الأدلة الرضية لمتن الدرر البهية في المسائل الفقهية

 [الكتاب السادس] : كتاب الصيام
[الباب الأول: أحكام الصيام]
[الفصل الأول: وجوب صوم رمضان]
يجب صيام رمضان1 لرؤية هلاله من عدل2، أو إكمال عدة شعبان3، ويصوم ثلاثين يوما ما لم يظهر هلال شوال قبل إكمالها4، وإذا رآه أهل بلد لزم سائر البلاد الموافِقَة5،
__________
1 لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 184] . وللحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 49 رقم 8" ومسلم "1/ 45 رقم 16" وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "بني الإسلام على خمسة: على أن يوحد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج".
2 للحديث الذي أخرجه أبو داود "2/ 756 رقم 2342" وغيره، عن ابن عمر، قال: تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبي رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه" وهو حديث صحيح.
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 119 رقم 1909" ومسلم "2/ 762 رقم 19/ 1081" وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أو قال أبو القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين".
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 119 رقم 1906" ومسلم "2/ 759 رقم 3/ 1080" وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أنه ذكر رمضان فقال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن أغمي عليكم فاقدروا له". وانظر الهامش "3".
5 للأحاديث المصرحة بالصيام لرؤية الهلال والإفطار لرؤيته كما في الهامش "3، 4" وهي خطاب لجميع الأمة، فمن رآه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لجميعهم.
أما الحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 765 رقم 28/ 1087" وغيره عن كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام، فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان=

(1/95)


وعلى الصائم النية قبل الفجر1.
__________
= وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية. فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين. أو نراه. فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا. هكذا أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقد أحسن المحدث الألباني في التوفيق بين الحديث وبين الاستدلال به، فقال في تمام المنة ص398: "إن حديث ابن عباس ورد فيمن صام على رؤية بلده، ثم بلغه في أثناء رمضان أنهم رأوا الهلال في بلد آخر قبله بيوم، ففي هذه الحالة يستمر في الصيام مع أهل بلده حتى يكملوا ثلاثين، أو يروا هلالهم. وبذلك يزول الإشكال، ويبقى حديث أبي هريرة وغيره على عمومه، ويشمل كل من بلغه رؤية الهلال من أي بلد أو إقليم من غير تحديد مسافة أصلًا. كما قال ابن تيمية في "الفتاوى" "25/ 107" ... " اهـ.
1 في صوم الفريضة؛ للحديث الذي أخرجه أبو داود "2/ 823 رقم 2454" والترمذي "3/ 108 رقم 730" والنسائي "4/ 196 رقم 2331" وابن ماجه "1/ 542 رقم 1700" وغيرهم عن حفصة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له"، وهو حديث حسن. من لم يجمع: أي من لم يحكم النية والعزيمة.
أما النية في صوم التطوع، فإنها تصح قبل الزوال؛ للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 809 رقم 170/ 1154" وغيره عن عائشة أم المؤمنين قالت: دخل عليَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم فقال: "هل عندكم شيء"؟ فقلنا: لا. قال: "فإني إذن صائم"، ثم أتانا يومًا آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حيس، فقال: "أرينيه فلقد أصبحت صائمًا"، فأكل.

(1/96)


[الـ] فصل [الثاني: مبطلات الصوم]
ويبطل بالأكل، والشرب1، والجماع2،
__________
1 عمدًا، لا خلاف في ذلك. أما النسيان فلا؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 155 رقم1933" ومسلم "2/ 809 رقم 171/ 1155"، وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه؛ فإنما أطعمه الله وسقاه".
2 عمدًا، لا خلاف في ذلك؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "3/ 163 رقم 1936" ومسلم "2/ 781 رقم 1111" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بينما نحن جلوس عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت. قال: "مالك"؟، قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هل تجد رقبة تعتقها"؟ قال: لا. قال: "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين"؟ قال: لا. قال: "فهل تجد إطعام ستين مسكينًا"؟ قال: لا، قال: فمكث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبينما نحن على ذلك أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرق فيها تمر -والعرق: المكتل- قال: "أين السائل"؟ فقال: أنا. قال: "خذ هذا فتصدق به". فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بدت أنيابه ثم قال: "أطعمه أهلك". وفي رواية لأبي داود 2/ 786 رقم 2393، وابن ماجه 1/ 534 رقم 1671، أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "وصم يوما مكانه". وهي رواية صحيحة.

(1/96)


والقيء عمدًا1، ويحرم الوصال2، وعلى من أفطر عمدًا كفارة ككفارة الظهار3، ويندب تعجيل الفطر4، وتأخير السحور5.
__________
1 للحديث الذي أخرجه أبو داود "2/ 776 رقم 2380" والترمذي "3/ 98 رقم 720" وابن ماجه "1/ 536 رقم 1676" وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من ذرعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء، وإن استقاء فليقضِ" وهو حديث صحيح.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 202 رقم 1964" ومسلم "2/ 776 رقم 1105" عن عائشة رضي الله عنها قالت: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوصال رحمة لهم. فقالوا: إنك تواصل. قال: "إني لست كهيئتكم؛ إني يطعمني ربي ويسقيني".
3 ليس للقائلين بوجوب الكفارة على المفطر بغير الجماع دليل صحيح، والأصل عدم الوجوب إلا بدليل. فالحق أن الكفارة لا تجب إلا على من أفطر بالجماع فقط، كما ذهب إليه الشافعي وغيره من أهل العلم.
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 198 رقم 1957" ومسلم "2/ 771 رقم 1098" عن سهل بن سعد أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر".
أما ما يستحب عليه الإفطار؛ فرطبات، أو تمرات أو قليل من ماء؛ للحديث الذي أخرجه أبو داود "2/ 764 رقم 2356" والترمذي "3/ 79 رقم 696" وقال: حديث حسن غريب عن أنس بن مالك قال: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لم تكن رطبات، فتميرات، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء" وهو حديث صحيح.
5 بحيث ينتهي من الطعام والشراب، قبيل طلوع الفجر بقليل؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 138 رقم 1921" ومسلم "2/ 771 رقم 1097" عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "تسحرنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية".

(1/97)


[الـ] فصل [الثالث: قضاء الصوم]
يجب على من أفطر بعذر شرعي أن يقضي1
__________
1 كالمسافر، والمريض، والحائض؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] . وأخرج البخاري "1/ 421 رقم 321" ومسلم "1/ 265 رقم335" عن معاذ في أن امرأة سألت عائشة فقالت: أتقضي إحدانا الصلاة أيام محيضها؟ فقالت عائشة: أحرورية أنت؟ قد كانت إحدانا تحيض على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم لا تؤمر بقضاء.
أحرورية أنت: نسبة إلى حروراء؛ وهي قرية بقرب الكوفة، كان أول اجتماع الخوارج بها. فمعنى قول عائشة: أن طائفة من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصلاة الفائتة في زمن الحيض. وهو خلاف الحديث وإجماع علماء المسلمين.

(1/97)


والفطر للمسافر ونحوه رخصة1، إلا أن يَخشى التلف أو الضعف عن القتال فعزيمة2، ومن مات وعليه صوم صام عنه وليُّه3، والكبير العاجز عن الأداء والقضاء يكفِّر عن كل يوم بإطعام مسكين4.
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 179 رقم 1943" ومسلم "2/ 789 رقم 1121" عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أأصوم في السفر؟ -وكان كثير الصيام- فقال: "إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر".
2 للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 789 رقم 1120" وغيره من حديث أبي سعيد قال: "إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم"، فكانت رخصة، فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلًا آخر. فقال: "إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا" ... وكانت عزمة. فأفطرنا ثم قال: لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك في السفر.
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 192 رقم 1952" ومسلم "2/ 803 رقم 1147" عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من مات وعليه صيام، صام عنه وليه".
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "8/ 179 رقم 4505". عن عطاء سمع ابن عباس يقرأ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] قال ابن عباس: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فليطعمان مكان كل يوم مسكينًا.

(1/98)


[الباب الثاني] : باب صوم التطوع
[الفصل الأول: ما يستحب صومه]
يستحب صيام ستٍّ من شوال5، وتسع ذي الحجة6، ومحرم7
__________
5 للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 822 رقم 1164" وغيره عن عمر بن ثابت بن الحارث الخزرجي، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه حدثه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر".
6 للحديث الذي أخرجه أبو داود "2/ 815 رقم 2437" وغيره عن هنيدة بن خالد، عن امرأته عن بعض أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: "كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر؛ أول اثنين من الشهر والخميس" وهو حديث حسن.
7 للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 821 رقم 1163" وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم. وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل".

(1/98)


وشعبان1، والاثنين والخميس2، وأيام البيض3، وأفضل التطوع صوم يوم وإفطار يوم4.
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 213 رقم 1969" ومسلم "2/ 81 رقم 176/ 1156" عن أبي سلمة، قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صيام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: كان يصوم حتى نقول: قد صام. ويفطر حتى نقول: قد أفطر، ولم أره صائمًا من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان. كان يصوم شعبان كله. وكان يصوم شعبان إلا قليلًا".
2 للحديث الذي أخرجه الترمذي "3/ 121 رقم 745" وقال: حديث حسن غريب والنسائي "4/ 202 رقم 2360" وابن ماجه "1/ 553 رقم 1739" وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتحرى صوم الاثنين والخميس.
3 أيام البيض هي: أيام الليالي البيض، وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، من كل شهر قمري. ويسن صيامها؛ للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 818 رقم 1162" وغيره: عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله ... ".
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 244 رقم 1980" ومسلم "2/ 817 رقم 191/ 1159" من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا صوم فوق صوم داود عليه السلام؛ شطر الدهر، صم يومًا وأفطر يومًا".
ويسن صيام يوم عرفة، ويوم عاشوراء، للحديث الذي أخرجه مسلم"2/ 818 رقم196/ 1162": عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله. والسنة التي بعده. وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".

(1/99)


[الفصل الثاني: ما يكره صومه]
ويكره صوم الدهر1، وإفراد يوم الجمعة2، ويوم السبت3.
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 221 رقم 1977" ومسلم "2/ 814 رقم 186/ 1159" عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: بلغ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أني أسرد الصوم، وأصلي الليل، فإما أرسل إلي وإما لقيته فقال: "ألم أخبر أنك تصوم ولا تفطر، وتصلي ولا تنام؟ فصم وأفطر وقم ونم؛ فإن لعينيك عليك حظًّا وإن لنفسك وأهلك عليك حظًّا". قال: إني لأقوى لذلك. قال: "فصم صيام داود عليه السلام". قال: وكيف؟ قال: "كان يصوم يومًا ويفطر يومًا ولا يفر إذا لاقى". قال: من لي بهذه يا نبي الله؟، قال عطاءٌ: لا أدري كيف ذكر صيام الأبد، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا صام من صام الأبد" مرتين.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 232 رقم 1984" ومسلم "2/ 801 رقم 146/ 1143" وغيرهما عن محمد بن عباد قال: سألت جابرًا رضي الله عنه: أنهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم. زاد غير أبي عاصم: "يعني أن ينفرد بصومه"، وللحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 232 رقم 1985" ومسلم "2/ 801 رقم 147/ 1144" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا يومًا قبله أو بعده".
3 للحديث الذي أخرجه أبو داود "2/ 805 رقم 2421" والترمذي "3/ 120 رقم 744" وقال: حديث حسن، وابن ماجه "1/ 550 رقم 1726" وغيرهم، عن الصماء بنت بسر السلمي، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا ما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجرة فليمضغه" وهو حديث صحيح. اللحاء: القشر على العود.

(1/99)


[الفصل الثالث: ما يحرم صومه]
ويحرم صوم العيدين1 وأيام التشريق2واستقبال رمضان بيوم أو يومين3.
__________
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "3/ 70 رقم 1197" ومسلم "2/ 799 رقم 140/ 827" عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت منه حديثًا فأعجبني. فقلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فأقول على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم أسمع؟ قال: سمعته يقول: "لا يصلح الصيام في يومين: يوم الأضحى ويوم الفطر من رمضان".
3 للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 800 رقم 145/ 1142" عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه، أنه حدثه؛ أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق. فنادى: "أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن. وأيام منى أيام أكل وشرب". أيام منى: هي أيام النحر والتشريق.
قلتُ: ويرخص للمتمتع فقط إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 242 رقم 1997، 1998" عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهم قالا: "لم يرخص في أيام التشريق أن يُصَمْن إلا لمن لم يجد الهدي، وللحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 242 رقم 1999" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة، فإن لم يجد هديًا ولم يصم صام أيام منى". وعن عائشة مثله.
5 للحديث الذي أخرجه أبو داود "2/ 749 رقم 2334" والترمذي "3/ 70 رقم 686" والنسائي "4/ 153 رقم 2188" وابن ماجه "1/ 527 رقم 1645" عن صلة قال: كنا عند عمار فأتى بشاة مصلية فقال: كلوا، فتنحى بعض القوم قال: إني صائم، فقال عمار: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وهو حديث صحيح. وتنتفي حرمة صوم يوم الشك إذا وافق عادلة له؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 127 رقم1914" ومسلم "2/ 762 رقم 21/ 1082" عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه، فليصم ذلك اليوم".

(1/100)


[الباب الثالث] : باب الاعتكاف
يشرع للصائم1 في كل وقت في
__________
1 لقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] . وللحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 271 رقم 2026" ومسلم "2/ 831 رقم 5/ 1171" عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده.

(1/100)


المساجد1، وهو في رمضان آكد سيما في العشر الأواخر منه2، ويستحب الاجتهاد في العمل فيها3 وفي ليالي القدر4 ولا يخرج المعتكف إلا لحاجة5.
__________
1 أي الثلاثة:
1- المسجد الحرام.
2- المسجد الأقصى.
3- المسجد النبوي.
للحديث الذي أخرجه البيهقي في سننه "4/ 316"، والطحاوي في "مشكل الآثار" "4/ 20"، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" "15/ 81" كلهم من طريق سفيان بن عيينة، عن جامع ابن أبي راشد، عن أبي وائل، قال: قال حذيفة لعبد الله بن مسعود: عكوفًا بين دارك، ودار أبي موسى، وقد علمت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاث" فقال: عبد الله لعلك نسيت وحفظوا أو أخطأت وأصابوا "صحيح غريب عالٍ. قلت: وإسناده على شرط البخاري.
وقد عمل بعض السلف بهذا الحديث، فقد أخرج عبد الرزاق في المصنف "رقم: 8019" عن عطاء بسند صحيح قال: "لا جوار إلا في مسجد مكة، ومسجد المدينة" والجوار: أي الاعتكاف. وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه "3/ 91" وعبد الرزاق في المصنف "رقم: 8008" بسند صحيح، عن ابن المسيب قال: "لا اعتكاف إلا في مسجد نبي".
مسجد نبي: يعني المساجد الثلاث.
2 لحديث عائشة اظر الهامش "ص100".
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 269 رقم 2024" ومسلم "2/ 832 رقم 1174" وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله، وأيقظ أهله".
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 91 رقم 35" ومسلم "1/ 523 رقم 760" وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من يقمْ ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".
ومن أدعية من وجد ليلة القدر ما أخرجه الترمذي "9/ 495- مع التحفة" وقال: حسن صحيح، وابن ماجه "2/ 1265 رقم 3850" عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" وهو حديث صحيح.
5 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 273 رقم 2029" ومسلم "1/ 244 رقم 297" عن عائشة رضي الله عنها قالت: وإن كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليدخل رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفًا.

(1/101)