الأدلة الرضية لمتن الدرر البهية في المسائل الفقهية

 [الكتاب العاشر] : كتاب البيع
[الباب الأول: أنواع البيوع المحرمة]
المعتبر فيه مجرد التراضي، ولو بإشارة من قادر على النطق1، ولا يجوز بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام2 والكلب3 والسنور4، والدم5
__________
1 الأصل في مشروعية البيع آيات. منها قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] .
2 لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] .
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 424 رقم 2236" ومسلم "3/ 1207" رقم 71/ 1581" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول وهو بمكة عام الفتح: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام". فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة؛ فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال: لا، هو حرام، ثم قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند ذلك: "قاتل الله اليهود؛ إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه".
يطلى: يدهن. يستصبح: يجعلونها في مصابيحهم ويوقدون فتيلًا فيها؛ ليستضيئوا بها. قاتل: لعن. شحومها: شحوم الميتة. أو شحوم البقرة والغنم، كما أخبر تعالى بقوله: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146] . جملوه: أذابوه واستخرجوا دهنه.
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 426 رقم 2237" ومسلم "3/ 1198" رقم 39/ 1567" عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه: "أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي، وحلوان الكاهن". مهر البغي: هو ما تأخذه الزانية على الزنا، وسماه مهرًا لكونه على صورته، وهو حرام بإجماع المسلمين. حلوان الكاهن: هو ما يعطاه على كهانته.
5 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1199 رقم 1569" عن أبي الزبير، قال: سألت جابرًا عن ثمن الكلب والسنور؟ قال: زجر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك.
6 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 426 رقم 2238" عن أبي جحيفة قال: رأيت أبي اشترى حجامًا فأمر بمحاجمه فكسرت فسألته عن ذلك، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب وكسب الأمة، ولعن الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله ولعن المصور".
حجامًا فأمر بمحاجمه فكسرت فسألته عن ذلك، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نهى عن ثمن الدم، وثمن الكلب وكسب الأمة، ولعن الواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله ولعن المصور".

(1/138)


وعسب الفحل1 وكل حرام2، وفضل الماء3 وما فيه غرر4 كالسمك في الماء، وحبل الحبلة5، والمنابذة والملامسة6 وما في الضرع، والعبد الآبق، والمغانم حتى
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 461 رقم 2284". عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عسب الفحل".
2 لحديث جابر بن عبد الله، انظر هامش "ص138".
3 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 751 رقم 3478" والنسائي "7/ 307 رقم 4662" والترمذي "3/ 571 رقم 1271" وقال: حديث حسن صحيح عن إياس بن عبد "أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن فضل الماء" وهو حديث صحيح.
4 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1153" وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر ".
بيع الحصاة: فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها، أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة. والثاني: أن يقول: بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمي بهذه الحصاة. والثالث: أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعًا. فيقول: إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو مبيع منك بكذا.
بيع الغرر: النهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع. ويدخل فيه مسائل كثير من منحصرة: كبيع الآبق، والمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه، وما لم يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء الكثير، واللبن في الضرع، وبيع الحمل في البطن ونظائر ذلك، وكل هذا بيعه باطل؛ لأنه غرر من غير حاجة، ومعنى الغرر الخطر، والغرور والخداع، واعلم أن بيع الملامسة، وبيع المنابذة، وبيع حبل الحبلة، وبيع الحصاة، وعسيب الفحل وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة، هي داخلة في النهي عن الغرر، ولكن أفردت بالذكر ونهي عنها لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة.
5 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1153 رقم 5/ 1514" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أنه نهى عن بيع حبل الحبلة".
بيع حبل الحبلة: هو بيع ولد الناقة الحامل في الحال.
6 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 358 رقم 2144" ومسلم "3/ 1152 رقم 3/ 1512" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيعتين ولبستين: نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع، والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو النهار. ولا يقلبه إلا بذلك. والمنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه، وينبذ الآخر إليه ثوبه. ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض".

(1/139)


تقسم1، والثمر حتى يصلح2، والصوف في الظهر، والسمن في اللبن، والمحاقلة والمزابنة والمعاومة والمحاضرة3 والعربون4، والعصير إلى من يتخذه خمرًا5 والكالئ بالكالئ6 وما اشتراه قبل قبضه7، والطعام حتى يجري فيه الصاعان8، ولا يصح الاستثناء في البيع إلا إذا كان
__________
1 للحديث الذي أخرجه النسائي "7/ 301 رقم 4645" عن ابن عباس قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع المغانم حتى تقسم، وعن الحبالى أن يوطأن حتى يضعن ما في بطونهن، وعن لحم كل ذي ناب من السباع" وهو حديث صحيح.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 394 رقم 2194" ومسلم "3/ 1165 رقم 49/ 1534" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع".
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 404 رقم 2207" عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المحاقلة والمخاضرة والملامسة والمنابذة والمزابنة".
وللحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 50 رقم 2381" ومسلم "3/ 1175 رقم 85/ 1536" عن جابر بن عبد الله، قال: نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة، "قال أحدهما: بيع السنين هي المعاومة، وعن الثنيا، ورخص في العرايا".
المحاقلة: بيع الزرع بكيل من الطعام معلوم. المخاضرة: بيع الثمرة خضراء قبل بدو صلاحها.
المزابنة: بيع ثمر النخل بأوساق من التمر. المعاومة: بيع ثمر النخلة لأكثر من سنة في عقد واحد. المخابرة: هي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها من الزرع. الثنيا: هي أن يستثني في عقد البيع شيء مجهول.
4 العربون: هو أن يعطي المشتري البائع درهمًا أو نحوه قبل البيع، على أنه إذا ترك الشراء كان الدرهم للبائع بغير شيء. وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع العربون". ضعيف.
5 للحديث الذي أخرجه أبو داود "4/ 81 رقم 3674" وابن ماجه "2/ 1121 رقم 3380". عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه" وهو حديث صحيح.
6 أي المعدوم بالمعدوم.
7 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1162 رقم 41/ 1529" عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا ابتعت طعامًا، فلا تبعْهُ حتى تستوفِيَه".
8 للحديث الذي أخرجه ابن ماجه "2/ 750 رقم 2228" والدارقطني "3/ 8 رقم 24" والبيهقي في السنن الكبرى "5/ 316" عن جابر، قال: "نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان، صاع البائع وصاع المشتري" وهو حديث حسن.

(1/140)


معلومًا1 ومنه استثناء ظهر المبيع2، ولا يجوز التفريق بين المحارم3، ولا أن يبيع حاضر لبادٍ4، والتناجش5 والبيع على البيع6، وتلقي الركبان7، والاحتكار8، والتسعير9.
__________
1 لحديث جابر بن عبد الله عند مسلم وغيره "نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الثنيا" انظر هامش "ص140" وزاد النسائي "7/ 37 رقم 3880" والترمذي "3/ 585 رقم 1290": "إلا أن تعلم".
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 314 رقم 2718" ومسلم "3/ 1221 رقم 109/ 715" عن جابر بن عبد الله، أنه كان يسير على جمل له قد أعيا، فأراد أن يسيبه، قال: فلحقني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدعا لي وضربه، فسار سيرًا لم يسر مثل، قال: "بعنيه بوُقَيَّة" قلت: لا. ثم قال: "بعنيه" فبعته بوقية، واستثنيت عليه حُملانه إلى أهلي. فلما بغلت أتيته بالجمل، فنقدني ثمنه ثم رجعت، فأرسل في أثري. فقال: "أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك، فهو لك".
ماكستك: المماكسة هي المكالمة في النقص من الثمن.
3 للحديث الذي أخرجه الترمذي "3/ 580 رقم 1283" وقال حديث حسن غريب عن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من فرق بين الوالدة وولدها، فرق بينه وبين أحبته يوم القيامة". وهو حديث صحيح. بل الأصح جواز التفريق لحديث جابر، انظر هامش "ص140".
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 372 رقم 2161" ومسلم "3/ 1158 رقم 212/ 1523" وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نهينا أن يبيع حاضر لبادٍ وإن كان أخاه أو أباه".
5 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 355 رقم 2142" ومسلم "3/ 1156 رقم 13/ 1516". عن ابن عمر رضي الله عنهما. أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن النجش.
النجش: هو زيادة في السلعة لا لرغبة فيها بل ليخدع غيره فيشتريها.
6 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 353 رقم 2140" ومسلم "3/ 1155 رقم 12/ 1515". عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبيع حاضر لبادٍ ولا تناجشوا، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه. ولا يخطب على خطبة أخيه. ولا تسأل المرأة طلاق أختها؛ لتكفأ ما في إنائها".
7 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 370 رقم 2158" ومسلم "3/ 1157 رقم 19/ 1521" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تلقوا الركبان ولا يبع حاضر لبادٍ" قال: فقلت لابن عباس: ما قوله: "لا يبع حاضر لباد"؟ قال: لا يكون له سمسارًا.
8 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1228 رقم 130/ 1605" عن معمر بن عبد الله، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يحتكر إلا خاطئ".
9 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 731 رقم 3451" والترمذي "3/ 605 رقم 1314" وقال: حديث حسن صحيح وابن ماجه "2/ 741 رقم 2200" وغيرهم عن أنس بن مالك، قال الناس: يا رسول الله غلا السعر فسعِّرْ لنا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال". وهو حديث صحيح.

(1/141)


ويجب وضع الجوائح1، ولا يحل سلف وبيع2، وشرطان في بيع3 وبيعتان في بيعة4، [وربح ما لم يضمن] 5، وبيع ما ليس عند البائع6، ويجوز بشرط عدم الخداع7، والخيار في المجلس ثابت ما لم يتفرقا8.
__________
1 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1190 رقم 14/ 1554" عن جابر بن عبد الله. قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لو بعت من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا؛ بم تأخذ مال أخيك بغير حق"؟ الجائحة: الآفة التي تهلك الثمار والأموال.
2 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 769 رقم 3504" والنسائي "7/ 288 رقم 4611" والترمذي "3/ 535 رقم 1234" وقال: حديث حسن صحيح عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك". وهو حديث حسن.
3 لحديث عبد الله بن عمرو، انظر الهامش "2".
4 للحديث الذي أخرجه النسائي "7/ 295 رقم 4632" وأبو داود "3/ 838 رقم 3461" والترمذي "3/ 533 رقم 1231" وغيرهم. عن أبي هريرة. قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا". وهو حديث حسن.
5 لحديث عبد الله بن عمرو، انظر الهامش "2".
6 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 768 رقم 3503" والترمذي "3/ 534 رقم 1232"والنسائي "7/ 289 رقم 4613" وابن ماجه "2/ 737 رقم 2187" وغيرهم عن حكيم بن حزام، قال: يا رسول الله، يأتيني الرجل، فيريد مني البيع ليس عندي، أفأبتاعه له من السوق؟ فقال: "لا تبع ما ليس عندك" وهو حديث صحيح. انظر هامش "ص140".
7 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 337 رقم 2117" ومسلم "3/ 1165 رقم 48/ 1533" وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلًا ذكر للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يخدع في البيوع، فقال: "إذا بايعت فقل: لا خلابة".
لا خلابة: لا خديعة: أي لا تحل لك خديعتي، أو لا يلزمني خديعتك.
8 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 328 رقم 2110" ومسلم "3/ 1164 رقم 47/ 1532".
عن حكيم بن حزام رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما".
بينا: أي بيَّن كل واحد لصاحبه ما يحتاج إلى بيانه من عيب ونحوه في السلعة والثمن. محقت بركة بيعهما: أي ذهبت بركته. وهي زيادته ونماؤه.

(1/142)


[الباب الثاني] : باب الر با 1
يحرم بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا مثلًا بمثل يدًا بيد2، وفي إلحاق غيرها بها خلاف3، فإن اختلفت الأجناس جاز التفاضل إذا كان يدًا بيد4، ولا يجوز بيع الجنس بجنسه مع عدم العلم بالتساوي5
__________
1 التعامل بالربا من الكبائر، والأصل في تحريمه آيات؛ منها: قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] . ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278- 279] . وأحاديث؛ منها ما أخرجه مسلم "3/ 1219 رقم 106/ 1598": عن جابر رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكل الربا وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: "هم سواء". هم سواء: أي يستوون في فعل المعصية والإثم.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 377 رقم 2174" ومسلم "3/ 1210 رقم 79/ 1586" وغيرهما عن مالك بن أوس أنه التمس صرفًا بمائة دينار، فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا، حتى اصطرف مني، فأخذ الذهب يقلبها في يده ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة، وعمر بن الخطاب يسمع ذلك، فقال: والله لا تفارقه، حتى تأخذ منه، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الذهب بالذهب ربًا إلا هاء وهاء، والبر بالبر ربًا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربًا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربًا إلا هاء وهاء".
إلا هاء وهاء: فيه لغتان: المد والقصر: والمد أفصح وأشهر، وأصله: هاك، فأبدلت المدة من الكاف، ومعناه خذ هذا، ويقول صاحبه مثله، والمدة مفتوحة، ويقال: بالكسر أيضًا.
وللحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1210 رقم 80/ 1587" وغيره عن عبادة بن الصامت: قال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا سواء بسواء، عينا بعين، فمن زاد أو ازداد فقد أربى".
3 لم يرد دليل تقوم به الحجة على إلحاق ما عدا الأجناس المنصوص عليها بها.
4 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1211 رقم 81/ 1587" عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل سواء بسواء يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم. إذا كان يدًا بيد".
5 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1163 رقم 42/ 1530" عن جابر بن عبد الله، قال: "نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع الصبرة من التمر، لا يعلم مكيلتها، بالكيل المسمى من التمر".
الصبرة: هي الكومة. والمعنى: نهى عن بيع الكومة من التمر المجهولة القدر، بالكيل المعين القدر من التمر.

(1/143)


وإن صحبه غيره1، ولا بيع الرطب بما كان يابسًا2 إلا لأهل العرايا3، ولا بيع اللحم بالحيوان4، ويجوز بيع الحيوان باثنين أو أكثر من جنسه5
ولا يجوز بيع العينة6.
__________
1 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1213 رقم 90/ 1591" عن فضالة بن عبيد قال: اشتريت يوم خيبر، قلادة باثني عشر دينارًا فيها ذهب وخرز، ففصلتها، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، فذكرت ذلك للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: "لا تباع حتى تُفَصَّل". ففصلتها: أي ميزت ذهبها وخرزها.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 384 رقم 2185" ومسلم "3/ 171 رقم 72/ 1542" وغيرهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "نهى عن المزابنة، والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلًا، وبيع الكرم بالزبيب كيلًا".
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 390 رقم 2192" ومسلم "3/ 1169 رقم 64/ 1539" عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلًا".
العرايا: جمع عريِّة، فعيلة بمعنى مفعولة من عراه يعروه إذا قصده ويحتمل أن تكون فعيلة، فاعلة، من عري يعرى إذا خلع ثوبه، كأنها عريت من جملة التحريم، فعريت أي خرجت، وقيل في تفسيرها: إنه لما نهى عن المزابنة، وهي بيع التمر في رءوس النخل بالتمر، رخص في جملة المزابنة في العرايا؛ وهو أن من لا نخل له من ذوي الحاجة يدرك الرطب ولا نقد بيده يشتري به الرطب لعياله، ولا نخل لهم يطمعهم منه، ويكون قد فضل له من قوته تمر، فيجيء إلى صاحب النخل، فيقول له: يعني ثمر نخلة أو نخلتين بخرصها من التمر فيعطيه ذلك الفاضل من التمر بثمر تلك النخلات؛ ليصيب من رطبها مع الناس، فرخص فيه إذا كان دون خمسة أوسق. الوسق =60 صاعًا كيلًا. الصاع =4 أمداد. المد =544 جرامًا من القمح. إذن الصاع =4×544 =1276 جرامًا. الوسق= 60×2176= 130560 جرامًا= 130.56 كيلو جرامًا. إذن خمسة أوسق =6×130.56= 652.8 كيلو غرامًا.
4 للحديث الذي أخرجه الحاكم في المستدرك "2/ 35" والبيهقي في السنن الكبرى "5/ 296" عن سمرة رضي الله عنه "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن بيع الشاة باللحم". وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد؛ رواته عن آخرهم أئمة حفاظ ثقات ولم يخرجاه، وقد احتج البخاري بالحسن عن سمرة، ووافقه الذهبي". وقال البيهقي: "هذا إسناد صحيح، ومن أثبت سماع الحسن البصري من سمرة بن جندب عده موصولًا، ومن لم يثبته فهو مرسل جيد يضم إلى مرسل سعيد بن المسيب، أخرجه مالك في الموطأ "2/ 655" ورجاله ثقات، والقاسم بن أبي بزة أخرجه البيهقي "5/ 296-297"، وقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه- أخرجه البيهقي "5/ 297".
قلت: والخلاصة أن الحديث حسن والله أعلم. وقد حسنه الألباني في الإرواء "5/ 198 رقم 1351".
5 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 652 رقم 3357" وغيره عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره أن يجهز جيشًا، فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ في قلاص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة". وهو حديث حسن.
القلوص: هي الناقة الشابة. وتجمع علاى قلاص، وقلص أيضًا.
6 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 740 رقم 3462" وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتهم الجهاد، سلط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم". وهو حديث صحيح بمجموع طرقه.
العينة: بيع التاجر سلعته بثمن إلى أجل ثم يشتريها منه بأقل من ذلك الثمن.

(1/144)


[الباب الثالث] : باب الخيارات
يجب على من باع بعيب أن يبينه وإلا ثبت للمشتري الخيار1، والخراج بالضمان2، وللمشتري الرد بالغرر ومنه المصراة فيردها وصاعًا من تمر3، أو ما يتراضيان عليه4،
__________
1 للحديث الذي أخرجه ابن ماجه "2/ 755 رقم 2246" والحاكم في المستدرك "3/ 22" وصححه ووافقه الذهبي، عن عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعًا، فيه عنب إلا بينه له" وهو حديث حسن.
وللحديث الذي أخرجه ابن ماجه "2/ 756 رقم 2251" والترمذي "3/ 520 رقم 1216" وقال: حديث حسن غريب وهو كما قال. وأخرجه البخاري تعليقًا "4/ 309" وغيرهم عن العداء بن خالد بن هوذة، قال: كتب لي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترى منه عبدًا أو أمة لا داء، ولا غائلة، ولا خبنة، بيع المسلم المسلم" وهو حديث حسن.
لا داء: الداء: المرض والعاهة. ولا خبنة: والخبنة: نوع من أنواع الخبيث، أراد به الحرام. ولا غائلة: الغائلة: الخصلة التي تغول المال، أي تهلكه من إباق وغيره.
2 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 777 رقم 3508" والترمذي "3/ 581 رقم 1285" وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي "7/ 254 رقم 4490" وابن ماجه "2/ 754 رقم 2242" وغيرهم. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الخراج بالضمان" وهو حديث حسن.
الخراج: الدخل والمنفعة. أي يملك المشتري الخراج الحاصل من المبيع بضمانه.
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "4/ 361 رقم 2150" ومسلم "3/ 1155 رقم 11/ 1515" وغيرهما. عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد، ولا تصروا الغنم، ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعًا من تمر".
ولا تصروا الغنم: من التصرية وهي الجمع. ويقال: صرى يصري تصرية، وصراها يصريها تصرية فهي مصراة، ومعناها: لا تجمعوا اللبن في ضرعها عند إرادة بيعها حتى يعظم ضرعها فيظن المشتري أن كثرة لبنها عادة لها مستمرة.
4 لأن حق الآدمي مفوض إليه، فإذا رضي بأخذ عوض عنه جاز ذلك كما لو رضي بإسقاطه أو أخذ بعضه.

(1/145)


ويثبت الخيار لمن خدع1، أو باع قبل وصول السوق2، ولكل من المتبايعين بيعًا منهيًّا عنه الرد3، ومن اشترى شيئًا لم يره فله رده إذا زاد4، وله رد ما اشتراه بخيار5 مدة معلومة قبل انقضائها وإذا اختلف البيعان فالقول ما يقوله البائع6.
__________
1 فإن كان مع شرط عمد الخداع فلا ريب في ذلك؛ لحديث ابن عمر، انظر هامش "ص142"، وأما إذا لم يشترط فالبيع الذي وقع ليس هو بيع المسلم إلى المسلم، بل هو مشتمل على الخبث والخداع؛ لحديث عقبة بن عامر، انظر هامش "ص145". فللمخدوع الخيار؛ لكونه كذلك، ولكونه الخداع، كشفًا عن عدم الرضا المحقق الذي هو المناط كما تقدم تقريره.
2 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1157 رقم 17/ 1519" وغيره. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا تلقوا الجلب؛ فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق، فهو بالخيار".
الجلب: وهو ما يجلب للبيع أي شيء كان. سيده: أي مالك المجلوب الذي باعه، أي فإذا جاء صاحب المتاع إلى السوق وعرف السعر فله الخيار في الاسترداد.
3 كما في حديث أبي هريرة المتقدم في الهامش "2".
4 بعدم خلو البيع عن نوع غرر، وكذلك عدم حصول التراضي الذي هو المناط الشرعي.
5 للحديث الذي أخرجه البخار ي"4/ 333 رقم 2113" ومسلم "3/ 1164 رقم 46/ 1531" عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار".
6 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 780 رقم 3511" والنسائي "7/ 302 رقم 4648" وابن ماجه "2/ 737 رقم 2186" وغيرهم. عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان". وهو حديث صحيح بمجموع طرقه.

(1/146)


[الباب الرابع] : باب السلم
هو أن يسلم رأس المال في مجلس العقد على أن يعطيه ما يتراضيان عليه معلومًا إلى أجل معلوم1، ولا يأخذ إلا ما سماه أو رأس ماله2، ولا ينصرف فيه قبل قبضه3.
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "رقم 2125- البغا" ومسلم "3/ 1226 رقم 1604" عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة وهم يسلقون بالتمر السنتين والثلاث، فقال: "من أسلف في شيء ففي كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم".
2 حديث أبي سعيد: "من أسلم في شيء فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه أو رأس ماله" ضعيف.
3 لحديث جابر بن عبد الله في هامش "ص140" وعبد الله بن عمرو في هامش "959". أما حديث أبي سعيد: "من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره". فضعيف.

(1/146)


[الباب الخامس] : باب القرض
يجب إرجاع مثله1، ويجوز أن يكون أفضل أو أكثر إذا لم يكن مشروطًا2، ولا يجوز أن يجر القرض نفعًا للمقرض3.
__________
1 لأنه إذا وقع التعاطي على أن يكون القضاء زائدًا على أصل الدين فذلك هو الربا. بل مجرد الهدية من المستقرض للمقرض ربا؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "7/ 129 رقم 3814". عن أبي بردة قال: أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام رضي الله عنه فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقًا وتمرًا وتدخل في بيت؟ ثم قال: إنك في أرضٍ الربا بها فاشٍ، إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قتٍّ؛ فإنه ربا".
القتّ: بفتح القاف وتشديد المثناة وهو علف الدواب.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 59 رقم 2394" ومسلم "1/ 495 رقم 71/ 715". عن جابر بن عبد الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في المسجد -قال مسعر: أراه قال: ضحى- فقال: "صل ركعتين، وكان لي عليه دين فقضاني وزادني".
3 لحديث أبي بردة في الهامش "1".
وقد أغفل المؤلف رحمه الله تعالى في باب القرض أمورًا:
- فضل القرض: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة" وهو حديث صحيح أخرجه مسلم رقم "38/ 2699".
- إنظار المعسر: قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280] . وعن حذيفة، قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "مات رجل فقيل له: ما كنت تقول؟ قال: كنت أبايع الناس، فأتجوز عن الموسر وأخفف عن المعسر فغفر له"، قال أبو مسعود: سمعته من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو حديث صحيح أخرجه البخاري رقم "2391".
- مطل الغني ظلم: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مطل الغني ظلم" وهو حديث صحيح أخرجه البخاري رقم "2400" ومسلم رقم "1564".
- من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أو إتلافها: عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله" وهو حديث صحيح أخرجه البخاري رقم "2387".

(1/147)


[الباب السادس] : [باب] 1 الشفعة
سببها: الاشتراك في شيء ولو منقولًا2
__________
1 في المخطوط "كتاب" وبدلت إلى "باب"؛ لضرورة التبويب.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "رقم: 2099- البغا" ومسلم "3/ 1229 رقم 1608". واللفظ للبخاري عن جابر رضي الله عنه، جعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشفعة في كل مال لم يقسم فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة.
الشفعة: من شفعت الشيء إذا ضممته إلى غيره؛ سميت بذلك لما فيها من ضم نصيب إلى نصيب، وهي أن يبيع أحد الشركاء في دار أو أرض نصيبه لغير الشركاء فللشركاء أخذ هذا النصيب بمقدار ما باعه. وقعت الحدود: صارت مقسومة وحددت الأقسام. صرفت الطرق: ميزت وبينت.

(1/147)


فإذا وقعت القسمة فلا شفعة1، ولا يحل للشريك أن يبيع حتى يؤذن شريكه2، ولا تبطل بالتراخي3.
__________
1 لحديث جابر المتقدم في هامش "ص147".
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "رقم: 2099- البغا" ومسلم "3/ 1229 رقم 134/ 1608" واللفظ لمسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله أنه قال: قضى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشفعة في كل شركة لم تقسم: ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن في شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك. فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به.
ربعة: الربعة، والربع "بفتح الراء وإسكان الباء"، والربع: الدار والمسكن ومطلق الأرض وأصله المنزل الذي كانوا يرتبعون فيه. والربعة تأنيث الربع وقيل: واحده والجمع الذي هو اسم الجنس ربع. الحائط: البستان.
3 لما في الأحاديث الواردة في الشفعة من الإطلاق، وحديث ابن عمر الشفعة كحل العقال، ضعيف جدًّا. وكذلك حديث ابن عمر: "لا شفعة لشريك على شريك إذا سبقه بالشراء، ولا لصغير ولا لغائب". ضعيف جدًّا أيضًا.

(1/148)


[الباب السابع] : [باب] 1 الإجارة
تجوز على كل عمل لم يمنع منه مانع شرعي2، وتكون الأجرة معلومة عند
__________
1في المخطوط "كتاب"، وبدلت إلى "باب"؛ لضرورة التبويب.
2 لإطلاق الأدلة الواردة في ذلك
منها: ما أخرجه البخاري "4/ 441 رقم 2262" عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم" فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: "نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة".
ومنها: ما أخرجه أبو "3/ 631 رقم 3336" والترمذي "3/ 598 رقم 1305" وقال: "حديث حسن صحيح. والنسائي "7/ 284 رقم 4592" وابن ماجه "2/ 748 رقم 2220" وغيرهم عن سويد بن قيس، قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي بزًّا من هجر، فأتينا به مكة، فجاءنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمشي، فساومنا بسراويل، فبعناه، وثم رجل يزن بالأجر، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "زن وأرجح".
البز: الثياب. هجر: اسم بلد معروف بالبحرين.

(1/148)


الاستئجار1، فإن لم تكن كذلك استحق الأجير مقدار عمله عند أهل ذلك العمل2، وقد ثبت النهي عن كسب الحجام ومهر البغي وحلوان الكاهن3 وعسب الفحل4 وأجرة المؤذن5 وقفيز الطحان6، ويجوز الاستئجار على تلاوة القرآن7 لا على تعليمه8، ويجوز أن يكري العين مدة معلومة9، بأجرة معلومة، ومن ذلك الأرض لا بشطر ما يخرج منها10 [[ومن أفسد ما استؤجر عليه أو أتلف ما استأجره ضمن 11]] (*) ،
__________
1 حديث أبي سعيد: "نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره" ضعيف.
2 لحديث سويد بن قيس، انظر هامش "ص148".
3 لحديث أبي مسعود الأنصاري، انظر هامش "ص138".
4 لحديث ابن عمر، انظر هامش "ص139".
5 لحديث عثمان بن أبي العاص، انظر هامش "ص48".
6 للحديث الذي أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار "1/ 307" والدارقطني "3/ 47 رقم 195" والبيهقي "5/ 339". عن أبي سعيد الخدري قال: "نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان"، وهو حديث صحيح. قفيز الطحان: هو أن يطحن الطعام بجزء منه.
7 للحديث الذي أخرجه البخاري "10/ 198 رقم 5737". عن ابن عباس رضي الله عنه، أن نفرًا من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مروا بماء فيهم لديغ -أو سليم- فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راقٍ؟ إن في الماء رجلًا لديغًا، -أو سليمًا- فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرًا حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجرًا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله".
8 للحديث الذي أخرجه ابن ماجه "2/ 730 رقم 2158" والبيهقي "6/ 125-126" عن أبي بن كعب، قال: علمت رجلًا القرآن، فأهدى إلي قوسًا، فذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "إن أخذتها أخذت قوسًا من نار" فرددتها وهو حديث صحيح.
9 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 15 رقم 2332" ومسلم "3/ 1183 رقم 117/ 1547" عن رافع بن خديج: قال: كنا أكثر الأنصار حقلًا. قال: كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك وأما الورق فلم ينهنا.
10 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1177 رقم 95/ 1536" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا نخابر على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فنصيب من القصري ومن كذا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من كانت له أرض فليزرعها أو فليحرثها أخاه وإلا فليدعها".
القصري: هو ما بقي من الحب في السنبل بعد الدباس، ويقال له القصارة بضم القاف وهذا الاسم أشهر من القصري.
وللحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 684 رقم 3391" والنسائي "7/ 41 رقم 3894" عن سعد ابن أبي وقاص قال: كان أصحاب المزارع يكرون في زمان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مزارعهم بما يكون على الساقي من الزرع، فجاءوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاختصوا في بعض ذلك فنهاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكروا بذلك، وقال: "اكروا بالذهب والفضة" وهو حديث حسن بشواهده.
[[11 للحديث الذي أخرجه أبو داود (4/ 710 رقم 4586) والنسائي (8/ 52 رقم 4830) وابن ماجه (2/ 1148 رقم 3466) وغيرهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "من تطبب ولا يعلم منه طب فهو ضامن" وهو حديث حسن]] (*)
__________
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة: ما بين [[المعكوفين المزدوجين]] زدته على أصل النسخة الإلكترونية، نقلا عن ط دار الهجرة - صنعاء (الطبعة الأولى - 1411 هـ - 1991 م)

(1/149)


[الباب الثامن] : باب الإحياء والإقطاع
من سبق إلى إحياء أرض لم يسبق إليها غيره فهو أحق بها وتكون ملكًا له2، ويجوز للإمام أن يقطع من في إقطاعه مصلحة شيئًا من الأرض الميتة أو المعادن أو المياه3.
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 18 رقم 2335" عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من أعمر أرضًا ليست لأحد فهو أحق" أي أحق بها من غيره.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "9/ 319 رقم 5224" ومسلم "4/ 1716 رقم 2182". عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها قالت: ... وكنت أنقل النوى، من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على رأسي ... ".
أقطعه: قال أهل اللغة: يقال أقطعه إذا أعطاه قطيعة وهي قطعة أرض سميت قطيعة لأنها اقتطعت من جملة الأرض.
وللحديث الذي أخرجه الترمذي "3/ 664 رقم 1380" وقال: حديث حسن غريب وأبو داود "3/ 446 رقم 3064" وابن ماجه "2/ 827 رقم 2475" وغيرهم عن أبيض بن حمال، أنه وفد إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستقطعه الملح، قال ابن المتوكل: الذي بمأرب، فقطعه له، فلما ولي قال رجل من المجلس: أتدري ما قطعت له، إنما قطعت له الماء العِدّ، قال: فانتزع منه، قال: وسأله عما يحمى من الأراك، قال: "ما لم تنله خفاف"، وقال ابن المتوكل: "أخفاف الإبل".
العد "بكسر العين": الدائم الذي لا انقطاع له مثل ماء العين وماء البئر.

(1/150)


[الباب التاسع] : [باب] 1 الشركة
الناس شركاء في الماء والنار والكلأ2، وإذا تشاجر المستحقون للماء كان الأحق به
__________
4 في المخطوط "كتاب" وبدلت إلى "باب"؛ لضرورة التبويب.
5 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 750 رقم 3477" وغيره عن أبي خداش، عن رجل من المهاجرين من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: غزوت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثًا أسمعه يقول: "المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ، والماء، والنار"، وهو حديث صحيح.
الكلأ: نبات ينبت في موات الأرض يرعاه الناس، ليس لأحد أن يختص به دون أحد ويحجزه عن غيره، أما إذا نبت الكلأ في أرضٍ مملوكة فهو لمالك الأرض، وليس لأحد أن يشركه فيه إلا بإذنه.

(1/150)


الأعلى فالأعلى يمسكه إلى الكعبين ثم يرسله إلى من تحته1، ولا يجوز منع فضل الماء؛ ليمنع به الكلأ2، وللإمام أن يحمي بعض المواضع لرعي دواب المسلمين في وقت الحاجة3، ويجوز الاشتراك في النقود والتجارات، ويقسم الربح على ما تراضيا عليه4، وتجوز المضاربة ما لم تشتمل على ما لا يحل5، وإذا تشاجر الشركاء في
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 34/ 2359" ومسلم "4/ 1829 رقم 129/ 2357" عن عروة بن الزبير، أن عبد الله بن الزبير حدثه أن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شراج الحرة -هي مسايل الماء- التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرِّح الماء يمر، فأبى عليهم، فاختصموا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للزبير: "اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك"، فغضب الأنصاري، فقال: يا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن كان ابن عمتك، فتلوَّن وجه نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثم قال: "يا زبير اسقِ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر" فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا} [النساء:75] .
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 31 رقم 2354" ومسلم "3/ 1198 رقم 37/ 1566" وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "لا تمنعوا فضل الماء؛ لتمنعوا به فضل الكلأ".
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 44 رقم 2370" عن ابن عباس رضي الله عنه أن الصعب بن جثامة قال: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا حمى إلا لله ولرسوله" وقال: بلغنا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمى النقيع وأن عمر حمى الشرف والربذة".
الشرف: بفتح الشين المعجمة، وفتح الراء. وهو والربذة: موضعان بين مكة والمدينة.
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 134 رقم 2497، 2498" ومسلم "3/ 1212 رقم 1589" وغيرهما عن أبي المنهال قال: "اشتريت أنا وشريك لي شيئًا يدا بيد نسيئة، فجاءنا البراء بن عازب فسألناه، فقال: فعلت أنا وشريكي زيد بن أرقم، وسألنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك فقال: "ما كان يدًا بيد فخذوه، وما كان نسيئة فردوه".
5 قال ابن حزم في "مراتب الإجماع" ص91: كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في القرآن والسنة، نعلمه ولله الحمد، حاشا القراض -المضاربة- فما وجدنا له أصلًا فيها البتة. ولكنه إجماع صحيح مجرد، والذي نقطع عليه أنه كان في عصر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلمه، فأقره، ولولا ذلك لما جاز" اهـ.
وتعقبه المحدث الألباني في الإرواء "5/ 294" قائلًا: "وفيه أمور؛ أهمها: أن الأصل في المعاملات الجواز، إلا لنص بخلاف العبادات، فالأصل فيها المنع إلا لنص، كما فصله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والقرض والمضاربة من الأول كما هو ظاهر، وأيضًا فقد جاء النص في القرآن بجواز التجارة من تراضٍ، وهي تشمل القراض كما لا يخفى، فهذا كله يكفي؛ دليلًا لجوازه، ودعم الإجماع المدعى فيه" اهـ.

(1/151)


عرض الطريق كان سبعة أذرع1، ولا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره2، ولا ضرر ولا ضرار بين الشركاء3، ومن ضار شريكه جاز للإمام عقوبته بقلع شجره أو بيع داره4.
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 118 رقم 2473" ومسلم "3/ 1232 رقم 1613" وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " ... وقضى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا تشاجروا في الطريق "الميتاء" بسبعة أذرع".
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 110 رقم 2463" ومسلم "3/ 1230 رقم 136/ 1609" وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يمنع جارٌ جاره أن يغرز خشبه في جداره"، ثم يقول أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمين بها بين أكتافكم".
3 للحديث الذي أخرجه أحمد "1/ 313" والمعجم الكبير للطبراني "11/ 302 رقم 11806" وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا ضرر ولا ضرار، وللرجل أن يجعل خشبه على حائط جاره، وإذا شككتم في الطريق فاجعلوها سبعة أذرع". وهو حديث صحيح لغيره.
4 لحديث ابن عباس المتقدم في الهامش "3".

(1/152)


[الباب العاشر] : [باب] 1 الرهن
يجوز رهن ما يملكه الراهن في دين عليه2، والظهر يركب، واللبن يشرب بنفقة المرهون3، ولا يغلق الرهن بما فيه4.
__________
1 في المخطوط "كتاب" وبدلت إلى "باب"؛ لضرورة التبويب.
2 لقوله تعالى: {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ، وللحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 145 رقم 2513" ومسلم "3/ 1226 رقم 124/ 1603" عن عائشة رضي الله عنها قالت: "اشترى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يهودي طعامًا ورَهَنَه درعُه".
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 143 رقم 2512" وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقةُ".
4 يغلق الرهن: يقال: غلِق "بكسر اللام" الرهن يغلَق بفتحها غلوقًا إذا بقي في يد المرتهن لا يقدر راهنه على تخليصه. والمعنى: أنه لا يستحقه المرتهن إذا لم يستفِكَّه صاحبه وكان هذا من فعل الجاهلية أن الراهن إذا لم يؤدها عليه في الوقت المعين ملك المرتهن الرهن فأبطله الإسلام.
قلت: لم يثبت في المسألة حديث.

(1/152)


[الباب الحادي عشر] : [باب] 1 الوديعة والعارية
يجب على الوديع والمستعير تأدية الأمانة إلى من ائتمنه، ولا يخن من خانه2، ولا ضمان عليه إذا تَلِفَت بدون جنايته وخيانته3، ولا يجوز منع الماعون كالدلو والقدر4، وإطراق الفحل وحلب المواشي لمن يحتاج ذلك والحمل عليها في سبيل الله5.
__________
1 في المخطوط:كتاب" وبدلت إلى "باب"؛ لضرورة التبويب.
2 لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] ، وللحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 805 رقم 3535" والترمذي "3/ 564 رقم 1264" وقال: حديث حسن غريب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك" وهو حديث حسن.
3 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 822 رقم 3562"، وعزاه المزي في تحفة الأشراف "4/ 190 رقم 4945" إلى النسائي في الكبرى عن صفوان بن أمية، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعار منه أدراعًا يوم حنين، فقال: أغصب يا محمد؟ فقال: "لا، بل عارية مضمونة" وهو حديث حسن.
أدراعًا: الأدرع جمع قلة لدرع، وهو الزردية، ويجمع على أدرع، وفي الكثرة على دروع، وقد استعمل "الأدراع" في هذا الحديث؛ لكثرة وإن كانت جمع قلة اتساعًا.
4 للحديث الذي أخرجه أبو داود "2/ 302 رقم 1657" عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا نعدُّ الماعون على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عارية الدلو والقدر" وصحح إسناده ابن حجر في الفتح "8/ 731".
5 للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 685 رقم 28/ 988" عن جابر بن عبد الله، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم، لا يؤدي حقها، إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر، تطؤه ذات الظلف بظلفها، وتنطحه ذات القرن بقرنها، ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن" قلنا: يا رسول الله، وما حقها؟ قال: "إطراق فخلها، وإعارة دلوها، ومنيحتها، وحلبها على الماء، وحمل عليها في سبيل الله".

(1/153)


[الباب الثاني عشر] : [باب] 1 الغصب 2
يأثم الغاصب3، ويجب عليه رد ما أخذ، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من
__________
6 في المخطوط "كتاب" وبدلت إلى "باب"؛ لضرورة التبويب.
7 الغصب: هو أخذ مال الغير عدوانًا.
8 لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] ، وللحديث الذي أخرجه البخاري "1/ 157 رقم 67" ومسلم "3/ 1305 رقم 1679" وغيرهما عن أبي بكرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يؤمكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا".

(1/153)


نفسه1، وليس لعِرْق ظالم2 حق، ومن زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، ومن غرس في أرض غيره غرسًا رفعه3، ولا يحل الانتفاع بالمغضوب4، ومن أتلفه فعليه مثله أو قيمته5.
__________
1 للحديث الذي أخرجه أحمد في المسند "5/ 425" والبيهقي "6/ 100" وابن حبان "رقم 1166 -موارد" والطحاوي في مشكل الآثار "4/ 41-42"، عن أبي حميد الساعدي، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا يحل لامرئ أن يأخذ عصى أخيه بغير طيب نفس منه" قال: وذلك لشدة ما حرم الله تعالى على المسلم من مال المسلم. وهو حديث صحيح بطرقه.
2 العرق الظالم: أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها غيره فيغرس فيها أو يزرع ليستوجب به الأرض. "مختار الصحاح ص180".
3 للحديث الذي أخرجه أبو داود "3/ 692 رقم 3403" وابن ماجه "2/ 824 رقم 2466" والترمذي "3/ 648 رقم 1366" وقال: حديث حسن غريب عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء، وله نفقته" وهو حديث صحيح بشواهده.
4 لحديث رافع بن خديج المتقدم في الهامش "3".
أما غصب الأرض فحرام؛ للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 103 رقم 2452" ومسلم "3/ 1230 رقم 137/ 1610" عن سعيد بن زيد، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين".
5 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 124 رقم 2481" عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام فضربت بيدها فكسرت القصعة، فضمها وجعل فيها الطعام، وقال: "كلوا". وحبس الرسول القصعة حتى فرغوا، فدفع القصعة الصحيحة وحبس المكسورة". فضربت بيدها: أي عائشة، وإنما أبهمت؛ تفخيمًا لشأنها، وأنه مما لا يخفى ولا يلتبس أنها هي؛ لأن الهدايا إنما كانت تهدى إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيتها.

(1/154)


[الباب الثالث عشر] : [باب] العت ق 1
أفضل الرقاب أنفسها2،
__________
1 العتق: شرعًا: إسقاط المولى حقه من مملوكه بوجه مخصوص يصير به المملوك من الأحرار، وقد رغب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العتق، كالحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 146 رقم 2517" ومسلم "2/ 1147 رقم 22/ 1509"، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أيما رجل أعتق امرءًا مسلمًا استنقذ الله بكل عضو منه عضوًا منه من النار".
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 148 رقم 2518" ومسلم "1/ 89 رقم 84". عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيله". قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: "أعلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها". قلت: فإن لم أفعل؟ قال: "تعين ضائعًا، أو تصنع لأخرَق". فإن لم أفعل؟ قال: "تدع الناس من الشر؛ فإنها صدقة تصدَّقُ بها على نفسك".
تصنع لأخرق: الأخرق هو الذي ليس بصانع. يقال رجل أخرق وامرأة خرقاء، لمن لا صنعة له.

(1/154)


ويجوز العتق بشرط الخدمة ونحوها1، ومن ملك رحمه عتق عليه2، ومن مثل بمملوكه فعليه أن يعتقه3، وإلا أعتقه الإمام أو الحاكم4، ومن أعتق شركًا له في عبد ضمن لشركائه نصيبهم بعد التقويم5، وإلا عتق نصيبه فقط، واستسعى العبد6، ولا يصح شرط الولاء لغير من أعتق7
__________
1 للحديث الذي أخرجه أبو داود "4/ 250 رقم 3932" وابن ماجه "2/ 844 رقم 2526" وغيرهما عن سفينة قال: كنت مملوكًا لأم سلمة، فقالت: أعتقك وأشترط عليك أن تخدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما عشت، فقلت: إن لم تشترطي علي ما فارقت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما عشت، فأعتقتني واشترطت علي". وهو حديث حسن.
2 للحديث الذي أخرجه أبو داود "4/ 259 رقم 3949"، والترمذي "3/ 646 رقم 1365" وابن ماجه "2/ 843 رقم 2514" وغيرهم عن سمرة بن جندب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر" وهو حديث صحيح لغيره.
3 للحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1278 رقم 29/ 1657" وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه".
4 للحديث الذي أخرجه أبو داود "4/ 654 رقم 4519" وابن ماجه "2/ 894 رقم 2680" عن عمرو بن عيب، عن أبيه، عن جده، قال: جاء رجل مستصرخ إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: جارية له يا رسول الله، فقال: "ويحك ما لك"؟ قال: شر، أبصر لسيده جارية له فغار فجب مذاكيره، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "علي بالرجل" فطلب فلم يقدر عليه، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اذهب فأنت حر" فقال: يا رسول الله على من نصرتي؟ قال: "على كل مؤمن" -أو قال: "كل مسلم" - هو حديث حسن.
5 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 132 رقم 2491" ومسلم "2/ 1139 رقم 1/ 1501" وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أعتق شقصًا له من عبد -أو شركًا- أو قال: نصيبًا- وكان له ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل فهو عتيق، وإلا فقد عتق منه عتق".
6 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 187 رقم 2561" ومسلم "2/ 1141 رقم 6/ 1504"، عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها، ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا، قالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت، فذكرت ذلك بريرة لأهلها فأبوا وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا، فذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ابتاعي فأعتقي؛ فإنما الولاء لمن أعتق". قال: ثم قام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "ما بال أناس يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟ من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له، وإن شرط مائة مرة، شرط الله أحق وأوثق".

(1/155)


ويجوز التدبير1، فيعتق بموت مالكه، وإذا احتاج المالك جاز له بيعه2، ويجوز مكاتبة المملوك على مال يؤديه3، فيصير عند الوفاء حرًّا، ويعتق منه بقدر ما سلم4، وإذا عجز عن تسليم مال الكتابة عاد في الرق5، ومن استولد أمته لم يحل له بيعها6، وعتقت بموته7، أو بتنجيزه لعتقها8.
__________
1 التدبير: هو عتق العبد إلى بعد الموت من قبل سيده؛ يقول له: أنت حر بعد دبر مني.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 165 رقم 2534" ومسلم "3/ 1289 رقم 58/ 997" وغيرهما، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: "أعتق رجل منا عبدًا له عن دبر، فدعا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به فباعه. قال جابر: مات الغلام عام أول".
3 لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ} [النور: 33] .
4 للحديث الذي أخرجه أبو داود "4/ 706 رقم 4581" والنسائي "8/ 45 رقم 4809" والترمذي "3/ 560" معلقًا وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنه، أن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى في المكاتب أن يؤدي بقدر ما عتق منه دية الحر.
5 لكون المالك لم يعتقه إلا بعوض، وإذا لم يحصل العوض لم يحصل العتق.
6 بل الأصح جواز بيعها؛ للحديث الذي أخرجه أبو داود "4/ 262، رقم 3954" عن جابر بن عبد الله، قال: بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكر، فلما كان عمر نهانا فانتهينا.
وأخرجه ابن ماجه "2/ 841 رقم 2517". عن جابر قال: "كنا نبيع سرارينا وأمهات أولادنا، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فينا حي لا يرى بذلك بأسًا"، وهو حديث صحيح، أما حديث ابن عباس: ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "اعتقها ولدها" فضعيف لا تقوم به الحجة.
7 أي سيدها الذي استولدها، والأصح لم تعتق؛ لضعف حديث ابن عباس: "من وطئ أمته فولدت له فهي معتقة عن دبر منه" أي في دبر حياته.
8 أي تنجيز مستولدها لعتقها. قلت: هذا في حين وقوع العتق بالولادة، ولكن العتق لا يقع كما علمت آنفًا.

(1/156)


[الباب الرابع عشر] : [باب] الوقف 1
من حبس ملكه في سبيل الله صار محبسًا، وله أن يجعل غلاته لأي مصرف شاء مما
__________
1 حث الإسلام على الوقف، ودل على ذلك، ما أخرجه الإمام مسلم "3/ 1255 رقم 1631" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه قال: "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

(1/156)


فيه قربة، وللمتولي عليه أن يأكل منه بالمعروف1، وللواقف أن يجعل نفسه في وقفه كسائر المسلمين2.
ومن وقف شيئًا مضارة فهو باطل 3 (*) ، ومن وضع مالًا في مسجد أو مشهد لا ينتفع به أحد جاز صرفه في أهل الحاجات ومصالح المسلمين، ومن ذلك ما يوضع في الكعبة وفي مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4، والوقف على القبور؛ لرفع سمكها أو تزيينها أو فعل ما يجلب على زائرها فتنةً باطلٌ5.
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 354 رقم 2737" ومسلم "3/ 1255 رقم 15/ 1632" وغيرهما عن ابن عمر رضي الله عنه، أن عمر بن الخطاب أصاب أرضًا بخيبر، فأتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستأمر فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قط أنفس عندي منه فما تأمر به؟ قال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها". قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء في القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، ولا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متمول".
2 للحديث الذي أخرجه النسائي "6/ 235 رقم 3608" والترمذي "5/ 627 رقم 3703" وقال: حديث حسن، والبخاري "5/ 29" معلقًا، عن عثمان بن عفان، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال: "من يشتري بئر رومة فيجعل دلعوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة". فاشتريتها من صلب مالي، وهو حديث حسن.
3 لحديث ابن عباس، انظر هامش "152".
4 للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 969 رقم 400/ 1333" عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية -أو قال: بكفر- لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها من الحجر". فهذا يدل على جواز إنفاق مال الكعبة إذا زال المانع وهو حداثة عهد الناس بالكفر وقد زال ذلك.
وإذا كان هذا هو الحكم في الأموال التي في الكعبة فالأموال التي في غيرها من المساجد أولى بذلك بفحوى الخطاب.
5 للحديث الذي أخرجه مسلم "2/ 666 رقم 93/ 969" وغيره عن أبي الهياج الأسدي، قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا تدع تمثالًا إلا طمسته، ولا قبرًا إلا سويته".
اعلم أن الوقف على القبور مفسدة ومنكر كبير، إلا أن يقف على القبر مثلًا لإصلاح ما انهدم من عمارته التي لا إشراف فيها ولا رفع ولا تزيين، فقد يكون لهذا وجه صحة، وإن كان الحر أولى من الميت. وللإمام الشوكاني رضي الله عنه كتاب بعنوان "شرح الصدور في تحريم رفع القبور" بتحقيقنا نشر: دار الهجرة بصنعاء. فانظره لزامًا.
__________
(*) قال مُعِدّ الكتاب للشاملة:في ط دار الهجرة - صنعاء (الطبعة الأولى - 1411 هـ - 1991 م) : ومن وقف شيئًا مضارة لوارثه كان وقفه باطلا

(1/157)


[الباب الخامس عشر] : [باب] الهدايا
يشرع قبولها ومكافأة فاعلها1، وتجوز بين المسلم والكافر2، ويحرم الرجوع فيها3، وتجب التسوية بين الأولاد4، والرد لغير مانع شرعي مكروه5.
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 210 رقم 2585" وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقبل الهدية ويثيب عليها.
2 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 230 رقم 2616" ومسلم "4/ 1916 رقم 2469". عن أنس بن مالك، قال: "إن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وللحديث الذي أخرجه البخاري "10/ 413 رقم 5978" عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: "ائتني أمي راغبة في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آصلها؟ قال: "نعم". قال ابن عيينة: فأنزل الله تعالى فيها: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] .
3 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 234 رقم 2621" ومسلم "3/ 1241 رقم 7/ 1622". عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "العائد في هبته كالعائد في قيئه".
4 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 211 رقم 2586" ومسلم "3/ 1241 رقم 9/ 1623" عن النعمان بن بشير، أنه قال: إن أباه أتى به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني نحلت ابني هذا غلامًا كان لي. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أكل ولدك نحلته مثل هذا"؟ فقال: لا. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فأرجعه".
5 للحديث الذي أخرجه البخاري في الأدب المفرد "رقم: 594" والبيهقي "6/ 169" والدولابي في الكنى "1/ 150" و"2/ 7" وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "تهانوا تحابوا" وهو حديث حسن، وأما إذا كان ثم مانع شرعي من قبول الهدية لم يحل قبولها. وذلك كالهدايا لأهل الولايات توصلًا إلى أن يميلوا مع المهدي. انظر الهامش "ص190"

(1/158)


[الباب السادس عشر] : [باب] الهبة
إن كانت بغير عوض فلها حكم الهدية في جميع ما سلف1، وإن كانت بعوض فهي بيع لها حكمة2، والعمرَى3 والرقبى4
__________
1 لكون الهدية هبة لغة وشرعًا، والفرق بينهما إنما هو اصطلاح جديد.
2 لأن المعتبر في التبايع إنما هو التراضي والتعاوض، وهما حاصلان في الهبة بعوض.
3 العمرى "بضم العين المهملة، وسكون الميم مع القصر عند الأكثر" وهي مأخوذة من العمر وهو الحياة؛ سميت بذلك لأنهم كانوا في الجاهلية يعطي الرجل الرجل الدار ويقول له: أعمرتك إياها؛ أي أبحتها لك مدة عمرك وحياتك. فقيل لها عمرى لذلك.
4 الرقبى: المراقبة: أن يعطي إنسان دارًا، أو أرضًا، فإن مات أحدهما كانت للحي فكلاهما يترقب وفاة صاحبه، ولهذا سميت.

(1/158)


توجبان الملك للمعمر والمرقب ولعقبه من بعده لا رجوع فيهما1.
__________
1 للحديث الذي أخرجه البخاري "5/ 238 رقم 2625" ومسلم "3/ 1246 رقم 25/ 1625" عن جابر رضي الله عنه قال: قضى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالعمرى أنها لمن وهبت له".
وللحديث الذي أخرجه مسلم "3/ 1246 رقم 26/ 1625".
عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها، حيًا وميتًا، ولعقبه".
وللحديث الذي أخرجه النسائي "6/ 273 رقم 3732" وابن ماجه "2/ 796 رقم 2382". عن ابن عمر قال: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لا عمرى ولا رقبى فمن أعمر شيئًا أو أرقبه فهو له حياته ومماته". وهو حديث صحيح.

(1/159)