجوبه فكذلك الكفالة بالنفس غير موجبة زوال مطالبة المكفول له عن الكفيل بسبب عجزه عن تسليم المكفول به إليه2 بموته وبطولها وغير موجب ذلك خروجها من أن تكون صحيحة صحة الكفالة بالمال وأما اعتلاله بأنها ليس لها في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع أصل فلا أصل أثبت حجة ولا أصح صحة مما جاءت به الحجة من علماء الأمة وراثة عن نبيها صلي الله عليه وسلم وسلم شاهدة بوجوبها ولزوم الأمة الحكم بها ويقال لمنكري أخذ الكفيل بنفس رجل لآخر في مال له عليه ما حجتكم في وجوب أخذ الضامن لرجل عن أخر بما له عليه فإن اعتلوا في ذلك بخبر أبي قتادة أنه لما ضمن عن الميت الذي كان النبي صلي الله عليه وسلم ممتنعا أن يصلي عليه قبل ضمانه صلى عليه قيل لهم أفبلغكم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم ألزمه ذلك بعد ضمانه واخذه به فإن قالوا نعم ادعوا في الخبر ما ليس فيه وعلم إبطالهم في دعواهم وإن قالوا لا قيل لهم فما برهانكم إذا على أن الضامن مأخوذ بما ضمن أحب أو سخط من كتاب أو سنة أو
ـــــــ
1 ن: ويري.
2 ن: بمؤونة بطولها.

(1/212)


إجماعهم فإن فزعوا إلى الإجماع إذ أعياهم ذلك من كتاب أو اثر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم مأثور وكلفوا الفصل بين الإجماع في الكفالة بالمال والكفالة بالنفس وقيل لهم من المخالف من سلف الأمة ممن يجوز الإعتراض به على ما نقلته الحجة في الكفالة بالنفس1 القائل إنها لا تلزم الكفيل حتى استجزتم لأنفسكم قيل ما قلتم في إبطالها أعوزنا نظيره في الكفالة بالمال فلم يجز لنا الاعتراض في الكفالة بالمال بالإبطال من اجله ثم يسألون الفرق بين الحكمين فلن يقولوا في أحدهما قولا إلا ألزموا في الآخر مثله فقد استقضينا البيان عن ذلك في كتابنا المسمى لطيف القول في أحكام شرائع الدين بما اغني عن إعادته في هذا الموضع.
ـــــــ
1 ن: القائل.

(1/213)


واختلف موجبو اخذ الكفيل بالنفس بالمكفول به إذا طلب ذلك المكفول له بما يجوز الكفالة بالنفس فيه
فالواجب على قول مالك ان لا تجوز الكفالة بالنفس في حد ولا قصاص ولا تجوز إلا في مال وذلك إذا كان يقول في الكفيل بالنفس اذا لم يكن له سبيل إلى الخروج من المكفول به إلى المكفول له فإنه يحكم عليه بما على المكفول به للمكفول له ولا سبيل في الحد والقصاص إلى اخذ الكفيل به اذ كان انما هو حق وجب في نفس بعينها1 لا ينقل إلى غيرها كما ينقل المال عمن وجب عليه في ماله إلى مال غيره.
وهذا قياس قول الأوزاعي.
وأما النعمان واصحابه فانهم قالوا إذا كفل رجل بنفس رجل
ـــــــ
1 ن: إن لا.

(1/213)


والطالب يدعي قبله دم عمد أو قصاصا دون النفس أو حدا في قذف أو سرقة أو خصومة في دار أو وديعة أو عارية أو إجارة أو كفالة بنفس أو مال أو شركة فالكفالة بالنفس في ذلك جائزة قالوا وكذلك لو ادعى قبله وكالة أو وصية قالوا ولو لم يدع شيئا من ذلك غير انه كفل له بنفس رجل فانه جائز وكذلك لو ادعى قبله غصبا في حيوان أو مال أو عروض أو دار أو أرض فإن الكفالة بالنفس جائزة في هذا كله وقال إذا ادعى الرجل قبل الرجل حدا في قذف فقدمه إلى القاضي فأنكر المدعي قبله ذلك وسأل الطالب القاضي أن يأخذ له كفيلا بنفسه وقال بينتي حاضرة فإنه لا ينبغي للقاضي في قول أبي حنيفة أن يأخذ له منه كفيلا بنفسه ولكن يقول له الزمه ما بينك وبين قيامي فان احضر شهوده على ذلك قبل أن يقوم القاضي وإلا خلي سبيله وكذلك لو أقام عليه شاهدا واحدا فان أقام عليه شاهدين أو شاهدا عدلا يعرفه القاضي فإن القاضي ينبغي له أن يحبسه حتى يسأل عن الشهود ويأتي بشهادة الآخر ولا يكفله وهو قول أبي يوسف الأول وقال أبو يوسف بعد وهو قول محمد إذا قال بينتي حاضرة اخذت منه كفيلا ثلاثة أيام حتى تحضر بينته وقالوا جميعا إذا ادعى رجل على رجل متاعا سرقه منه أو مالا وقال بينتي حاضرة فإنه يؤخذ له كفيل بنفسه ثلاثة أيام من قبل انه ادعى مالا وقالوا ولو قال قد قبضت السرقة منه ولكن أريد أن أقيم عليه الحد فخذ منه كفيلا حتى أحضر الشهود لم يؤخذ منه كفيل حتى يحضر الشهود قالوا ولو أن قوما اخذوا رجلا مع امرأة فقدموهما إلى القاضي وقالوا انا وجدنا هذا مع هذه المرأة1 وعليهما شهود بالزناء فخذ منهما كفيلا بأنفسهما حتى تحضرك الشهود عليهما لم يأخذ منهما القاضي كفيلا بأنفسهما وكذلك الحد في الخمر والسكر فان قامت على الزناء أربعة شهود أو على الخمر والسكر شاهدان أو على سرقة شاهدان فإنه لا كفالة في شيء من ذلك ولكنه يحبس حتى يسأل عن الشهود فإن شهد على ذلك واحد لا يعرفه القاضي لم يحبس المشهود عليه في شيء من
ـــــــ
1 ن: وعليها.

(1/214)


ذلك فان كان في الزنا فطلب المشهود عليه حد القذف من الشاهد فإنه يؤخذ له بحقه فان قال الشاهد عندي أربعة شهداء عليه بالزناء فان الشاهد يؤجل في ذلك إلى قيام القاضي ولا يخلى عنه ولا يؤخذ منه كفيل ولكن الطالب يلزمه ولو قال الشاهد ان المشهود عليه عبدا كان القول قوله وعلى المشهود عليه البينة انه حر فإن طلب المقذوف إلى القاضي أن يأخذ له من الشاهد كفيلا حتى تحضر البينة على أنه حر فإنه لا يؤخذ منه له كفيل ولكن يحبس القاذف ويؤجل المقذوف أياما فإن أحضر البينة أخذ له بحقه وإن أقام رب السرقة شاهدين على السارق1 والسرقة بعينها في يديه فإنه لا يؤخذ منه كفيل ولكنه يحبس وتوضع السرقة على يدي عدل فإن زكي الشهود أمضى عليه الحد وقضى بالسرقة للطالب.
قالوا فإذا ادعى رجل قبل رجل شتيمة أو أمرا فيه تعزير فأراد كفيلا حتى تحضر بينته وقال بينتي على ذلك حاضرة فإنه يؤخذ له منه كفيل بنفسه ثلاثة أيام في قول أبي يوسف ومحمد لأن هذا ليس بحد وهذا تعزير وهذا من حقوق الناس ألا ترى أنه لو عفا عنه وتركه جاز ذلك وإذا ادعت امرأة قبل زوجها أنه قذفها بالزنا وقالت بينتي حاضرة فخذ لي منه كفيلا بنفسه فإنه لا يؤخذ لها منه كفيل بنفسه في قول أبي حنيفة لأن اللعان حد وكذلك لو كان زوجها عبدا وهي حرة وكذلك الرجل الحر تقذفه امرأته وكذلك الرجل الحر يقذفه العبد بالزناء وكذلك المكاتب يقذف الحر بالزناء وكذلك أم الولد تقذف الرجل الحر أو المدبر يقذف الحر أو الذمي يقذف الحر المسلم فيقدمه إلى القاضي في جميع ذلك فينكر المدعي قبله القذف فإنه لا يؤخذ منه كفيل بنفسه ولكنه يؤمر أن يلزمه فيما بينه وبين قيام القاضي في قول أبي حنيفة وكذلك
ـــــــ
1 ن: وعلي السرقة.

(1/215)


كل ذي رحم محرم وكذلك الولد يقذف والده أو أمه فإن ذلك كله سواء وإذا ادعى الولد قبل الوالد القذف وطلب أن يأخذ له منه كفيلا بنفسه فإنه يوخذ منه كفيل بنفسه ولا يترك أن يلزمه وكذلك الولد يدعي قبل أمه القذف وكذلك العبد يدعي قبل 1مولاه أنه قذف أمه وهي حرة ميتة فإنه لا يؤخذ له منه كفيل بنفسه ولا يؤمر أن يلزمه لأنه لو أقام بينة على ذلك لم يضرب الحد وإذا ادعى رجل قبل عبد قذفا فأراد أن يؤخذ له منه كفيل بنفسه وبنفس مولاه فخاف أن لا يقام عليه الحد إلا بمحضر من مولاه فإنه لا يؤخذ له من واحد منهما كفيل بنفسه في ذلك ولكن يؤمر أن يلزم العبد ومولاه إلى أن يقوم القاضي في قياس قول أبي حنيفة.
قالوا وإذا ادعى رجل قبل رجل حدا في قذف وأقام عليه شاهدين على شهادة شاهدين وطلب كفيلا بنفسه فإنه لا يؤخذ منه كفيل بنفسه ولا يحبس له لأن هذا لا يقبل في الحدود قالوا ولو كان هذا في سرقة أخذ منه كفيل بنفسه حتى يسأل عن الشهود فإن زكوا قضي عليه بالمال وكذلك شهادة امرأتين ورجل في ذلك قالوا وإذا ادعى رجل قبل رجل عبد قذفا فأقام عليه بينة بمحضر من مولاه فإن العبد يحبس له فيؤخذ له من مولاه كفيل لأن العبد لا يقضي عليه بالحد إلا بمحضر من مولاه وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه وقال أبو ويوسف في العبد إذا قامت عليه بينة بقذف أو بحد زناء أو بقتل عمد فإني أقبل عليه البينة وإن لم يحضر المولى من قبل أنه لو أقر بذلك جاز عليه.
وقال أبو حنيفة لا أقبل البينة عليه في ذلك إلا بمحضر من مولاه ولو أقر جاز ذلك عليه وقال محمد مثل قول أبي حنيفة.
ـــــــ
1 ن: مولاته.

(1/216)


وقالوا جميعا إذا ادعى رجل قبل رجل قصاصا في نفس أو دونها فقدمه إلى القاضي فأدعى ذلك وأنكر الرجل ذلك وقال الطالب عندي شهود حضور فخذ لي كفيلا بنفسه حتى احضر الشهود فإنه لا يأخذ له كفيلا بنفسه وإن أقام على ذلك شاهدا واحدا لم يؤخذ له منه كفيل بنفسه وقالوا لا كفالة في قصاص في نفس ولا فيما دونها وهو في ذلك بمنزلة الحد قالوا ولو أقام شاهدين على شهادة شاهدين أو رجلا وامرأتين على ذلك لم يحبس له بذلك لأن شهادة النساء لا تجوز في ذلك ولا شهادة على شهادة.
قالوا وكذلك في كل ما وجب1 فيه القصاص فإنه لا يؤخذ فيه كفيل بالنفس قالوا وكل ما لا قصاص فيه وكان يكون فيه الأرش فإنه يؤخذ فيه كفيل بنفسه إذا ادعى الطالب بينة حاضرة قالوا وإذا ادعى رجل قبل رجلين قصاصا في نفس وقال عندي بينة حاضرة فأقر أحدهما وجحد الآخر فإن المقر منهما يحبس ويلزم الطالب المطلوب الذي جحد ما بينه وبين أن يقوم القاضي فإن شهد له شاهدان حبس وإن لم يشهد له شاهدان خلي سبيله ولم يحبس له ولم يؤخذ له منه كفيل.
قالوا وإذا ادعى رجل قبل رجل قتل خطأ أو جراحة دون النفس خطأ وادعى بينة حاضرة وسأل القاضي أن يأخذ له كفيلا بنفسه فإنه يأخذ له منه كفيلا بنفسه ثلاثة أيام فإن أحضر بينته أخذ له بحقه وإن لم يحضر له بينة خلى سبيله وأبرأ كفيله ولو أقام شاهدين عدلين على ذلك قضي له بالدية ولا حبس على القاتل في ذلك ولا كفالة إلا أن يكون القاتل داعرا فيحبس لدعارته.
قالوا وإذا ادعى رجل حر قبل امرأة قطع يد عمدا أو شجة عمدا
ـــــــ
1 ن: في.

(1/217)


وقال لي بينة حاضرة فإنه يؤخذ له منها كفيل لأنه لا قصاص بينهما وكذلك الحر يدعي قبل العبد قطع يد عمدا أو جراحة عمدا.
قالوا ولو أن رجلا ادعى قبل رجل منقلة عمدا أو هاشمة أو آمة أو جائفة أو قطع يد من غير مفصل أو كسر يد أو سن ضربها فاسودت أخذ1 بذلك في ذلك كله كفيل بنفسه إن ادعى بينه حاضرة ثلاثة أيام في قول أبي يوسف وإن قال بينتي غيب لم يؤخذ له كفيل في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يأخذ في هذا كله كفيلا بنفسه ثلاثة أيام في العمد وغيره وفيما فيه القصاص حتى تقوم البينة فيما بينه وبين ثلاثة أيام فإن قامت البينة حبس في القصاص ولا يؤخذ منه كفيل وأبرأ ذلك الكفيل قالوا وإذا ادعى رجل قبل رجل شتيمة فاحشة وادعى بينة حاضرة وطلب كفيلا بنفسه فإنه يؤخذ له كفيل بنفسه ثلاثة أيام فإن لم تحضر بينته أبرأ كفيله و لو أقام عليه شاهدين بالشتيمة لم يحبس المدعى عليه ولكن يؤخذ منه كفيل بنفسه حتى يسأل القاضي عن الشهود فإن زكوا عزر أسواطا ولا يحده ولا يحبسه وإن رأى الحاكم أن لا يضربه وأن يحبسه أياما عقوبة فعل وقالوا ألا ترى أنا نجعل الحبس عقابا فكيف يحبسه قبل البينة قالوا وإن كان المدعى عليه رجلا له مروة وخطر اسحتسنا أن لا نحبسه ولا نعزره إذا كان ذلك أول ما فعل الجوزجاني عن محمد.
وقال بكير بن عبد الله بن الأشج بما "حدثني يونس قال حدثنا ابن وهب قال حدثني مخرمة بن بكير بن عبد الله عن أبيه قال"2 قال لا تقبل حمالة في دم ولا في سرقة ولا شرب خمر ولا في شيء من حدود الله وتقبل فيما سوى ذلك.
ـــــــ
1 ن: ذلك.
2 ن: يقال.

(1/218)


وروي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يرون الكفالة في الحدود "حدثنا هارون بن اسحق الهمداني قال حدثنا مصعب بن المقدام قال حدثنا اسرائيل قال حدثنا أبو اسحق"1 قال صليت الغداة مع ابن مسعود فلما سلم قام رجل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فوا لله لقد بت البارحة وما في نفسي على أحد من الناس حنة2 فما دريت ما الحنة حتى سألت شيخا إلى جنبي فقال العدواة والغضب والشحناء ثم قال الرجل إني كنت استطرقت رجلا من بني حنيفة فرسي وإنه أمرني أن آتيه بغلس فأتيته ثم ذكر قصة فيها طول ذكر فيها أن3 مؤذنهم أذن فقال في اذانه اشهد أن مسيلمة رسول الله4 وأن امامهم صلى بهم فقرأ في صلاته بما كان مسيلمة سجع به5 قال فأرسل إليهم عبدالله فأتي بهم فأمر بابن النواحة6 فقتل قال ثم ان عبد الله شاور أصحاب محمد في بقية القوم فقام عدي بن حاتم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فثؤلول من الكفر طلع رأسه فاحسمه فلا يكن بعده شيء وقال جرير والأشعت استتبهم وكفلهم عشيرتهم فاستتابهم وكفلهم عشيرتهم7.
وعلة من قال لا تجوز8 الكفالة في حد ولا قصاص ما ذكرت قبل.
وأما علة من أجاز ذلك بالقياس على إجماع الجميع من الحجة على إجازة
ـــــــ
1 كأن صوابه: قال: حدثنا حارثة بن مضرب، قال: صليت الخ.
2 لعل قائل ذلك الطبري.
3 في تجريد القدوري: سمع ابن النواحة يؤذن ويقول: أشهد الخ.
4 لم أجد هذا في غير رواية الطبري.
5 أي حارثة.
6 قتله قرظة بن كعب الأنصاري.
7 وفي التجريد: واختلاف الفقهاء للطحاوي أنه تفاهم إلي الشام، وفي إحدي الروايات عند الطحاوي إن عثمان رآه سئل عن الواجب في أمرهم فأجاب أن يستتابوا.
8 لعل صوابه: الكفالة بالنفس.

(1/219)


الكفالة بالنفس في المال فكذلك كفالة1 بعين المكفول به في حق يجب عليه الخروج منه إلى من يكفل له به من ماله فمثله الكفالة به فيما يجب عليه الخروج من نفسه من حق لزمه لله جل وعز أو لآدمى.
والصواب في ذلك من القول عندنا ما صح به الخبر عن ابن مسعود وجرير والأشعت أن الكفالة بنفس من لزمه حق لله جل ثناؤه أو لآدمي جائزة وإن على الكفيل به التسليم إلى من يكفل له به لأن المكفول به هو الشخص الذي لزمه الحق لا ما لزم جسمه فالكفيل بتسليم ما لزمه تسليمه إلى من لزمه تسليمه إليه مأخوذ فإن ظن ظان أن الحد حق لله جل وعز يجب على الإمام إقامته على من لزمه وليس بحق لآدمي وإذا كان ذلك كذلك لم يكن للمكفول به خصم في الحد فيحكم عليه بإعطاء الكفيل بنفسه فإن الخصم في مطالبته بذلك الإمام الذي جعل إليه إقامة الحد الذي لزمه2 عليه فله أخذ الكفيل منه في ذلك إذا قامت عليه بينة بما يوجب عليه الحد حتى يسأل عن البينة إذا لم يكن يعرفهم بالعدالة إن رأى ذلك وخاف هرب المشهود عليه وأما فيما كان من قصاص فالخصم فيه المجني عليه إذا كان فيما دون النفس فإذا كفل للمجني عليه كفيل بنفس الجاني ثم طالبه به المجني عليه فلم يسلمه إليه وهو على تسليمه إليه قادر حبس له حتى يخرج إليه من كفالته وإن كنا لا نرى للحاكم إلزام أحد احتكم إليه مع خصم له إعطاء خصمه كفيلا بنفسه لأنه لا حال له إلا اثنتان إما حال قد بان للحاكم فيها وجه الحكم فلا وجه لامرء قد توجه عليه الحكم بإعطاء خصمه كفيلا بل الواجب عليه إمضاء الحكم عليه أو حال لم يبن له فيها الحكم فلا وجه أيضا لتعنت من لم يثبت عليه حق لخصمه بتكفيله وإعطائه الكفيل بنفسه من وجه الحكم ولكنه إن رأى فعل ذلك على وجه المصلحة ففعله لم أره مخطئا إذ كان للسلطان حمل رعيته على ما فيه مصلحتهم مما لا يكون فيه خروج عما أطلق الله له وأذن له به.
ـــــــ
1 ن: بغير.
2 ن: علمه.

(1/220)


واختلف القائلون بإجازة الكفالة بالنفس فيما يكون براءة للكفيل بالنفس من كفالته
...
واختلف القائلون بإجازة الكفالة بالنفس 1فيما يكون براءة للكفيل بالنفس من كفالته
فقال الأوزاعي في رجل كفل بنفس رجل فمات قبل أن يأتي به فقال غرم حدثت بذلك عن عمر بن عبد الواحد عنه.
وهذا قياس قول مالك إذا لم يخلف المكفول به وفاء بحق غريمه.
وقال الثوري في رجل كفل لرجل برجل ولم يسم مكانا يدفعه إليه فلقيه في البرية فأراد أن يدفعه إليه قال لا يبرأ حتى يدفعه إليه في ناحية المصر "حدثنا بذلك علي عن زيد عنه".
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا مات المكفول به برئ الكفيل من الكفالة وقالوا إذا أبرأ الكفيل الطالب من الكفالة أو قال قد برئ إلي من صاحبي أو قد دفعه إلي أو قال قد أبرأته منه فإن الكفيل بريء من الكفالة قالوا وكذلك لو قال الطالب لا حق لي قبل الكفيل فإنه بريء من الكفالة لأن الكفالة حق من حقوق الناس
قالوا وإن خاصم الكفيل بالنفس الطالب إلي القاضي وقال الكفيل إنه لا حق له قبل الذي كفلت به فإن القاضي لا ينبغي أن يسأله عن ذلك ولكنه يأخذه بالكفالة فإن أقر الطالب أنه لا حق له قبل المكفول وأنه ليس بوصي لميت له قبله حق أو خصومه وليس بوكيل لأحد له قبله حق أو خصومة على وجه من الوجوه فإن الكفيل بريء من الكفالة.
ـــــــ
1 ن: مما.

(1/221)


قالوا وكذلك لو جحد الطالب هذه المقالة وشهد عليه بذلك شاهدا عدل فإن الكفيل بريء من كفالته قالوا وإذا دفع الكفيل بالنفس المكفول به إلى الطالب وبريء إليه منه فأبى الطالب أن يقبله منه أو أن يبرئه منه فإن الكفيل بريء من الكفالة.
قالوا ولو حبس رجل المكفول به في دين له وقد كفل رجل بنفسه لآخر فأخذه به فإنه يؤخذ له به ألا ترى أنه يقدر على أن يقضي دينه وأن يخرجه فيدفعه إليه قالوا وكذلك لو حبس في غير دين قالوا وإذا دفع الكفيل إلى الطالب المكفول به في السجن وقد حبسه غيره فإنه لا يبرأ منه من قبل أنه لا يستطيع أن يخرجه وكذلك لو دفعه إليه في مفازة أو في موضع يستطيع المكفول به أن يمتنع من الطالب فإن أبا حنيفة قال لا يبرأ منه الكفيل وإذا دفعه إليه في مصر فيه سلطان غير المصر الذي كفل له به فإنه يبرأ منه وأما في قول أبي يوسف ومحمد فإنه لا يبرأ منه حتى يدفعه في المصر الذي كفل به وقالوا إذا دفع المكفول به نفسه إلى الطالب فقال اشهدوا أني قد دفعت نفسي إليه من كفالة فلان فالكفيل بريء وإن لم يقبل الطالب ذلك قالوا وكذلك لو كان الكفيل هو دفع المكفول به على هذا الوجه وكذلك لو دفعه رسوله أو كفيل به أو وكيل فهو بريء وإن لم يبرئه الطالب قال وكفالة المرأة بها ولها جائزة وهي مثل الرجل في ذلك كله وكفالة أهل الذمة والحربي والمستأمن والكفالة به جائزة على مثل كفالة المسلم.
والذي نقول به في الكفيل بنفس رجل لآخر ثم يموت المكفول به أنه لا سبيل للمكفول له على الكفيل لإجماع الجميع على أن كفالته له لو كانت بمال وأفلس ولم يكن له سبيل إلى أداء ما كفل له به أن لا سبيل للمضمون له عليه إذا كان معدما فكذلك حكم الكفيل بالنفس إذا لم يكن له السبيل إلى تسليم المكفول به إلى المكفول له فلا سبيل للمكفول له عليه بسبب ذلك وأما ما

(1/222)


نقول به فيما يكون للكفيل براءة من المكفول له في حال تسليمه إياه فأن1 يسلمه إليه بغير دافع ولا مانع بحيث تناله يده أو يسلمه إليه عنه كذلك وكيل له أو رسول أو غريب متبرع أو يسلم نفسه إليه المكفول به على ما وصفت من التسليم إذا لم يكن شرط عليه تسليمه إليه في موضع دون موضع وإذا قلنا ذلك لإجماع الجميع على أن تسليم من وجب تسليمه من بني آدم على من وجب عليه تسليمه إلى من وجب ذلك له ببيع أو شراء كذلك فكان نظيرا له تسليم من وجب تسليمه من بني آدم بالكفالة على من وجب عليه تسليمه إليه لا خلاف بينهما ومن خالف بينهما سئل الفرق من أصل أو قياس ثم عورض فيما قال في أحدهما بمثله في الآخر.
وأما ما يكون للكفيل براءة بقول من المكفول له فإن يقول قد برئ فلان إلي من الواجب بسبب كفالته لي بنفس فلان وأن يقول قد أبرأته من ذلك أو لا سبيل لي عليه بسبب ذلك وما أشبه ذلك من القول.
ـــــــ
1 ن: نسلمه.

(1/223)


واختلفوا في الرجل يكفل بنفس غريم له على انه يوافيه به في وقت يسميه له مما عليه من شيء فهو عليه أفعليه كذا من المال
...
واختلفوا في الرجل يكفل1 بنفس غريم له على انه يوافيه به في وقت يسميه له مما عليه من شيء فهو عليه أفعليه كذا من المال2
فقال ابن أبي ليلى فإذا كفل رجل برجل وقال إن لم تأتني به يوم كذا وكذا فعليك ألف درهم3 فلم يأته به فعليه ألف درهم وقال إن جئت به برئت من الألف الدرهم التي لك علي بكفالتي عن فلان لك بذلك فإنه لا يبرأ
ـــــــ
1 لعل صوابه: لرجل بنفس.
2 أي إن لم يوافه به في الوقت الذي سمي.
3 لعل صوابه: وإن قال: إن.

(1/223)


"حدثني بذلك علي قال: حدثنا زيد عن سفيان عم ابن أبي ليلي". 1قال سفيا: هما سواء إن قدم أو أخر إنما هو شيء أحدثه ابن أبي ليلى.
وقال أبو يوسف إذا كفل رجل بنفس رجل فإن لم يوافه به غدا فالمال الذي للطالب على فلان رجل آخر وهو ألف درهم على الكفيل فذلك جائز وإن لم يوافه به من الغد فالمال الذي له على فلان وهو ألف درهم للكفيل لازم.
وقال محمد بن الحسن الكفالة بالنفس في ذلك جائز والكفالة بالمال باطل قال وهذه مخاطرة إذا كان المال على غيره وقال إذا كان المال عليه استحسانا وليس بقياس.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كان لرجل على رجل دين دراهم أو دنانير أو شيء مما يكال أو يوزن إلى أجل أو حال من سلم أو قرض أو ثياب معلومة بذرع معلوم من سلم فكفل رجل بنفس المطلوب فإن لم يواف به إلى أجل كذا وكذا لأجل المال الذي هو إليه أو كان حالا فجعله إلى أجل مسمى فعلي مالك وهو كذا وكذا فمضى الأجل قبل أن يوافي به فالمال له لازم.
قالوا وكذلك لو لم يسلم المال ولكنه قال أنا كفيل لك بنفسه فإن لم أوافك به غدا فعلي مالك عليه ولم يسم كم هو فمضى غد ولم يوافه به فإن المال له لازم إذا لم يوافه قبل الأجل.
وقالوا لو قال قد كفلت لك بما أصابك من هذه الشجة التي شجكها فلان وهي خطأ كان جائزا وإن بلغت النفس ولم يسم النفس قالوا وإذا كفل بالمال الذي عليه وسماه وقال إن وافيتك به غدا فأنا بريء من هذا
ـــــــ
1 لعله علي.

(1/224)


المال فوافاه به من الغد فهو بريء من المال وإن مضى غد قبل أن يوافيه فعليه المال وتقديم المال وتأخيره في ذلك سواء.
قالوا وإذا كفل رجل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به فعليه المال الذي عليه وهو ألف درهم فمضى غد ولم يواف به لزمه المال وأنه لا يبرأ من كفالته بالنفس أيضا مع كفالة المال.
وقال أبو حنيفة إذا كفل رجل بنفس رجل وقال إن لم أوافك به غدا فعلي ألف درهم ولم يقل الذي لك عليه فمضى غد ولم يواف به و فلان ينكر أن يكون عليه شيء والطالب يدعي ألف درهم على فلان فإن المال لازم للكفيل وإن أنكر الكفيل أن يكون لفلان على فلان شيء لم ينفعه إنكاره وقال أبو يوسف ومحمد لا نرى على الكفيل من المال شيئا من قبل أنه لم يقر أن على المكفول به مالا فصار بمنزلة المخاطرة ثم رجع أبو يوسف بعد ذلك إلى قول أبي حنيفة وقالوا جميعا إذا ادعى الطالب مالا وجحد المطلوب فكفل له رجل بنفس المطلوب فإن لم يوافه به غدا فعليه المال الذي ادعى على المطلوب فمضى غد ولم يوافه به فإن المال يلزم الكفيل.
قالوا فإن أدى الكفيل المال وأراد أن يرجع به على المطلوب فإن كان المطلوب امره أن يكفل بالمال رجع به عليه وإن لم يكن أمره أن يكفل بالمال وكان أمره أن يكفل بالنفس لم يرجع عليه بشيء من المال.
قالوا ولو كفل لامرأة بنفس زوجها فإن لم1 يوافها به غدا فعليه صداقها قالوا وإذا كان لرجل على رجل ألف درهم فكفل له فكفل له رجل بنفسه على أن يوافيه به إذا دعاه به فإن لم يفعل فعليه الألف الذي عليه فسأله الرجل أن يدفعه إليه بنفسه فدفعه إليه مكانه فإنه بريء من المال وإن لم
ـــــــ
1 ن: يوافه.

(1/225)


يدفعه إليه فالمال عليه وإن قال له ائتني به العشية أو غدوة فلم يوافه به على ما قال فالمال له لازم وإن قال الطالب ائتني به غدوة وقال الكفيل بل اتيك به بعد غد فأبى الطالب أن يفعل فلم يوافه الكفيل غدوة فإن المال عليه وإن أخره الطالب إلى بعد كما قال فوافاه به فهو بريء من المال وإن مضى بعد الغد ولم يوافه به فهو عليه.
والصواب من القول عندنا في الرجل يقول لآخر له على رجل مال قد كفلت لك بنفس فلان أوافيك به غدا أو فيما يؤجله له غير ذلك فإن لم أوافك به غدا أو في الوقت الذي أجله له فما لك عليه فهو علي لك وهو ألف درهم أن الكفالة بالنفس على ذلك جائزة والشرط الذي شرط له من ضمان المال إن لم يوافه به باطل والمال له غير لازم بحال وافاه به للأجل الذي شرط عليه موافاته به أو لم يوافه به لأن ذلك من معاني المخاطرة ولا خلاف بين الجميع في أن رجلا لو قال لآخر إن طلعت الشمس غدا فما لك على غريمك فلان وهو ألف درهم علي فطلعت من الغد أنه لا يلزمه بذلك من ضمان على غريمه شيء لأن ذلك من المخاطرة فكذلك قوله إن وافيتك غدا بفلان وإلا فما لك عليه فهو علي لأن موافاته إياه غدا مما قد يجوز وجوده وغير وجوده بسبب منه وغير سبب منه كما يجوز وجود طلوع الشمس من الغد وغير وجوده ويسأل المفرق بين ذلك الفرق بينهما من أصل أو قياس فلن يقول في أحدهما شيئا إلا ألزم في الآخر مثله وإذ كان القول عندنا في ذلك كذلك لما وصفنا من العلة فالواجب على ذلك من القول في الرجل يكون له قبل رجل ألف درهم من كفالة كفل بها عن غريم له شرط في كفالته له أنه إن وافاه بالمكفول عنه ما عليه من ذلك غدا أو إلى وقت وقته له وهو بريء من أن يكون الضمان الذي ضمنه له بالمال له لازما إن اتبعه به الذي له المال بما له على المضمون عنه والشرط الذي شرطه له من البراءة من ذلك إن وافاه به الوقت الذي وقته له باطل للعلة التي وصفت قبل.

(1/226)


واختلفوا في اللازم كفيلا بنفس رجل لرجل على أن يدفعه إليه في موضع يسميه له أو في وقت يوقته له إذا خالف ما شرط عليه من ذلك وما الذي يبرئه إذا لم يشرط عليه ذلك
فقال الثوري في رجل كفل لرجل برجل إلى شهر فجاءه قبل الشهر قال لا يبرأ من كفالته إذا جاء به دون الوقت "حدثني بذلك علي عن زيد عنه" و"حدثنا علي قال حدثنا زيد عن سفيان أنه قال" إذا كفل وقال أدفعه1 إلى غدا فلم يطلبه صاحب الحق قال لا يبرأ حتى يأيته أو يأتي به القاضي. 2قال وقال سفيان في رجل كفل برجل ولم يسم مكانا يدفعه إليه فلقيه بالبرية فأراد أن يدفعه إليه قال لا يبرأ حتى يدفعه إليه في ناحية المصر.
وقال أبو حنيفة لو شرط رجل على رجل في الكفالة بالنفس أن يوافيه به غدا في مكانه القاضي فإن لم يوافه به هناك فعليه ما عليه فدفعه الكفيل إلى الطالب الغد في السوق فهو بريء من المال.
وقال وكذلك 3الكناسة وكذلك ناحية من المسجد غير مكان القاضي وكذلك لو كان الأجل شهرا واشترط عند مكان القاضي فدفعه في مصر آخر عند قاضيه أو في سوقه فهو بريء من المال في قول أبي حنيفة وأما في قول أبي يوسف ومحمد فإنه لا يبرأ إذا دفعه إليه في غير المصر الذي كفل به.
ـــــــ
1 ن: إلي: ولعل صوابه: اليك.
2 لعله علي.
3 الكناسة موضع بالكوفة.

(1/227)


وقالا لو دفعه إليه قبل الأجل وبرئ إليه منه بريء من الكفالة بالنفس ومن المال ولو دفعه إليه بالسواد أو في1 كور من كور الجبل في غير مصر ولا مدينة وعند غير سلطان لم يبرأ وكان المال للكفيل لازما إذا مضى الأجل قبل أن يدفعه إليه عند السلطان.
قالا ولو شرط له أن يدفعه إليه عند الأمير2 أو عند هذا القاضي فاستعمل الأمير قاضيا غيره فدفعه إليه عنده فإنه بريء من الكفالة في قول أبي حنيفة وأصحابه إلا في خصلة واحدة وهو أن يكفل له أن يدفعه إليه في مصر فيدفعه إليه في غيره فلا يبرأ.
وقالوا لو كفل رجل بنفس رجل على أنه إن لم يواف به إلى كذا وكذا من الأجل فعليه المائة الدرهم التي عليه فتغيب الطالب عند محل الأجل فطلبه الكفيل وأشهد على طلبه ولم يدفع إليه الرجل فإن المال لازم للكفيل.
قالوا ولو كان اشترط عليه مكانا فوافاه به في ذلك المكان وأشهد وتغيب الطالب حتى مضى الأجل فان المال لازم للكفيل ولو كان الكفيل اشترط في الكفالة أنه بريء منه إذا وافاه به المسجد الأعظم وأشهد على ذلك يوم كذا فوافاه به الكفيل المسجد يومئذ وأشهد وغاب الطالب أو لم يحضر فإن الكفيل بريء من الكفالة بالنفس والمال وكذلك هذه الكفالة لو كانت بالنفس بغير مال.
وقالوا إذا كفل رجل بنفس رجل إلى3 غد فإن لم يواف به غدا في المسجد فعليه المائة الدرهم التي عليه واشترط الكفيل على الطالب إن لم تواف غدا المسجد فتقبضه مني فأنا منه بريء فالتقيا بعد الغد فقال الكفيل قد وافيت
ـــــــ
1 لعل صوابه: كورة من كور.
2 لعل صوابه: وعند.
3 ن: إلي غدا.

(1/228)


وقال الطالب قد وافيت فإنه لا يصدق واحد منهما على الموافاة والكفالة على الكفيل على حالها والمال له لازم فإن جاء كل واحد منهما بالبينة على الموافاة إلى المسجد ولم يشهدوا على دفع الكفيل1 إلى المكفول به إليه فإن الكفالة على حالها والمال لا يلزم الكفيل فإن أقام المطلوب البينة على الموافاة إلى المسجد ولم يقم الطالب البينة فالكفيل بريء من كفالته بالنفس والمال لا يصدق الطالب على الموافاة.
قالوا ولو كفل بنفسه على أن يدفعه إليه غدا فإن لم يفعل فالمال عليه واشترط الكفيل إن لم2 توافني به فتقبضه مني فأنا بريء من الكفالة والمال فلم يلتقيا من الغد فإن الكفيل بريء والقول قول الكفيل إن الطالب لم يواف مع يمينه وعلى الطالب البينة ولا يشبه هذا الباب الأول لأن الكفيل ها هنا3 لم يشترط علية الموافاة به في مكان كما اشترط عليه في الباب الأول.
قالوا وإذا ضمن رجل رجلا بنفسه لفلان فإن لم يواف به إلى شهر فعليه ما عليه وهو ألف درهم فمات الكفيل قبل الشهر وعليه دين ثم مضى الشهر قبل أن يدفع ورثة الكفيل المكفول به إلى الطالب فإن المال يلزم الكفيل ويضرب الطالب به مع الغرماء من قبل أنه قد لزمه يوم كفل به وكذلك لو مات المكفول به ثم مات الكفيل قبل الشهر.
والصواب من القول عندنا في الرجل يكفل لرجل بنفس غريم له يوافيه به غدا في مكان يسميه له من البلدة التي هما بها أو في مجلس القاضي فإن لم يوافه به هنالك فعليه ما عليه وهو ألف درهم أن الكفيل لا يبرئه من الكفالة بنفس من يكفل به إلا4 بموافاته ما عليه وهو ألف درهم أن المكفول له في الموضع الذي
ـــــــ
1 أي دفع المكفول به إيه.
2 ن: يوافه به فتقبضه.
3 ن: هاهنا يشترط.
4 أي إلا يبرأبموافاته.

(1/229)


شرط له أن يوافيه به كما لو أسلم إليه مالا في طعام موصوف يوفيه إياه في موضع من البلد معروف لم يبرئه مما لزمه من تسليم ما لزمه تسليمه إليه في ذلك السلم إلا1 بأن يوفيه ذلك الطعام في الموضع الذي شرط عليه المسلم إيفاءه إياه فيه فكذلك حكم من شرط عليه في الكفالة بالنفس تسليم المكفول به في موضع من المصر أو المسجد لا يبرئه تسليمه إليه في غير ذلك من الأماكن إلا أن يبرئه المكفول له من الواجب له عليه بسبب ذلك الشرط.
ومن فرق بين حكم ذلك سئل البرهان على ما ادعى من الفرق بين ذلك من أصل أو نظير وأما ما أوجب الكفيل على نفسه للمكفول له من المال الذي على المكفول به إن لم يوافه به فقد بينا قبل ما يدل على فساد قول من ألزمه المال بتركه الموافاة بما اغني عن إعادته في هذا الموضع وكذلك القول عندنا لو كان اشترط عليه أن يدفعه إليه بعد انقضاء الشهر فجاء به قبل انقضاء الشهر فإنه لا يبرأ من الكفالة بموافاته به قبل انقضاء الشهر كما لا يبرأ بموافاته به إذا اشترط عليه أن يوافيه به في مكان من البلد إذا وافاه به في غير ذلك المكان لما وصفت من العلة قبل.
وأما القول في الذي يكفل لرجل بنفس غريم له عليه ألف درهم على أنه إن لم يوافه به عند انقضاء شهر كذا فعليه له ما له على المكفول به فيوافيه به في الوقت الذي شرط عليه موافاته به فيتغيب رب المال عن الكفيل فإن الكفيل لا يبرأ من الكفالة بالنفس من أجل أنه لم يسلم من كفل به إلى من كفل له
وأما الذي على الغريم من المال فإنه لا يلزمه لما قد بينا قبل من أن ذلك من معاني الخطار وكذلك حكم الكفيل لو شرط على المكفول له أنه بريء من الكفالة إذا وافى بصاحبه من غد مسجد كذا حضر المكفول له فأبرأه أو لم يحضر
ـــــــ
1 أي إلا أن يبرأ بأن.

(1/230)


فوافى به من الغد المسجد الذي شرط له موافاته به فتغيب المكفول له لم يبرأ الكفيل من كفالته وكانت الكفالة له لازمة بهيئتها وإن وافى الكفيل به المسجد وحضره المكفول له وسلمه إليه ثم اختلف الكفيل والمكفول له في تسليم المكفول به إلى المكفول له فإن القول في ذلك قول المكفول له إذا قامت على الكفيل البينة بالكفالة أو أقر بها وإن قامت للكفيل البينة بتسليم المكفول به إلى صاحبه في الموضع الذي شرط عليه تسليمه إليه فيه بريء من الكفالة.
وإما القول في رجل يكفل بنفس رجل لآخر له عليه ألف درهم يدفعه إليه عند انقضاء شهر كذا فإن لم يدفعه إليه في ذلك الوقت فهو ضامن للألف الذي له عليه فيموت الكفيل قبل مجيء الوقت الذي ضمن له1 دفعه ثم يحل الوقت فإن الصواب من القول في ذلك عندنا أنه لا يلزم ورثة الكفيل بسبب كفالة ميتهم بنفس من تكفل به شيء ولا يجب في مال الكفيل للمكفول له بسبب ذلك حق وذلك أن الميت إنما كان عليه تسليم المكفول به إلى المكفول له لو كان حيا دون تسليم ما على المكفول به من المال وقد دللنا قبل على أن قوله فإن لم أدفعه إليك في وقت كذا فما عليه لك فهو علي غير موجب له عليه حقا إن لم يدفعه إليه في ذلك الوقت وأنه إنما يتبع بالمطالبة تسليم المكفول به إلى من يكفل له به ولكن المكفول له به لو مات قبل مجيء الأجل الذي تشارطاه بينهما ثم جاء الأجل وأقامت ورثة المكفول له على الكفيل 2بالمطالبة بتسليم المكفول بنفسه 3لميتهم إليهم لزمه تسليمه إليهم إذا لم يكن للميت وصي ولم يكن عليه دين ولا كان أوصى بشيء لأن ذلك حق لهم عليه كما كان ذلك حقا لميتهم عليه وصاروا في القيام عليه بمطالبته به مكان الميت كنحو قيامهم بما جعل له بعده مما كان له في
ـــــــ
1 أي دفعة فيه.
2 الباء زائدة.
3 ن: يمتهم.

(1/231)


حياته فإن كان للميت وصي لم يبرأ الكفيل بتسليمه المكفول به إلى ورثة المكفول له به ولكنه لو سلمه إلى وصي الميت بريء من الكفالة.
وكذلك لو كان على الميت دين أو كانت له مع الدين وصايا فسلمه إلى الوصي برئ من الكفالة إذا كان الوصي وصيا في ذلك كله فإن لم يسلمه إلى الوصي ولكنه سلمه إلى الغريم دون الورثة أو إلى الغريم والورثة لم يبرأ بذلك من الكفالة دون تسليمه إلى الوصي لأن الخصم في دين الميت ووصاياه وصيه إذا كان الورثة صغارا فإن كان الوارث ممن يجوز أمره في نفسه وماله لم يبرأ الكفيل من الكفالة إلا بتسليم المكفول به إلى وصي المكفول له وورثته لأنهم حينئذ جميعا خصومه ولكل واحد منهم مطالبته أما الوصي فيما أسند إليه القيام به من صرف ثلثه فيما أمره بصرفه فيه وأما الورثة فبقدر حقوقهم قبله بميراثهم ذلك عن ميتهم وإن دفعه إلى بعض دون بعض وبرئ إليه منه لم يكن ذلك براءة له من مطالبة من لم يبرأ إليه منه وكان للآخرين مطالبته بكفالته لهم.
وبالذي قلنا في ذلك قال أبو حنيفة وأصحابه.

(1/232)


واختلفوا في حكم الرجل يكفل بنفس رجل لرجل عليه حق والمكفول له به غير حاضر.
فقال أبو حنيفة ومحمد كل كفالة بنفس كانت والطالب غير حاضر فإنها باطل لا تجوز قالا وكذلك المال غير أنا نستحسن إذا أوصى الرجل بوصية وقال لولده أو لبعضهم اضمنوا عني ديني فضمنوه والغرماء غيب فإن هذا جائز وإن لم يسم ذلك نستحسن ذلك وقالا لو كان هذا في الصحة لم يجز ولم يلزم الكفيل شيء وهو قول أبي يوسف الأول ثم رجع أبو يوسف وقال الكفالة في ذلك كله غير جائزة وإن لم يحضر المكفول له.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن المكفول له كفالة من كفل له

(1/232)


بنفس غريمه أو بما له عليه في حال غيبته عنه بالخيار في قبول الكفالة وترك قبولها فإن قبل ذلك كانت له مطالبة الكفيل بما كفل له به وإن ترك مطالبته بها وأخذه بها بطلت كفالته له بمن كفل له به وإنما جاز للمكفول له مطالبته بمن كفل له بنفسه وهو عن ذلك غائب في الحال التي كفل له بها لصحة الخبر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه صلى على الميت الذي كان عليه الدين إذ ضمن ما عليه أبو قتادة من غير حضور من له الدين في وقت ضمانه عنه ما ضمن من ذلك فكان كل ضمان وكفالة كان من ضامن وكفيل المضمون به مثله حاضرا كان المضمون 1له أو غائبا في حال ضمان الضامن له من ضمن له.
2وقال أبو حنيفة ومحمد لو قال رجل لقوم اشهدوا أني كفلت لفلان بنفس فلان والمكفول به حاضر والطالب غائب فإن هذه كفالة باطلة وإن قدم الطالب فأجاز ذلك فإنه لا يجوز من قبل أنه لم يكن له مخاطبا حين كفل.
قالا وإن قدم الطالب فادعى أنك كنت كفلت لي به وإنما اشهدت على نفسك بشيء كان منك قبل ذلك وكفلت لي به وأنا غير حاضر فإن القول قول الطالب ويأخذه بالكفالة من قبل أن الكفالة على وجهين قد تكون إقرار ا بشيء ماض منها وتكون مستقبلة فإن قال الطالب هي ماضية فهي جائزة وإن قال هي مستقبلة فهي باطلة في قول أبي حنيفة ومحمد.
وقال أبو يوسف الكفالة جائزة وإن لم يكن له مخاطبا والماضي منها والمستقبل واحد وقالوا إذا قال الرجل للرجل إن لفلان على فلان مالا فاكفل له بنفسه فكفل له بنفسه و فلان الطالب غائب ثم قدم فلان فرضي
ـــــــ
1 ن: له.
2 ن: قال وقال.

(1/233)


بذلك فهو جائز ويأخذه به لأنه قد خاطبه مخاطب وإن لم يكن وكيلا وللكفيل أن يخرج من الكفالة قبل قدوم فلان الطالب وليس للمخاطب أن يخرجه حتى يحضر الطالب.
قالوا وإذا وكل رجل رجلا بأن يأخذ له من فلان كفيلا بنفسه فأخذ كفيلا بنفسه فإن كان الكفيل كفل للوكيل فإنه لا يأخذه الوكيل بذلك ولا يأخذه الموكل وإذا كفل به للموكل أخذه الموكل ولا يأخذه الوكيل وإن دفعه في الوجهين جميعا إلى الموكل برئ من الكفالة.
والصواب من القول عندنا: في الكفالة بنفس رجل لرجل بمخاطبة آخر إياه بذلك إن الكفالة للكفيل لازمة ولا سبيل للكفيل إلى الخروج من الكفالة إلا1 ببراءة المكفول له إياه من الكفالة أو بتسليمه المكفول به إلى المكفول له به أو إلى من قام مقامه لما وصفنا قبل من صلاة النبي صلي الله عليه وسلم على من ضمن أبو قتادة دينه من غير حضور الغريم المضمون ذلك له ولولا لم يكن لزم أبا قتادة المال بضمانه إياه لم يكن النبي صلي الله عليه وسلم ليصلي عليه بعد امتناعه من الصلاة بسبب دينه الذي كان عليه لغرمائه وأما إذا وكل الرجل وكيلا بأخذ كفيل له من رجل بنفسه له عليه حق ففعل الوكيل ذلك فإن القول عندنا في ذلك إن كان قال للكفيل اكفل بنفس فلان لفلان ففعل ذلك ثم سلم الكفيل إلى المكفول له غريمه الذي كفل بنفسه دون وكيله الذي تولى تكفيله إياه له برئ من الكفالة وإن لم يكن بين له ذلك ولا أقر به بعد الكفالة فإنه لا يبرأ الكفيل إلا بتسليم من كفل له بنفسه إلى من كفل له به.
وكذلك وصي ميت لو كفل غريما للميت من رجل بنفسه فدفعه الكفيل إلى ورثة الميت أو إلى غرمائه لم يبرأ منه في قولنا وقولهم لأن الكفالة للوصي دونهم.
ـــــــ
1 البراءة هنا بمعني الإبراء.

(1/234)


القول في الالفاظ التي تصح بها الكفالة وتلزم
...
القول في الألفاظ التي تصح بها1 الكفالة وتلزم
وإذا كفل رجل لرجل برأس رجل أو بوجهه أو برقبته أو بجسده أو ببدنه أو بنصفه أو بثلثه أو بروحه فإن ذلك كفالة جائزة في قياس قول مالك والثوري والشافعي.
وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وإذا كفل بغير ذلك من جسده فهو باطل في قول أبي حنيفة وأصحابه وقالوا إنما أبطلنا ذلك لأن ذلك لا يشبه عمل التجار قالوا ولا يلزم المال في هذا قالوا ولو لم يكن فيه ذكر مال لم تلزمه به كفالة ألا ترى أنه لو قال أكفل لك بكذا وكذا لشيء لا يكون ولا يشبه فعال التجار فإن لم أوافك به غدا فعلي الألف الدرهم الذي لك على فلان كان هذا باطل ولا يلزمه المال.
وقياس قول مالك والثوري والشافعي أن الكفالة تلزمه بكل ما كفل به من جسده لأن ذلك قولهم في الطلاق والظهار.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لو قال هو إلي أو قال هو علي أو أنا كفيل به أو أنا ضامن له أو أنا قبيل به أو زعيم به أو صبير به كان هذا جائزا يؤخذ به الكفيل قالوا وكذلك لو قال علي أن أوافيك به أو علي أن ألقاك به فهو جائز وكذلك لو قال هو علي حتى تجتمعا أو حتى توافيا أو حتى تلتقيا وقالوا وإن لم يقل هو علي حتى تلتقيا وقال أنا ضامن حتى تجتمعا أو توافيا أو تلتقيا فهو ضامن يؤخذ به حتى يوافيه به وقالوا إن قال أنا ضامن لمعرفته2 فهو باطل وهو مثل قوله أنا ضامن حتى أدلك عليه.
والصواب من القول عندنا في الرجل يكفل ببعض أعضاء الرجل لرجل
ـــــــ
1 أي الكفالة بالنفس.
2 ن: فهو باطل فهو باطل.

(1/235)


عليه حق إن ذلك كفالة جائزة وللكفيل لازمة وسواء كانت كفالته له من جسده بالوجه أو بالرأس أو بالرجل أو بالظهر أو بالبطن أو الفرج أو غير ذلك من جسده لإجماع الجميع من الحجة على أنه إذا كفل بوجهه فكفالته جائزة للكفيل لازمة وهو بعض جسده فمثله سائر الأعضاء من جسده ومن ألزم الكفيل بوجهه الكفالة بنفسه كلها وأنكر إلزامه إذا كفل بإصبعه أو ظهره1 أو بطنه فمتحكم والتحكم لا يعجز عنه أحد ويسئل الفرق بين الكفالة بالوجه والظهر والفرق بين ذلك من أصل أو قياس فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في غيره مثله وأما الألفاظ التي تلزم بها الكفيل الكفالة فإن يقول للمكفول له أنا لك بنفس غريمك فلان كفيل أو زعيم أو حميل أو صبير أو قبيل أو ضمين أو هو لك علي أدفعه إليك أو هو علي لك حتى أوافيك به أو حتى أسلمه إليك وما أشبه ذلك من القول فأما إذا قال علي أن أوافيك بغريمك فلان أو أن ألقاك به فإن ذلك غير كفالة ولا لازم به القائل2 شيء للمقول له فأما إذا قال هو علي حتى تجتمعا أو حتى تلتقيا أو حتى تتوافيا فإن ذلك كفالة يؤخذ بها الكفيل لأن قوله هو علي كفالة ولا يبطلها قوله حتى تجتمعا أو حتى تلتقيا.
وإذا كفل رجل لرجل بنفس غريم له أو بنفس رجل له قبله حق ثم جحده الكفالة فخاصمه إلى القاضي ولا بينة له فإن الواجب على الحاكم استحلاف المدعى عليه الكفالة في قياس قول مالك والأوزاعي والثوري.
وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقياس قول الشافعي.
وأما في قول أبي ثور فإنه لا يمين عليه لأنه لو أقر بها لم يكن عنده مأخوذ ا بها فلا وجه لاستحلافه على ذلك في قوله.
ـــــــ
1 ن: وبطنه.
2 ن: بشئ.

(1/236)


والصواب من القول في ذلك عندنا أن يستحلف المدعى عليه الكفالة لأن الكفالة بالنفس حق من حقوق المدعى إذا ثبتت على الكفيل يلزم الحاكم أخذ الكفيل بها فسبيلها سبيل سائر الحقوق الواجبة لبعض الناس على بعض.
فإن حلف المدعي ذلك عليه برئ من مطالبة خصمه إياه بذلك وإن نكل عن اليمين فإنه يجب على قول مالك والشافعي ان ترد اليمين على المدعي فإن حلف أخذ له المدعى قبله الكفالة بالكفالة.
وأما على قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه فإنه يجب على الحاكم إن نكل المدعي عليه الكفالة عن اليمين على دعوى صاحبه أن يلزم الكفالة التي ادعاها عليه صاحبه فإن استعدى الكفيل على المكفول به حتى يحضر معه فيبرئه والأمر على ما وصفنا من قضاء الحاكم على الكفيل بالكفالة بعد جحوده ذلك ونكوله عن اليمين لخصمه وحلف خصمه على ما أنكر من ذلك لم يكن للحاكم أن يكلفه الحضور معه لذلك لأنه بجحوده الكفالة قد أقر أنه ليس له على المكفول به سبيل بسبب كفالته إياه لخصمه ولكن لو أن رجلا ادعى على رجل أنه كفل له بنفس فلان غريم له ورفعه إلى الحاكم فأقر الكفيل بالكفالة فقضى بها عليه فسأل المقضي عليه بها أن يعديه على المكفول به حتى يحضر معه فيبرئه من الكفالة نظر الحاكم في ذلك فإن كان المكفول به مقرا أنه أمر الكفيل أن يكفل به لصاحبه أعداه عليه وأمره بالحضور معه حتى يبرئه مما دخل فيه من الكفالة بنفسه بمسألته ذلك إياه وإن أنكر المكفول به أن يكون أمره بذلك وحلف عليه لم يكلف حضوره معه ولا يعدي عليه الكفيل إلا أن يقيم الكفيل بينة عادلة أنه كفل به بأمره فيكلف حينئذ الحضور معه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن استعدي الكفيل على المكفول به حتى يحضر معه فيبرئه من الكفالة فإن كان المكفول به أقر أنه أمره ان يكفل به أمر أن يحضر معه فيبرئه وإن قال كفل بي ولم آمره فحلف على ذلك لم يجبر على الحضور معه.

(1/237)


إلا أن يقيم الكفيل بينه أنه كفل به بأمره فيؤمر بالحضور معه.
وأجمعوا على أن الرجل إذا قال لآخر بايع فلانا فما وجب1 لك عليه من درهم إلى ألف درهم أو إلى ما يسميه محدود المبلغ فهو علي فبايعه المقول ذلك له فيلزمه له من المال ما حده له أو ما دون ذلك فإن قائل ذلك الآمر بمبايعته ضامن لصاحبه المأمور بمبايعة من أمره بمبايعته ما وجب له عليه بمبايعته إياه إلى المقدار الذي حده إن كان وجب ذلك له عليه أو ما دونه.
ـــــــ
1 ن: له.

(1/238)


واختلفوا في حكمه إن قال له بايعه فما وجب لك عليه من شيء فهو لك علي
فقياس قول مالك أنه إذا بايعه المقول ذلك له فوجب له عليه شيء فهو لازم الضامن إذا كان ذلك قدر ما حد له لم يجاوزه وذلك أن يونس بن عبد الأعلى "حدثني قال أخبرنا ابن وهب قال قال مالك" في رجل قال لرجل أنا لك على بمالك فلان فخرق ذكر الحق الذي عليه واطلبني بما عليه فخرق ذلك وطلبه بما له عليه فإن ذلك جائز.
وقال الثوري في رجل لقي رجلا قد لزم رجلا فقال خل عنه وما كان لك عليه من حق فهو علي قال ليس بشيء حتى يسمي ما عليه "حدثني بذلك علي بن سهل قال حدثنا زيد عنه".
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قال الرجل لرجل بع فلانا فما بعته من شيء فهو علي فهو جائز وإن لم يوقت لذلك وقتا وإن باعه بألف درهم أو أكثر أو أقل فهو جائز وكذلك لو باعه بالدنانير وكذلك لو باعه بذهب تبر أو فضة أو بشيء مما يكال أو يوزن فهو جائز والكفيل ضامن لذلك فإن

(1/238)


جحد الكفيل فقال لم تبعه وقال الطالب بعته متاعا بألف درهم وأقر المطلوب المكفول عنه بما قال الطالب فإن المال يلزم الكفيل والمكفول عنه.
وقالوا ألا ترى انه لو قال ما لزمه لك من شيء فأنا ضامن له فأقر المكفول عنه بألف درهم فادعى الطالب1 وجحد الكفيل فقال لا شيء لك عليه إن القول في ذلك قول المطلوب والطالب ويؤخذ الكفيل بذلك كله.
قالوا وهذا استحسان والقياس في هذا أن لا يؤخذ بشيء حتى يقيم البينة على ما باعه به قالوا ولو قال الكفيل قد بعته بخمس مائة وقال الطالب بعته بألف وأقر بذلك المكفول عنه فإنه يؤخذ بألف ويؤخذ به الكفيل وقالوا لو قال إذا بعته بشيء فهو علي فباعه متاعا بألف درهم ثم باعه بعد ذلك خادما بألف درهم لزم الكفيل المال الأول ولم يلزم الثاني لأنه قال له إذا بعته بشيء فهذا على مرة واحدة ولا يكون على مرتين وكذلك لو قال له متى بعته فهو علي مرة واحدة وإن باعه ثانية لم يلزمه وكذلك إن قال له إن بايعته بشيء فهو علي فبايعه مرتين أو ثلاثا فإن البيع الأول على الكفيل وما بعده لا يلزمه.
قالوا فإن قال كل ما بايعته به من شيء أو ما بايعته من شيء أو الذي تبايعه به من شيء فهو لك علي فمتى بايعه فهو على الكفيل كله قالوا ولو قال ما بعته اليوم فبايعه هذين البيعين في ذلك اليوم لزمه المالان جميعا قالوا ولو كان وقت ألف درهم فقال بعه بينك وبين ألف درهم فما بعته من شيء فهو علي إلي ألف درهم فباعه متاعه بخمس مائة وباعه حنطة بعد ذلك بخمس مائة وقبض ذلك لزم الكفيل المالان جميعا لأنه وقت.
قالوا وكذلك لو قال كل ما بعته بيعا بشيء فأنا له ضامن فباعه
ـــــــ
1 ن: جحد.

(1/239)


بيعين على ما ذكرت لزم الكفيل المالان جميعا قالوا ولو قال بع فلانا فما بعته به فهو علي أو الي أو فأنا له ضامن أو فأنا به كفيل فهو سواء والمال عليه.
قالوا ولو لم يقل ذلك وقال له بعه فباعه بمال1 لم يلزم الآمر لأنه لم يضمن له وقالوا فإن قال متى بعته متاعا بشيء فأنا له ضامن أو إذا بعته متاعا فأنا ضامن لثمنه فباعه متاعا في صفقتين كل صفقة بخمس مائة درهم أحداهما قبل الأخرى ضمن الكفيل الأولى منهما ولم يضمن الأخرى قالوا ولو قال ما بعته من2 زطي فهو علي فباعه يهوديا أو حنطة لم يضمن الكفيل شيئا قالوا وكذلك لو أقرضه3 فإن الكفيل لا يضمن القرض وكذلك لو قال له أقرضه فما اقرضته فهو علي فباعه متاعا بمال لم يضمن الكفيل من ذلك شيئا لأنه خالف.
ولو قال داينه اليوم فما داينته به اليوم من شيء فهو علي فاقرضه في ذلك اليوم وباعه متاعا بألف درهم وقبضه لزم الكفيل المال لأن القرض وثمن البيع يدخل في المداينة.
قالوا ولو رجع الكفيل عن هذا الضمان قبل أن يبيع منه شيئا ونهى الطالب عن مبايعته ثم باعه الطالب بعد ذلك لم يلزم الكفيل من ذلك شيء لأن الكفيل قد رجع عن ذلك قالوا ولو قال ما بعته به اليوم من شيء فهو لك علي ثم جحد الكفيل هذه المقالة وجحدها المكفول به فأقام الطالب بينة أنه باعه يومئذ متاعا بألف درهم وقبضه منه لزم الكفيل ذلك ولزم المكفول عنه وأيهما خاصم بهذه البينة فهو جائز عليه لازم له ولصاحبه فإن لقي صاحبه بعد ذلك لم
ـــــــ
1 ن: بمال يلزم.
2 الزطي واليهودي جنسان من الثياب.
3 ن: لو لو أقرضه.

(1/240)


يعد عليه البينة ويكتفي بالشهادة الأولى عند القاضي إذا كان هو ذلك القاضي.
والصواب من القول عندنا في الرجل يقول لآخر بع فلانا فما بعته من شيء فهو علي إن ذلك ضمان باطل لا يلزم قائل ذلك للمقول له شيء إذا باعه وذلك لاجماع الجميع من الحجة على أن قائلا لو قال من بايع فلانا اليوم من درهم إلى ألف درهم فهو علي أو فأنا له ضامن فباعه رجل في ذلك اليوم بألف درهم أو أقل من ذلك متاعا إنه لا يلزم القائل ذلك شيء بقيله ذلك إذ كان المضمون له ذلك في حال ما ضمنه له مجهولا وإن كان المال المضمون 1معلوم المبلغ محدود القدر في حال الضمان فكذلك الحكم قياسا عليه مثله في فساد الضمان وبطوله عن الضامن إذا تضمن مالا مجهول المبلغ غير محدود القدر في حال ضمانه وإن كان المضمون عنه والمضمون له معلوم العين لا فرق بينهما ومن أنكر ما قلنا فالزم الضمان الضامن مالا مجهول المبلغ في حال الضمان إذا كان المضمون له معلوم الشخص وأبطل الضمان عن الضامن مالا معلوم المبلغ في حال الضمان إذا كان المضمون له مجهول العين يسأل الفرق بينهما من أصل أو قياس فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله فإن حد مبلغ المال المضمون الضامن فقال للمضمون له بع فلانا من درهم إلى ألف درهم أو من دينار إلى مائة دينار أو من قفيز حنطة إلى كر منها أو ما أشبه ذلك مما يكال أو يوزن فباعه قدر ذلك أو أقل منه لزم الضامن ما ضمن من ذلك فإن قال الطالب المضمون له قد بعته بألف درهم وصدقه على ذلك المضمون عنه وأنكره الضامن وكذبهما وقال للطالب لم تبعه شيئا فالقول في ذلك قوله مع يمينه ولا يؤخذ بشيء مما ادعاه قبل المضمون عنه بتصديق المضمون عنه إياه إذا حلف على أنه لا يعلمه باعه شيئا إلا ببينة عادلة تشهد على المضمون عنه بابتياعه من المضمون له ما ادعى قبله المضمون له ولكن المضمون له يتبع المضمون عنه
ـــــــ
1 ن: مجمهول.

(1/241)


بما أقر به على نفسه له فيؤخذ به وذلك أنه لا يلزم أحدا بإقرار غيره عليه شيء.
وكذلك القول في ذلك لو صدق الضامن المضمون له على بعض ما ادعى أنه باع المضمون عنه وأنكر بعضه وحلف قضي عليه بما صدقه عليه من ذلك وكان القول فيما أنكر منه قوله مع يمنيه على علمه على ذلك إلا أن تقوم للمضمون له بينة على المضمون عنه بما ادعى أنه باعه فيحكم حينئذ به عليه وأما إذا قال الضامن للمضمون له إذا بعت فلانا شيئا فهو علي فباعه متاعا بألف درهم فإنه لا يلزمه من1 الألف شيء لما بينا قبل من فساد ضمان الضامن مالا مجهول المبلغ في حال ضمانه إياه ولكنه لو قال له:
إذا بعته متاعا بألف درهم أو إذا بعته شيئا بدرهم إلى ألف درهم فما وجب لك عليه من ثمن ذلك فهو علي فباعه سلعة أو خادما يكون مبلغ ثمنها ما حد له من مقدار المال فإنه يلزمه فإن باعه بعد ذلك بيعة أخرى بثمن آخر يكون مبلغه قدر ما حد له من ذلك أو أقل لم يلزم الضامن من ثمن البيعة الثانية شيء لأن قوله إذا بعته معني به وقت البيع الذي يبايعه فيه متاعا بالمال الذي حد له مبلغه وذلك موجه إلى أول وقت يبايعه فيه كما أن قائلا لو قال لزوجته إذا دخلت الدار فأنت طالق فدخلت الدار لحقها الطلاق فإن خرجت منها ثم عادت فدخلت لم يعد عليها الطلاق لأن الحنث قد لحقه بوجود الوقت الذي أوقع بها فيه الطلاق ومضى فلن يعود فكذلك لا يعود عليها الطلاق بدخولها الدار مرة أحرى لأن الوقت الذي أحدثت فيه الدخول الثاني غير الوقت الذي أوقع بها فيه الطلاق فهي في دخولها الدار مرة أخرى في أنها لا يعود عليها الطلاق بمنزلتها لو قال أنت طالق إن دخلت الدار غدا فلم تدخل من الغد حتى مضى ولكنها دخلتها بعد الغد.
والقول عندنا في متى بايعت وإن بايعت مثل القول في إذا بعت
ـــــــ
1 ن: ألف.

(1/242)


والعلة في كل ذلك ما بينا في إذا بايعت وأما إذا قال ما بعته اليوم من درهم إلى ألف درهم أو ما بعته من درهم إلى ألف درهم بغير تحديد وقت بعينه فهو علي أو فأنا له ضامن لك ثم بايعه المضمون له أجناسا من السلع كان مبلغ جميع ذلك قدر ما حد له الضامن من المال فإن ذلك مأخوذ به الضامن غير أنه إذا كان الضامن إنما ضمن ما وجب له على صاحبه بمبايعته إياه في وقت حده له بعينه لم يلزم الضامن ما وجب له قبله قبل ذلك لأن ذلك غير داخل فيما ضمنه له وأما إذا قال الضامن للمضمون له بايع فلانا فكل ما بعته من درهم إلى ألف درهم فهو علي فبايعه مرة بعد مرة فإن ذلك كله للضامن لازم ما لم يجاوز فيما بايعه ما حد له من المال لأن قوله كل ما على التكرير لا على عدد محصور.
وأما إذا قال له بعه من درهم إلى ألف درهم ولم يقل فما بعته من ذلك فعلي ثمنه لك أو فأنا له ضامن لك أو كفيل لك عليه فلا شيء للمأمور بذلك على الآمر لأنه لم يضمن له شيئا.
وكذلك لو قال له اعطه ألف درهم أو أقرضه ألف درهم ولم يقل على أن ما أقرضته من ذلك علي أو ما أعطيته منه فهو لك علي أو فأنا ضامنه أو فأنا كفيل لك به عنه وما أشبه ذلك فلا شيء عليه إن أقرضه أو أعطاه ذلك لأنه لم يضمنه له وكذلك لو قال له أقرضه ألف درهم على أن ما اقرضته من ذلك فهو لك علي أو فأنا ضامنه لك فلم يقرضه ولكنه باعه متاعا بألف درهم لم يجب له عليه من ذلك شيء لأنه لم يضمن له ما بايعه به إنما ضمن له ما أقرضه إياه ولم يقرضه المأمور شيئا فيكون له اتباع الآمر به ولو قال رجل لرجل ما بعت اليوم فلانا من شيء من كذا إلى كذا فعلي ثمنه فباعه ذلك اليوم بالمال الذي1 حده له ثم جحد الكفيل والمكفول عنه ما بايع المكفول له المكفول عنه فخاصم المكفول له في ذلك الكفيل وأقام عليه المكفول له بينة فإن الواجب على الحاكم
ـــــــ
1 ن: أخذه.

(1/243)


أن يسمع شهادة بينته على مبايعته المكفول عنه بما لزمه له بمبايعته إياه في ذلك اليوم من المال حضر المكفول عنه أو غاب لأن ما لزمه من المال في ذلك اليوم من المال حضر المكفول عنه أو غاب لأن ما لزمه من المال في ذلك اليوم بسبب1 مبايعة المكفول له إياه فهو للكفيل لازم إلى مبلغ ما حد له وان مذهبنا أن على الحاكم استماع شهادة شهود ذي الحق على من شهدوا عليه له به حضر المشهود عليه أو غاب ويقضي بما شهدوا له به عليه من مال المشهود عليه به وقد بينا العلة الموجبة القول بذلك في غير هذا الموضع بما اغنى عن إعادته في هذا الموضع.
2وإذا قضى الحاكم بشهادة شهود المكفول له بذلك على الكفيل ثم حضر المكفول عنه وأراد الكفيل أخذه بما أدى عنه لم يكن للحاكم تكليف الكفيل إحضار بينة بوجوب ذلك له عليه لأن قضاءه 3على الكفيل للمكفول له بذلك قضاء منه للكفيل على المكفول عنه ولكن يجب عليه أمر المكفول عنه بالخروج إلى الكفيل مما لزمه بسبب ما قضى للمكفول له عليه بعد أن يكون قضاؤه عليه له بشهادة شهود شهدوا له أنه كفل للمكفول له بما كفل عن المكفول عنه بأمره إياه بكفالته ذلك عنه.
ولو أن رجلا قال من بايع فلانا اليوم من كذا إلى كذا فهو علي له فباعه رجل أو جماعة لم يلزم ذلك الكفيل في قول أحد من أجل أنه ضمان4 لمجهول الشخص.
وقال محمد بن الحسن لم يلزم ذلك لأنه لم يخاطب أحدا بذلك.
ولو قال لقوم بأعيانهم ما بايعتموه به اليوم أنتم وغيركم فهو علي كان عليه ما بايع به الذين خاطبهم بهذا القول لأنه ضمان لقوم بأعيانهم معلومين وأما ما
ـــــــ
1 ن: مبايعته.
2 كأنه يعني كتاب القضاء من اختلاف الفقهاء.
3 ن: عن.
4 ن: بمجهول.

(1/244)


بايع به غيرهم فلا يلزمه لأنه ضمان لمجهول وكذلك قال في ذلك أبو حنيفة وأصحابه.
ولو قال ما بايعت به فلانا من شيء فهو علي فأسلم إليه دراهم في طعام أو باعه شعيرا إلى أجل كان ذلك كله لازما للكفيل لأنه مما بايعه به وكذلك قال أبو يوسف ومحمد.

(1/245)


القول في حكم الرجل يأمر رجلا أن ينقد رجلا عنه مالا محدود المبلغ
وإذا أمر رجل رجلا أن ينقد فلانا عنه ألف درهم له عليه فنقد ذلك عنه المأمور فإن للمأمور أن يرجع بها على الآمر وكذلك لو قال له انقده عني فنقده ذلك وكذلك قوله انقده ما له علي وهو كذا وكذا درهما فذلك كله سواء إذا قضاه المأمور رجع به على الآمر وكذلك القول في ذلك لو قال له اقضه ما له علي أو اقضه عني ألف درهم أو قال ادفع إليه الذي له علي أو اعطه الذي له علي أو اعطه عني ألف درهم وكذلك لو قال له أوفه ما له علي فذلك كله سواء وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه وقالوا إنما جعلنا للمأمور الرجوع على الآمر بما1 أدى عنه إلى غريمه من دينه الذي أمره بأدائه إليه من أجل أن في إدائه إلى غريمه بامره إياه ما أدى من دينه براءة له مما عليه بقبض الغريم من المأمور ما قبض من دينه على الآمر2 قبض له من الآمر له فكان قوله له انقد فلانا مما له علي كذا وكذا دينارا بمنزلة قوله أقرضني كذا وكذا دينارا فأقرضه إياه فهو له عليه دين ولو أن الغريم أراد مطالبة المأمور بما أمره الآمر بدفعه إليه أو بنقده إياه وهو كذا وكذا دينارا فامتنع المأمور من دفع ذلك إليه
ـــــــ
1 ن: ادعي.
2 كذا في النسخة ولعل صوابه: وقبض.

(1/245)


وإعطائه إياه على ما أمره به ثم ترافعا إلى الحاكم لم يكن للحاكم إلزام المأمور بما أمره صاحبه بدفعه إليه لأن ذلك ليس بضمان منه له ما أمر بإعطائه إياه فتكون له عليه السبيل بسبب ضمانه ذلك له ومثل قوله انقده عني ألف درهم قوله انقده ألف درهم على1 أني له ضامن أو على أني به كفيل أو على أنه لك علي وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه قالوا ومثل ذلك أيضا قوله على أنه عندي أو قبلي.
قالوا وكذلك لو أن الدافع نقده به مائة دينار أو باعه به خادما أو عبدا أو عرضا من العروض وقبضه فقد قبض الألف ويرجع الدافع به على الآمر.
وهذا الذي قالوا عندنا كما قالوا وذلك أن في بيع المأمور غريم الآمر بالألف الذي له عليه الذي أمره أن ينقده عنه ما باعه إياه براءة للآمر من دين غريمه فله اتباعه بما قضى عنه بأمره.
وإذا قال الرجل للرجل ادفع إلى فلان ألف درهم قضاء له ولم يقل عني ولا قال2 على أنه لك علي أو على أنه لك قبلي أو على أنه لك إلي فدفعها المأمور إلى من أمره بدفعه إليه وبرئ إليه منه فإنه لا يرجع المأمور بذلك على الآمر من أجل أنه لم يضمن ذلك له فهو كقوله له ادفع إلى فلان ألف درهم ولا خلاف بينهم أنه إذا دفع المقول ذلك له إلى من أمره بدفعه إليه لم يكن للدافع اتباع الآمر به لأنه لم يقض عنه بذلك دينا للمدفوع ذلك إليه عليه ولا قبضه المدفوع ذلك إليه للآمر على توكيل منه إياه بقبضه له فيكون مستدينا من الآمر ولو لزم ذلك الأمر بقوله ادفع إليه لزمه بقوله له تصدق على المساكين اليوم بألف درهم ولم يقل عني بالألف الدرهم أو تصدق بذلك وذلك مما لا نعلم قائلا يقوله من أهل العلم.
ـــــــ
1 ن: أنه
2 ن: علي.

(1/246)


وقال أبو حنيفة إذا قال الرجل للرجل ادفع إلى فلان ألف درهم قضاء له ولم يقل عني ولا قال هو علي لك ولا1 على أنه لك قبلي ولا على أنه لك إلي فدفعه المأمور إليه وبرئ منه فإن كان خليطا للآمر رجع به عليه وان لم يكن خليطا له لم يرجع به عليه وكذلك قال أبو يوسف ومحمد.
ثم رجع يعقوب فقال يرجع عليه خليطا كان أو غير خليط.
وسواء في ذلك عندنا أمر بذلك أخاه أو إبنه أو إبن أخيه أو عمه أو خاله أو أمر بذلك ولدا كبيرا في عياله أو زوجته أو أمرت امرأة زوجها في أن ذلك لا يلزم لما وصفنا إذا دفعه المأمور إلى من امره بدفعه إليه ولكنه إن أراد أن يرجع به على المدفوع ذلك إليه إذا كان دفعه إليه ما دفع من ذلك إليه على ظن منه أن له الرجوع به على الآمر إذا دفعه المأمور إلى الذي أمر أن ينقده رجع به على الآمر إن كان خليطا أو لم يكن خليطا كان ذلك له.
قال أبو حنيفة لو أمر الرجل بذلك أخاه أو إبنه أو إبن أخيه أو عمه أو خاله كان ذلك مثل الغريب الذي لم يخالط إلا أن يأمر إنسانا في عياله في أمر ولدا له كبيرا في عياله أو زوجته أو امرأة أمرت زوجا أو أمر أخا له في عياله أو أحدا بعد أن يكون في عياله فدفع المال فإنه يرجع به على الآمر قال وهذا بمنزلة الخليط وكذلك الأجير وكذلك الشريك قال استحسن هذا وأرى هؤلاء جميعا بمنزلة الشريك والخليط وهذا أيضا قول محمد وهو قول أبي يوسف الأول وأما في قوله الذي رجع إليه فإن كل هؤلاء سواء ويرجع من إعطاء من أمره بإعطائه صاحبه عليه بما أعطى بأمره.
وقال أبو حنيفة إذا قال رجل لرجل ادفع إلى فلان ألف درهم وليس الآمر بخليط للمأمور فدفع المأمور إليه ألف درهم فإنه لا يرجع به على الآمر وللدافع أن يرجع به على الذي قبضه لأنه لم يدفعه إليه على وجه يجوز دفعه.
ـــــــ
1 ن: علي.

(1/247)


ولو أن رجلا أمر رجلا خليطا له أن يدفع إلى فلان عنه ألف درهم بخية فنقده المأمور ألف درهم غلة أو زيوفا أو بهرجة لم يكن للدافع أن يرجع على الآمر إلا بمثل ما نقد في قول أبي حنيفة وأصحابه.
قالوا ولو كان المأمور كفيلا عن الآمر بألف بخية فنقده ألف درهم غلة أو زيوفا أو بهرجة رجع الدافع على المكفول عنه بألف درهم.
والذي قالوا في ذلك عندي كما قالوا وذلك أن المأمور بدفع ألف درهم على الآمر إلى آخر إذا دفع إليه خلاف الذي أمره بدفعه إليه فالمدفوع إليه قابض ما قبض منه للآمر كان مثل الذي أمر أن يدفعه إليه أو دونه وإذا كان المأمور كفيلا بما أدى عنه بأمره فإنما هو قاض عن الآمر ما لزمه لغريمه بضمانه عنه والذي لزمه له بخية إن كان الذي عليه من المال بخية فإذا قضى الكفيل المكفول له دون الذي له فرضي به الغريم فإنما هو ترك منه له ما له أخذه به وإحسان منه إليه وإن كان في ذلك براءة للمكفول عليه فللكفيل الرجوع على المكفول عليه بما كفل عليه من المال وهو البخية لأن ذلك الذي كفل لغريمه عنه.

(1/248)


القول في كفالة العبد بنفس رجل لرجل وضمانه له مالا له عليه
وإذا كفل عبد بنفس عبد أو حر أو حرة أو أم ولد أو مكاتبة فإن ذلك كفالة باطلة لا يؤخذ بها العبد في قول الجميع إذا لم يكن سيده أذن له في ذلك.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إنما لم يجز ذلك من قبل أن الكفالة معروف ولا يملك العبد ذلك قالوا وكذلك لو كان العبد تاجرا في السوق يشتري ويبيع كانت كفالته باطلا لا تجوز قالوا وكذلك لو كفل بمال لم تجز كفالته بنفس ولا مال.

(1/248)


ولو أن العبد كفل بنفس من كفل بنفسه لمن كفل له بنفسه بإذن مولاه له بذلك فإن ذلك له لازم ويؤخذ به كما يؤخذ به الحر وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أن مولاه لو أذن له في الشراء والبيع والمداينة إن ذلك جائز وأنه يؤخذ لمن بايعه شيئا بثمن ما باعه ويحكم له على من ابتاع منه شيئا بثمن ما ابتاع منه وهم جميعا مجمعون على أن سيده لو لم يكن أذن له فيه أنه لم يكن شيء من ذلك جائزا ولا له لازما فألزمه الجميع في حال أذن السيد له في البيع والشراء ما باع واشترى ما لم يلزموه في غير حال أذن السيد له في ذلك فكذلك مثله كفالته لمن كفل له بنفس آخر أو بمال له على غريم له يلزمه في حال أذن سيده له في الكفالة ما لم يكن له لازما في غير حال إذنه له إذا اتبعه المكفول له بما كفل له به.
وبذلك كان شريح القاضي يقول "حدثني يعقوب قال حدثني هشيم قال أخبرنا بعض أصحابنا عن عياش العامر أنه شهد شريحا قال" ضمان العبد باطل إلا أن يكون أذن له مولاه فيه.
وهذا الذي قلنا في ذلك هو قياس قول مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور.
فإن أذن له مولاه في الكفالة بمال فكفل به فإن الواجب على قياس قول مالك أن يلزمه ما كفل به من ذلك ويؤخذ به إن كان له مال وكان المكفول عنه معدما لا سبيل له إلى القضاء فإن كان المكفول عنه مليا لم يكن للمكفول له سبيل على العبد المتكفل بذلك لأن ذلك قوله في الحر تكفل لرجل على غريم له بمال له عليه وحكم العبد إذا أذن له سيده في الكفالة على مذهبه حكم الحر الجائز الأمر تكفل بمال لرجل على آخر.
وأما على قياس قول الأوزاعي والثوري فإن الواجب إذا أخذ الطالب العبد بالكفالة أن يباع في دينه الذي على غريمه الذي كفل به إن لم يخلصه سيده مما أذن له بالدخول فيه من الكفالة.

(1/249)


وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنهم قالوا إن أذن له مولاه فكفل بمال فإنه يؤخذ به ويباع فيه إن لم يكن عليه دين فإن كان عليه دين يحيط به بيع في الدين الذي عليه فإن فضل شيء من ثمنه كان لصاحب الكفالة فإن لم يفضل فلا شيء له.
والواجب في ذلك على قياس قول الشافعي أن تكون الكفالة للعبد لازمة وأن طالبه المكفول له بما كفل له به من ما له على غريمه فالواجب على مذهبه أن يحكم على السيد بإطلاق العبد والتصرف والاكتساب والاحتيال لدين المكفول له حتى يؤدي إليه ما كفل له عن غريمه وذلك أن ذلك قوله في الرجل يأذن لمملوكه بالنكاح بصداق محدود المبلغ فينكح امرأة بما حد له من الصداق.
وأما على قول أبي ثور فإنه يجب أن لا يؤخذ العبد بما ضمن عن المضمون عنه للمضمون له حتى يعتق فإذا عتق اتبعه به المضمون له ويكون المضمون عنه على قوله بريئا من مال صاحبه الذي ضمن عنه.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن المكفول له إن اتبع العبد بما كفل له به من المال الذي له على غريمه بإذن سيده أن يجبر سيده على تخليته1 والسعي في دين المكفول له الذي على غريمه المكفول عنه إن كان المكفول عنه معدما وإن كان مليا قضي للعبد على المكفول عنه بما كفل عنه إن كان كفل ذلك عنه بأمره وقضى ذلك عنه المكفول له وذلك لإجماع الجميع على أن عبدا لو تزوج امرأة بغير إذن مولاه ودخل بها لم يبع في صداقها الواجب لها عليه فإذ كان ذلك من جميعهم إجماعا فمثله كل دين لحقه برضى من له الدين في أنه لا يباع فيه وإذا كان ذلك كذلك وكان الدين لزمه للمكفول له إنما لزمه بإذن سيده له بكفالته له فالواجب على السيد تركه والسعي فيه كما لو أذن له بنكاح امرأة فنكحها
ـــــــ
1 ن: والسفر.

(1/250)


كان عليه تركه والسعي في نفقتها ومؤونتها الواجبة لها عليه وكذلك حكم أم الولد يأذن لها مولاها في الكفالة عن رجل بمال لرجل عليه فتكفل له عنه وكذلك حكم المدبر والمدبرة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كفلت أم الولد بمال بإذن سيدها فهو جائز عليها تسعى فيه وإن مات سيدها فهو دين عليها وكذلك المدبر والمدبرة.
وإن كفل عبد بإذن سيده بنفس رجل فجائز في قياس قول مالك والأوزاعي والثوري وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقياس قول الشافعي.
وأما على قول أبي ثور فباطل لأنه كان لا يجيز الكفالة بالنفس.
والصواب من القول في ذلك عندنا أن ذلك جائز وإن اعتقه سيده بعدما كفل بنفس من كفل بنفسه فعتقه إياه ماض ولا شيء يلزم السيد بسبب إذنه في الكفالة والعبد متبع بالكفالة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن اعتقه سيده بعدما كفل بإذن سيده بنفس من كفل بنفسه فإنه يؤخذ بالكفالة ولا يضمن سيده شيئا للعتق الذي أحدث لأن الكفالة بالنفس ليست بمال قالوا ولو كفل بمال بإذن سيده لرجل1 له دين عليه فاعتقه سيده ضمن سيده الأقل من قيمته ومن الدين فإن شاء الغريم اتبع العبد بذلك وإن شاء اتبع السيد فإن اتبع العبد كان للعبد أن يتبع المكفول به إن كان كفل بأمره وإن اتبع الغريم السيد كان للسيد أن يتبع المكفول به إن كان المكفول به طلب إلى السيد إن يأمر عبده وإن لم يطلب إليه ولا إلى العبد لم يتبع واحد منهما المكفول به بشيء.
قالوا ولو كفل عبد بنفس رجل بغير إذن سيده لم يجز عليه فإن عتق2 كان
ـــــــ
1 ن: لا دين.
2 ن: كان كان الطالب.

(1/251)


للطالب أن يأخذه بالكفالة وكذلك لو كفل بمال لم يجز عليه إذا لم يكن السيد أذن له فإن أعتق يوما أخذ بذلك فإن أداه كان له أن يرجع على المكفول به إن كان كفل بأمره وإن كان كفل بغير أمره لم يكن له أن يرجع عليه.
قالوا وإن كان على العبد دين يحيط بقيمته فأمره مولاه أن يكفل بنفس أو بمال فإن ذلك لا يجوز ولا يلزمه منه شيء فإن أدى دينه ألزمناه الكفالة.
والصواب من القول عندنا في العبد يكفل بنفس رجل لرجل أو بمال له عليه بغير إذن مولاه أنه لا يلزمه للمكفول له بتلك الكفالة شيء لا في حال العبودة ولا بعد العتق لإجماع الجميع على أنه لا يلزمه بها في الحال التي كفل للمكفول له شيء فهو من أن يلزمه بها بعد تلك الحال أبعد ويسأل من أوجب للمكفول له أخذه بما كفل له من النفس والمال بعد عتقه فيقال له أخبرنا عن كفالته بما كفل من ذلك في حال عبودته بغير إذن سيده ألزمه بها للمكفول له شيء فإن قال نعم ترك قوله في ذلك وخالف مع ذلك ما عليه الحجة مجمعة من أنه لا يلزمه بها شيء وإن قال لا قيل فما المعنى الذي ألزمه ذلك بعد العتق ولم يحدث كفالة بعدما عتق يلزمه بها شيء والكفالة الأولى التي كانت في حال العبودة كانت باطلا لا يلزمه عندك بها شيء أو رأيت لو كفل صبي بنفس رجل لرجل أو بمال له عليه في حال طفولته بغير إذن وليه أو مجنون في حال جنونه ثم أدرك هذا وأفاق هذا وبرأ ثم طالبهما المكفول له بما كفلا له به أتاخذهما له به فإن قال نعم خرج من قول جميع أهل الملة وإن قال لا قيل له فما الفرق بينهما وبين العبد وجميعهم لم تكن الكفالة لهم لازمة في الحال التي كفلا ثم يسأل الفرق بين ذلك من أصل أو قياس فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
وإذا كفل عبد يساوي ألف درهم بإذن مولاه بألف درهم فذلك جائز

(1/252)


أيضا ويؤمر السيد بتركه والسعي فيما لزمه1 بالكفالتين إذا اتبعه بهما المكفول له وأما ما كان عليه من دين فإنه لا يتبع به حتى يعتق إذ كان دينا لزمه من متاجرة أو معاملة لأن مداينه قد رضي بأمانته بمداينته إياه فحكمه في ذلك حكم رجل معدم وجب عليه دين لغريم له فلا يتبع به حتى يوسر.
وكذلك العبد المستدين لا يتبع بالدين حتى يعتق ويوسر لأنه لا مال له في حال عبودته إلا أن يكون دينا لزمه من جناية فيباع فيه وأما ما لزمه بالكفالة بإذن سيده له فإنه في معنى النفقة التي تلزمه لزوجته الحرة التي تزوجها بإذن سيده.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كفل العبد وهو يساوي ألفا بإذن مولاه بألف درهم فهو جائز إذا لم يكن عليه دين فإن كفل بألف آخر بإذن مولاه لم تجز الكفالة الثانية قالوا فإن زادت قيمة العبد حتى بلغت ألفي درهم ثم كفل بألف أخر بأمره مولاه فإنها جائزة لأنه كفل وفي قيمته فضل ألف آخر فإن باعه القاضي في دينهم بألف فإنه يقسم بين المكفول له الأول والمكفول له الآخر نصفين ولا شيء للمكفول له الأوسط من قبل أنه كفل له وليس في قيمته فضل.
قالوا وكذلك لو باعه القاضي بألف درهم وخمس مائة أو ألفين فإن باعه القاضي بألفين وخمس مائة استوفى الأول والآخر وكانت الخمس مائة الفضل للأوسط وكذلك لو باعه القاضي بثلاثة آلف درهم استوفى الأول ألفا والثاني ألفا والثالث ألفا ولو كان القاضي باعه بألف درهم كانت بين الأول والآخر نصفين ولا شيء للأوسط.
ـــــــ
1 أي بالمال والنفس.

(1/253)


القول في كفالة متكفل بنفس صبي
وإذا ادعى رجل قبل صبي دعوى وكفل به رجل بغير أمر أبيه إياه بذلك

(1/253)


وكان المال الذي ادعاه قبله معلوما محدود المبلغ فإن الكفيل بذلك مأخوذ يحكم به عليه إذا طالبه المكفول له به وإن سأل الكفيل إحضار الصبي معه وكانت كفالته بنفسه لم يحضر له وذلك أنه لو كان بالغا ثم ضمن عنه ضامن بغير أمره مالا عليه لغيره أو كفل له بنفسه لم يلزمه إخراجه مما دخل فيه إذ كان دخوله في ذلك بغير أمره فكيف وهو طفل لا يجوز أمره ولو أمره بذلك وسواء في ذلك كان الصبي طلب إليه أن يضمن ذلك عنه أو لم يطلب إليه1 في أنه لا يلزمه فيه شيء.
وهذا الذي قلنا في ذلك قياس قول مالك والأوزاعي والثوري والشافعي.
وهو قول أبي حنيفة وأصحابه في الصبي إذا كان غير مراهق.
فإذا كان الصبي مراهقا وكان الكفيل كفل بدين عليه لرجل2 بطلب الصبي إليه أن يكفل به وهو ممن قد أذن له أبوه في البيع والشراء فإن ذلك عندهم جائز ويؤخذ به الكفيل ويؤخذ الغلام للكفيل حتى يبرئه من الكفالة قالوا ولو كان غير تاجر فطلب أبوه إلى رجل أن يضمنه فضمنه كان جائزا وأخذ به الكفيل وكان للكفيل أن يأخذ الغلام حتى يدفعه فإن تغيب الغلام فأخذ الكفيل أباه وقال أنت أمرتني أن أضمنه فخلصني فإن الأب يؤخذ حتى يحضر ابنه فيدفعه إليه ويخلصه من قبل أن أمر الأب على الولد في مثل هذا جائز كأنه طلب إليه أن يكفل بنفسه هو.
قالوا ولو أمره أن يكفل بنفس غلام يتيم هو وصيه كان مثل هذا أيضا قالوا ولو أمره أن يكفل بنفس غلام ليس هو وصيه لم يؤخذ الآمر بشيء ولم يتبع الآمر من قبل أن الآمر لا يجوز أمره على الغلام.
ـــــــ
1 ن: في ذلك في أنه.
2 ن: يطلب.

(1/254)


والصواب من القول في ذلك عندنا إن كفالة الكفيل على المراهق المأذون له في التجارة وغير المأذون له فيها بأمره وغير أمره سواء في أنه لا يلزم الصبي الآمر بسبب كفالة الكفيل عنه بما كفل عنه شيء وكذلك لو كانت كفالته بما يكفل عنه بأمر والده إياه أن يكفل عنه لم يلزم الصبي ولا أباه بذلك شيء من أجل أن الصبي ما لم يبلغ فيجوز أمره في ماله ونفسه محجور عليه بحجر الله جل وعز بقوله: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} 1 فما لم يبلغ اليتيم أو الصبي النكاح ويؤنس منه الرشد فمحجور عليه لا أمر له في نفسه وماله فإذن كل آذن لمن حجر الله عليه مردود فيما حجر عليه فيه وإن أبا الصبي إذا أمر رجلا بالضمان عنه ولم يشرط في ضمانه أن ما لزمه بسبب ضمانه عنه ما ضمن بأمره إياه فهو له عليه فإنما هو بمنزلة رجل أمر رجلا أن يكفل عن آخر دينا لرجل عليه ليس هو منه بسبيل وقد بينا فيما مضى قبل أن ذلك لا يلزم الآمر إذا أدى عنه بما يغني عن إعادته في هذا الموضع. ولكنه لو أمره أن يضمن عنه مالا معلوم المبلغ وابنه المضمون عنه صبي صغير على أنه ما لزمه بذلك من ضمانه فهو عليه فضمن ذلك عنه على هذا الشرط كان للضامن اتباع أبي الصبي المضمون عنه بما اتبع به بما ضمن عنه بأمر أبيه وكذلك لو أمره على هذا الشرط أن يضمن ألف درهم لرجل عن رجل له عليه ذلك فضمنه له سواء في ذلك الغريب من الآمر والقريب فيما يلزمه بضمان الضامن عمن ضمن عنه بأمره إياه به ويسقط عنه لا فرق بين شيء من ذلك ويسأل المفرق بين ذلك البرهان الموجب2 لفرقه ما بينهما من أصل أو قياس فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
والقول في كفالة الرجل عن معتوه أحدث حدثا من جناية جناها أو مال
ـــــــ
1 {وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً} النساء: 5.
2 ن: بفرقة.

(1/255)


أفسده لرجل فلزمه بسبب ذلك ما لزمه من ذلك في ماله أو كفالته بنفسه مثل القول في كفالته عن الصبي لم يدرك.
وقال أبو حنيفة وأصحابه المعتوه في ذلك بمنزلة الصبي.
وإذا كفل الرجل بنفس صبي على أن يوافي به غدا فإن لم يواف به فعليه ما 1ذاب عليه فإن الكفالة بالنفس جائزة يؤخذ بها الكفيل ولا يكون خصما فيما يدعي قبل الصبي وكذلك الصبي لا يكون خصما فيما يدعى قبله وإنما لم يكن الكفيل خصما فيما ادعى قبل الصبي لأنه لا يكون الخصم عن الصبي غير وليه الذي يلي ماله من والد أو جد أو2 أب أو وصي والد أو حاكم أو سلطان.
وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه قالوا وكذلك الصبي لا يكون خصما فيما يدعى قبله حتى يحضر أبوه فيخاصم عنه وإن كان يتيما أحضر وصيه فإن لم يكن له وصي جعل له القاضي وكيلا وإذا قضى عليه بمال ألزم الكفيل ولا يرجع به على الصبي لأنه كفل بغير أمر أب ولا وصي ولا قاض قالوا ولو كفل بأمر قاض رجع بذلك على الصبي.
والصواب في ذلك كله عندنا من القول كالذي قالوا وهو الواجب على قياس قول مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأبي ثور.
ولو أن يتيما عليه مال لرجل وله وليان وصاهما عليه أبوه أو قاض فقضى الحاكم على اليتيم بما ادعى المكفول له قبله بمحضر أحدهما وبخصومة الطالب بما له قبله لزمه الكفيل إن اتبعه المكفول له بما حكم له به عليه.
ـــــــ
1 قوله: ذاب: في النسخة هنا وفي غير هذا الموضع: ذاب: وإنما صوابه: ذاب عليه: أي لزمه.
2 كذا في النسخة.

(1/256)


وقال أبو حنيفة ومحمد إذا كان لأبيه عليه وصيان1 قام أحدهما بذلك دون الآخر2 ولم يرجع الكفيل على الصبي بما أمره بالضمان عنه أحدهما حتى يأمره الوصيان جمعيا.
وقال أبو يوسف أمر أحد الوصيين جائز على الصبي.
ـــــــ
1 لعلع صوابه: وقام.
2 لعل صوابه: لم يرجع.

(1/257)


القول في كفالة العبد عن سيده
وإذا كفل عبد بنفس سيده أو بمال عليه لغريم له بغير إذن سيده فإن ذلك باطل والعبد به غير مأخوذ لما بينا قبل في كفالته عن غير سيده لما مضى من العلة الدالة على فساده والعلة في بطول كفالته عن سيده نظير كفالته عن غير سيده فإن كانت كفالته عن سيده بإذن سيده جازت كفالته عليه للعلة التي بينا قبل أن كفالته عن غير سيده جائزة إذا كفل بإذن سيده والعلة في جوازها العلة التي بينا فيما مضى في جواز كفالته عن غير سيده بإذن سيده فإن عتق العبد الضامن عن سيده ما ضمن لغريمه بإذن مولاه يوما فأدى إليه ما ضمن عنه لم يكن له الرجوع به على سيده المعتق لأنه لزمه ما ضمن عنه يوم ضمنه باتباع غريمه إياه وتلك حال لا يكون له فيها على سيده دين ثم إنه كان عبدا له ولا يكون للعبد1 الدين ليس لمكاتب على سيده دين وكذلك القول في حكم أم الولد والمدبر والمدبرة.
وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه في هذه المسائل كلها وقالوا إن كان على أم الولد أو العبد دين يستغرق القيمة ثم أمرهما السيد فضمنا عنه دينه لم يلزمهما من الكفالة شيء ما داما رقيقا فإن عتقا لزمهما ذلك وإن مات السيد وترك مالا وأعتق العبد عند موته فإن غرماء العبد يستسعونه في قيمته ولا
ـــــــ
1 أي الدين علي سيده.

(1/257)


شيء لغرماء السيد من قيمة العبد ويتبعون مال السيد وإن شاء غر العبد اتبعوا مال السيد بقيمة العبد وإن شاء المكفول1 له اتبع مال السيد وإن شاء اتبع العبد غير أنه لا يشرك غرماءه في القيمة ولكنه يتبعه بدينه.
قالوا فأما أم الولد إذا عتقت فإن صاحب الكفالة يستسعيها مع غرمائها وأما المرأة المدبرة فهي في ذلك بمنزلة العبد ولا يرجع واحد منهم على السيد بشيء مما أدى من الكفالة عنه.
والصواب من القول عندنا في أم الولد والعبد إذا ضمنا عن سيدهما دينا عليه بأمره وعليهما دين يستغرق قيمتها أن ما ضمنا عنه لازم لهما مع الدين الذي عليهما ويكلف السيد تخليتهما والسعي فيما لزمهما بالكفالة بإذنه إن كان معدما لا قضاء عنده واتبعهما الغريم بما على مولاهما وإن كان المولى موسرا كلف خلاصهما مما ضمنا عنه بأمره وأما ما عليهما من الدين فإن كان لزمهما ذلك من مبايعة وتجارة فذلك عليهما إذا ثاب لهما مال أو إذا عتقا وأما ما لزمهما من دين من قبل جناية أو غصب فإن العبد تباع رقبته إذا قام عليه من له ذلك فإن باعه مولاه في دينه الذي لزمه من قبل الجناية وهو يسعى في الدين الذي لزمه بكفالته عن سيده بأمره2 بعدم سيده لم يتبع بما لزمه من ذلك للمكفول له حتى يعتق فإذا عتق اتبعه به المكفول له به إلا أن يوسر المولى المكفول عنه قبل ذلك فيؤخذ بتخليصه مما لزمه بكفالته عنه بأمره.
وإذا كفل العبد عن سيده بمال عليه بأمره وهو دراهم أو دنانير أو بعض ما يجوز السلم فيه أو من كفالة أو غصب فذلك كله جائز ويؤخذ به العبد على ما وصفت فإن أدى العبد ذلك في حال عبودته وهو من كفالة كفل بها السيد عن آخر كان للسيد أن يتبع الذي كفل عنه إن كان كفل عنه بأمره حتى يستوفي
ـــــــ
1 ن: به.
2 ن: بعد.

(1/258)


ذلك منه وليس للعبد أن يتبع1 بالذي كفل عنه سيده لأن المال الذي أداه العبد عنه إلى المكفول له بكفالة سيده إذا أمره السيد بأدائه إليه إنما هو مال السيد فالمطالبة به للسيد على المكفول عنه دون العبد.
وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه.
ولو ادعى رجل قبل عبد لرجل دعوى فكفل مولى العبد بنفسه فهو جائز ويؤخذ بها المولى كان العبد تاجرا أو محجورا عليه وكذلك إن كفل عنه بمال عليه فهو جائز ويؤخذ به المولى فإن أخذ بذلك المولى فأداه إلى غريم عبده لم يكن له الرجوع به على عبده وسواء كان أداؤه ذلك في حال ملكه إياه أو بعد ما عتق أو خرج ملكه إلى غيره بعد أن يكون ضمانه ما ضمن عنه من ذلك في حال ملكه إياه وذلك أنه لزمه المال الذي ضمن في حال ضمانه إياه وذلك في حال المضمون عنه2 له عبد فلا يكون للسيد على عبده دين.
وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه في كل هذه المسائل.
وسواء عندنا وعندهم العبد والمدبر والمدبرة وأم الولد كان على العبد دين أو لم يكن عليه دين.
ولو أن العبد كان أحال على مولاه بالدين الذي عليه غريمه فقبل الغريم الحوالة لم يكن له أن يرجع3 بما أحاله به على مولاه بالدين الذي أحاله به على مولاه ولو مات المولى معدما ولم يخلف مالا غير العبد المحيل للعلة التي بينا في أول الكتاب من أن الحوالة انتقال فلا يرجع المحال على المحيل بعد تحوله عنه إلى غيره ولكن العبد إن كان في ملك السيد المحال عليه يوم حدث به حدث الموت فإنه يباع في دينه الذي لزمه من قبل الحوالة.
ـــــــ
1 ن: الذي.
2 أي عبد له.
3 أي بإحالته به.

(1/259)


وقال أبو حنيفة وأصحابه له أن يرجع على العبد إذا مات المولى معدما لا شيء له غير العبد المحيل.
وإذا كفل رجل عن عبده بمال عليه فابرأ الطالب المولى بعد اتباعه بالمال الذي له على مملوكه برئ المملوك والمولى ولم يكن له على المملوك بعد ذلك سبيل وذلك لما بينا قبل في أن اتباع رب المال من اتبعه بماله من صاحب الأصل1 والكفيل براءة2 الآخر فكذلك ذلك في السيد يكفل عن عبده بمال فيتبعه به المكفول به له فإن اتباعه إياه بذلك براءة للعبد فإن ابرأه السيد بعد براءة العبد وتحول المال على السيد كانت براءة للفريقين جميعا.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا ابرأ المكفول له3 المولى كان له أخذ4 العبد وإن أبرأ العبد من المال ولم يبرئ المولى فهما جميعا بريئان من المال.
وإن كفل المولى بنفس عبده وضمن ما ذاب عليه وغاب العبد وهو تاجر فإن للطالب أخذ المولى بالكفالة بالنفس فأما ضمانه ما ذاب عليه فباطل لا يلزمه به عندنا شيء لما قد بينا قبل من أن ضمان المجهول من المال باطل.
وقال أبو حنيفة وأصحابه يؤخذ المولى بنفس عبده الذي كفل به كذلك ولا يكون خصما فيما على العبد فيخاصم فإن قضي عليه بمال لزم المولى فإن لم يكن على العبد دين أو كان عليه دين فهو سواء.
ـــــــ
1 ن: والكفالة.
2 لعل صوابه: للآخر.
3 ن: الموالي,
4 ن: العبد من المال.

(1/260)


القول في الكفالة عن المكاتب وكفالة المكاتب
وإذا كفل رجل عن مكاتب بما عليه لمولاه من مال مكاتبته فإن ذلك كفالة

(1/260)


باطلة لا يلزم الكفيل به شيء وكذلك لو كان المكاتب المتكفل بمكاتبة مكاتب لمولاه آخر لم يجز ذلك تكفل له بذلك عليه بأمر مولاه إياه به أو بغير أمره من أجل أن ذلك نقص يدخل عليه به فيما في يده من المال ومضرة عليه وليس له فعل ما فيه نقص أو مضرة فيما في يده من المال كما ليس له عتق مملوك في يده اشتراه في كتابته وإن عتقه إياه مردود إن اعتقه لما قد بينا في كتابنا المسمى لطيف القول في أحكام شرائع الدين وأما إبطالنا كفالة المتكفل بما عليه لسيده من الكتابة فلأن الذي عليه له من ذلك غير دين لازم ولا حق واجب له عليه وإنما هو مال مشروط للمكاتب بأدائه إلى مولاه1 عتقه فلا معنى لكفالة الكفيل عنه بذلك لأن الكفالة هي حمالة متحمل عن غريم رجل بما عليه له ولا دين للسيد على مملوكه.
وهذا الذي قلنا في ذلك قياس قول مالك والأوزاعي والثوري وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وقياس قول الشافعي.
وكذلك القول لو كان لسيده عليه دين سوى مال مكاتبته من مبايعة بايعه في حال ما هو مكاتب.
ـــــــ
1 ن: أعتقه.

(1/261)


واختلفوا في حكم كفالة جماعة من المكاتبين كوتبوا كتابة واحدة فكفل بعضهم عن بعض ما لسيدهم عليهم من مال الكتابة
1فقال مالك:2 الأمر المجتمع عليه عندنا أن العبيد إذا3 كاتبوا جميعا
ـــــــ
1 م: كتاب المكاتب.
2 الحمالة في الكتابة: قال مالك: المر الخ.
3 كوتبوا.

(1/261)


كتابة واحدة فإن بعضهم1 كفلاء عن بعض2 فإن عجز بعضهم عن السعي وسعى بعضهم حتى يؤدي جميع ما عليهم من الكتابة فعتقوا فإن الذين سعوا يرجعون على الذين3لم يسعوا بحصة ما أدوا عنهم من الكتابة لأن بعضهم حملاء عن بعض "حدثني بذلك يونس عن ابن وهب عنه".
وكذلك قال الأوزاعي "حدثني بذلك العباس عن أبيه عنه".
وهو قول الثوري "حدثني بذلك علي عن زيد عنه".
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كفل مكاتب بمال لمولاه على مكاتب له آخر لم يجز ذلك وكذلك لو كفل بمكاتبته قالوا وكذلك لو كانا مكاتبين كل واحد منهما4 كتابه على حدة ثم كفل كل واحد منهما على صاحبه لمولاه فإن ذلك لا يجوز قالوا ولو كاتبهما مكاتبة واحدة وجعل نجومهما واحدة إن أديا عتقا وإن عجزا ردا رقيقا كان ذلك جائزا وكان للمولى أن يأخذ كل واحد منهما بجميع مكاتبته.
قالوا ولو أدان المولى بعضهم دينا بعد المكاتبة وكفل له الآخر لم يجز وليس هذا كالمكاتبة لأن المكاتبة لا تعتق واحدا منهما إلا بأدائها كلها قالوا وإذا كان للمكاتب مال على رجل فأمره فضمنه لمولاه من المكاتبة أو من دين له سوى ذلك فهو جائز لأن هذا كفل بشيء عليه الجوزجاني عن محمد.
5وقال الشافعي:6 إذا كان للرجل ثلاثة أعبد فكاتبهم على مائة منجمة
ـــــــ
1 م: حملاء.
2 سعي المكاتب: قال مالك: إذا كاتب القوم جميعا كتابة واحدة لا رحم بينهم فعجز بعضهم وسعي بعضهم حتي عتقوا جميعا فإن الذين: إلا في طبع تونس وشرح الزرقاني: وإذا كاتب القوم كتابة الخ: وإن في بعض نسخ الهند: وسعي بعض حتي الخ.
3 م: عجزوا بحصة ما أدوا عنهم لأن بعضهم الخ...
4 يحتمل أن يكون صوابه: كتابته.
5 أم: المكاتب: كتابة العبد كتابة واحدة صحيحة.
6 أم: قال الشافعي: فإن كان لرجل ثلاثة الخ...

(1/262)


في سنين على أنهم إذا أدوا عتقوا فالكتابة جائزة والمائة مقسومة على قيمة الثلاثة1، 2وإن أدى أحدهم عن أصحابه متطوعا فعتقوا معالم يكن له أن يرجع عليهم بما أدى عنهم وإن أدى عنهم بإذنهم رجع عليهم بما أدى عنهم وأيهم أدى حصته من الكتابة عتق وأيهم عجز رد رقيقا ولم تنتقض كتابة الباقين "حدثنا بذلك عنه الربيع".
وعلة من قال بقول مالك في ذلك إن الكتابة إذا وقع عقدها من المولى وجماعة أعبد له على شرط فإنما يعتق المماليك الذين كاتبهم على الشرط الذي شرط لهم إذ كانت الكتابة عتقا على شرط.
وعلة من قال بقول الشافعي إن الكتابة بيع المكاتب من نفسه على عوض فإذا كاتب الرجل جماعة أعبد له كتابة واحدة فإنما يلزم كل واحد منهم من مال الكتابة بقدر قيمة رقبته كما لو خالع رجل جماعة نسوة له على مال معلوم لزم كل واحدة منهن من ذلك على قدر مهر مثلها فكذلك كتابته جماعة أعبد له كتابة واحدة على مال معلوم وأيهم أدى مقدار ما لزمه من ذلك عتق كما إذا أدت بعض المخالعات منه قدر ما لزمها من المال الذي وقع عليه الخلع برئت.
والصواب من القول في ذلك عندنا إن الرجل إذا كاتب جماعة أعبد له كتابة واحدة على مال محدود المبلغ يؤدونه إليه في أنجم معدودة على أنهم لا يعتقون إلا بأداء جميع ذلك فإنه لا يعتق أحد منهم إلا بأدائهم جميع الكتابة وأيهم أدى جميع ذلك عتقوا جميعا وإن أدوا جميع ما كاتبوا عليه غير درهم واحد لم يعتق واحد منهم إلا بأدائهم جميع الكتابة لأن الكتابة عتق على شرط فلن يعتق على
ـــــــ
1 أم: الثلاثة وإن كان أحدهم قيمته مائة ديننار والآخران قيمتهما خمسين فنصف المائة عن الكتابة علي العبد الذي قيمته مائة ونصفها الباقي علي العبدين اللذين قيمتهما خمسون علي كل واحد منهما خمسة وعشرون فأيهما أدي حصته الخ.
2 حمالة العبيد: فأيهم أدي متطوعا عن أصحابه لم يرجع عليهم وأيهم أدي بإذنهم رجع عليهم.

(1/263)


أحد مملوكه إلا بالمعنى الذي أعتقه به ولم يعتق سيد الا عبد الذين كاتبهم كتابة واحدة إلا بأدائهم إليه جميع مال الكتابة فلذلك لم يجز أن يعتق بعضهم بأداء قيمته وقيم جماعة أخرين معه ما بقي عليهم من مال الكتابة شيء قل ذلك أو كثر فإن أدى بعضهم عن نفسه وعن أصحابه جميع الكتابة بأمرهم إياه بذلك رجع على من أدى عنهم ذلك بأمره بقدر ما لزمه له وليس هذا من الكفالة في شيء لأنه لم يتحمل أحد منهم عن أصحابه شيئا أدى بعضهم عنهم أو لم يؤد أحد منهم عن أحد منهم لأن الكفالة إنما هي كفالة رجل لرجل بما له على غريم له يأخذه به إذا شاء كره أخذه به الكفيل أو رضي وليس للسيد أخذ عبده بمال كتابته كرها لأن للعبد المكاتب أن يعجز نفسه كل ما بدا له فيبطل بتعجيزه نفسه أن تكون لسيده قبله مطالبة يؤخذ بها المتكفل عنه.
ولو كفل عن مكاتب مولاه دينا له عليه من مبايعة بايعه إياها رجل أو عن ابن المكاتب أو عن أبيه في ملك السيد أو عن مملوك له كان ذا رحم من المكاتب أو غير ذي رحم منه أو عن أم ولد له فذلك باطل غير لازم الكفيل به شيء.
ولكن لو كفل بذلك عنهم المكاتب فإن أبا حنيفة وأصحابه قالوا ذلك على وجهين إن وكان كفل له عن عبد من عبيده فهو جائز لازم وإن كان كفل به عن ابنه المولود في مكاتبته لم يجر وكذلك ابنه إذا اشتراه أو أبوه أو أمه من قبل إنه ليس له أن يبيعهم وإنهم يعتقون بعتقه والإبن مكاتب مثله وكذلك الأب1 وليس العبد هكذا له أن يتبع العبد.
والقول في كفالة المكاتب عن عبده وابنه المولود في 2كتابة من سرية تسراها3 وأبيه وأمه سواء في إن ذلك كله جائز ماض عليه إذا كان فيه صلاح لما في
ـــــــ
1 أي ليس عبد المكاتب هكذا وللمكاتب أن يتبع عبده.
2 ن: كتابه: ولعل صوابه: كتابته.
3 ن: وابنه.

(1/264)


يده من المال وزيادة لأن له بيع جميع هؤلاء عندنا للعلل التي بينا في كتابنا المسمى كتاب لطيف القول في1 أحكام شرائع الإسلام بما اغني عن إعادته في هذا الموضع.
وكذلك إن كفل عن أم ولده مالا لسيده عليها من شيء أفسدته له فهو جائز ولو ضمن ذلك عنها وعنهم رجل حر بأمر المكاتب أو غير أمره لم يجز ولم يلزمه به شيء وذلك لما ذكرنا من أن كفالة متكفل لرجل على مملوكه بمال أتلفة له غير لازمته لأنه لا يكون للرجل على مملوكه دين في قول أحد من أهل العلم.
وكالذي قلنا في هذه المسائل قال أبو حنيفة وأصحابه وقالوا أيضا إن مات مولى المكاتب فكفل رجل بما عليه من المكاتبة للورثة فهو باطل لا يجوز وكذلك لو كفل بدين لهم عليه أو بنفسه لأن الورثة في هذا بمنزلة الميت.
والذي قالوا في ذلك عندنا كما قالوا لأنه لا خلاف بين الحجة أن المكاتب إن عجز بعد وفاة سيده عن أداء تمام الكتابة لورثته2 رده في الرق وذلك دليل على أنه في حكم المملوك وإن كان على مكاتبته.
ولو كان لرجل على مكاتب دين فأمره الذي له الدين أن يضمن ما له عليه من ذلك لرجل بعينه ففعل كان ضمانه ذلك جائزا وكان مأخوذا بأداء ما ضمن من ذلك إلى من ضمنه له وليس هذا نظير كفالته عن رجل مالا عليه لآخر ليس عليه أصله لأن كفالته لرجل عن غريم له عليه مال معروف منه وتعريض لما كفل عنه للبيع وليس له تضييع ماله وأما ضمانه مالا عليه أصله فأدى3 عنه
ـــــــ
1 ن: في شرائع الإسلام.
2 أي رده الورثة.
3 أي عن رب المال.

(1/265)


ما عليه إلى أمره رب المال بدفعه إليه وذلك أمر هو له لازم في الحكم وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه وقالوا لو كان للمكاتب على مولاه دين ولم تحل مكاتبته فأخذ من مولاه كفيلا بذلك فإنه جائز قالوا وكذلك إن كفل بنفسه من قبل أن المولى لا يملك مال المكاتب ومن قبل أن المكاتب إذا عتق كان ماله له ولا تشبه الكفالة عن المولى للمكاتب الكفالة عن المكاتب للمولى.
قالوا وكل دين للمكاتب على مولاه من دراهم أو دنانير أو شيء مما يكال أو يوزن من غصب أو قرض أو من بيع1 إن كان على المكاتب دين أو لم يكن عليه كفل به عن2 المولى رجل فهو جائز.
قالوا وكذلك لو كفل له بنفسه وضمن ما ذاب عليه فإنه جائز ولا يكون الكفيل خصما في ذلك وكذلك لو جعله كفيلا بنفسه3 وكيلا في خصومته كان ذلك جائزا فإن جعله ضامنا لما ذاب عليه جاز ذلك وضمن ما قضي به عليه.
والصواب من القول عندنا في المكاتب يكون له على مولاه دين فيأخذ به منه كفيلا إن الكفالة بذلك جائزة والكفيل بها مأخوذ إن اتبعه المكاتب بها وإنما خالف حكم المكاتب في ذلك حكم السيد فجازت كفالة الكفيل للمكاتب بما له على سيده ولم تجز كفالته للسيد بما له على المكاتب من أجل أن للمكاتب تعجيز نفسه كل ما بدا له فيبطل بتعجيزه عن الكتابة عنه ديون سيده كلها من الكتابة وغيرها وأن السيد غير قادر على تعجيزه ما كان مقيما على أداء الكتابة4 والذي له على السيد من الدين مما يتسبب به إلى التحرير بأدائه إليه في نجومه فليس
ـــــــ
1 ن: أو كان.
2 ن: مولي.
3 لعل صوابه: أو وكيلا.
4 لعل صوابه: عن المتابة والذي الخ.

(1/266)


له منعه إياه وحكمه فيما يلزمه من أدائه إليه ما كان مقيما على الكتابة حكم أجنبي داينه غير مولاه فكما كان كفيل غير مولاه مأخوذا بما لزمه له فمثله كفيل مولاه مأخوذ به إذا اتبعه به.
وكذلك القول في عبد لمكاتب مأذون له في التجارة لو داين1 مولى المكاتب فأخذ بدينه كفيلا من مولى مولاه كان مقضي2 له على الكفيل بما كفل له عنه إذا اتبعه به العبد لأن عبد المكاتب وما له مال من مال المكاتب لا سبيل لمولاه عليه إلا ما لغيره عليه من سائر الناس ما كان مقيما على أداء الكتابة وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه.
ـــــــ
1 ن: هو لا.
2 ن: له له علي.

(1/267)


القول في العبد يكون بين اثنين فيداينه أحدهما ويأخذ منه كفيلا أو يداين العبد أحدهما ويأخذ منه كفيلا
وإذا كان عبد بين اثنين مأذون له في التجارة فأدانه أحد الموليين دينا واخذ منه به أو بنفسه كيلا فذلك جائز في قياس قول مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وهو قول أبي حنيفة وأصحابه غير أنه لا يلزم الكفيل إلا نصف ذلك المال الذي كفل به له عنه وذلك أن نصف دينه الذي على العبد الذي وصفنا أمره يبطل عن العبد من أجل أن ذلك حصته من العبد فما كان من حصة ملكه منه فساقط عنه وذلك النصف وما كان من حصة ملك شريكه منه فثابت عليه وذلك النصف وما كان ثابتا عليه منه فالكفالة به جائزة والكفيل به مأخوذ وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه.
ولو كان العبد هو الذي أدان أحد مولييه فأخذ منه كفيلا بالمال1 والنفس
ـــــــ
1 لعل صوابه: أو النفس.

(1/267)


فهو جائز والكفيل به مأخوذ إن اتبعه به العبد غير أنه يبطل من ذلك حصة المولى منه وهو النصف.
ولو أن الموليين أداناه جميعا دينا في صفقة واحدة وأخذا منه كفيلا بالمال أو بنفسه فذلك جائز على ما وصفت في قياس قول الجميع غير أنه يبطل نصف دين كل واحد منهما عن الكفيل.
وإذا كان العبد بين اثنين وهو تاجر فأدان أحدهما دينا وأخذ منه كفيلا بنفسه أو بالدين وعلى العبد دين فإن الكفيل مأخوذ إن اتبعه العبد بجميع ما على السيد من دينه لأن الغرماء أحق بما عليه من أموالهم التي ثبتت عليه بالبينة العادلة من سيده ولا يبطل عن الكفيل من ذلك شيء ولا عن السيد وكذلك لو كان لهذا العبد دين على غير مولييه فكفل له عن غريمه أحد مولييه بما عليه فكفالته له بذلك جائزة ويؤخذ له بذلك كله سيده ان اتبعه العبد إن كان عليه دين وإن لم يكن عليه دين أخذ له بنصفه وسقط النصف الآخر عنه لما قد وصفت من العلة قبل.
وكالذي قلنا في ذلك قال أبو حنيفة وأصحابه.

(1/268)


القول في كفالة أهل الذمة
والقول في الكفالة بين أهل الذمة فيما يجوز ويصح وفيما يفسد ويبطل بين أهل الذمة والمسلمين1 مثل القول في كفالة المسلمين بينهم ما جاز منها بين أهل الإسلام فجائز بينهم وبينهم وبين أهل الإسلام وما رد منها بين أهل الإسلام فمردود بينهم وبينهم وبين أهل الإسلام وهذا الذي قلنا قياس الشافعي وأبي ثور.
ـــــــ
1 ن: من.

(1/268)


وأما على قياس قول مالك وهو قول أبي يوسف ومحمد فلو أن ذميا كانت له على ذمي خمر من قرض أو سلم أو بيع فيكفل بها عن الذي ذلك عليه متكفل فإن ذلك جائز ويوخذ الكفيل بها للمكفول1 له إذا كان ذميا أو من غير أهل الإسلام لأن من قول مالك أن يقضى بالخمر لبعض أهل الذمة على بعض إذا استهلكها عليه أو غصبها إياه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا تكفل ذمي بخمر لذمي عن ذمي فجائز فإن أسلم الكفيل برئ من ذلك وكذلك إن أسلم المكفول عنه فهو بريء والكفيل معه قالوا وأيها أسلم بطل هذا الذي عليه غير أنه إذا أسلم الكفيل ولم يسلم الطالب ولا المكفول عنه فإن الطالب يرجع على المكفول عنه بالخمر قالوا والقرض والغصب في جميع ذلك واحد وذلك قول أبي حنيفة الذي رواه عنه أبو يوسف وهو قول أبي يوسف وقال محمد إن أسلم الكفيل أو المطلوب وجبت عليه قيمة الخمر وهو قياس ما روى زفر عن أبي حنيفة.
وإن كان باع متاعا بأرطال خمر معلومة وإلى أجل معلوم فأسلم الطالب فله أن يأخذ متاعه وإن لم يقدر عليه أخذ قيمته من المكفول به ولا شيء على الكفيل وكذلك لو أسلم المكفول به ولم يسلم الطالب فإن الكفيل بريء من الخمر ويأخذ الطالب المكفول به بالبيع إن قدر عليه وإن لم يقدر عليه أخذه بقيمته.
ولو أن امرأة نصرانية تزوجت نصرانيا على خمر أو خنازير مسماة2 أو ليس شيء من ذلك بعينه وكفل لها بذلك نصراني فجائز في قول الجميع فإن
ـــــــ
1 للمكفول إذا.
2 ن: وليس.

(1/269)


أسلم الكفيل فهو بريء من ذلك والذي سمى لها الزوج منه على زوجها على حاله وإن لم يسلم الكفيل ولكن الزوج المطلوب أسلم فإن عليه عندنا لزوجته مهر مثلها ولا يكون للمرأة سبيل على الكفيل لأن الذي كان عليه قد بطل عن المكفول عنه وهو الزوج وتحول عن الحال التي ضمنه عليها الضامن.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن أسلم الكفيل فهو بريء من ذلك ولها على زوجها الذي سمى لها على حاله وقالوا وإن لم يسلم الكفيل ولكن الزوج المطلوب أسلم فإن عليه قيمة الخمر وعليه في الخنازير مهر مثلها ولا يضمن الكفيل شيئا من ذلك لأنه قد تحول عن حاله في قياس قول أبي حنيفة.

(1/270)


القول في كفالة المرتد
وإذا كفل المرتد عن الإسلام بنفس رجل أو بمال عليه ثم قتل على ردته فإنه لا يعطي من ماله المكفول له 1شيئا بسبب ما كان كفل له إن لم يكن اتبعه به في حياته فإن كان اتبعه في حياته دون المكفول عنه حتى قتل ولم يقضه ما لزمه له بكفالته له فإن ذلك له مقضي من ماله بعد أن يقتل وذلك أن ذلك حق كان قد لزم ماله في حياته ودين لحقه بمنزلة نفقة عياله وولده التي كانت تلزم ماله في حياته فهو مؤدي من ماله بعد قتله وأما الكفالة بالنفس فإنها تبطل إذا قتل.
وقال أبو حنيفة لا تجوز كفالته بالمال ولا بالنفس وقال أبو يوسف كفالته بالمال جائزة فإن قتل على ردته كانت من ثلثه بمنزلة المريض في الحكم.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لو أسلم قبل أن يقتل كانت كفالته كلها جائزة.
والقول في ذلك عندنا كما قالوا وسواء كفالته عن مسلم وعن
ـــــــ
1 الذي كان في النسخة: شيا: ثم أبدل: شئ.

(1/270)


مرتد وعن ذمي في قولنا وقولهم وكذلك سواء عندنا كفالة المرتد والمرتدة عاشت فراجعت الإسلام أو قتلت على الردة.
وهذا قياس قول مالك والشافعي في أن حكم المرتد والمرتدة سواء في الذي يلزمهما بكفالتهما إن كفلا وذلك أن المرأة تقتل عندنا بالردة كما يقتل الرجل.
وقال أبو حنيفة وأصحابه أما المرأة المرتدة فإن كفالتها بالمال جائزة وإن ماتت على الردة من قبل أنها لا تقتل قالوا وإن لحقت بدار الحرب فسبيت فإن كفالتها بالنفس باطل بمنزلة أمة كفلت بنفس قالوا وأما كفالتها بالمال فهو دين في مالها الذي خلفت وإن عتقت يوما لم تؤخذ بالكفالة بالنفس ولا بالمال أبطل السباء كل كفالة وكل حق لأنها صارت فيئا ولكن الكفالة بالمال تؤخذ من مالها حيث لحقت بدار الحرب.
والصواب من القول عندنا في المرأة المتكفلة بنفس رجل أو بمال محدود المبلغ تلحق بدار الحرب مرتدة أو تقيم بدار الإسلام حتى تقتل على الردة سواء في أن الكفالة لها بالنفس والمال لازمة إن اتبعها بذلك المكفول له في1 حياتها تؤخذ بذلك كله في حياتها ويبطل عنها كفالة النفس بعد وفاتها ويؤخذ من مالها ما كان لزمها بالكفالة به في حياتها إن قتلت أو هلكت على الردة ولا يجوز لأحد استئماؤها ولا يغير حكمها لحوقها بدار الحرب مرتدة وقد بينا القول في ذلك بعلله في كتابنا المسمى2 لطيف القول في أحكام شرائع الدين بما أغني عن إعادته في هذا الموضع.
ولو أن مرتدا كفل بمال أو بنفس ثم لحق3 بالدار على ردته فإن
ـــــــ
1 ن: حياته.
2 ن: المسمي القول.
3 أي دار الحرب.

(1/271)


المكفول له إن اتبع بذلك المرتد دون المكفول عليه وكان قد خلف في دار الإسلام دارا أو عقارا أو غير ذلك من سائر صفوف الأموال وثبت المكفول له الدين الذي له على المكفول عنه وإن المرتد كفل بذلك عنه كان الواجب على الحاكم أن يقضي بذلك في ماله وإن لم يكن خلف في دار الإسلام مالا ولا شيئا يقضي ذلك منه أخذ به كله إن انصرف يوما إلى دار الإسلام أو قدر عليه يوما ولم يبطل لحاقه بدار الحرب شيئا من ذلك لأن لحاقه بدار الحرب لا يغير حكمه ولا يوجب له حكما لم يكن له وهو مقيم في دار الإسلام.
وقال أبو حنيفة إذا لحق المتكفل بالنفس أو المال بدار الحرب مرتدا بطل ذلك كله وأما أبو يوسف فإنه قال يؤخذ المال من ماله وهو على كفالته بالنفس فإن قتل بطلت الكفالة بالنفس في قولهما جميعا وإن رجع مسلما لزمه كفالة النفس في قول أبي حنيفة وأصحابه وتعود عليه الكفالة بالمال حتى يؤدي في قول أبي حنيفة.
ولو أن مسلما كفل بنفس مرتد في دين عليه فلحق المرتد بدار الحرب على ردته أو كان المرتد مسلما ثم ارتد بعد الكفالة فلحق بدار الحرب كان المتكفل1 على كفالته يؤخذ به حتى يحضره إن كان له إلى ذلك سبيل وإن لم يكن له إليه سبيل فيؤخذ به حينئذ وقد بينا العلة في ذلك فيما مضى قبل.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا لحق المكفول2 عنه بدار الحرب مرتدا أخذ به كفيله حتى يخرجه من قبل أنه حي لم يمت فصار بمنزلة رجل غائب غير أن الكفيل يؤجل بقدر المسافة ذاهبا وجائيا والمقام عنده يجعل لذلك أجل فإن أحضره لذلك الأجل وإلا أخذ به.
ـــــــ
1 ن: له علي.
2 ن: المكفول بدار.

(1/272)


وقال محمد إذا قدر الكفيل على أن يأتي بالمكفول عنه على وجه من الوجوه أخذ به حتى يأتي به وإن لم يقدر على ذلك ترك ولم يحبس حتى يقدر على ذلك بمنزلة رجل كفل بمال فأعسر فلم يقدر على آدائه أنه يخلى سبيله حتى يقدر على ذلك.
قال وكذلك الذمي والذمية يكفل عنهما بمال أو نفس ثم نقضا العهد ورجعا عن الذمة ولحقا1 بالدار فإن الكفيل يؤخذ بالمال والنفس ويؤخذ بالكفالة ولا يرجع إذا أدى على واحد منهما في ذلك2 بشيء إن3 اعتقا يوما من الدهر.
والصواب من القول في الذمي والذمية عندنا تكفل عنهما متكفل بأنفسهما أو بمال عليهما لغريم لهما بأمرهما ثم لحقا بدار الحرب ناقضين عهدهما مثل القول في كفيل المرتد والمرتدة يكفل بأنفسهما أو بما عليهما لغريمهما يلحقان بدار الحرب مرتدين وقد بينا القول في ذلك قبل.
ـــــــ
1 أي دار الحرب.
2 ن: شئ.
3 أي لماشي.

(1/273)


القول في حكم كفالة الحربي المستأمن
وإذا دخل الحربي دار الإسلام بأمان تاجرا فكفل فيها بمال أو نفس أو كفل له فيها مسلم أو ذمي بمال أو بنفس فذلك كله جائز في قولنا وفي قول الجميع من أهل الحجاز والعراق .
فإن لحق الحربي بدار الحرب وقد كفل بالمال أو النفس ثم خرج إلى دار الإسلام كان مأخوذا بذلك كله وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه.
وإن سبي بعدما رجع إلى دار الحرب أو أسر لم يتبع بشيء من ذلك ما دام

(1/273)


رقيقا لأنه لا مال له في حال العبودة يجوز حكمه فيه وأنه ليس للحاكم في الكفالة بالنفس حبسه بها إذا كان في حبسه على مولاه مضرة بسبب حق لزمه في حال ما كان حرا ولكنه إن عتق يوما من الدهر كان للمكفول له اتباعه بالكفالة التي كان كفل له بها قبل الأسر والسباء بنفس كان ذلك أو بمال.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن سبي أو أسر بطلت كفالته فيما له وفيما عليه في النفس وفي المال.

(1/274)


القول في حكم الرجل يأمر رجلا بضمان مال لآخر ثم يختلف في ذلك الآمر والمضمون له
وإذا أحال رجل رجلا على رجل بألف درهم للآمر فأدى ذلك المحال عليه إلى المحتال ثم اختلف المحيل الآمر والمحتال فقال الآمر ما قبضت من غريمي بإحالتي إياك به عليه فهو لي وإنما كنت وكيلي في قبضه منه وقال المحتال بذلك بل هو لي وإنما كان دينا لي عليك فإن القول في ذلك قول الآمر مع يمينه وعلى المحتال إقامة البينة إن له على الآمر ما يدعي قبله وذلك أن أصل المال كان للآمر وليس أمره الذي ذلك عليه بدفعه إلى المحتال إقرارا منه بأن ذلك له عليه ولا قوله له قد احتلتك على فلان هذا بألف درهم وكذلك لو قال لغريمه أو لغيره إضمن له الألف الذي لي عليك أو اكفل له به ففعل فأدى ذلك إليه فإن القول في ذلك قول الآمر مع يمينه إذا اختلف فيه هو والمضمون له وسواء كان الضامن خليطا للآمر أو غير خليط في أن القول قوله مع يمنيه إذا اختلف هو والمضمون له والمضمون في قبض ما قبض من الضامن في ذلك كله وكيل للآمر وكالذي قلنا في هذه المسائل قال أبو حنيفة وأصحابه.

(1/274)


القول في حكم المدعي قبل رجل حقا إذا سأل القاضي امر المدعى عليه بإعطائه كفيلا إلى حين إحضاره البينة
وإذا ادعى رجل قبل رجل مالا فقدمه إلى القاضي فادعى عليه وأنكر ما ادعى من ذلك عليه المدعى عليه فسأل المدعي القاضي أن يأمره بإعطائه كفيلا بنفسه فإن الذي ينبغي للقاضي عندنا أن يأمر المدعي بإحضار بينته بما يدعي إن كانت له وكانت حاضرة وأن يقول له إن كانت لك بينة حاضرة فالزمه أو وكل به من يلزمه لك إلى وقت إحضارك البينة فأما الكفيل فإنه ليس للحاكم إلزامه المدعي عليه أحب أو كره وإنما كان للحاكم أن يأذن له في ملازمته إذ كان مخوفا هربه وتغيبه منه فاحتطنا للمدعي ذلك فإن أحضر بما ادعى بينة وكانوا عدولا قد عرفهم القاضي بذلك فشهدوا له بحقه عليه قضى له بما ثبت له عليه وإن حضر قيامه من مجلسه قبل أن يحضره البينة على ما ادعى قبله سأله عن السبب الذي من أجله لم يحضر بينته فإن قال كانوا غيبا أو لم يكونوا حضورا قال له إن أردت يمينه استحلفته لك فإن أراد ذلك استحلفه له وإن قال لا أريده فرق بينه وبين خصمه ولم نجعل له عليه سبيلا حتى يحضر بينته.
وقال أبو حنيفة إذا تقدم الرجلان إلى القاضي وأحدهما يدعي قبل صاحبه ما لا ينكر فسأل القاضي أن يأخذ له منه كفيلا بنفسه فإن القاضي ينبغي له أن يسأل الطالب هل له بينة على حقه فإن قال نعم سأله أحضورهم أم غيب فإن قال هم حضور أمر المطلوب أن يعطيه كفيلا بنفسه ثلاثة أيام وإن قال الطالب بينتي غيب لم يأخذ منه كفيلا ولا يوما واحدا.

(1/275)


قال وإن قال ليست لي بينه لم آخذ منه كفيلا قال وإذا قام عليه شاهد واحد وقال الآخر حاضر فإنه يأخذ له منه كفيلا ثلاثة أيام وإن قال شاهدي الآخر غائب لم يأخذ له منه كفيلا وإن قال ليس لي بينة وأنا أريد أن استحلفه فخذ لي منه كفيلا حتى استحلفه فإنه لا يأخذ له منه كفيلا ولكنه يستحلفه مكانه فإن قال الطالب بينتي حاضرة فخذ لي منه كفيلا فقال المطلوب ليس لي كفيل فإنه يأمر الطالب أن يلزمه إن أحب ثلاثة أيام حتى يحضر شهوده فإن أحب أن يستحلفه فعل ولا ينبغي للقاضي أن يسجنه له.
قال وكل دعوى يدعيها الرجل قبل صاحبه من دراهم أو دنانير أو حنطة أو شعير أو سمن أو زيت أو شيء مما يكال أو يوزن دين أو شيء بعينه أو شيء من الحيوان ادعاه بعينه أو دعوى في دار ادعاها وقال شهودي حضور فإنه يأخذ له منه كفيلا ثلاثة أيام.

(1/276)


القول في صلح الكفيل المكفول له في السلم عما كفل له
وإذا كان لرجل على رجل كر حنطة من سلم وله به كفيل فصالح رب الطعام الكفيل على رأس المال فإن قياس قول مالك والأوزاعي والثوري والشافعي في ذلك أن الصلح جائز.
وهو قول أبي يوسف وكان أبو يوسف يقول في ذلك صلح الكفيل جائز ويؤدي رأس المال إلى الطالب ويرجع على الذي عليه الأصل بكر حنطة وقال هذا بمنزلة رجل كفل عن رجل بألف درهم فصالحه منه على ثوب ودفعه إليه فهو جائز ويرجع على المكفول عنه بألف درهم وكذلك السلم يوضع على المكفول عنه بالكر والكر للكفيل على المكفول عنه بمنزلة المال الذي وصفت لك كأنه أدى الطعام عنه بعينه.

(1/276)


وقال أبو حنيفة ومحمد صلح الكفيل رب السلم على رأس المال غير جائز والسلم على حاله لا يقدر الكفيل على نقض السلم.
والصواب من القول في ذلك عندنا إن المكفول له إن اتبع الكفيل بما كفل له عن غريمه المسلم إليه فصالحه الكفيل بما كفل له من الطعام على دراهم أو دنانير هي قدر رأس مال السلم أو أقل أو أكثر فجائز لأن الطعام الذي صالح عنه المكفول له لزمه من غير وجه السلم وإنما لزمه على وجه الكفالة ولا خلاف بين الجميع في أن رجلا لو كان له على رجل كر من حنطة موصوفة من قرض أو غصب أن له أن يصالحه من ذلك الكر على ما أحبا مما يجوز أن يكون مثله ثمنا للأشياء التي يحل شراها وبيعها فكذلك حكم الصلح عن الحنطة التي لزمت المصالح من جهة الكفالة جائز الصلح عنها على ما يجوز أن يكون ثمنا للأشياء وإن كانت لزمت الكفالة على1 المسلم إليه.
وإذا صالح الكفيل رب الطعام على شيء من ذلك فله الرجوع على المكفول عنه بالطعام الذي كان كفل عنه وهو كر حنطة وكذلك القول في ذلك لو كان السلم ثيابا أو شيئا مما يكال أو2 يوزن أو يذرع أو يحد3 بصفة غير الطعام كالقول في الطعام.
وكذلك اختلاف أبي حنيفة وأصحابه في كل ذلك نحو ما ذكرنا من اختلافهم في الصلح من الطعام على رأس المال إلا أن أبا حنيفة وأصحابه قالوا لو صالح الكفيل على شيء غير السلم بعينه وغير رأس المال لم يجز وقالوا ألا ترى أن الذي عليه الأصل صالح على شيء غير رأس المال وغير السلم لم يجز فكذلك الكفيل.
ـــــــ
1 ن: مسلم إليه.
2 ن: يزرع.
3 ن: نصفه.

(1/277)


وقد بينا أن معنى الكفيل في الصلح عما كفل وإن كانت كفالته في سلم غير معنى الصلح الذي عليه السلم عما عليه من ذلك.
ولو أن رجلا كان له على رجل كر حنطة من سلم قد كفل له به كفيل فاتبع المكفول له بذلك الكفيل وأداه إليه وكانت كفالته له به بأمر الذي عليه الطعام فإنه يرجع بذلك على المكفول عنه في قول الجميع.
فإن صالح الكفيل المكفول عنه على دراهم مثل رأس المال أو أكثر فهو جائز في قياس قول مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وفي قول أبي حنيفة وأصحابه.
وكذلك لو صالحه من ذلك على عروض أو ثياب أو حيوان أو غير ذلك وذلك ان الكفيل لما أدى إلى المكفول له ما كفل له من ذلك كان له ال1رجوع على المكفول عنه له وصار ذلك له عليه دينا من غير وجه السلم فكان بمنزلة دين وجب له من قرض فله أن يأخذ له منه بما له عليه من الدين على غير وجه السلم ما بدا له مما يجوز شرؤاه وبيعه بين المسلمين.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن صالح الكفيل المكفول عنه على عروض أو حيوان يدا بيد أو على شيء مما يوزن سمن أو زيت أو على شيء مما يكال شعير أو سمسم أكثر من كر أو أقل أو على طعام أقل من كر فإن ذلك كله جائز مستقيم إذا كان يدا بيد ما خلا الطعام فإنه يجوز إذا كان يدا بيد أو نسيئة وذلك أن الطعام للكفيل على المكفول عنه بمنزلة القرض وليس بمنزلة السلم.
قالوا ولو صالحه على شيء مما ذكرنا قبل أن يؤدي عنه شيئا كان جائزا فإن أدى الطعام الذي عليه الأصل إلى الطالب فإنه يرجع على الكفيل بطعام
ـــــــ
1 ن: وثياب.

(1/278)


مثله في ذلك كله ما خلا خصلة واحدة إن كان صالحه على طعام أقل من ذلك لم يرجع إلا بمثل ما أعطاه.
وأما الذي نقول به في مصالحه الكفيل المكفول عنه قبل أن يؤدي عنه شيئا فإن ذلك إنما يجوز عندنا إذا كان المكفول له قد اختار اتباع الكفيل بحقه دون المكفول عنه لأنه إذا اختار اتباعه بحقه صار حقه عليه دون الذي كان عليه الأصل وبرئ منه الذي كان عليه الأصل لما قد بينا قبل.
وأما إن صالحه وقد اختار المكفول له اتباع الذي عليه الأصل فإن مصالحته إياه على ما صالحه عليه من شيء باطل من أجل أنه قد بريء من الكفالة باتباع المكفول له الذي عليه الأصل فلا وجه له بمصالحته إياه عما كفل عنه لا حق له قبله بسبب ذلك إلا أن يصالحه عن الذي عليه الأصل متبرعا أنه1 يتبرأ من دين غريمه فيجوز ذلك ويبرأ الذي عليه الأصل من دين غريمه ولا يكون للكفيل الذي صالح عنه حينئذ الرجوع على المكفول عنه بما أعطى المكفول له عنه لأنه أعطاه ذلك بغير أمر المكفول2 عنه ولو جهل الكفيل والمكفول عنه فتصالحا على شيء أداه المكفول عنه إلى الكفيل بسبب كفالته التي كفل عنه وقد اتبع المكفول له المكفول عنه كان للمكفول عنه الرجوع على الكفيل بما أعطاه إياه بسبب ذلك.
وإذ كان الأمر في ذلك عندنا كالذي وصفنا فاختار المكفول له اتباع الكفيل بحقه ثم صالح الذي كان عليه الأصل الكفيل عما كان عليه للمكفول له قبل أن يؤدي الكفيل إليه شيئا كان الصلح جائزا على ما صالحه عليه من شيء قل أو كثر.
ولو صالح المكفول عنه الكفيل على بعض ما يجوز الصلح عليه مما كفل
ـــــــ
1 ن: ليبرا.
2 ن: له.

(1/279)


عنه وقد اتبع المكفول له الكفيل ثم قضى المكفول له حقه الذي كان له عليه قبل اتباعه الكفيل به كان ذلك منه قضاء عن كفيله ما لزمه للمكفول له بكفالته ولم يكن له أن يرجع على الكفيل بشيء مما كان أعطاه بالصلح الذي كان جرى بينه وبينه ولا شيء مما أدى إلى المكفول له عنه لأنه أدى ذلك عنه إليه بغير أمره فكان متبرعا عنه بإعطائه إياه ذلك عنه.
ولو أن المكفول له أتبع الكفيل بحقه ثم إن الكفيل أخر الذي كان عليه الأصل قبل أن يؤدي إلى المكفول له ما كفل له عنه كان تأخيره ذلك جائزا ولم يكن له عندنا اتباعا بما أخره به من ذلك إلا بعد انقضاء الأجل الذي أخره إليه أدى الذي عليه للمكفول1 له إليه أو لم يؤده.
وكالذي قلنا في ذلك قال أبو حنيفة وأصحابه.
ولو أن الكفيل صالح المكفول عنه وقد2 اتبعه المكفول له بحقه على دراهم أو على شيء مما يكال أو يوزن بغير عينه ولكنه موصوف ثم افترقا قبل أن يقبض الكفيل من المكفول عنه ما وقع عليه الصلح بين وبينه كان الصلح منتقضا لأنه يصير ذلك في معنى الدين بالدين ولكن الصلح لو وقع بينهما على عين حاضرة يريانها بعينها ثم افترقا قبل قبض الكفيل ذلك كان الصلح جائزا ماضيا وكان ما وقع عليه الصلح من ذلك للكفيل.
وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه غير أنهم قالوا ذلك الحكم إذا صالح الكفيل الذي عليه الأصل كان الغريم قد اتبعه أو لم يكن اتبعه بعد وكذلك قالوا في تأخير الكفيل المكفول عنه وقالوا أيضا إذا صالحه الكفيل على شيء بغير عينه ثم افترقا قبل القبض3 فالصلح باطل منتقض ما
ـــــــ
1 ن: له.
2 أي اتبع الكفيل.
3 ن: والصلح.

(1/280)


خلا الطعام فإنه إن صالحه على نصف كر إلى أجل فهو جائز وقالوا إنما حط عنه ما بقي قالوا ولا يجوز هذا فيما سوى الحنطة.

(1/281)


القول في حكم كفالة المريض
وإذا كفل رجل في مرضه الذي مات فيه عن رجل بمال وعليه دين يحيط بماله فإن الكفالة باطل وذلك أن الكفالة معروف ودينه به أولى منها وإن لم يكن عليه دين فالكفالة جائزة من الثلث وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه وقالوا إن كانت الكفالة لوارث فإن ذلك لا يجوز قالوا وكذلك إن كانت عن وارث لأن في ذلك منفعة له.
والقول عندنا في الكفالة عن الوارث كالذي قالوا وذلك أن ذلك قضى عنه دينا عليه فهو في معنى قرضه إياه ذلك وذلك لا شك أيضا1 دفع إليه من ماله دون سائر ورثته وذلك محظور عليه في حال مرضه الذي يكون منه وفاته فأما القول في الكفالة للوارث عن أجنبي له عليه دين بدينه فإن الصواب عندنا في ذلك إجازته وذلك أن ذلك في معنى إقراضه الأجنبي من ماله ما كفل عنه ولا خلاف بين الجميع أنه لو وهب ذلك له في مرضه الذي توفي فيه فقبضه منه وهو يخرج من ثلاثة أن ذلك جائز ماض وإقراضه إياه ذلك أولى أن يكون جائزا.
ولو أقر مريض في حال مرضه أنه كان كفل لرجل بمال عن آخر في حال صحته وعليه دين يحيط بماله في حال إقراره بذلك فإن ذلك من قراره عندنا جائز ويدخل المكفول له إن اتبعه بما أقر له به مع سائر غرمائه فيما عليه فيضرب بدينه معهم في ماله.
وهذا قياس قول كل من ألزم المريض إقراره بدين في مرضه الذي
ـــــــ
1 ن: بدفع.

(1/281)


يحدث فيه وإن كان عليه دين يحيط بماله في حال إقراره بذلك وذلك أن إقراره بكفالته بذلك في الصحة في حال المرض إقرار منه بدين نسبه إلى أنه كان في الصحة وإن كان إقراره به في حال المرض.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن أقر مريض في مرضه الذي مات فيه أنه كفل بمال في الصحة لم تلزمه الكفالة إذا كان عليه دين فإن لم يكن عليه دين لزمه ذلك في جميع ماله لأنه أقر أنه كان منه في الصحة.
وكان اللازم أبا حنيفة وأصحابه على قولهم إذا جعلوا إقراره بذلك في حال المرض بمنزلة كفالته به في مرضه في إبطالهم إقراره إن كان عليه دين وانكروا أن تكون سبيله سبيل إقراره به في حال الصحة أو سبيل الدين في الصحة1 أن لا يجعلوه من جميع المال إذا لم يكن عليه دين بل الواجب كان عليهم أن يجعلوه من ثلاثة بمنزلة كفالته في مرضه فإما أن يجعلوه من جميع المال إذا لم يكن عليه دين فيحلوه محل الإقرار به في الصحة أو يجعلوه باطلا إذا كان عليه دين فيحلوه محل الكفالة به في المرض فذلك ما لا يشكل فساده لأنهم بحكم إقرار الصحة لا بحكم كفالة المرض حكموا له.
وإذا كفل رجل لرجل في صحته عن رجل بمال أقر له به من غير تبيين المال المكفول به وغير تحديد مبلغه فإن ذلك كفالة باطلة لا يلزم الكفيل بها عندنا شيء كان عليه دين أو لم يكن عليه دين ولا يتبع بشيء مما أقر به المكفول عنه بعد ذلك وقد بينا العلة في ذلك وذكرنا اختلاف المختلفين فيه فيما مضى قبل.
و قال أبو حنيفة وأصحابه إذا كفل في الصحة بما أقر به فلان لفلان ولم يسمه ثم مرض وعليه دين يحيط بماله ثم أقر المكفول عنه أن لفلان عليه ألف
ـــــــ
1 ن: ويجعلوه.

(1/282)


درهم فإن ذلك يلزم المريض قالوا وإن أقر بذلك المكفول عنه بعد موت المريض فهو سواء ويحاص الغرماء لأن أصل ذلك كان في الصحة قالوا وكذلك لو كفل بما ذاب لفلان على فلان أو بما قضي لفلان على فلان أو بما صار لفلان على فلان قالوا وكذلك لو كان المكفول له وارثا أو المكفول عنه وارثا أو كانا جميعا وارثين لأن هذا كان في الصحة فهو بمنزلة رجل كفل في صحته لرجل بما أدركه من درك في دار اشتراها ثم استحقت لدار في مرض الكفيل أو بعد موته فإن المشتري يضرب مع غرماء الكفيل الميت بالثمن لأن أصل ذلك كان في الصحة قالوا ولا يشبه هذا الكفالة في المرض.
وإذا كفل رجل في مرضه الذي مات فيه بمال وليس عليه دين ثم استدان بعد ذلك مالا يحيط بماله فإن الكفالة باطلة لأنها كانت في المرض في قولنا وقولهم وإنما أبطلناها لأنها معروف1 فالدين بماله أولى منها كما هو أولى به من وصاياه التي يوصي بها فيه.
وإذا كفل رجل عن رجل بمال بأمره ورهنه المكفول عنه رهنا فيه وفاء فإن ذلك جائز في قياس قول مالك إن كان المكفول عنه معدما وإن كان مليا فقياس قوله أن يكون الرهن باطلا لأنه ليس للمكفول له قبل الكفيل تبعة ما دام المكفول عنه مليا فلا وجه لا رتهان الكفيل من المكفول عنه رهنا من غير أن يكون له قبله حق يرتهن بدلا منه الرهن.
وأما على قياس قول الأوزاعي والثوري والشافعي وهو قول أبي حنيفة وأصحابه فإن الرهن في ذلك جائز لأن للمكفول له اتباع الكفيل عندهم بما كفل له عن غريمه مليا كان الغريم أو معدما وأن للكفيل أخذ المكفول عنه بإخراجه مما أدخله فيه من ذلك.
ـــــــ
1 ن: في الدين.

(1/283)


وأما الذي نقول به في ذلك فهو أنه ليس للكفيل على المكفول عنه سبيل حتى يختار المكفول له اتباعه بحقه دون صاحب الأصل فإن اختار اتباعه به دون المكفول عنه كان للكفيل حينئذ مطالبة المكفول عنه بأمره فإن رهنه بما لزمه له من حق عند ذلك كان رهنا جائزا فإن اختار اتباع المكفول عنه بطلت الكفالة ولم يكن الرهن إن رهن منه الكفيل رهنا جائزا لأنه لا حق له قبله يرتهن منه رهنا.
وهذا الذي قلنا في ذلك قول ابن شبرمة1.
فإن اتبع المكفول له بالمال الكفيل دون المكفول عنه فارتهن الكفيل من المكفول عنه رهنا بما له عليه فهلك الرهن عند الكفيل وأدى إلى المكفول له ما كفل له عن غريمه فكانت قيمة الرهن والدين الذي كفل به سواء لم يكن له المكفول عنه سبيل لأن الرهن هلك عندنا من مال الكفيل المرتهن وإن كانت قيمته أكثر من الدين أو أقل2 يراجع عند ذلك الكفيل والمكفول عنه بفضل إن كان لأحدهما قبل صاحبه على ما بينا في كتابنا كتاب الرهن3.
والواجب في ذلك على مذهب مالك أن يكون الكفيل إن كان ارتهن ما ارتهن من المكفول عنه في حال يجوز ارتهانه منه على ما بينا ثم هلك الرهن عنده وقد قضى المكفول له حقه أن ينظر إلى الرهن فإن كان مما يخفى هلاكه كالحلي والثياب وما أشبه ذلك فإن ذهاب ذلك وهلاكه يكون من الكفيل المرتهن ثم يكون فيما يبطل من حقه قبل المكفول4 عنه وفيما يتبع كل واحد منهما صاحبه بفضل قيمة أو نقصان عن مبلغ الدين على نحو قولنا الذي بيناه وإن كان مما
ـــــــ
1 انظر ص 13.
2 ن: يراجع.
3 كأنه يعني كتاب الرهن من لطيفة.
4 ن: له.

(1/284)


يظهر هلاكه ولا يخفى كالدور والدواب والمواشي والرقيق فإن هلاك ذلك على قوله من مال المكفول عنه حينئذ ويتبعه الكفيل بما أدى عنه إلى غريمه.
وأما قياس قول الأوزاعي فنحو1 ما ذكرنا من قياس قول مالك غير أنه يجب على قوله أن يكون للكفيل ارتهان الرهن من المكفول عنه بما كفل عنه بكل حال ثم يكون القول في هلاكه إن هلك في يد الكفيل نحو الذي ذكرنا من قياس قول مالك.
وأما قياس قول الثوري وهو قول أبي حنيفة وأصحابه فإن الرهن إن هلك عند الكفيل فإنه من ماله فإن أدى الكفيل المال لم يرجع على المكفول عنه وان لم يؤده ولكنه أداه الذي عليه الأصل رجع الذي عليه الأصل على الكفيل بمثله.
وقال أبو حنيفة وأصحابه هلاك الرهن عند الكفيل بمنزلة قبضه المال.
وأما على قول الشافعي فإن2 للكفيل إذا هلك الرهن عنده وأدى المال إلى المكفول له أن يرجع على المكفول عنه بما أدى عنه ويكون هلاك الرهن على قوله من مال المكفول عنه كان مما يظهر هلاكه أو مما يخفى وإن لم يؤد ذلك الكفيل ولكن المكفول3 عنه أداه لم يكن له على قوله الرجوع على الكفيل بشيء لا بقيمة الرهن ولا بالمال الذي أدى.
ولو أن رجلا كفل عن رجل بألف درهم على أن يرهنه بذلك عبدا به4 وبعينه ثم أن المكفول عنه أبي أن يدفع إليه العبد الذي شرط له أن يرهنه فإن الكفالة لازمة ولا يقدر على الخروج منها بسبب اشتراطه على المكفول عنه أن
ـــــــ
1 ن: مما.
2 ن: الكفيل.
3 ن: المكفول أداه.
4 لعل صوابه: أو بعينه.

(1/285)


يرهنه العبد الذي تشارطا رهنه لأن شرطه ذلك غير مبطل ما قد لزمه للمكفول له بغير شرط كان بينه وبينه في حال الكفالة ولا يجبر المكفول عنه على دفع العبد إلى الكفيل رهنا لأن الكفيل لم يكن قبضه فيكون رهنا.
وهذا الذي قلنا في ذلك قول أبي حنيفة وأصحابه.

(1/286)


القول في حكم الرجل يبيع الرجل سلعه بثمن إلى أجل على أن يكفل له بثمنها كفيل بعينه أو بغير عينه أو يقرض رجل رجلا على ذلك من الشرط
وإذا باع رجل رجلا متاعا بثمن معلوم إلى أجل محدود وشرط البائع على المشتري في عقد بيعه إياه ذلك أنه إنما يبيعه إياه على أن يكفل له عنه بثمنه رجل بعينه سماه له فاشترى المشتري ذلك منه على هذا الشرط وسلم البائع السلعة إلى المشتري على ذلك.
فإن قياس قول ابن أبي ليلى إن هذا البيع جائز والشرط باطل كفل الذي شرطت كفالته بما له على المشتري عنه أو لم يكفل له عنه كان حاضرا وقت كفل البيع المتبايعين أو غائبا عنهما وذلك أن من قوله إن كل شرط كان في عقد البيع لم يكن عوضا مما تبايعاه بينهما أو من معاني العوض منه فهو باطل والبيع ماض جائز.
وأما على قول أبن شبرمة فإن البيع والشرط جائزان جميعا معا ويؤخذ المشتري بأن يعطيه بالثمن كفيلا من شرط له كفالته.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن كان الكفيل ليس بحاضر لذلك المجلس فإن البيع فاسد قالوا وكذلك في الحوالة إن كان غائبا عن ذلك المجلس فالبيع فاسد وإن جاء الكفيل فرضي وكفل ورضي بأن يحتال عليه فإن البيع لا يجوز قالوا فإن كان فلان الذي شرطت كفالته حاضرا فرضي بذلك

(1/286)


وسلم فإن البيع جائز إذا سمي الأجل والكفيل ضامن للمال.
قالوا ولو أقرض رجل رجلا مالا ودفعه إليه على أن يكفل به فلان أو كفل أو احتال عليه به على فلان أو على أن يضمن له فلان فإن القرض جائز وإن ضمن فلان له أو كفل أو احتال عليه بذلك فهو جائز غائبا كان فلان في هذا أو حاضرا فهو سواء لأن القرض لا يشبه البيع فأما السلم فإنه مثل البيع وأما الغصب فهو مثل القرض والتزويج مثل القرض.
قالوا وإن قال أتزوجك على ألف درهم على أن1 يكفل2 بها فلان عني أو على أن أحليك بها على فلان والكفيل غائب عن ذلك المشهد أو حاضر فالنكاح جائز ولا يشبه البيع فإن دخل الكفيل في الضمان فهو جائز وكذلك الخلع وكذلك الصلح من دم عمد أو جراحة فيها قصاص فصالح على مال مسمى حال أو إلى أجل مسمى على أن يكفل به فلان أو أن يحيله به على فلان والكفيل حاضر ذلك راض به أو غائب عنه فرضي بعد ذلك فالصلح فالصلح جائز لأن هذا لا يستطيع رده ولا ينقض الصلح فيه وإذا رضي الكفيل وضمن فالضمان عليه جائز.
قالوا وإذا كان لرجل على رجل دين حال من ثمن بيع أو سلم قد حل أو قرض أو غصب حال فسأله من يؤخر عنه نجوما على أن يضمن له فلان ذلك وفلان غائب فصالحه على ذلك فقدم الكفيل فأبى أن يدخل في الضمان فإن الصلح باطل منتقص والمال حال على صاحبه الأول قالوا وكذلك لو كان الكفيل حاضرا فأبى أن يدخل في الضمان فإن الصلح باطل منتقض والمال على صاحبه الأول فإن دخل الكفيل في الضمان بعد ما تقدم من غيبته أو كان حاضرا فدخل في الضمان فالضمان جائز عليه والصلح
ـــــــ
1 ن: تكفل.
2 أي الألف.

(1/287)


جائز والتأخير جائز.
قالوا فإن كان اشترط في التأخير أنه إن أخر نجما عن محله فالمال كله حال كما كان فهذا الشرط جائز على هذا الوجه والكفالة على هذا جائزة مستقيمة.
قالوا ولو قال إن أخرت نجما عن محله عشرة أيام فالمال عليك فهو جائز على ذلك قالوا ولو كان ذلك من مهر امرأة أو من خلع أو من صلح أو من دم عمد كان جائزا على هذا.
1وقال الشافعي:2 إذا باع الرجل الرجل بيعا على أن يرهنه رهنا فلم يدفع الراهن الرهن إلى البائع المشترط3 فللبائع الخيار في إتمام البيع بلا رهن4 ورد البيع لأنه لم يرض بذمة المشتري دون الرهن وكذلك لو رهنه5 رهنا فاقبضه بعضا ومنعه بعضا قال وهكذا لو باعه على أن يعطيه حميلا بعينه فلم يحمل له6 به الرجل الذي اشترط حمالته حتى مات كان له الخيار في إتمام البيع بلا حميل أو فسخه7 قال ولو كانت المسألة بحالها أفراد المشتري فسخ البيع8 بمنعه9 الرهن أو الحميل لم يكن ذلك له لأنه لم يدخل عليه هو10
ـــــــ
1 أم: الرهن الكبير: جواز شرط الرهن.
2 وإذا باع الرجل علي أن الخ.
3 أم: له فللبائع.
4 أم: أو رد.
5 أم: رهونا فأقبضه بعضها ومنعه بعضها وهكذا الخ...
6 أم: بها.
7 أم: لأنه لم يرض بذمته دون الحميل ولو كانت الخ.
8 ن: و أم ق: بمنعه: أم مد: فمنعه.
9 أم ق: تالراهن أو الحمل.
10 ن: نقضا الخ: أم: يكون له به خيار لأن البيع كان في ذمته أم ذمة غيره فسقط ذلك عنه فلم يرد عليه في ذمته شئ لم يكن عليه ولم يكن في هذا فساد للبيع لأنه لم ينتقص من الثمن شئ يفسد به البع إنما انتقص شئ غير الثمن وثيقة للمرتهن لا ملك ولم يشترط شيئا فاسد به البيع وهكذا هذا في كل حق الخ: إلا أن قوله: شيئا: سقط في أم مد.

(1/288)


نقصا قال وهذا هكذا في كل حق كان لرجل على رجل فشرط له فيه رهنا أو حميلا فإن كان الحق بعوض أعطاه إياه فهو كالبيع وله الخيار في أخذ العوض كما كان له في البيع1 قال ولو باعه شيئا على أن يرهنه رهنا يرضيه أو يعطيه حميلا ثقة أو يعطيه رضاه من رهن وحميل2 بغير3 تسمية شيء بعينه كان البيع فاسدا لجهالة البائع والمشتري أو أحدهما بما تشارطا ألا ترى أنه لو4 جاء بحميل أو رهن فقال لا أرضاه لم يكن عليه حجة بأنه رضي رهنا بعينه أو حميلا بعينه فأعطيه "حدثنا بذلك عنه الربيع".
وقياس قول أبي ثور في ذلك أن البيع جائز إن تعاقده المتبايعان بثمن إلى أجل على أن يكفل للبائع بالثمن كفيل بعينه أو بغير عينه حاضرا كان المشترط إلى أجل على أن يكفل للبائع بالثمن كفيل بعينه أو بغير عينه حاضرا كان المشترط كفالته أو غائبا في حال عقد البيع عقده فإن رضي المشروط كفالته وكفل للبائع على المشتري بماله فهو الذي أراد وإن امتنع من ذلك أجبر المشتري على قوله أن يعطيه كفيلا غيره مكانه وكذلك الواجب على قوله إذا كان البيع عقد على أن يعطي المشتري البائع كفيلا بغير عينه وذلك أن ذلك قوله إذا اشترى مشتر من رجل سلعة إلى أجل على أن يعطيه رهنا بعينه فامتنع المشتري من إعطائه ذلك أو على أن يعطيه رهنا بغير عينه فكذلك الواجب أن يكون قوله إذا اشترط عليه كفيلا بعينه أو بغير عينه.
والصواب من القول في ذلك كله عندنا ما قال الشافعي وذلك أن في
ـــــــ
1 وإن كان الرهن في أن أسلفه بلا بيع أو كان له عليه حق قبل أن يرهنه بلا رهن ثم رهنه شيئا فلم يقبضه إياه فالحق بحاله، وله في السلف أخذه متي شاء وفي حقه غير السلف أخذه متي شاء به إن كان حالا ولو باعه شيئا بألف علي أن يرهن الخ...
2 أم ق: أو من شاء: المشتري أو البائع أو ما شاء أو شاء أحدهما من رهن أو حميل بغير تسمية الخ...
3 أم مد: تسمية.
4 ن: جا: أم: جاه.

(1/289)


دخول الكفيل للبائع في الكفالة بحقه على المشتري وفي الرهن الذي يرهنه المشتري البائع وثيقة له من حقه قبله إذا كان المال مؤخرا ولم يبع البائع سلعته من المشتري على الرضى منه بأمانته وفي ترك الحاكم على المشتري للبائع بما شرط عليه في عقد البيع من إعطائه الكفيل الذي شرط له كفالته بماله نقص عليه ومضرة وغير جائز إلزامه ذلك على كره منه فحكمه في ذلك حكم بائع سلعة له من رجل بثمن حال فلم يجد المبتاع السبيل إلى إعطائه الثمن حالا فيكون للبائع الخيار في الرضى بأن يكون غريما من غرماء المشتري وبين نقض البيع في سلعته والرجوع بها على المشتري إن كانت قائمة بعينها لأن إلزام البائع الرضى بتأخير ما له على المشتري إلى حال يسره به1 نقص عليه ومضرة تلزمه فلا يجوز إلزامه ذلك من جهة الحكم إلا برضى منه به.
ولو أن رجلا أعتق عبدا له على ألف درهم على أن يعطيه به كفيلا بعينه وذلك أن يقول له أنت حر بألف درهم إن أعطيتني به فلانا كفيلا بذلك فيقول العبد قد قبلت ذلك فإن كفل للمعتق المشروط كفالته عن العبد بالألف الدرهم الذي أعتق عليه كان العتق ماضيا جائزا إذا كان للمولى المعتق اتباع من شاء من العبد والكفيل بالألف على ما قد بينا فيما مضى من كتابنا هذا وإن لم يكفل له بذلك المشروط كفالته كان لمولى العبد الخيار بين إمضاء العتق في العبد والرضى بذمته وأن يكون غريما بماله يتبعه بالألف الذي اعتقه عليه وبين رد العتق واستعباده لأنه لم يعتقه إلا على ألف درهم يكون به فلان كفيلا له عنه وذلك نظير عتقه إياه بألف درهم بيض فيعطيه ألف درهم سود في أن للسيد الخيار بين أن يقبل ذلك منه مكان البيض ويمضي فيه العتق وبين أن يترك قبوله منه ويستعبده.
وقال أبو حنيفة وأصحابه لو أن رجلا أعتق عبدا على ألف درهم على أن
ـــــــ
1 ن: نقض.

(1/290)


يعطيه به كفيلا وقبل ذلك كان العتق جائزا إن أعطاه كفيلا بالمال أو أحاله بذلك على رجل فذلك جائز في قولهم من قبل أن العبد قد عتق وقالوا ليس ذلك كالمكاتب لأن المكاتب عبد لا يجوز الضمان فيه لمولاه.

(1/291)


القول في حكم الكفالة عن مجهول أو لمجهول
وإذا قال رجل لرجل قد كفلت لك بما لك على فلان وهو ألف درهم أو كفلت لفلان بماله على فلان وهو مائة دينار فإن كان ذلك من قائله إلزام نفسه كفالة لأحد هذين الرجلين اللذين لأحدهما ألف درهم على غريمه وللآخر مائة دينار بما له على غريمه فإن ذلك كفالة عندنا باطل لا يؤخذ بشيء منها وإن كان ذلك منه إقرار لأحدهما بغير عينه إن له قبله كفالة بالدين الذي ذكر أنه له على غريمه استوقف إن ادعى كل واحد من الرجلين قبله الحق الذي ذكر أنه ضمنه على ما وصف من الشك فيه فإن أقر لأحدهما بعينه ألزم ما يجب له بما أقر له به وحلف للآخر الذي أنكر أن يكون له قبله حق بسبب كفالة إن لم يكن له بينة فإن حلف له برئ وإن نكل حلف المدعي وألزم ما ادعى أنه له قبله بسبب تلك الكفالة وإن أنكر أن يكون لهما قبله حق بسبب كفالة وأراد أن يحلف لهما لم تقبل يمينه على ذلك لأنه قد أقر أن لأحدهما قبله حقا محدود المبلغ غير أنه شاك في1 عين من له ذلك الحق فهو بمنزلة رجل قال لفلان هذا قبلي ألف درهم أو لفلان هذا مائة دينار وذلك إذا اتبعه المدعيان بما يدعيان أنه كفل لهما به.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كفل رجل لرجلين فقال لأحدهما قد كفلت لك بما لك على فلان وهو ألف درهم أو كفلت لفلان بما له على فلان وهو مائة دينار فإن هذا باطل لا يجوز قالوا وكذلك لو كان مكان المائة الدينار ألف درهم وكذلك لو كان كر حنطة أو كر شعير أو فرقا من سمن أو
ـــــــ
1 ن: غير.

(1/291)


زيت من قبل أن الحق لرجلين قالوا ولو كان الحق لرجل واحد على رجلين على كل واحد منهما ألف درهم على حدة فقال رجل قد كفلت بما لك على فلان أو على فلان كان هذا جائزا لأن الحق لواحد.
قالوا وكذلك لو كان المال مختلفا فكان1 ألف على أحدهما ومائة دينار على الآخر أو كر شعير على أحدهما وكر حنطة على الآخر فهو جائز ويؤدي الكفيل أيهما شاء.
قالوا وكذلك الكفالة بالنفس لو قال قد كفلت لك بنفس فلان أو نفس فلان كان هذا جائزا يضمن أيهما شاء.
والقول عندنا في الرجل يقول لآخر قد كفلت لك بما لك على فلان وهو ألف درهم أو بما لك على فلان2 غريم له آخر وهو ألف درهم وهو يريد بذلك إلزام نفسه له الكفالة على أحد غريميه بما له عليه أن ذلك كفالة باطلة لأنه لم يكفل بمال معلوم وإنما كفل له بمال مجهول فهو ككفالته له عن غريم له أو لرجل آخر عن غريم له ولا فرق بين كفالته له على ذلك وكفالته بأحد ماليه اللذين على غريم له بعينه لأنهما جميعا كفالتان3 إحدهما لمجهول4 والأخرى عن مجهول فإن لزمته إحداهما لزمته الأخرى وإن بطلت إحداهما من أجل أنها مجهولة بطلت الأخرى ومن فرق بين ذلك سئل البرهان على فرق ما بينهما من أصل أو نظير فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
ـــــــ
1 أي ألف درهم.
2 ن: لغريم.
3 ن: أحدهما.
4 والآخر.

(1/292)


القول في الكفالة بالحيوان والعروض
وإذا ادعى رجل عبدا في يد رجل فأنكر الذي في يده العبد دعواه واختصما

(1/292)


إلى القاضي وأراد المدعي كفيلا بنفس الذي في يده العبد وبنفس العبد حتى يحضر البينة وقال بينتي حضور فإنه يقال له الزمه حتى تحضر بينتك فأما الحكم بالكفالة فإنه لم يلزمه لك شيء فنكفله ذلك.
وقال أبو حنيفة وأصحابه يأخذ له القاضي منه كفيلا بذلك ثلاثة أيام فإن أحضر بينته وإلا أبرأ الكفيل إذا كان يتقدم إلى القاضي في ذلك الوقت فإن كان لا يتقدم إليه إلا في أكثر من ثلاثة أيام جعل وقت الكفالة ذلك الوقت قالوا وكذلك الأمة والدابة والناقة والبقرة والشاة والثوب والعدل الزطي والجراب الهروي فإن أحضر بينته على ذلك وزكي الشهود قضي بذلك المتاع له ودفع إليه وبرئ الكفيل من كفالته.
قالوا ولو أن المدعي لم يقدم المدعى عليه إلى القاضي وأخذ منه كفيلا بنفسه وبالعبد فمات العبد في يد المطلوب وأقام المدعي البينة أن العبد عبده وأثبتوا ذلك وأقاموا الشهادة عليه وزكوا فإن القاضي يقضي بقيمة العبد على المطلوب للطالب وإن شاء على الكفيل في قولهم جميعا.
قالوا وكذلك الأمة وجميع ما ذكرنا من الحيوان والعروض قالوا وإن لم يقم بينة على1 ذلك ولكنه استحلف المدعي عليه عند القاضي فأبى أن يحلف فقضى له القاضي بالعبد فمات عند المدعي عليه قبل أن يقبضه فإنه يقضي له بقيمته على المدعى عليه وأما الكفيل فلا يلزمه ضمان بهذا.
قالوا وكذلك لو أقر المدعى عليه بذلك إلا أن يقر الكفيل بمثل ذلك أو يأبى أن يحلف فأي ذلك فعل الكفيل لزمه من ذلك ما يلزم المطلوب إن شاء المدعي أن يضمنه قيمة العبد فعل.
والصواب من القول في ذلك عندنا إذا أعطى الذي في يده العبد المدعي
ـــــــ
1 ن: ذلك ذلك.

(1/293)


كفيلا بنفسه وبالعبد ثم أقام المدعي بينة عادلة على المدعي في يده العبد أن العبد له فقضى له به الحاكم فلم يسلمه إليه حتى هلك في يده أن للمقضي1 له بالعبد الخيار في اتباع من شاء من الذي كان في يده عبده فهلك عنده أو الكفيل فإن اتبع أحدهما بطلت تباعته قبل الآخر على ما بينا قبل فيما مضى من كتابنا هذا في نظائر ذلك من المسائل.
وأما إن لم يكن للمدعي بذلك بينة ولكن الذي في يده العبد نكل عن اليمين فاستحلف المدعي فخلف أو أقر له بذلك المدعي في يده العبد ثم هلك العبد في يده والكفيل يجحد حقيقة ما أقر به ويحلف على ذلك فلا شيء يلزمه بذلك لأنه لا يلزم أحدا شيء بإقرار غيره ولكن الكفيل إن دعي إلى اليمين فأباها وحلف المدعي قضي له عليه إن اختار اتباعه به.
وكذلك القول في حكم رجل اغتصبه رجل عبدا أو أمة أو شيئا من الحيوان أو العروض فضمنه له رجل أنه ضامن حتى يسلم ذلك إلى المغصوب فإن هلك في يد الغاصب فللمغصوب منه اتباع من شاء بقيمته من الغاصب والضامن والقول في قيمته قول الضامن مع يمينه إن اتبعه بها المغصوب منه ولا يلزمه إقرار الغاصب إن أقر بأن قيمته كانت أكثر مما أقر به الضامن ولكن الزيادة التي أقر بها الغاصب عما أقر به الضامن يقضي بها على الغاصب للمغصوب منه ولو أن قيمة العبد زادت في يد الغاصب عما كانت عليه يوم كفل الكفيل به للمغصوب منه من زيادة حدثت في بدنه ثم هلك كان للمغصوب منه اتباع من شاء من الغاصب والكفيل بقيمته أكثر ما كانت.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إنما على الكفيل قيمته يوم غصبه إياه الغاصب والقول في ذلك قوله مع يمينه ولا يلزمه الزيادة لأنها ليست بغصب
ـــــــ
1 ن: عليه.

(1/294)


قالوا وسواء كانت الزيادة التي حدثت في غلاء سعره أو في زيادة بدنه ولو كان المغصوب أمة فولدت أو بقرة فنتجت فضمن الكفيل الجارية وولدها للطالب ثم ماتا جميعا فإنه يضمن قيمة الأمة يوم غصبها في قياس قول أبي حنيفة ولا يضمن قيمة الولد وهو قول أبي يوسف ومحمد قالوا وكذلك يضمن الغاصب لأن الولد زيادة.
والقول عندنا في الولد والنتاج الحادثين في يد الغاصب نظير القول في الزيادة الحادثة في عين المغصوب أن ذلك كله مضمون إذا هلك في يد الغاصب وقد بينا العلة في ذلك في كتابنا كتاب أحكام الغصوب1 فأغني عن إعادته في هذا الموضع.
وإذا اشترى الرجل عبدا من رجل وقبضه ثم جاء آخر فادعاه وأخذ بالعبد كفيلا ثم أقام المدعي بينة عادلة على المشتري أن العبد عبده فقضى به له القاضي فقال الذي كان في يده العبد وهو المشتري قد مات العبد أو أبق وقيمته مائة درهم وقال المستحق لم يمت ولم يأبق وقيمته عندي ألف درهم فإن أبا حنيفة وأصحابه قالوا يحبس الكفيل والذي كان في يده العبد حتى يأتيا بالعبد فإن طال ذلك ضمناهما قيمته والقول فيه قول كل واحد منهما مع يمينه فإن قالا مائة درهم وحلفا على ذلك وادعى الطالب ألفا ضمناها مائة درهم ويأخذ أيهما شاء وإن ظهر له العبد بعد ذلك فهو بالخيار إن شاء أخذ عبده ورد المائة الدرهم وإن شاء سلم العبد وجازت له المائة ويكون العبد للمشتري وإذا أدى الكفيل المائة رجع بها على الذي في يده العبد إن كان أمره بالضمان ويرجع المشتري على البائع الأول بالثمن.
قالوا ولو أن الطالب ادعى أن قيمة العبد ألف درهم فأبيا أن يحلفا
ـــــــ
1 كأنه يعني كتاب أحكام الغصوب من لطيفة.

(1/295)


عليها فضمناها وأدياها ثم ظهر العبد بعد ذلك لم يكن له ضمان فيه وكذلك لو قامت البينة بقيمته.
والقول عندنا في العبد المشتري الذي أخذ به الكفيل مدعيه من المشتري إذا ادعى هلاكه أو إباقة من يد المشتري وأنكر ذلك المستحق أن يحبس المشتري إذا اتبعه بحقه المستحق وسأل حبسه الحاكم إذا كان استحقاقه ببينة عادلة وإن اتبع الكفيل بذلك دون المشتري وسأل حبسه حبس به وليس للحاكم حبس الكفيل والمكفول1 به جميعا معا لما ذكرنا قبل من أن مطالبة المكفول له إنما هي قبل أحدهما وأنه إذا اتبع أحدهما برئ الآخر للعلل التي بيناها فيما مضى قبل.
وإذا حبس المتبع منهما بذلك لم يخرجه من الحبس إلا بمسألة الطالب إخراجه منه أو بإحضاره العبد أو ببينة تقوم له بما ادعى من موت العبد أو إباقه فيصير حينئذ حق الطالب قيمة عبده دون عينه ويكون القول عند ذلك في قيمته قول المطالب بها من الكفيل2 أو المكفول عنه فإن قضي للمكفول له بقيمة عبده بيمين المطالب بها من الكفيل أو المكفول عنه ثم ظهر العبد بعد ذلك وإذا هو يساوي ألف درهم فالقول في ذلك عندنا ما قاله أبو حنيفة وأصحابه وكذلك القول عندنا مثل قولهم إن ظهر وقد ألزم المطالب يه قيمته بنكوله عن اليمين في مبلغ قيمته أو ببينة قامت للطالب بذلك.
ولو كان ذلك أمة لم يكن للذي كانت في يده وهو المشتري إذا ظهرت بعد ضمانه قيمتها وطؤها في الحال التي جعلنا للمدعي الخيار حتى يسلم ويرضى ويبطل ما كان له فيها من الخيار وأما في الحال التي لم نجعل له فيها الخيار فإن للذي كانت في يده وطأها كان ذلك المشتري أو الغاصب لأن رضاه بالقيمة
ـــــــ
1 ن: له.
2 ن: والمكفول عنه.

(1/296)


أو قضاء الحاكم له بالقيمة بشهادة عدول أو بإقراره بها خروج منه مما كان مالكا منها.
وكالذي قلنا في ذلك قال أبو حنيفة وأصحابه.
وإذا ادعى رجل عبدا في يد آخر وأخذ به منه كفيلا1 أو وكيلا في خصومته فهو جائز في قولنا وقول أبي حنيفة وأصحابه.
فإن تغيب المطلوب وغيب العبد حبس به الكفيل إن اتبعه به المكفول2 له حتى يحضره.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن تغيب المطلوب وغيب العبد حبس به الكفيل حتى يأتي به بعينه قالوا وكذلك لو ظهر المطلوب وغيب العبد حبس به حتى يأتي به قالوا فإن قال المدعي أنا آتي بالبينة أنه عبدي قبل ذلك منه فإن شهد شاهداه أن العبد الذي ضمن هذا له وسمياه وحلياه عبد فلان وزكيا قضينا له بالعبد على الكفيل فإن لم يأت به قضينا له بقيمته بعد أن يحلف المدعي بالله ما خرج من ملكه على وجه من الوجوه.
قالوا وإن شهد شاهداه أن العبد الذي يقال له فلان وحلياه لفلان لم يقبل ذلك منهما لأن الإسم يوافق الإسم والحلية توافق الحلية.
قالوا وكذلك لو أتى بكتاب قاض عليه بتلك الصفة فإنه لا يجوز ولكن الكفيل يحبس حتى يأتي به قالوا فإن مات الكفيل أخذ المدعي عليه حتى يحضر العبد بعد أن توافق حلية العبد شهادة الشهود أو كتاب القاضي فإن لم يأت المولى بالعبد خلي عنه قالوا وليس المولى في هذا كالكفيل الكفيل قد يضمن شيئا لهذا فلا بد من أن يأتي به والمولى لم يضمن له شيئا.
ـــــــ
1 ووكيلا.
2 ن: به.

(1/297)


وإذا كان عبد في يد رجل فادعاه آخر وكفل له به1 رجلان فأقام المدعي بينة عادلة أنه عبده فإن الكفيلين يحبسان حتى يدفعاه إليه في قولنا وقولهم.
فإن لم يقم له بينة فإن أبا حنيفة وأصحابه قالوا يأخذ الكفيلين بضمانهما فإن قالا قد مات العبد أو قد أبق وأقاما على ذلك بينة فإنا نخرجهما من السجن ولا نبرئهما من الكفالة ويدعو الطالب شهوده أن العبد عبده فإن أحضر على ذلك بينة عادلة أخذنا الكفيلين بقيمة العبد كل واحد منهما بنصفها.
قالوا ولو لم يكن له بينة لم نضمن2 الكفيلين شيئا ولم نحبسهما له3 ونؤجلهما في الأباق أجلا حتى يأتيا به.
وكذلك القول في ذلك عندنا إذا لم يكن للمدعي بينة أو كانت له بينة وقد هلك العبد المكفول به.
وإذا ادعى رجل دارا في يد رجل أو أرضا أو حماما أو كرما أو بستانا وقال بينتي حاضرة فإنه إن سأل الحاكم أمره بإعطائه الكفيل حتى يحضر بينته قيل له إلزمه حتى تحضر بينتك فإن أحضرها وإلا فرق بينه وبينه.
و قال أبو حنيفة وأصحابه يؤخذ له كفيل بنفس الرجل ثلاثة أيام ولا يؤخذ له كفيل بهذه الدعوى من قبل أن هذه الدعوى ولا تغيب ولا تحول ولا تزول وليس هذا كالحيوان والأمتعة والثياب التي تزول وتغيب
وإذا استودع رجل رجلا عبدا فجحده ذلك فأخذ منه كفيلا بنفسه وبالعبد فمات العبد في يد المستودع وأقام رب العبد البينة انه استودعه فلانا يوم كذا وقيمته كذا وشهدوا إن هذا الكفيل كفل به لفلان وقيمته كذا يوم كفل به فان الكفيل
ـــــــ
1 ن: رجل.
2 ن: الكفيل.
3 يوجلهما.

(1/298)


يضمن التي شهدت بها الشهود فان قال الشهود لا ندري ما كانت قيمته يوم كفل به الكفيل فان المستودع يضمن قيمته أكثر ما كانت من حين جحده إلى أن هلك وأما الكفيل فلا يضمن من قيمته إن اتبعه بها المدعي إلا ما يقر به ويستحلف المدعي على زيادة إن ادعاها.
وقال أبو حنيفة وأصحابه في المسألة الأولى مثل قولنا وقالوا في الثانية إذا قال الشهود لا ندري ما كانت قيمته يوم كفل به ضمن المستودع قيمته يوم استودعه على ما شهدت به الشهود ولا يضمن الكفيل من قيمته إلا ما يقر به بعد أن يحلف.
1قالوا ولو كان العبد يوم اختصموا فيه أعمى وجحد المستودع وشهدت الشهود أنه استودعه وهو صحيح يساوي ألفا وكفل به الكفيل وهو أعمى ورفعوه إلى القاضي وهو كذلك ثم مات في يدي المستودع ثم زكي الشهود فإن المستودع يضمن قيمته أعمى إن اتبعه بها الطالب وكذلك الكفيل إذا اتبعه بذلك الطالب دون المستودع.
وقال أبو حنيفة وأصحابه في ذلك مثل قولنا وقالوا لو لم يعم ولكن السوق اتضعت وجحده وهو يوم جحده يساوي خمس مائة وعلم ذلك القاضي فهو كذلك قالوا ولو لم يعلم ذلك القاضي ضمن المستودع ألفا ولم تقبل منه بينة على اتضاع السوق لأنه جحده ألا ترى أن العبد لو مات وعلم بذلك القاضي ثم جحد المستودع الوديعة بعد موته لم يضمن شيئا ولو لم يعلم ذلك القاضي ولم يقر به الطالب وجحد الوديعة المستودع وقامت عليه البينة بما ذكرنا ضمناه ألفا فإن قال قد مات العبد لم يلتفت إلى ذلك ولم ينفعه قوله ولم تقبل منه بينة عليه إلا أن يشهدوا أنه مات قبل جحوده.
ولو استعار رجل من رجل دابة إلى مكان فجاوز ذلك فضمنها لربها وأعطى
ـــــــ
1 لعل صوابه حذف: قالوا.

(1/299)


كفيلا بها كان ضامنا في قولنا وقولهم وكذلك في الأجارة.
ولو أودع رجل رجلا متاعا فخانه في نصفه فضمن له ضامن تلك الوديعة كان الضمان في قولنا وقولهم فيما خان وبطل عنه الضمان فيما لم يخن لأن ذلك أمانة.
ولو اشترى رجل من رجل عبدا ونقده الثمن وأخذ منه كفيلا بالعبد حتى يدفعه إليه فمات العبد في يده فللمشتري اتباع من شاء من البائع والكفيل بقيمته لأنه بمنعه إياه بعد قبضه الثمن في معنى الغصبة عندنا وإن كان منعه ذلك قبل قبض الثمن وإنما احتبسه على استيفاء الثمن فالكفالة باطل والعبد هالك من مال المشتري وعليه للبائع ثمنه وقد بينا العلة في ذلك في كتابنا كتاب البيوع1 بما أغني عن إعادته في هذا الموضع.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا مات العبد في يد البائع فإنه لا ضمان على الكفيل ويرجع المشتري على البائع بالثمن قالوا ولو ضمن ما أدركه في العبد من درك كان كذلك أيضا لأن هذا ليس يدرك قالوا ولو قبض المشتري العبد فوجد به عيبا فرده لم يكن على الكفيل ضمان من قبل أن العيب ليس بدرك قالوا ولو لم يجد به عيبا ولكنه استحق رجل نصفه ورد المشتري النصف الباقي لم يكن على الكفيل ضمان في النصف الذي رد المشتري على البائع والكفيل ضامن لنصف الثمن الذي استحق حتى يؤديه.
وهذا الذي قالوا في هذا المعنى كله2 عندنا كما قالوا.
وإذا رهن رجل رجلا متاعا وكفل به رجل فهلك المتاع عند المرتهن وفيه فضل في قيمته على الذي كان فإن لرب الرهن الخيار في اتباع من شاء من المرتهن
ـــــــ
1 كأنه يعني كتاب البيوع من لطيفة.
2 ن: كله كما قالوا.

(1/300)


والكفيل بالفضل من قيمة رهنه عن الدين لأن الرهن كان في يد المرتهن مضمونا عندنا.
وكذلك القول لو كان الكفيل كفل لرب الدين بما نقصت قيمة الرهن من دينه فهلك الرهن وهو ناقص القيمة عن الدين كان لرب الدين اتباع من شاء بباقي دينه الذي نقصت عنه قيمة الرهن من غريمه ومن الكفيل.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن كانت قيمة الرهن أكثر من الدين فهلك الرهن لم تكن الكفالة جائزة ولم يكن للراهن اتباع الكفيل ولا المرتهن بشيء قالوا وذلك أن المرتهن في القضاء أمين.
قالوا فإن كانت قيمة الرهن أقل من الدين فهلك الرهن كان لرب الدين اتباع الغريم والكفيل بالقضاء من دينه قالوا ولو رهن رجل رجلا رهنا فاستعاره منه الراهن على أن1 يعطيه كفيلا فهلك عند الراهن كان خارجا من الرهن ولم يكن على الكفيل ضمان.
والذي نقول به في ذلك إن الرهن إن هلك في يد الراهن وقد استعاره من المرتهن فأعاره إياه من غير جناية منه عليه فهو كهلاكه في يد المرتهن ولا يخرج الرهن عندنا من الرهن بأن يعيره المرتهن الراهن.
ولو أن الراهن هو الذي أخذه من يد المرتهن قهرا أو بغير رضاه وضمن الكفيل للمرتهن كان الضمان جائزا يؤخذ به في قولنا وقولهم لأن الراهن يأخذ الرهن من يد المرتهن بغير رضاه متعد.
ولو أن رجلا استقرض من رجل قرضا على أن يعطيه به فلانا عبده رهنا وكفل له بذلك الرهن كفيل لم يكن ذلك كفالة جائزة لأن الرهن لا يكون رهنا وهو غير مقبوض وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه.
ـــــــ
1 ن: أعطاه.

(1/301)


ولو أن رجلا استأجر من رجل عبدا أو دابة وعجل له الأجرة ولم يقبض العبد أو الدابة وكفل له بذلك كفيل حتى يدفعه إليه فإن الكفيل يؤخذ بذلك ما دام حيا فإذا هلك العبد أو الدابة فلا ضمان على الكفيل ولكن يؤخذ المؤاجر بما قبض من الأجرة حتى يرده في قول أبي حنيفة وأصحابه وقالوا لو باع رجل عبدا من رجل وقبض منه الثمن وكفل رجل للمشتري بالعبد أن يدفعه إليه فإنه يأخذه به ما دام حيا كما أن له أن يأخذ البائع فإن مات العبد فلا ضمان على الكفيل.
والقول عندنا في ذلك ما دام العبد حيا مثل الذي قالوا وأما إذا هلك قبل قبضه فقد بينا القول فيه.
ولو أن رجلا تقبل من رجل بناء دار معلوم أو كراء أرض معلومة أو كري نهر فأعطى بذلك كفيلا فذلك جائز في قولنا وقولهم وكذلك لو أكراه إيلا إلى مكة أو دواب إلى بلد من البلدان فأعطاه كفيلا بذلك فهو جائز وإن كانت الإبل والدواب بأعيانها في قولنا وقولهم ما دامت أحياء موجودة فإن هلكت فلا ضمان على الكفيل ولو أعطاه كفيلا بالحمولة لم تجز الكفالة1 فيما كان بعينه وجازت فيما كان بغير عينه وكذلك الخدمة في قولنا وقولهم.
تم الكتاب
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على2 سيدي محمد3 وآله أجمعين.
ـــــــ
1 ن: إلا فيما.
2 كذا في النسخة.
3 ن: الـ وآله أجمعين.

(1/302)


ملحق
قال السيد مرتضى صاحب تاج العروس في كتابه إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين للإمام الغزالي في شرح الباب الأول من كتاب النكاح عند الكلام في أفات النكاح وفوائده1.
وقرأت في كتاب اختلاف الفقهاء لابن جرير الطبري ما نصه.
ـــــــ
1 ص 306 في الجزء الخامس من طبع مصر وص 285 في الجزء السادس من طبع فاس.

(1/303)


واختلفوا في الأستمناء
فقال العلاء بن زياد لا بأس بذلك قد كنا نفعله في مغازينا "حدثنا بذلك محمد بن بشار العبدي قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عنه".
وقال الحسن البصري والضحاك2 بن مزاحم وجماعة معهم مثل ذلك.
وقال ابن عباس هو خير من الزناء ونكاح الأمة خير منه.
وقال أنس بن مالك ملعون من فعل ذلك.
3وقال الشافعي:4 لا يحل ذلك "حدثنا بذلك عنه الربيع".
وعلة من قال يقول العلاء إن تحريم الشيء وتحليله لا يثبت إلا بحجة ثابتة يجب التسليم لها وذلك مختلف فيه مع إجماع الكل وإن مادة إعماله فيه فحرام عليه الجمع بينهما إلا لعلة وقد أجمعوا أن له أن يباشر ذلك بما يحل له أن يباشره به فكذلك له أن يعمله فيه.
ـــــــ
1 ص 306 في الجزء الخامس من طبع مصر وص 285 في الجزء السادس من طبع فاس.
2 طبع مص: ممن عداهم: طبع فاس: من عزاهم.
3 أم: جماع عشرة النشاء: باب الا ستمناء: قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} وقرأ إلي العادون قال
الشافعي: فكان بينا في ذكر حفظهم لفروجهم إلا علي أزواجهم أو ما مالكت الأيمان وبين أن الأزواج وملك اليمين من الأميات دون
البهائم ثم أكدها فقال عزوجل: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} فلا يحل العمل بالذكر إلا في الزوجة أو في ملك اليمين
ولا يحل الإستمناء والله أعلم.
4 كذا في الأصل.

(1/303)


وعلة من قال بقول الشافعي الاستدلال بقول الله عز وجل {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} 1 فاخبر جل ثناؤه أن من لم يحفظ فرجه عن غير زوجته وملك يمينه فهو من العادين والمستمني عاد بفرجه عنهما.
وقال في الباب الثالث عند الكلام في أداب الجماع2.
تنبيه قرأت في كتاب اختلاف الفقهاء لأبن جرير الطبري ما نصه:
ـــــــ
1 المؤمنون 5 – 7.
2 ص 375 في طبع مصر وص 352 في طبع فاس.

(1/304)


واختلفوا في إتيان النساء في أدبارهن
بعد إجماعهم أن للرجل أن يتلذذ من بدن المرأة بكل موضع منه سوى الدبر.
فقال مالك لا بأس بأن يأتي الرجل إمرأته في دبرها كما يأتيها في قبلها "حدثنا بذلك يونس عن ابن وهب عنه".
1وقال الشافعي2: الإتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان في القبل محرم بدلالة الكتاب3 والسنة4 قال:5 وأما التلذذ بغير إبلاغ الفرج بين الأليتين6 وجميع الجسد فلا بأس به7 قال وسواء في ذلك من الأمة والحرة
ـــــــ
1 أم: جماع عشرة النساء: باب إتيان النساء في أدبارهن.
2 أم: قال الشافعي: وإباحة الإتيان في موضع الحرث يشبه أن يكون تحريم في غيره بالإتيان في الدبر حتي يبلغ فيه مبلغ الخ.
3 أم: ثم السنة.
4 ثم ثكر الشافعي خبر: فلا تأتوا النساء في أدبارهن.
5 أم: فأما.
6 اتخاف: في جميع.
7 أم: إن شاء الله وسواء من الأمة أو الحرة فإذا أصابها فيما هناك لن نحللها لزوج إن طلقها ثلاثا ولم يحصنها ولا ينبغي لها تركه فإن ذهبت إلي الإمام نهاه فإن أقر الخ.

(1/304)


ولا ينبغي لها تركه لإصابة ذلك فإن ذهبت إلى الإمام نهاه عن ذلك وإن أقر بالعودة له أدبه دون الحد ولا غرم عليه فيه لأنها1 زوجه ولو كان زنا حد فيه إن فعله وأغرم إن كان2 غاصبا لها مهر مثلها3 ومن فعله وجب عليه الغسل وأفسد حجه "حدثنا بذلك عنه الربيع".
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إتيان النساء في الأدبار حرام4 الجوزجاني عن محمد.
وعلة من قال بقول مالك إجماع الكل أن النكاح قد أحل للمتزوج ما كان حراما وإذا كان ذلك كذلك لم يكن القبل بأولى5 في التحليل من الدبر.
وعلة من قال بقول الشافعي من الخبر ما "حدثني به محمد بن أبي ميسرة المكي قال حدثنا عثمان بن اليمان عن زمعة بن صالح عن ابن طاوس عن ابيه عن ابن العماد عن عمر بن الخطاب" أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:6 "محاش7 الناس حرام لا تأتوا النساء في أدبارهن" ومن الاستدلال أن الكل مجمعون قبل النكاح أن كل شيء معها حرام ثم اختلفوا فيما يحل له منها بالنكاح ولن ينتقل المحرم بإجماع إلى تحليل إلا بما يجب التسليم له من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس على أصل مجمع عليه فما أجمع منها على التحليل فحلال وما اختلف فيه منها فحرام والإتيان في الدبر مختلف فيه فهو على التحريم المجمع عليه:
ـــــــ
1 أم: زوجة ولو كان زناء حد فيه حد الزنا إن فعله.
2 طبع مصر: عاميا: طبع فاس: عاميا.
3 أم: قال: ومن الح.
4 إنحاف: الحوزاني.
5 طبع فاس: من.
6 طبع فاس: محاشر.
7 لعل صوابه: النساء.

(1/305)